فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ جَامِعِ السَّلَامِ

رقم الحديث 1755 حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ ثَلَاثَةٌ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَهَبَ وَاحِدٌ، فَلَمَّا وَقَفَا عَلَى مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَا، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا،.
وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ،.
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ: أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ،.
وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ،.
وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ.


( جامع السلام)

( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد الأنصاري النجاري ( عن أبي مرة) بضم الميم وشد الراء اسمه يزيد وقيل عبد الرحمن مشهور بكنيته ( مولى عقيل) بفتح العين ( ابن أبي طالب) الهاشمي قيل له ذلك للزومه إياه وإنما هو مولى أخته أم هانئ بنت أبي طالب وفي رواية إسماعيل أن أبا مرة مولى عقيل أخبره ( عن أبي واقد) بقاف مكسورة ودال مهملة اسمه الحارث بن مالك وقيل ابن عوف وقيل اسمه عوف بن الحارث الليثي بمثلثة البدري في قول بعضهم مات سنة ثمان وستين وهو ابن خمس وثمانين على الصحيح ولم يرو هذا الحديث عنه إلا أبو مرة وللنسائي من طريق يحيى بن بكير عن إسحاق عن أبي مرة أن أبا واقد حدثه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما) بزيادة ما ( هو جالس في المسجد) النبوي ( والناس معه) جملة حالية ( إذ أقبل نفر) بفتح النون والفاء ( ثلاثة) قال الحافظ لم أقف في شيء من طرق الحديث على تسمية واحد منهم والمعنى نفر هم ثلاثة إذ النفر الرجال من ثلاثة إلى عشرة ( فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد) هما أقبلا كأنهم أقبلوا أولاً من الطريق فدخلوا المسجد مارين كما في حديث أنس عند البزار والحاكم فإذا ثلاثة نفر فلما رأوا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أقبل اثنان منهم واستمر الثالث ذاهبًا ( فلما وقفا على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم سلما) أي على مجلسه أو على بمعنى عند قاله الحافظ وتعقب بأنها لم تجيء بمعناها وجوابه أن حروف الجر تنوب عن الأسماء وتأتي بمعناها وفي القرآن من ذلك كثير كقوله { { لتركبن طبقا عن طبق } } أي بعد طبق فعن نائب عن الاسم وفيه أن الداخل يبدأ بالسلام وأن القائم يسلم على القاعد ولم يذكر رد السلام عليهما اكتفاء بشهرته وأن المستغرق في العبادة يسقط عنه الرد ولم يذكر أنهما صليا تحية المسجد إما لأن ذلك كان قبل أن تشرع أو كانا على غير وضوء أو كان في غير وقت تنفل قاله عياض بناء على مذهبه أنها لا تصلى في الأوقات المكروهة ( فأما) بفتح الهمزة وشد الميم ( أحدهما) مبتدأ خبره ( فرأى) دخلته الفاء لتضمن أما معنى الشرط ( فرجة) بضم الفاء وفتحها معًا هي الخلل بين الشيئين ( في الحلقة) بإسكان اللام كل شيء مستدير خالي الوسط وحكي فتحها وهو نادر والجمع حلق بفتحتين ( فجلس فيها) فيه استحباب التحليق في مجالس الذكر والعلم وأن من سبق إلى موضع كان أحق به ( وأما الآخر) بفتح الخاء المعجمة أي الثاني ففيه رد على من زعم أنه يختص بالأخير لإطلاقه هنا على الثاني ( فجلس خلفهم) بالنصب على الظرفية ( وأما الثالث فأدبر) حال كونه ( ذاهبًا) أي أدبر مستمرًا في ذهابه ولم يرجع وإلا فأدبر بمعنى مر ذاهبًا ( فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم) مما كان مشتغلاً به من تعليم العلم أو الذكر أو الخطبة أو نحو ذلك ( قال ألا) بفتح الهمزة والتخفيف حرف تنبيه لا تركيب فيه عند الأكثر فمعناها التنبيه والاستفتاح محلها فهي حرف يستفتح به الكلام لتنبيه المخاطب على ذلك لتأكد مضمونه عند التكلم ( أخبركم عن النفر الثلاثة أما أحدهم فأوى) بالقصر لجأ ( إلى الله) تعالى ( فآواه) بالمد ( الله) إليه قال القرطبي الرواية الصحيحة بقصر الأول ومد الثاني وهو المشهور في اللغة وفي القرآن { { إذ أوى الفتية } } بالقصر { { وآويناهما إلى ربوة } } بالمد وحكي القصر والمد معًا فيهما لغة ومعنى أوى إلى الله لجأ أو على الحذف أي إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى آواه جازاه بنظير فعله بأن ضمه إلى رحمته ورضوانه أو يؤويه يوم القيامة إلى ظل عرشه فنسبة الإيواء إلى الله مجاز لاستحالته في حقه لأنه الإنزال معه في مكان حسي فالمراد لازمه وهو إرادة إيصال الخير ويسمى هذا المجاز مجاز المشاكلة والمقابلة وفي التمهيد أوى إلى الله يعني فعل ما يرضي الله فحصل له من الثواب ومثله خبر الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أوى إلى الله يعني ما كان لله ورضيه ( وأما الآخر) بالفتح أي الثاني ( فاستحيا) أي ترك المزاحمة كما فعل رفيقه حياء منه صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه قاله عياض وقال الحافظ أي استحيا من الذهاب عن المجلس كما فعل الثالث فقد بين أنس سبب استحياء هذا الثاني فلفظه عند الحاكم ومضى الثاني قليلاً ثم جاء فجلس ( فاستحيا الله منه) أي رحمه ولم يعاقبه فجازاه بمثل فعله وهذا أيضًا مشاكلة لأن الحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يذم به وهذا محال على الله فهو مجاز عن ترك العقاب من ذكر الملزوم وإرادة اللازم ( وأما الآخر) بالفتح أي الثالث ( فأعرض) عن مجلسه صلى الله عليه وسلم ولم يلتفت إليه بل ولى مدبرًا ( فأعرض الله عنه) أي جازاه بأن سخط عليه وهذا أيضًا مشاكلة لأن الإعراض هو الالتفات إلى جهة أخرى وذلك لا يليق بالله تعالى فهو مجاز عن السخط والغضب قال الحافظ وهو محمول على من أعرض لا لعذر هذا إن كان مسلمًا ويحتمل أنه منافق وأطلع صلى الله عليه وسلم على أمره كما يحتمل أن قوله فأعرض الله عنه إخبارًا ودعاء وفي حديث أنس فاستغنى فاستغنى الله عنه وهذا يرشح أنه خبر وقال أبو عمر يحتمل أنه منافق إذ لا يعرض غالبًا عن مجلسه صلى الله عليه وسلم إلا منافق بل بان لنا بقوله فأعرض الله عنه أنه منافق لأنه لو أعرض لحاجة ما قال فيه ذلك وفيه جواز الإخبار عن أهل المعاصي وأحوالهم للزجر عنها وأن ذلك لا يعد غيبة وفضل ملازمة حلق العلم والذكر وجلوس العالم والذاكر في المسجد والثناء على المستحي والمزاحم في طلب الخير واستحباب الأدب في المجلس وفضل سد الحلقة كما ورد الترغيب في سد خلل الصفوف في الصلاة وجواز التخطي لسد الخلل ما لم يؤذ فإن خشي استحب الجلوس حيث ينتهي به المجلس كما فعل الثاني وأخرجه البخاري في العلم عن إسماعيل وفي الصلاة عن عبد الله بن يوسف ومسلم في الاستئذان عن قتيبة بن سعيد كلهم عن مالك به ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن) عمه ( أنس بن مالك أنه سمع عمر بن الخطاب وسلم عليه رجل) جملة حالية ( فرد) عمر ( عليه السلام ثم سأل عمر الرجل فقال كيف أنت) أي ما حالك ( فقال أحمد إليك الله فقال عمر ذلك الذي أردت منك) لأن الحمد على النعم يستدعي زيادتها { { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم } } وقد اقتدى عمر بالمصطفى في ذلك فقد أخرج الطبراني بسند حسن عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل كيف أصبحت يا فلان فقال أحمد الله إليك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم ذلك الذي أردت منك ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن الطفيل) بضم الطاء وفتح الفاء ( ابن أبي بن كعب) الأنصاري الخزرجي ثقة يقال ولد في العهد النبوي ( أخبره أنه كان يأتي عبد الله بن عمر) ابن الخطاب ( فيغدو) بغين معجمة ( معه إلى السوق قال فإذا غدونا إلى السوق لم يمرر) بالفك وفي نسخة يمر بالإدغام ( عبد الله بن عمر على سقاط) بفتح السين والقاف بائع رديء المتاع ويقال له أيضًا سقطي والمتاع الرديء سقط ويجمع على إسقاط ( ولا صاحب بيعة) بكسر الموحدة وإسكان التحتية قال الهروي من البيع كالركبة والشربة والقعدة والسقاط بياع السقط ( ولا مسكين ولا أحد) عام قدم عليه الخاص اهتمامًا به ( إلا سلم عليه قال الطفيل فجئت عبد الله بن عمر يومًا) أي في يوم ( فاستتبعني) طلب مني أن أتبعه ( إلى السوق فقلت له وما تصنع في السوق وأنت لا تقف على البيع) بفتح الموحدة وشد التحتية مكسورة مثل بائع ( ولا تسأل عن السلع) جمع سلعة ( ولا تسوم بها ولا تجلس في مجالس السوق وقال الطفيل وأقول له اجلس بنا ههنا نتحدث) ولا نذهب إلى السوق لعدم الحاجة له ( قال فقال لي عبد الله بن عمر يا أبا بطن وكان الطفيل ذا بطن) عظيم فكأنه يقال له أبو بطن لعظم بطنه ( إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقينا) فإنه صلى الله عليه وسلم قال أفشوا السلام فإنه لله رضا رواه الطبراني وابن عدي عن ابن عمر بن الخطاب وفي حديث البراء عند الشيخين الأمر بإفشاء السلام ولقوله لمن سأله أي خصال الإسلام خير قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف كما في الصحيحين وعن ابن مسعود السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض فأفشوه بينكم فإن الرجل إذا سلم على القوم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة لأنه ذكرهم فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب أسنده أبو عمر ( مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلاً سلم على عبد الله بن عمر فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته والغاديات والرائحات) قال عيسى بن دينار معناه التي تغدو وتروح قال الباجي ويحتمل عندي أن يريد به الملائكة الحفظة الغادية الرائحة لتكتب أعمال بني آدم ( فقال عبد الله بن عمر وعليك ألفًا) ما قلت ( ثم كأنه كره ذلك) لأنه استظهار على الشرع وقد روى الطبراني وغيره عن سلمان قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليك فقال وعليك ورحمة الله ثم أتى آخر فقال السلام عليك ورحمة الله فقال عليك السلام ورحمة الله وبركاته ثم جاء آخر فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال له وعليك فقال الرجل أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي فقال إنك لم تدع لنا شيئًا قال الله تعالى { { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها } } فرددنا عليك ( مالك أنه بلغه إذا دخل البيت غير المسكون يقال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) .



رقم الحديث 1756 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، ثُمَّ سَأَلَ عُمَرُ الرَّجُلَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ، فَقَالَ عُمَرُ: ذَلِكَ الَّذِي أَرَدْتُ مِنْكَ.


( جامع السلام)

( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد الأنصاري النجاري ( عن أبي مرة) بضم الميم وشد الراء اسمه يزيد وقيل عبد الرحمن مشهور بكنيته ( مولى عقيل) بفتح العين ( ابن أبي طالب) الهاشمي قيل له ذلك للزومه إياه وإنما هو مولى أخته أم هانئ بنت أبي طالب وفي رواية إسماعيل أن أبا مرة مولى عقيل أخبره ( عن أبي واقد) بقاف مكسورة ودال مهملة اسمه الحارث بن مالك وقيل ابن عوف وقيل اسمه عوف بن الحارث الليثي بمثلثة البدري في قول بعضهم مات سنة ثمان وستين وهو ابن خمس وثمانين على الصحيح ولم يرو هذا الحديث عنه إلا أبو مرة وللنسائي من طريق يحيى بن بكير عن إسحاق عن أبي مرة أن أبا واقد حدثه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما) بزيادة ما ( هو جالس في المسجد) النبوي ( والناس معه) جملة حالية ( إذ أقبل نفر) بفتح النون والفاء ( ثلاثة) قال الحافظ لم أقف في شيء من طرق الحديث على تسمية واحد منهم والمعنى نفر هم ثلاثة إذ النفر الرجال من ثلاثة إلى عشرة ( فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد) هما أقبلا كأنهم أقبلوا أولاً من الطريق فدخلوا المسجد مارين كما في حديث أنس عند البزار والحاكم فإذا ثلاثة نفر فلما رأوا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أقبل اثنان منهم واستمر الثالث ذاهبًا ( فلما وقفا على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم سلما) أي على مجلسه أو على بمعنى عند قاله الحافظ وتعقب بأنها لم تجيء بمعناها وجوابه أن حروف الجر تنوب عن الأسماء وتأتي بمعناها وفي القرآن من ذلك كثير كقوله { { لتركبن طبقا عن طبق } } أي بعد طبق فعن نائب عن الاسم وفيه أن الداخل يبدأ بالسلام وأن القائم يسلم على القاعد ولم يذكر رد السلام عليهما اكتفاء بشهرته وأن المستغرق في العبادة يسقط عنه الرد ولم يذكر أنهما صليا تحية المسجد إما لأن ذلك كان قبل أن تشرع أو كانا على غير وضوء أو كان في غير وقت تنفل قاله عياض بناء على مذهبه أنها لا تصلى في الأوقات المكروهة ( فأما) بفتح الهمزة وشد الميم ( أحدهما) مبتدأ خبره ( فرأى) دخلته الفاء لتضمن أما معنى الشرط ( فرجة) بضم الفاء وفتحها معًا هي الخلل بين الشيئين ( في الحلقة) بإسكان اللام كل شيء مستدير خالي الوسط وحكي فتحها وهو نادر والجمع حلق بفتحتين ( فجلس فيها) فيه استحباب التحليق في مجالس الذكر والعلم وأن من سبق إلى موضع كان أحق به ( وأما الآخر) بفتح الخاء المعجمة أي الثاني ففيه رد على من زعم أنه يختص بالأخير لإطلاقه هنا على الثاني ( فجلس خلفهم) بالنصب على الظرفية ( وأما الثالث فأدبر) حال كونه ( ذاهبًا) أي أدبر مستمرًا في ذهابه ولم يرجع وإلا فأدبر بمعنى مر ذاهبًا ( فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم) مما كان مشتغلاً به من تعليم العلم أو الذكر أو الخطبة أو نحو ذلك ( قال ألا) بفتح الهمزة والتخفيف حرف تنبيه لا تركيب فيه عند الأكثر فمعناها التنبيه والاستفتاح محلها فهي حرف يستفتح به الكلام لتنبيه المخاطب على ذلك لتأكد مضمونه عند التكلم ( أخبركم عن النفر الثلاثة أما أحدهم فأوى) بالقصر لجأ ( إلى الله) تعالى ( فآواه) بالمد ( الله) إليه قال القرطبي الرواية الصحيحة بقصر الأول ومد الثاني وهو المشهور في اللغة وفي القرآن { { إذ أوى الفتية } } بالقصر { { وآويناهما إلى ربوة } } بالمد وحكي القصر والمد معًا فيهما لغة ومعنى أوى إلى الله لجأ أو على الحذف أي إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى آواه جازاه بنظير فعله بأن ضمه إلى رحمته ورضوانه أو يؤويه يوم القيامة إلى ظل عرشه فنسبة الإيواء إلى الله مجاز لاستحالته في حقه لأنه الإنزال معه في مكان حسي فالمراد لازمه وهو إرادة إيصال الخير ويسمى هذا المجاز مجاز المشاكلة والمقابلة وفي التمهيد أوى إلى الله يعني فعل ما يرضي الله فحصل له من الثواب ومثله خبر الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أوى إلى الله يعني ما كان لله ورضيه ( وأما الآخر) بالفتح أي الثاني ( فاستحيا) أي ترك المزاحمة كما فعل رفيقه حياء منه صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه قاله عياض وقال الحافظ أي استحيا من الذهاب عن المجلس كما فعل الثالث فقد بين أنس سبب استحياء هذا الثاني فلفظه عند الحاكم ومضى الثاني قليلاً ثم جاء فجلس ( فاستحيا الله منه) أي رحمه ولم يعاقبه فجازاه بمثل فعله وهذا أيضًا مشاكلة لأن الحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يذم به وهذا محال على الله فهو مجاز عن ترك العقاب من ذكر الملزوم وإرادة اللازم ( وأما الآخر) بالفتح أي الثالث ( فأعرض) عن مجلسه صلى الله عليه وسلم ولم يلتفت إليه بل ولى مدبرًا ( فأعرض الله عنه) أي جازاه بأن سخط عليه وهذا أيضًا مشاكلة لأن الإعراض هو الالتفات إلى جهة أخرى وذلك لا يليق بالله تعالى فهو مجاز عن السخط والغضب قال الحافظ وهو محمول على من أعرض لا لعذر هذا إن كان مسلمًا ويحتمل أنه منافق وأطلع صلى الله عليه وسلم على أمره كما يحتمل أن قوله فأعرض الله عنه إخبارًا ودعاء وفي حديث أنس فاستغنى فاستغنى الله عنه وهذا يرشح أنه خبر وقال أبو عمر يحتمل أنه منافق إذ لا يعرض غالبًا عن مجلسه صلى الله عليه وسلم إلا منافق بل بان لنا بقوله فأعرض الله عنه أنه منافق لأنه لو أعرض لحاجة ما قال فيه ذلك وفيه جواز الإخبار عن أهل المعاصي وأحوالهم للزجر عنها وأن ذلك لا يعد غيبة وفضل ملازمة حلق العلم والذكر وجلوس العالم والذاكر في المسجد والثناء على المستحي والمزاحم في طلب الخير واستحباب الأدب في المجلس وفضل سد الحلقة كما ورد الترغيب في سد خلل الصفوف في الصلاة وجواز التخطي لسد الخلل ما لم يؤذ فإن خشي استحب الجلوس حيث ينتهي به المجلس كما فعل الثاني وأخرجه البخاري في العلم عن إسماعيل وفي الصلاة عن عبد الله بن يوسف ومسلم في الاستئذان عن قتيبة بن سعيد كلهم عن مالك به ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن) عمه ( أنس بن مالك أنه سمع عمر بن الخطاب وسلم عليه رجل) جملة حالية ( فرد) عمر ( عليه السلام ثم سأل عمر الرجل فقال كيف أنت) أي ما حالك ( فقال أحمد إليك الله فقال عمر ذلك الذي أردت منك) لأن الحمد على النعم يستدعي زيادتها { { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم } } وقد اقتدى عمر بالمصطفى في ذلك فقد أخرج الطبراني بسند حسن عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل كيف أصبحت يا فلان فقال أحمد الله إليك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم ذلك الذي أردت منك ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن الطفيل) بضم الطاء وفتح الفاء ( ابن أبي بن كعب) الأنصاري الخزرجي ثقة يقال ولد في العهد النبوي ( أخبره أنه كان يأتي عبد الله بن عمر) ابن الخطاب ( فيغدو) بغين معجمة ( معه إلى السوق قال فإذا غدونا إلى السوق لم يمرر) بالفك وفي نسخة يمر بالإدغام ( عبد الله بن عمر على سقاط) بفتح السين والقاف بائع رديء المتاع ويقال له أيضًا سقطي والمتاع الرديء سقط ويجمع على إسقاط ( ولا صاحب بيعة) بكسر الموحدة وإسكان التحتية قال الهروي من البيع كالركبة والشربة والقعدة والسقاط بياع السقط ( ولا مسكين ولا أحد) عام قدم عليه الخاص اهتمامًا به ( إلا سلم عليه قال الطفيل فجئت عبد الله بن عمر يومًا) أي في يوم ( فاستتبعني) طلب مني أن أتبعه ( إلى السوق فقلت له وما تصنع في السوق وأنت لا تقف على البيع) بفتح الموحدة وشد التحتية مكسورة مثل بائع ( ولا تسأل عن السلع) جمع سلعة ( ولا تسوم بها ولا تجلس في مجالس السوق وقال الطفيل وأقول له اجلس بنا ههنا نتحدث) ولا نذهب إلى السوق لعدم الحاجة له ( قال فقال لي عبد الله بن عمر يا أبا بطن وكان الطفيل ذا بطن) عظيم فكأنه يقال له أبو بطن لعظم بطنه ( إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقينا) فإنه صلى الله عليه وسلم قال أفشوا السلام فإنه لله رضا رواه الطبراني وابن عدي عن ابن عمر بن الخطاب وفي حديث البراء عند الشيخين الأمر بإفشاء السلام ولقوله لمن سأله أي خصال الإسلام خير قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف كما في الصحيحين وعن ابن مسعود السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض فأفشوه بينكم فإن الرجل إذا سلم على القوم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة لأنه ذكرهم فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب أسنده أبو عمر ( مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلاً سلم على عبد الله بن عمر فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته والغاديات والرائحات) قال عيسى بن دينار معناه التي تغدو وتروح قال الباجي ويحتمل عندي أن يريد به الملائكة الحفظة الغادية الرائحة لتكتب أعمال بني آدم ( فقال عبد الله بن عمر وعليك ألفًا) ما قلت ( ثم كأنه كره ذلك) لأنه استظهار على الشرع وقد روى الطبراني وغيره عن سلمان قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليك فقال وعليك ورحمة الله ثم أتى آخر فقال السلام عليك ورحمة الله فقال عليك السلام ورحمة الله وبركاته ثم جاء آخر فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال له وعليك فقال الرجل أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي فقال إنك لم تدع لنا شيئًا قال الله تعالى { { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها } } فرددنا عليك ( مالك أنه بلغه إذا دخل البيت غير المسكون يقال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) .



رقم الحديث 1757 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَيَغْدُو مَعَهُ إِلَى السُّوقِ، قَالَ: فَإِذَا غَدَوْنَا إِلَى السُّوقِ، لَمْ يَمُرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى سَقَاطٍ، وَلَا صَاحِبِ بِيعَةٍ، وَلَا مِسْكِينٍ، وَلَا أَحَدٍ إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ، قَالَ الطُّفَيْلُ: فَجِئْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَوْمًا فَاسْتَتْبَعَنِي إِلَى السُّوقِ، فَقُلْتُ لَهُ: وَمَا تَصْنَعُ فِي السُّوقِ؟ وَأَنْتَ لَا تَقِفُ عَلَى الْبَيِّعِ، وَلَا تَسْأَلُ عَنِ السِّلَعِ، وَلَا تَسُومُ بِهَا، وَلَا تَجْلِسُ فِي مَجَالِسِ السُّوقِ؟ قَالَ: وَأَقُولُ اجْلِسْ بِنَا هَاهُنَا نَتَحَدَّثُ، قَالَ فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: يَا أَبَا بَطْنٍ وَكَانَ الطُّفَيْلُ ذَا بَطْنٍ إِنَّمَا نَغْدُو مِنْ أَجْلِ السَّلَامِ، نُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَقِيَنَا.


( جامع السلام)

( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد الأنصاري النجاري ( عن أبي مرة) بضم الميم وشد الراء اسمه يزيد وقيل عبد الرحمن مشهور بكنيته ( مولى عقيل) بفتح العين ( ابن أبي طالب) الهاشمي قيل له ذلك للزومه إياه وإنما هو مولى أخته أم هانئ بنت أبي طالب وفي رواية إسماعيل أن أبا مرة مولى عقيل أخبره ( عن أبي واقد) بقاف مكسورة ودال مهملة اسمه الحارث بن مالك وقيل ابن عوف وقيل اسمه عوف بن الحارث الليثي بمثلثة البدري في قول بعضهم مات سنة ثمان وستين وهو ابن خمس وثمانين على الصحيح ولم يرو هذا الحديث عنه إلا أبو مرة وللنسائي من طريق يحيى بن بكير عن إسحاق عن أبي مرة أن أبا واقد حدثه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما) بزيادة ما ( هو جالس في المسجد) النبوي ( والناس معه) جملة حالية ( إذ أقبل نفر) بفتح النون والفاء ( ثلاثة) قال الحافظ لم أقف في شيء من طرق الحديث على تسمية واحد منهم والمعنى نفر هم ثلاثة إذ النفر الرجال من ثلاثة إلى عشرة ( فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد) هما أقبلا كأنهم أقبلوا أولاً من الطريق فدخلوا المسجد مارين كما في حديث أنس عند البزار والحاكم فإذا ثلاثة نفر فلما رأوا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أقبل اثنان منهم واستمر الثالث ذاهبًا ( فلما وقفا على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم سلما) أي على مجلسه أو على بمعنى عند قاله الحافظ وتعقب بأنها لم تجيء بمعناها وجوابه أن حروف الجر تنوب عن الأسماء وتأتي بمعناها وفي القرآن من ذلك كثير كقوله { { لتركبن طبقا عن طبق } } أي بعد طبق فعن نائب عن الاسم وفيه أن الداخل يبدأ بالسلام وأن القائم يسلم على القاعد ولم يذكر رد السلام عليهما اكتفاء بشهرته وأن المستغرق في العبادة يسقط عنه الرد ولم يذكر أنهما صليا تحية المسجد إما لأن ذلك كان قبل أن تشرع أو كانا على غير وضوء أو كان في غير وقت تنفل قاله عياض بناء على مذهبه أنها لا تصلى في الأوقات المكروهة ( فأما) بفتح الهمزة وشد الميم ( أحدهما) مبتدأ خبره ( فرأى) دخلته الفاء لتضمن أما معنى الشرط ( فرجة) بضم الفاء وفتحها معًا هي الخلل بين الشيئين ( في الحلقة) بإسكان اللام كل شيء مستدير خالي الوسط وحكي فتحها وهو نادر والجمع حلق بفتحتين ( فجلس فيها) فيه استحباب التحليق في مجالس الذكر والعلم وأن من سبق إلى موضع كان أحق به ( وأما الآخر) بفتح الخاء المعجمة أي الثاني ففيه رد على من زعم أنه يختص بالأخير لإطلاقه هنا على الثاني ( فجلس خلفهم) بالنصب على الظرفية ( وأما الثالث فأدبر) حال كونه ( ذاهبًا) أي أدبر مستمرًا في ذهابه ولم يرجع وإلا فأدبر بمعنى مر ذاهبًا ( فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم) مما كان مشتغلاً به من تعليم العلم أو الذكر أو الخطبة أو نحو ذلك ( قال ألا) بفتح الهمزة والتخفيف حرف تنبيه لا تركيب فيه عند الأكثر فمعناها التنبيه والاستفتاح محلها فهي حرف يستفتح به الكلام لتنبيه المخاطب على ذلك لتأكد مضمونه عند التكلم ( أخبركم عن النفر الثلاثة أما أحدهم فأوى) بالقصر لجأ ( إلى الله) تعالى ( فآواه) بالمد ( الله) إليه قال القرطبي الرواية الصحيحة بقصر الأول ومد الثاني وهو المشهور في اللغة وفي القرآن { { إذ أوى الفتية } } بالقصر { { وآويناهما إلى ربوة } } بالمد وحكي القصر والمد معًا فيهما لغة ومعنى أوى إلى الله لجأ أو على الحذف أي إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى آواه جازاه بنظير فعله بأن ضمه إلى رحمته ورضوانه أو يؤويه يوم القيامة إلى ظل عرشه فنسبة الإيواء إلى الله مجاز لاستحالته في حقه لأنه الإنزال معه في مكان حسي فالمراد لازمه وهو إرادة إيصال الخير ويسمى هذا المجاز مجاز المشاكلة والمقابلة وفي التمهيد أوى إلى الله يعني فعل ما يرضي الله فحصل له من الثواب ومثله خبر الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أوى إلى الله يعني ما كان لله ورضيه ( وأما الآخر) بالفتح أي الثاني ( فاستحيا) أي ترك المزاحمة كما فعل رفيقه حياء منه صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه قاله عياض وقال الحافظ أي استحيا من الذهاب عن المجلس كما فعل الثالث فقد بين أنس سبب استحياء هذا الثاني فلفظه عند الحاكم ومضى الثاني قليلاً ثم جاء فجلس ( فاستحيا الله منه) أي رحمه ولم يعاقبه فجازاه بمثل فعله وهذا أيضًا مشاكلة لأن الحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يذم به وهذا محال على الله فهو مجاز عن ترك العقاب من ذكر الملزوم وإرادة اللازم ( وأما الآخر) بالفتح أي الثالث ( فأعرض) عن مجلسه صلى الله عليه وسلم ولم يلتفت إليه بل ولى مدبرًا ( فأعرض الله عنه) أي جازاه بأن سخط عليه وهذا أيضًا مشاكلة لأن الإعراض هو الالتفات إلى جهة أخرى وذلك لا يليق بالله تعالى فهو مجاز عن السخط والغضب قال الحافظ وهو محمول على من أعرض لا لعذر هذا إن كان مسلمًا ويحتمل أنه منافق وأطلع صلى الله عليه وسلم على أمره كما يحتمل أن قوله فأعرض الله عنه إخبارًا ودعاء وفي حديث أنس فاستغنى فاستغنى الله عنه وهذا يرشح أنه خبر وقال أبو عمر يحتمل أنه منافق إذ لا يعرض غالبًا عن مجلسه صلى الله عليه وسلم إلا منافق بل بان لنا بقوله فأعرض الله عنه أنه منافق لأنه لو أعرض لحاجة ما قال فيه ذلك وفيه جواز الإخبار عن أهل المعاصي وأحوالهم للزجر عنها وأن ذلك لا يعد غيبة وفضل ملازمة حلق العلم والذكر وجلوس العالم والذاكر في المسجد والثناء على المستحي والمزاحم في طلب الخير واستحباب الأدب في المجلس وفضل سد الحلقة كما ورد الترغيب في سد خلل الصفوف في الصلاة وجواز التخطي لسد الخلل ما لم يؤذ فإن خشي استحب الجلوس حيث ينتهي به المجلس كما فعل الثاني وأخرجه البخاري في العلم عن إسماعيل وفي الصلاة عن عبد الله بن يوسف ومسلم في الاستئذان عن قتيبة بن سعيد كلهم عن مالك به ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن) عمه ( أنس بن مالك أنه سمع عمر بن الخطاب وسلم عليه رجل) جملة حالية ( فرد) عمر ( عليه السلام ثم سأل عمر الرجل فقال كيف أنت) أي ما حالك ( فقال أحمد إليك الله فقال عمر ذلك الذي أردت منك) لأن الحمد على النعم يستدعي زيادتها { { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم } } وقد اقتدى عمر بالمصطفى في ذلك فقد أخرج الطبراني بسند حسن عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل كيف أصبحت يا فلان فقال أحمد الله إليك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم ذلك الذي أردت منك ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن الطفيل) بضم الطاء وفتح الفاء ( ابن أبي بن كعب) الأنصاري الخزرجي ثقة يقال ولد في العهد النبوي ( أخبره أنه كان يأتي عبد الله بن عمر) ابن الخطاب ( فيغدو) بغين معجمة ( معه إلى السوق قال فإذا غدونا إلى السوق لم يمرر) بالفك وفي نسخة يمر بالإدغام ( عبد الله بن عمر على سقاط) بفتح السين والقاف بائع رديء المتاع ويقال له أيضًا سقطي والمتاع الرديء سقط ويجمع على إسقاط ( ولا صاحب بيعة) بكسر الموحدة وإسكان التحتية قال الهروي من البيع كالركبة والشربة والقعدة والسقاط بياع السقط ( ولا مسكين ولا أحد) عام قدم عليه الخاص اهتمامًا به ( إلا سلم عليه قال الطفيل فجئت عبد الله بن عمر يومًا) أي في يوم ( فاستتبعني) طلب مني أن أتبعه ( إلى السوق فقلت له وما تصنع في السوق وأنت لا تقف على البيع) بفتح الموحدة وشد التحتية مكسورة مثل بائع ( ولا تسأل عن السلع) جمع سلعة ( ولا تسوم بها ولا تجلس في مجالس السوق وقال الطفيل وأقول له اجلس بنا ههنا نتحدث) ولا نذهب إلى السوق لعدم الحاجة له ( قال فقال لي عبد الله بن عمر يا أبا بطن وكان الطفيل ذا بطن) عظيم فكأنه يقال له أبو بطن لعظم بطنه ( إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقينا) فإنه صلى الله عليه وسلم قال أفشوا السلام فإنه لله رضا رواه الطبراني وابن عدي عن ابن عمر بن الخطاب وفي حديث البراء عند الشيخين الأمر بإفشاء السلام ولقوله لمن سأله أي خصال الإسلام خير قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف كما في الصحيحين وعن ابن مسعود السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض فأفشوه بينكم فإن الرجل إذا سلم على القوم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة لأنه ذكرهم فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب أسنده أبو عمر ( مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلاً سلم على عبد الله بن عمر فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته والغاديات والرائحات) قال عيسى بن دينار معناه التي تغدو وتروح قال الباجي ويحتمل عندي أن يريد به الملائكة الحفظة الغادية الرائحة لتكتب أعمال بني آدم ( فقال عبد الله بن عمر وعليك ألفًا) ما قلت ( ثم كأنه كره ذلك) لأنه استظهار على الشرع وقد روى الطبراني وغيره عن سلمان قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليك فقال وعليك ورحمة الله ثم أتى آخر فقال السلام عليك ورحمة الله فقال عليك السلام ورحمة الله وبركاته ثم جاء آخر فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال له وعليك فقال الرجل أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي فقال إنك لم تدع لنا شيئًا قال الله تعالى { { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها } } فرددنا عليك ( مالك أنه بلغه إذا دخل البيت غير المسكون يقال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) .



رقم الحديث 1758 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ رَجُلًا سَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَالْغَادِيَاتُ وَالرَّائِحَاتُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: وَعَلَيْكَ أَلْفًا، ثُمَّ كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ.


( جامع السلام)

( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد الأنصاري النجاري ( عن أبي مرة) بضم الميم وشد الراء اسمه يزيد وقيل عبد الرحمن مشهور بكنيته ( مولى عقيل) بفتح العين ( ابن أبي طالب) الهاشمي قيل له ذلك للزومه إياه وإنما هو مولى أخته أم هانئ بنت أبي طالب وفي رواية إسماعيل أن أبا مرة مولى عقيل أخبره ( عن أبي واقد) بقاف مكسورة ودال مهملة اسمه الحارث بن مالك وقيل ابن عوف وقيل اسمه عوف بن الحارث الليثي بمثلثة البدري في قول بعضهم مات سنة ثمان وستين وهو ابن خمس وثمانين على الصحيح ولم يرو هذا الحديث عنه إلا أبو مرة وللنسائي من طريق يحيى بن بكير عن إسحاق عن أبي مرة أن أبا واقد حدثه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما) بزيادة ما ( هو جالس في المسجد) النبوي ( والناس معه) جملة حالية ( إذ أقبل نفر) بفتح النون والفاء ( ثلاثة) قال الحافظ لم أقف في شيء من طرق الحديث على تسمية واحد منهم والمعنى نفر هم ثلاثة إذ النفر الرجال من ثلاثة إلى عشرة ( فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد) هما أقبلا كأنهم أقبلوا أولاً من الطريق فدخلوا المسجد مارين كما في حديث أنس عند البزار والحاكم فإذا ثلاثة نفر فلما رأوا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أقبل اثنان منهم واستمر الثالث ذاهبًا ( فلما وقفا على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم سلما) أي على مجلسه أو على بمعنى عند قاله الحافظ وتعقب بأنها لم تجيء بمعناها وجوابه أن حروف الجر تنوب عن الأسماء وتأتي بمعناها وفي القرآن من ذلك كثير كقوله { { لتركبن طبقا عن طبق } } أي بعد طبق فعن نائب عن الاسم وفيه أن الداخل يبدأ بالسلام وأن القائم يسلم على القاعد ولم يذكر رد السلام عليهما اكتفاء بشهرته وأن المستغرق في العبادة يسقط عنه الرد ولم يذكر أنهما صليا تحية المسجد إما لأن ذلك كان قبل أن تشرع أو كانا على غير وضوء أو كان في غير وقت تنفل قاله عياض بناء على مذهبه أنها لا تصلى في الأوقات المكروهة ( فأما) بفتح الهمزة وشد الميم ( أحدهما) مبتدأ خبره ( فرأى) دخلته الفاء لتضمن أما معنى الشرط ( فرجة) بضم الفاء وفتحها معًا هي الخلل بين الشيئين ( في الحلقة) بإسكان اللام كل شيء مستدير خالي الوسط وحكي فتحها وهو نادر والجمع حلق بفتحتين ( فجلس فيها) فيه استحباب التحليق في مجالس الذكر والعلم وأن من سبق إلى موضع كان أحق به ( وأما الآخر) بفتح الخاء المعجمة أي الثاني ففيه رد على من زعم أنه يختص بالأخير لإطلاقه هنا على الثاني ( فجلس خلفهم) بالنصب على الظرفية ( وأما الثالث فأدبر) حال كونه ( ذاهبًا) أي أدبر مستمرًا في ذهابه ولم يرجع وإلا فأدبر بمعنى مر ذاهبًا ( فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم) مما كان مشتغلاً به من تعليم العلم أو الذكر أو الخطبة أو نحو ذلك ( قال ألا) بفتح الهمزة والتخفيف حرف تنبيه لا تركيب فيه عند الأكثر فمعناها التنبيه والاستفتاح محلها فهي حرف يستفتح به الكلام لتنبيه المخاطب على ذلك لتأكد مضمونه عند التكلم ( أخبركم عن النفر الثلاثة أما أحدهم فأوى) بالقصر لجأ ( إلى الله) تعالى ( فآواه) بالمد ( الله) إليه قال القرطبي الرواية الصحيحة بقصر الأول ومد الثاني وهو المشهور في اللغة وفي القرآن { { إذ أوى الفتية } } بالقصر { { وآويناهما إلى ربوة } } بالمد وحكي القصر والمد معًا فيهما لغة ومعنى أوى إلى الله لجأ أو على الحذف أي إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى آواه جازاه بنظير فعله بأن ضمه إلى رحمته ورضوانه أو يؤويه يوم القيامة إلى ظل عرشه فنسبة الإيواء إلى الله مجاز لاستحالته في حقه لأنه الإنزال معه في مكان حسي فالمراد لازمه وهو إرادة إيصال الخير ويسمى هذا المجاز مجاز المشاكلة والمقابلة وفي التمهيد أوى إلى الله يعني فعل ما يرضي الله فحصل له من الثواب ومثله خبر الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أوى إلى الله يعني ما كان لله ورضيه ( وأما الآخر) بالفتح أي الثاني ( فاستحيا) أي ترك المزاحمة كما فعل رفيقه حياء منه صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه قاله عياض وقال الحافظ أي استحيا من الذهاب عن المجلس كما فعل الثالث فقد بين أنس سبب استحياء هذا الثاني فلفظه عند الحاكم ومضى الثاني قليلاً ثم جاء فجلس ( فاستحيا الله منه) أي رحمه ولم يعاقبه فجازاه بمثل فعله وهذا أيضًا مشاكلة لأن الحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يذم به وهذا محال على الله فهو مجاز عن ترك العقاب من ذكر الملزوم وإرادة اللازم ( وأما الآخر) بالفتح أي الثالث ( فأعرض) عن مجلسه صلى الله عليه وسلم ولم يلتفت إليه بل ولى مدبرًا ( فأعرض الله عنه) أي جازاه بأن سخط عليه وهذا أيضًا مشاكلة لأن الإعراض هو الالتفات إلى جهة أخرى وذلك لا يليق بالله تعالى فهو مجاز عن السخط والغضب قال الحافظ وهو محمول على من أعرض لا لعذر هذا إن كان مسلمًا ويحتمل أنه منافق وأطلع صلى الله عليه وسلم على أمره كما يحتمل أن قوله فأعرض الله عنه إخبارًا ودعاء وفي حديث أنس فاستغنى فاستغنى الله عنه وهذا يرشح أنه خبر وقال أبو عمر يحتمل أنه منافق إذ لا يعرض غالبًا عن مجلسه صلى الله عليه وسلم إلا منافق بل بان لنا بقوله فأعرض الله عنه أنه منافق لأنه لو أعرض لحاجة ما قال فيه ذلك وفيه جواز الإخبار عن أهل المعاصي وأحوالهم للزجر عنها وأن ذلك لا يعد غيبة وفضل ملازمة حلق العلم والذكر وجلوس العالم والذاكر في المسجد والثناء على المستحي والمزاحم في طلب الخير واستحباب الأدب في المجلس وفضل سد الحلقة كما ورد الترغيب في سد خلل الصفوف في الصلاة وجواز التخطي لسد الخلل ما لم يؤذ فإن خشي استحب الجلوس حيث ينتهي به المجلس كما فعل الثاني وأخرجه البخاري في العلم عن إسماعيل وفي الصلاة عن عبد الله بن يوسف ومسلم في الاستئذان عن قتيبة بن سعيد كلهم عن مالك به ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن) عمه ( أنس بن مالك أنه سمع عمر بن الخطاب وسلم عليه رجل) جملة حالية ( فرد) عمر ( عليه السلام ثم سأل عمر الرجل فقال كيف أنت) أي ما حالك ( فقال أحمد إليك الله فقال عمر ذلك الذي أردت منك) لأن الحمد على النعم يستدعي زيادتها { { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم } } وقد اقتدى عمر بالمصطفى في ذلك فقد أخرج الطبراني بسند حسن عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل كيف أصبحت يا فلان فقال أحمد الله إليك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم ذلك الذي أردت منك ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن الطفيل) بضم الطاء وفتح الفاء ( ابن أبي بن كعب) الأنصاري الخزرجي ثقة يقال ولد في العهد النبوي ( أخبره أنه كان يأتي عبد الله بن عمر) ابن الخطاب ( فيغدو) بغين معجمة ( معه إلى السوق قال فإذا غدونا إلى السوق لم يمرر) بالفك وفي نسخة يمر بالإدغام ( عبد الله بن عمر على سقاط) بفتح السين والقاف بائع رديء المتاع ويقال له أيضًا سقطي والمتاع الرديء سقط ويجمع على إسقاط ( ولا صاحب بيعة) بكسر الموحدة وإسكان التحتية قال الهروي من البيع كالركبة والشربة والقعدة والسقاط بياع السقط ( ولا مسكين ولا أحد) عام قدم عليه الخاص اهتمامًا به ( إلا سلم عليه قال الطفيل فجئت عبد الله بن عمر يومًا) أي في يوم ( فاستتبعني) طلب مني أن أتبعه ( إلى السوق فقلت له وما تصنع في السوق وأنت لا تقف على البيع) بفتح الموحدة وشد التحتية مكسورة مثل بائع ( ولا تسأل عن السلع) جمع سلعة ( ولا تسوم بها ولا تجلس في مجالس السوق وقال الطفيل وأقول له اجلس بنا ههنا نتحدث) ولا نذهب إلى السوق لعدم الحاجة له ( قال فقال لي عبد الله بن عمر يا أبا بطن وكان الطفيل ذا بطن) عظيم فكأنه يقال له أبو بطن لعظم بطنه ( إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقينا) فإنه صلى الله عليه وسلم قال أفشوا السلام فإنه لله رضا رواه الطبراني وابن عدي عن ابن عمر بن الخطاب وفي حديث البراء عند الشيخين الأمر بإفشاء السلام ولقوله لمن سأله أي خصال الإسلام خير قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف كما في الصحيحين وعن ابن مسعود السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض فأفشوه بينكم فإن الرجل إذا سلم على القوم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة لأنه ذكرهم فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب أسنده أبو عمر ( مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلاً سلم على عبد الله بن عمر فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته والغاديات والرائحات) قال عيسى بن دينار معناه التي تغدو وتروح قال الباجي ويحتمل عندي أن يريد به الملائكة الحفظة الغادية الرائحة لتكتب أعمال بني آدم ( فقال عبد الله بن عمر وعليك ألفًا) ما قلت ( ثم كأنه كره ذلك) لأنه استظهار على الشرع وقد روى الطبراني وغيره عن سلمان قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليك فقال وعليك ورحمة الله ثم أتى آخر فقال السلام عليك ورحمة الله فقال عليك السلام ورحمة الله وبركاته ثم جاء آخر فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال له وعليك فقال الرجل أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي فقال إنك لم تدع لنا شيئًا قال الله تعالى { { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها } } فرددنا عليك ( مالك أنه بلغه إذا دخل البيت غير المسكون يقال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) .