فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الضَّبِّ

رقم الحديث 1767 حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ فَإِذَا ضِبَابٌ فِيهَا بَيْضٌ، وَمَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا؟ فَقَالَتْ: أَهْدَتْهُ لِي أُخْتِي هُزَيْلَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، فَقَالَ: لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: كُلَا، فَقَالَا: أَوَلَا تَأْكُلُ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: إِنِّي تَحْضُرُنِي مِنَ اللَّهِ حَاضِرَةٌ، قَالَتْ مَيْمُونَةُ: أَنَسْقِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ لَبَنٍ عِنْدَنَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا شَرِبَ قَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا؟ فَقَالَتْ: أَهْدَتْهُ لِي أُخْتِي هُزَيْلَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتِكِ جَارِيَتَكِ الَّتِي كُنْتِ اسْتَأْمَرْتِينِي فِي عِتْقِهَا، أَعْطِيهَا أُخْتَكِ، وَصِلِي بِهَا رَحِمَكِ، تَرْعَى عَلَيْهَا فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَكِ.


( مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة) الأنصاري المازني من الثقات ( عن سليمان بن يسار) بتحتية ومهملة خفيفة أحد الفقهاء التابعي ( أنه قال) مرسلاً وقد رواه بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار عن ميمونة ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة بنت الحارث) الهلالية أم المؤمنين ( فإذا ضباب) بالكسر جمع ضب ( فيها بيض ومعه عبد الله بن عباس) ابن أخت ميمونة لبابة الصغرى ( فقال) صلى الله عليه وسلم ( من أين لكم هذا فقالت) ميمونة ( أهدته لي أختي هزيلة) بضم الهاء وفتح الزاي فتحتية فلام ( بنت الحارث) الهلالية صحابية تكنى أم حفيد بضم الحاء المهملة وفتح الفاء تزوجت في الأعراب وفي الصحيحين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أهدت خالتي أم حفيد بنت الحارث إلى النبي صلى الله عليه وسلم سمنًا وأقطًا وضبابًا فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من السمن والأقط وترك الضب تقذرًا قال ابن عباس فأكلنا من الضب على مائدته صلى الله عليه وسلم ولو كان حرامًا ما أكل على مائدته وفي لفظ فدعا بهن صلى الله عليه وسلم فأكلن على مائدته ( فقال لعبد الله بن عباس وخالد بن الوليد كلاً فقال أولا تأكل أنت يا رسول الله فقال إني يحضرني من الله حاضرة) قال ابن العربي يحتمل أن يكون مع الضباب والبيض رائحة متكرهة فيكون من باب أكل البصل والثوم وإما أن يريد أن الملك ينزل عليه بالوحي ولا يصلح لمن كان في هذه المرتبة ارتكاب المشتبهات وقال ابن عبد البر معناه إن صحت هذه اللفظة لأنها لا توجد في غير هذا الحديث قوله في الحديث الآتي لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه كذا قال وبعده لا يخفى ( قالت ميمونة أنسقيك يا رسول الله من لبن عندنا فقال نعم فلما شرب قال من أين لكم هذا) اللبن ( قالت أهدته لي أختي هزيلة) بضم الهاء وفتح الزاي ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيتك) بكسر التاء والكاف أي أخبريني عن شأن ( جاريتك) وكانت سوداء كما عند النسائي قال الحافظ ولم أقف على اسمها ( التي كنت استأمرتني) بدون ياء للتخفيف كقوله
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني

وفي نسخة سألتيني استأمرتيني بالياء على الأصل ( في عتقها أعطيها أختك) هزيلة المذكورة ( وصلي بها رحمك ترعى عليها مواشيها فإنه خير لك) من عتقها لتعدي النفع ففيه أن الهبة لذوي الرحم أفضل من العتق كما قال ابن بطال لكن ليس على إطلاقه بل يختلف باختلاف الأحوال وقد بين وجه الأفضلية هنا بقوله ترعى عليها وفي رواية النسائي أفلا فديت بها بنت أخيك من رعاية الغنم على أنه ليس في حديث الباب نص على أن صلة الرحم أفضل من العتق لأنها واقعة عين ثم لا تعارض بين هذا الحديث وبين حديث الصحيحين عن ميمونة أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها قالت أشعرت يا رسول الله أني عتقت وليدتي قال أو فعلت لو أعطيتها أخواتك كان أعظم لأجرك لأنه يجمع بينهما بأنها استأمرته فلم يرجع إليها بشيء فأعتقها بدون استئذان ظنًا أن سكوته رضا فلما كان يومها وقدمت له الهدية وشرب من اللبن وسألها وأخبرته أنه هدية من أختها أمرها بأن تعطيها الجارية لأنه لم يعلم بأنها أعتقتها فأخبرته فقال لو أعطيتها أخواتك إلخ وهو بالفوقية جمع أخت وفي رواية باللام جمع خال ورجح عياض الفوقية بدليل رواية الموطأ أختك وجمع باحتمال أنه عليه السلام قال ذلك.
مالك عن ابن شهاب محمد بن مسلم الزهري ( عن أبي أمامة) أسعد ( بن سهل بن حنيف) الأنصاري له رؤية وأبوه صحابي بدري ( عن عبد الله بن عباس) الحبر الترجمان ( عن خالد بن الوليد بن المغيرة) المخزومي سيف الله قال ابن عبد البر هكذا رواه يحيى والقعنبي وابن القاسم وجماعة ورواه ابن بكير عن ابن عباس وخالد أنهما دخلا مع رسول الله بيت ميمونة وتابعه قوم وكذا رواه معمر عن الزهري انتهى ومن قوم يحيى التميمي عند مسلم ورواه مثل الأولين عند الشيخين يونس عن الزهري أخبرني أبو أمامة أن ابن عباس أخبره أن خالد بن الوليد الذي يقال له سيف الله أخبره ( أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأتي) بضم الهمزة ( بضب محنوذ) بفتح الميم وإسكان الحاء المهملة وضم النون فواو فذال معجمة مشوي بالحجارة المحماة يقال حنيذ ومحنوذ كقتيل ومقتول وفي رواية يونس عن ابن شهاب عند البخاري ومسلم أنه دخل مع رسول الله على ميمونة فوجد عندها ضبًا محنوذًا قد قدمت به أختها أم حفيدة بنت الحارث من نجد فقدمت الضب لرسول الله وكان قلمًا يقدم يده لطعام حتى يحدث به ويسمى له ( فأهوى) بإسكان الهاء وفتح الواو أي مد ( إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يده) ليأخذه ( فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة) لم يسم النسوة والقائل هي ميمونة كما في مسلم وغيره ( أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل منه فقيل هو ضب يا رسول الله) ولفظ مسلم من طريق ابن الأصم عن ابن عباس فقالت ميمونة يا رسول الله إنه لحم ضب ( فرفع يده) عن الضب قال خالد ( فقلت أحرام هو يا رسول الله فقال لا ولكنه لم يكن بأرض قومي) مكة أصلاً أو لم يكن مشهورًا كثيرًا فيها فلم يأكلوه وفي رواية يزيد بن الأصم هذا لحم لم آكله قط ( فأجدني أعافه) بعين مهملة وفاء مضارع عفت الشيء أي أجد نفسي تكرهه ومعنى الاستدراك هنا تأكيد الخبر كأنه لما قال ليس بحرام قيل ولم لا تأكله أنت قال لأنه لم يكن بأرض قومي والفاء للسببية في فأجدني ( قال خالد فاجتررته) بجيم ساكنة ففوقية فراء مكررة أي جررته ( فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر) إلي فأكله حلال بنصه وإقراره على أكله عنده وعليه الجمهور والأئمة الأربعة بلا كراهة كما رجحه الطحاوي خلافًا لقول صاحب الهداية من الحنفية يكرهه لنهيه صلى الله عليه وسلم عائشة لما سألته عن أكله لكنه ضعيف فلا يحتج به وحكى عياض تحريمه عن قوم قال النووي ما أظنه يصح عن أحد قال أبو عمر فيه أنه صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب وإنما يعلم منه ما يظهره الله عليه وأن النفوس تعاف ما لم تعهد وحل الضب وإن من الحلال ما تعافه النفس وأن الحرمة والحل ليسا مردودين إلى الطباع وإنما الحرام ما حرمه الكتاب والسنة أو كان في معنى ما حرمه أحدهما قال ودخول خالد وابن عباس البيت وفيه النسوة كان قبل نزول الحجاب انتهى وليس بلازم إذ يجوز أنه بعده وهن مستورات وأما ميمونة فخالتهما وأخرجه البخاري عن القعنبي ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ( عن عبد الله بن دينار) المدني مولى ابن عمر ورواه ابن بكير عن مالك عن نافع قال ابن عبد البر وهو صحيح محفوظ عنهما جميعًا ( عن عبد الله بن عمر أن رجلاً) في الترمذي وابن ماجه بإسناد ضعيف عن خزيمة بن جزء بفتح الجيم وإسكان الزاي قلت يا رسول الله ما ترى في الضب الحديث ( نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما ترى في الضب) هل يؤكل أم لا ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لست بآكله) بمد الهمزة ( ولا بمحرمه) لأنه حلال وفي رواية لمسلم كلوه فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي زاد خزيمة بن جزء فقلت إني آكل ما لم تحرمه وأما رواية من روى لست بمحله ولا بمحرمه فقال ابن عبد البر إنه خطأ ليس بشيء وقد رده ابن عباس وقال لم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا آمرًا أو ناهيًا ومحلاً أو محرمًا ولو كان حرامًا لم يؤكل على مائدته انتهى وأما حديث أبي سعيد عند مسلم والنسائي قال رجل يا رسول الله إنا بأرض مضبة فما تأمرنا قال ذكر لي أن أمة من بني إسرائيل مسخت فلم يأمر ولم ينه فأجيب بأن ذلك كان قبل أن يعلم أن الله لم يجعل لممسوخ نسلاً وهذا الحديث رواه الترمذي عن قتيبة عن مالك عن ابن دينار وتابعه إسماعيل بن جعفر عن ابن دينار وتابعه في روايته عن نافع الليث وعبيد الله وأيوب وموسى بن عقبة وأسامة الليثي كلهم عن نافع أخرج ذلك كله مسلم ولذا قال أبو عمر إنه صحيح محفوظ عنهما جميعًا.



رقم الحديث 1768 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ: أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ؟ فَقِيلَ: هُوَ ضَبٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَفَعَ يَدَهُ، فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ.


( مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة) الأنصاري المازني من الثقات ( عن سليمان بن يسار) بتحتية ومهملة خفيفة أحد الفقهاء التابعي ( أنه قال) مرسلاً وقد رواه بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار عن ميمونة ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة بنت الحارث) الهلالية أم المؤمنين ( فإذا ضباب) بالكسر جمع ضب ( فيها بيض ومعه عبد الله بن عباس) ابن أخت ميمونة لبابة الصغرى ( فقال) صلى الله عليه وسلم ( من أين لكم هذا فقالت) ميمونة ( أهدته لي أختي هزيلة) بضم الهاء وفتح الزاي فتحتية فلام ( بنت الحارث) الهلالية صحابية تكنى أم حفيد بضم الحاء المهملة وفتح الفاء تزوجت في الأعراب وفي الصحيحين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أهدت خالتي أم حفيد بنت الحارث إلى النبي صلى الله عليه وسلم سمنًا وأقطًا وضبابًا فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من السمن والأقط وترك الضب تقذرًا قال ابن عباس فأكلنا من الضب على مائدته صلى الله عليه وسلم ولو كان حرامًا ما أكل على مائدته وفي لفظ فدعا بهن صلى الله عليه وسلم فأكلن على مائدته ( فقال لعبد الله بن عباس وخالد بن الوليد كلاً فقال أولا تأكل أنت يا رسول الله فقال إني يحضرني من الله حاضرة) قال ابن العربي يحتمل أن يكون مع الضباب والبيض رائحة متكرهة فيكون من باب أكل البصل والثوم وإما أن يريد أن الملك ينزل عليه بالوحي ولا يصلح لمن كان في هذه المرتبة ارتكاب المشتبهات وقال ابن عبد البر معناه إن صحت هذه اللفظة لأنها لا توجد في غير هذا الحديث قوله في الحديث الآتي لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه كذا قال وبعده لا يخفى ( قالت ميمونة أنسقيك يا رسول الله من لبن عندنا فقال نعم فلما شرب قال من أين لكم هذا) اللبن ( قالت أهدته لي أختي هزيلة) بضم الهاء وفتح الزاي ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيتك) بكسر التاء والكاف أي أخبريني عن شأن ( جاريتك) وكانت سوداء كما عند النسائي قال الحافظ ولم أقف على اسمها ( التي كنت استأمرتني) بدون ياء للتخفيف كقوله
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني

وفي نسخة سألتيني استأمرتيني بالياء على الأصل ( في عتقها أعطيها أختك) هزيلة المذكورة ( وصلي بها رحمك ترعى عليها مواشيها فإنه خير لك) من عتقها لتعدي النفع ففيه أن الهبة لذوي الرحم أفضل من العتق كما قال ابن بطال لكن ليس على إطلاقه بل يختلف باختلاف الأحوال وقد بين وجه الأفضلية هنا بقوله ترعى عليها وفي رواية النسائي أفلا فديت بها بنت أخيك من رعاية الغنم على أنه ليس في حديث الباب نص على أن صلة الرحم أفضل من العتق لأنها واقعة عين ثم لا تعارض بين هذا الحديث وبين حديث الصحيحين عن ميمونة أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها قالت أشعرت يا رسول الله أني عتقت وليدتي قال أو فعلت لو أعطيتها أخواتك كان أعظم لأجرك لأنه يجمع بينهما بأنها استأمرته فلم يرجع إليها بشيء فأعتقها بدون استئذان ظنًا أن سكوته رضا فلما كان يومها وقدمت له الهدية وشرب من اللبن وسألها وأخبرته أنه هدية من أختها أمرها بأن تعطيها الجارية لأنه لم يعلم بأنها أعتقتها فأخبرته فقال لو أعطيتها أخواتك إلخ وهو بالفوقية جمع أخت وفي رواية باللام جمع خال ورجح عياض الفوقية بدليل رواية الموطأ أختك وجمع باحتمال أنه عليه السلام قال ذلك.
مالك عن ابن شهاب محمد بن مسلم الزهري ( عن أبي أمامة) أسعد ( بن سهل بن حنيف) الأنصاري له رؤية وأبوه صحابي بدري ( عن عبد الله بن عباس) الحبر الترجمان ( عن خالد بن الوليد بن المغيرة) المخزومي سيف الله قال ابن عبد البر هكذا رواه يحيى والقعنبي وابن القاسم وجماعة ورواه ابن بكير عن ابن عباس وخالد أنهما دخلا مع رسول الله بيت ميمونة وتابعه قوم وكذا رواه معمر عن الزهري انتهى ومن قوم يحيى التميمي عند مسلم ورواه مثل الأولين عند الشيخين يونس عن الزهري أخبرني أبو أمامة أن ابن عباس أخبره أن خالد بن الوليد الذي يقال له سيف الله أخبره ( أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأتي) بضم الهمزة ( بضب محنوذ) بفتح الميم وإسكان الحاء المهملة وضم النون فواو فذال معجمة مشوي بالحجارة المحماة يقال حنيذ ومحنوذ كقتيل ومقتول وفي رواية يونس عن ابن شهاب عند البخاري ومسلم أنه دخل مع رسول الله على ميمونة فوجد عندها ضبًا محنوذًا قد قدمت به أختها أم حفيدة بنت الحارث من نجد فقدمت الضب لرسول الله وكان قلمًا يقدم يده لطعام حتى يحدث به ويسمى له ( فأهوى) بإسكان الهاء وفتح الواو أي مد ( إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يده) ليأخذه ( فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة) لم يسم النسوة والقائل هي ميمونة كما في مسلم وغيره ( أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل منه فقيل هو ضب يا رسول الله) ولفظ مسلم من طريق ابن الأصم عن ابن عباس فقالت ميمونة يا رسول الله إنه لحم ضب ( فرفع يده) عن الضب قال خالد ( فقلت أحرام هو يا رسول الله فقال لا ولكنه لم يكن بأرض قومي) مكة أصلاً أو لم يكن مشهورًا كثيرًا فيها فلم يأكلوه وفي رواية يزيد بن الأصم هذا لحم لم آكله قط ( فأجدني أعافه) بعين مهملة وفاء مضارع عفت الشيء أي أجد نفسي تكرهه ومعنى الاستدراك هنا تأكيد الخبر كأنه لما قال ليس بحرام قيل ولم لا تأكله أنت قال لأنه لم يكن بأرض قومي والفاء للسببية في فأجدني ( قال خالد فاجتررته) بجيم ساكنة ففوقية فراء مكررة أي جررته ( فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر) إلي فأكله حلال بنصه وإقراره على أكله عنده وعليه الجمهور والأئمة الأربعة بلا كراهة كما رجحه الطحاوي خلافًا لقول صاحب الهداية من الحنفية يكرهه لنهيه صلى الله عليه وسلم عائشة لما سألته عن أكله لكنه ضعيف فلا يحتج به وحكى عياض تحريمه عن قوم قال النووي ما أظنه يصح عن أحد قال أبو عمر فيه أنه صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب وإنما يعلم منه ما يظهره الله عليه وأن النفوس تعاف ما لم تعهد وحل الضب وإن من الحلال ما تعافه النفس وأن الحرمة والحل ليسا مردودين إلى الطباع وإنما الحرام ما حرمه الكتاب والسنة أو كان في معنى ما حرمه أحدهما قال ودخول خالد وابن عباس البيت وفيه النسوة كان قبل نزول الحجاب انتهى وليس بلازم إذ يجوز أنه بعده وهن مستورات وأما ميمونة فخالتهما وأخرجه البخاري عن القعنبي ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ( عن عبد الله بن دينار) المدني مولى ابن عمر ورواه ابن بكير عن مالك عن نافع قال ابن عبد البر وهو صحيح محفوظ عنهما جميعًا ( عن عبد الله بن عمر أن رجلاً) في الترمذي وابن ماجه بإسناد ضعيف عن خزيمة بن جزء بفتح الجيم وإسكان الزاي قلت يا رسول الله ما ترى في الضب الحديث ( نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما ترى في الضب) هل يؤكل أم لا ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لست بآكله) بمد الهمزة ( ولا بمحرمه) لأنه حلال وفي رواية لمسلم كلوه فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي زاد خزيمة بن جزء فقلت إني آكل ما لم تحرمه وأما رواية من روى لست بمحله ولا بمحرمه فقال ابن عبد البر إنه خطأ ليس بشيء وقد رده ابن عباس وقال لم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا آمرًا أو ناهيًا ومحلاً أو محرمًا ولو كان حرامًا لم يؤكل على مائدته انتهى وأما حديث أبي سعيد عند مسلم والنسائي قال رجل يا رسول الله إنا بأرض مضبة فما تأمرنا قال ذكر لي أن أمة من بني إسرائيل مسخت فلم يأمر ولم ينه فأجيب بأن ذلك كان قبل أن يعلم أن الله لم يجعل لممسوخ نسلاً وهذا الحديث رواه الترمذي عن قتيبة عن مالك عن ابن دينار وتابعه إسماعيل بن جعفر عن ابن دينار وتابعه في روايته عن نافع الليث وعبيد الله وأيوب وموسى بن عقبة وأسامة الليثي كلهم عن نافع أخرج ذلك كله مسلم ولذا قال أبو عمر إنه صحيح محفوظ عنهما جميعًا.



رقم الحديث 1769 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لِبْسَتَيْنِ، وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ، عَنِ الْمُلَامَسَةِ، وَعَنِ الْمُنَابَذَةِ، وَعَنْ أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَعَنْ أَنْ يَشْتَمِلَ الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ.


( ما جاء في لبس الثياب)

( مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا مما قيل أنه أصح الأسانيد ( أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين) بكسر اللام وسكون الموحدة ( وعن بيعتين) بفتح الباء ويجوز كسرها على إرادة الهيئة قاله الحافظ وغيره فمقتضاه أن الرواية بالفتح وإن قال بعضهم الكسر أحسن نظرًا للهيئة وأبدل من بيعتين قوله ( عن الملامسة) بأن يلمس الثوب مطويًا أو في ظلمة فيلزم بذلك البيع ولا خيار له إذا رآه اكتفاء بلمسه أو يقول إذا لمسته فقد بعتك اكتفاء بلمسه أو على أنه متى لمسه انعقد البيع ولا خيار ( وعن المنابذة) مفاعلة زاد في حديث أبي سعيد في الصحيح والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذلك والمنابذة أن ينبذ الرجل ثوبه وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر للثوب ولا تراض وبين اللبستين بقوله ( وعن أن يحتبي) بفتح أوله وكسر الموحدة ( الرجل) أي وعن احتباء الرجل بأن يقعد على أليتيه وينصب ساقيه ملتفًا ( في ثوب واحد ليس على فرجه منه) أي الثوب ( شيء) زاد في حديث أبي سعيد بينه وبين السماء لما فيه من الإفضاء به إلى السماء ولأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ربما تحرك فتبدو عورته فإن كان مستور العورة فلا حرمة ( وعن أن يشتمل الرجل بالثوب الواحد على أحد شقيه) فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب فيحرم إن انكشف بعض عورته وإلا كره وهذه اللبسة هي المعروفة عند الفقهاء بالصماء لأن يده حينئذ تصير داخل ثوبه فإن أصابه شيء يريد الاحتراس منه والاتقاء بيديه تعذر عليه وإن أخرجها من تحت الثوب انكشفت عورته وبها فسر في حديث أبي سعيد ولفظه والصماء أن يجعل الرجل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب وفسرها اللغويون بأن يشتمل بالثوب حتى يخلل به جسده لا يرفع منه جانبًا فلا يبقى ما تخرج منه يده قاله الأصمعي قال ابن قتيبة ولذا سميت صماء لسد المنافذ كلها كالصخرة الصماء لا خرق فيها ولا صدع فيكره على هذا لعجزه عن الاستعانة بيده فيما يعرض له في الصلاة كدفع بعض الهوام وهذا الحديث رواه البخاري عن إسماعيل عن مالك به ( مالك عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما ( أن) أباه ( عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء) بكسر السين المهملة وفتح التحتية وبالراء والمد قال مالك أي حرير وقال الأصمعي ثياب فيها خطوط من حرير أو قز وإنما قيل لها سيراء لسير الخطوط فيها وقيل حرير خالص قال عياض وابن قرقول ضبطناه على المتقنين حلة سيراء بالإضافة كما يقال ثوب خز وعن بعضهم بالتنوين على الصفة أو البدل قيل وعليه أكثر المحدثين قال الخطابي يقال حلة سيراء كما يقال ناقة عشراء قال ابن التين يريد أن عشراء مأخوذ من عشرة أي أكملت الناقة عشرة أشهر فسميت عشراء وكذلك الحلة سميت سيراء لأنها مأخوذة من السيور هذا وجه التشبيه لكن قال سيبويه لم يأت فعلاء وصفًا وقال الخليل ليس في الكلام فعلاء بكسر أوله مع المد سوى سيراء وحولاء وهو الماء الذي يخرج على رأس الولد وعنباء لغة في العنب والمعنى رأى حلة حرير ( تباع عند باب المسجد) النبوي ولمسلم عن جرير بن حازم عن نافع عن ابن عمر رأى عمر عطارد التميمي يقيم حلة بالسوق وكان رجلاً يغشى الملوك ويصيب منهم ( فقال يا رسول الله لو اشتريت هذه الحلة فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك) لكان حسنًا أو لو للتمني لا للشرط فلا تحتاج للجزاء وفي رواية للبخاري فلبستها للعيد وللوفد وللنسائي وتجملت بها للوفود والعرب إذا أتوك وإذا خطبت الناس يوم عيد وغيره ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس هذه) وفي رواية جرير إنما يلبس الحرير ( من لا خلاق) أي من لا حظ ولا نصيب ( له) من الخير ( في الآخرة) وهذا خرج على سبيل التغليظ وإلا فالمؤمن العاصي لا بد من دخوله الجنة فله خلاق في الآخرة كما أن عمومه مخصوص بالرجال لقيام الأدلة على إباحة الحرير للنساء ( ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم منها) أي من جنس الحلة السيراء ( حلل) فاعل جاء ( فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة) أي بعث بها إليه كما في رواية البخاري ولمسلم من رواية جرير وبعث إلى أسامة بحلة وأعطى علي بن أبي طالب حلة ( فقال عمر يا رسول الله أكسوتنيها) بهمزة الاستفهام وفي رواية جرير فجاء عمر بحلته فقال بعثت إلي بهذه ( وقد قلت في حلة عطارد) بضم المهملة وكسر الراء ودال مهملة ابن حاجب بن زرارة بن عدي بمهملتين التميمي الدارمي وفد في بني تميم وأسلم وحسن إسلامه وله صحبة ( ما قلت) إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أكسكها لتلبسها) بل لتنتفع بها وفي رواية للبخاري إنما بعثت إليك لتبيعها أو تكسوها غيرك وفيه دليل على أنه يقال كساه إذا أعطاه كسوة لبسها أم لا ولمسلم أعطيتكها تبيعها وتصيب بها حاجتك ولأحمد فباعها بألفي درهم لكن يعارضه قوله ( فكساها عمر أخا) كائنًا ( له مشركًا) كائنًا ( بمكة) وعند النسائي أخًا له من أمه وسماه ابن الحذاء عثمان بن حكيم ونقله ابن بشكوال قال الدمياطي هو السلمي أخو خولة بنت حكيم بن أمية وهو أخو زيد بن الخطاب لأمه فمن أطلق عليه أنه أخو عمر لأمه لم يصب إنما هو أخو أخيه وتعقب باحتمال أن عمر رضع من أم أخيه زيد فيكون عثمان هذا أخا عمر لأمه من الرضاع وهذا الحديث رواه البخاري في الجمعة عن عبد الله بن يوسف وفي الهبة عن القعنبي ومسلم في اللباس عن يحيى كلهم عن مالك به وتابعه جماعة في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد بن خالد الأنصاري ( أنه قال قال أنس بن مالك) عم إسحاق أخو أبيه لأمه ( رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المؤمنين وقد رقع) كنفع أي جعل رقعة مكان القطع ( بين كتفيه برقع) جمع رقعة وفي نسخة برقاع جمع رقعة أيضًا بزنة برمة وبرام ( ثلاث لبد) بشد الباء ألزق ( بعضها فوق بعض) لأن قصده الستر لا الفخر وليست الدنيا بشيء عنده وليقتدي به في الزهد فيها.



رقم الحديث 1769 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا نَادَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَرَى فِي الضَّبِّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَسْتُ بِآكِلِهِ، وَلَا بِمُحَرِّمِهِ.


( مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة) الأنصاري المازني من الثقات ( عن سليمان بن يسار) بتحتية ومهملة خفيفة أحد الفقهاء التابعي ( أنه قال) مرسلاً وقد رواه بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار عن ميمونة ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة بنت الحارث) الهلالية أم المؤمنين ( فإذا ضباب) بالكسر جمع ضب ( فيها بيض ومعه عبد الله بن عباس) ابن أخت ميمونة لبابة الصغرى ( فقال) صلى الله عليه وسلم ( من أين لكم هذا فقالت) ميمونة ( أهدته لي أختي هزيلة) بضم الهاء وفتح الزاي فتحتية فلام ( بنت الحارث) الهلالية صحابية تكنى أم حفيد بضم الحاء المهملة وفتح الفاء تزوجت في الأعراب وفي الصحيحين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أهدت خالتي أم حفيد بنت الحارث إلى النبي صلى الله عليه وسلم سمنًا وأقطًا وضبابًا فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من السمن والأقط وترك الضب تقذرًا قال ابن عباس فأكلنا من الضب على مائدته صلى الله عليه وسلم ولو كان حرامًا ما أكل على مائدته وفي لفظ فدعا بهن صلى الله عليه وسلم فأكلن على مائدته ( فقال لعبد الله بن عباس وخالد بن الوليد كلاً فقال أولا تأكل أنت يا رسول الله فقال إني يحضرني من الله حاضرة) قال ابن العربي يحتمل أن يكون مع الضباب والبيض رائحة متكرهة فيكون من باب أكل البصل والثوم وإما أن يريد أن الملك ينزل عليه بالوحي ولا يصلح لمن كان في هذه المرتبة ارتكاب المشتبهات وقال ابن عبد البر معناه إن صحت هذه اللفظة لأنها لا توجد في غير هذا الحديث قوله في الحديث الآتي لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه كذا قال وبعده لا يخفى ( قالت ميمونة أنسقيك يا رسول الله من لبن عندنا فقال نعم فلما شرب قال من أين لكم هذا) اللبن ( قالت أهدته لي أختي هزيلة) بضم الهاء وفتح الزاي ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيتك) بكسر التاء والكاف أي أخبريني عن شأن ( جاريتك) وكانت سوداء كما عند النسائي قال الحافظ ولم أقف على اسمها ( التي كنت استأمرتني) بدون ياء للتخفيف كقوله
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني

وفي نسخة سألتيني استأمرتيني بالياء على الأصل ( في عتقها أعطيها أختك) هزيلة المذكورة ( وصلي بها رحمك ترعى عليها مواشيها فإنه خير لك) من عتقها لتعدي النفع ففيه أن الهبة لذوي الرحم أفضل من العتق كما قال ابن بطال لكن ليس على إطلاقه بل يختلف باختلاف الأحوال وقد بين وجه الأفضلية هنا بقوله ترعى عليها وفي رواية النسائي أفلا فديت بها بنت أخيك من رعاية الغنم على أنه ليس في حديث الباب نص على أن صلة الرحم أفضل من العتق لأنها واقعة عين ثم لا تعارض بين هذا الحديث وبين حديث الصحيحين عن ميمونة أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها قالت أشعرت يا رسول الله أني عتقت وليدتي قال أو فعلت لو أعطيتها أخواتك كان أعظم لأجرك لأنه يجمع بينهما بأنها استأمرته فلم يرجع إليها بشيء فأعتقها بدون استئذان ظنًا أن سكوته رضا فلما كان يومها وقدمت له الهدية وشرب من اللبن وسألها وأخبرته أنه هدية من أختها أمرها بأن تعطيها الجارية لأنه لم يعلم بأنها أعتقتها فأخبرته فقال لو أعطيتها أخواتك إلخ وهو بالفوقية جمع أخت وفي رواية باللام جمع خال ورجح عياض الفوقية بدليل رواية الموطأ أختك وجمع باحتمال أنه عليه السلام قال ذلك.
مالك عن ابن شهاب محمد بن مسلم الزهري ( عن أبي أمامة) أسعد ( بن سهل بن حنيف) الأنصاري له رؤية وأبوه صحابي بدري ( عن عبد الله بن عباس) الحبر الترجمان ( عن خالد بن الوليد بن المغيرة) المخزومي سيف الله قال ابن عبد البر هكذا رواه يحيى والقعنبي وابن القاسم وجماعة ورواه ابن بكير عن ابن عباس وخالد أنهما دخلا مع رسول الله بيت ميمونة وتابعه قوم وكذا رواه معمر عن الزهري انتهى ومن قوم يحيى التميمي عند مسلم ورواه مثل الأولين عند الشيخين يونس عن الزهري أخبرني أبو أمامة أن ابن عباس أخبره أن خالد بن الوليد الذي يقال له سيف الله أخبره ( أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأتي) بضم الهمزة ( بضب محنوذ) بفتح الميم وإسكان الحاء المهملة وضم النون فواو فذال معجمة مشوي بالحجارة المحماة يقال حنيذ ومحنوذ كقتيل ومقتول وفي رواية يونس عن ابن شهاب عند البخاري ومسلم أنه دخل مع رسول الله على ميمونة فوجد عندها ضبًا محنوذًا قد قدمت به أختها أم حفيدة بنت الحارث من نجد فقدمت الضب لرسول الله وكان قلمًا يقدم يده لطعام حتى يحدث به ويسمى له ( فأهوى) بإسكان الهاء وفتح الواو أي مد ( إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يده) ليأخذه ( فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة) لم يسم النسوة والقائل هي ميمونة كما في مسلم وغيره ( أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل منه فقيل هو ضب يا رسول الله) ولفظ مسلم من طريق ابن الأصم عن ابن عباس فقالت ميمونة يا رسول الله إنه لحم ضب ( فرفع يده) عن الضب قال خالد ( فقلت أحرام هو يا رسول الله فقال لا ولكنه لم يكن بأرض قومي) مكة أصلاً أو لم يكن مشهورًا كثيرًا فيها فلم يأكلوه وفي رواية يزيد بن الأصم هذا لحم لم آكله قط ( فأجدني أعافه) بعين مهملة وفاء مضارع عفت الشيء أي أجد نفسي تكرهه ومعنى الاستدراك هنا تأكيد الخبر كأنه لما قال ليس بحرام قيل ولم لا تأكله أنت قال لأنه لم يكن بأرض قومي والفاء للسببية في فأجدني ( قال خالد فاجتررته) بجيم ساكنة ففوقية فراء مكررة أي جررته ( فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر) إلي فأكله حلال بنصه وإقراره على أكله عنده وعليه الجمهور والأئمة الأربعة بلا كراهة كما رجحه الطحاوي خلافًا لقول صاحب الهداية من الحنفية يكرهه لنهيه صلى الله عليه وسلم عائشة لما سألته عن أكله لكنه ضعيف فلا يحتج به وحكى عياض تحريمه عن قوم قال النووي ما أظنه يصح عن أحد قال أبو عمر فيه أنه صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب وإنما يعلم منه ما يظهره الله عليه وأن النفوس تعاف ما لم تعهد وحل الضب وإن من الحلال ما تعافه النفس وأن الحرمة والحل ليسا مردودين إلى الطباع وإنما الحرام ما حرمه الكتاب والسنة أو كان في معنى ما حرمه أحدهما قال ودخول خالد وابن عباس البيت وفيه النسوة كان قبل نزول الحجاب انتهى وليس بلازم إذ يجوز أنه بعده وهن مستورات وأما ميمونة فخالتهما وأخرجه البخاري عن القعنبي ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ( عن عبد الله بن دينار) المدني مولى ابن عمر ورواه ابن بكير عن مالك عن نافع قال ابن عبد البر وهو صحيح محفوظ عنهما جميعًا ( عن عبد الله بن عمر أن رجلاً) في الترمذي وابن ماجه بإسناد ضعيف عن خزيمة بن جزء بفتح الجيم وإسكان الزاي قلت يا رسول الله ما ترى في الضب الحديث ( نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما ترى في الضب) هل يؤكل أم لا ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لست بآكله) بمد الهمزة ( ولا بمحرمه) لأنه حلال وفي رواية لمسلم كلوه فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي زاد خزيمة بن جزء فقلت إني آكل ما لم تحرمه وأما رواية من روى لست بمحله ولا بمحرمه فقال ابن عبد البر إنه خطأ ليس بشيء وقد رده ابن عباس وقال لم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا آمرًا أو ناهيًا ومحلاً أو محرمًا ولو كان حرامًا لم يؤكل على مائدته انتهى وأما حديث أبي سعيد عند مسلم والنسائي قال رجل يا رسول الله إنا بأرض مضبة فما تأمرنا قال ذكر لي أن أمة من بني إسرائيل مسخت فلم يأمر ولم ينه فأجيب بأن ذلك كان قبل أن يعلم أن الله لم يجعل لممسوخ نسلاً وهذا الحديث رواه الترمذي عن قتيبة عن مالك عن ابن دينار وتابعه إسماعيل بن جعفر عن ابن دينار وتابعه في روايته عن نافع الليث وعبيد الله وأيوب وموسى بن عقبة وأسامة الليثي كلهم عن نافع أخرج ذلك كله مسلم ولذا قال أبو عمر إنه صحيح محفوظ عنهما جميعًا.