فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّؤْيَا

رقم الحديث 1744 حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ.


(مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد (الأنصاري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الرؤيا الحسنة) أي الصادقة أو المبشرة احتمالان للباجي (من الرجل الصالح) وكذا المرأة الصالحة اتفاقًا حكاه ابن بطال والمراد غالب رؤيا الصالحين وإلا فالصالح قد يرى الأضغاث ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منهم (جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) مجازًا لا حقيقة لأن النبوة انقطعت بموته صلى الله عليه وسلم وجزء النبوة لا يكون نبوة كما أن جزء الصلاة لا يكون صلاة نعم إن وقعت منه صلى الله عليه وسلم فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة وقيل إن وقعت من غيره فهي جزء من علم النبوة لأنها وإن انقطعت فعلمها باق وتعقب بقول مالك كما حكاه ابن عبد البر حين سئل أيعبر الرؤيا كل أحد فقال أبالنبوة يلعب ثم قال الرؤيا جزء من النبوة فلا يلعب بالنبوة وأجيب بأنه لم يرد أنها نبوة باقية وإنما أراد أنها لما أشبهت النبوة من جهة الاطلاع على بعض الغيب لا ينبغي أن يتكلم فيها بلا علم فليس المراد أنها نبوة من جهة الاطلاع لأن المراد تشبيه الرؤيا بالنبوة وجزء الشيء لا يستلزم ثبوت وصفه له كمن قال أشهد أن لا إله إلا الله رافعًا صوته لا يسمى مؤذنًا قال أبو عمر مفهومه أنها من غير الصالح لا يقطع بأنها كذلك ويحتمل أنه خرج على جواب سائل فلا مفهوم له ويؤيده قوله في مرسل عطاء الآتي يراها الرجل الصالح أو ترى له فعم قوله يرى الصالح وغيره ثم يحتمل أن الرؤيا نوع من ستة وأربعين نوعًا من نزول الوحي لأنه كان يأتي على ضروب وأن تكون جزءا من النبوة لأن فيها ما يعجز كالطيران وقلب الأعيان وذلك ركن من أركان النبوة أو لما فيها من الاطلاع على الغيب لأن الرائي يخبر بعلم ما غاب والأول أولى وأشبه بالأصول انتهى ملخصًا وقال ابن العربي أجزاء النبوة لا يعلم حقيقتها إلا ملك أو نبي وإنما القدر الذي أراد صلى الله عليه وسلم بيانه أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة في الجملة لأن فيها اطلاعًا على الغيب من وجه ما وأما تفصيل النسبة فيختص بمعرفته درجة النبوة وقال المازري هو مما أطلع الله عليه نبيه ولا يلزم العالم أن يعرف كل شيء جملة وتفصيلاً فقد جعل الله للعالم حدًا يقف عنده فمنه ما يعلم المراد به جملة وتفصيلاً ومنه ما يعلمه جملة لا تفصيلاً وهذا من هذا القبيل ونقل ابن بطال عن أبي سعيد السفاقسي أن بعض العلماء ذكر أن الله أوحى إلى نبيه في المنام ستة أشهر ثم أوحى إليه بعد ذلك يقظة بقية حياته ونسبتها إلى الوحي في المنام جزء من ستة وأربعين جزءا لأنه عاش بعد النبوة ثلاثة وعشرين سنة على الصحيح قال ابن بطال هذا بعيد من وجهين أحدهما أنه اختلف في قدر المدة التي بعد البعثة والثاني أنه يبقى حديث سبعين جزء لا معنى له وقال الخطابي هذا وإن كان وجهًا تحتمله قسمة الحساب والعدد فأول ما يجب على قائله أن يثبت ما ادعاه خبرًا ولم نسمع فيه أثرًا ولا ذكر مدعيه فيه خبرًا فكأنه قاله على سبيل الظن والظن لا يغني من الحق شيئًا وليس كل ما خفي علينا علمه يلزمنا حجته كأعداد الركعات وأيام الصيام ورمي الجمار فإنا لا نصل من علمها إلى أمر يوجب حصرها تحت أعدادها ولم يقع ذلك في موجب اعتقادنا للزومها قال ولئن سلمنا أن هذه المدة محسوبة من أجزاء النبوة لكنه يلحق بها سائر الأوقات التي أوحي إليه فيها منامًا في طول المدة كرؤيا أحد ودخول مكة فتلفق من ذلك مدة أخرى تزاد في الحساب فتبطل القسمة التي ذكرها وأجيب عن هذا بأن المراد على تقدير الصحة وحي المنام المتتابع فما وقع في غضون وحي اليقظة يسير بالنسبة إلى وحي اليقظة فهو مغمور في جانب وحيها فلم تعتبر به وقد ذكروا مناسبات غير ذلك يطول ذكرها وفي مسلم من حديث أبي هريرة جزء من خمسة وأربعين وله أيضًا عن ابن عمر جزء من سبعين جزءا وللطبراني عنه من ستة وسبعين وسنده ضعيف وعند ابن عبد البر عن ثابت عن أنس جزء من ستة وعشرين وعند ابن جرير عن ابن عباس جزء من خمسين وللترمذي عن أبي رزين جزء من أربعين ولابن جرير عن عبادة جزء من أربعة وأربعين وابن النجار عن ابن عمر جزء من خمس وعشرين ووقع في شرح مسلم للنووي وفي رواية عبادة من أربع وعشرين فإن لم يكن تصحيفًا فالجملة عشر روايات والمشهور ستة وأربعين وهو ما في أكثر الأحاديث قال الحافظ ويمكن الجواب عن اختلاف الأعداد بأنه بحسب الوقت الذي حدث فيه صلى الله عليه وسلم بذلك كأن يكون لما أكمل ثلاث عشر سنة بعد مجيء الوحي إليه حدث بأن الرؤيا جزء من ستة وعشرين إن ثبت الخبر بذلك وذلك وقت الهجرة ولما أكمل عشرين حدث بأربعين ولما أكمل اثنين وعشرين حدث بأربعة وأربعين ثم بعدها بخمسة وأربعين ثم حدث بستة وأربعين في آخر حياته وما عدا ذلك من الروايات فضعيف ورواية خمسين يحتمل جبر الكسر والسبعين للمبالغة وعبر بالنبوة دون الرسالة لأنها تزيد بالتبليغ بخلاف النبوة فاطلاع على بعض الغيب وكذلك الرؤيا فإن قيل فإذا كانت جزءا من النبوة فكيف يكون للكافر منها نصيب كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف ورؤيا ملكهم وغير ذلك وقد ذكر أن جالينوس عرض له ورم في المحل الذي يتصل منه بالحجاب فأمره الله في المنام بقصد العرق الضارب من كفه اليسرى فبرأ أجيب بأن الكافر وإن لم يكن محلاً لها فلا يمتنع أن يرى ما يعود عليه بخير في دنياه كما أن كل مؤمن ليس محلاً لها ثم لا يمتنع رؤيته ما يعود عليه بخير دنيوي فإن الناس في الرؤيا ثلاث درجات الأنبياء ورؤياهم كلها صدق وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير والصالحون والغالب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير وما عداهم يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث وهم ثلاثة مستورون فالغالب استواء الحال في حقهم وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث ويقل فيها الصدق وكفار ويندر فيها الصدق جدًا ويرشد لذلك خبر مسلم مرفوعًا وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا وحديث الباب رواه البخاري عن القعنبي عن مالك به (مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك) الذي رواه إسحاق عن أنس والحديث متواتر جاء عن جمع من الصحابة (مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري (عن زفر) بضم الزاي وفتح الفاء والراء ممنوع الصرف (ابن صعصعة عن أبيه) وهما ثقتان مدنيان قال أبو عمر لا أعلم لزفر ولا لأبيه غير هذا الحديث وفي رواية معن عن زفر عن أبي هريرة بإسقاط عن أبيه والصواب إثباته كما رواه الأكثر وفيه ثلاثة من التابعين (عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاة الغداة) بالمعجمة أي الصبح (يقول هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا) زاد في رواية البخاري عن سمرة بن جندب فنقص عليه ما شاء الله أن يقص وزاد في رواية أنه أقام يسأل عن ذلك ما شاء الله ثم ترك السؤال فكان يعبر لمن قص متبرعًا قيل سبب تركه حديث أبي بكرة أنه صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم من رأى منكم رؤيا فقال رجل أنا رأيت كأن ميزانًا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر ووزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر ووزن عمر وعثمان فرجح عمر ثم رفع الميزان فرأينا الكراهة في وجهه صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود والترمذي قالوا فمن حينئذ لم يسأل أحدًا إيثارًا لستر العواقب وإخفاء المراتب فلما كانت هذه الرؤيا كاشفة لمنازلهم مبينة لفضل بعضهم على بعض في التعيين خشي أن يتواتر ويتوالى ما هو أبلغ في الكشف من ذلك ولله في ستر خلقه حكمة بالغة ومشيئة نافذة وقيل غير ذلك (ويقول) صلى الله عليه وسلم (ليس يبقى بعدي من النبوة) أل عهدية أي نبوته (إلا الرؤيا الصالحة) أي الحسنة أو الصادقة المنتظمة الواقعة على شروطها الصحيحة وهي ما فيه بشارة أو تنبيه على غفلة وقال الكرماني الصالحة صفة موضحة للرؤيا لأن غيرها يسمى بالحلم أو مخصصة والصلاح باعتبار صورتها أو تعبيرها وفيه ندب التعبير قبل طلوع الشمس فيرد قول بعض أهل التعبير المستحب أنه من طلوعها إلى الرابعة ومن العصر إلى قرب المغرب ورد على ما لعبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن عن بعض علمائهم قال لا تقصص رؤياك على امرأة ولا تخبر بها حتى تطلع الشمس قال المهلب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح أولى من غيره من الأوقات لحفظ صاحبها لها لقرب عهده بها قبل ما يعرض له نسيانها ولحضور ذهن العابر وقلة شغله بالفكرة فيما يتعلق بمعاشه وليعرف الرائي ما يعرض له بسبب رؤياه فيستبشر بالخير ويحذر من الشر ويتأهب لذلك فربما كان فيها تحذير من معصية فيكف عنها وربما كانت إنذارًا لأمر فيكون له مترقبًا قال فهذه عدة فوائد لتعبيرها أول النهار انتهى (مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) مرسل وصله البخاري من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لن يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات) بكسر المعجمة المشددة جمع مبشرة اسم فاعل للمؤنث من البشر وهو إدخال السرور والفرح على المبشر بالفتح وليس جمع البشرى لأنها اسم بمعنى البشارة ووقع في البخاري بلفظ لم التي تقلب المضارع إلى المضي بدل لن لكنه بمعنى الاستقبال عبر عنه بالمضي تحقيقًا لوقوعه قال في المصابيح المقام مقتض للنفي بلن لدلالتها على النفي في المستقبل يعني أن الوحي ينقطع بموته فلا يبقى بعده ما يعلم به أنه يكون غير الرؤيا الصالحة انتهى وقيل هو على ظاهره لأنه قال ذلك في زمانه واللام عهدية والمراد نبوته أي لم يبق بعد النبوة المختصة بي إلا المبشرات ولمسلم عن ابن عباس أنه قال ذلك في مرض موته ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستارة ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه والناس صفوف خلف أبي بكر فقال أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة وللنسائي أنه ليس بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة وهذا يؤيد التأويل الأول ولأبي يعلى عن أنس مرفوعًا أن الرسالة والنبوة قد انقطعت ولا نبي ولا رسول بعدي ولكن بقيت المبشرات (فقالوا وما المبشرات يا رسول الله قال الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح) بنفسه (أو ترى له) بضم التاء أي يراها له غيره (جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) ظاهر هذا مع الاستثناء أن الرؤيا نبوة وليس بمراد لما مر أن المراد تشبيه أمر الرؤيا بالنبوة لأن جزء الشيء لا يستلزم ثبوت وصفه كمن قال أشهد أن لا إله إلا الله رافعًا صوته لا يسمى مؤذنًا ولا يقال إنه أذن وإن كانت جزءا من الأذان وكذا لو قرأ شيئًا من القرآن وهو قائم لا يسمى مصليًا وإن كانت القراءة جزءا من الصلاة ويؤيده حديث أم كرز بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي الكعبية قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذهبت النبوة وبقيت المبشرات أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان قال المهلب ما حاصله التعبير بالمبشرات خرج مخرج الأغلب فإن من الرؤيا ما تكون منذرة وهي صادقة يريها الله تعالى للمؤمن رفقًا به ليستعد لما يقع قبل وقوعه وقال ابن التين معنى الحديث أن الوحي ينقطع بموته ولا يبقى ما يعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا ويرد عليه الإلهام فإن فيه إخبارًا بما سيكون وهو للأنبياء بالنسبة للوحي كالرؤيا ويقع لغير الأنبياء كما في مناقب عمر قد كان فيما مضى محدثون وفسر المحدث بفتح الدال بالملهم بفتح الهاء وقد أخبر كثير من الأولياء عن أمور مغيبة فكانت كما أخبروا والجواب أن الحصر في المنام لكونه يشمل آحاد المؤمنين بخلاف الإلهام فيختص بالبعض ومع اختصاصه فإنه نادر فإنما ذكر المنام لشموله وكثرة وقوعه ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن في أمتي أحد فعمر وكأن السر في ندور الإلهام في زمنه وكثرته من بعده غلبة الوحي إليه صلى الله عليه وسلم في اليقظة وإرادة إظهار المعجزات منه وكان المناسب أن لا يقع لغيره في زمانه منه شيء فلما انقطع الوحي بموته وقع الإلهام لمن اختصه الله به للأمن من اللبس في ذلك وفي إنكار ذلك مع كثرته واشتهاره مكابرة ممن أنكره قاله الحافظ (مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أنه قال سمعت أبا قتادة) الحارث أو النعمان أو عمرو (بن ربعي) بكسر الراء وإسكان الموحدة وكسر العين وتحتية الأنصاري (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرؤيا الصالحة) المنتظمة الواقعة على شروطها الصحيحة وهي ما فيها بشارة أو تنبيه على غفلة وقال الكرماني الصالحة صفة موضحة لأن غيرها يسمى بالحلم أو مخصصة والصلاح باعتبار صورتها أو تعبيرها وقال عياض تبعًا للباجي يحتمل أن معنى الصالحة والحسنة حسن ظاهرها ويحتمل أن المراد صحتها (من الله) أي بشرى وتحذير وإنذار (الحلم) بضم الحاء وسكون اللام أو ضمها كما في النهاية وغيرها الرؤية حسنة أو مكروهة وهي المراد هنا قال عياض وهي محتملة للوجهين الظاهر وسوء التأويل (من الشيطان) أي من إلقائه يخوف ويحزن الإنسان بها قال عياض إضافة أي نسبة الرؤيا إلى الله إضافة تكريم وتشريف لطهارتها من حضور الشيطان وإفساده لها وسلامتها من الأضغاث أي التخليط وجمع الأشياء المتضادة بخلاف المكروهة وإن كانتا جميعًا من خلق الله تعالى وبإرادته ولا فعل للشيطان فيها لكنه يحضرها ويرتضيها ويسر بها فلذا نسبت إليه أو لأنها مخلوقة على طبعه من التحذير والكراهة التي خلق عليها أو لأنها توافقه ويستحسنها لما فيها من شغل بال المسلم وتضرره بها قال بعضهم والتحذير وإن كان غالبًا من الشيطان فقد يكون في الصالحة إنذار من الله واعتناء منه بعبده لئلا يفجأه ما قدر عليه فيكون منه على حذر واهبة كما أن رؤيا الصالحين الغالب عليها الصحة وقد يكون فيها أضغاث نادرة العوارض من وسوسة نفس وحديثها أو غلبة خاطر وقال ابن الجوزي الرؤيا والحلم واحد غير أن صاحب الشرع خص الخير باسم الرؤيا والشر باسم الحلم وقال التوربشتي الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا والتفريق بينهما من الاصطلاحات الشرعية التي لم يعطها بليغ ولم يهتد إليها حكيم بل سنها صاحب الشرع للفصل بين الحق والباطل كأنه كره أن يسمى ما كان من الله وما كان من الشيطان باسم واحد فجعل الحلم عبارة عما كان من الشيطان لأن الكلمة لم تستعمل إلا فيما يخيل للحالم في نومه من قضاء الشهوة بما لا حقيقة له (فإذا رأى أحدكم الشيء يكرهه فلينفث) بضم الفاء وكسرها طردًا للشيطان الذي حضر الرؤيا المكروهة تحقيرًا له واستقذارًا (عن يساره) لأنها محل الأقذار ونحوها (ثلاث مرات) للتأكيد وفي رواية الشيخين فليبصق عن يساره وفي أخرى فليتفل قال عياض اختلف في التفل والنفث فقيل معناهما واحد ولا يكونان إلا بريق وقيل يشترط في التفل ريق يسير ولا يكون في النفث وقيل عكسه قال النووي أكثر الروايات فلينفث وهو النفخ اللطيف بلا ريق فيكون التفل والبصق محمولين عليه مجازًا وتعقبه الحافظ بأن المطلوب طرد الشيطان وإظهار احتقاره واستقذاره كما نقله هو عن عياض كما مر فالذي يجمع الثلاثة الحمل على التفل فإنه نفخ معه ريق لطيف فبالنظر إلى النفخ قيل له نفث وبالنظر إلى التفل قيل له بصق (إذا استيقظ) من نومه (وليستعذ بالله من شرها) زاد في رواية ومن شر الشيطان قال الحافظ ورد في صفة التعوذ من شر الرؤيا أثر صحيح أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن إبراهيم النخعي قال إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فليقل إذا استيقظ أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه إن يصيبني فيها ما أكره في ديني أو دنياي وقال غيره ورد أنه يقول اللهم إني أعوذ بك من عمل الشيطان وسيئات الأحلام رواه ابن السني زاد في الصحيح من رواية عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي قتادة ولا يحدث بها أحدًا وزاد مسلم عن جابر وليتحول عن جنبه الذي كان عليه وزاد الشيخان من حديث أبي هريرة وليقم فليصل (فإنها لن تضره إن شاء الله) لأن الله جعل ما ذكر سببًا للسلامة من المكروه المترقب من الرؤيا كما جعل الصدقة وقاية للمال وأنها تدفع البلاء إذا فعل ذلك مصدقًا متكلاً على الله في دفع المكروه وأما التحول فللتفاؤل بتحول تلك الحال التي كان عليها قال النووي وينبغي أن يجمع هذه الروايات كلها ويعمل بجميع ما تضمنته فإن اقتصر على بعضها أجزأته في دفع ضررها كما صرحت به الأحاديث وتعقبه الحافظ بأنه لم ير في شيء من الأحاديث الاقتصار على واحد ثم قال لكن أشار المهلب إلى أن الاستعاذة كافية في دفع شرها انتهى ولا ريب أن الصلاة تجمع ذلك كله كما قاله القرطبي لأنه إذا قام يصلي تحول عن جنبه وبصق ونفث عند المضمضة في الوضوء واستعاذ قبل القراءة ثم دعا الله في أقرب الأحوال إليه فيكفيه الله شرها وذكر بعضهم قراءة آية الكرسي ولم يذكر لذلك مستندًا فإن أخذ من عموم حديث ولا يقربك شيطان فمتجه قال وينبغي أن يقرأها في صلاته المذكورة وقد زاد في رواية عبد ربه بن سعيد فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب وفي الترمذي لا يحدث بها إلا لبيبًا أو حبيبًا أي لأنه إذا حدث بها من لا يحب قد يفسرها بما لا يحب إما بغضًا وإما حسدًا فقد يقع على تلك الصفة أو يتعجل لنفسه من ذلك حزنًا ونكدًا فأمر بترك تحديث من لا يحب لسبب ذلك وقد روي مرفوعًا الرؤيا لأول عابر وهو ضعيف لكن له شاهد عند أبي داود والترمذي وابن ماجه بسند حسن وصححه الحاكم عن أبي رزين العقيلي رفعه الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت قال أبو عبيدة وغيره معناه إذا كان العابر الأول عالمًا فعبر وأصاب وجه التعبير وإلا فهي لمن أصاب بعده إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب في تعبير المنام ليتوصل بذلك إلى مراد الله تعالى فيما ضرب من المثل فإذا أصاب فلا ينبغي أن يسأل غيره وإن لم يصب فليسأل الثاني وعليه أن يخبر بما عنده ويبين ما جهل الأول وفيه بحث يطول ذكره (قال أبو سلمة) ابن عبد الرحمن (إن كنت لأرى) باللام (الرؤيا هي أثقل علي من الجبل) بالجيم واحد الجبال (فلما سمعت هذا الحديث) من أبي قتادة وجواب لما محذوف أي خف علي ما أراه (فما كنت أباليها) أي لا ألتفت إليها ولا ألقي لها بالاً وفي رواية عبد ربه سمعت أبا سلمة يقول لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول وأنا كنت لأرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وتابع مالكًا سليمان بن بلال والليث وعبد الوهاب الثقفي وعبد الله بن نمير كلهم عن يحيى بن سعيد به وتابعه أخوه عبد ربه ومحمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة كل ذلك في مسلم وغيره ورواه ابن عيينة ومعمر عن ابن شهاب عن أبي سلمة نحوه في الصحيحين وغيرهما (مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول في هذه الآية { { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } } بالجنة والثواب (قال هي) أي البشرى في الدنيا (الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له) وهذا قد جاء مرفوعًا عند أحمد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } } قال الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له وعنده أيضًا عن عبادة بن الصامت أنه قال يا رسول الله أرأيت قوله تعالى { { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } } فقال لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي أو أحد قبلك تلك الرؤيا الصالحة يراها الصالح أو ترى له وعنده أيضًا عن ابن عمر رفعه لهم البشرى في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة يسر بها المؤمن وعند ابن جرير عن أبي هريرة رفعه لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال هي في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له وفي الآخرة الجنة.


رقم الحديث 1745 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ.


(مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد (الأنصاري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الرؤيا الحسنة) أي الصادقة أو المبشرة احتمالان للباجي (من الرجل الصالح) وكذا المرأة الصالحة اتفاقًا حكاه ابن بطال والمراد غالب رؤيا الصالحين وإلا فالصالح قد يرى الأضغاث ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منهم (جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) مجازًا لا حقيقة لأن النبوة انقطعت بموته صلى الله عليه وسلم وجزء النبوة لا يكون نبوة كما أن جزء الصلاة لا يكون صلاة نعم إن وقعت منه صلى الله عليه وسلم فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة وقيل إن وقعت من غيره فهي جزء من علم النبوة لأنها وإن انقطعت فعلمها باق وتعقب بقول مالك كما حكاه ابن عبد البر حين سئل أيعبر الرؤيا كل أحد فقال أبالنبوة يلعب ثم قال الرؤيا جزء من النبوة فلا يلعب بالنبوة وأجيب بأنه لم يرد أنها نبوة باقية وإنما أراد أنها لما أشبهت النبوة من جهة الاطلاع على بعض الغيب لا ينبغي أن يتكلم فيها بلا علم فليس المراد أنها نبوة من جهة الاطلاع لأن المراد تشبيه الرؤيا بالنبوة وجزء الشيء لا يستلزم ثبوت وصفه له كمن قال أشهد أن لا إله إلا الله رافعًا صوته لا يسمى مؤذنًا قال أبو عمر مفهومه أنها من غير الصالح لا يقطع بأنها كذلك ويحتمل أنه خرج على جواب سائل فلا مفهوم له ويؤيده قوله في مرسل عطاء الآتي يراها الرجل الصالح أو ترى له فعم قوله يرى الصالح وغيره ثم يحتمل أن الرؤيا نوع من ستة وأربعين نوعًا من نزول الوحي لأنه كان يأتي على ضروب وأن تكون جزءا من النبوة لأن فيها ما يعجز كالطيران وقلب الأعيان وذلك ركن من أركان النبوة أو لما فيها من الاطلاع على الغيب لأن الرائي يخبر بعلم ما غاب والأول أولى وأشبه بالأصول انتهى ملخصًا وقال ابن العربي أجزاء النبوة لا يعلم حقيقتها إلا ملك أو نبي وإنما القدر الذي أراد صلى الله عليه وسلم بيانه أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة في الجملة لأن فيها اطلاعًا على الغيب من وجه ما وأما تفصيل النسبة فيختص بمعرفته درجة النبوة وقال المازري هو مما أطلع الله عليه نبيه ولا يلزم العالم أن يعرف كل شيء جملة وتفصيلاً فقد جعل الله للعالم حدًا يقف عنده فمنه ما يعلم المراد به جملة وتفصيلاً ومنه ما يعلمه جملة لا تفصيلاً وهذا من هذا القبيل ونقل ابن بطال عن أبي سعيد السفاقسي أن بعض العلماء ذكر أن الله أوحى إلى نبيه في المنام ستة أشهر ثم أوحى إليه بعد ذلك يقظة بقية حياته ونسبتها إلى الوحي في المنام جزء من ستة وأربعين جزءا لأنه عاش بعد النبوة ثلاثة وعشرين سنة على الصحيح قال ابن بطال هذا بعيد من وجهين أحدهما أنه اختلف في قدر المدة التي بعد البعثة والثاني أنه يبقى حديث سبعين جزء لا معنى له وقال الخطابي هذا وإن كان وجهًا تحتمله قسمة الحساب والعدد فأول ما يجب على قائله أن يثبت ما ادعاه خبرًا ولم نسمع فيه أثرًا ولا ذكر مدعيه فيه خبرًا فكأنه قاله على سبيل الظن والظن لا يغني من الحق شيئًا وليس كل ما خفي علينا علمه يلزمنا حجته كأعداد الركعات وأيام الصيام ورمي الجمار فإنا لا نصل من علمها إلى أمر يوجب حصرها تحت أعدادها ولم يقع ذلك في موجب اعتقادنا للزومها قال ولئن سلمنا أن هذه المدة محسوبة من أجزاء النبوة لكنه يلحق بها سائر الأوقات التي أوحي إليه فيها منامًا في طول المدة كرؤيا أحد ودخول مكة فتلفق من ذلك مدة أخرى تزاد في الحساب فتبطل القسمة التي ذكرها وأجيب عن هذا بأن المراد على تقدير الصحة وحي المنام المتتابع فما وقع في غضون وحي اليقظة يسير بالنسبة إلى وحي اليقظة فهو مغمور في جانب وحيها فلم تعتبر به وقد ذكروا مناسبات غير ذلك يطول ذكرها وفي مسلم من حديث أبي هريرة جزء من خمسة وأربعين وله أيضًا عن ابن عمر جزء من سبعين جزءا وللطبراني عنه من ستة وسبعين وسنده ضعيف وعند ابن عبد البر عن ثابت عن أنس جزء من ستة وعشرين وعند ابن جرير عن ابن عباس جزء من خمسين وللترمذي عن أبي رزين جزء من أربعين ولابن جرير عن عبادة جزء من أربعة وأربعين وابن النجار عن ابن عمر جزء من خمس وعشرين ووقع في شرح مسلم للنووي وفي رواية عبادة من أربع وعشرين فإن لم يكن تصحيفًا فالجملة عشر روايات والمشهور ستة وأربعين وهو ما في أكثر الأحاديث قال الحافظ ويمكن الجواب عن اختلاف الأعداد بأنه بحسب الوقت الذي حدث فيه صلى الله عليه وسلم بذلك كأن يكون لما أكمل ثلاث عشر سنة بعد مجيء الوحي إليه حدث بأن الرؤيا جزء من ستة وعشرين إن ثبت الخبر بذلك وذلك وقت الهجرة ولما أكمل عشرين حدث بأربعين ولما أكمل اثنين وعشرين حدث بأربعة وأربعين ثم بعدها بخمسة وأربعين ثم حدث بستة وأربعين في آخر حياته وما عدا ذلك من الروايات فضعيف ورواية خمسين يحتمل جبر الكسر والسبعين للمبالغة وعبر بالنبوة دون الرسالة لأنها تزيد بالتبليغ بخلاف النبوة فاطلاع على بعض الغيب وكذلك الرؤيا فإن قيل فإذا كانت جزءا من النبوة فكيف يكون للكافر منها نصيب كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف ورؤيا ملكهم وغير ذلك وقد ذكر أن جالينوس عرض له ورم في المحل الذي يتصل منه بالحجاب فأمره الله في المنام بقصد العرق الضارب من كفه اليسرى فبرأ أجيب بأن الكافر وإن لم يكن محلاً لها فلا يمتنع أن يرى ما يعود عليه بخير في دنياه كما أن كل مؤمن ليس محلاً لها ثم لا يمتنع رؤيته ما يعود عليه بخير دنيوي فإن الناس في الرؤيا ثلاث درجات الأنبياء ورؤياهم كلها صدق وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير والصالحون والغالب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير وما عداهم يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث وهم ثلاثة مستورون فالغالب استواء الحال في حقهم وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث ويقل فيها الصدق وكفار ويندر فيها الصدق جدًا ويرشد لذلك خبر مسلم مرفوعًا وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا وحديث الباب رواه البخاري عن القعنبي عن مالك به (مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك) الذي رواه إسحاق عن أنس والحديث متواتر جاء عن جمع من الصحابة (مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري (عن زفر) بضم الزاي وفتح الفاء والراء ممنوع الصرف (ابن صعصعة عن أبيه) وهما ثقتان مدنيان قال أبو عمر لا أعلم لزفر ولا لأبيه غير هذا الحديث وفي رواية معن عن زفر عن أبي هريرة بإسقاط عن أبيه والصواب إثباته كما رواه الأكثر وفيه ثلاثة من التابعين (عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاة الغداة) بالمعجمة أي الصبح (يقول هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا) زاد في رواية البخاري عن سمرة بن جندب فنقص عليه ما شاء الله أن يقص وزاد في رواية أنه أقام يسأل عن ذلك ما شاء الله ثم ترك السؤال فكان يعبر لمن قص متبرعًا قيل سبب تركه حديث أبي بكرة أنه صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم من رأى منكم رؤيا فقال رجل أنا رأيت كأن ميزانًا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر ووزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر ووزن عمر وعثمان فرجح عمر ثم رفع الميزان فرأينا الكراهة في وجهه صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود والترمذي قالوا فمن حينئذ لم يسأل أحدًا إيثارًا لستر العواقب وإخفاء المراتب فلما كانت هذه الرؤيا كاشفة لمنازلهم مبينة لفضل بعضهم على بعض في التعيين خشي أن يتواتر ويتوالى ما هو أبلغ في الكشف من ذلك ولله في ستر خلقه حكمة بالغة ومشيئة نافذة وقيل غير ذلك (ويقول) صلى الله عليه وسلم (ليس يبقى بعدي من النبوة) أل عهدية أي نبوته (إلا الرؤيا الصالحة) أي الحسنة أو الصادقة المنتظمة الواقعة على شروطها الصحيحة وهي ما فيه بشارة أو تنبيه على غفلة وقال الكرماني الصالحة صفة موضحة للرؤيا لأن غيرها يسمى بالحلم أو مخصصة والصلاح باعتبار صورتها أو تعبيرها وفيه ندب التعبير قبل طلوع الشمس فيرد قول بعض أهل التعبير المستحب أنه من طلوعها إلى الرابعة ومن العصر إلى قرب المغرب ورد على ما لعبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن عن بعض علمائهم قال لا تقصص رؤياك على امرأة ولا تخبر بها حتى تطلع الشمس قال المهلب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح أولى من غيره من الأوقات لحفظ صاحبها لها لقرب عهده بها قبل ما يعرض له نسيانها ولحضور ذهن العابر وقلة شغله بالفكرة فيما يتعلق بمعاشه وليعرف الرائي ما يعرض له بسبب رؤياه فيستبشر بالخير ويحذر من الشر ويتأهب لذلك فربما كان فيها تحذير من معصية فيكف عنها وربما كانت إنذارًا لأمر فيكون له مترقبًا قال فهذه عدة فوائد لتعبيرها أول النهار انتهى (مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) مرسل وصله البخاري من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لن يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات) بكسر المعجمة المشددة جمع مبشرة اسم فاعل للمؤنث من البشر وهو إدخال السرور والفرح على المبشر بالفتح وليس جمع البشرى لأنها اسم بمعنى البشارة ووقع في البخاري بلفظ لم التي تقلب المضارع إلى المضي بدل لن لكنه بمعنى الاستقبال عبر عنه بالمضي تحقيقًا لوقوعه قال في المصابيح المقام مقتض للنفي بلن لدلالتها على النفي في المستقبل يعني أن الوحي ينقطع بموته فلا يبقى بعده ما يعلم به أنه يكون غير الرؤيا الصالحة انتهى وقيل هو على ظاهره لأنه قال ذلك في زمانه واللام عهدية والمراد نبوته أي لم يبق بعد النبوة المختصة بي إلا المبشرات ولمسلم عن ابن عباس أنه قال ذلك في مرض موته ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستارة ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه والناس صفوف خلف أبي بكر فقال أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة وللنسائي أنه ليس بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة وهذا يؤيد التأويل الأول ولأبي يعلى عن أنس مرفوعًا أن الرسالة والنبوة قد انقطعت ولا نبي ولا رسول بعدي ولكن بقيت المبشرات (فقالوا وما المبشرات يا رسول الله قال الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح) بنفسه (أو ترى له) بضم التاء أي يراها له غيره (جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) ظاهر هذا مع الاستثناء أن الرؤيا نبوة وليس بمراد لما مر أن المراد تشبيه أمر الرؤيا بالنبوة لأن جزء الشيء لا يستلزم ثبوت وصفه كمن قال أشهد أن لا إله إلا الله رافعًا صوته لا يسمى مؤذنًا ولا يقال إنه أذن وإن كانت جزءا من الأذان وكذا لو قرأ شيئًا من القرآن وهو قائم لا يسمى مصليًا وإن كانت القراءة جزءا من الصلاة ويؤيده حديث أم كرز بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي الكعبية قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذهبت النبوة وبقيت المبشرات أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان قال المهلب ما حاصله التعبير بالمبشرات خرج مخرج الأغلب فإن من الرؤيا ما تكون منذرة وهي صادقة يريها الله تعالى للمؤمن رفقًا به ليستعد لما يقع قبل وقوعه وقال ابن التين معنى الحديث أن الوحي ينقطع بموته ولا يبقى ما يعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا ويرد عليه الإلهام فإن فيه إخبارًا بما سيكون وهو للأنبياء بالنسبة للوحي كالرؤيا ويقع لغير الأنبياء كما في مناقب عمر قد كان فيما مضى محدثون وفسر المحدث بفتح الدال بالملهم بفتح الهاء وقد أخبر كثير من الأولياء عن أمور مغيبة فكانت كما أخبروا والجواب أن الحصر في المنام لكونه يشمل آحاد المؤمنين بخلاف الإلهام فيختص بالبعض ومع اختصاصه فإنه نادر فإنما ذكر المنام لشموله وكثرة وقوعه ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن في أمتي أحد فعمر وكأن السر في ندور الإلهام في زمنه وكثرته من بعده غلبة الوحي إليه صلى الله عليه وسلم في اليقظة وإرادة إظهار المعجزات منه وكان المناسب أن لا يقع لغيره في زمانه منه شيء فلما انقطع الوحي بموته وقع الإلهام لمن اختصه الله به للأمن من اللبس في ذلك وفي إنكار ذلك مع كثرته واشتهاره مكابرة ممن أنكره قاله الحافظ (مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أنه قال سمعت أبا قتادة) الحارث أو النعمان أو عمرو (بن ربعي) بكسر الراء وإسكان الموحدة وكسر العين وتحتية الأنصاري (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرؤيا الصالحة) المنتظمة الواقعة على شروطها الصحيحة وهي ما فيها بشارة أو تنبيه على غفلة وقال الكرماني الصالحة صفة موضحة لأن غيرها يسمى بالحلم أو مخصصة والصلاح باعتبار صورتها أو تعبيرها وقال عياض تبعًا للباجي يحتمل أن معنى الصالحة والحسنة حسن ظاهرها ويحتمل أن المراد صحتها (من الله) أي بشرى وتحذير وإنذار (الحلم) بضم الحاء وسكون اللام أو ضمها كما في النهاية وغيرها الرؤية حسنة أو مكروهة وهي المراد هنا قال عياض وهي محتملة للوجهين الظاهر وسوء التأويل (من الشيطان) أي من إلقائه يخوف ويحزن الإنسان بها قال عياض إضافة أي نسبة الرؤيا إلى الله إضافة تكريم وتشريف لطهارتها من حضور الشيطان وإفساده لها وسلامتها من الأضغاث أي التخليط وجمع الأشياء المتضادة بخلاف المكروهة وإن كانتا جميعًا من خلق الله تعالى وبإرادته ولا فعل للشيطان فيها لكنه يحضرها ويرتضيها ويسر بها فلذا نسبت إليه أو لأنها مخلوقة على طبعه من التحذير والكراهة التي خلق عليها أو لأنها توافقه ويستحسنها لما فيها من شغل بال المسلم وتضرره بها قال بعضهم والتحذير وإن كان غالبًا من الشيطان فقد يكون في الصالحة إنذار من الله واعتناء منه بعبده لئلا يفجأه ما قدر عليه فيكون منه على حذر واهبة كما أن رؤيا الصالحين الغالب عليها الصحة وقد يكون فيها أضغاث نادرة العوارض من وسوسة نفس وحديثها أو غلبة خاطر وقال ابن الجوزي الرؤيا والحلم واحد غير أن صاحب الشرع خص الخير باسم الرؤيا والشر باسم الحلم وقال التوربشتي الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا والتفريق بينهما من الاصطلاحات الشرعية التي لم يعطها بليغ ولم يهتد إليها حكيم بل سنها صاحب الشرع للفصل بين الحق والباطل كأنه كره أن يسمى ما كان من الله وما كان من الشيطان باسم واحد فجعل الحلم عبارة عما كان من الشيطان لأن الكلمة لم تستعمل إلا فيما يخيل للحالم في نومه من قضاء الشهوة بما لا حقيقة له (فإذا رأى أحدكم الشيء يكرهه فلينفث) بضم الفاء وكسرها طردًا للشيطان الذي حضر الرؤيا المكروهة تحقيرًا له واستقذارًا (عن يساره) لأنها محل الأقذار ونحوها (ثلاث مرات) للتأكيد وفي رواية الشيخين فليبصق عن يساره وفي أخرى فليتفل قال عياض اختلف في التفل والنفث فقيل معناهما واحد ولا يكونان إلا بريق وقيل يشترط في التفل ريق يسير ولا يكون في النفث وقيل عكسه قال النووي أكثر الروايات فلينفث وهو النفخ اللطيف بلا ريق فيكون التفل والبصق محمولين عليه مجازًا وتعقبه الحافظ بأن المطلوب طرد الشيطان وإظهار احتقاره واستقذاره كما نقله هو عن عياض كما مر فالذي يجمع الثلاثة الحمل على التفل فإنه نفخ معه ريق لطيف فبالنظر إلى النفخ قيل له نفث وبالنظر إلى التفل قيل له بصق (إذا استيقظ) من نومه (وليستعذ بالله من شرها) زاد في رواية ومن شر الشيطان قال الحافظ ورد في صفة التعوذ من شر الرؤيا أثر صحيح أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن إبراهيم النخعي قال إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فليقل إذا استيقظ أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه إن يصيبني فيها ما أكره في ديني أو دنياي وقال غيره ورد أنه يقول اللهم إني أعوذ بك من عمل الشيطان وسيئات الأحلام رواه ابن السني زاد في الصحيح من رواية عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي قتادة ولا يحدث بها أحدًا وزاد مسلم عن جابر وليتحول عن جنبه الذي كان عليه وزاد الشيخان من حديث أبي هريرة وليقم فليصل (فإنها لن تضره إن شاء الله) لأن الله جعل ما ذكر سببًا للسلامة من المكروه المترقب من الرؤيا كما جعل الصدقة وقاية للمال وأنها تدفع البلاء إذا فعل ذلك مصدقًا متكلاً على الله في دفع المكروه وأما التحول فللتفاؤل بتحول تلك الحال التي كان عليها قال النووي وينبغي أن يجمع هذه الروايات كلها ويعمل بجميع ما تضمنته فإن اقتصر على بعضها أجزأته في دفع ضررها كما صرحت به الأحاديث وتعقبه الحافظ بأنه لم ير في شيء من الأحاديث الاقتصار على واحد ثم قال لكن أشار المهلب إلى أن الاستعاذة كافية في دفع شرها انتهى ولا ريب أن الصلاة تجمع ذلك كله كما قاله القرطبي لأنه إذا قام يصلي تحول عن جنبه وبصق ونفث عند المضمضة في الوضوء واستعاذ قبل القراءة ثم دعا الله في أقرب الأحوال إليه فيكفيه الله شرها وذكر بعضهم قراءة آية الكرسي ولم يذكر لذلك مستندًا فإن أخذ من عموم حديث ولا يقربك شيطان فمتجه قال وينبغي أن يقرأها في صلاته المذكورة وقد زاد في رواية عبد ربه بن سعيد فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب وفي الترمذي لا يحدث بها إلا لبيبًا أو حبيبًا أي لأنه إذا حدث بها من لا يحب قد يفسرها بما لا يحب إما بغضًا وإما حسدًا فقد يقع على تلك الصفة أو يتعجل لنفسه من ذلك حزنًا ونكدًا فأمر بترك تحديث من لا يحب لسبب ذلك وقد روي مرفوعًا الرؤيا لأول عابر وهو ضعيف لكن له شاهد عند أبي داود والترمذي وابن ماجه بسند حسن وصححه الحاكم عن أبي رزين العقيلي رفعه الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت قال أبو عبيدة وغيره معناه إذا كان العابر الأول عالمًا فعبر وأصاب وجه التعبير وإلا فهي لمن أصاب بعده إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب في تعبير المنام ليتوصل بذلك إلى مراد الله تعالى فيما ضرب من المثل فإذا أصاب فلا ينبغي أن يسأل غيره وإن لم يصب فليسأل الثاني وعليه أن يخبر بما عنده ويبين ما جهل الأول وفيه بحث يطول ذكره (قال أبو سلمة) ابن عبد الرحمن (إن كنت لأرى) باللام (الرؤيا هي أثقل علي من الجبل) بالجيم واحد الجبال (فلما سمعت هذا الحديث) من أبي قتادة وجواب لما محذوف أي خف علي ما أراه (فما كنت أباليها) أي لا ألتفت إليها ولا ألقي لها بالاً وفي رواية عبد ربه سمعت أبا سلمة يقول لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول وأنا كنت لأرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وتابع مالكًا سليمان بن بلال والليث وعبد الوهاب الثقفي وعبد الله بن نمير كلهم عن يحيى بن سعيد به وتابعه أخوه عبد ربه ومحمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة كل ذلك في مسلم وغيره ورواه ابن عيينة ومعمر عن ابن شهاب عن أبي سلمة نحوه في الصحيحين وغيرهما (مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول في هذه الآية { { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } } بالجنة والثواب (قال هي) أي البشرى في الدنيا (الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له) وهذا قد جاء مرفوعًا عند أحمد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } } قال الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له وعنده أيضًا عن عبادة بن الصامت أنه قال يا رسول الله أرأيت قوله تعالى { { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } } فقال لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي أو أحد قبلك تلك الرؤيا الصالحة يراها الصالح أو ترى له وعنده أيضًا عن ابن عمر رفعه لهم البشرى في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة يسر بها المؤمن وعند ابن جرير عن أبي هريرة رفعه لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال هي في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له وفي الآخرة الجنة.


رقم الحديث 1746 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَنْ يَبْقَى بَعْدِي مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ، فَقَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ، جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ.


(مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد (الأنصاري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الرؤيا الحسنة) أي الصادقة أو المبشرة احتمالان للباجي (من الرجل الصالح) وكذا المرأة الصالحة اتفاقًا حكاه ابن بطال والمراد غالب رؤيا الصالحين وإلا فالصالح قد يرى الأضغاث ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منهم (جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) مجازًا لا حقيقة لأن النبوة انقطعت بموته صلى الله عليه وسلم وجزء النبوة لا يكون نبوة كما أن جزء الصلاة لا يكون صلاة نعم إن وقعت منه صلى الله عليه وسلم فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة وقيل إن وقعت من غيره فهي جزء من علم النبوة لأنها وإن انقطعت فعلمها باق وتعقب بقول مالك كما حكاه ابن عبد البر حين سئل أيعبر الرؤيا كل أحد فقال أبالنبوة يلعب ثم قال الرؤيا جزء من النبوة فلا يلعب بالنبوة وأجيب بأنه لم يرد أنها نبوة باقية وإنما أراد أنها لما أشبهت النبوة من جهة الاطلاع على بعض الغيب لا ينبغي أن يتكلم فيها بلا علم فليس المراد أنها نبوة من جهة الاطلاع لأن المراد تشبيه الرؤيا بالنبوة وجزء الشيء لا يستلزم ثبوت وصفه له كمن قال أشهد أن لا إله إلا الله رافعًا صوته لا يسمى مؤذنًا قال أبو عمر مفهومه أنها من غير الصالح لا يقطع بأنها كذلك ويحتمل أنه خرج على جواب سائل فلا مفهوم له ويؤيده قوله في مرسل عطاء الآتي يراها الرجل الصالح أو ترى له فعم قوله يرى الصالح وغيره ثم يحتمل أن الرؤيا نوع من ستة وأربعين نوعًا من نزول الوحي لأنه كان يأتي على ضروب وأن تكون جزءا من النبوة لأن فيها ما يعجز كالطيران وقلب الأعيان وذلك ركن من أركان النبوة أو لما فيها من الاطلاع على الغيب لأن الرائي يخبر بعلم ما غاب والأول أولى وأشبه بالأصول انتهى ملخصًا وقال ابن العربي أجزاء النبوة لا يعلم حقيقتها إلا ملك أو نبي وإنما القدر الذي أراد صلى الله عليه وسلم بيانه أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة في الجملة لأن فيها اطلاعًا على الغيب من وجه ما وأما تفصيل النسبة فيختص بمعرفته درجة النبوة وقال المازري هو مما أطلع الله عليه نبيه ولا يلزم العالم أن يعرف كل شيء جملة وتفصيلاً فقد جعل الله للعالم حدًا يقف عنده فمنه ما يعلم المراد به جملة وتفصيلاً ومنه ما يعلمه جملة لا تفصيلاً وهذا من هذا القبيل ونقل ابن بطال عن أبي سعيد السفاقسي أن بعض العلماء ذكر أن الله أوحى إلى نبيه في المنام ستة أشهر ثم أوحى إليه بعد ذلك يقظة بقية حياته ونسبتها إلى الوحي في المنام جزء من ستة وأربعين جزءا لأنه عاش بعد النبوة ثلاثة وعشرين سنة على الصحيح قال ابن بطال هذا بعيد من وجهين أحدهما أنه اختلف في قدر المدة التي بعد البعثة والثاني أنه يبقى حديث سبعين جزء لا معنى له وقال الخطابي هذا وإن كان وجهًا تحتمله قسمة الحساب والعدد فأول ما يجب على قائله أن يثبت ما ادعاه خبرًا ولم نسمع فيه أثرًا ولا ذكر مدعيه فيه خبرًا فكأنه قاله على سبيل الظن والظن لا يغني من الحق شيئًا وليس كل ما خفي علينا علمه يلزمنا حجته كأعداد الركعات وأيام الصيام ورمي الجمار فإنا لا نصل من علمها إلى أمر يوجب حصرها تحت أعدادها ولم يقع ذلك في موجب اعتقادنا للزومها قال ولئن سلمنا أن هذه المدة محسوبة من أجزاء النبوة لكنه يلحق بها سائر الأوقات التي أوحي إليه فيها منامًا في طول المدة كرؤيا أحد ودخول مكة فتلفق من ذلك مدة أخرى تزاد في الحساب فتبطل القسمة التي ذكرها وأجيب عن هذا بأن المراد على تقدير الصحة وحي المنام المتتابع فما وقع في غضون وحي اليقظة يسير بالنسبة إلى وحي اليقظة فهو مغمور في جانب وحيها فلم تعتبر به وقد ذكروا مناسبات غير ذلك يطول ذكرها وفي مسلم من حديث أبي هريرة جزء من خمسة وأربعين وله أيضًا عن ابن عمر جزء من سبعين جزءا وللطبراني عنه من ستة وسبعين وسنده ضعيف وعند ابن عبد البر عن ثابت عن أنس جزء من ستة وعشرين وعند ابن جرير عن ابن عباس جزء من خمسين وللترمذي عن أبي رزين جزء من أربعين ولابن جرير عن عبادة جزء من أربعة وأربعين وابن النجار عن ابن عمر جزء من خمس وعشرين ووقع في شرح مسلم للنووي وفي رواية عبادة من أربع وعشرين فإن لم يكن تصحيفًا فالجملة عشر روايات والمشهور ستة وأربعين وهو ما في أكثر الأحاديث قال الحافظ ويمكن الجواب عن اختلاف الأعداد بأنه بحسب الوقت الذي حدث فيه صلى الله عليه وسلم بذلك كأن يكون لما أكمل ثلاث عشر سنة بعد مجيء الوحي إليه حدث بأن الرؤيا جزء من ستة وعشرين إن ثبت الخبر بذلك وذلك وقت الهجرة ولما أكمل عشرين حدث بأربعين ولما أكمل اثنين وعشرين حدث بأربعة وأربعين ثم بعدها بخمسة وأربعين ثم حدث بستة وأربعين في آخر حياته وما عدا ذلك من الروايات فضعيف ورواية خمسين يحتمل جبر الكسر والسبعين للمبالغة وعبر بالنبوة دون الرسالة لأنها تزيد بالتبليغ بخلاف النبوة فاطلاع على بعض الغيب وكذلك الرؤيا فإن قيل فإذا كانت جزءا من النبوة فكيف يكون للكافر منها نصيب كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف ورؤيا ملكهم وغير ذلك وقد ذكر أن جالينوس عرض له ورم في المحل الذي يتصل منه بالحجاب فأمره الله في المنام بقصد العرق الضارب من كفه اليسرى فبرأ أجيب بأن الكافر وإن لم يكن محلاً لها فلا يمتنع أن يرى ما يعود عليه بخير في دنياه كما أن كل مؤمن ليس محلاً لها ثم لا يمتنع رؤيته ما يعود عليه بخير دنيوي فإن الناس في الرؤيا ثلاث درجات الأنبياء ورؤياهم كلها صدق وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير والصالحون والغالب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير وما عداهم يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث وهم ثلاثة مستورون فالغالب استواء الحال في حقهم وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث ويقل فيها الصدق وكفار ويندر فيها الصدق جدًا ويرشد لذلك خبر مسلم مرفوعًا وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا وحديث الباب رواه البخاري عن القعنبي عن مالك به (مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك) الذي رواه إسحاق عن أنس والحديث متواتر جاء عن جمع من الصحابة (مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري (عن زفر) بضم الزاي وفتح الفاء والراء ممنوع الصرف (ابن صعصعة عن أبيه) وهما ثقتان مدنيان قال أبو عمر لا أعلم لزفر ولا لأبيه غير هذا الحديث وفي رواية معن عن زفر عن أبي هريرة بإسقاط عن أبيه والصواب إثباته كما رواه الأكثر وفيه ثلاثة من التابعين (عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاة الغداة) بالمعجمة أي الصبح (يقول هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا) زاد في رواية البخاري عن سمرة بن جندب فنقص عليه ما شاء الله أن يقص وزاد في رواية أنه أقام يسأل عن ذلك ما شاء الله ثم ترك السؤال فكان يعبر لمن قص متبرعًا قيل سبب تركه حديث أبي بكرة أنه صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم من رأى منكم رؤيا فقال رجل أنا رأيت كأن ميزانًا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر ووزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر ووزن عمر وعثمان فرجح عمر ثم رفع الميزان فرأينا الكراهة في وجهه صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود والترمذي قالوا فمن حينئذ لم يسأل أحدًا إيثارًا لستر العواقب وإخفاء المراتب فلما كانت هذه الرؤيا كاشفة لمنازلهم مبينة لفضل بعضهم على بعض في التعيين خشي أن يتواتر ويتوالى ما هو أبلغ في الكشف من ذلك ولله في ستر خلقه حكمة بالغة ومشيئة نافذة وقيل غير ذلك (ويقول) صلى الله عليه وسلم (ليس يبقى بعدي من النبوة) أل عهدية أي نبوته (إلا الرؤيا الصالحة) أي الحسنة أو الصادقة المنتظمة الواقعة على شروطها الصحيحة وهي ما فيه بشارة أو تنبيه على غفلة وقال الكرماني الصالحة صفة موضحة للرؤيا لأن غيرها يسمى بالحلم أو مخصصة والصلاح باعتبار صورتها أو تعبيرها وفيه ندب التعبير قبل طلوع الشمس فيرد قول بعض أهل التعبير المستحب أنه من طلوعها إلى الرابعة ومن العصر إلى قرب المغرب ورد على ما لعبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن عن بعض علمائهم قال لا تقصص رؤياك على امرأة ولا تخبر بها حتى تطلع الشمس قال المهلب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح أولى من غيره من الأوقات لحفظ صاحبها لها لقرب عهده بها قبل ما يعرض له نسيانها ولحضور ذهن العابر وقلة شغله بالفكرة فيما يتعلق بمعاشه وليعرف الرائي ما يعرض له بسبب رؤياه فيستبشر بالخير ويحذر من الشر ويتأهب لذلك فربما كان فيها تحذير من معصية فيكف عنها وربما كانت إنذارًا لأمر فيكون له مترقبًا قال فهذه عدة فوائد لتعبيرها أول النهار انتهى (مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) مرسل وصله البخاري من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لن يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات) بكسر المعجمة المشددة جمع مبشرة اسم فاعل للمؤنث من البشر وهو إدخال السرور والفرح على المبشر بالفتح وليس جمع البشرى لأنها اسم بمعنى البشارة ووقع في البخاري بلفظ لم التي تقلب المضارع إلى المضي بدل لن لكنه بمعنى الاستقبال عبر عنه بالمضي تحقيقًا لوقوعه قال في المصابيح المقام مقتض للنفي بلن لدلالتها على النفي في المستقبل يعني أن الوحي ينقطع بموته فلا يبقى بعده ما يعلم به أنه يكون غير الرؤيا الصالحة انتهى وقيل هو على ظاهره لأنه قال ذلك في زمانه واللام عهدية والمراد نبوته أي لم يبق بعد النبوة المختصة بي إلا المبشرات ولمسلم عن ابن عباس أنه قال ذلك في مرض موته ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستارة ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه والناس صفوف خلف أبي بكر فقال أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة وللنسائي أنه ليس بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة وهذا يؤيد التأويل الأول ولأبي يعلى عن أنس مرفوعًا أن الرسالة والنبوة قد انقطعت ولا نبي ولا رسول بعدي ولكن بقيت المبشرات (فقالوا وما المبشرات يا رسول الله قال الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح) بنفسه (أو ترى له) بضم التاء أي يراها له غيره (جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) ظاهر هذا مع الاستثناء أن الرؤيا نبوة وليس بمراد لما مر أن المراد تشبيه أمر الرؤيا بالنبوة لأن جزء الشيء لا يستلزم ثبوت وصفه كمن قال أشهد أن لا إله إلا الله رافعًا صوته لا يسمى مؤذنًا ولا يقال إنه أذن وإن كانت جزءا من الأذان وكذا لو قرأ شيئًا من القرآن وهو قائم لا يسمى مصليًا وإن كانت القراءة جزءا من الصلاة ويؤيده حديث أم كرز بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي الكعبية قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذهبت النبوة وبقيت المبشرات أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان قال المهلب ما حاصله التعبير بالمبشرات خرج مخرج الأغلب فإن من الرؤيا ما تكون منذرة وهي صادقة يريها الله تعالى للمؤمن رفقًا به ليستعد لما يقع قبل وقوعه وقال ابن التين معنى الحديث أن الوحي ينقطع بموته ولا يبقى ما يعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا ويرد عليه الإلهام فإن فيه إخبارًا بما سيكون وهو للأنبياء بالنسبة للوحي كالرؤيا ويقع لغير الأنبياء كما في مناقب عمر قد كان فيما مضى محدثون وفسر المحدث بفتح الدال بالملهم بفتح الهاء وقد أخبر كثير من الأولياء عن أمور مغيبة فكانت كما أخبروا والجواب أن الحصر في المنام لكونه يشمل آحاد المؤمنين بخلاف الإلهام فيختص بالبعض ومع اختصاصه فإنه نادر فإنما ذكر المنام لشموله وكثرة وقوعه ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن في أمتي أحد فعمر وكأن السر في ندور الإلهام في زمنه وكثرته من بعده غلبة الوحي إليه صلى الله عليه وسلم في اليقظة وإرادة إظهار المعجزات منه وكان المناسب أن لا يقع لغيره في زمانه منه شيء فلما انقطع الوحي بموته وقع الإلهام لمن اختصه الله به للأمن من اللبس في ذلك وفي إنكار ذلك مع كثرته واشتهاره مكابرة ممن أنكره قاله الحافظ (مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أنه قال سمعت أبا قتادة) الحارث أو النعمان أو عمرو (بن ربعي) بكسر الراء وإسكان الموحدة وكسر العين وتحتية الأنصاري (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرؤيا الصالحة) المنتظمة الواقعة على شروطها الصحيحة وهي ما فيها بشارة أو تنبيه على غفلة وقال الكرماني الصالحة صفة موضحة لأن غيرها يسمى بالحلم أو مخصصة والصلاح باعتبار صورتها أو تعبيرها وقال عياض تبعًا للباجي يحتمل أن معنى الصالحة والحسنة حسن ظاهرها ويحتمل أن المراد صحتها (من الله) أي بشرى وتحذير وإنذار (الحلم) بضم الحاء وسكون اللام أو ضمها كما في النهاية وغيرها الرؤية حسنة أو مكروهة وهي المراد هنا قال عياض وهي محتملة للوجهين الظاهر وسوء التأويل (من الشيطان) أي من إلقائه يخوف ويحزن الإنسان بها قال عياض إضافة أي نسبة الرؤيا إلى الله إضافة تكريم وتشريف لطهارتها من حضور الشيطان وإفساده لها وسلامتها من الأضغاث أي التخليط وجمع الأشياء المتضادة بخلاف المكروهة وإن كانتا جميعًا من خلق الله تعالى وبإرادته ولا فعل للشيطان فيها لكنه يحضرها ويرتضيها ويسر بها فلذا نسبت إليه أو لأنها مخلوقة على طبعه من التحذير والكراهة التي خلق عليها أو لأنها توافقه ويستحسنها لما فيها من شغل بال المسلم وتضرره بها قال بعضهم والتحذير وإن كان غالبًا من الشيطان فقد يكون في الصالحة إنذار من الله واعتناء منه بعبده لئلا يفجأه ما قدر عليه فيكون منه على حذر واهبة كما أن رؤيا الصالحين الغالب عليها الصحة وقد يكون فيها أضغاث نادرة العوارض من وسوسة نفس وحديثها أو غلبة خاطر وقال ابن الجوزي الرؤيا والحلم واحد غير أن صاحب الشرع خص الخير باسم الرؤيا والشر باسم الحلم وقال التوربشتي الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا والتفريق بينهما من الاصطلاحات الشرعية التي لم يعطها بليغ ولم يهتد إليها حكيم بل سنها صاحب الشرع للفصل بين الحق والباطل كأنه كره أن يسمى ما كان من الله وما كان من الشيطان باسم واحد فجعل الحلم عبارة عما كان من الشيطان لأن الكلمة لم تستعمل إلا فيما يخيل للحالم في نومه من قضاء الشهوة بما لا حقيقة له (فإذا رأى أحدكم الشيء يكرهه فلينفث) بضم الفاء وكسرها طردًا للشيطان الذي حضر الرؤيا المكروهة تحقيرًا له واستقذارًا (عن يساره) لأنها محل الأقذار ونحوها (ثلاث مرات) للتأكيد وفي رواية الشيخين فليبصق عن يساره وفي أخرى فليتفل قال عياض اختلف في التفل والنفث فقيل معناهما واحد ولا يكونان إلا بريق وقيل يشترط في التفل ريق يسير ولا يكون في النفث وقيل عكسه قال النووي أكثر الروايات فلينفث وهو النفخ اللطيف بلا ريق فيكون التفل والبصق محمولين عليه مجازًا وتعقبه الحافظ بأن المطلوب طرد الشيطان وإظهار احتقاره واستقذاره كما نقله هو عن عياض كما مر فالذي يجمع الثلاثة الحمل على التفل فإنه نفخ معه ريق لطيف فبالنظر إلى النفخ قيل له نفث وبالنظر إلى التفل قيل له بصق (إذا استيقظ) من نومه (وليستعذ بالله من شرها) زاد في رواية ومن شر الشيطان قال الحافظ ورد في صفة التعوذ من شر الرؤيا أثر صحيح أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن إبراهيم النخعي قال إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فليقل إذا استيقظ أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه إن يصيبني فيها ما أكره في ديني أو دنياي وقال غيره ورد أنه يقول اللهم إني أعوذ بك من عمل الشيطان وسيئات الأحلام رواه ابن السني زاد في الصحيح من رواية عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي قتادة ولا يحدث بها أحدًا وزاد مسلم عن جابر وليتحول عن جنبه الذي كان عليه وزاد الشيخان من حديث أبي هريرة وليقم فليصل (فإنها لن تضره إن شاء الله) لأن الله جعل ما ذكر سببًا للسلامة من المكروه المترقب من الرؤيا كما جعل الصدقة وقاية للمال وأنها تدفع البلاء إذا فعل ذلك مصدقًا متكلاً على الله في دفع المكروه وأما التحول فللتفاؤل بتحول تلك الحال التي كان عليها قال النووي وينبغي أن يجمع هذه الروايات كلها ويعمل بجميع ما تضمنته فإن اقتصر على بعضها أجزأته في دفع ضررها كما صرحت به الأحاديث وتعقبه الحافظ بأنه لم ير في شيء من الأحاديث الاقتصار على واحد ثم قال لكن أشار المهلب إلى أن الاستعاذة كافية في دفع شرها انتهى ولا ريب أن الصلاة تجمع ذلك كله كما قاله القرطبي لأنه إذا قام يصلي تحول عن جنبه وبصق ونفث عند المضمضة في الوضوء واستعاذ قبل القراءة ثم دعا الله في أقرب الأحوال إليه فيكفيه الله شرها وذكر بعضهم قراءة آية الكرسي ولم يذكر لذلك مستندًا فإن أخذ من عموم حديث ولا يقربك شيطان فمتجه قال وينبغي أن يقرأها في صلاته المذكورة وقد زاد في رواية عبد ربه بن سعيد فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب وفي الترمذي لا يحدث بها إلا لبيبًا أو حبيبًا أي لأنه إذا حدث بها من لا يحب قد يفسرها بما لا يحب إما بغضًا وإما حسدًا فقد يقع على تلك الصفة أو يتعجل لنفسه من ذلك حزنًا ونكدًا فأمر بترك تحديث من لا يحب لسبب ذلك وقد روي مرفوعًا الرؤيا لأول عابر وهو ضعيف لكن له شاهد عند أبي داود والترمذي وابن ماجه بسند حسن وصححه الحاكم عن أبي رزين العقيلي رفعه الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت قال أبو عبيدة وغيره معناه إذا كان العابر الأول عالمًا فعبر وأصاب وجه التعبير وإلا فهي لمن أصاب بعده إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب في تعبير المنام ليتوصل بذلك إلى مراد الله تعالى فيما ضرب من المثل فإذا أصاب فلا ينبغي أن يسأل غيره وإن لم يصب فليسأل الثاني وعليه أن يخبر بما عنده ويبين ما جهل الأول وفيه بحث يطول ذكره (قال أبو سلمة) ابن عبد الرحمن (إن كنت لأرى) باللام (الرؤيا هي أثقل علي من الجبل) بالجيم واحد الجبال (فلما سمعت هذا الحديث) من أبي قتادة وجواب لما محذوف أي خف علي ما أراه (فما كنت أباليها) أي لا ألتفت إليها ولا ألقي لها بالاً وفي رواية عبد ربه سمعت أبا سلمة يقول لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول وأنا كنت لأرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وتابع مالكًا سليمان بن بلال والليث وعبد الوهاب الثقفي وعبد الله بن نمير كلهم عن يحيى بن سعيد به وتابعه أخوه عبد ربه ومحمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة كل ذلك في مسلم وغيره ورواه ابن عيينة ومعمر عن ابن شهاب عن أبي سلمة نحوه في الصحيحين وغيرهما (مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول في هذه الآية { { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } } بالجنة والثواب (قال هي) أي البشرى في الدنيا (الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له) وهذا قد جاء مرفوعًا عند أحمد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } } قال الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له وعنده أيضًا عن عبادة بن الصامت أنه قال يا رسول الله أرأيت قوله تعالى { { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } } فقال لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي أو أحد قبلك تلك الرؤيا الصالحة يراها الصالح أو ترى له وعنده أيضًا عن ابن عمر رفعه لهم البشرى في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة يسر بها المؤمن وعند ابن جرير عن أبي هريرة رفعه لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال هي في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له وفي الآخرة الجنة.


رقم الحديث 1747 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الشَّيْءَ يَكْرَهُهُ، فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِذَا اسْتَيْقَظَ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا هِيَ أَثْقَلُ عَلَيَّ مِنَ الْجَبَلِ فَلَمَّا سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فَمَا كُنْتُ أُبَالِيهَا.


(مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد (الأنصاري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الرؤيا الحسنة) أي الصادقة أو المبشرة احتمالان للباجي (من الرجل الصالح) وكذا المرأة الصالحة اتفاقًا حكاه ابن بطال والمراد غالب رؤيا الصالحين وإلا فالصالح قد يرى الأضغاث ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منهم (جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) مجازًا لا حقيقة لأن النبوة انقطعت بموته صلى الله عليه وسلم وجزء النبوة لا يكون نبوة كما أن جزء الصلاة لا يكون صلاة نعم إن وقعت منه صلى الله عليه وسلم فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة وقيل إن وقعت من غيره فهي جزء من علم النبوة لأنها وإن انقطعت فعلمها باق وتعقب بقول مالك كما حكاه ابن عبد البر حين سئل أيعبر الرؤيا كل أحد فقال أبالنبوة يلعب ثم قال الرؤيا جزء من النبوة فلا يلعب بالنبوة وأجيب بأنه لم يرد أنها نبوة باقية وإنما أراد أنها لما أشبهت النبوة من جهة الاطلاع على بعض الغيب لا ينبغي أن يتكلم فيها بلا علم فليس المراد أنها نبوة من جهة الاطلاع لأن المراد تشبيه الرؤيا بالنبوة وجزء الشيء لا يستلزم ثبوت وصفه له كمن قال أشهد أن لا إله إلا الله رافعًا صوته لا يسمى مؤذنًا قال أبو عمر مفهومه أنها من غير الصالح لا يقطع بأنها كذلك ويحتمل أنه خرج على جواب سائل فلا مفهوم له ويؤيده قوله في مرسل عطاء الآتي يراها الرجل الصالح أو ترى له فعم قوله يرى الصالح وغيره ثم يحتمل أن الرؤيا نوع من ستة وأربعين نوعًا من نزول الوحي لأنه كان يأتي على ضروب وأن تكون جزءا من النبوة لأن فيها ما يعجز كالطيران وقلب الأعيان وذلك ركن من أركان النبوة أو لما فيها من الاطلاع على الغيب لأن الرائي يخبر بعلم ما غاب والأول أولى وأشبه بالأصول انتهى ملخصًا وقال ابن العربي أجزاء النبوة لا يعلم حقيقتها إلا ملك أو نبي وإنما القدر الذي أراد صلى الله عليه وسلم بيانه أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة في الجملة لأن فيها اطلاعًا على الغيب من وجه ما وأما تفصيل النسبة فيختص بمعرفته درجة النبوة وقال المازري هو مما أطلع الله عليه نبيه ولا يلزم العالم أن يعرف كل شيء جملة وتفصيلاً فقد جعل الله للعالم حدًا يقف عنده فمنه ما يعلم المراد به جملة وتفصيلاً ومنه ما يعلمه جملة لا تفصيلاً وهذا من هذا القبيل ونقل ابن بطال عن أبي سعيد السفاقسي أن بعض العلماء ذكر أن الله أوحى إلى نبيه في المنام ستة أشهر ثم أوحى إليه بعد ذلك يقظة بقية حياته ونسبتها إلى الوحي في المنام جزء من ستة وأربعين جزءا لأنه عاش بعد النبوة ثلاثة وعشرين سنة على الصحيح قال ابن بطال هذا بعيد من وجهين أحدهما أنه اختلف في قدر المدة التي بعد البعثة والثاني أنه يبقى حديث سبعين جزء لا معنى له وقال الخطابي هذا وإن كان وجهًا تحتمله قسمة الحساب والعدد فأول ما يجب على قائله أن يثبت ما ادعاه خبرًا ولم نسمع فيه أثرًا ولا ذكر مدعيه فيه خبرًا فكأنه قاله على سبيل الظن والظن لا يغني من الحق شيئًا وليس كل ما خفي علينا علمه يلزمنا حجته كأعداد الركعات وأيام الصيام ورمي الجمار فإنا لا نصل من علمها إلى أمر يوجب حصرها تحت أعدادها ولم يقع ذلك في موجب اعتقادنا للزومها قال ولئن سلمنا أن هذه المدة محسوبة من أجزاء النبوة لكنه يلحق بها سائر الأوقات التي أوحي إليه فيها منامًا في طول المدة كرؤيا أحد ودخول مكة فتلفق من ذلك مدة أخرى تزاد في الحساب فتبطل القسمة التي ذكرها وأجيب عن هذا بأن المراد على تقدير الصحة وحي المنام المتتابع فما وقع في غضون وحي اليقظة يسير بالنسبة إلى وحي اليقظة فهو مغمور في جانب وحيها فلم تعتبر به وقد ذكروا مناسبات غير ذلك يطول ذكرها وفي مسلم من حديث أبي هريرة جزء من خمسة وأربعين وله أيضًا عن ابن عمر جزء من سبعين جزءا وللطبراني عنه من ستة وسبعين وسنده ضعيف وعند ابن عبد البر عن ثابت عن أنس جزء من ستة وعشرين وعند ابن جرير عن ابن عباس جزء من خمسين وللترمذي عن أبي رزين جزء من أربعين ولابن جرير عن عبادة جزء من أربعة وأربعين وابن النجار عن ابن عمر جزء من خمس وعشرين ووقع في شرح مسلم للنووي وفي رواية عبادة من أربع وعشرين فإن لم يكن تصحيفًا فالجملة عشر روايات والمشهور ستة وأربعين وهو ما في أكثر الأحاديث قال الحافظ ويمكن الجواب عن اختلاف الأعداد بأنه بحسب الوقت الذي حدث فيه صلى الله عليه وسلم بذلك كأن يكون لما أكمل ثلاث عشر سنة بعد مجيء الوحي إليه حدث بأن الرؤيا جزء من ستة وعشرين إن ثبت الخبر بذلك وذلك وقت الهجرة ولما أكمل عشرين حدث بأربعين ولما أكمل اثنين وعشرين حدث بأربعة وأربعين ثم بعدها بخمسة وأربعين ثم حدث بستة وأربعين في آخر حياته وما عدا ذلك من الروايات فضعيف ورواية خمسين يحتمل جبر الكسر والسبعين للمبالغة وعبر بالنبوة دون الرسالة لأنها تزيد بالتبليغ بخلاف النبوة فاطلاع على بعض الغيب وكذلك الرؤيا فإن قيل فإذا كانت جزءا من النبوة فكيف يكون للكافر منها نصيب كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف ورؤيا ملكهم وغير ذلك وقد ذكر أن جالينوس عرض له ورم في المحل الذي يتصل منه بالحجاب فأمره الله في المنام بقصد العرق الضارب من كفه اليسرى فبرأ أجيب بأن الكافر وإن لم يكن محلاً لها فلا يمتنع أن يرى ما يعود عليه بخير في دنياه كما أن كل مؤمن ليس محلاً لها ثم لا يمتنع رؤيته ما يعود عليه بخير دنيوي فإن الناس في الرؤيا ثلاث درجات الأنبياء ورؤياهم كلها صدق وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير والصالحون والغالب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير وما عداهم يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث وهم ثلاثة مستورون فالغالب استواء الحال في حقهم وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث ويقل فيها الصدق وكفار ويندر فيها الصدق جدًا ويرشد لذلك خبر مسلم مرفوعًا وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا وحديث الباب رواه البخاري عن القعنبي عن مالك به (مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك) الذي رواه إسحاق عن أنس والحديث متواتر جاء عن جمع من الصحابة (مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري (عن زفر) بضم الزاي وفتح الفاء والراء ممنوع الصرف (ابن صعصعة عن أبيه) وهما ثقتان مدنيان قال أبو عمر لا أعلم لزفر ولا لأبيه غير هذا الحديث وفي رواية معن عن زفر عن أبي هريرة بإسقاط عن أبيه والصواب إثباته كما رواه الأكثر وفيه ثلاثة من التابعين (عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاة الغداة) بالمعجمة أي الصبح (يقول هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا) زاد في رواية البخاري عن سمرة بن جندب فنقص عليه ما شاء الله أن يقص وزاد في رواية أنه أقام يسأل عن ذلك ما شاء الله ثم ترك السؤال فكان يعبر لمن قص متبرعًا قيل سبب تركه حديث أبي بكرة أنه صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم من رأى منكم رؤيا فقال رجل أنا رأيت كأن ميزانًا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر ووزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر ووزن عمر وعثمان فرجح عمر ثم رفع الميزان فرأينا الكراهة في وجهه صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود والترمذي قالوا فمن حينئذ لم يسأل أحدًا إيثارًا لستر العواقب وإخفاء المراتب فلما كانت هذه الرؤيا كاشفة لمنازلهم مبينة لفضل بعضهم على بعض في التعيين خشي أن يتواتر ويتوالى ما هو أبلغ في الكشف من ذلك ولله في ستر خلقه حكمة بالغة ومشيئة نافذة وقيل غير ذلك (ويقول) صلى الله عليه وسلم (ليس يبقى بعدي من النبوة) أل عهدية أي نبوته (إلا الرؤيا الصالحة) أي الحسنة أو الصادقة المنتظمة الواقعة على شروطها الصحيحة وهي ما فيه بشارة أو تنبيه على غفلة وقال الكرماني الصالحة صفة موضحة للرؤيا لأن غيرها يسمى بالحلم أو مخصصة والصلاح باعتبار صورتها أو تعبيرها وفيه ندب التعبير قبل طلوع الشمس فيرد قول بعض أهل التعبير المستحب أنه من طلوعها إلى الرابعة ومن العصر إلى قرب المغرب ورد على ما لعبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن عن بعض علمائهم قال لا تقصص رؤياك على امرأة ولا تخبر بها حتى تطلع الشمس قال المهلب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح أولى من غيره من الأوقات لحفظ صاحبها لها لقرب عهده بها قبل ما يعرض له نسيانها ولحضور ذهن العابر وقلة شغله بالفكرة فيما يتعلق بمعاشه وليعرف الرائي ما يعرض له بسبب رؤياه فيستبشر بالخير ويحذر من الشر ويتأهب لذلك فربما كان فيها تحذير من معصية فيكف عنها وربما كانت إنذارًا لأمر فيكون له مترقبًا قال فهذه عدة فوائد لتعبيرها أول النهار انتهى (مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) مرسل وصله البخاري من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لن يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات) بكسر المعجمة المشددة جمع مبشرة اسم فاعل للمؤنث من البشر وهو إدخال السرور والفرح على المبشر بالفتح وليس جمع البشرى لأنها اسم بمعنى البشارة ووقع في البخاري بلفظ لم التي تقلب المضارع إلى المضي بدل لن لكنه بمعنى الاستقبال عبر عنه بالمضي تحقيقًا لوقوعه قال في المصابيح المقام مقتض للنفي بلن لدلالتها على النفي في المستقبل يعني أن الوحي ينقطع بموته فلا يبقى بعده ما يعلم به أنه يكون غير الرؤيا الصالحة انتهى وقيل هو على ظاهره لأنه قال ذلك في زمانه واللام عهدية والمراد نبوته أي لم يبق بعد النبوة المختصة بي إلا المبشرات ولمسلم عن ابن عباس أنه قال ذلك في مرض موته ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستارة ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه والناس صفوف خلف أبي بكر فقال أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة وللنسائي أنه ليس بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة وهذا يؤيد التأويل الأول ولأبي يعلى عن أنس مرفوعًا أن الرسالة والنبوة قد انقطعت ولا نبي ولا رسول بعدي ولكن بقيت المبشرات (فقالوا وما المبشرات يا رسول الله قال الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح) بنفسه (أو ترى له) بضم التاء أي يراها له غيره (جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) ظاهر هذا مع الاستثناء أن الرؤيا نبوة وليس بمراد لما مر أن المراد تشبيه أمر الرؤيا بالنبوة لأن جزء الشيء لا يستلزم ثبوت وصفه كمن قال أشهد أن لا إله إلا الله رافعًا صوته لا يسمى مؤذنًا ولا يقال إنه أذن وإن كانت جزءا من الأذان وكذا لو قرأ شيئًا من القرآن وهو قائم لا يسمى مصليًا وإن كانت القراءة جزءا من الصلاة ويؤيده حديث أم كرز بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي الكعبية قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذهبت النبوة وبقيت المبشرات أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان قال المهلب ما حاصله التعبير بالمبشرات خرج مخرج الأغلب فإن من الرؤيا ما تكون منذرة وهي صادقة يريها الله تعالى للمؤمن رفقًا به ليستعد لما يقع قبل وقوعه وقال ابن التين معنى الحديث أن الوحي ينقطع بموته ولا يبقى ما يعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا ويرد عليه الإلهام فإن فيه إخبارًا بما سيكون وهو للأنبياء بالنسبة للوحي كالرؤيا ويقع لغير الأنبياء كما في مناقب عمر قد كان فيما مضى محدثون وفسر المحدث بفتح الدال بالملهم بفتح الهاء وقد أخبر كثير من الأولياء عن أمور مغيبة فكانت كما أخبروا والجواب أن الحصر في المنام لكونه يشمل آحاد المؤمنين بخلاف الإلهام فيختص بالبعض ومع اختصاصه فإنه نادر فإنما ذكر المنام لشموله وكثرة وقوعه ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن في أمتي أحد فعمر وكأن السر في ندور الإلهام في زمنه وكثرته من بعده غلبة الوحي إليه صلى الله عليه وسلم في اليقظة وإرادة إظهار المعجزات منه وكان المناسب أن لا يقع لغيره في زمانه منه شيء فلما انقطع الوحي بموته وقع الإلهام لمن اختصه الله به للأمن من اللبس في ذلك وفي إنكار ذلك مع كثرته واشتهاره مكابرة ممن أنكره قاله الحافظ (مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أنه قال سمعت أبا قتادة) الحارث أو النعمان أو عمرو (بن ربعي) بكسر الراء وإسكان الموحدة وكسر العين وتحتية الأنصاري (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرؤيا الصالحة) المنتظمة الواقعة على شروطها الصحيحة وهي ما فيها بشارة أو تنبيه على غفلة وقال الكرماني الصالحة صفة موضحة لأن غيرها يسمى بالحلم أو مخصصة والصلاح باعتبار صورتها أو تعبيرها وقال عياض تبعًا للباجي يحتمل أن معنى الصالحة والحسنة حسن ظاهرها ويحتمل أن المراد صحتها (من الله) أي بشرى وتحذير وإنذار (الحلم) بضم الحاء وسكون اللام أو ضمها كما في النهاية وغيرها الرؤية حسنة أو مكروهة وهي المراد هنا قال عياض وهي محتملة للوجهين الظاهر وسوء التأويل (من الشيطان) أي من إلقائه يخوف ويحزن الإنسان بها قال عياض إضافة أي نسبة الرؤيا إلى الله إضافة تكريم وتشريف لطهارتها من حضور الشيطان وإفساده لها وسلامتها من الأضغاث أي التخليط وجمع الأشياء المتضادة بخلاف المكروهة وإن كانتا جميعًا من خلق الله تعالى وبإرادته ولا فعل للشيطان فيها لكنه يحضرها ويرتضيها ويسر بها فلذا نسبت إليه أو لأنها مخلوقة على طبعه من التحذير والكراهة التي خلق عليها أو لأنها توافقه ويستحسنها لما فيها من شغل بال المسلم وتضرره بها قال بعضهم والتحذير وإن كان غالبًا من الشيطان فقد يكون في الصالحة إنذار من الله واعتناء منه بعبده لئلا يفجأه ما قدر عليه فيكون منه على حذر واهبة كما أن رؤيا الصالحين الغالب عليها الصحة وقد يكون فيها أضغاث نادرة العوارض من وسوسة نفس وحديثها أو غلبة خاطر وقال ابن الجوزي الرؤيا والحلم واحد غير أن صاحب الشرع خص الخير باسم الرؤيا والشر باسم الحلم وقال التوربشتي الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا والتفريق بينهما من الاصطلاحات الشرعية التي لم يعطها بليغ ولم يهتد إليها حكيم بل سنها صاحب الشرع للفصل بين الحق والباطل كأنه كره أن يسمى ما كان من الله وما كان من الشيطان باسم واحد فجعل الحلم عبارة عما كان من الشيطان لأن الكلمة لم تستعمل إلا فيما يخيل للحالم في نومه من قضاء الشهوة بما لا حقيقة له (فإذا رأى أحدكم الشيء يكرهه فلينفث) بضم الفاء وكسرها طردًا للشيطان الذي حضر الرؤيا المكروهة تحقيرًا له واستقذارًا (عن يساره) لأنها محل الأقذار ونحوها (ثلاث مرات) للتأكيد وفي رواية الشيخين فليبصق عن يساره وفي أخرى فليتفل قال عياض اختلف في التفل والنفث فقيل معناهما واحد ولا يكونان إلا بريق وقيل يشترط في التفل ريق يسير ولا يكون في النفث وقيل عكسه قال النووي أكثر الروايات فلينفث وهو النفخ اللطيف بلا ريق فيكون التفل والبصق محمولين عليه مجازًا وتعقبه الحافظ بأن المطلوب طرد الشيطان وإظهار احتقاره واستقذاره كما نقله هو عن عياض كما مر فالذي يجمع الثلاثة الحمل على التفل فإنه نفخ معه ريق لطيف فبالنظر إلى النفخ قيل له نفث وبالنظر إلى التفل قيل له بصق (إذا استيقظ) من نومه (وليستعذ بالله من شرها) زاد في رواية ومن شر الشيطان قال الحافظ ورد في صفة التعوذ من شر الرؤيا أثر صحيح أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن إبراهيم النخعي قال إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فليقل إذا استيقظ أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه إن يصيبني فيها ما أكره في ديني أو دنياي وقال غيره ورد أنه يقول اللهم إني أعوذ بك من عمل الشيطان وسيئات الأحلام رواه ابن السني زاد في الصحيح من رواية عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي قتادة ولا يحدث بها أحدًا وزاد مسلم عن جابر وليتحول عن جنبه الذي كان عليه وزاد الشيخان من حديث أبي هريرة وليقم فليصل (فإنها لن تضره إن شاء الله) لأن الله جعل ما ذكر سببًا للسلامة من المكروه المترقب من الرؤيا كما جعل الصدقة وقاية للمال وأنها تدفع البلاء إذا فعل ذلك مصدقًا متكلاً على الله في دفع المكروه وأما التحول فللتفاؤل بتحول تلك الحال التي كان عليها قال النووي وينبغي أن يجمع هذه الروايات كلها ويعمل بجميع ما تضمنته فإن اقتصر على بعضها أجزأته في دفع ضررها كما صرحت به الأحاديث وتعقبه الحافظ بأنه لم ير في شيء من الأحاديث الاقتصار على واحد ثم قال لكن أشار المهلب إلى أن الاستعاذة كافية في دفع شرها انتهى ولا ريب أن الصلاة تجمع ذلك كله كما قاله القرطبي لأنه إذا قام يصلي تحول عن جنبه وبصق ونفث عند المضمضة في الوضوء واستعاذ قبل القراءة ثم دعا الله في أقرب الأحوال إليه فيكفيه الله شرها وذكر بعضهم قراءة آية الكرسي ولم يذكر لذلك مستندًا فإن أخذ من عموم حديث ولا يقربك شيطان فمتجه قال وينبغي أن يقرأها في صلاته المذكورة وقد زاد في رواية عبد ربه بن سعيد فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب وفي الترمذي لا يحدث بها إلا لبيبًا أو حبيبًا أي لأنه إذا حدث بها من لا يحب قد يفسرها بما لا يحب إما بغضًا وإما حسدًا فقد يقع على تلك الصفة أو يتعجل لنفسه من ذلك حزنًا ونكدًا فأمر بترك تحديث من لا يحب لسبب ذلك وقد روي مرفوعًا الرؤيا لأول عابر وهو ضعيف لكن له شاهد عند أبي داود والترمذي وابن ماجه بسند حسن وصححه الحاكم عن أبي رزين العقيلي رفعه الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت قال أبو عبيدة وغيره معناه إذا كان العابر الأول عالمًا فعبر وأصاب وجه التعبير وإلا فهي لمن أصاب بعده إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب في تعبير المنام ليتوصل بذلك إلى مراد الله تعالى فيما ضرب من المثل فإذا أصاب فلا ينبغي أن يسأل غيره وإن لم يصب فليسأل الثاني وعليه أن يخبر بما عنده ويبين ما جهل الأول وفيه بحث يطول ذكره (قال أبو سلمة) ابن عبد الرحمن (إن كنت لأرى) باللام (الرؤيا هي أثقل علي من الجبل) بالجيم واحد الجبال (فلما سمعت هذا الحديث) من أبي قتادة وجواب لما محذوف أي خف علي ما أراه (فما كنت أباليها) أي لا ألتفت إليها ولا ألقي لها بالاً وفي رواية عبد ربه سمعت أبا سلمة يقول لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول وأنا كنت لأرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وتابع مالكًا سليمان بن بلال والليث وعبد الوهاب الثقفي وعبد الله بن نمير كلهم عن يحيى بن سعيد به وتابعه أخوه عبد ربه ومحمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة كل ذلك في مسلم وغيره ورواه ابن عيينة ومعمر عن ابن شهاب عن أبي سلمة نحوه في الصحيحين وغيرهما (مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول في هذه الآية { { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } } بالجنة والثواب (قال هي) أي البشرى في الدنيا (الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له) وهذا قد جاء مرفوعًا عند أحمد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } } قال الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له وعنده أيضًا عن عبادة بن الصامت أنه قال يا رسول الله أرأيت قوله تعالى { { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } } فقال لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي أو أحد قبلك تلك الرؤيا الصالحة يراها الصالح أو ترى له وعنده أيضًا عن ابن عمر رفعه لهم البشرى في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة يسر بها المؤمن وعند ابن جرير عن أبي هريرة رفعه لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال هي في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له وفي الآخرة الجنة.


رقم الحديث 1748 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ: { { لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ } } قَالَ: هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ.


(مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد (الأنصاري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الرؤيا الحسنة) أي الصادقة أو المبشرة احتمالان للباجي (من الرجل الصالح) وكذا المرأة الصالحة اتفاقًا حكاه ابن بطال والمراد غالب رؤيا الصالحين وإلا فالصالح قد يرى الأضغاث ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منهم (جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) مجازًا لا حقيقة لأن النبوة انقطعت بموته صلى الله عليه وسلم وجزء النبوة لا يكون نبوة كما أن جزء الصلاة لا يكون صلاة نعم إن وقعت منه صلى الله عليه وسلم فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة وقيل إن وقعت من غيره فهي جزء من علم النبوة لأنها وإن انقطعت فعلمها باق وتعقب بقول مالك كما حكاه ابن عبد البر حين سئل أيعبر الرؤيا كل أحد فقال أبالنبوة يلعب ثم قال الرؤيا جزء من النبوة فلا يلعب بالنبوة وأجيب بأنه لم يرد أنها نبوة باقية وإنما أراد أنها لما أشبهت النبوة من جهة الاطلاع على بعض الغيب لا ينبغي أن يتكلم فيها بلا علم فليس المراد أنها نبوة من جهة الاطلاع لأن المراد تشبيه الرؤيا بالنبوة وجزء الشيء لا يستلزم ثبوت وصفه له كمن قال أشهد أن لا إله إلا الله رافعًا صوته لا يسمى مؤذنًا قال أبو عمر مفهومه أنها من غير الصالح لا يقطع بأنها كذلك ويحتمل أنه خرج على جواب سائل فلا مفهوم له ويؤيده قوله في مرسل عطاء الآتي يراها الرجل الصالح أو ترى له فعم قوله يرى الصالح وغيره ثم يحتمل أن الرؤيا نوع من ستة وأربعين نوعًا من نزول الوحي لأنه كان يأتي على ضروب وأن تكون جزءا من النبوة لأن فيها ما يعجز كالطيران وقلب الأعيان وذلك ركن من أركان النبوة أو لما فيها من الاطلاع على الغيب لأن الرائي يخبر بعلم ما غاب والأول أولى وأشبه بالأصول انتهى ملخصًا وقال ابن العربي أجزاء النبوة لا يعلم حقيقتها إلا ملك أو نبي وإنما القدر الذي أراد صلى الله عليه وسلم بيانه أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة في الجملة لأن فيها اطلاعًا على الغيب من وجه ما وأما تفصيل النسبة فيختص بمعرفته درجة النبوة وقال المازري هو مما أطلع الله عليه نبيه ولا يلزم العالم أن يعرف كل شيء جملة وتفصيلاً فقد جعل الله للعالم حدًا يقف عنده فمنه ما يعلم المراد به جملة وتفصيلاً ومنه ما يعلمه جملة لا تفصيلاً وهذا من هذا القبيل ونقل ابن بطال عن أبي سعيد السفاقسي أن بعض العلماء ذكر أن الله أوحى إلى نبيه في المنام ستة أشهر ثم أوحى إليه بعد ذلك يقظة بقية حياته ونسبتها إلى الوحي في المنام جزء من ستة وأربعين جزءا لأنه عاش بعد النبوة ثلاثة وعشرين سنة على الصحيح قال ابن بطال هذا بعيد من وجهين أحدهما أنه اختلف في قدر المدة التي بعد البعثة والثاني أنه يبقى حديث سبعين جزء لا معنى له وقال الخطابي هذا وإن كان وجهًا تحتمله قسمة الحساب والعدد فأول ما يجب على قائله أن يثبت ما ادعاه خبرًا ولم نسمع فيه أثرًا ولا ذكر مدعيه فيه خبرًا فكأنه قاله على سبيل الظن والظن لا يغني من الحق شيئًا وليس كل ما خفي علينا علمه يلزمنا حجته كأعداد الركعات وأيام الصيام ورمي الجمار فإنا لا نصل من علمها إلى أمر يوجب حصرها تحت أعدادها ولم يقع ذلك في موجب اعتقادنا للزومها قال ولئن سلمنا أن هذه المدة محسوبة من أجزاء النبوة لكنه يلحق بها سائر الأوقات التي أوحي إليه فيها منامًا في طول المدة كرؤيا أحد ودخول مكة فتلفق من ذلك مدة أخرى تزاد في الحساب فتبطل القسمة التي ذكرها وأجيب عن هذا بأن المراد على تقدير الصحة وحي المنام المتتابع فما وقع في غضون وحي اليقظة يسير بالنسبة إلى وحي اليقظة فهو مغمور في جانب وحيها فلم تعتبر به وقد ذكروا مناسبات غير ذلك يطول ذكرها وفي مسلم من حديث أبي هريرة جزء من خمسة وأربعين وله أيضًا عن ابن عمر جزء من سبعين جزءا وللطبراني عنه من ستة وسبعين وسنده ضعيف وعند ابن عبد البر عن ثابت عن أنس جزء من ستة وعشرين وعند ابن جرير عن ابن عباس جزء من خمسين وللترمذي عن أبي رزين جزء من أربعين ولابن جرير عن عبادة جزء من أربعة وأربعين وابن النجار عن ابن عمر جزء من خمس وعشرين ووقع في شرح مسلم للنووي وفي رواية عبادة من أربع وعشرين فإن لم يكن تصحيفًا فالجملة عشر روايات والمشهور ستة وأربعين وهو ما في أكثر الأحاديث قال الحافظ ويمكن الجواب عن اختلاف الأعداد بأنه بحسب الوقت الذي حدث فيه صلى الله عليه وسلم بذلك كأن يكون لما أكمل ثلاث عشر سنة بعد مجيء الوحي إليه حدث بأن الرؤيا جزء من ستة وعشرين إن ثبت الخبر بذلك وذلك وقت الهجرة ولما أكمل عشرين حدث بأربعين ولما أكمل اثنين وعشرين حدث بأربعة وأربعين ثم بعدها بخمسة وأربعين ثم حدث بستة وأربعين في آخر حياته وما عدا ذلك من الروايات فضعيف ورواية خمسين يحتمل جبر الكسر والسبعين للمبالغة وعبر بالنبوة دون الرسالة لأنها تزيد بالتبليغ بخلاف النبوة فاطلاع على بعض الغيب وكذلك الرؤيا فإن قيل فإذا كانت جزءا من النبوة فكيف يكون للكافر منها نصيب كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف ورؤيا ملكهم وغير ذلك وقد ذكر أن جالينوس عرض له ورم في المحل الذي يتصل منه بالحجاب فأمره الله في المنام بقصد العرق الضارب من كفه اليسرى فبرأ أجيب بأن الكافر وإن لم يكن محلاً لها فلا يمتنع أن يرى ما يعود عليه بخير في دنياه كما أن كل مؤمن ليس محلاً لها ثم لا يمتنع رؤيته ما يعود عليه بخير دنيوي فإن الناس في الرؤيا ثلاث درجات الأنبياء ورؤياهم كلها صدق وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير والصالحون والغالب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير وما عداهم يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث وهم ثلاثة مستورون فالغالب استواء الحال في حقهم وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث ويقل فيها الصدق وكفار ويندر فيها الصدق جدًا ويرشد لذلك خبر مسلم مرفوعًا وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا وحديث الباب رواه البخاري عن القعنبي عن مالك به (مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك) الذي رواه إسحاق عن أنس والحديث متواتر جاء عن جمع من الصحابة (مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري (عن زفر) بضم الزاي وفتح الفاء والراء ممنوع الصرف (ابن صعصعة عن أبيه) وهما ثقتان مدنيان قال أبو عمر لا أعلم لزفر ولا لأبيه غير هذا الحديث وفي رواية معن عن زفر عن أبي هريرة بإسقاط عن أبيه والصواب إثباته كما رواه الأكثر وفيه ثلاثة من التابعين (عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاة الغداة) بالمعجمة أي الصبح (يقول هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا) زاد في رواية البخاري عن سمرة بن جندب فنقص عليه ما شاء الله أن يقص وزاد في رواية أنه أقام يسأل عن ذلك ما شاء الله ثم ترك السؤال فكان يعبر لمن قص متبرعًا قيل سبب تركه حديث أبي بكرة أنه صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم من رأى منكم رؤيا فقال رجل أنا رأيت كأن ميزانًا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر ووزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر ووزن عمر وعثمان فرجح عمر ثم رفع الميزان فرأينا الكراهة في وجهه صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود والترمذي قالوا فمن حينئذ لم يسأل أحدًا إيثارًا لستر العواقب وإخفاء المراتب فلما كانت هذه الرؤيا كاشفة لمنازلهم مبينة لفضل بعضهم على بعض في التعيين خشي أن يتواتر ويتوالى ما هو أبلغ في الكشف من ذلك ولله في ستر خلقه حكمة بالغة ومشيئة نافذة وقيل غير ذلك (ويقول) صلى الله عليه وسلم (ليس يبقى بعدي من النبوة) أل عهدية أي نبوته (إلا الرؤيا الصالحة) أي الحسنة أو الصادقة المنتظمة الواقعة على شروطها الصحيحة وهي ما فيه بشارة أو تنبيه على غفلة وقال الكرماني الصالحة صفة موضحة للرؤيا لأن غيرها يسمى بالحلم أو مخصصة والصلاح باعتبار صورتها أو تعبيرها وفيه ندب التعبير قبل طلوع الشمس فيرد قول بعض أهل التعبير المستحب أنه من طلوعها إلى الرابعة ومن العصر إلى قرب المغرب ورد على ما لعبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن عن بعض علمائهم قال لا تقصص رؤياك على امرأة ولا تخبر بها حتى تطلع الشمس قال المهلب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح أولى من غيره من الأوقات لحفظ صاحبها لها لقرب عهده بها قبل ما يعرض له نسيانها ولحضور ذهن العابر وقلة شغله بالفكرة فيما يتعلق بمعاشه وليعرف الرائي ما يعرض له بسبب رؤياه فيستبشر بالخير ويحذر من الشر ويتأهب لذلك فربما كان فيها تحذير من معصية فيكف عنها وربما كانت إنذارًا لأمر فيكون له مترقبًا قال فهذه عدة فوائد لتعبيرها أول النهار انتهى (مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) مرسل وصله البخاري من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لن يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات) بكسر المعجمة المشددة جمع مبشرة اسم فاعل للمؤنث من البشر وهو إدخال السرور والفرح على المبشر بالفتح وليس جمع البشرى لأنها اسم بمعنى البشارة ووقع في البخاري بلفظ لم التي تقلب المضارع إلى المضي بدل لن لكنه بمعنى الاستقبال عبر عنه بالمضي تحقيقًا لوقوعه قال في المصابيح المقام مقتض للنفي بلن لدلالتها على النفي في المستقبل يعني أن الوحي ينقطع بموته فلا يبقى بعده ما يعلم به أنه يكون غير الرؤيا الصالحة انتهى وقيل هو على ظاهره لأنه قال ذلك في زمانه واللام عهدية والمراد نبوته أي لم يبق بعد النبوة المختصة بي إلا المبشرات ولمسلم عن ابن عباس أنه قال ذلك في مرض موته ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستارة ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه والناس صفوف خلف أبي بكر فقال أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة وللنسائي أنه ليس بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة وهذا يؤيد التأويل الأول ولأبي يعلى عن أنس مرفوعًا أن الرسالة والنبوة قد انقطعت ولا نبي ولا رسول بعدي ولكن بقيت المبشرات (فقالوا وما المبشرات يا رسول الله قال الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح) بنفسه (أو ترى له) بضم التاء أي يراها له غيره (جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) ظاهر هذا مع الاستثناء أن الرؤيا نبوة وليس بمراد لما مر أن المراد تشبيه أمر الرؤيا بالنبوة لأن جزء الشيء لا يستلزم ثبوت وصفه كمن قال أشهد أن لا إله إلا الله رافعًا صوته لا يسمى مؤذنًا ولا يقال إنه أذن وإن كانت جزءا من الأذان وكذا لو قرأ شيئًا من القرآن وهو قائم لا يسمى مصليًا وإن كانت القراءة جزءا من الصلاة ويؤيده حديث أم كرز بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي الكعبية قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذهبت النبوة وبقيت المبشرات أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان قال المهلب ما حاصله التعبير بالمبشرات خرج مخرج الأغلب فإن من الرؤيا ما تكون منذرة وهي صادقة يريها الله تعالى للمؤمن رفقًا به ليستعد لما يقع قبل وقوعه وقال ابن التين معنى الحديث أن الوحي ينقطع بموته ولا يبقى ما يعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا ويرد عليه الإلهام فإن فيه إخبارًا بما سيكون وهو للأنبياء بالنسبة للوحي كالرؤيا ويقع لغير الأنبياء كما في مناقب عمر قد كان فيما مضى محدثون وفسر المحدث بفتح الدال بالملهم بفتح الهاء وقد أخبر كثير من الأولياء عن أمور مغيبة فكانت كما أخبروا والجواب أن الحصر في المنام لكونه يشمل آحاد المؤمنين بخلاف الإلهام فيختص بالبعض ومع اختصاصه فإنه نادر فإنما ذكر المنام لشموله وكثرة وقوعه ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن في أمتي أحد فعمر وكأن السر في ندور الإلهام في زمنه وكثرته من بعده غلبة الوحي إليه صلى الله عليه وسلم في اليقظة وإرادة إظهار المعجزات منه وكان المناسب أن لا يقع لغيره في زمانه منه شيء فلما انقطع الوحي بموته وقع الإلهام لمن اختصه الله به للأمن من اللبس في ذلك وفي إنكار ذلك مع كثرته واشتهاره مكابرة ممن أنكره قاله الحافظ (مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أنه قال سمعت أبا قتادة) الحارث أو النعمان أو عمرو (بن ربعي) بكسر الراء وإسكان الموحدة وكسر العين وتحتية الأنصاري (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرؤيا الصالحة) المنتظمة الواقعة على شروطها الصحيحة وهي ما فيها بشارة أو تنبيه على غفلة وقال الكرماني الصالحة صفة موضحة لأن غيرها يسمى بالحلم أو مخصصة والصلاح باعتبار صورتها أو تعبيرها وقال عياض تبعًا للباجي يحتمل أن معنى الصالحة والحسنة حسن ظاهرها ويحتمل أن المراد صحتها (من الله) أي بشرى وتحذير وإنذار (الحلم) بضم الحاء وسكون اللام أو ضمها كما في النهاية وغيرها الرؤية حسنة أو مكروهة وهي المراد هنا قال عياض وهي محتملة للوجهين الظاهر وسوء التأويل (من الشيطان) أي من إلقائه يخوف ويحزن الإنسان بها قال عياض إضافة أي نسبة الرؤيا إلى الله إضافة تكريم وتشريف لطهارتها من حضور الشيطان وإفساده لها وسلامتها من الأضغاث أي التخليط وجمع الأشياء المتضادة بخلاف المكروهة وإن كانتا جميعًا من خلق الله تعالى وبإرادته ولا فعل للشيطان فيها لكنه يحضرها ويرتضيها ويسر بها فلذا نسبت إليه أو لأنها مخلوقة على طبعه من التحذير والكراهة التي خلق عليها أو لأنها توافقه ويستحسنها لما فيها من شغل بال المسلم وتضرره بها قال بعضهم والتحذير وإن كان غالبًا من الشيطان فقد يكون في الصالحة إنذار من الله واعتناء منه بعبده لئلا يفجأه ما قدر عليه فيكون منه على حذر واهبة كما أن رؤيا الصالحين الغالب عليها الصحة وقد يكون فيها أضغاث نادرة العوارض من وسوسة نفس وحديثها أو غلبة خاطر وقال ابن الجوزي الرؤيا والحلم واحد غير أن صاحب الشرع خص الخير باسم الرؤيا والشر باسم الحلم وقال التوربشتي الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا والتفريق بينهما من الاصطلاحات الشرعية التي لم يعطها بليغ ولم يهتد إليها حكيم بل سنها صاحب الشرع للفصل بين الحق والباطل كأنه كره أن يسمى ما كان من الله وما كان من الشيطان باسم واحد فجعل الحلم عبارة عما كان من الشيطان لأن الكلمة لم تستعمل إلا فيما يخيل للحالم في نومه من قضاء الشهوة بما لا حقيقة له (فإذا رأى أحدكم الشيء يكرهه فلينفث) بضم الفاء وكسرها طردًا للشيطان الذي حضر الرؤيا المكروهة تحقيرًا له واستقذارًا (عن يساره) لأنها محل الأقذار ونحوها (ثلاث مرات) للتأكيد وفي رواية الشيخين فليبصق عن يساره وفي أخرى فليتفل قال عياض اختلف في التفل والنفث فقيل معناهما واحد ولا يكونان إلا بريق وقيل يشترط في التفل ريق يسير ولا يكون في النفث وقيل عكسه قال النووي أكثر الروايات فلينفث وهو النفخ اللطيف بلا ريق فيكون التفل والبصق محمولين عليه مجازًا وتعقبه الحافظ بأن المطلوب طرد الشيطان وإظهار احتقاره واستقذاره كما نقله هو عن عياض كما مر فالذي يجمع الثلاثة الحمل على التفل فإنه نفخ معه ريق لطيف فبالنظر إلى النفخ قيل له نفث وبالنظر إلى التفل قيل له بصق (إذا استيقظ) من نومه (وليستعذ بالله من شرها) زاد في رواية ومن شر الشيطان قال الحافظ ورد في صفة التعوذ من شر الرؤيا أثر صحيح أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن إبراهيم النخعي قال إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فليقل إذا استيقظ أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه إن يصيبني فيها ما أكره في ديني أو دنياي وقال غيره ورد أنه يقول اللهم إني أعوذ بك من عمل الشيطان وسيئات الأحلام رواه ابن السني زاد في الصحيح من رواية عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي قتادة ولا يحدث بها أحدًا وزاد مسلم عن جابر وليتحول عن جنبه الذي كان عليه وزاد الشيخان من حديث أبي هريرة وليقم فليصل (فإنها لن تضره إن شاء الله) لأن الله جعل ما ذكر سببًا للسلامة من المكروه المترقب من الرؤيا كما جعل الصدقة وقاية للمال وأنها تدفع البلاء إذا فعل ذلك مصدقًا متكلاً على الله في دفع المكروه وأما التحول فللتفاؤل بتحول تلك الحال التي كان عليها قال النووي وينبغي أن يجمع هذه الروايات كلها ويعمل بجميع ما تضمنته فإن اقتصر على بعضها أجزأته في دفع ضررها كما صرحت به الأحاديث وتعقبه الحافظ بأنه لم ير في شيء من الأحاديث الاقتصار على واحد ثم قال لكن أشار المهلب إلى أن الاستعاذة كافية في دفع شرها انتهى ولا ريب أن الصلاة تجمع ذلك كله كما قاله القرطبي لأنه إذا قام يصلي تحول عن جنبه وبصق ونفث عند المضمضة في الوضوء واستعاذ قبل القراءة ثم دعا الله في أقرب الأحوال إليه فيكفيه الله شرها وذكر بعضهم قراءة آية الكرسي ولم يذكر لذلك مستندًا فإن أخذ من عموم حديث ولا يقربك شيطان فمتجه قال وينبغي أن يقرأها في صلاته المذكورة وقد زاد في رواية عبد ربه بن سعيد فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب وفي الترمذي لا يحدث بها إلا لبيبًا أو حبيبًا أي لأنه إذا حدث بها من لا يحب قد يفسرها بما لا يحب إما بغضًا وإما حسدًا فقد يقع على تلك الصفة أو يتعجل لنفسه من ذلك حزنًا ونكدًا فأمر بترك تحديث من لا يحب لسبب ذلك وقد روي مرفوعًا الرؤيا لأول عابر وهو ضعيف لكن له شاهد عند أبي داود والترمذي وابن ماجه بسند حسن وصححه الحاكم عن أبي رزين العقيلي رفعه الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت قال أبو عبيدة وغيره معناه إذا كان العابر الأول عالمًا فعبر وأصاب وجه التعبير وإلا فهي لمن أصاب بعده إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب في تعبير المنام ليتوصل بذلك إلى مراد الله تعالى فيما ضرب من المثل فإذا أصاب فلا ينبغي أن يسأل غيره وإن لم يصب فليسأل الثاني وعليه أن يخبر بما عنده ويبين ما جهل الأول وفيه بحث يطول ذكره (قال أبو سلمة) ابن عبد الرحمن (إن كنت لأرى) باللام (الرؤيا هي أثقل علي من الجبل) بالجيم واحد الجبال (فلما سمعت هذا الحديث) من أبي قتادة وجواب لما محذوف أي خف علي ما أراه (فما كنت أباليها) أي لا ألتفت إليها ولا ألقي لها بالاً وفي رواية عبد ربه سمعت أبا سلمة يقول لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول وأنا كنت لأرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وتابع مالكًا سليمان بن بلال والليث وعبد الوهاب الثقفي وعبد الله بن نمير كلهم عن يحيى بن سعيد به وتابعه أخوه عبد ربه ومحمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة كل ذلك في مسلم وغيره ورواه ابن عيينة ومعمر عن ابن شهاب عن أبي سلمة نحوه في الصحيحين وغيرهما (مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول في هذه الآية { { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } } بالجنة والثواب (قال هي) أي البشرى في الدنيا (الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له) وهذا قد جاء مرفوعًا عند أحمد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } } قال الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له وعنده أيضًا عن عبادة بن الصامت أنه قال يا رسول الله أرأيت قوله تعالى { { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } } فقال لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي أو أحد قبلك تلك الرؤيا الصالحة يراها الصالح أو ترى له وعنده أيضًا عن ابن عمر رفعه لهم البشرى في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة يسر بها المؤمن وعند ابن جرير عن أبي هريرة رفعه لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال هي في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له وفي الآخرة الجنة.