فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنَ الْأَيْمَانِ

رقم الحديث 1029 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَفْعَلِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ قَالَ يَحْيَى: وسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: مَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ، وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا.
إِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا التَّوْكِيدُ فَهُوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مِرَارًا، يُرَدِّدُ فِيهِ الْأَيْمَانَ يَمِينًا بَعْدَ يَمِينٍ.
كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا أَنْقُصُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا، يَحْلِفُ بِذَلِكَ مِرَارًا.
ثَلَاثًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ فَكَفَّارَةُ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
مِثْلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.
فَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ مَثَلًا فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الطَّعَامَ.
وَلَا أَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ.
وَلَا أَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ.
فَكَانَ هَذَا فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ.
فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ الطَّلَاقُ، إِنْ كَسَوْتُكِ هَذَا الثَّوْبَ، وَأَذِنْتُ لَكِ إِلَى الْمَسْجِدِ يَكُونُ ذَلِكَ نَسَقًا مُتَتَابِعًا، فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ.
فَإِنْ حَنِثَ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ.
وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلَ، بَعْدَ ذَلِكَ، حِنْثٌ.
إِنَّمَا الْحِنْثُ فِي ذَلِكَ حِنْثٌ وَاحِدٌ قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي نَذْرِ الْمَرْأَةِ، إِنَّهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا، يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَيَثْبُتُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي جَسَدِهَا.
وَكَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِزَوْجِهَا.
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِزَوْجِهَا، فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ.
وَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهَا حَتَّى تَقْضِيَهُ.


( ما تجب فيه الكفارة من الأيمان)

( مالك عن سهيل) بضم السين ( بن أبي صالح) ذكوان قال ابن عبد البر: لم تختلف الرواة عن مالك في هذا الحديث ولا اختلف فيه على سهيل أيضًا ( عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف بيمين فرأى) غيرها كما في رواية فهو مفعول رأى الأول والثاني قوله ( خيرًا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير) يعني من حلف يمينًا حقًا ثم بدا له أمر فعله أفضل من إبرار يمينه فليفعله وليكفر وظاهر الحديث إجزاء التكفير قبل الحنث وعليه مالك والشافعي وأصحابهما وهو الثابت في حديث عبد الرحمن بن سمرة وأبي هريرة ومنع ذلك أبو حنيفة وأصحابه لأن الكفارة إنما تجب بالحنث والعجب أنهم لا تجب الزكاة عندهم إلا بتمام الحول وأجازوا تقديمها قبله من غير أن يرووا في ذلك مثل هذه الآثار وأبوا من تقديم الكفارة قبل الحنث مع كثرة الرواية بذلك والحجة في السنة ومن خالفها محجوج بها قاله ابن عبد البر وهذا الحديث رواه مسلم من طريق ابن وهب والترمذي عن قتيبة كليهما عن مالك به وتابعه سليمان بن بلال وعبد العزيز بن المطلب كلاهما عن سهيل في مسلم أيضًا.

( قال يحيى وسمعت مالكًا يقول: من قال علي نذر ولم يسم شيئًا أن عليه كفارة يمين) بالله لقوله صلى الله عليه وسلم: كفارة النذر إذا لم يسم كفارة اليمين.
رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن عقبة بن عامر، ورواه مسلم عنه بدون قوله إذا لم يسم فحمله الإمام وغيره على النذر المطلق لأنه الذي لم يسم.
أما المقيد فهو المعين فلا بد من الوفاء به، وأما حمل بعضهم له على نذر اللجاج والغضب فإنما يستقيم على رواية سقوط إذا لم يسم لكن المخرج متحد والحديث واحد وزيادة الثقة مقبولة ( فأما التوكيد فهو حلف الإنسان في الشيء الواحد) زاد ابن وضاح مرارًا ( يردد فيه الأيمان يمينًا بعد يمين كقوله والله لا أنقصه) بإسكان النون وضم القاف والصاد ( من كذا وكذا يحلف بذلك مرارًا ثلاثًا أو أكثر من ذلك فكفارة ذلك كفارة واحدة مثل كفارة اليمين) زيادة في الإيضاح ( فإن حلف رجل مثلاً فقال والله لا آكل هذا الطعام ولا ألبس هذا الثوب ولا أدخل هذا البيت فكان هذا في يمين واحدة) صفة يمين لأنها مؤنثة ( فإنما عليه كفارة واحدة) إذا حنث ( وإنما ذلك كقول الرجل لامرأته أنت الطلاق إن كسوتك هذا الثوب وأذنت لك إلى المسجد يكون ذلك نسقًا متتابعًا في كلام واحد) بيان لنسقًا ( فإن حنث في شيء واحد من ذلك فقد وجب عليه الطلاق، وليس عليه فيما فعل بعد ذلك حنث) لأن حنث اليمين يسقطها ( إنما الحنث في ذلك حنث واحد) لا يتعدد.

( قال مالك الأمر عندنا في نذر المرأة أنه جائز عليها بغير إذن زوجها يجب عليها ذلك ويثبت) يستمر وجوبه عليها ( إذا كان ذلك في جسدها وكان ذلك لا يضر بزوجها) فلا يحل له منعها منه ( وإن كان ذلك يضر بزوجها فله منعها منه وكان ذلك عليها حتى تقضيه) بأن يأذن لها فيه أو تتأيم منه، فإن كان في مالها فلزوجها منعها ما زاد على الثلث.