فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْقَضَاءِ فِي الْمَرْفِقِ

رقم الحديث 1440 قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا.
فَاشْتَرَى بِهِ مَتَاعًا.
فَحَمَلَهُ إِلَى بَلَدِ التِّجَارَةِ.
فَبَارَ عَلَيْهِ.
وَخَافَ النُّقْصَانَ إِنْ بَاعَهُ.
فَتَكَارَى عَلَيْهِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ.
فَبَاعَ بِنُقْصَانٍ، فَاغْتَرَقَ الْكِرَاءُ أَصْلَ الْمَالِ كُلَّهُ قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ فِيمَا بَاعَ وَفَاءٌ لِلْكِرَاءِ، فَسَبِيلُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ بَقِيَ مِنَ الْكِرَاءِ شَيْءٌ، بَعْدَ أَصْلِ الْمَالِ كَانَ عَلَى الْعَامِلِ.
وَلَمْ يَكُنْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْهُ شَيْءٌ يُتْبَعُ بِهِ.
وَذَلِكَ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِالتِّجَارَةِ فِي مَالِهِ.
فَلَيْسَ لِلْمُقَارَضِ أَنْ يَتْبَعَهُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَالِ.
وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُتْبَعُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ، لَكَانَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ.
مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الَّذِي قَارَضَهُ فِيهِ، فَلَيْسَ لِلْمُقَارَضِ أَنْ يَحْمِلَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ.



( الكراء في القراض)

( قال مالك في رجل دفع إليه مالاً قراضًا فاشترى به متاعًا فحمله إلى بلد لتجارة فبار) كسد ( عليه وخاف النقصان إن باعه فتكارى عليه) أكرى على حمله ( إلى بلد آخر فباع بنقصان فاغترق الكراء أصل المال كله قال مالك: إن كان فيما باع وفاء للكراء فسبيله ذلك) أي طريقه ( وإن بقي من الكراء شيء بعد أصل المال كان على العامل ولم يكن على رب المال منه شيء يتبع به و) بيان ( ذلك أن رب المال إنما أمره بالتجارة في ماله) الذي دفعه إليه ( فليس للمقارض) بفتح الراء، أي العامل ( أن يتبعه بما سوى ذلك من المال) أي ماله الذي لم يقارض به ( ولو كان ذلك يتبع به رب المال لكان ذلك دينًا عليه من غير المال الذي قارضه فيه فليس للمقارض أن يحمل) بكسر الميم، أي يجعل ( ذلك على رب المال) لأنه إنما أطلق يده على رأس مال القراض دون غيره.



رقم الحديث 1440 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ.


( مالك عن عمرو) بفتح العين ( ابن يحيى المازني) بكسر الزاي من بني مازن بن النجار الأنصاري الثقة المتوفى بعد الثلاثين ومائة ( عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي حسن واسمه تميم بن عبد عمرو الأنصاري المدني التابعي الثقة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ضرر) خبر بمعنى النهي أي لا يضر الإنسان أخاه فينقصه شيئا من حقه ( ولا ضرار) بكسر أوله فعال أي لا يجازي من ضره بإدخال الضرر عليه بل يعفو فالضرر فعل واحد والضرار فعل اثنين فالأول إلحاق مفسدة بالغير مطلقا والثاني إلحاقها به على وجه المقابلة أي كل منهما يقصد ضرر صاحبه بغير جهة الاعتداء بالمثل قال ابن عبد البر قيل هما بمعنى واحد للتأكيد وقيل هما بمعنى القتل والقتال أي لا يضره ابتداء ولا يضاره إن ضره وليصبر فهي مفاعلة وإن انتصر فلا يعتدي كما قال صلى الله عليه وسلم ولا تخن من خانك يريد بأكثر من انتصافك منه { { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } } وقال ابن حبيب الضرر عند أهل العربية الاسم والضرار الفعل أي لا تدخل على أحد ضرارا بحال وقال الخشني الضرر الذي لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة والضرار ما ليس لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة وهذا وجه حسن في الحديث وهو لفظ عام ينصرف في أكثر الأمور والفقهاء ينزعون به في أشياء مختلفة وقال الباجي اختار ابن حبيب أنهما لفظان بمعنى واحد للتأكيد ويحتمل أن يريد لا ضرر على أحد أي لا يلزمه الصبر عليه ولا يجوز له إضراره بغيره وليس استيفاء الحقوق في القصاص وغيره من هذا الباب لأن ذلك استيفاء لحق أو ردع عن استدامة ظلم فما أحدثه الرجل بعرصته مما يضر بجيرانه من بناء حمام أو فرن لخبز أو سبك ذهب أو فضة أو عمل حديد أو رحى فلهم منعه قاله مالك في المجموعة اهـ وفيه إشارة إلى أن في الحديث حذفا أي لا لحوق أو إلحاق أو لا فعل ضرر أو ضرار بأحد أي لا يجوز شرعا إلا لموجب خاص فقيد النفي بالشرعي لأنه بحكم القدر لا ينتفى وخص منه ما ورد لحوقه بأهله كحد وعقوبة جان وذبح مأكول فإنها ضرر ولا حق بأهله وهي مشروعة إجماعا وفيه تحريم جميع أنواع الضرر إلا بدليل لأن النكرة في سياق النفي تعم ثم لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث كما في التمهيد ورواه الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري موصولا بزيادة ومن ضار أضر الله به ومن شاق شاق الله عليه أخرجه الدارقطني والبيهقي وابن عبد البر والحاكم ورواه أحمد برجال ثقات وابن ماجه من حديث ابن عباس وعبادة بن الصامت وأخرجه ابن أبي شيبة وغيره من وجه آخر أقوى منه وقال النووي حديث حسن وله طرق يقوي بعضها بعضا وقال العلائي له شواهد وطرق يرتقي بمجموعها إلى درجة الصحة وذكر أبو الفتوح الطائي في الأربعين له أن الفقه يدور على خمسة أحاديث هذا أحدها ومن شواهده حديث ملعون من ضار أخاه المسلم أو ماكره أخرجه ابن عبد البر عن الصديق مرفوعا وضعف إسناده وقال لكنه مما يخاف عقوبة ما جاء فيه قال وروى عبد الرزاق عن معمر عن جابر الجعفي عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا لا ضرر ولا ضرار وللرجل أن يغرز خشبة في جدار أخيه وجابر ضعيف اهـ أي فلا يعتبر بزيادته في هذا الحديث وللرجل إلخ فالزيادة إنما تقبل من الثقة إن لم يخالف من هو أوثق منه كما تقرر ثم الإنكار إنما هو ورودها في حديث لا ضرر ولا ضرار إذ هو حديث آخر مستقل عن أبي هريرة وهو التالي ( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري وقال خالد بن مخلد عن مالك عن أبي الزناد بدل الزهري ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز وقال بشر بن عمر وهشام بن يوسف عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة بدل الأعرج وكذا قال معمر رواها الدارقطني في الغرائب وقال المحفوظ عن مالك الأول أي ما في الموطأ وبه جزم ابن عبد البر ثم أشار إلى احتمال إنه عند الزهري عن الجميع ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يمنع) بالرفع خبر بمعنى النهي وفي رواية بالجزم على أن لا ناهية ولأحمد لا يمنعن بزيادة نون التوكيد وهي تؤكد رواية الجزم ( أحدكم جاره) الملاصق له ( خشبة) بالتنوين مفرد وفي رواية بالهاء بصيغة الجمع وقال المزني عن الشافعي عن مالك خشبة بلا تنوين وقال عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن مالك خشبة بالتنوين قال ابن عبد البر والمعنى واحد لأن المراد بالواحدة الجنس قال الحافظ وهذا الذي يتعين للجمع بين الروايتين وإلا فقد يختلف المعنى لأن أمر الخشبة الواحدة أخف في مسامحة الجار بخلاف الخشب الكثير وروى الطحاوي عن جماعة من المشايخ أنهم رووه بالإفراد وأنكره عبد الغني بن سعيد فقال كل الناس يقولونه بالجمع إلا الطحاوي فقال خشبة بالتوحيد ويرد عليه اختلاف الرواية المذكورة إلا إن أراد خاصا من الناس كالذين روى عنهم الطحاوي فله اتجاه اهـ وفي المفهم إنما اعتنى الأئمة بضبط هذا الحرف لأن الواحدة تخف على الجار أن يسمح بها بخلاف الخشب الكثير لما فيه من ضرره ورجح ابن العربي رواية الإفراد لأن الواحدة مرفق وهي التي يحتاج للسؤال عنها وأما الخشب فكثير يوجب استحقاق الحائط على الجار ويشهد له وضع الخشب يعني فلا يندبه الشرع إلى ذلك وفيه نظر ( يغرزها) أي الخشبة أو الخشب وللقعنبي أن يغرز خشبة ( في جداره) أي الأحد المنهي تنزيها فيستحب أن لا يمنع ولا يقضى عليه عند الجمهور ومالك وأبي حنيفة والشافعي في الجديد جمعا بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه رواه الحاكم بإسناد على شرط الصحيحين القرطبي وإذا لم يجبر المالك على إخراج ملكه بعوض فأحرى بغير عوض ابن العربي ويدل على أنه للندب أن مثل هذا التركيب جاء للندب في قوله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها وقال الشافعي في القديم وأحمد وإسحاق وابن حبيب وأصحاب الحديث يجبر إن امتنع لأن الأصح في الأصول أن صيغة لا تفعل للتحريم فالإذن لازم بشرط احتياج الجار وأن لا يضع عليه ما يتضرر به المالك وأن لا يقدم على حاجة المالك ولا فرق بين أن يحتاج في وضع الجذع إلى ثقب الجدار أو لا لأن رأس الجذع يسد المنفتح ويقوي الجدار واشترط بعضهم تقدم استئذان الجار في ذلك لرواية أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك من سأله جاره وكذا لابن حبان من طريق الليث عن مالك ومثله في رواية ابن عيينة وعقيل عند أبي داود وزياد بن سعد عند أبي عوانة الثلاثة عن الزهري وجزم الترمذي وابن عبد البر عن الشافعي بالقول القديم وهو نصه في البويطي قال البيهقي لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا ينكر أن يخصها وقد حمله الراوي على ظاهره وهو أعلم بالمراد بما حدث به يشير إلى قوله ( ثم يقول أبو هريرة) بعد روايته لهذا الحديث محافظة على العمل به وحضا عليه لما رآهم توقفوا عنه ففي الترمذي أنه لما حدثهم بذلك طأطؤا رؤوسهم وفي أبي داود فنكسوا رؤوسهم فقال ( ما لي أراكم عنها) أي عن هذه السنة أو المقالة ( معرضين) إنكارا لما رأى من إعراضهم واستثقالهم ما سمعوا منه وعدم إقبالهم عليها بل طأطؤا رؤوسهم ( والله لأرمين بها) أي لأصرخن بهذه المقالة ( بين أكتافكم) رويناه بالفوقية جمع كتف وبالنون جمع كنف بفتحها وهو الجانب وهذا بين في أنه حمله على الوجوب قاله ابن عبد البر أي لأشيعن هذه المقالة فيكم ولأقرعنكم بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه فيستيقظ من غفلته أو الضمير للخشبة والمعنى إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلن الخشبة بين رقابكم كارهين وأراد بذلك المبالغة قاله الخطابي وبهذا التأويل جزم إمام الحرمين تبعا لغيره وقال إن ذلك وقع من أبي هريرة حين كان يلي إمرة المدينة لكن عند ابن عبد البر من وجه آخر لأرمين بها بين أعينكم وإن كرهتم وهذا يرجح التأويل الأول وقال الطيبي هو كناية عن إلزامهم بالحجة القاطعة على ما ادعاه أي لا أقول الخشبة ترمى على الجدار بل بين أكتافكم لما وصى به صلى الله عليه وسلم من بر الجار والإحسان إليه وحمل أثقاله وهذا من أبي هريرة ظاهر في أنه يرى الوجوب وبه جزم ابن عبد البر وقال القرطبي إنه الظاهر وقول الباجي يحتمل أن مذهبه الندب إذ لو كانت عنده للوجوب لوبخ الحكام على تركه ولحكم بذلك لأنه كان مستخلفا بالمدينة فيه نظر لأنه إنما كان يلي إمرة المدينة نيابة عن مروان في بعض الأحيان فلعله لم يترافع إليه حين توليته ولم يوبخ الحكام لعدم علمه بأنهم لم يحكموا به واستدل المهلب وتبعه عياض بقول أبي هريرة هذا على أن العمل كان في ذلك العصر على خلاف مذهبه لأنه لو كان على الوجوب لما جهل الصحابة تأويله ولا أعرضوا عنه لأنهم لا يعرضون عن واجب فدل على أنهم حملوا الأمر على الاستحباب وتعقبه الحافظ فقال ما أدري من أين له أن المعرضين صحابة وأنهم عدد لا يجهل مثلهم الحكم ولم لا يجوز أن الذين خاطبهم أبو هريرة لم يكونوا فقهاء بل هو المتعين إذ لو كانوا صحابة أو فقهاء ما واجههم بذلك اهـ والحديث رواه البخاري في المظالم وأبو داود في القضاء عن القعنبي ومسلم في البيوع عن يحيى التميمي كلاهما عن مالك به ( مالك عن عمرو بن يحيى المازني) الأنصاري ( عن أبيه) عن يحيى بن عمارة بضم العين وخفة الميم ( أن الضحاك بن خليفة) بن ثعلبة الأنصاري الأشهلي قال أبو حاتم شهد غزوة بني النضير وله فيها ذكر وليست له رواية وقال ابن شاهين سمعت ابن أبي داود يقول هو الذي قال صلى الله عليه وسلم فيه يطلع عليكم رجل من أهل الجنة ذو مسحة من جمال زنته يوم القيامة زنة أحد فطلع الضحاك بن خليفة وكان يتهم بالنفاق ثم تاب وأصلح كما في الإصابة ( ساق خليجا له) قال المجد الخليج النهر وشرم من البحر والجفنة والحبل ( من العريض) بضم العين المهملة وفتح الراء وإسكان التحتية وضاد معجمة واد بالمدينة به أموال لأهلها ( فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة) الأنصاري أكبر من اسمه محمد من الصحابة وكان من الفضلاء مات بعد الأربعين ( فأبى) امتنع ( محمد فقال له الضحاك لم) لأي شيء ( تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك) قال الباجي يحتمل أنه شرط له ذلك وهو على وجه المعارضة لا يجوز لجهل قدر شربه أولا وآخرا ويحتمل أن يريد أن ذلك حكم الماء على ما مر أن الأعلى أولى حتى يروي ( فأبى محمد فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب) أمير المؤمنين ( فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة فأمره أن يخلي سبيله فقال محمد لا) أفعل ذلك ( فقال عمر لم تمنع أخاك) في الإسلام والصحبة ( ما ينفعه وهو لك نافع) لأنك ( تسقي به أولا وآخرا وهو لا يضرك فقال محمد لا) أرضى بهذا ( والله) أكده بالقسم ( فقال عمر والله ليمرن به ولو على بطنك) الباجي فيه اعتبار المقاصد لا الألفاظ إن كانت يمين عمر على معنى الحكم عليه إذ لا خلاف أن عمر لا يستجيز أن يمر به على بطن محمد ويحتمل أن يريد إن خالفت حكمي عليك وحاربت وأدت المحاربة إلى قتلك وإجرائه على بطنك لفعلت ذلك نصرة للحكم بالحق والأول أظهر ( فأمره عمر أن يمر به) أي يجريه في أرض محمد ( ففعل الضحاك) ذلك أي أجراه قال الباجي يحتمل قول عمر وجهين أحدهما أنه على ظاهره ولمالك فيه ثلاثة أقوال أحدها المخالفة له على الإطلاق وهي رواية ابن القاسم لحديث لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه واللبن متجدد ويخلفه غيره والأرض التي يمر فيها بالساقية لا يعتاض منها والثاني الأخذ بقوله مطلقا وهي رواية زياد عنه في النوادر والثالث الموافقة له على وجه وذلك على وجهين أحدهما مخالفة أهل زمن مالك لزمن عمر كما في رواية أشهب عنه كأن يقال تحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون من الفجور وأخذ به من يوثق برأيه فلو كان الشأن معتدلا في زماننا كاعتداله في زمن عمر رأيت أن يقضى له بإجراء مائه في أرضك لأنك تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك ولكن فسد الناس واستحقوا التهمة فأخاف أن يطول وينسى ما كان عليه جري هذا الماء وقد يدعي به جارك دعوى في أرضك والثاني أن محمدا إنما صارت له أرضه بإحيائه لها بعد أن أحيا الضحاك أرضه على ما قال أشهب إن أحييت أرضك بعد إحياء عينه وأرضه قضى عليك بممره في أرضك وإجراء مائه فيها إلى أرضه وإن كانت أرضك قبل عينه وأرضه فليس له ذلك ويحتمل أن عمر لم يقض على محمد بذلك وإنما حلف عليه ليرجع إلى الأفضل ثقة أنه لا يحنثه اهـ ملخصا ( مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي حسن ( أنه) أي يحيى ( قال كان في حائط جده) جد يحيى وهو أبو حسن واسمه تميم بن عبد عمرو الأنصاري الصحابي ( ربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة أي جدول وهو النهر الصغير ( لعبد الرحمن بن عوف) الزهري أحد العشرة ( فأراد عبد الرحمن أن يحوله إلى ناحية) جهة ( من الحائط هي أقرب إلى أرضه) أي أرض عبد الرحمن ليكون أسهل في سقيها من البعيد ( فمنعه صاحب الحائط) أبو الحسن ( فكلم عبد الرحمن بن عوف عمر بن الخطاب فقضى لعبد الرحمن بن عوف بتحويله) لأنه حمل حديث لا يمنع أحدكم جاره على ظاهره وعداه إلى كل ما يحتاج الجار إلى الانتفاع به من دار جاره وأرضه روى ابن القاسم عن مالك ليس العمل على حديث عمر هذا ولم يأخذ به وروى زياد عنه إن لم يضر به قضى عليه وقال الشافعي في كتاب الرد لم يرد مالك عن الصحابة خلاف عمر في ذلك ولم يأخذ به ولا بشيء مما في هذا الباب بل رد ذلك برأيه قال ابن عبد البر وليس كما زعم لأن محمد بن مسلمة والأنصاري صاحب عبد الرحمن كان رأيهما خلاف رأي عمر وعبد الرحمن وإذا اختلف الصحابة رجع إلى النظر وهو يدل على أن دماء المسلمين وأموالهم من بعضهم على بعض حرام إلا بطيب نفس من المال خاصة وحديث أن غلاما استشهد يوم أحد فجعلت أمه تمسح التراب عن وجهه وتقول هنيئا لك الجنة فقال صلى الله عليه وسلم وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه ويمنع ما لا يضره ضعيف ومشهور مذهب مالك أن لا يقضى بشيء مما في هذا الباب لحديث لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه وهو قول أبي حنيفة وروى أصبغ عن ابن القاسم لا يؤخذ بقضاء عمر على محمد في الخليج وأما تحويل الربيع فيؤخذ به لأن مجراه ثابت لابن عوف في الحائط وإنما حوله لناحية أخرى أقرب إليه وأرفق لصاحب الحائط اهـ ومر أن هذا قول الشافعي في القديم ومشهور قوله في الجديد أن لا يقضى بشيء من ذلك.



رقم الحديث 1441 قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا.
فَعَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ، ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ رِبْحِ الْمَالِ أَوْ مِنْ جُمْلَتِهِ جَارِيَةً.
فَوَطِئَهَا.
فَحَمَلَتْ مِنْهُ.
ثُمَّ نَقَصَ الْمَالُ، قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، أُخِذَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ مِنْ مَالِهِ.
فَيُجْبَرُ بِهِ الْمَالُ.
فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ بَعْدَ وَفَاءِ الْمَالِ.
فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَفَاءٌ، بِيعَتِ الْجَارِيَةُ حَتَّى يُجْبَرَ الْمَالُ مِنْ ثَمَنِهَا قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَتَعَدَّى، فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً، وَزَادَ فِي ثَمَنِهَا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ مَالِكٌ: صَاحِبُ الْمَالِ بِالْخِيَارِ.
إِنْ بِيعَتِ السِّلْعَةُ بِرِبْحٍ أَوْ وَضِيعَةٍ، أَوْ لَمْ تُبَعْ.
إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ، أَخَذَهَا وَقَضَاهُ مَا أَسْلَفَهُ فِيهَا.
وَإِنْ أَبَى كَانَ الْمُقَارَضُ شَرِيكًا لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ فِي النَّمَاءِ وَالنُّقْصَانِ.
بِحِسَابِ مَا زَادَ الْعَامِلُ فِيهَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا.
ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ.
فَعَمِلَ فِيهِ قِرَاضًا بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ: إِنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ.
إِنْ نَقَصَ فَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ.
وَإِنْ رَبِحَ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ شَرْطُهُ مِنَ الرِّبْحِ.
ثُمَّ يَكُونُ لِلَّذِي عَمِلَ شَرْطُهُ، بِمَا بَقِيَ مِنَ الْمَالِ قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ تَعَدَّى فَتَسَلَّفَ مِمَّا بِيَدَيْهِ مِنَ الْقِرَاضِ مَالًا.
فَابْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ، قَالَ مَالِكٌ: إِنْ رَبِحَ فَالرِّبْحُ عَلَى شَرْطِهِمَا فِي الْقِرَاضِ، وَإِنْ نَقَصَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلنُّقْصَانِ قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَاسْتَسْلَفَ مِنْهُ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ الْمَالُ مَالًا وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ إِنَّ صَاحِبَ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ شَرِكَهُ فِي السِّلْعَةِ عَلَى قِرَاضِهَا وَإِنْ شَاءَ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأَخَذَ مِنْهُ رَأْسَ الْمَالِ كُلَّهُ وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِكُلِّ مَنْ تَعَدَّى.



( التعدي في القراض)

( قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالاً قراضًا فعمل فيه فربح ثم اشترى من ربح المال أو من جملته) أصله وربحه ( جارية) للقراض أو على وجه السلف منه فوطئها ( فحملت منه ثم نقص المال قال: إن كان له) أي العامل ( مال أخذت قيمة الجارية من ماله فيجبر به المال) أي نقصانه ( فإن كان فضل بعد وفاء) رأس ( المال) لربه ( فهو بينهما على القراض الأول) من نصف أو غيره ( وإن لم يكن له وفاء بيعت الجارية حتى) للتعليل، أي لأجل أن ( يجبر المال من ثمنها) الذي بيعت به.

( قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالاً قراضًا فتعدى فاشترى به سلعة وزاد في ثمنها من عنده قال مالك: صاحب المال بالخيار، إن بيعت السلعة بربح أو وضيعة) نقص ( أو لم تبع) أصلاً ( إن شاء أن يأخذ السلعة أخذها وقضاه ما أسلفه فيها) أي زاده من عنده ( وإن أبى) امتنع من أخذها بذلك ( كان المقارض شريكًا له بحصته من الثمن في النماء) أي الزيادة ( والنقصان بحساب ما زاد العامل فيها من عنده) متعلق بشريكًا.

( قال مالك في رجل أخذ من رجل مالاً قراضًا ثم دفعه إلى رجل آخر فعمل فيه قراضًا بغير إذن صاحبه إنه ضامن للمال إن نقص فعليه النقصان) لأنه متعد إذ ليس له دفعه لغيره قراضًا ( وإن ربح فلصاحب المال شرطه من الربح ثم يكون للذي عمل شرطه مما بقي من المال) بعد أخذ ربه رأسه وما شرطه من الربح.
قال أبو عمر: لا أعلم خلافًا في هذا إلا أن المزني قال: ليس للثاني إلا أجر مثله لأنه عمل على فساد مال القراض، وهو أصل الشافعي في الجديد وقوله في القديم كمالك.

( قال مالك في رجل تعدى فتسلف مما بيديه من القراض مالاً فابتاع به سلعة لنفسه إن ربح فالربح على شرطهما في القراض وإن نقص فهو ضامن للنقصان) لتعديه.
( قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالاً قراضًا فاستسلف منه المدفوع إليه المال) أي العامل ( مالاً واشترى به سلعة لنفسه إن صاحب المال بالخيار إن شاء شركه في السلعة على قراضها وإن شاء خلى بينه وبينها وأخذ منه رأس المال كله وكذلك يفعل بكل ما تعدى) بلا خلاف أعلمه سواء اشتراها للتجارة أو القنية ومعنى المسألتين متقارب بل واحد قاله أبو عمر غايته أن الثانية أوضح.



رقم الحديث 1441 وَحَدَّثَنِي مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ خَشَبَةً يَغْرِزُهَا فِي جِدَارِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ.


( مالك عن عمرو) بفتح العين ( ابن يحيى المازني) بكسر الزاي من بني مازن بن النجار الأنصاري الثقة المتوفى بعد الثلاثين ومائة ( عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي حسن واسمه تميم بن عبد عمرو الأنصاري المدني التابعي الثقة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ضرر) خبر بمعنى النهي أي لا يضر الإنسان أخاه فينقصه شيئا من حقه ( ولا ضرار) بكسر أوله فعال أي لا يجازي من ضره بإدخال الضرر عليه بل يعفو فالضرر فعل واحد والضرار فعل اثنين فالأول إلحاق مفسدة بالغير مطلقا والثاني إلحاقها به على وجه المقابلة أي كل منهما يقصد ضرر صاحبه بغير جهة الاعتداء بالمثل قال ابن عبد البر قيل هما بمعنى واحد للتأكيد وقيل هما بمعنى القتل والقتال أي لا يضره ابتداء ولا يضاره إن ضره وليصبر فهي مفاعلة وإن انتصر فلا يعتدي كما قال صلى الله عليه وسلم ولا تخن من خانك يريد بأكثر من انتصافك منه { { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } } وقال ابن حبيب الضرر عند أهل العربية الاسم والضرار الفعل أي لا تدخل على أحد ضرارا بحال وقال الخشني الضرر الذي لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة والضرار ما ليس لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة وهذا وجه حسن في الحديث وهو لفظ عام ينصرف في أكثر الأمور والفقهاء ينزعون به في أشياء مختلفة وقال الباجي اختار ابن حبيب أنهما لفظان بمعنى واحد للتأكيد ويحتمل أن يريد لا ضرر على أحد أي لا يلزمه الصبر عليه ولا يجوز له إضراره بغيره وليس استيفاء الحقوق في القصاص وغيره من هذا الباب لأن ذلك استيفاء لحق أو ردع عن استدامة ظلم فما أحدثه الرجل بعرصته مما يضر بجيرانه من بناء حمام أو فرن لخبز أو سبك ذهب أو فضة أو عمل حديد أو رحى فلهم منعه قاله مالك في المجموعة اهـ وفيه إشارة إلى أن في الحديث حذفا أي لا لحوق أو إلحاق أو لا فعل ضرر أو ضرار بأحد أي لا يجوز شرعا إلا لموجب خاص فقيد النفي بالشرعي لأنه بحكم القدر لا ينتفى وخص منه ما ورد لحوقه بأهله كحد وعقوبة جان وذبح مأكول فإنها ضرر ولا حق بأهله وهي مشروعة إجماعا وفيه تحريم جميع أنواع الضرر إلا بدليل لأن النكرة في سياق النفي تعم ثم لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث كما في التمهيد ورواه الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري موصولا بزيادة ومن ضار أضر الله به ومن شاق شاق الله عليه أخرجه الدارقطني والبيهقي وابن عبد البر والحاكم ورواه أحمد برجال ثقات وابن ماجه من حديث ابن عباس وعبادة بن الصامت وأخرجه ابن أبي شيبة وغيره من وجه آخر أقوى منه وقال النووي حديث حسن وله طرق يقوي بعضها بعضا وقال العلائي له شواهد وطرق يرتقي بمجموعها إلى درجة الصحة وذكر أبو الفتوح الطائي في الأربعين له أن الفقه يدور على خمسة أحاديث هذا أحدها ومن شواهده حديث ملعون من ضار أخاه المسلم أو ماكره أخرجه ابن عبد البر عن الصديق مرفوعا وضعف إسناده وقال لكنه مما يخاف عقوبة ما جاء فيه قال وروى عبد الرزاق عن معمر عن جابر الجعفي عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا لا ضرر ولا ضرار وللرجل أن يغرز خشبة في جدار أخيه وجابر ضعيف اهـ أي فلا يعتبر بزيادته في هذا الحديث وللرجل إلخ فالزيادة إنما تقبل من الثقة إن لم يخالف من هو أوثق منه كما تقرر ثم الإنكار إنما هو ورودها في حديث لا ضرر ولا ضرار إذ هو حديث آخر مستقل عن أبي هريرة وهو التالي ( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري وقال خالد بن مخلد عن مالك عن أبي الزناد بدل الزهري ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز وقال بشر بن عمر وهشام بن يوسف عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة بدل الأعرج وكذا قال معمر رواها الدارقطني في الغرائب وقال المحفوظ عن مالك الأول أي ما في الموطأ وبه جزم ابن عبد البر ثم أشار إلى احتمال إنه عند الزهري عن الجميع ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يمنع) بالرفع خبر بمعنى النهي وفي رواية بالجزم على أن لا ناهية ولأحمد لا يمنعن بزيادة نون التوكيد وهي تؤكد رواية الجزم ( أحدكم جاره) الملاصق له ( خشبة) بالتنوين مفرد وفي رواية بالهاء بصيغة الجمع وقال المزني عن الشافعي عن مالك خشبة بلا تنوين وقال عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن مالك خشبة بالتنوين قال ابن عبد البر والمعنى واحد لأن المراد بالواحدة الجنس قال الحافظ وهذا الذي يتعين للجمع بين الروايتين وإلا فقد يختلف المعنى لأن أمر الخشبة الواحدة أخف في مسامحة الجار بخلاف الخشب الكثير وروى الطحاوي عن جماعة من المشايخ أنهم رووه بالإفراد وأنكره عبد الغني بن سعيد فقال كل الناس يقولونه بالجمع إلا الطحاوي فقال خشبة بالتوحيد ويرد عليه اختلاف الرواية المذكورة إلا إن أراد خاصا من الناس كالذين روى عنهم الطحاوي فله اتجاه اهـ وفي المفهم إنما اعتنى الأئمة بضبط هذا الحرف لأن الواحدة تخف على الجار أن يسمح بها بخلاف الخشب الكثير لما فيه من ضرره ورجح ابن العربي رواية الإفراد لأن الواحدة مرفق وهي التي يحتاج للسؤال عنها وأما الخشب فكثير يوجب استحقاق الحائط على الجار ويشهد له وضع الخشب يعني فلا يندبه الشرع إلى ذلك وفيه نظر ( يغرزها) أي الخشبة أو الخشب وللقعنبي أن يغرز خشبة ( في جداره) أي الأحد المنهي تنزيها فيستحب أن لا يمنع ولا يقضى عليه عند الجمهور ومالك وأبي حنيفة والشافعي في الجديد جمعا بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه رواه الحاكم بإسناد على شرط الصحيحين القرطبي وإذا لم يجبر المالك على إخراج ملكه بعوض فأحرى بغير عوض ابن العربي ويدل على أنه للندب أن مثل هذا التركيب جاء للندب في قوله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها وقال الشافعي في القديم وأحمد وإسحاق وابن حبيب وأصحاب الحديث يجبر إن امتنع لأن الأصح في الأصول أن صيغة لا تفعل للتحريم فالإذن لازم بشرط احتياج الجار وأن لا يضع عليه ما يتضرر به المالك وأن لا يقدم على حاجة المالك ولا فرق بين أن يحتاج في وضع الجذع إلى ثقب الجدار أو لا لأن رأس الجذع يسد المنفتح ويقوي الجدار واشترط بعضهم تقدم استئذان الجار في ذلك لرواية أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك من سأله جاره وكذا لابن حبان من طريق الليث عن مالك ومثله في رواية ابن عيينة وعقيل عند أبي داود وزياد بن سعد عند أبي عوانة الثلاثة عن الزهري وجزم الترمذي وابن عبد البر عن الشافعي بالقول القديم وهو نصه في البويطي قال البيهقي لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا ينكر أن يخصها وقد حمله الراوي على ظاهره وهو أعلم بالمراد بما حدث به يشير إلى قوله ( ثم يقول أبو هريرة) بعد روايته لهذا الحديث محافظة على العمل به وحضا عليه لما رآهم توقفوا عنه ففي الترمذي أنه لما حدثهم بذلك طأطؤا رؤوسهم وفي أبي داود فنكسوا رؤوسهم فقال ( ما لي أراكم عنها) أي عن هذه السنة أو المقالة ( معرضين) إنكارا لما رأى من إعراضهم واستثقالهم ما سمعوا منه وعدم إقبالهم عليها بل طأطؤا رؤوسهم ( والله لأرمين بها) أي لأصرخن بهذه المقالة ( بين أكتافكم) رويناه بالفوقية جمع كتف وبالنون جمع كنف بفتحها وهو الجانب وهذا بين في أنه حمله على الوجوب قاله ابن عبد البر أي لأشيعن هذه المقالة فيكم ولأقرعنكم بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه فيستيقظ من غفلته أو الضمير للخشبة والمعنى إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلن الخشبة بين رقابكم كارهين وأراد بذلك المبالغة قاله الخطابي وبهذا التأويل جزم إمام الحرمين تبعا لغيره وقال إن ذلك وقع من أبي هريرة حين كان يلي إمرة المدينة لكن عند ابن عبد البر من وجه آخر لأرمين بها بين أعينكم وإن كرهتم وهذا يرجح التأويل الأول وقال الطيبي هو كناية عن إلزامهم بالحجة القاطعة على ما ادعاه أي لا أقول الخشبة ترمى على الجدار بل بين أكتافكم لما وصى به صلى الله عليه وسلم من بر الجار والإحسان إليه وحمل أثقاله وهذا من أبي هريرة ظاهر في أنه يرى الوجوب وبه جزم ابن عبد البر وقال القرطبي إنه الظاهر وقول الباجي يحتمل أن مذهبه الندب إذ لو كانت عنده للوجوب لوبخ الحكام على تركه ولحكم بذلك لأنه كان مستخلفا بالمدينة فيه نظر لأنه إنما كان يلي إمرة المدينة نيابة عن مروان في بعض الأحيان فلعله لم يترافع إليه حين توليته ولم يوبخ الحكام لعدم علمه بأنهم لم يحكموا به واستدل المهلب وتبعه عياض بقول أبي هريرة هذا على أن العمل كان في ذلك العصر على خلاف مذهبه لأنه لو كان على الوجوب لما جهل الصحابة تأويله ولا أعرضوا عنه لأنهم لا يعرضون عن واجب فدل على أنهم حملوا الأمر على الاستحباب وتعقبه الحافظ فقال ما أدري من أين له أن المعرضين صحابة وأنهم عدد لا يجهل مثلهم الحكم ولم لا يجوز أن الذين خاطبهم أبو هريرة لم يكونوا فقهاء بل هو المتعين إذ لو كانوا صحابة أو فقهاء ما واجههم بذلك اهـ والحديث رواه البخاري في المظالم وأبو داود في القضاء عن القعنبي ومسلم في البيوع عن يحيى التميمي كلاهما عن مالك به ( مالك عن عمرو بن يحيى المازني) الأنصاري ( عن أبيه) عن يحيى بن عمارة بضم العين وخفة الميم ( أن الضحاك بن خليفة) بن ثعلبة الأنصاري الأشهلي قال أبو حاتم شهد غزوة بني النضير وله فيها ذكر وليست له رواية وقال ابن شاهين سمعت ابن أبي داود يقول هو الذي قال صلى الله عليه وسلم فيه يطلع عليكم رجل من أهل الجنة ذو مسحة من جمال زنته يوم القيامة زنة أحد فطلع الضحاك بن خليفة وكان يتهم بالنفاق ثم تاب وأصلح كما في الإصابة ( ساق خليجا له) قال المجد الخليج النهر وشرم من البحر والجفنة والحبل ( من العريض) بضم العين المهملة وفتح الراء وإسكان التحتية وضاد معجمة واد بالمدينة به أموال لأهلها ( فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة) الأنصاري أكبر من اسمه محمد من الصحابة وكان من الفضلاء مات بعد الأربعين ( فأبى) امتنع ( محمد فقال له الضحاك لم) لأي شيء ( تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك) قال الباجي يحتمل أنه شرط له ذلك وهو على وجه المعارضة لا يجوز لجهل قدر شربه أولا وآخرا ويحتمل أن يريد أن ذلك حكم الماء على ما مر أن الأعلى أولى حتى يروي ( فأبى محمد فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب) أمير المؤمنين ( فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة فأمره أن يخلي سبيله فقال محمد لا) أفعل ذلك ( فقال عمر لم تمنع أخاك) في الإسلام والصحبة ( ما ينفعه وهو لك نافع) لأنك ( تسقي به أولا وآخرا وهو لا يضرك فقال محمد لا) أرضى بهذا ( والله) أكده بالقسم ( فقال عمر والله ليمرن به ولو على بطنك) الباجي فيه اعتبار المقاصد لا الألفاظ إن كانت يمين عمر على معنى الحكم عليه إذ لا خلاف أن عمر لا يستجيز أن يمر به على بطن محمد ويحتمل أن يريد إن خالفت حكمي عليك وحاربت وأدت المحاربة إلى قتلك وإجرائه على بطنك لفعلت ذلك نصرة للحكم بالحق والأول أظهر ( فأمره عمر أن يمر به) أي يجريه في أرض محمد ( ففعل الضحاك) ذلك أي أجراه قال الباجي يحتمل قول عمر وجهين أحدهما أنه على ظاهره ولمالك فيه ثلاثة أقوال أحدها المخالفة له على الإطلاق وهي رواية ابن القاسم لحديث لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه واللبن متجدد ويخلفه غيره والأرض التي يمر فيها بالساقية لا يعتاض منها والثاني الأخذ بقوله مطلقا وهي رواية زياد عنه في النوادر والثالث الموافقة له على وجه وذلك على وجهين أحدهما مخالفة أهل زمن مالك لزمن عمر كما في رواية أشهب عنه كأن يقال تحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون من الفجور وأخذ به من يوثق برأيه فلو كان الشأن معتدلا في زماننا كاعتداله في زمن عمر رأيت أن يقضى له بإجراء مائه في أرضك لأنك تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك ولكن فسد الناس واستحقوا التهمة فأخاف أن يطول وينسى ما كان عليه جري هذا الماء وقد يدعي به جارك دعوى في أرضك والثاني أن محمدا إنما صارت له أرضه بإحيائه لها بعد أن أحيا الضحاك أرضه على ما قال أشهب إن أحييت أرضك بعد إحياء عينه وأرضه قضى عليك بممره في أرضك وإجراء مائه فيها إلى أرضه وإن كانت أرضك قبل عينه وأرضه فليس له ذلك ويحتمل أن عمر لم يقض على محمد بذلك وإنما حلف عليه ليرجع إلى الأفضل ثقة أنه لا يحنثه اهـ ملخصا ( مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي حسن ( أنه) أي يحيى ( قال كان في حائط جده) جد يحيى وهو أبو حسن واسمه تميم بن عبد عمرو الأنصاري الصحابي ( ربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة أي جدول وهو النهر الصغير ( لعبد الرحمن بن عوف) الزهري أحد العشرة ( فأراد عبد الرحمن أن يحوله إلى ناحية) جهة ( من الحائط هي أقرب إلى أرضه) أي أرض عبد الرحمن ليكون أسهل في سقيها من البعيد ( فمنعه صاحب الحائط) أبو الحسن ( فكلم عبد الرحمن بن عوف عمر بن الخطاب فقضى لعبد الرحمن بن عوف بتحويله) لأنه حمل حديث لا يمنع أحدكم جاره على ظاهره وعداه إلى كل ما يحتاج الجار إلى الانتفاع به من دار جاره وأرضه روى ابن القاسم عن مالك ليس العمل على حديث عمر هذا ولم يأخذ به وروى زياد عنه إن لم يضر به قضى عليه وقال الشافعي في كتاب الرد لم يرد مالك عن الصحابة خلاف عمر في ذلك ولم يأخذ به ولا بشيء مما في هذا الباب بل رد ذلك برأيه قال ابن عبد البر وليس كما زعم لأن محمد بن مسلمة والأنصاري صاحب عبد الرحمن كان رأيهما خلاف رأي عمر وعبد الرحمن وإذا اختلف الصحابة رجع إلى النظر وهو يدل على أن دماء المسلمين وأموالهم من بعضهم على بعض حرام إلا بطيب نفس من المال خاصة وحديث أن غلاما استشهد يوم أحد فجعلت أمه تمسح التراب عن وجهه وتقول هنيئا لك الجنة فقال صلى الله عليه وسلم وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه ويمنع ما لا يضره ضعيف ومشهور مذهب مالك أن لا يقضى بشيء مما في هذا الباب لحديث لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه وهو قول أبي حنيفة وروى أصبغ عن ابن القاسم لا يؤخذ بقضاء عمر على محمد في الخليج وأما تحويل الربيع فيؤخذ به لأن مجراه ثابت لابن عوف في الحائط وإنما حوله لناحية أخرى أقرب إليه وأرفق لصاحب الحائط اهـ ومر أن هذا قول الشافعي في القديم ومشهور قوله في الجديد أن لا يقضى بشيء من ذلك.



رقم الحديث 1442 قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا إِنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا يَحْمِلُ النَّفَقَةَ، فَإِذَا شَخَصَ فِيهِ الْعَامِلُ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَيَكْتَسِيَ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ قَدْرِ الْمَالِ.
وَيَسْتَأْجِرَ مِنَ الْمَالِ إِذَا كَانَ كَثِيرًا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ بَعْضَ مَنْ يَكْفِيهِ بَعْضَ مَئُونَتِهِ.
وَمِنَ الْأَعْمَالِ أَعْمَالٌ لَا يَعْمَلُهَا الَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ.
وَلَيْسَ مِثْلُهُ يَعْمَلُهَا.
مِنْ ذَلِكَ تَقَاضِي الدَّيْنِ، وَنَقْلُ الْمَتَاعِ، وَشَدُّهُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنَ الْمَالِ مَنْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ.
وَلَيْسَ لِلْمُقَارَضِ أَنْ يَسْتَنْفِقَ مِنَ الْمَالِ.
وَلَا يَكْتَسِيَ مِنْهُ.
مَا كَانَ مُقِيمًا فِي أَهْلِهِ إِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ النَّفَقَةُ إِذَا شَخَصَ فِي الْمَالِ.
وَكَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ النَّفَقَةَ فَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يَتَّجِرُ فِي الْمَالِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ مُقِيمٌ، فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مِنَ الْمَالِ وَلَا كِسْوَةَ قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا.
فَخَرَجَ بِهِ وَبِمَالِ نَفْسِهِ.
قَالَ: يَجْعَلُ النَّفَقَةَ مِنَ الْقِرَاضِ، وَمِنْ مَالِهِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِ الْمَالِ.



( ما يجوز من النفقة في القراض)

( قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالاً قراضًا إنه إذا كان المال كثيرًا يحمل النفقة فإذا شخص) بفتحات، سافر ( فيه العامل فإن له أن يأكل منه ويكتسي بالمعروف من قدر) وفي نسخة ابن وضاح: من قدر المال ( ويستأجر من المال إذا كان كثيرًا لا يقوى عليه) وحده ( بعض) مفعول يستأجر ( من يكفيه بعض مئونته) مفعول يكفي ( ومن الأعمال أعمال لا يعملها الذي يأخذ المال) أي العامل ( وليس مثله يعملها من ذلك تقاضي الدين) طلبه ممن هو عليه ( ونقل المتاع وشده وأشباه ذلك فله أن يستأجر من المال من يكفيه ذلك وليس للمقارض) بالفتح ( أن يستنفق) بسين الطلب، أي يطلب أن ينفق ( من المال ولا يكتسي منه) ومنعه من طلب ذلك أبلغ من منعه من فعله نحو قوله تعالى { { وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى } } فإنه أبلغ من لا تزنوا وقول الشاعر:

يا عاذلاتي لا تردن ملامتي
إن العواذل لسن لي بأمير

أبلغ من لا تلمنني.
( ما كان) أي مدّة كونه ( مقيمًا في أهله إنما يجوز له النفقة إذا شخص) سافر ( في المال وكان المال يحمل النفقة فإن كان إنما يتجر في المال في البلد الذي هو به مقيم فلا نفقة له من المال ولا كسوة) وكذا إذا كان المال قليلاً فلا كسوة ولا نفقة، قرب السفر أو بعد قاله مالك أيضًا نقله الباجي.

( قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالاً قراضًا فخرج به وبمال نفسه قال يجعل النفقة من مال القراض ومن ماله على قدر حصص المال) واختلف في مطلق عقد القراض هل يقتضي السفر بالمال؟ فمشهور المذهب أنه مباح لقوله تعالى: { { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ } } أي يسافرون فلا ينافيه مطلق عقد القراض وبه قال الشافعي.
وقال ابن حبيب: لا يسافر إلا بإذن رب المال وعن أبي حنيفة القولان والمشهور أن ذلك سواء في قليل المال وكثيره.
وقال سحنون: لا يسافر بالقليل سفرًا بعيدًا إلا بإذن ربه، قاله الباجي.



رقم الحديث 1442 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ خَلِيفَةَ سَاقَ خَلِيجًا لَهُ مِنَ الْعُرَيْضِ، فَأَرَادَ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فِي أَرْضِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَأَبَى مُحَمَّدٌ، فَقَالَ لَهُ الضَّحَّاكُ: لِمَ تَمْنَعُنِي، وَهُوَ لَكَ مَنْفَعَةٌ تَشْرَبُ بِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَلَا يَضُرُّكَ، فَأَبَى مُحَمَّدٌ، فَكَلَّمَ فِيهِ الضَّحَّاكُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَدَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا، فَقَالَ عُمَرُ: لِمَ تَمْنَعُ أَخَاكَ مَا يَنْفَعُهُ، وَهُوَ لَكَ نَافِعٌ، تَسْقِي بِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَهُوَ لَا يَضُرُّكَ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا وَاللَّهِ.
فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَيَمُرَّنَّ بِهِ، وَلَوْ عَلَى بَطْنِكَ، فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَمُرَّ بِهِ، فَفَعَلَ الضَّحَّاكُ.


( مالك عن عمرو) بفتح العين ( ابن يحيى المازني) بكسر الزاي من بني مازن بن النجار الأنصاري الثقة المتوفى بعد الثلاثين ومائة ( عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي حسن واسمه تميم بن عبد عمرو الأنصاري المدني التابعي الثقة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ضرر) خبر بمعنى النهي أي لا يضر الإنسان أخاه فينقصه شيئا من حقه ( ولا ضرار) بكسر أوله فعال أي لا يجازي من ضره بإدخال الضرر عليه بل يعفو فالضرر فعل واحد والضرار فعل اثنين فالأول إلحاق مفسدة بالغير مطلقا والثاني إلحاقها به على وجه المقابلة أي كل منهما يقصد ضرر صاحبه بغير جهة الاعتداء بالمثل قال ابن عبد البر قيل هما بمعنى واحد للتأكيد وقيل هما بمعنى القتل والقتال أي لا يضره ابتداء ولا يضاره إن ضره وليصبر فهي مفاعلة وإن انتصر فلا يعتدي كما قال صلى الله عليه وسلم ولا تخن من خانك يريد بأكثر من انتصافك منه { { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } } وقال ابن حبيب الضرر عند أهل العربية الاسم والضرار الفعل أي لا تدخل على أحد ضرارا بحال وقال الخشني الضرر الذي لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة والضرار ما ليس لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة وهذا وجه حسن في الحديث وهو لفظ عام ينصرف في أكثر الأمور والفقهاء ينزعون به في أشياء مختلفة وقال الباجي اختار ابن حبيب أنهما لفظان بمعنى واحد للتأكيد ويحتمل أن يريد لا ضرر على أحد أي لا يلزمه الصبر عليه ولا يجوز له إضراره بغيره وليس استيفاء الحقوق في القصاص وغيره من هذا الباب لأن ذلك استيفاء لحق أو ردع عن استدامة ظلم فما أحدثه الرجل بعرصته مما يضر بجيرانه من بناء حمام أو فرن لخبز أو سبك ذهب أو فضة أو عمل حديد أو رحى فلهم منعه قاله مالك في المجموعة اهـ وفيه إشارة إلى أن في الحديث حذفا أي لا لحوق أو إلحاق أو لا فعل ضرر أو ضرار بأحد أي لا يجوز شرعا إلا لموجب خاص فقيد النفي بالشرعي لأنه بحكم القدر لا ينتفى وخص منه ما ورد لحوقه بأهله كحد وعقوبة جان وذبح مأكول فإنها ضرر ولا حق بأهله وهي مشروعة إجماعا وفيه تحريم جميع أنواع الضرر إلا بدليل لأن النكرة في سياق النفي تعم ثم لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث كما في التمهيد ورواه الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري موصولا بزيادة ومن ضار أضر الله به ومن شاق شاق الله عليه أخرجه الدارقطني والبيهقي وابن عبد البر والحاكم ورواه أحمد برجال ثقات وابن ماجه من حديث ابن عباس وعبادة بن الصامت وأخرجه ابن أبي شيبة وغيره من وجه آخر أقوى منه وقال النووي حديث حسن وله طرق يقوي بعضها بعضا وقال العلائي له شواهد وطرق يرتقي بمجموعها إلى درجة الصحة وذكر أبو الفتوح الطائي في الأربعين له أن الفقه يدور على خمسة أحاديث هذا أحدها ومن شواهده حديث ملعون من ضار أخاه المسلم أو ماكره أخرجه ابن عبد البر عن الصديق مرفوعا وضعف إسناده وقال لكنه مما يخاف عقوبة ما جاء فيه قال وروى عبد الرزاق عن معمر عن جابر الجعفي عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا لا ضرر ولا ضرار وللرجل أن يغرز خشبة في جدار أخيه وجابر ضعيف اهـ أي فلا يعتبر بزيادته في هذا الحديث وللرجل إلخ فالزيادة إنما تقبل من الثقة إن لم يخالف من هو أوثق منه كما تقرر ثم الإنكار إنما هو ورودها في حديث لا ضرر ولا ضرار إذ هو حديث آخر مستقل عن أبي هريرة وهو التالي ( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري وقال خالد بن مخلد عن مالك عن أبي الزناد بدل الزهري ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز وقال بشر بن عمر وهشام بن يوسف عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة بدل الأعرج وكذا قال معمر رواها الدارقطني في الغرائب وقال المحفوظ عن مالك الأول أي ما في الموطأ وبه جزم ابن عبد البر ثم أشار إلى احتمال إنه عند الزهري عن الجميع ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يمنع) بالرفع خبر بمعنى النهي وفي رواية بالجزم على أن لا ناهية ولأحمد لا يمنعن بزيادة نون التوكيد وهي تؤكد رواية الجزم ( أحدكم جاره) الملاصق له ( خشبة) بالتنوين مفرد وفي رواية بالهاء بصيغة الجمع وقال المزني عن الشافعي عن مالك خشبة بلا تنوين وقال عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن مالك خشبة بالتنوين قال ابن عبد البر والمعنى واحد لأن المراد بالواحدة الجنس قال الحافظ وهذا الذي يتعين للجمع بين الروايتين وإلا فقد يختلف المعنى لأن أمر الخشبة الواحدة أخف في مسامحة الجار بخلاف الخشب الكثير وروى الطحاوي عن جماعة من المشايخ أنهم رووه بالإفراد وأنكره عبد الغني بن سعيد فقال كل الناس يقولونه بالجمع إلا الطحاوي فقال خشبة بالتوحيد ويرد عليه اختلاف الرواية المذكورة إلا إن أراد خاصا من الناس كالذين روى عنهم الطحاوي فله اتجاه اهـ وفي المفهم إنما اعتنى الأئمة بضبط هذا الحرف لأن الواحدة تخف على الجار أن يسمح بها بخلاف الخشب الكثير لما فيه من ضرره ورجح ابن العربي رواية الإفراد لأن الواحدة مرفق وهي التي يحتاج للسؤال عنها وأما الخشب فكثير يوجب استحقاق الحائط على الجار ويشهد له وضع الخشب يعني فلا يندبه الشرع إلى ذلك وفيه نظر ( يغرزها) أي الخشبة أو الخشب وللقعنبي أن يغرز خشبة ( في جداره) أي الأحد المنهي تنزيها فيستحب أن لا يمنع ولا يقضى عليه عند الجمهور ومالك وأبي حنيفة والشافعي في الجديد جمعا بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه رواه الحاكم بإسناد على شرط الصحيحين القرطبي وإذا لم يجبر المالك على إخراج ملكه بعوض فأحرى بغير عوض ابن العربي ويدل على أنه للندب أن مثل هذا التركيب جاء للندب في قوله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها وقال الشافعي في القديم وأحمد وإسحاق وابن حبيب وأصحاب الحديث يجبر إن امتنع لأن الأصح في الأصول أن صيغة لا تفعل للتحريم فالإذن لازم بشرط احتياج الجار وأن لا يضع عليه ما يتضرر به المالك وأن لا يقدم على حاجة المالك ولا فرق بين أن يحتاج في وضع الجذع إلى ثقب الجدار أو لا لأن رأس الجذع يسد المنفتح ويقوي الجدار واشترط بعضهم تقدم استئذان الجار في ذلك لرواية أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك من سأله جاره وكذا لابن حبان من طريق الليث عن مالك ومثله في رواية ابن عيينة وعقيل عند أبي داود وزياد بن سعد عند أبي عوانة الثلاثة عن الزهري وجزم الترمذي وابن عبد البر عن الشافعي بالقول القديم وهو نصه في البويطي قال البيهقي لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا ينكر أن يخصها وقد حمله الراوي على ظاهره وهو أعلم بالمراد بما حدث به يشير إلى قوله ( ثم يقول أبو هريرة) بعد روايته لهذا الحديث محافظة على العمل به وحضا عليه لما رآهم توقفوا عنه ففي الترمذي أنه لما حدثهم بذلك طأطؤا رؤوسهم وفي أبي داود فنكسوا رؤوسهم فقال ( ما لي أراكم عنها) أي عن هذه السنة أو المقالة ( معرضين) إنكارا لما رأى من إعراضهم واستثقالهم ما سمعوا منه وعدم إقبالهم عليها بل طأطؤا رؤوسهم ( والله لأرمين بها) أي لأصرخن بهذه المقالة ( بين أكتافكم) رويناه بالفوقية جمع كتف وبالنون جمع كنف بفتحها وهو الجانب وهذا بين في أنه حمله على الوجوب قاله ابن عبد البر أي لأشيعن هذه المقالة فيكم ولأقرعنكم بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه فيستيقظ من غفلته أو الضمير للخشبة والمعنى إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلن الخشبة بين رقابكم كارهين وأراد بذلك المبالغة قاله الخطابي وبهذا التأويل جزم إمام الحرمين تبعا لغيره وقال إن ذلك وقع من أبي هريرة حين كان يلي إمرة المدينة لكن عند ابن عبد البر من وجه آخر لأرمين بها بين أعينكم وإن كرهتم وهذا يرجح التأويل الأول وقال الطيبي هو كناية عن إلزامهم بالحجة القاطعة على ما ادعاه أي لا أقول الخشبة ترمى على الجدار بل بين أكتافكم لما وصى به صلى الله عليه وسلم من بر الجار والإحسان إليه وحمل أثقاله وهذا من أبي هريرة ظاهر في أنه يرى الوجوب وبه جزم ابن عبد البر وقال القرطبي إنه الظاهر وقول الباجي يحتمل أن مذهبه الندب إذ لو كانت عنده للوجوب لوبخ الحكام على تركه ولحكم بذلك لأنه كان مستخلفا بالمدينة فيه نظر لأنه إنما كان يلي إمرة المدينة نيابة عن مروان في بعض الأحيان فلعله لم يترافع إليه حين توليته ولم يوبخ الحكام لعدم علمه بأنهم لم يحكموا به واستدل المهلب وتبعه عياض بقول أبي هريرة هذا على أن العمل كان في ذلك العصر على خلاف مذهبه لأنه لو كان على الوجوب لما جهل الصحابة تأويله ولا أعرضوا عنه لأنهم لا يعرضون عن واجب فدل على أنهم حملوا الأمر على الاستحباب وتعقبه الحافظ فقال ما أدري من أين له أن المعرضين صحابة وأنهم عدد لا يجهل مثلهم الحكم ولم لا يجوز أن الذين خاطبهم أبو هريرة لم يكونوا فقهاء بل هو المتعين إذ لو كانوا صحابة أو فقهاء ما واجههم بذلك اهـ والحديث رواه البخاري في المظالم وأبو داود في القضاء عن القعنبي ومسلم في البيوع عن يحيى التميمي كلاهما عن مالك به ( مالك عن عمرو بن يحيى المازني) الأنصاري ( عن أبيه) عن يحيى بن عمارة بضم العين وخفة الميم ( أن الضحاك بن خليفة) بن ثعلبة الأنصاري الأشهلي قال أبو حاتم شهد غزوة بني النضير وله فيها ذكر وليست له رواية وقال ابن شاهين سمعت ابن أبي داود يقول هو الذي قال صلى الله عليه وسلم فيه يطلع عليكم رجل من أهل الجنة ذو مسحة من جمال زنته يوم القيامة زنة أحد فطلع الضحاك بن خليفة وكان يتهم بالنفاق ثم تاب وأصلح كما في الإصابة ( ساق خليجا له) قال المجد الخليج النهر وشرم من البحر والجفنة والحبل ( من العريض) بضم العين المهملة وفتح الراء وإسكان التحتية وضاد معجمة واد بالمدينة به أموال لأهلها ( فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة) الأنصاري أكبر من اسمه محمد من الصحابة وكان من الفضلاء مات بعد الأربعين ( فأبى) امتنع ( محمد فقال له الضحاك لم) لأي شيء ( تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك) قال الباجي يحتمل أنه شرط له ذلك وهو على وجه المعارضة لا يجوز لجهل قدر شربه أولا وآخرا ويحتمل أن يريد أن ذلك حكم الماء على ما مر أن الأعلى أولى حتى يروي ( فأبى محمد فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب) أمير المؤمنين ( فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة فأمره أن يخلي سبيله فقال محمد لا) أفعل ذلك ( فقال عمر لم تمنع أخاك) في الإسلام والصحبة ( ما ينفعه وهو لك نافع) لأنك ( تسقي به أولا وآخرا وهو لا يضرك فقال محمد لا) أرضى بهذا ( والله) أكده بالقسم ( فقال عمر والله ليمرن به ولو على بطنك) الباجي فيه اعتبار المقاصد لا الألفاظ إن كانت يمين عمر على معنى الحكم عليه إذ لا خلاف أن عمر لا يستجيز أن يمر به على بطن محمد ويحتمل أن يريد إن خالفت حكمي عليك وحاربت وأدت المحاربة إلى قتلك وإجرائه على بطنك لفعلت ذلك نصرة للحكم بالحق والأول أظهر ( فأمره عمر أن يمر به) أي يجريه في أرض محمد ( ففعل الضحاك) ذلك أي أجراه قال الباجي يحتمل قول عمر وجهين أحدهما أنه على ظاهره ولمالك فيه ثلاثة أقوال أحدها المخالفة له على الإطلاق وهي رواية ابن القاسم لحديث لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه واللبن متجدد ويخلفه غيره والأرض التي يمر فيها بالساقية لا يعتاض منها والثاني الأخذ بقوله مطلقا وهي رواية زياد عنه في النوادر والثالث الموافقة له على وجه وذلك على وجهين أحدهما مخالفة أهل زمن مالك لزمن عمر كما في رواية أشهب عنه كأن يقال تحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون من الفجور وأخذ به من يوثق برأيه فلو كان الشأن معتدلا في زماننا كاعتداله في زمن عمر رأيت أن يقضى له بإجراء مائه في أرضك لأنك تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك ولكن فسد الناس واستحقوا التهمة فأخاف أن يطول وينسى ما كان عليه جري هذا الماء وقد يدعي به جارك دعوى في أرضك والثاني أن محمدا إنما صارت له أرضه بإحيائه لها بعد أن أحيا الضحاك أرضه على ما قال أشهب إن أحييت أرضك بعد إحياء عينه وأرضه قضى عليك بممره في أرضك وإجراء مائه فيها إلى أرضه وإن كانت أرضك قبل عينه وأرضه فليس له ذلك ويحتمل أن عمر لم يقض على محمد بذلك وإنما حلف عليه ليرجع إلى الأفضل ثقة أنه لا يحنثه اهـ ملخصا ( مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي حسن ( أنه) أي يحيى ( قال كان في حائط جده) جد يحيى وهو أبو حسن واسمه تميم بن عبد عمرو الأنصاري الصحابي ( ربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة أي جدول وهو النهر الصغير ( لعبد الرحمن بن عوف) الزهري أحد العشرة ( فأراد عبد الرحمن أن يحوله إلى ناحية) جهة ( من الحائط هي أقرب إلى أرضه) أي أرض عبد الرحمن ليكون أسهل في سقيها من البعيد ( فمنعه صاحب الحائط) أبو الحسن ( فكلم عبد الرحمن بن عوف عمر بن الخطاب فقضى لعبد الرحمن بن عوف بتحويله) لأنه حمل حديث لا يمنع أحدكم جاره على ظاهره وعداه إلى كل ما يحتاج الجار إلى الانتفاع به من دار جاره وأرضه روى ابن القاسم عن مالك ليس العمل على حديث عمر هذا ولم يأخذ به وروى زياد عنه إن لم يضر به قضى عليه وقال الشافعي في كتاب الرد لم يرد مالك عن الصحابة خلاف عمر في ذلك ولم يأخذ به ولا بشيء مما في هذا الباب بل رد ذلك برأيه قال ابن عبد البر وليس كما زعم لأن محمد بن مسلمة والأنصاري صاحب عبد الرحمن كان رأيهما خلاف رأي عمر وعبد الرحمن وإذا اختلف الصحابة رجع إلى النظر وهو يدل على أن دماء المسلمين وأموالهم من بعضهم على بعض حرام إلا بطيب نفس من المال خاصة وحديث أن غلاما استشهد يوم أحد فجعلت أمه تمسح التراب عن وجهه وتقول هنيئا لك الجنة فقال صلى الله عليه وسلم وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه ويمنع ما لا يضره ضعيف ومشهور مذهب مالك أن لا يقضى بشيء مما في هذا الباب لحديث لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه وهو قول أبي حنيفة وروى أصبغ عن ابن القاسم لا يؤخذ بقضاء عمر على محمد في الخليج وأما تحويل الربيع فيؤخذ به لأن مجراه ثابت لابن عوف في الحائط وإنما حوله لناحية أخرى أقرب إليه وأرفق لصاحب الحائط اهـ ومر أن هذا قول الشافعي في القديم ومشهور قوله في الجديد أن لا يقضى بشيء من ذلك.



رقم الحديث 1443 قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ مَعَهُ مَالٌ قِرَاضٌ فَهُوَ يَسْتَنْفِقُ مِنْهُ، وَيَكْتَسِي إِنَّهُ لَا يَهَبُ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا يُعْطِي مِنْهُ سَائِلًا، وَلَا غَيْرَهُ، وَلَا يُكَافِئُ فِيهِ أَحَدًا، فَأَمَّا إِنِ اجْتَمَعَ هُوَ وَقَوْمٌ فَجَاءُوا بِطَعَامٍ، وَجَاءَ هُوَ بِطَعَامٍ، فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَاسِعًا، إِذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ، أَوْ مَا يُشْبِهُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ ذَلِكَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ، فَإِنْ حَلَّلَهُ ذَلِكَ.
فَلَا بَأْسَ بِهِ.
وَإِنْ أَبَى أَنْ يُحَلِّلَهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُكَافِئَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ.
إِنْ كَانَ ذَلِكَ شَيْئًا لَهُ مُكَافَأَةٌ.



( ما لا يجوز من النفقة في القراض)

( قال مالك في رجل معه مال قراض فهو يستنفق) بسين التأكيد ( منه ويكتسي إنه لا يهب منه شيئًا) لأنه لا يتعدّى النفقة إلى التفضل على الناس ( ولا يعطي منه سائلاً) الدراهم أو الثياب وأما الكسوة والقطعة للسائل المتكفف فيجوز ( ولا) يعطي ( غيره) شيئًا ( ولا يكافئ فيه أحدًا) أسدى إليه معروفًا يختص به، فلو كافأ على معروف أسدي إليه في مال القراض على وجه النظر والتجارة جاز، وهذا فعله بغير شرط ومرّ أنه لا يجوز له اشتراط ذلك في عقد القراض فلا يظن أنه هو ( فأما إن اجتمع هو وقوم فجاؤوا بطعام وجاء هو بطعام) على عادة الرفقاء في السفر ( فأرجو أن يكون ذلك واسعًا) أي جائزًا وإن كان بعضه أكثر من بعض ( إذا لم يتعمد أن يتفضل عليهم فإن تعمد ذلك) بأن أتى بأمر مستنكر ( أو ما يشبهه بغير إذن صاحب المال فعليه) أي يجب ( أن يتحلل ذلك من صاحب المال فإن حلله ذلك فلا بأس به وإن أبى أن يحلله) يسامحه ( فعليه أن يكافئه بمثل ذلك إن كان ذلك شيئًا له مكافأة) وهو ما قصد به التفضل لا إن قل كالعادة.



رقم الحديث 1443 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ فِي حَائِطِ جَدِّهِ رَبِيعٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَأَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنْ يُحَوِّلَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْحَائِطِ هِيَ أَقْرَبُ إِلَى أَرْضِهِ، فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ فَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ فَقَضَى لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بِتَحْوِيلِهِ.


( مالك عن عمرو) بفتح العين ( ابن يحيى المازني) بكسر الزاي من بني مازن بن النجار الأنصاري الثقة المتوفى بعد الثلاثين ومائة ( عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي حسن واسمه تميم بن عبد عمرو الأنصاري المدني التابعي الثقة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ضرر) خبر بمعنى النهي أي لا يضر الإنسان أخاه فينقصه شيئا من حقه ( ولا ضرار) بكسر أوله فعال أي لا يجازي من ضره بإدخال الضرر عليه بل يعفو فالضرر فعل واحد والضرار فعل اثنين فالأول إلحاق مفسدة بالغير مطلقا والثاني إلحاقها به على وجه المقابلة أي كل منهما يقصد ضرر صاحبه بغير جهة الاعتداء بالمثل قال ابن عبد البر قيل هما بمعنى واحد للتأكيد وقيل هما بمعنى القتل والقتال أي لا يضره ابتداء ولا يضاره إن ضره وليصبر فهي مفاعلة وإن انتصر فلا يعتدي كما قال صلى الله عليه وسلم ولا تخن من خانك يريد بأكثر من انتصافك منه { { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } } وقال ابن حبيب الضرر عند أهل العربية الاسم والضرار الفعل أي لا تدخل على أحد ضرارا بحال وقال الخشني الضرر الذي لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة والضرار ما ليس لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة وهذا وجه حسن في الحديث وهو لفظ عام ينصرف في أكثر الأمور والفقهاء ينزعون به في أشياء مختلفة وقال الباجي اختار ابن حبيب أنهما لفظان بمعنى واحد للتأكيد ويحتمل أن يريد لا ضرر على أحد أي لا يلزمه الصبر عليه ولا يجوز له إضراره بغيره وليس استيفاء الحقوق في القصاص وغيره من هذا الباب لأن ذلك استيفاء لحق أو ردع عن استدامة ظلم فما أحدثه الرجل بعرصته مما يضر بجيرانه من بناء حمام أو فرن لخبز أو سبك ذهب أو فضة أو عمل حديد أو رحى فلهم منعه قاله مالك في المجموعة اهـ وفيه إشارة إلى أن في الحديث حذفا أي لا لحوق أو إلحاق أو لا فعل ضرر أو ضرار بأحد أي لا يجوز شرعا إلا لموجب خاص فقيد النفي بالشرعي لأنه بحكم القدر لا ينتفى وخص منه ما ورد لحوقه بأهله كحد وعقوبة جان وذبح مأكول فإنها ضرر ولا حق بأهله وهي مشروعة إجماعا وفيه تحريم جميع أنواع الضرر إلا بدليل لأن النكرة في سياق النفي تعم ثم لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث كما في التمهيد ورواه الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري موصولا بزيادة ومن ضار أضر الله به ومن شاق شاق الله عليه أخرجه الدارقطني والبيهقي وابن عبد البر والحاكم ورواه أحمد برجال ثقات وابن ماجه من حديث ابن عباس وعبادة بن الصامت وأخرجه ابن أبي شيبة وغيره من وجه آخر أقوى منه وقال النووي حديث حسن وله طرق يقوي بعضها بعضا وقال العلائي له شواهد وطرق يرتقي بمجموعها إلى درجة الصحة وذكر أبو الفتوح الطائي في الأربعين له أن الفقه يدور على خمسة أحاديث هذا أحدها ومن شواهده حديث ملعون من ضار أخاه المسلم أو ماكره أخرجه ابن عبد البر عن الصديق مرفوعا وضعف إسناده وقال لكنه مما يخاف عقوبة ما جاء فيه قال وروى عبد الرزاق عن معمر عن جابر الجعفي عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا لا ضرر ولا ضرار وللرجل أن يغرز خشبة في جدار أخيه وجابر ضعيف اهـ أي فلا يعتبر بزيادته في هذا الحديث وللرجل إلخ فالزيادة إنما تقبل من الثقة إن لم يخالف من هو أوثق منه كما تقرر ثم الإنكار إنما هو ورودها في حديث لا ضرر ولا ضرار إذ هو حديث آخر مستقل عن أبي هريرة وهو التالي ( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري وقال خالد بن مخلد عن مالك عن أبي الزناد بدل الزهري ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز وقال بشر بن عمر وهشام بن يوسف عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة بدل الأعرج وكذا قال معمر رواها الدارقطني في الغرائب وقال المحفوظ عن مالك الأول أي ما في الموطأ وبه جزم ابن عبد البر ثم أشار إلى احتمال إنه عند الزهري عن الجميع ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يمنع) بالرفع خبر بمعنى النهي وفي رواية بالجزم على أن لا ناهية ولأحمد لا يمنعن بزيادة نون التوكيد وهي تؤكد رواية الجزم ( أحدكم جاره) الملاصق له ( خشبة) بالتنوين مفرد وفي رواية بالهاء بصيغة الجمع وقال المزني عن الشافعي عن مالك خشبة بلا تنوين وقال عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن مالك خشبة بالتنوين قال ابن عبد البر والمعنى واحد لأن المراد بالواحدة الجنس قال الحافظ وهذا الذي يتعين للجمع بين الروايتين وإلا فقد يختلف المعنى لأن أمر الخشبة الواحدة أخف في مسامحة الجار بخلاف الخشب الكثير وروى الطحاوي عن جماعة من المشايخ أنهم رووه بالإفراد وأنكره عبد الغني بن سعيد فقال كل الناس يقولونه بالجمع إلا الطحاوي فقال خشبة بالتوحيد ويرد عليه اختلاف الرواية المذكورة إلا إن أراد خاصا من الناس كالذين روى عنهم الطحاوي فله اتجاه اهـ وفي المفهم إنما اعتنى الأئمة بضبط هذا الحرف لأن الواحدة تخف على الجار أن يسمح بها بخلاف الخشب الكثير لما فيه من ضرره ورجح ابن العربي رواية الإفراد لأن الواحدة مرفق وهي التي يحتاج للسؤال عنها وأما الخشب فكثير يوجب استحقاق الحائط على الجار ويشهد له وضع الخشب يعني فلا يندبه الشرع إلى ذلك وفيه نظر ( يغرزها) أي الخشبة أو الخشب وللقعنبي أن يغرز خشبة ( في جداره) أي الأحد المنهي تنزيها فيستحب أن لا يمنع ولا يقضى عليه عند الجمهور ومالك وأبي حنيفة والشافعي في الجديد جمعا بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه رواه الحاكم بإسناد على شرط الصحيحين القرطبي وإذا لم يجبر المالك على إخراج ملكه بعوض فأحرى بغير عوض ابن العربي ويدل على أنه للندب أن مثل هذا التركيب جاء للندب في قوله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها وقال الشافعي في القديم وأحمد وإسحاق وابن حبيب وأصحاب الحديث يجبر إن امتنع لأن الأصح في الأصول أن صيغة لا تفعل للتحريم فالإذن لازم بشرط احتياج الجار وأن لا يضع عليه ما يتضرر به المالك وأن لا يقدم على حاجة المالك ولا فرق بين أن يحتاج في وضع الجذع إلى ثقب الجدار أو لا لأن رأس الجذع يسد المنفتح ويقوي الجدار واشترط بعضهم تقدم استئذان الجار في ذلك لرواية أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك من سأله جاره وكذا لابن حبان من طريق الليث عن مالك ومثله في رواية ابن عيينة وعقيل عند أبي داود وزياد بن سعد عند أبي عوانة الثلاثة عن الزهري وجزم الترمذي وابن عبد البر عن الشافعي بالقول القديم وهو نصه في البويطي قال البيهقي لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا ينكر أن يخصها وقد حمله الراوي على ظاهره وهو أعلم بالمراد بما حدث به يشير إلى قوله ( ثم يقول أبو هريرة) بعد روايته لهذا الحديث محافظة على العمل به وحضا عليه لما رآهم توقفوا عنه ففي الترمذي أنه لما حدثهم بذلك طأطؤا رؤوسهم وفي أبي داود فنكسوا رؤوسهم فقال ( ما لي أراكم عنها) أي عن هذه السنة أو المقالة ( معرضين) إنكارا لما رأى من إعراضهم واستثقالهم ما سمعوا منه وعدم إقبالهم عليها بل طأطؤا رؤوسهم ( والله لأرمين بها) أي لأصرخن بهذه المقالة ( بين أكتافكم) رويناه بالفوقية جمع كتف وبالنون جمع كنف بفتحها وهو الجانب وهذا بين في أنه حمله على الوجوب قاله ابن عبد البر أي لأشيعن هذه المقالة فيكم ولأقرعنكم بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه فيستيقظ من غفلته أو الضمير للخشبة والمعنى إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلن الخشبة بين رقابكم كارهين وأراد بذلك المبالغة قاله الخطابي وبهذا التأويل جزم إمام الحرمين تبعا لغيره وقال إن ذلك وقع من أبي هريرة حين كان يلي إمرة المدينة لكن عند ابن عبد البر من وجه آخر لأرمين بها بين أعينكم وإن كرهتم وهذا يرجح التأويل الأول وقال الطيبي هو كناية عن إلزامهم بالحجة القاطعة على ما ادعاه أي لا أقول الخشبة ترمى على الجدار بل بين أكتافكم لما وصى به صلى الله عليه وسلم من بر الجار والإحسان إليه وحمل أثقاله وهذا من أبي هريرة ظاهر في أنه يرى الوجوب وبه جزم ابن عبد البر وقال القرطبي إنه الظاهر وقول الباجي يحتمل أن مذهبه الندب إذ لو كانت عنده للوجوب لوبخ الحكام على تركه ولحكم بذلك لأنه كان مستخلفا بالمدينة فيه نظر لأنه إنما كان يلي إمرة المدينة نيابة عن مروان في بعض الأحيان فلعله لم يترافع إليه حين توليته ولم يوبخ الحكام لعدم علمه بأنهم لم يحكموا به واستدل المهلب وتبعه عياض بقول أبي هريرة هذا على أن العمل كان في ذلك العصر على خلاف مذهبه لأنه لو كان على الوجوب لما جهل الصحابة تأويله ولا أعرضوا عنه لأنهم لا يعرضون عن واجب فدل على أنهم حملوا الأمر على الاستحباب وتعقبه الحافظ فقال ما أدري من أين له أن المعرضين صحابة وأنهم عدد لا يجهل مثلهم الحكم ولم لا يجوز أن الذين خاطبهم أبو هريرة لم يكونوا فقهاء بل هو المتعين إذ لو كانوا صحابة أو فقهاء ما واجههم بذلك اهـ والحديث رواه البخاري في المظالم وأبو داود في القضاء عن القعنبي ومسلم في البيوع عن يحيى التميمي كلاهما عن مالك به ( مالك عن عمرو بن يحيى المازني) الأنصاري ( عن أبيه) عن يحيى بن عمارة بضم العين وخفة الميم ( أن الضحاك بن خليفة) بن ثعلبة الأنصاري الأشهلي قال أبو حاتم شهد غزوة بني النضير وله فيها ذكر وليست له رواية وقال ابن شاهين سمعت ابن أبي داود يقول هو الذي قال صلى الله عليه وسلم فيه يطلع عليكم رجل من أهل الجنة ذو مسحة من جمال زنته يوم القيامة زنة أحد فطلع الضحاك بن خليفة وكان يتهم بالنفاق ثم تاب وأصلح كما في الإصابة ( ساق خليجا له) قال المجد الخليج النهر وشرم من البحر والجفنة والحبل ( من العريض) بضم العين المهملة وفتح الراء وإسكان التحتية وضاد معجمة واد بالمدينة به أموال لأهلها ( فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة) الأنصاري أكبر من اسمه محمد من الصحابة وكان من الفضلاء مات بعد الأربعين ( فأبى) امتنع ( محمد فقال له الضحاك لم) لأي شيء ( تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك) قال الباجي يحتمل أنه شرط له ذلك وهو على وجه المعارضة لا يجوز لجهل قدر شربه أولا وآخرا ويحتمل أن يريد أن ذلك حكم الماء على ما مر أن الأعلى أولى حتى يروي ( فأبى محمد فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب) أمير المؤمنين ( فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة فأمره أن يخلي سبيله فقال محمد لا) أفعل ذلك ( فقال عمر لم تمنع أخاك) في الإسلام والصحبة ( ما ينفعه وهو لك نافع) لأنك ( تسقي به أولا وآخرا وهو لا يضرك فقال محمد لا) أرضى بهذا ( والله) أكده بالقسم ( فقال عمر والله ليمرن به ولو على بطنك) الباجي فيه اعتبار المقاصد لا الألفاظ إن كانت يمين عمر على معنى الحكم عليه إذ لا خلاف أن عمر لا يستجيز أن يمر به على بطن محمد ويحتمل أن يريد إن خالفت حكمي عليك وحاربت وأدت المحاربة إلى قتلك وإجرائه على بطنك لفعلت ذلك نصرة للحكم بالحق والأول أظهر ( فأمره عمر أن يمر به) أي يجريه في أرض محمد ( ففعل الضحاك) ذلك أي أجراه قال الباجي يحتمل قول عمر وجهين أحدهما أنه على ظاهره ولمالك فيه ثلاثة أقوال أحدها المخالفة له على الإطلاق وهي رواية ابن القاسم لحديث لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه واللبن متجدد ويخلفه غيره والأرض التي يمر فيها بالساقية لا يعتاض منها والثاني الأخذ بقوله مطلقا وهي رواية زياد عنه في النوادر والثالث الموافقة له على وجه وذلك على وجهين أحدهما مخالفة أهل زمن مالك لزمن عمر كما في رواية أشهب عنه كأن يقال تحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون من الفجور وأخذ به من يوثق برأيه فلو كان الشأن معتدلا في زماننا كاعتداله في زمن عمر رأيت أن يقضى له بإجراء مائه في أرضك لأنك تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك ولكن فسد الناس واستحقوا التهمة فأخاف أن يطول وينسى ما كان عليه جري هذا الماء وقد يدعي به جارك دعوى في أرضك والثاني أن محمدا إنما صارت له أرضه بإحيائه لها بعد أن أحيا الضحاك أرضه على ما قال أشهب إن أحييت أرضك بعد إحياء عينه وأرضه قضى عليك بممره في أرضك وإجراء مائه فيها إلى أرضه وإن كانت أرضك قبل عينه وأرضه فليس له ذلك ويحتمل أن عمر لم يقض على محمد بذلك وإنما حلف عليه ليرجع إلى الأفضل ثقة أنه لا يحنثه اهـ ملخصا ( مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي حسن ( أنه) أي يحيى ( قال كان في حائط جده) جد يحيى وهو أبو حسن واسمه تميم بن عبد عمرو الأنصاري الصحابي ( ربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة أي جدول وهو النهر الصغير ( لعبد الرحمن بن عوف) الزهري أحد العشرة ( فأراد عبد الرحمن أن يحوله إلى ناحية) جهة ( من الحائط هي أقرب إلى أرضه) أي أرض عبد الرحمن ليكون أسهل في سقيها من البعيد ( فمنعه صاحب الحائط) أبو الحسن ( فكلم عبد الرحمن بن عوف عمر بن الخطاب فقضى لعبد الرحمن بن عوف بتحويله) لأنه حمل حديث لا يمنع أحدكم جاره على ظاهره وعداه إلى كل ما يحتاج الجار إلى الانتفاع به من دار جاره وأرضه روى ابن القاسم عن مالك ليس العمل على حديث عمر هذا ولم يأخذ به وروى زياد عنه إن لم يضر به قضى عليه وقال الشافعي في كتاب الرد لم يرد مالك عن الصحابة خلاف عمر في ذلك ولم يأخذ به ولا بشيء مما في هذا الباب بل رد ذلك برأيه قال ابن عبد البر وليس كما زعم لأن محمد بن مسلمة والأنصاري صاحب عبد الرحمن كان رأيهما خلاف رأي عمر وعبد الرحمن وإذا اختلف الصحابة رجع إلى النظر وهو يدل على أن دماء المسلمين وأموالهم من بعضهم على بعض حرام إلا بطيب نفس من المال خاصة وحديث أن غلاما استشهد يوم أحد فجعلت أمه تمسح التراب عن وجهه وتقول هنيئا لك الجنة فقال صلى الله عليه وسلم وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه ويمنع ما لا يضره ضعيف ومشهور مذهب مالك أن لا يقضى بشيء مما في هذا الباب لحديث لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه وهو قول أبي حنيفة وروى أصبغ عن ابن القاسم لا يؤخذ بقضاء عمر على محمد في الخليج وأما تحويل الربيع فيؤخذ به لأن مجراه ثابت لابن عوف في الحائط وإنما حوله لناحية أخرى أقرب إليه وأرفق لصاحب الحائط اهـ ومر أن هذا قول الشافعي في القديم ومشهور قوله في الجديد أن لا يقضى بشيء من ذلك.