فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ جِزْيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ

رقم الحديث 623 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ فَارِسَ، وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَخَذَهَا مِنَ الْبَرْبَرِ.


( مالك عن ابن شهاب قال بلغني) أخرجه الدارقطني وابن عبد البر من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد قال ابن عبد البر وقد ولد السائب في عهده صلى الله عليه وسلم وحفظ عنه وحج معه وتوفي عليه السلام وهو ابن سبع سنين وأشهر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس البحرين) بلفظ التثنية موضع بين البصرة وعمان وهو من بلاد نجد ويعرب إعراب المثنى ويجوز جعل النون محل الإعراب مع لزوم الياء مطلقًا وهي لغة مشهورة واقتصر عليها الأزهري لأنه صار علمًا مفردًا لدلالة فأشبه المفردات والنسبة إليها بحراني ( وأن عمر بن الخطاب أخذها من مجوس فارس) لقب قبيلة ليس بأب ولا أم وإنما هم أخلاط من تغلب اصطلحوا على هذا الاسم كما في القاموس ( وأن عثمان بن عثمان أخذها من البربر) بموحدتين وراءين وزان جعفر قوم من أهل المغرب كالأعراب في القسوة والغلظة والجمع البرابرة وهو معرب


رقم الحديث 624 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ.


( مالك عن جعفر بن محمد بن علي) بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عن أبيه) محمد الباقر ( أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس) قال ابن عبد البر هذا منقطع لأن محمدًا لم يلق عمر ولا عبد الرحمن إلا أن معناه متصل من وجوه حسان وقال الحافظ هذا منقطع مع ثقة رجاله ورواه ابن المنذر والدارقطني من طريق أبي علي الحنفي عن مالك فزاد فيه عن جده وهو منقطع أيضًا لأن جده علي بن الحسين لم يلق عبد الرحمن ولا عمر فإن عاد ضمير جده على محمد بن علي كان متصلاً لأن جده الحسين سمع من عمر ومن عبد الرحمن وله شاهد من حديث مسلم بن العلاء الحضرمي عند الطبراني بلفظ سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب ( فقال ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال عبد الرحمن بن عوف أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب) في الجزية لا في نكاح نسائهم وأكل ذبائحهم فهو عام أريد به الخصوص ولا خلاف في ذلك إلا ما روي عن ابن المسيب أنه لم ير بذبائح المجوس بأسًا والمعنى أن الجزية أخذت من أهل الكتاب إذلالاً لهم وتقوية للمؤمنين فواجب أن يجري هؤلاء مجراهم في الذل والصغار لأنهم ساووهم في الكفر بل هم أشد كفرًا وليس نكاح نسائهم من هذا لأن ذلك تكرمة في الكتابيين لموضع كتابهم ولا خلاف في أخذ الجزية من المجوس لأنه صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس البحرين ومن مجوس هجر وفعله خلفاؤه الأربعة واختلف في مشركي العرب وعبدة الأوثان والنيران فقال مالك والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز تؤخذ منهم وقال الأئمة الثلاثة وغيرهم إنما تؤخذ من أهل الكتاب بالقرآن ومن المجوس بالسنة لا من غيرهم وفي الحديث أن المجوس ليسوا أهل كتاب كظاهر قوله تعالى { { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } } أي اليهود والنصارى وإليه ذهب الجمهور وقال آخرون كانوا أهل كتاب وأولوا سنة أهل الكتاب الذين يعلم كتابهم علم ظهور واستفاضة أما المجوس فعلم كتابهم علم مخصوص والآية أيضًا محتملة للتأويل قاله ابن عبد البر جمعا بينه وبين ما روى الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد حسن عن علي قال كان المجوس أهل كتاب يقرؤونه وعلم يدرسونه فشرب ملكهم الخمر فوقع على أخته فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم وقال إن آدم كان ينكح أولاده بناته فأطاعوه وقتل من خالفه فأسرى على كتابهم وعلى ما في قلوبهم فلم يبق عندهم منه شيء وروى عبد بن حميد بإسناد صحيح لما هزم المسلمون أهل فارس قال عمر اجتمعوا أن المجوس ليسوا أهل كتاب فنضع عليهم الجزية ولا من عبدة الأوثان فيجري عليهم أحكامهم فقال علي بل هم أهل كتاب فذكر نحوه ولكن قال وقع على ابنته وقال في آخره فوضع الأخدود لمن خالفه وفيه قبول خبر الواحد وأن الصحابي الجليل قد يغيب عنه علم ما اطلع عليه غيره من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأحكامه ولا نقص عليه في ذلك وفيه التمسك بالمفهوم لأن عمر فهم من قوله أهل الكتاب اختصاصهم بذلك حتى حدثه عبد الرحمن بإلحاق المجوس بهم فرجع إليه


رقم الحديث 625 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، مَعَ ذَلِكَ أَرْزَاقُ الْمُسْلِمِينَ وَضِيَافَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.


( مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب ضرب الجزية على أهل الذهب) كمصر والشام ( أربعة دنانير) في كل سنة ( وعلى أهل الورق) كالعراق ( أربعين درهمًا) كل سنة وإليه ذهب مالك فلا يزاد عليه ولا ينقص إلا من يضعف عن ذلك فيخفف عنه بقدر ما يراه الإمام وقال الشافعي أقلها دينار ولا حد لأكثرها إلا إذا بذل الأغنياء دينارًا لم يجز قتالهم وقال أبو حنيفة وأحمد أقلها على الفقراء والمعتملين اثنا عشر درهمًا أو دينار وعلى أواسط الناس أربعة وعشرون درهمًا أو ديناران وعلى الأغنياء ثمانية وأربعون درهمًا أو أربعة دنانير ( مع ذلك أرزاق المسلمين) أي رفد أبناء السبيل وعونهم قاله ابن عبد البر وقال الباجي أقوات من عندهم من أجناد المسلمين على قدر ما جرت عادة أهل تلك الجهة من الاقتيات وقد جاء ذلك مفسرًا أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد أن عليهم من أرزاق المسلمين من الحنطة مدان ومن الزيت ثلاثة أقساط كل شهر لكل إنسان من أهل الشام والجزيرة وودك وعسل لا أدري كم هو ومن كان من أهل مصر أردب كل شهر لكل إنسان والكسوة التي يكسوها أمير المؤمنين والناس وعلى أهل العراق خمسة عشر صاعًا لكل إنسان كل شهر وودك لا أدري كم هو ( وضيافة ثلاثة أيام) للمجتازين بهم من المسلمين من خبز وشعير وتبن وإدام ومكان ينزلون به يكنهم من الحر والبرد قاله ابن عبد البر وقال الباجي يلزمهم في مدة الضيافة ما سهل عليهم وجرت عادتهم باقتياته دون تكلف وخروج عن عادة قوتهم وقد شكا أهل الشام إلى عمر لما قدمها أنه إذا نزل بهم أحد من المسلمين كلفهم ذبح الدجاج والغنم فقال عمر أطعموهم مما تأكلون لا تزيدوهم عنه وروى ابن المواز عن مالك يوضع عن أهل الجزية ثلاثة أيام لأنه لم يوف لهم بما عوهدوا عليه وهذا يدل على أنها لازمة لهم مع الوفاء


رقم الحديث 626 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِنَّ فِي الظَّهْرِ نَاقَةً عَمْيَاءَ، فَقَالَ عُمَرُ: ادْفَعْهَا إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَنْتَفِعُونَ بِهَا.
قَالَ فَقُلْتُ: وَهِيَ عَمْيَاءُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَقْطُرُونَهَا بِالْإِبِلِ قَالَ فَقُلْتُ: كَيْفَ تَأْكُلُ مِنَ الْأَرْضِ؟ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَمِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ هِيَ أَمْ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ؟ فَقُلْتُ: بَلْ مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَرَدْتُمْ، وَاللَّهِ، أَكْلَهَا.
فَقُلْتُ: إِنَّ عَلَيْهَا وَسْمَ الْجِزْيَةِ.
فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ فَنُحِرَتْ، وَكَانَ عِنْدَهُ صِحَافٌ تِسْعٌ.
فَلَا تَكُونُ فَاكِهَةٌ وَلَا طُرَيْفَةٌ إِلَّا جَعَلَ مِنْهَا فِي تِلْكَ الصِّحَافِ.
فَبَعَثَ بِهَا إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَيَكُونُ الَّذِي يَبْعَثُ بِهِ إِلَى حَفْصَةَ ابْنَتِهِ، مِنْ آخِرِ ذَلِكَ.
فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ، كَانَ فِي حَظِّ حَفْصَةَ.
قَالَ: فَجَعَلَ فِي تِلْكَ الصِّحَافِ مِنْ لَحْمِ تِلْكَ الْجَزُورِ.
فَبَعَثَ بِهِ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَرَ بِمَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِ تِلْكَ الْجَزُورِ.
فَصُنِعَ فَدَعَا عَلَيْهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ
قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ تُؤْخَذَ النَّعَمُ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ إِلَّا فِي جِزْيَتِهِمْ.


( مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال لعمر بن الخطاب إن في الظهر ناقة عمياء) أي عميت ( فقال عمر) ظانًا أنها من الصدقة ( ادفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها قال) أسلم ( فقلت وهي عمياء فقال عمر يقطرونها بالإبل) فعماها لا يمنع الانتفاع بها ( قال فقلت كيف تأكل من الأرض) لأنها وإن قطرت مع الإبل إلى المرعى لا ترى الأرض ( قال فقال عمر أمن نعم الجزية هي أم من نعم الصدقة فقلت بل من نعم الجزية فقال عمر أردتم والله أكلها) لأن الجزية يأكلها الغني والفقير والصدقة للمساكين وقال ذلك إشفاقًا فاستظهر عليه أسلم بالوسم ( فقلت إن عليها وسم الجزية فأمر بها عمر فنحرت وكان عنده صحاف) بكسر ففتح جمع صحفة بفتح فسكون إناء كالقصعة وقال الزمخشري قصعة مستطيلة ( تسع فلا تكون فاكهة ولا طريفة) بطاء مهملة تصغير طرفة بزنة غرفة ما يستطرف أي يستملح ( إلا جعل منها في تلك الصحاف فبعث بها إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) حفظًا له في أهله بعده ( ويكون الذي يبعث به إلى حفصة ابنته من آخر ذلك فإن كان فيه نقصان كان في حظ حفصة) نصيبها طلبًا لمرضاة غيرها وعلمًا بأنها ترضى ذلك من فعله ولا تأنف من إيثاره عليها لأنه أبوها يجوز له التبسط عليها وتتيقن محبته لها ( قال فجعل في تلك الصحاف من لحم تلك الجزور فبعث به إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) بلا طبخ ليصنعن فيه ما أحببن ( وأمر بما بقي من لحم تلك الجزور فصنع) طبخ ( فدعا عليه المهاجرين والأنصار) فيه دلالة أن عمر كان يطعمهم أمثالها استئلافًا وإيناسًا وهي سنة للإمام أن يجمع وجوه أصحابه للأكل عنده وفيه أنه كانت عنده فواكه وطرف من الجزية وخراج الأرض والوجوه المباحة للأغنياء قاله الباجي وقال أبو عمر كان عمر يفضل أمهات المؤمنين لموقعهن منه صلى الله عليه وسلم ويفضل أهل السابقة وذلك معروف من مذهبه وتلاه عثمان على ذلك وكان أبو بكر وعلي يسويان في قسم الفيء ويقول أبو بكر ثوابهم على الله الجنة وأما الدنيا فهم فيها سواء في الحاجة إلى المعيشة ( قال مالك لا أرى أن تؤخذ النعم من أهل الجزية إلا في جزيتهم) أي أهل النعم فيؤخذ منهم ما راضاهم عليه الإمام


رقم الحديث 627 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ: أَنْ يَضَعُوا الْجِزْيَةَ عَمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ حِينَ يُسْلِمُونَ قَالَ مَالِكٌ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَى نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَا عَلَى صِبْيَانِهِمْ.
وَأَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُؤْخَذُ إِلَّا مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ قَدْ بَلَغُوا الْحُلُمَ.
وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَا عَلَى الْمَجُوسِ فِي نَخِيلِهِمْ، وَلَا كُرُومِهِمْ، وَلَا زُرُوعِهِمْ، وَلَا مَوَاشِيهِمْ صَدَقَةٌ.
لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا وُضِعَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَطْهِيرًا لَهُمْ وَرَدًّا عَلَى فُقَرَائِهِمْ.
وَوُضِعَتِ الْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ صَغَارًا لَهُمْ فَهُمْ مَا كَانُوا بِبَلَدِهِمِ الَّذِينَ صَالَحُوا عَلَيْهِ، لَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ سِوَى الْجِزْيَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ.
إِلَّا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.
وَيَخْتَلِفُوا فِيهَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْعُشْرُ فِيمَا يُدِيرُونَ مِنَ التِّجَارَاتِ.
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا وُضِعَتْ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةُ، وَصَالَحُوا عَلَيْهَا عَلَى أَنْ يُقَرُّوا بِبِلَادِهِمْ، وَيُقَاتَلُ عَنْهُمْ عَدُوُّهُمْ، فَمَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ مِنْ بِلَادِهِ إِلَى غَيْرِهَا يَتْجُرُ إِلَيْهَا، فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ.
مَنْ تَجَرَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ إِلَى الشَّامِ، وَمِنْ أَهْلِ الشَّامِ إِلَى الْعِرَاقِ، وَمِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ إِلَى الْمَدِينَةِ، أَوِ الْيَمَنِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنَ الْبِلَادِ، فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ.
وَلَا صَدَقَةَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمَجُوسِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلَا مِنْ مَوَاشِيهِمْ وَلَا ثِمَارِهِمْ وَلَا زُرُوعِهِمْ، مَضَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ، وَيُقَرُّونَ عَلَى دِينِهِمْ.
وَيَكُونُونَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ.
وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِرَارًا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، فَعَلَيْهِمْ كُلَّمَا اخْتَلَفُوا الْعُشْرُ.
لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا صَالَحُوا عَلَيْهِ، وَلَا مِمَّا شُرِطَ لَهُمْ.
وَهَذَا الَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا.


( مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله أن يضعوا الجزية عمن أسلم من أهل الجزية حين يسلمون) قال الباجي يحتمل وضعها عنهم في المستقبل ويحتمل أن يريد وضع ما بقي عليهم وهذا أظهر ولا يخفى على عاقل أن من أسلم ليس عليه جزية مستقبلة وبه قال مالك وأبو حنيفة وقال الشافعي لا يسقط الباقي من الجزية ويؤديها في حال إسلامه ودليل الأول قوله تعالى { { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } } ابن عبد البر وقال أحمد بقول مالك وهو الصحيح ( قال مالك مضت السنة أن لا جزية على نساء أهل الكتاب ولا على صبيانهم) لقوله تعالى { { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } } إلى قوله { { حتى يعطوا الجزية } } والنساء والصبيان لا يقاتلون ( وأن الجزية لا تؤخذ إلا من الرجال الذين قد بلغوا الحلم) بشرط الجزية فلا تؤخذ من عبيدهم ( وليس على أهل الذمة ولا على المجوس) ولا غيرهم من باقي الكفار ( في نخيلهم ولا كرومهم ولا زروعهم ولا مواشيهم صدقة لأن الصدقة إنما وضعت على المسلمين تطهيرًا لهم) من البخل وللمال من الخبث قال تعالى { { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } } وقال صلى الله عليه وسلم إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم رواه أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس ( وردا على فقرائهم) لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن أخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم رواه البخاري وغيره ( ووضعت الجزية على أهل الكتاب صغارًا) إذلالاً ( لهم) كما قال تعالى { { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } }( فهم ما كانوا ببلدهم الذين صالحوا عليه ليس عليهم شيء سوى الجزية في شيء من أموالهم) قال أبو عمر هذا إجماع إلا أن من العلماء من رأى تضعيف الصدقة على بني تغلب دون جزية قاله الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد قالوا يؤخذ منهم مثلاً ما يؤخذ من المسلم ففي الركاز خمسان وما فيه العشر عشران وما فيه ربع العشر نصف العشر وكذلك من نسائهم بخلاف الجزية ولا شيء عن مالك في بني تغلب وهم عند أصحابه وغيرهم من النصارى سواء وقد عم الله تعالى أهل الكتاب في أخذ الجزية فلا معنى لإخراج بني تغلب منهم ( إلا أن يتجروا في بلاد المسلمين ويختلفوا فيها فيؤخذ منهم العشر فيما يديرون من التجارات) وأصله فعل عمر بحضرة الصحابة وسكتوا عليه فكان إجماعًا ( وذلك أنهم إنما وضعت عليهم الجزية وصالحوا عليها على أن يقروا ببلادهم ويقاتل عنهم عدوهم) لأنهم بها أحرزوا أموالهم ودماءهم وأهليهم فلا يمنعوا من التقلب في بلادهم في التجارات والمكاسب ولا عشر عليهم ولا غيره ما داموا فيها ( فمن خرج منهم من بلاده إلى غيرها يتجر إليها فعليه العشر) وأشار إلى أن المراعي في ذلك الآفاق بقوله ( من تجر منهم من أهل مصر إلى الشام) أو عكسه ( ومن أهل الشام إلى العراق ومن أهل العراق إلى المدينة أو اليمن أو ما أشبه هذا من البلاد فعليه العشر) إذا أخرج ماله ببيع أو شراء أو صرف ومن تجر منهم من أهل مصر فيها ومن أهل الشام فيها فلا شيء عليه قاله الباجي ( ولا صدقة على أهل الكتاب) اليهود والنصارى ( ولا المجوس في شيء من أموالهم ولا من مواشيهم ولا ثمارهم ولا زروعهم) إعادة لقوله ( مضت بذلك السنة) فلا تكرار فيه لأنه ذكره أولا بتعليله ثم أخبر أن أصله السنة بيانًا لدليله ( ويقرون على دينهم ويكونون على ما كانوا عليه) بالشروط المعلومة في الفروع ( وإن اختلفوا في العام الواحد مرارًا في بلاد المسلمين فعليهم كلما اختلفوا العشر لأن ذلك ليس مما صالحوا عليه ولا مما شرط لهم وهذا الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا) وقاله جماعة وقال الشافعي وأبو حنيفة لا يؤخذ منهم في العام الواحد إلا مرة واحدة.


رقم الحديث 627 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ: عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ يَأْخُذُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنَ النَّبَطِ الْعُشْرَ؟ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ عُمَرُ.


( عشور أهل الذمة)

( مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان يأخذ من النبط) بنون فموحدة مفتوحتين ( من الحنطة والزيت) وفي نسخة والزبيب بدل الزيت وصوبت ( نصف العشر يريد بذلك أن يكثر الحمل) أي المحمول منهما ( إلى المدينة ويأخذ من القطنية العشر) على الأصل فيما تجروا فيه وبهذا قال مالك في رواية ابن عبد الحكم وغيره اتباعًا لعمر وتقدم في الباب قبله أنه يؤخذ منهم العشر ولم يستثن حنطة ولا زيتا بالمدينة ولا بمكة ( مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه قال كنت غلامًا) أي شابًا كذا رواه يحيى ورواه مصعب ومطرف ( عاملاً) قاله الباجي ( مع عبد الله بن عتبة بن مسعود) الهذلي ابن أخي عبد الله بن مسعود ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ووثقه العجلي وجماعة ومات بعد السبعين ( على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب فكنا نأخذ من النبط العشر) ظاهره حتى في الحنطة والزيت ويكون ذلك فعله عمر مرة في زمن الغلاء ويحتمل أن يخص بما عداهما بدليل ما قبله ( مالك أنه سأل ابن شهاب على أي وجه كان يأخذ عمر بن الخطاب من النبط العشر فقال ابن شهاب كان ذلك يؤخذ منهم في الجاهلية) وهي ما قبل البعثة وقيل ما قبل فتح مكة ( فألزمهم ذلك عمر) باجتهاد بمحضر الصحابة ولم ينكره أحد فكان إجماعًا سكوتيًا.