فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوَفَاءِ بِالْأَمَانِ

رقم الحديث 978 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى عَامِلِ جَيْشٍ، كَانَ بَعَثَهُ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يَطْلُبُونَ الْعِلْجَ.
حَتَّى إِذَا أَسْنَدَ فِي الْجَبَلِ وَامْتَنَعَ.
قَالَ رَجُلٌ: مَطْرَسْ ( يَقُولُ: لَا تَخَفْ) فَإِذَا أَدْرَكَهُ قَتَلَهُ.
وَإِنِّي.
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا أَعْلَمُ مَكَانَ وَاحِدٍ فَعَلَ ذَلِكَ، إِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ
قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْإِشَارَةِ بِالْأَمَانِ، أَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
وَإِنِّي أَرَى أَنْ يُتَقَدَّمَ إِلَى الْجُيُوشِ: أَنْ لَا تَقْتُلُوا أَحَدًا أَشَارُوا إِلَيْهِ بِالْأَمَانِ.
لِأَنَّ الْإِشَارَةَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ، وَإِنَّهُ بَلَغَنِي.
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا خَتَرَ قَوْمٌ بِالْعَهْدِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَدُوَّ.


( مَا جَاءَ فِي الْوَفَاءِ بِالْأَمَانِ)

( مَالِكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ) يقال: هو سفيان الثوري ولا يبعد ذلك فقد روى مالك عن يحيى بن مضر الأندلسي عن الثوري قال: الطلح المنضود الموز، قاله ابن عبد البر ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى عَامِلِ) أي أمير ( جَيْشٍ) لم يسم ( كَانَ بَعَثَهُ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يَطْلُبُونَ الْعِلْجَ) الرجل الضخم من كبار العجم وبعض العرب يطلقه على الكافر مطلقًا والجمع علوج وإعلاج مثل حمل وحمول وأحمال ( حَتَّى إِذَا أَسْنَدَ) صعد ( فِي الْجَبَلِ وَامْتَنَعَ قَالَ رَجُلٌ مَطْرَسْ) هي كلمة فارسية ( يَقُولُ) أي معناها ( لَا تَخَفْ) كذا ليحيى مطرس بالطاء المهملة ولغيره مترس قال الحافظ: بفتح الميم وتشديد الفوقية وإسكان الراء فمهملة وقد تخفف التاء.
وبه جزم بعض من لقيناه من العجم وقيل بإسكان التاء وفتح الراء، ووقع في الموطأ رواية يحيى الأندلسي مطرس بالطاء بدل التاء.
قال ابن قرقول: هي كلمة أعجمية والظاهر أن الراوي فخم المثناة فصارت تشبه الطاء كما يقع من كثير من الأندلسيين.
وفي البخاري قال عمر: إذا قال مترس فقد آمنه أن الله يعلم الألسنة كلها أي اللغات ويقال أنها ثنتان وسبعون لغة ست عشرة في ولد سام ومثلها في ولد حام والبقية في ولد يافث ( فَإِذَا أَدْرَكَهُ قَتَلَهُ وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) إن شاء أبقاها وإن شاء أخذها ( لَا أَعْلَمُ مَكَانَ وَاحِدٍ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ قَالَ يَحْيَى سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ) أي حديث عمر الموقوف عليه ( بِالْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ) أي قوله إلا ضربت عنقه لأنه لا يقتل من فعل ذلك وإن كان حرامًا قال أبو عبد الملك: يحتمل أن قسم عمر تغليظ لئلا يفعل ذلك أحد وكذلك تفعل الأئمة تخوف بأغلظ شيء يكون ويحتمل أنه رأى إن قاتله لأخذ سلبه بعد إن آمنه يكون محاربًا فيجب عليه القتل بالحرابة لا أنه يقتل المسلم بالكافر لحديث لا يقتل مسلم بكافر.

( وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْإِشَارَةِ بِالْأَمَانِ أَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ فَقَالَ نَعَمْ) فيحرم نقضه كما يحرم بالصريح ( وَإِنِّي أَرَى أَنْ يُتَقَدَّمَ) بالبناء للمفعول ( إِلَى الْجُيُوشِ أَنْ لَا تَقْتُلُوا أَحَدًا أَشَارُوا إِلَيْهِ بِالْأَمَانِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ وَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ مَا خَتَرَ) بفتح الخاء المعجمة والمثناة الفوقية وراء قال الأزهري الختر أقبح الغدر ( قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَدُوَّ) جزاء لما اجترحوه من نقض العهد المأمور بالوفاء به وهذا ورد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خمس بخمس ما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا المكيال إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر.
رواه ابن ماجه والطبراني وله شاهد عن ابن عمر مرفوعًا نحوه عند ابن إسحاق.