فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ تِبْرًا وَعَيْنًا

رقم الحديث 1325 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّعْدَيْنِ أَنْ يَبِيعَا آنِيَةً مِنَ الْمَغَانِمِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَبَاعَا كُلَّ ثَلَاثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ عَيْنًا أَوْ كُلَّ أَرْبَعَةٍ بِثَلَاثَةٍ عَيْنًا، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا.


( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال) مرسلاً ورواه ابن وهب عن الليث بن سعد وعمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أنه حدثهما أن عبد الله بن أبي سلمة حدثه أنه بلغه أن رسول الله فذكره قيل إن شيخه عبد الله هو الهذلي يروي عن ابن عمر وغيره وزعم البخاري أنه والد عبد العزيز بن أبي سلمة فالله أعلم قاله أبو عمر ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين) سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة كما رواه يعقوب بن شيبة وغيره بإسناد صحيح عن فضالة قال: كنا يوم خيبر فجعل صلى الله عليه وسلم على الغنائم سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة ( أن يبيعا آنية من المغانم) أي مغانم خيبر ( من ذهب أو فضة فباعا كل ثلاثة بأربعة عينًا أو كل أربعة بثلاثة عينًا) شك الراوي.
( فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أربيتما فردا) ما بعتما وفيه أمر الإمام ببيع المغانم إذا رأى ذلك ويقسم الثمن وإنما رد البيع ولم يأمر عامله على خيبر لما باع صاعين يجمع بصاع من جنيب بالرد لاحتمال أن مبتاع الآنية موجود معلوم بخلاف مبتاع الجمع أو لم يتقدم نهي قبل بيع الجنيب فلا يفسخ بخلاف الآنية، وإنما بيعت قبل كسرها لأن المشتري لا بد له من كسرها ولا يبقيها للانتفاع بها لحديث الذي يشرب في آنية الفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم.

( مالك عن موسى بن أبي تميم) المدني ثقة له في الموطأ مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن أبي الحباب) بضم المهملة وموحدتين بينهما ألف ( سعيد) بكسر العين ( بن يسار) المدني ثقة متقن ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما) أي زيادة فيحرم الربا في الذهب والفضة لعلة الثمنية الغالبة فالربويان المتحد جنسهما كذهب بذهب وفضة بفضة يحرم فيهما التفاضل وكذا النساء والتفرق قبل التقابض، وقد زاد في حديث علي عند ابن ماجه وصححه الحاكم عقب قوله لا فضل بينهما فمن كانت له حاجة بورق فليصرفها بذهب ومن كانت له حاجة بذهب فليصرفها بالورق والصرف هاء وهاء.

وهذا رواه مسلم من طريق ابن وهب عن مالك وتابعه سليمان بن بلال عن موسى به عند مسلم أيضًا ورواه النسائي من طريق مالك وغيره.
( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) أي إلا حال كونهما متماثلين، أي متساويين، أي مع الحلول والتقابض في المجلس ( ولا تشفوا) بضم الفوقية وكسر الشين المعجمة وضم الفاء المشددة، من الأشفاف أي لا تفضلوا ( بعضها على بعض) والشف بالكسر الزيادة ( ولا تبيعوا الورق بالورق) بكسر الراء فيهما، الفضة بالفضة ( إلا) حال كونهما ( مثلاً بمثل) بكسر الميم، أي متماثلين ( ولا تشفوا) أي لا تفضلوا ( بعضها على بعض ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا) أي مؤجلاً ( بناجز) بنون وجيم وزاي، أي بحاضر فلا بد من التقابض في المجلس وفيه أن الزيادة وإن قلت حرام لأن الشفوف الزيادة القليلة ومنه شفافة الإناء وهي البقية القليلة من الماء، ولا خلاف في منع الصرف المؤخر إلا في دينار في ذمة آخذ صرفه الآن أو في دينار في ذمة وصرفه في ذمة أخرى فيتقاصان معًا، فذهب مالك وأصحابه إلى جواز الصورتين بشرط حلول ما في الذمة وأن يتناجزا في المجلس وأجاز أبو حنيفة وأصحابه الصورتين وإن لم يحل ما في الذمة فيهما مراعاة لبراءة الذمم، وأجاز الشافعي وابن كنانة وابن وهب الصورة الأولى دون الثانية قاله عياض.
ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ورواه الترمذي والنسائي أيضًا من طريق مالك.

( مالك عن حميد بن قيس المكي) أبي صفوان القاري الأعرج من رجال الجماعة ( عن مجاهد) بن جبر، بفتح الجيم وسكون الموحدة، أبي الحجاج المخزومي مولاهم المكي إمام في التفسير، وفي العلم مات سنة إحدى أو اثنين أو ثلاث أو أربع ومائة وله ثلاث وثمانون سنة ( أنه قال كنت مع عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( فجاءه صائغ) هو وردان الرومي، كما أخرجه ابن عبد البر من طريق ابن عيينة عن وردان أنه سأل ابن عمر ( فقال له: يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( إني أصوغ الذهب) أجعله حليًا ( ثم أبيع الشيء) المصوغ ( بأكثر من وزنه فأستفضل) أستبقي والسين للتأكيد ( من ذلك قدر عمل يدي فنهاه عبد الله عن ذلك) للربا ( فجعل الصائغ يردد) يعيد ( عليه المسألة) المذكورة ( وعبد الله ينهاه عن ذلك حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابة يريد أن يركبها) شك الراوي ( ثم قال عبد الله بن عمر الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل) زيادة ( بينهما هذا عهد) أي وصية ( نبينا) صلى الله عليه وسلم ( إلينا وعهدنا إليكم) وقد بلغناكم.

قال أبو عمر قوله: الدينار بالدينار إلخ إشارة إلى جنس الأصل لا إلى المضروب دون غيره بدليل إشارة ابن عمر الحديث على سؤال الصائغ له عن الذهب المصوغ، وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم الفضة بالفضة والذهب بالذهب مثلاً بمثل وزنًا بوزن، ولا أعلم أحدًا حرم التفاضل في المضروب من الذهب والفضة المدرهمة دون التبر والمصوغ منهما إلا ما جاء عن معاوية والإجماع على خلافه.
قال: وفي قوله نبينا تصريح بالمراد في قوله في رواية ابن عيينة هذا عهد صاحبنا فقول الشافعي يعني به أباه عمر غلط على أصله لأن صاحبنا مجمل يحتمل أنه أراد النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأظهر ويحتمل أنه أراد عمر فلما قال مجاهد عن ابن عمر عهد نبينا فسر ما أجمل ورد أن هذا أصل ما يعتمده الشافعي في الآثار لكن الغلط لا يسلم منه أحد وإنما دخلت الداخلة على الناس من جهة التقليد لأنه إذا تكلم العالم عند من لا ينعم النظر بشيء كتبه وجعله دينًا يرد به ما خالفه دون معرفة وجهه فيقع الخلل اهـ.

( مالك أنه بلغه عن جده) وصله مسلم من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ( مالك بن أبي عامر أن عثمان بن عفان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين) فيحرم ربا الفضل ولو قل فيحتمل أن يكون الذي بلغه ابن وهب أو مخرمة بن بكير ( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم المدني ( عن عطاء بن يسار) بتحتية ومهملة خفيفة ( أن معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب ( باع سقاية) بكسر السين، قيل هي البرادة يبرد فيها الماء تعلق ( من ذهب أو ورق) فضة ( بأكثر من وزنها) قال ابن حبيب: زعم أصحاب مالك أن السقاية قلادة من ذهب فيها جوهر وليس كما قالوا فالقلادة لا تسمى سقاية بل هي كأس كبيرة يشرب بها ويكال بها، وأما القلادة وهي العقد التي تعلقها المرأة على نحرها فغيرها ابتاعها معاوية بستمائة دينار فيها تبر وجوهر من لؤلؤ وياقوت وزبرجد، فنهاه عبادة بن الصامت وأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ذلك ( فقال أبو الدرداء) عويمر، وقيل عامر بن قيس الأنصاري، صحابي جليل عابد أول مشاهده أحد مات في خلافة عثمان وقيل: عاش بعد ذلك ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل) أي سواء في القدر ( فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسًا) إما لأنه حمل النهي على المسبوك الذي به التعامل وقيم المتلفات أو كان لا يرى ربا الفضل كابن عباس ( فقال أبو الدرداء من يعذرني) بكسر الذال المعجمة ( من معاوية) أي من يلومه على فعله ولا يلومني عليه أو من يقوم بعذري إذا جازيته بصنعه ولا يلومني على ما أفعله به أو من ينصرني يقال عذرته إذا نصرته ( أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه) أنف من رد السنة بالرأي وصدور العلماء تضيق عن مثل هذا وهو عندهم عظيم رد السنن بالرأي ( لا أساكنك بأرض أنت بها) وجائز للمرء أن يهجر من لم يسمع منه ولم يطعه وليس هذا من الهجرة المكروهة، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن لا يكلموا كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك.
وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع وهجرته وقطع الكلام عنه وقد رأى ابن مسعود رجلاً يضحك في جنازة فقال: والله لا أكلمك أبدًا، قاله أبو عمر ( ثم قدم أبو الدرداء) من الشام ( على عمر بن الخطاب) المدينة ( فذكر ذلك له فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبيع ذلك إلا مثلاً بمثل وزنًا بوزن) بيان للمثل.

قال أبو عمر: لا أعلم أن هذه القصة عرضت لمعاوية مع أبي الدرداء إلا من هذا الوجه وإنما هي محفوظة لمعاوية مع عبادة بن الصامت، والطرق متواترة بذلك عنهما اهـ.
والإسناد صحيح وإن لم يرد من وجه آخر فهو من الأفراد الصحيحة والجمع ممكن لأنه عرض له ذلك مع عبادة وأبي الدرداء.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) أي متساويًا ( ولا تشفوا) أي تفضلوا بعضها على بعض، ويطلق الشف لغة أيضًا على النقص وهو من أسماء الأضداد ( ولا تبيعوا الورق بالورق) أي الفضة ( إلا مثلاً بمثل) بكسر فسكون فيهما ( ولا تشفوا) تزيدوا ( بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالذهب أحدهما غائب) عن المجلس ( والآخر ناجز) أي حاضر، وهذا تقدم مرفوعًا عن أبي سعيد وذكر هذا الموقوف إشارة لاستمرار العمل به ولزيادة قوله ( وإن استنظرك إلى أن يلج) يدخل ( بيته فلا تنظره) لا تؤخره ( إني أخاف عليكم الرماء) بفتح الراء والميم والمد ( والرماء هو الربا) أي الزيادة والتأخير وفي رواية الإرماء يقال: أرمى على الشيء وأربى إذا زاد عليه.

( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض) أعاده لإفادة أنه رواه عن شيخين ولم يجمعهما لاختلاف لفظهما في قوله ( ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا بناجز) فإن نافعًا قال: ولا تبيعوا الورق إلخ ومالك يحافظ على ألفاظ شيوخه وإن اتحد معناها، واللفظ الثاني طبق المرفوع السابق، والأول بمعناه ( وإن استنظرك) طلب تأخيرك ( إلى أن يلج بيته فلا تنظره إني أخاف عليكم الرماء) بالمد ( والرماء هو الربا) الظاهر أن هذا التفسير من ابن عمر لاتفاق نافع وابن دينار عليه ففيه حرمة ربا النساء أي التأخير وإن قل وهو المشهور ومذهب المدونة وخفف القليل مالك في الموازية.

( مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد) بن الصديق ( أنه قال: قال عمر بن الخطاب الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم والصاع) المكيال المعروف ( بالصاع) من الربويات كالقمح ( ولا يباع كالئ) بالهمز أي مؤجل ( بناجز) أي حاضر ( مالك عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: لا ربًا إلا في ذهب أو فضة أو ما يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب) كما أشير إلى ذلك في الحديث النبوي.

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض) وجاء عن ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح في قوله تعالى: { { وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } } أن إفسادهم كان قطع الذهب والفضة وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى: { { أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } } قال: قطع الدنانير والدراهم وقال غيره هو البخس الذي كانوا يفعلونه وروى ابن أبي شيبة أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس قال أبو عمر إسناده لين.

( قال مالك: ولا بأس أن يشتري الرجل) أو المرأة ( الذهب بالفضة والفضة بالذهب جزافًا إذا كان تبرًا أو حليًا) بفتح فسكون، مفرد حلي، بضم فكسر ( قد صيغ فأما الدراهم المعدودة والدنانير المعدودة فلا ينبغي) لا يحل ( لأحد أن يشتري شيئًا من ذلك جزافًا حتى يعلم ويعد) كل منهما ( فإن اشتري ذلك جزافًا فإنما يراد به الغرر حين يترك عده ويشترى جزافًا وليس هذا من بيوع المسلمين) فيحرم لحصول الغرر من جهتي الكمية والآحاد لأنه يرغب في كثرة آحاده ليسهل الشراء بها، هكذا علله الأبهري وعبد الوهاب وعلله ابن مسلمة بكثرة ثمن العين فيكثر الغرر ورد بجواز بيع الحلي واللؤلؤ وغيرهم جزافًا كما قال ( فأما ما كان يوزن من التبر والحلي فلا بأس أن يباع ذلك جزافًا وإنما ابتياع ذلك جزافًا) حال كونه ( كهيئة الحنطة والتمر ونحوهما من الأطعمة التي تباع جزافًا ومثلها يكال فليس بابتياع ذلك جزافًا بأس) أي يجوز إذا كان التعامل بالوزن لعدم قصد إفراده حينئذٍ.

( قال مالك: من اشترى مصحفًا أو سيفًا أو خاتمًا وفي شيء من ذلك ذهب أو فضة بدنانير أو دراهم) متعلق باشترى ( فإن ما اشتري من ذلك وفيه الذهب بدنانير فإنه ينظر إلى قيمته فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الذهب الثلث فذلك جائز لا بأس به إذا كان ذلك يدًا بيد ولا يكون فيه تأخير) بيان ليد بيد وظاهره أنه ينظر في الثلث وغيره إلى قيمة المحلى مصوغًا وكذا هو ظاهر الموازية.
وقال الباجي ظاهر المذهب أن النظر في ذلك بالوزن ( وما اشتري من ذلك بالورق مما فيه الورق نظر إلى قيمته) مصوغًا ( فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الورق الثلث فذلك جائز لا بأس به) تأكيد لجائز أو معناه بلا كراهة ( إذا كان ذلك يدًا بيد) أي مناجزة ( ولم يزل على ذلك أمر الناس عندنا) بالمدينة.



رقم الحديث 1326 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي تَمِيمٍ، عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا.


( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال) مرسلاً ورواه ابن وهب عن الليث بن سعد وعمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أنه حدثهما أن عبد الله بن أبي سلمة حدثه أنه بلغه أن رسول الله فذكره قيل إن شيخه عبد الله هو الهذلي يروي عن ابن عمر وغيره وزعم البخاري أنه والد عبد العزيز بن أبي سلمة فالله أعلم قاله أبو عمر ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين) سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة كما رواه يعقوب بن شيبة وغيره بإسناد صحيح عن فضالة قال: كنا يوم خيبر فجعل صلى الله عليه وسلم على الغنائم سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة ( أن يبيعا آنية من المغانم) أي مغانم خيبر ( من ذهب أو فضة فباعا كل ثلاثة بأربعة عينًا أو كل أربعة بثلاثة عينًا) شك الراوي.
( فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أربيتما فردا) ما بعتما وفيه أمر الإمام ببيع المغانم إذا رأى ذلك ويقسم الثمن وإنما رد البيع ولم يأمر عامله على خيبر لما باع صاعين يجمع بصاع من جنيب بالرد لاحتمال أن مبتاع الآنية موجود معلوم بخلاف مبتاع الجمع أو لم يتقدم نهي قبل بيع الجنيب فلا يفسخ بخلاف الآنية، وإنما بيعت قبل كسرها لأن المشتري لا بد له من كسرها ولا يبقيها للانتفاع بها لحديث الذي يشرب في آنية الفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم.

( مالك عن موسى بن أبي تميم) المدني ثقة له في الموطأ مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن أبي الحباب) بضم المهملة وموحدتين بينهما ألف ( سعيد) بكسر العين ( بن يسار) المدني ثقة متقن ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما) أي زيادة فيحرم الربا في الذهب والفضة لعلة الثمنية الغالبة فالربويان المتحد جنسهما كذهب بذهب وفضة بفضة يحرم فيهما التفاضل وكذا النساء والتفرق قبل التقابض، وقد زاد في حديث علي عند ابن ماجه وصححه الحاكم عقب قوله لا فضل بينهما فمن كانت له حاجة بورق فليصرفها بذهب ومن كانت له حاجة بذهب فليصرفها بالورق والصرف هاء وهاء.

وهذا رواه مسلم من طريق ابن وهب عن مالك وتابعه سليمان بن بلال عن موسى به عند مسلم أيضًا ورواه النسائي من طريق مالك وغيره.
( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) أي إلا حال كونهما متماثلين، أي متساويين، أي مع الحلول والتقابض في المجلس ( ولا تشفوا) بضم الفوقية وكسر الشين المعجمة وضم الفاء المشددة، من الأشفاف أي لا تفضلوا ( بعضها على بعض) والشف بالكسر الزيادة ( ولا تبيعوا الورق بالورق) بكسر الراء فيهما، الفضة بالفضة ( إلا) حال كونهما ( مثلاً بمثل) بكسر الميم، أي متماثلين ( ولا تشفوا) أي لا تفضلوا ( بعضها على بعض ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا) أي مؤجلاً ( بناجز) بنون وجيم وزاي، أي بحاضر فلا بد من التقابض في المجلس وفيه أن الزيادة وإن قلت حرام لأن الشفوف الزيادة القليلة ومنه شفافة الإناء وهي البقية القليلة من الماء، ولا خلاف في منع الصرف المؤخر إلا في دينار في ذمة آخذ صرفه الآن أو في دينار في ذمة وصرفه في ذمة أخرى فيتقاصان معًا، فذهب مالك وأصحابه إلى جواز الصورتين بشرط حلول ما في الذمة وأن يتناجزا في المجلس وأجاز أبو حنيفة وأصحابه الصورتين وإن لم يحل ما في الذمة فيهما مراعاة لبراءة الذمم، وأجاز الشافعي وابن كنانة وابن وهب الصورة الأولى دون الثانية قاله عياض.
ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ورواه الترمذي والنسائي أيضًا من طريق مالك.

( مالك عن حميد بن قيس المكي) أبي صفوان القاري الأعرج من رجال الجماعة ( عن مجاهد) بن جبر، بفتح الجيم وسكون الموحدة، أبي الحجاج المخزومي مولاهم المكي إمام في التفسير، وفي العلم مات سنة إحدى أو اثنين أو ثلاث أو أربع ومائة وله ثلاث وثمانون سنة ( أنه قال كنت مع عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( فجاءه صائغ) هو وردان الرومي، كما أخرجه ابن عبد البر من طريق ابن عيينة عن وردان أنه سأل ابن عمر ( فقال له: يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( إني أصوغ الذهب) أجعله حليًا ( ثم أبيع الشيء) المصوغ ( بأكثر من وزنه فأستفضل) أستبقي والسين للتأكيد ( من ذلك قدر عمل يدي فنهاه عبد الله عن ذلك) للربا ( فجعل الصائغ يردد) يعيد ( عليه المسألة) المذكورة ( وعبد الله ينهاه عن ذلك حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابة يريد أن يركبها) شك الراوي ( ثم قال عبد الله بن عمر الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل) زيادة ( بينهما هذا عهد) أي وصية ( نبينا) صلى الله عليه وسلم ( إلينا وعهدنا إليكم) وقد بلغناكم.

قال أبو عمر قوله: الدينار بالدينار إلخ إشارة إلى جنس الأصل لا إلى المضروب دون غيره بدليل إشارة ابن عمر الحديث على سؤال الصائغ له عن الذهب المصوغ، وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم الفضة بالفضة والذهب بالذهب مثلاً بمثل وزنًا بوزن، ولا أعلم أحدًا حرم التفاضل في المضروب من الذهب والفضة المدرهمة دون التبر والمصوغ منهما إلا ما جاء عن معاوية والإجماع على خلافه.
قال: وفي قوله نبينا تصريح بالمراد في قوله في رواية ابن عيينة هذا عهد صاحبنا فقول الشافعي يعني به أباه عمر غلط على أصله لأن صاحبنا مجمل يحتمل أنه أراد النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأظهر ويحتمل أنه أراد عمر فلما قال مجاهد عن ابن عمر عهد نبينا فسر ما أجمل ورد أن هذا أصل ما يعتمده الشافعي في الآثار لكن الغلط لا يسلم منه أحد وإنما دخلت الداخلة على الناس من جهة التقليد لأنه إذا تكلم العالم عند من لا ينعم النظر بشيء كتبه وجعله دينًا يرد به ما خالفه دون معرفة وجهه فيقع الخلل اهـ.

( مالك أنه بلغه عن جده) وصله مسلم من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ( مالك بن أبي عامر أن عثمان بن عفان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين) فيحرم ربا الفضل ولو قل فيحتمل أن يكون الذي بلغه ابن وهب أو مخرمة بن بكير ( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم المدني ( عن عطاء بن يسار) بتحتية ومهملة خفيفة ( أن معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب ( باع سقاية) بكسر السين، قيل هي البرادة يبرد فيها الماء تعلق ( من ذهب أو ورق) فضة ( بأكثر من وزنها) قال ابن حبيب: زعم أصحاب مالك أن السقاية قلادة من ذهب فيها جوهر وليس كما قالوا فالقلادة لا تسمى سقاية بل هي كأس كبيرة يشرب بها ويكال بها، وأما القلادة وهي العقد التي تعلقها المرأة على نحرها فغيرها ابتاعها معاوية بستمائة دينار فيها تبر وجوهر من لؤلؤ وياقوت وزبرجد، فنهاه عبادة بن الصامت وأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ذلك ( فقال أبو الدرداء) عويمر، وقيل عامر بن قيس الأنصاري، صحابي جليل عابد أول مشاهده أحد مات في خلافة عثمان وقيل: عاش بعد ذلك ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل) أي سواء في القدر ( فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسًا) إما لأنه حمل النهي على المسبوك الذي به التعامل وقيم المتلفات أو كان لا يرى ربا الفضل كابن عباس ( فقال أبو الدرداء من يعذرني) بكسر الذال المعجمة ( من معاوية) أي من يلومه على فعله ولا يلومني عليه أو من يقوم بعذري إذا جازيته بصنعه ولا يلومني على ما أفعله به أو من ينصرني يقال عذرته إذا نصرته ( أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه) أنف من رد السنة بالرأي وصدور العلماء تضيق عن مثل هذا وهو عندهم عظيم رد السنن بالرأي ( لا أساكنك بأرض أنت بها) وجائز للمرء أن يهجر من لم يسمع منه ولم يطعه وليس هذا من الهجرة المكروهة، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن لا يكلموا كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك.
وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع وهجرته وقطع الكلام عنه وقد رأى ابن مسعود رجلاً يضحك في جنازة فقال: والله لا أكلمك أبدًا، قاله أبو عمر ( ثم قدم أبو الدرداء) من الشام ( على عمر بن الخطاب) المدينة ( فذكر ذلك له فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبيع ذلك إلا مثلاً بمثل وزنًا بوزن) بيان للمثل.

قال أبو عمر: لا أعلم أن هذه القصة عرضت لمعاوية مع أبي الدرداء إلا من هذا الوجه وإنما هي محفوظة لمعاوية مع عبادة بن الصامت، والطرق متواترة بذلك عنهما اهـ.
والإسناد صحيح وإن لم يرد من وجه آخر فهو من الأفراد الصحيحة والجمع ممكن لأنه عرض له ذلك مع عبادة وأبي الدرداء.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) أي متساويًا ( ولا تشفوا) أي تفضلوا بعضها على بعض، ويطلق الشف لغة أيضًا على النقص وهو من أسماء الأضداد ( ولا تبيعوا الورق بالورق) أي الفضة ( إلا مثلاً بمثل) بكسر فسكون فيهما ( ولا تشفوا) تزيدوا ( بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالذهب أحدهما غائب) عن المجلس ( والآخر ناجز) أي حاضر، وهذا تقدم مرفوعًا عن أبي سعيد وذكر هذا الموقوف إشارة لاستمرار العمل به ولزيادة قوله ( وإن استنظرك إلى أن يلج) يدخل ( بيته فلا تنظره) لا تؤخره ( إني أخاف عليكم الرماء) بفتح الراء والميم والمد ( والرماء هو الربا) أي الزيادة والتأخير وفي رواية الإرماء يقال: أرمى على الشيء وأربى إذا زاد عليه.

( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض) أعاده لإفادة أنه رواه عن شيخين ولم يجمعهما لاختلاف لفظهما في قوله ( ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا بناجز) فإن نافعًا قال: ولا تبيعوا الورق إلخ ومالك يحافظ على ألفاظ شيوخه وإن اتحد معناها، واللفظ الثاني طبق المرفوع السابق، والأول بمعناه ( وإن استنظرك) طلب تأخيرك ( إلى أن يلج بيته فلا تنظره إني أخاف عليكم الرماء) بالمد ( والرماء هو الربا) الظاهر أن هذا التفسير من ابن عمر لاتفاق نافع وابن دينار عليه ففيه حرمة ربا النساء أي التأخير وإن قل وهو المشهور ومذهب المدونة وخفف القليل مالك في الموازية.

( مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد) بن الصديق ( أنه قال: قال عمر بن الخطاب الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم والصاع) المكيال المعروف ( بالصاع) من الربويات كالقمح ( ولا يباع كالئ) بالهمز أي مؤجل ( بناجز) أي حاضر ( مالك عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: لا ربًا إلا في ذهب أو فضة أو ما يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب) كما أشير إلى ذلك في الحديث النبوي.

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض) وجاء عن ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح في قوله تعالى: { { وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } } أن إفسادهم كان قطع الذهب والفضة وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى: { { أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } } قال: قطع الدنانير والدراهم وقال غيره هو البخس الذي كانوا يفعلونه وروى ابن أبي شيبة أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس قال أبو عمر إسناده لين.

( قال مالك: ولا بأس أن يشتري الرجل) أو المرأة ( الذهب بالفضة والفضة بالذهب جزافًا إذا كان تبرًا أو حليًا) بفتح فسكون، مفرد حلي، بضم فكسر ( قد صيغ فأما الدراهم المعدودة والدنانير المعدودة فلا ينبغي) لا يحل ( لأحد أن يشتري شيئًا من ذلك جزافًا حتى يعلم ويعد) كل منهما ( فإن اشتري ذلك جزافًا فإنما يراد به الغرر حين يترك عده ويشترى جزافًا وليس هذا من بيوع المسلمين) فيحرم لحصول الغرر من جهتي الكمية والآحاد لأنه يرغب في كثرة آحاده ليسهل الشراء بها، هكذا علله الأبهري وعبد الوهاب وعلله ابن مسلمة بكثرة ثمن العين فيكثر الغرر ورد بجواز بيع الحلي واللؤلؤ وغيرهم جزافًا كما قال ( فأما ما كان يوزن من التبر والحلي فلا بأس أن يباع ذلك جزافًا وإنما ابتياع ذلك جزافًا) حال كونه ( كهيئة الحنطة والتمر ونحوهما من الأطعمة التي تباع جزافًا ومثلها يكال فليس بابتياع ذلك جزافًا بأس) أي يجوز إذا كان التعامل بالوزن لعدم قصد إفراده حينئذٍ.

( قال مالك: من اشترى مصحفًا أو سيفًا أو خاتمًا وفي شيء من ذلك ذهب أو فضة بدنانير أو دراهم) متعلق باشترى ( فإن ما اشتري من ذلك وفيه الذهب بدنانير فإنه ينظر إلى قيمته فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الذهب الثلث فذلك جائز لا بأس به إذا كان ذلك يدًا بيد ولا يكون فيه تأخير) بيان ليد بيد وظاهره أنه ينظر في الثلث وغيره إلى قيمة المحلى مصوغًا وكذا هو ظاهر الموازية.
وقال الباجي ظاهر المذهب أن النظر في ذلك بالوزن ( وما اشتري من ذلك بالورق مما فيه الورق نظر إلى قيمته) مصوغًا ( فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الورق الثلث فذلك جائز لا بأس به) تأكيد لجائز أو معناه بلا كراهة ( إذا كان ذلك يدًا بيد) أي مناجزة ( ولم يزل على ذلك أمر الناس عندنا) بالمدينة.



رقم الحديث 1327 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا شَيْئًا غَائِبًا بِنَاجِزٍ.


( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال) مرسلاً ورواه ابن وهب عن الليث بن سعد وعمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أنه حدثهما أن عبد الله بن أبي سلمة حدثه أنه بلغه أن رسول الله فذكره قيل إن شيخه عبد الله هو الهذلي يروي عن ابن عمر وغيره وزعم البخاري أنه والد عبد العزيز بن أبي سلمة فالله أعلم قاله أبو عمر ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين) سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة كما رواه يعقوب بن شيبة وغيره بإسناد صحيح عن فضالة قال: كنا يوم خيبر فجعل صلى الله عليه وسلم على الغنائم سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة ( أن يبيعا آنية من المغانم) أي مغانم خيبر ( من ذهب أو فضة فباعا كل ثلاثة بأربعة عينًا أو كل أربعة بثلاثة عينًا) شك الراوي.
( فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أربيتما فردا) ما بعتما وفيه أمر الإمام ببيع المغانم إذا رأى ذلك ويقسم الثمن وإنما رد البيع ولم يأمر عامله على خيبر لما باع صاعين يجمع بصاع من جنيب بالرد لاحتمال أن مبتاع الآنية موجود معلوم بخلاف مبتاع الجمع أو لم يتقدم نهي قبل بيع الجنيب فلا يفسخ بخلاف الآنية، وإنما بيعت قبل كسرها لأن المشتري لا بد له من كسرها ولا يبقيها للانتفاع بها لحديث الذي يشرب في آنية الفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم.

( مالك عن موسى بن أبي تميم) المدني ثقة له في الموطأ مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن أبي الحباب) بضم المهملة وموحدتين بينهما ألف ( سعيد) بكسر العين ( بن يسار) المدني ثقة متقن ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما) أي زيادة فيحرم الربا في الذهب والفضة لعلة الثمنية الغالبة فالربويان المتحد جنسهما كذهب بذهب وفضة بفضة يحرم فيهما التفاضل وكذا النساء والتفرق قبل التقابض، وقد زاد في حديث علي عند ابن ماجه وصححه الحاكم عقب قوله لا فضل بينهما فمن كانت له حاجة بورق فليصرفها بذهب ومن كانت له حاجة بذهب فليصرفها بالورق والصرف هاء وهاء.

وهذا رواه مسلم من طريق ابن وهب عن مالك وتابعه سليمان بن بلال عن موسى به عند مسلم أيضًا ورواه النسائي من طريق مالك وغيره.
( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) أي إلا حال كونهما متماثلين، أي متساويين، أي مع الحلول والتقابض في المجلس ( ولا تشفوا) بضم الفوقية وكسر الشين المعجمة وضم الفاء المشددة، من الأشفاف أي لا تفضلوا ( بعضها على بعض) والشف بالكسر الزيادة ( ولا تبيعوا الورق بالورق) بكسر الراء فيهما، الفضة بالفضة ( إلا) حال كونهما ( مثلاً بمثل) بكسر الميم، أي متماثلين ( ولا تشفوا) أي لا تفضلوا ( بعضها على بعض ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا) أي مؤجلاً ( بناجز) بنون وجيم وزاي، أي بحاضر فلا بد من التقابض في المجلس وفيه أن الزيادة وإن قلت حرام لأن الشفوف الزيادة القليلة ومنه شفافة الإناء وهي البقية القليلة من الماء، ولا خلاف في منع الصرف المؤخر إلا في دينار في ذمة آخذ صرفه الآن أو في دينار في ذمة وصرفه في ذمة أخرى فيتقاصان معًا، فذهب مالك وأصحابه إلى جواز الصورتين بشرط حلول ما في الذمة وأن يتناجزا في المجلس وأجاز أبو حنيفة وأصحابه الصورتين وإن لم يحل ما في الذمة فيهما مراعاة لبراءة الذمم، وأجاز الشافعي وابن كنانة وابن وهب الصورة الأولى دون الثانية قاله عياض.
ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ورواه الترمذي والنسائي أيضًا من طريق مالك.

( مالك عن حميد بن قيس المكي) أبي صفوان القاري الأعرج من رجال الجماعة ( عن مجاهد) بن جبر، بفتح الجيم وسكون الموحدة، أبي الحجاج المخزومي مولاهم المكي إمام في التفسير، وفي العلم مات سنة إحدى أو اثنين أو ثلاث أو أربع ومائة وله ثلاث وثمانون سنة ( أنه قال كنت مع عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( فجاءه صائغ) هو وردان الرومي، كما أخرجه ابن عبد البر من طريق ابن عيينة عن وردان أنه سأل ابن عمر ( فقال له: يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( إني أصوغ الذهب) أجعله حليًا ( ثم أبيع الشيء) المصوغ ( بأكثر من وزنه فأستفضل) أستبقي والسين للتأكيد ( من ذلك قدر عمل يدي فنهاه عبد الله عن ذلك) للربا ( فجعل الصائغ يردد) يعيد ( عليه المسألة) المذكورة ( وعبد الله ينهاه عن ذلك حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابة يريد أن يركبها) شك الراوي ( ثم قال عبد الله بن عمر الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل) زيادة ( بينهما هذا عهد) أي وصية ( نبينا) صلى الله عليه وسلم ( إلينا وعهدنا إليكم) وقد بلغناكم.

قال أبو عمر قوله: الدينار بالدينار إلخ إشارة إلى جنس الأصل لا إلى المضروب دون غيره بدليل إشارة ابن عمر الحديث على سؤال الصائغ له عن الذهب المصوغ، وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم الفضة بالفضة والذهب بالذهب مثلاً بمثل وزنًا بوزن، ولا أعلم أحدًا حرم التفاضل في المضروب من الذهب والفضة المدرهمة دون التبر والمصوغ منهما إلا ما جاء عن معاوية والإجماع على خلافه.
قال: وفي قوله نبينا تصريح بالمراد في قوله في رواية ابن عيينة هذا عهد صاحبنا فقول الشافعي يعني به أباه عمر غلط على أصله لأن صاحبنا مجمل يحتمل أنه أراد النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأظهر ويحتمل أنه أراد عمر فلما قال مجاهد عن ابن عمر عهد نبينا فسر ما أجمل ورد أن هذا أصل ما يعتمده الشافعي في الآثار لكن الغلط لا يسلم منه أحد وإنما دخلت الداخلة على الناس من جهة التقليد لأنه إذا تكلم العالم عند من لا ينعم النظر بشيء كتبه وجعله دينًا يرد به ما خالفه دون معرفة وجهه فيقع الخلل اهـ.

( مالك أنه بلغه عن جده) وصله مسلم من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ( مالك بن أبي عامر أن عثمان بن عفان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين) فيحرم ربا الفضل ولو قل فيحتمل أن يكون الذي بلغه ابن وهب أو مخرمة بن بكير ( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم المدني ( عن عطاء بن يسار) بتحتية ومهملة خفيفة ( أن معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب ( باع سقاية) بكسر السين، قيل هي البرادة يبرد فيها الماء تعلق ( من ذهب أو ورق) فضة ( بأكثر من وزنها) قال ابن حبيب: زعم أصحاب مالك أن السقاية قلادة من ذهب فيها جوهر وليس كما قالوا فالقلادة لا تسمى سقاية بل هي كأس كبيرة يشرب بها ويكال بها، وأما القلادة وهي العقد التي تعلقها المرأة على نحرها فغيرها ابتاعها معاوية بستمائة دينار فيها تبر وجوهر من لؤلؤ وياقوت وزبرجد، فنهاه عبادة بن الصامت وأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ذلك ( فقال أبو الدرداء) عويمر، وقيل عامر بن قيس الأنصاري، صحابي جليل عابد أول مشاهده أحد مات في خلافة عثمان وقيل: عاش بعد ذلك ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل) أي سواء في القدر ( فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسًا) إما لأنه حمل النهي على المسبوك الذي به التعامل وقيم المتلفات أو كان لا يرى ربا الفضل كابن عباس ( فقال أبو الدرداء من يعذرني) بكسر الذال المعجمة ( من معاوية) أي من يلومه على فعله ولا يلومني عليه أو من يقوم بعذري إذا جازيته بصنعه ولا يلومني على ما أفعله به أو من ينصرني يقال عذرته إذا نصرته ( أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه) أنف من رد السنة بالرأي وصدور العلماء تضيق عن مثل هذا وهو عندهم عظيم رد السنن بالرأي ( لا أساكنك بأرض أنت بها) وجائز للمرء أن يهجر من لم يسمع منه ولم يطعه وليس هذا من الهجرة المكروهة، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن لا يكلموا كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك.
وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع وهجرته وقطع الكلام عنه وقد رأى ابن مسعود رجلاً يضحك في جنازة فقال: والله لا أكلمك أبدًا، قاله أبو عمر ( ثم قدم أبو الدرداء) من الشام ( على عمر بن الخطاب) المدينة ( فذكر ذلك له فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبيع ذلك إلا مثلاً بمثل وزنًا بوزن) بيان للمثل.

قال أبو عمر: لا أعلم أن هذه القصة عرضت لمعاوية مع أبي الدرداء إلا من هذا الوجه وإنما هي محفوظة لمعاوية مع عبادة بن الصامت، والطرق متواترة بذلك عنهما اهـ.
والإسناد صحيح وإن لم يرد من وجه آخر فهو من الأفراد الصحيحة والجمع ممكن لأنه عرض له ذلك مع عبادة وأبي الدرداء.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) أي متساويًا ( ولا تشفوا) أي تفضلوا بعضها على بعض، ويطلق الشف لغة أيضًا على النقص وهو من أسماء الأضداد ( ولا تبيعوا الورق بالورق) أي الفضة ( إلا مثلاً بمثل) بكسر فسكون فيهما ( ولا تشفوا) تزيدوا ( بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالذهب أحدهما غائب) عن المجلس ( والآخر ناجز) أي حاضر، وهذا تقدم مرفوعًا عن أبي سعيد وذكر هذا الموقوف إشارة لاستمرار العمل به ولزيادة قوله ( وإن استنظرك إلى أن يلج) يدخل ( بيته فلا تنظره) لا تؤخره ( إني أخاف عليكم الرماء) بفتح الراء والميم والمد ( والرماء هو الربا) أي الزيادة والتأخير وفي رواية الإرماء يقال: أرمى على الشيء وأربى إذا زاد عليه.

( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض) أعاده لإفادة أنه رواه عن شيخين ولم يجمعهما لاختلاف لفظهما في قوله ( ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا بناجز) فإن نافعًا قال: ولا تبيعوا الورق إلخ ومالك يحافظ على ألفاظ شيوخه وإن اتحد معناها، واللفظ الثاني طبق المرفوع السابق، والأول بمعناه ( وإن استنظرك) طلب تأخيرك ( إلى أن يلج بيته فلا تنظره إني أخاف عليكم الرماء) بالمد ( والرماء هو الربا) الظاهر أن هذا التفسير من ابن عمر لاتفاق نافع وابن دينار عليه ففيه حرمة ربا النساء أي التأخير وإن قل وهو المشهور ومذهب المدونة وخفف القليل مالك في الموازية.

( مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد) بن الصديق ( أنه قال: قال عمر بن الخطاب الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم والصاع) المكيال المعروف ( بالصاع) من الربويات كالقمح ( ولا يباع كالئ) بالهمز أي مؤجل ( بناجز) أي حاضر ( مالك عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: لا ربًا إلا في ذهب أو فضة أو ما يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب) كما أشير إلى ذلك في الحديث النبوي.

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض) وجاء عن ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح في قوله تعالى: { { وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } } أن إفسادهم كان قطع الذهب والفضة وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى: { { أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } } قال: قطع الدنانير والدراهم وقال غيره هو البخس الذي كانوا يفعلونه وروى ابن أبي شيبة أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس قال أبو عمر إسناده لين.

( قال مالك: ولا بأس أن يشتري الرجل) أو المرأة ( الذهب بالفضة والفضة بالذهب جزافًا إذا كان تبرًا أو حليًا) بفتح فسكون، مفرد حلي، بضم فكسر ( قد صيغ فأما الدراهم المعدودة والدنانير المعدودة فلا ينبغي) لا يحل ( لأحد أن يشتري شيئًا من ذلك جزافًا حتى يعلم ويعد) كل منهما ( فإن اشتري ذلك جزافًا فإنما يراد به الغرر حين يترك عده ويشترى جزافًا وليس هذا من بيوع المسلمين) فيحرم لحصول الغرر من جهتي الكمية والآحاد لأنه يرغب في كثرة آحاده ليسهل الشراء بها، هكذا علله الأبهري وعبد الوهاب وعلله ابن مسلمة بكثرة ثمن العين فيكثر الغرر ورد بجواز بيع الحلي واللؤلؤ وغيرهم جزافًا كما قال ( فأما ما كان يوزن من التبر والحلي فلا بأس أن يباع ذلك جزافًا وإنما ابتياع ذلك جزافًا) حال كونه ( كهيئة الحنطة والتمر ونحوهما من الأطعمة التي تباع جزافًا ومثلها يكال فليس بابتياع ذلك جزافًا بأس) أي يجوز إذا كان التعامل بالوزن لعدم قصد إفراده حينئذٍ.

( قال مالك: من اشترى مصحفًا أو سيفًا أو خاتمًا وفي شيء من ذلك ذهب أو فضة بدنانير أو دراهم) متعلق باشترى ( فإن ما اشتري من ذلك وفيه الذهب بدنانير فإنه ينظر إلى قيمته فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الذهب الثلث فذلك جائز لا بأس به إذا كان ذلك يدًا بيد ولا يكون فيه تأخير) بيان ليد بيد وظاهره أنه ينظر في الثلث وغيره إلى قيمة المحلى مصوغًا وكذا هو ظاهر الموازية.
وقال الباجي ظاهر المذهب أن النظر في ذلك بالوزن ( وما اشتري من ذلك بالورق مما فيه الورق نظر إلى قيمته) مصوغًا ( فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الورق الثلث فذلك جائز لا بأس به) تأكيد لجائز أو معناه بلا كراهة ( إذا كان ذلك يدًا بيد) أي مناجزة ( ولم يزل على ذلك أمر الناس عندنا) بالمدينة.



رقم الحديث 1328 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَجَاءَهُ صَائِغٌ، فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي أَصُوغُ الذَّهَبَ ثُمَّ أَبِيعُ الشَّيْءَ مِنْ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ، فَأَسْتَفْضِلُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ عَمَلِ يَدِي، فَنَهَاهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ فَجَعَلَ الصَّائِغُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ يَنْهَاهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ إِلَى دَابَّةٍ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَهَا، ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا، هَذَا عَهْدُ نَبِيِّنَا إِلَيْنَا وَعَهْدُنَا إِلَيْكُمْ.


( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال) مرسلاً ورواه ابن وهب عن الليث بن سعد وعمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أنه حدثهما أن عبد الله بن أبي سلمة حدثه أنه بلغه أن رسول الله فذكره قيل إن شيخه عبد الله هو الهذلي يروي عن ابن عمر وغيره وزعم البخاري أنه والد عبد العزيز بن أبي سلمة فالله أعلم قاله أبو عمر ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين) سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة كما رواه يعقوب بن شيبة وغيره بإسناد صحيح عن فضالة قال: كنا يوم خيبر فجعل صلى الله عليه وسلم على الغنائم سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة ( أن يبيعا آنية من المغانم) أي مغانم خيبر ( من ذهب أو فضة فباعا كل ثلاثة بأربعة عينًا أو كل أربعة بثلاثة عينًا) شك الراوي.
( فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أربيتما فردا) ما بعتما وفيه أمر الإمام ببيع المغانم إذا رأى ذلك ويقسم الثمن وإنما رد البيع ولم يأمر عامله على خيبر لما باع صاعين يجمع بصاع من جنيب بالرد لاحتمال أن مبتاع الآنية موجود معلوم بخلاف مبتاع الجمع أو لم يتقدم نهي قبل بيع الجنيب فلا يفسخ بخلاف الآنية، وإنما بيعت قبل كسرها لأن المشتري لا بد له من كسرها ولا يبقيها للانتفاع بها لحديث الذي يشرب في آنية الفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم.

( مالك عن موسى بن أبي تميم) المدني ثقة له في الموطأ مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن أبي الحباب) بضم المهملة وموحدتين بينهما ألف ( سعيد) بكسر العين ( بن يسار) المدني ثقة متقن ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما) أي زيادة فيحرم الربا في الذهب والفضة لعلة الثمنية الغالبة فالربويان المتحد جنسهما كذهب بذهب وفضة بفضة يحرم فيهما التفاضل وكذا النساء والتفرق قبل التقابض، وقد زاد في حديث علي عند ابن ماجه وصححه الحاكم عقب قوله لا فضل بينهما فمن كانت له حاجة بورق فليصرفها بذهب ومن كانت له حاجة بذهب فليصرفها بالورق والصرف هاء وهاء.

وهذا رواه مسلم من طريق ابن وهب عن مالك وتابعه سليمان بن بلال عن موسى به عند مسلم أيضًا ورواه النسائي من طريق مالك وغيره.
( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) أي إلا حال كونهما متماثلين، أي متساويين، أي مع الحلول والتقابض في المجلس ( ولا تشفوا) بضم الفوقية وكسر الشين المعجمة وضم الفاء المشددة، من الأشفاف أي لا تفضلوا ( بعضها على بعض) والشف بالكسر الزيادة ( ولا تبيعوا الورق بالورق) بكسر الراء فيهما، الفضة بالفضة ( إلا) حال كونهما ( مثلاً بمثل) بكسر الميم، أي متماثلين ( ولا تشفوا) أي لا تفضلوا ( بعضها على بعض ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا) أي مؤجلاً ( بناجز) بنون وجيم وزاي، أي بحاضر فلا بد من التقابض في المجلس وفيه أن الزيادة وإن قلت حرام لأن الشفوف الزيادة القليلة ومنه شفافة الإناء وهي البقية القليلة من الماء، ولا خلاف في منع الصرف المؤخر إلا في دينار في ذمة آخذ صرفه الآن أو في دينار في ذمة وصرفه في ذمة أخرى فيتقاصان معًا، فذهب مالك وأصحابه إلى جواز الصورتين بشرط حلول ما في الذمة وأن يتناجزا في المجلس وأجاز أبو حنيفة وأصحابه الصورتين وإن لم يحل ما في الذمة فيهما مراعاة لبراءة الذمم، وأجاز الشافعي وابن كنانة وابن وهب الصورة الأولى دون الثانية قاله عياض.
ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ورواه الترمذي والنسائي أيضًا من طريق مالك.

( مالك عن حميد بن قيس المكي) أبي صفوان القاري الأعرج من رجال الجماعة ( عن مجاهد) بن جبر، بفتح الجيم وسكون الموحدة، أبي الحجاج المخزومي مولاهم المكي إمام في التفسير، وفي العلم مات سنة إحدى أو اثنين أو ثلاث أو أربع ومائة وله ثلاث وثمانون سنة ( أنه قال كنت مع عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( فجاءه صائغ) هو وردان الرومي، كما أخرجه ابن عبد البر من طريق ابن عيينة عن وردان أنه سأل ابن عمر ( فقال له: يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( إني أصوغ الذهب) أجعله حليًا ( ثم أبيع الشيء) المصوغ ( بأكثر من وزنه فأستفضل) أستبقي والسين للتأكيد ( من ذلك قدر عمل يدي فنهاه عبد الله عن ذلك) للربا ( فجعل الصائغ يردد) يعيد ( عليه المسألة) المذكورة ( وعبد الله ينهاه عن ذلك حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابة يريد أن يركبها) شك الراوي ( ثم قال عبد الله بن عمر الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل) زيادة ( بينهما هذا عهد) أي وصية ( نبينا) صلى الله عليه وسلم ( إلينا وعهدنا إليكم) وقد بلغناكم.

قال أبو عمر قوله: الدينار بالدينار إلخ إشارة إلى جنس الأصل لا إلى المضروب دون غيره بدليل إشارة ابن عمر الحديث على سؤال الصائغ له عن الذهب المصوغ، وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم الفضة بالفضة والذهب بالذهب مثلاً بمثل وزنًا بوزن، ولا أعلم أحدًا حرم التفاضل في المضروب من الذهب والفضة المدرهمة دون التبر والمصوغ منهما إلا ما جاء عن معاوية والإجماع على خلافه.
قال: وفي قوله نبينا تصريح بالمراد في قوله في رواية ابن عيينة هذا عهد صاحبنا فقول الشافعي يعني به أباه عمر غلط على أصله لأن صاحبنا مجمل يحتمل أنه أراد النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأظهر ويحتمل أنه أراد عمر فلما قال مجاهد عن ابن عمر عهد نبينا فسر ما أجمل ورد أن هذا أصل ما يعتمده الشافعي في الآثار لكن الغلط لا يسلم منه أحد وإنما دخلت الداخلة على الناس من جهة التقليد لأنه إذا تكلم العالم عند من لا ينعم النظر بشيء كتبه وجعله دينًا يرد به ما خالفه دون معرفة وجهه فيقع الخلل اهـ.

( مالك أنه بلغه عن جده) وصله مسلم من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ( مالك بن أبي عامر أن عثمان بن عفان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين) فيحرم ربا الفضل ولو قل فيحتمل أن يكون الذي بلغه ابن وهب أو مخرمة بن بكير ( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم المدني ( عن عطاء بن يسار) بتحتية ومهملة خفيفة ( أن معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب ( باع سقاية) بكسر السين، قيل هي البرادة يبرد فيها الماء تعلق ( من ذهب أو ورق) فضة ( بأكثر من وزنها) قال ابن حبيب: زعم أصحاب مالك أن السقاية قلادة من ذهب فيها جوهر وليس كما قالوا فالقلادة لا تسمى سقاية بل هي كأس كبيرة يشرب بها ويكال بها، وأما القلادة وهي العقد التي تعلقها المرأة على نحرها فغيرها ابتاعها معاوية بستمائة دينار فيها تبر وجوهر من لؤلؤ وياقوت وزبرجد، فنهاه عبادة بن الصامت وأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ذلك ( فقال أبو الدرداء) عويمر، وقيل عامر بن قيس الأنصاري، صحابي جليل عابد أول مشاهده أحد مات في خلافة عثمان وقيل: عاش بعد ذلك ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل) أي سواء في القدر ( فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسًا) إما لأنه حمل النهي على المسبوك الذي به التعامل وقيم المتلفات أو كان لا يرى ربا الفضل كابن عباس ( فقال أبو الدرداء من يعذرني) بكسر الذال المعجمة ( من معاوية) أي من يلومه على فعله ولا يلومني عليه أو من يقوم بعذري إذا جازيته بصنعه ولا يلومني على ما أفعله به أو من ينصرني يقال عذرته إذا نصرته ( أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه) أنف من رد السنة بالرأي وصدور العلماء تضيق عن مثل هذا وهو عندهم عظيم رد السنن بالرأي ( لا أساكنك بأرض أنت بها) وجائز للمرء أن يهجر من لم يسمع منه ولم يطعه وليس هذا من الهجرة المكروهة، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن لا يكلموا كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك.
وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع وهجرته وقطع الكلام عنه وقد رأى ابن مسعود رجلاً يضحك في جنازة فقال: والله لا أكلمك أبدًا، قاله أبو عمر ( ثم قدم أبو الدرداء) من الشام ( على عمر بن الخطاب) المدينة ( فذكر ذلك له فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبيع ذلك إلا مثلاً بمثل وزنًا بوزن) بيان للمثل.

قال أبو عمر: لا أعلم أن هذه القصة عرضت لمعاوية مع أبي الدرداء إلا من هذا الوجه وإنما هي محفوظة لمعاوية مع عبادة بن الصامت، والطرق متواترة بذلك عنهما اهـ.
والإسناد صحيح وإن لم يرد من وجه آخر فهو من الأفراد الصحيحة والجمع ممكن لأنه عرض له ذلك مع عبادة وأبي الدرداء.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) أي متساويًا ( ولا تشفوا) أي تفضلوا بعضها على بعض، ويطلق الشف لغة أيضًا على النقص وهو من أسماء الأضداد ( ولا تبيعوا الورق بالورق) أي الفضة ( إلا مثلاً بمثل) بكسر فسكون فيهما ( ولا تشفوا) تزيدوا ( بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالذهب أحدهما غائب) عن المجلس ( والآخر ناجز) أي حاضر، وهذا تقدم مرفوعًا عن أبي سعيد وذكر هذا الموقوف إشارة لاستمرار العمل به ولزيادة قوله ( وإن استنظرك إلى أن يلج) يدخل ( بيته فلا تنظره) لا تؤخره ( إني أخاف عليكم الرماء) بفتح الراء والميم والمد ( والرماء هو الربا) أي الزيادة والتأخير وفي رواية الإرماء يقال: أرمى على الشيء وأربى إذا زاد عليه.

( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض) أعاده لإفادة أنه رواه عن شيخين ولم يجمعهما لاختلاف لفظهما في قوله ( ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا بناجز) فإن نافعًا قال: ولا تبيعوا الورق إلخ ومالك يحافظ على ألفاظ شيوخه وإن اتحد معناها، واللفظ الثاني طبق المرفوع السابق، والأول بمعناه ( وإن استنظرك) طلب تأخيرك ( إلى أن يلج بيته فلا تنظره إني أخاف عليكم الرماء) بالمد ( والرماء هو الربا) الظاهر أن هذا التفسير من ابن عمر لاتفاق نافع وابن دينار عليه ففيه حرمة ربا النساء أي التأخير وإن قل وهو المشهور ومذهب المدونة وخفف القليل مالك في الموازية.

( مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد) بن الصديق ( أنه قال: قال عمر بن الخطاب الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم والصاع) المكيال المعروف ( بالصاع) من الربويات كالقمح ( ولا يباع كالئ) بالهمز أي مؤجل ( بناجز) أي حاضر ( مالك عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: لا ربًا إلا في ذهب أو فضة أو ما يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب) كما أشير إلى ذلك في الحديث النبوي.

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض) وجاء عن ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح في قوله تعالى: { { وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } } أن إفسادهم كان قطع الذهب والفضة وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى: { { أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } } قال: قطع الدنانير والدراهم وقال غيره هو البخس الذي كانوا يفعلونه وروى ابن أبي شيبة أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس قال أبو عمر إسناده لين.

( قال مالك: ولا بأس أن يشتري الرجل) أو المرأة ( الذهب بالفضة والفضة بالذهب جزافًا إذا كان تبرًا أو حليًا) بفتح فسكون، مفرد حلي، بضم فكسر ( قد صيغ فأما الدراهم المعدودة والدنانير المعدودة فلا ينبغي) لا يحل ( لأحد أن يشتري شيئًا من ذلك جزافًا حتى يعلم ويعد) كل منهما ( فإن اشتري ذلك جزافًا فإنما يراد به الغرر حين يترك عده ويشترى جزافًا وليس هذا من بيوع المسلمين) فيحرم لحصول الغرر من جهتي الكمية والآحاد لأنه يرغب في كثرة آحاده ليسهل الشراء بها، هكذا علله الأبهري وعبد الوهاب وعلله ابن مسلمة بكثرة ثمن العين فيكثر الغرر ورد بجواز بيع الحلي واللؤلؤ وغيرهم جزافًا كما قال ( فأما ما كان يوزن من التبر والحلي فلا بأس أن يباع ذلك جزافًا وإنما ابتياع ذلك جزافًا) حال كونه ( كهيئة الحنطة والتمر ونحوهما من الأطعمة التي تباع جزافًا ومثلها يكال فليس بابتياع ذلك جزافًا بأس) أي يجوز إذا كان التعامل بالوزن لعدم قصد إفراده حينئذٍ.

( قال مالك: من اشترى مصحفًا أو سيفًا أو خاتمًا وفي شيء من ذلك ذهب أو فضة بدنانير أو دراهم) متعلق باشترى ( فإن ما اشتري من ذلك وفيه الذهب بدنانير فإنه ينظر إلى قيمته فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الذهب الثلث فذلك جائز لا بأس به إذا كان ذلك يدًا بيد ولا يكون فيه تأخير) بيان ليد بيد وظاهره أنه ينظر في الثلث وغيره إلى قيمة المحلى مصوغًا وكذا هو ظاهر الموازية.
وقال الباجي ظاهر المذهب أن النظر في ذلك بالوزن ( وما اشتري من ذلك بالورق مما فيه الورق نظر إلى قيمته) مصوغًا ( فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الورق الثلث فذلك جائز لا بأس به) تأكيد لجائز أو معناه بلا كراهة ( إذا كان ذلك يدًا بيد) أي مناجزة ( ولم يزل على ذلك أمر الناس عندنا) بالمدينة.



رقم الحديث 1329 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الْأَسَدِيَّةِ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ قَالَ مَالِكٌ: وَالْغِيلَةُ أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ.


( جامع ما جاء في الرضاعة)

( مالك عن عبد الله بن دينار) المدني مولى ابن عمر ( عن سليمان بن يسار وعن عروة بن الزبير) كلاهما ( عن عائشة) قال ابن عبد البر: هذا غلط من يحيى أي زيادة الواو لم يتابعه أحد من رواة الموطأ عليه.
والحديث محفوظ في الموطأ وغيره عن سليمان عن عروة عن عائشة ( أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة) من تحريم النكاح ابتداء ودوامًا، ونشر الحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة فيحرم عليها هو وفروعه من نسب ورضاع، ويحرم عليه جميع أولادها ما تقدم وما تأخر وتحرم عليه هي وأخواتها من نسب ورضاع ويصير ابنًا لزوجها صاحب اللبن فيحرم هو وأصوله وفروعه من نسب ورضاع إلى آخر ما بين في الفقه ومن جواز النظر والخلوة والمسافرة دون سائر أحكام النسب كميراث ونفقة وعتق بالملك ورد شهادة.
وهذا الحديث رواه الترمذي من طريق يحيى القطان ومعن القزاز كليهما عن مالك بسنده المذكور بلفظ إن الله حرم من الرضاعة ما حرم من الولادة اهـ فلعل مالكًا حدث به باللفظين.

( مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل) بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي أبي الأسود يتيم عروة الثقة العلامة ( قال أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين) رضي الله عنها ( عن جدامة) بضم الجيم وفتح الدال المهملة على الصحيح عن مالك كما قال مسلم، وهو قول الجمهور حتى قال الدارقطني من قالها بالمعجمة فقد صحف وقال الباجي: بالمهملة رواية يحيى وقال أبو ذر عنه سماعي منه موطأ أبي مصعب بالمعجمة قال المازري وهي لغة ما لم يندق من السنبل في قول أبي حاتم وقال غيره: إذا تحات البر فما بقي في الغربال من قصبه فهو جدامة ( بنت وهب) بن محصن ويقال: بنت جندل ويقال بنت جندب ( الأسدية) لها سابقة، وهجرة، زاد في رواية لمسلم أخت عكاشة أي أخته لأمه على المختار خلافًا لمن قال لعله أخي عكاشة فتكون بنت أخيه ( أنها) أي جدامة ( أخبرتها) أي عائشة.
قال ابن عبد البر.
كل الرواة رووه هكذا إلا أبا عامر العقدي فجعله عن عائشة لم يذكر جدامة وكذا رواه القعنبي في غير الموطأ ورواه فيه كسائر الرواة عن عائشة عن جدامة ففي روايتها عنها حرص عائشة على العلم وبحثها عنه.

( أنها سمعت رسول الله) وفي رواية مسلم حضرت رسول الله في أناس ( صلى الله عليه وسلم يقول لقد هممت) أي قصدت ( أن أنهى عن الغيلة) بكسر الغين المعجمة، وبالهاء اسم من الغيل بفتحها والغيال بكسرها والغيلة بالفتح والهاء المرة الواحدة، وقيل: لا تفتح الغين إلا مع حذف الهاء.
وذكر ابن السراج الوجهين في غيلة الرضاع، أما غيلة القتل فبالكسر لا غير.
وفي رواية لمسلم عن الغيال وهو صحيح أيضًا قاله عياض ( حتى ذكرت أن الروم) بضم الراء نسبة إلى روم بن عيصو بن إسحاق ( وفارس) لقب قبيلة ليس بأب ولا أم وإنما هم أخلاط من تغلب اصطلحوا على هذا الاسم ( يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم) وفي رواية لمسلم: فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئًا يعني لو كان الجماع حال الرضاع أو الإرضاع حال الحمل مضرًا لضر أولاد الروم وفارس لأنهم يصنعون ذلك مع كثرة الأطباء فيهم فلو كان مضرًا لمنعوهم منه فحينئذ لا أنهى عنه، قال عياض: ففيه جوازه إذ لم ينه عنه لأنه رأى الجمهور لا يضره وإن أضر بالقليل لأن الماء يكثر اللبن وقد يغيره والأطباء يقولون في ذلك اللبن إنه داء والعرب تتقيه، ولأنه قد يكون عنه حمل ولا يعرف فيرجع إلى إرضاع الحامل المتفق على مضرته وأخذ الجواز أيضًا من حديث سعد بن أبي وقاص عند مسلم أن رجلاً قال إني أعزل عن امرأتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تفعل ذلك؟ فقال: أشفق على ولدها أو على أولادها فقال: لو كان ذلك ضارًا ضر فارس والروم.

قال الباجي: لعل الغيلة إنما تضر في النادر فلذا لم ينه عنها رفقًا بالناس للمشقة على من له زوجة واحدة.
قال عياض: وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في الأحكام واختلف الأصوليون فيه.
قال الأبي: ووجه الاجتهاد أنه لما علم برأي أو استفاضة أنه لا يضر فارس والروم قاس العرب عليهم للاشتراك في الحقيقة.

ورواه مسلم عن يحيى وخلف بن هشام كلاهما عن مالك به وتابعه سعيد بن أبي أيوب ويحيى بن أيوب كلاهما عن محمد بن عبد الرحمن نحوه عند مسلم أيضًا وأخرجه أحمد والأربعة من طريق مالك وغيره ولم يخرجه البخاري ولا خرج عن جدامة.

( قال مالك والغيلة أن يمس الرجل امرأته وهي ترضع) أنزل أو لا لأنه إن لم ينزل فقد تنزل المرأة فيضر اللبن وقيل إن لم ينزل فليس بغيلة قال ابن عبد البر تفسير مالك هو قول أكثر أهل اللغة وغيرهم وقال الأخفش هي إرضاع المرأة ولدها وهي حامل لأنها إذا حملت فسد اللبن فيفسد جسم الصبي ويضعف حتى ربما كان ذلك في عقله وفي حديث مرفوع إن الغيلة لتدرك الفارس فتعثره عن فرسه أو قال عن سرجه أي يضعف فيسقط عنه وقال الشاعر:

فوارس لم يغالوا في رضاع
فتنبوا في أكفهم السيوف

ولو كان ما قاله الأخفش حقًا لنهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم إرشادًا لأنه رؤوف بالمؤمنين اهـ.
وفي الأبي احتج من قال: أنها وطء المرضع بأن إرضاع الحامل مضر ودليله العيان، فلا يصح حمل الحديث عليه لأن الغيلة التي فيه لا تضر وهذه تضر.
وقال ابن القيم: والخبر يعني حديث الباب لا ينافيه خبر لا تغيلوا أولادكم سرًا فإن هذا كالمشورة عليهم والإرشاد لهم إلى ترك ما يضعف الولد ويغيله فإن المرأة المرضع إذا باشرها الرجل حرك منها دم الطمث وأهاجه للخروج فلا يبقى اللبن على اعتداله وطيب ريحه وربما حملت الموطوءة فيكون من أضر الأمور على الرضيع لأن جهة الدم حينئذ تنصرف في تغذية الجنين فيصير لبنها رديئًا فيضعف الرضيع، فهذا وجه الإرشاد لهم إلى تركه ولم يحرمه عليهم ولا نهى عنه لأنه لا يقع دائمًا لكل مولود.

( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم) بمهملة وزاي ( عن عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية ( عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات) وصفها بذلك تحرزًا عما شك وصوله قاله القرطبي ( يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) ولابن وضاح وهي أي الخمس لأنها أقرب ( فيما يقرأ من القرآن) المنسوخ فالمعنى أن العشر نسخت بخمس ولكن هذا النسخ تأخر حتى توفي صلى الله عليه وسلم وبعض الناس لم يبلغه النسخ فصار يتلوه قرآنًا فلما بلغه ترك فالعشر على قولها منسوخة الحكم والتلاوة والخمس منسوخة التلاوة فقط كآية الرجم ومن يحتج به على العشرة يعيد الضمير عليها ويكون من يقرؤها لم يبلغه النسخ وليس المعنى أن تلاوتها كانت ثابتة وتركوها لأن القرآن محفوظ قاله أبو عبد الله الأبي.
وقال ابن عبد البر: وبه تمسك الشافعي لقوله لا يقع التحريم إلا بخمس رضعات تصل إلى الجوف، وأجيب بأنه لم يثبت قرآنًا وهي قد أضافته إلى القرآن واختلف عنها في العمل به فليس بسنة ولا قرآن.
وقال المازري: لا حجة فيه لأنه لم يثبت إلا من طريقها والقرآن لا يثبت بالآحاد فإن قيل: إذا لم يثبت أنه قرآن بقي الاحتجاج به في عدد الرضعات لأن المسائل العملية يصح التمسك فيها بالآحاد قيل هذا وإن قاله بعض الأصوليين فقد أنكره حذاقهم لأنها لم ترفعه فليس بقرآن ولا حديث، وأيضًا لم تذكره على أنه حديث وأيضًا ورد بطريق الآحاد فيما جرت العادة فيه التواتر فإن قيل إنما لم ترفعه أو لم يتواتر لأنه نسخ قلنا قد أجبتم أنفسكم فالمنسوخ لا يعمل به وكذا قول عائشة وهي مما يتلى من القرآن أي من القرآن المنسوخ فلو أرادت من القرآن الثابت لاشتهر عند غيرها من الصحابة كما اشتهر سائر القرآن ولذا قال:

( مالك وليس العمل على هذا) بل على التحريم ولو بمصة وصلت للجوف عملاً بظاهر القرآن وأحاديث الرضاع، وبهذا قال الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة وعلماء الأمصار حتى قال الليث: أجمع المسلمون أن قليل الرضاع وكثيره يحرم في المهد ما يفطر الصائم حكاه في التمهيد.
ومن المقرر أنه إذا كان علماء الصحابة وأئمة الأنصار وجهابذة المحدثين قد تركوا العمل بحديث مع روايتهم له ومعرفتهم به كهذا الحديث، فإنما تركوه لعلة كنسخ أو معارض يوجب تركه فيرجع إلى ظاهر القرآن والأخبار المطلقة وإلى قاعدة هي أصل في الشريعة وهي أنه متى حصل اشتباه في قصة كان الاحتياط فيها أبرأ للذمة وأنه متى تعارض مانع ومبيح قدم المانع لأنه أحوط وبهذا يندفع تشعيب بعض الشافعية على مالك في عدم قوله بهذا الحديث مع أنه رواه وأطال بعض المالكية في الرد على ذلك البعض بما رأيت الإضراب عن كلاميهما أولى لما في كل منهما من الاستطالة في الكلام للحمية المذهبية.

وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي، والترمذي من طريق معن، والنسائي من طريق ابن القاسم الأربعة عن مالك به وتابعه محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر نحوه عند ابن ماجه.
وتابعه يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة نحوه عند مسلم والله أعلم وأسأله الإعانة على التمام.
خالصًا لوجهه بجاه أفضل الأنام.



رقم الحديث 1329 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ جَدِّهِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ، وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ.


( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال) مرسلاً ورواه ابن وهب عن الليث بن سعد وعمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أنه حدثهما أن عبد الله بن أبي سلمة حدثه أنه بلغه أن رسول الله فذكره قيل إن شيخه عبد الله هو الهذلي يروي عن ابن عمر وغيره وزعم البخاري أنه والد عبد العزيز بن أبي سلمة فالله أعلم قاله أبو عمر ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين) سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة كما رواه يعقوب بن شيبة وغيره بإسناد صحيح عن فضالة قال: كنا يوم خيبر فجعل صلى الله عليه وسلم على الغنائم سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة ( أن يبيعا آنية من المغانم) أي مغانم خيبر ( من ذهب أو فضة فباعا كل ثلاثة بأربعة عينًا أو كل أربعة بثلاثة عينًا) شك الراوي.
( فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أربيتما فردا) ما بعتما وفيه أمر الإمام ببيع المغانم إذا رأى ذلك ويقسم الثمن وإنما رد البيع ولم يأمر عامله على خيبر لما باع صاعين يجمع بصاع من جنيب بالرد لاحتمال أن مبتاع الآنية موجود معلوم بخلاف مبتاع الجمع أو لم يتقدم نهي قبل بيع الجنيب فلا يفسخ بخلاف الآنية، وإنما بيعت قبل كسرها لأن المشتري لا بد له من كسرها ولا يبقيها للانتفاع بها لحديث الذي يشرب في آنية الفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم.

( مالك عن موسى بن أبي تميم) المدني ثقة له في الموطأ مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن أبي الحباب) بضم المهملة وموحدتين بينهما ألف ( سعيد) بكسر العين ( بن يسار) المدني ثقة متقن ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما) أي زيادة فيحرم الربا في الذهب والفضة لعلة الثمنية الغالبة فالربويان المتحد جنسهما كذهب بذهب وفضة بفضة يحرم فيهما التفاضل وكذا النساء والتفرق قبل التقابض، وقد زاد في حديث علي عند ابن ماجه وصححه الحاكم عقب قوله لا فضل بينهما فمن كانت له حاجة بورق فليصرفها بذهب ومن كانت له حاجة بذهب فليصرفها بالورق والصرف هاء وهاء.

وهذا رواه مسلم من طريق ابن وهب عن مالك وتابعه سليمان بن بلال عن موسى به عند مسلم أيضًا ورواه النسائي من طريق مالك وغيره.
( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) أي إلا حال كونهما متماثلين، أي متساويين، أي مع الحلول والتقابض في المجلس ( ولا تشفوا) بضم الفوقية وكسر الشين المعجمة وضم الفاء المشددة، من الأشفاف أي لا تفضلوا ( بعضها على بعض) والشف بالكسر الزيادة ( ولا تبيعوا الورق بالورق) بكسر الراء فيهما، الفضة بالفضة ( إلا) حال كونهما ( مثلاً بمثل) بكسر الميم، أي متماثلين ( ولا تشفوا) أي لا تفضلوا ( بعضها على بعض ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا) أي مؤجلاً ( بناجز) بنون وجيم وزاي، أي بحاضر فلا بد من التقابض في المجلس وفيه أن الزيادة وإن قلت حرام لأن الشفوف الزيادة القليلة ومنه شفافة الإناء وهي البقية القليلة من الماء، ولا خلاف في منع الصرف المؤخر إلا في دينار في ذمة آخذ صرفه الآن أو في دينار في ذمة وصرفه في ذمة أخرى فيتقاصان معًا، فذهب مالك وأصحابه إلى جواز الصورتين بشرط حلول ما في الذمة وأن يتناجزا في المجلس وأجاز أبو حنيفة وأصحابه الصورتين وإن لم يحل ما في الذمة فيهما مراعاة لبراءة الذمم، وأجاز الشافعي وابن كنانة وابن وهب الصورة الأولى دون الثانية قاله عياض.
ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ورواه الترمذي والنسائي أيضًا من طريق مالك.

( مالك عن حميد بن قيس المكي) أبي صفوان القاري الأعرج من رجال الجماعة ( عن مجاهد) بن جبر، بفتح الجيم وسكون الموحدة، أبي الحجاج المخزومي مولاهم المكي إمام في التفسير، وفي العلم مات سنة إحدى أو اثنين أو ثلاث أو أربع ومائة وله ثلاث وثمانون سنة ( أنه قال كنت مع عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( فجاءه صائغ) هو وردان الرومي، كما أخرجه ابن عبد البر من طريق ابن عيينة عن وردان أنه سأل ابن عمر ( فقال له: يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( إني أصوغ الذهب) أجعله حليًا ( ثم أبيع الشيء) المصوغ ( بأكثر من وزنه فأستفضل) أستبقي والسين للتأكيد ( من ذلك قدر عمل يدي فنهاه عبد الله عن ذلك) للربا ( فجعل الصائغ يردد) يعيد ( عليه المسألة) المذكورة ( وعبد الله ينهاه عن ذلك حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابة يريد أن يركبها) شك الراوي ( ثم قال عبد الله بن عمر الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل) زيادة ( بينهما هذا عهد) أي وصية ( نبينا) صلى الله عليه وسلم ( إلينا وعهدنا إليكم) وقد بلغناكم.

قال أبو عمر قوله: الدينار بالدينار إلخ إشارة إلى جنس الأصل لا إلى المضروب دون غيره بدليل إشارة ابن عمر الحديث على سؤال الصائغ له عن الذهب المصوغ، وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم الفضة بالفضة والذهب بالذهب مثلاً بمثل وزنًا بوزن، ولا أعلم أحدًا حرم التفاضل في المضروب من الذهب والفضة المدرهمة دون التبر والمصوغ منهما إلا ما جاء عن معاوية والإجماع على خلافه.
قال: وفي قوله نبينا تصريح بالمراد في قوله في رواية ابن عيينة هذا عهد صاحبنا فقول الشافعي يعني به أباه عمر غلط على أصله لأن صاحبنا مجمل يحتمل أنه أراد النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأظهر ويحتمل أنه أراد عمر فلما قال مجاهد عن ابن عمر عهد نبينا فسر ما أجمل ورد أن هذا أصل ما يعتمده الشافعي في الآثار لكن الغلط لا يسلم منه أحد وإنما دخلت الداخلة على الناس من جهة التقليد لأنه إذا تكلم العالم عند من لا ينعم النظر بشيء كتبه وجعله دينًا يرد به ما خالفه دون معرفة وجهه فيقع الخلل اهـ.

( مالك أنه بلغه عن جده) وصله مسلم من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ( مالك بن أبي عامر أن عثمان بن عفان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين) فيحرم ربا الفضل ولو قل فيحتمل أن يكون الذي بلغه ابن وهب أو مخرمة بن بكير ( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم المدني ( عن عطاء بن يسار) بتحتية ومهملة خفيفة ( أن معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب ( باع سقاية) بكسر السين، قيل هي البرادة يبرد فيها الماء تعلق ( من ذهب أو ورق) فضة ( بأكثر من وزنها) قال ابن حبيب: زعم أصحاب مالك أن السقاية قلادة من ذهب فيها جوهر وليس كما قالوا فالقلادة لا تسمى سقاية بل هي كأس كبيرة يشرب بها ويكال بها، وأما القلادة وهي العقد التي تعلقها المرأة على نحرها فغيرها ابتاعها معاوية بستمائة دينار فيها تبر وجوهر من لؤلؤ وياقوت وزبرجد، فنهاه عبادة بن الصامت وأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ذلك ( فقال أبو الدرداء) عويمر، وقيل عامر بن قيس الأنصاري، صحابي جليل عابد أول مشاهده أحد مات في خلافة عثمان وقيل: عاش بعد ذلك ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل) أي سواء في القدر ( فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسًا) إما لأنه حمل النهي على المسبوك الذي به التعامل وقيم المتلفات أو كان لا يرى ربا الفضل كابن عباس ( فقال أبو الدرداء من يعذرني) بكسر الذال المعجمة ( من معاوية) أي من يلومه على فعله ولا يلومني عليه أو من يقوم بعذري إذا جازيته بصنعه ولا يلومني على ما أفعله به أو من ينصرني يقال عذرته إذا نصرته ( أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه) أنف من رد السنة بالرأي وصدور العلماء تضيق عن مثل هذا وهو عندهم عظيم رد السنن بالرأي ( لا أساكنك بأرض أنت بها) وجائز للمرء أن يهجر من لم يسمع منه ولم يطعه وليس هذا من الهجرة المكروهة، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن لا يكلموا كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك.
وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع وهجرته وقطع الكلام عنه وقد رأى ابن مسعود رجلاً يضحك في جنازة فقال: والله لا أكلمك أبدًا، قاله أبو عمر ( ثم قدم أبو الدرداء) من الشام ( على عمر بن الخطاب) المدينة ( فذكر ذلك له فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبيع ذلك إلا مثلاً بمثل وزنًا بوزن) بيان للمثل.

قال أبو عمر: لا أعلم أن هذه القصة عرضت لمعاوية مع أبي الدرداء إلا من هذا الوجه وإنما هي محفوظة لمعاوية مع عبادة بن الصامت، والطرق متواترة بذلك عنهما اهـ.
والإسناد صحيح وإن لم يرد من وجه آخر فهو من الأفراد الصحيحة والجمع ممكن لأنه عرض له ذلك مع عبادة وأبي الدرداء.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) أي متساويًا ( ولا تشفوا) أي تفضلوا بعضها على بعض، ويطلق الشف لغة أيضًا على النقص وهو من أسماء الأضداد ( ولا تبيعوا الورق بالورق) أي الفضة ( إلا مثلاً بمثل) بكسر فسكون فيهما ( ولا تشفوا) تزيدوا ( بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالذهب أحدهما غائب) عن المجلس ( والآخر ناجز) أي حاضر، وهذا تقدم مرفوعًا عن أبي سعيد وذكر هذا الموقوف إشارة لاستمرار العمل به ولزيادة قوله ( وإن استنظرك إلى أن يلج) يدخل ( بيته فلا تنظره) لا تؤخره ( إني أخاف عليكم الرماء) بفتح الراء والميم والمد ( والرماء هو الربا) أي الزيادة والتأخير وفي رواية الإرماء يقال: أرمى على الشيء وأربى إذا زاد عليه.

( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض) أعاده لإفادة أنه رواه عن شيخين ولم يجمعهما لاختلاف لفظهما في قوله ( ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا بناجز) فإن نافعًا قال: ولا تبيعوا الورق إلخ ومالك يحافظ على ألفاظ شيوخه وإن اتحد معناها، واللفظ الثاني طبق المرفوع السابق، والأول بمعناه ( وإن استنظرك) طلب تأخيرك ( إلى أن يلج بيته فلا تنظره إني أخاف عليكم الرماء) بالمد ( والرماء هو الربا) الظاهر أن هذا التفسير من ابن عمر لاتفاق نافع وابن دينار عليه ففيه حرمة ربا النساء أي التأخير وإن قل وهو المشهور ومذهب المدونة وخفف القليل مالك في الموازية.

( مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد) بن الصديق ( أنه قال: قال عمر بن الخطاب الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم والصاع) المكيال المعروف ( بالصاع) من الربويات كالقمح ( ولا يباع كالئ) بالهمز أي مؤجل ( بناجز) أي حاضر ( مالك عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: لا ربًا إلا في ذهب أو فضة أو ما يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب) كما أشير إلى ذلك في الحديث النبوي.

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض) وجاء عن ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح في قوله تعالى: { { وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } } أن إفسادهم كان قطع الذهب والفضة وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى: { { أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } } قال: قطع الدنانير والدراهم وقال غيره هو البخس الذي كانوا يفعلونه وروى ابن أبي شيبة أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس قال أبو عمر إسناده لين.

( قال مالك: ولا بأس أن يشتري الرجل) أو المرأة ( الذهب بالفضة والفضة بالذهب جزافًا إذا كان تبرًا أو حليًا) بفتح فسكون، مفرد حلي، بضم فكسر ( قد صيغ فأما الدراهم المعدودة والدنانير المعدودة فلا ينبغي) لا يحل ( لأحد أن يشتري شيئًا من ذلك جزافًا حتى يعلم ويعد) كل منهما ( فإن اشتري ذلك جزافًا فإنما يراد به الغرر حين يترك عده ويشترى جزافًا وليس هذا من بيوع المسلمين) فيحرم لحصول الغرر من جهتي الكمية والآحاد لأنه يرغب في كثرة آحاده ليسهل الشراء بها، هكذا علله الأبهري وعبد الوهاب وعلله ابن مسلمة بكثرة ثمن العين فيكثر الغرر ورد بجواز بيع الحلي واللؤلؤ وغيرهم جزافًا كما قال ( فأما ما كان يوزن من التبر والحلي فلا بأس أن يباع ذلك جزافًا وإنما ابتياع ذلك جزافًا) حال كونه ( كهيئة الحنطة والتمر ونحوهما من الأطعمة التي تباع جزافًا ومثلها يكال فليس بابتياع ذلك جزافًا بأس) أي يجوز إذا كان التعامل بالوزن لعدم قصد إفراده حينئذٍ.

( قال مالك: من اشترى مصحفًا أو سيفًا أو خاتمًا وفي شيء من ذلك ذهب أو فضة بدنانير أو دراهم) متعلق باشترى ( فإن ما اشتري من ذلك وفيه الذهب بدنانير فإنه ينظر إلى قيمته فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الذهب الثلث فذلك جائز لا بأس به إذا كان ذلك يدًا بيد ولا يكون فيه تأخير) بيان ليد بيد وظاهره أنه ينظر في الثلث وغيره إلى قيمة المحلى مصوغًا وكذا هو ظاهر الموازية.
وقال الباجي ظاهر المذهب أن النظر في ذلك بالوزن ( وما اشتري من ذلك بالورق مما فيه الورق نظر إلى قيمته) مصوغًا ( فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الورق الثلث فذلك جائز لا بأس به) تأكيد لجائز أو معناه بلا كراهة ( إذا كان ذلك يدًا بيد) أي مناجزة ( ولم يزل على ذلك أمر الناس عندنا) بالمدينة.



رقم الحديث 1330 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ.


( جامع ما جاء في الرضاعة)

( مالك عن عبد الله بن دينار) المدني مولى ابن عمر ( عن سليمان بن يسار وعن عروة بن الزبير) كلاهما ( عن عائشة) قال ابن عبد البر: هذا غلط من يحيى أي زيادة الواو لم يتابعه أحد من رواة الموطأ عليه.
والحديث محفوظ في الموطأ وغيره عن سليمان عن عروة عن عائشة ( أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة) من تحريم النكاح ابتداء ودوامًا، ونشر الحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة فيحرم عليها هو وفروعه من نسب ورضاع، ويحرم عليه جميع أولادها ما تقدم وما تأخر وتحرم عليه هي وأخواتها من نسب ورضاع ويصير ابنًا لزوجها صاحب اللبن فيحرم هو وأصوله وفروعه من نسب ورضاع إلى آخر ما بين في الفقه ومن جواز النظر والخلوة والمسافرة دون سائر أحكام النسب كميراث ونفقة وعتق بالملك ورد شهادة.
وهذا الحديث رواه الترمذي من طريق يحيى القطان ومعن القزاز كليهما عن مالك بسنده المذكور بلفظ إن الله حرم من الرضاعة ما حرم من الولادة اهـ فلعل مالكًا حدث به باللفظين.

( مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل) بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي أبي الأسود يتيم عروة الثقة العلامة ( قال أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين) رضي الله عنها ( عن جدامة) بضم الجيم وفتح الدال المهملة على الصحيح عن مالك كما قال مسلم، وهو قول الجمهور حتى قال الدارقطني من قالها بالمعجمة فقد صحف وقال الباجي: بالمهملة رواية يحيى وقال أبو ذر عنه سماعي منه موطأ أبي مصعب بالمعجمة قال المازري وهي لغة ما لم يندق من السنبل في قول أبي حاتم وقال غيره: إذا تحات البر فما بقي في الغربال من قصبه فهو جدامة ( بنت وهب) بن محصن ويقال: بنت جندل ويقال بنت جندب ( الأسدية) لها سابقة، وهجرة، زاد في رواية لمسلم أخت عكاشة أي أخته لأمه على المختار خلافًا لمن قال لعله أخي عكاشة فتكون بنت أخيه ( أنها) أي جدامة ( أخبرتها) أي عائشة.
قال ابن عبد البر.
كل الرواة رووه هكذا إلا أبا عامر العقدي فجعله عن عائشة لم يذكر جدامة وكذا رواه القعنبي في غير الموطأ ورواه فيه كسائر الرواة عن عائشة عن جدامة ففي روايتها عنها حرص عائشة على العلم وبحثها عنه.

( أنها سمعت رسول الله) وفي رواية مسلم حضرت رسول الله في أناس ( صلى الله عليه وسلم يقول لقد هممت) أي قصدت ( أن أنهى عن الغيلة) بكسر الغين المعجمة، وبالهاء اسم من الغيل بفتحها والغيال بكسرها والغيلة بالفتح والهاء المرة الواحدة، وقيل: لا تفتح الغين إلا مع حذف الهاء.
وذكر ابن السراج الوجهين في غيلة الرضاع، أما غيلة القتل فبالكسر لا غير.
وفي رواية لمسلم عن الغيال وهو صحيح أيضًا قاله عياض ( حتى ذكرت أن الروم) بضم الراء نسبة إلى روم بن عيصو بن إسحاق ( وفارس) لقب قبيلة ليس بأب ولا أم وإنما هم أخلاط من تغلب اصطلحوا على هذا الاسم ( يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم) وفي رواية لمسلم: فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئًا يعني لو كان الجماع حال الرضاع أو الإرضاع حال الحمل مضرًا لضر أولاد الروم وفارس لأنهم يصنعون ذلك مع كثرة الأطباء فيهم فلو كان مضرًا لمنعوهم منه فحينئذ لا أنهى عنه، قال عياض: ففيه جوازه إذ لم ينه عنه لأنه رأى الجمهور لا يضره وإن أضر بالقليل لأن الماء يكثر اللبن وقد يغيره والأطباء يقولون في ذلك اللبن إنه داء والعرب تتقيه، ولأنه قد يكون عنه حمل ولا يعرف فيرجع إلى إرضاع الحامل المتفق على مضرته وأخذ الجواز أيضًا من حديث سعد بن أبي وقاص عند مسلم أن رجلاً قال إني أعزل عن امرأتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تفعل ذلك؟ فقال: أشفق على ولدها أو على أولادها فقال: لو كان ذلك ضارًا ضر فارس والروم.

قال الباجي: لعل الغيلة إنما تضر في النادر فلذا لم ينه عنها رفقًا بالناس للمشقة على من له زوجة واحدة.
قال عياض: وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في الأحكام واختلف الأصوليون فيه.
قال الأبي: ووجه الاجتهاد أنه لما علم برأي أو استفاضة أنه لا يضر فارس والروم قاس العرب عليهم للاشتراك في الحقيقة.

ورواه مسلم عن يحيى وخلف بن هشام كلاهما عن مالك به وتابعه سعيد بن أبي أيوب ويحيى بن أيوب كلاهما عن محمد بن عبد الرحمن نحوه عند مسلم أيضًا وأخرجه أحمد والأربعة من طريق مالك وغيره ولم يخرجه البخاري ولا خرج عن جدامة.

( قال مالك والغيلة أن يمس الرجل امرأته وهي ترضع) أنزل أو لا لأنه إن لم ينزل فقد تنزل المرأة فيضر اللبن وقيل إن لم ينزل فليس بغيلة قال ابن عبد البر تفسير مالك هو قول أكثر أهل اللغة وغيرهم وقال الأخفش هي إرضاع المرأة ولدها وهي حامل لأنها إذا حملت فسد اللبن فيفسد جسم الصبي ويضعف حتى ربما كان ذلك في عقله وفي حديث مرفوع إن الغيلة لتدرك الفارس فتعثره عن فرسه أو قال عن سرجه أي يضعف فيسقط عنه وقال الشاعر:

فوارس لم يغالوا في رضاع
فتنبوا في أكفهم السيوف

ولو كان ما قاله الأخفش حقًا لنهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم إرشادًا لأنه رؤوف بالمؤمنين اهـ.
وفي الأبي احتج من قال: أنها وطء المرضع بأن إرضاع الحامل مضر ودليله العيان، فلا يصح حمل الحديث عليه لأن الغيلة التي فيه لا تضر وهذه تضر.
وقال ابن القيم: والخبر يعني حديث الباب لا ينافيه خبر لا تغيلوا أولادكم سرًا فإن هذا كالمشورة عليهم والإرشاد لهم إلى ترك ما يضعف الولد ويغيله فإن المرأة المرضع إذا باشرها الرجل حرك منها دم الطمث وأهاجه للخروج فلا يبقى اللبن على اعتداله وطيب ريحه وربما حملت الموطوءة فيكون من أضر الأمور على الرضيع لأن جهة الدم حينئذ تنصرف في تغذية الجنين فيصير لبنها رديئًا فيضعف الرضيع، فهذا وجه الإرشاد لهم إلى تركه ولم يحرمه عليهم ولا نهى عنه لأنه لا يقع دائمًا لكل مولود.

( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم) بمهملة وزاي ( عن عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية ( عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات) وصفها بذلك تحرزًا عما شك وصوله قاله القرطبي ( يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) ولابن وضاح وهي أي الخمس لأنها أقرب ( فيما يقرأ من القرآن) المنسوخ فالمعنى أن العشر نسخت بخمس ولكن هذا النسخ تأخر حتى توفي صلى الله عليه وسلم وبعض الناس لم يبلغه النسخ فصار يتلوه قرآنًا فلما بلغه ترك فالعشر على قولها منسوخة الحكم والتلاوة والخمس منسوخة التلاوة فقط كآية الرجم ومن يحتج به على العشرة يعيد الضمير عليها ويكون من يقرؤها لم يبلغه النسخ وليس المعنى أن تلاوتها كانت ثابتة وتركوها لأن القرآن محفوظ قاله أبو عبد الله الأبي.
وقال ابن عبد البر: وبه تمسك الشافعي لقوله لا يقع التحريم إلا بخمس رضعات تصل إلى الجوف، وأجيب بأنه لم يثبت قرآنًا وهي قد أضافته إلى القرآن واختلف عنها في العمل به فليس بسنة ولا قرآن.
وقال المازري: لا حجة فيه لأنه لم يثبت إلا من طريقها والقرآن لا يثبت بالآحاد فإن قيل: إذا لم يثبت أنه قرآن بقي الاحتجاج به في عدد الرضعات لأن المسائل العملية يصح التمسك فيها بالآحاد قيل هذا وإن قاله بعض الأصوليين فقد أنكره حذاقهم لأنها لم ترفعه فليس بقرآن ولا حديث، وأيضًا لم تذكره على أنه حديث وأيضًا ورد بطريق الآحاد فيما جرت العادة فيه التواتر فإن قيل إنما لم ترفعه أو لم يتواتر لأنه نسخ قلنا قد أجبتم أنفسكم فالمنسوخ لا يعمل به وكذا قول عائشة وهي مما يتلى من القرآن أي من القرآن المنسوخ فلو أرادت من القرآن الثابت لاشتهر عند غيرها من الصحابة كما اشتهر سائر القرآن ولذا قال:

( مالك وليس العمل على هذا) بل على التحريم ولو بمصة وصلت للجوف عملاً بظاهر القرآن وأحاديث الرضاع، وبهذا قال الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة وعلماء الأمصار حتى قال الليث: أجمع المسلمون أن قليل الرضاع وكثيره يحرم في المهد ما يفطر الصائم حكاه في التمهيد.
ومن المقرر أنه إذا كان علماء الصحابة وأئمة الأنصار وجهابذة المحدثين قد تركوا العمل بحديث مع روايتهم له ومعرفتهم به كهذا الحديث، فإنما تركوه لعلة كنسخ أو معارض يوجب تركه فيرجع إلى ظاهر القرآن والأخبار المطلقة وإلى قاعدة هي أصل في الشريعة وهي أنه متى حصل اشتباه في قصة كان الاحتياط فيها أبرأ للذمة وأنه متى تعارض مانع ومبيح قدم المانع لأنه أحوط وبهذا يندفع تشعيب بعض الشافعية على مالك في عدم قوله بهذا الحديث مع أنه رواه وأطال بعض المالكية في الرد على ذلك البعض بما رأيت الإضراب عن كلاميهما أولى لما في كل منهما من الاستطالة في الكلام للحمية المذهبية.

وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي، والترمذي من طريق معن، والنسائي من طريق ابن القاسم الأربعة عن مالك به وتابعه محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر نحوه عند ابن ماجه.
وتابعه يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة نحوه عند مسلم والله أعلم وأسأله الإعانة على التمام.
خالصًا لوجهه بجاه أفضل الأنام.



رقم الحديث 1330 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ بَاعَ سِقَايَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا أَرَى بِمِثْلِ هَذَا بَأْسًا.
فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ؟ أَنَا أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ، لَا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ أَنْتَ بِهَا ثُمَّ قَدِمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى مُعَاوِيَةَ: أَنْ لَا تَبِيعَ ذَلِكَ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ.


( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال) مرسلاً ورواه ابن وهب عن الليث بن سعد وعمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أنه حدثهما أن عبد الله بن أبي سلمة حدثه أنه بلغه أن رسول الله فذكره قيل إن شيخه عبد الله هو الهذلي يروي عن ابن عمر وغيره وزعم البخاري أنه والد عبد العزيز بن أبي سلمة فالله أعلم قاله أبو عمر ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين) سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة كما رواه يعقوب بن شيبة وغيره بإسناد صحيح عن فضالة قال: كنا يوم خيبر فجعل صلى الله عليه وسلم على الغنائم سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة ( أن يبيعا آنية من المغانم) أي مغانم خيبر ( من ذهب أو فضة فباعا كل ثلاثة بأربعة عينًا أو كل أربعة بثلاثة عينًا) شك الراوي.
( فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أربيتما فردا) ما بعتما وفيه أمر الإمام ببيع المغانم إذا رأى ذلك ويقسم الثمن وإنما رد البيع ولم يأمر عامله على خيبر لما باع صاعين يجمع بصاع من جنيب بالرد لاحتمال أن مبتاع الآنية موجود معلوم بخلاف مبتاع الجمع أو لم يتقدم نهي قبل بيع الجنيب فلا يفسخ بخلاف الآنية، وإنما بيعت قبل كسرها لأن المشتري لا بد له من كسرها ولا يبقيها للانتفاع بها لحديث الذي يشرب في آنية الفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم.

( مالك عن موسى بن أبي تميم) المدني ثقة له في الموطأ مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن أبي الحباب) بضم المهملة وموحدتين بينهما ألف ( سعيد) بكسر العين ( بن يسار) المدني ثقة متقن ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما) أي زيادة فيحرم الربا في الذهب والفضة لعلة الثمنية الغالبة فالربويان المتحد جنسهما كذهب بذهب وفضة بفضة يحرم فيهما التفاضل وكذا النساء والتفرق قبل التقابض، وقد زاد في حديث علي عند ابن ماجه وصححه الحاكم عقب قوله لا فضل بينهما فمن كانت له حاجة بورق فليصرفها بذهب ومن كانت له حاجة بذهب فليصرفها بالورق والصرف هاء وهاء.

وهذا رواه مسلم من طريق ابن وهب عن مالك وتابعه سليمان بن بلال عن موسى به عند مسلم أيضًا ورواه النسائي من طريق مالك وغيره.
( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) أي إلا حال كونهما متماثلين، أي متساويين، أي مع الحلول والتقابض في المجلس ( ولا تشفوا) بضم الفوقية وكسر الشين المعجمة وضم الفاء المشددة، من الأشفاف أي لا تفضلوا ( بعضها على بعض) والشف بالكسر الزيادة ( ولا تبيعوا الورق بالورق) بكسر الراء فيهما، الفضة بالفضة ( إلا) حال كونهما ( مثلاً بمثل) بكسر الميم، أي متماثلين ( ولا تشفوا) أي لا تفضلوا ( بعضها على بعض ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا) أي مؤجلاً ( بناجز) بنون وجيم وزاي، أي بحاضر فلا بد من التقابض في المجلس وفيه أن الزيادة وإن قلت حرام لأن الشفوف الزيادة القليلة ومنه شفافة الإناء وهي البقية القليلة من الماء، ولا خلاف في منع الصرف المؤخر إلا في دينار في ذمة آخذ صرفه الآن أو في دينار في ذمة وصرفه في ذمة أخرى فيتقاصان معًا، فذهب مالك وأصحابه إلى جواز الصورتين بشرط حلول ما في الذمة وأن يتناجزا في المجلس وأجاز أبو حنيفة وأصحابه الصورتين وإن لم يحل ما في الذمة فيهما مراعاة لبراءة الذمم، وأجاز الشافعي وابن كنانة وابن وهب الصورة الأولى دون الثانية قاله عياض.
ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ورواه الترمذي والنسائي أيضًا من طريق مالك.

( مالك عن حميد بن قيس المكي) أبي صفوان القاري الأعرج من رجال الجماعة ( عن مجاهد) بن جبر، بفتح الجيم وسكون الموحدة، أبي الحجاج المخزومي مولاهم المكي إمام في التفسير، وفي العلم مات سنة إحدى أو اثنين أو ثلاث أو أربع ومائة وله ثلاث وثمانون سنة ( أنه قال كنت مع عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( فجاءه صائغ) هو وردان الرومي، كما أخرجه ابن عبد البر من طريق ابن عيينة عن وردان أنه سأل ابن عمر ( فقال له: يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( إني أصوغ الذهب) أجعله حليًا ( ثم أبيع الشيء) المصوغ ( بأكثر من وزنه فأستفضل) أستبقي والسين للتأكيد ( من ذلك قدر عمل يدي فنهاه عبد الله عن ذلك) للربا ( فجعل الصائغ يردد) يعيد ( عليه المسألة) المذكورة ( وعبد الله ينهاه عن ذلك حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابة يريد أن يركبها) شك الراوي ( ثم قال عبد الله بن عمر الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل) زيادة ( بينهما هذا عهد) أي وصية ( نبينا) صلى الله عليه وسلم ( إلينا وعهدنا إليكم) وقد بلغناكم.

قال أبو عمر قوله: الدينار بالدينار إلخ إشارة إلى جنس الأصل لا إلى المضروب دون غيره بدليل إشارة ابن عمر الحديث على سؤال الصائغ له عن الذهب المصوغ، وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم الفضة بالفضة والذهب بالذهب مثلاً بمثل وزنًا بوزن، ولا أعلم أحدًا حرم التفاضل في المضروب من الذهب والفضة المدرهمة دون التبر والمصوغ منهما إلا ما جاء عن معاوية والإجماع على خلافه.
قال: وفي قوله نبينا تصريح بالمراد في قوله في رواية ابن عيينة هذا عهد صاحبنا فقول الشافعي يعني به أباه عمر غلط على أصله لأن صاحبنا مجمل يحتمل أنه أراد النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأظهر ويحتمل أنه أراد عمر فلما قال مجاهد عن ابن عمر عهد نبينا فسر ما أجمل ورد أن هذا أصل ما يعتمده الشافعي في الآثار لكن الغلط لا يسلم منه أحد وإنما دخلت الداخلة على الناس من جهة التقليد لأنه إذا تكلم العالم عند من لا ينعم النظر بشيء كتبه وجعله دينًا يرد به ما خالفه دون معرفة وجهه فيقع الخلل اهـ.

( مالك أنه بلغه عن جده) وصله مسلم من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ( مالك بن أبي عامر أن عثمان بن عفان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين) فيحرم ربا الفضل ولو قل فيحتمل أن يكون الذي بلغه ابن وهب أو مخرمة بن بكير ( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم المدني ( عن عطاء بن يسار) بتحتية ومهملة خفيفة ( أن معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب ( باع سقاية) بكسر السين، قيل هي البرادة يبرد فيها الماء تعلق ( من ذهب أو ورق) فضة ( بأكثر من وزنها) قال ابن حبيب: زعم أصحاب مالك أن السقاية قلادة من ذهب فيها جوهر وليس كما قالوا فالقلادة لا تسمى سقاية بل هي كأس كبيرة يشرب بها ويكال بها، وأما القلادة وهي العقد التي تعلقها المرأة على نحرها فغيرها ابتاعها معاوية بستمائة دينار فيها تبر وجوهر من لؤلؤ وياقوت وزبرجد، فنهاه عبادة بن الصامت وأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ذلك ( فقال أبو الدرداء) عويمر، وقيل عامر بن قيس الأنصاري، صحابي جليل عابد أول مشاهده أحد مات في خلافة عثمان وقيل: عاش بعد ذلك ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل) أي سواء في القدر ( فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسًا) إما لأنه حمل النهي على المسبوك الذي به التعامل وقيم المتلفات أو كان لا يرى ربا الفضل كابن عباس ( فقال أبو الدرداء من يعذرني) بكسر الذال المعجمة ( من معاوية) أي من يلومه على فعله ولا يلومني عليه أو من يقوم بعذري إذا جازيته بصنعه ولا يلومني على ما أفعله به أو من ينصرني يقال عذرته إذا نصرته ( أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه) أنف من رد السنة بالرأي وصدور العلماء تضيق عن مثل هذا وهو عندهم عظيم رد السنن بالرأي ( لا أساكنك بأرض أنت بها) وجائز للمرء أن يهجر من لم يسمع منه ولم يطعه وليس هذا من الهجرة المكروهة، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن لا يكلموا كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك.
وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع وهجرته وقطع الكلام عنه وقد رأى ابن مسعود رجلاً يضحك في جنازة فقال: والله لا أكلمك أبدًا، قاله أبو عمر ( ثم قدم أبو الدرداء) من الشام ( على عمر بن الخطاب) المدينة ( فذكر ذلك له فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبيع ذلك إلا مثلاً بمثل وزنًا بوزن) بيان للمثل.

قال أبو عمر: لا أعلم أن هذه القصة عرضت لمعاوية مع أبي الدرداء إلا من هذا الوجه وإنما هي محفوظة لمعاوية مع عبادة بن الصامت، والطرق متواترة بذلك عنهما اهـ.
والإسناد صحيح وإن لم يرد من وجه آخر فهو من الأفراد الصحيحة والجمع ممكن لأنه عرض له ذلك مع عبادة وأبي الدرداء.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) أي متساويًا ( ولا تشفوا) أي تفضلوا بعضها على بعض، ويطلق الشف لغة أيضًا على النقص وهو من أسماء الأضداد ( ولا تبيعوا الورق بالورق) أي الفضة ( إلا مثلاً بمثل) بكسر فسكون فيهما ( ولا تشفوا) تزيدوا ( بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالذهب أحدهما غائب) عن المجلس ( والآخر ناجز) أي حاضر، وهذا تقدم مرفوعًا عن أبي سعيد وذكر هذا الموقوف إشارة لاستمرار العمل به ولزيادة قوله ( وإن استنظرك إلى أن يلج) يدخل ( بيته فلا تنظره) لا تؤخره ( إني أخاف عليكم الرماء) بفتح الراء والميم والمد ( والرماء هو الربا) أي الزيادة والتأخير وفي رواية الإرماء يقال: أرمى على الشيء وأربى إذا زاد عليه.

( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض) أعاده لإفادة أنه رواه عن شيخين ولم يجمعهما لاختلاف لفظهما في قوله ( ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا بناجز) فإن نافعًا قال: ولا تبيعوا الورق إلخ ومالك يحافظ على ألفاظ شيوخه وإن اتحد معناها، واللفظ الثاني طبق المرفوع السابق، والأول بمعناه ( وإن استنظرك) طلب تأخيرك ( إلى أن يلج بيته فلا تنظره إني أخاف عليكم الرماء) بالمد ( والرماء هو الربا) الظاهر أن هذا التفسير من ابن عمر لاتفاق نافع وابن دينار عليه ففيه حرمة ربا النساء أي التأخير وإن قل وهو المشهور ومذهب المدونة وخفف القليل مالك في الموازية.

( مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد) بن الصديق ( أنه قال: قال عمر بن الخطاب الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم والصاع) المكيال المعروف ( بالصاع) من الربويات كالقمح ( ولا يباع كالئ) بالهمز أي مؤجل ( بناجز) أي حاضر ( مالك عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: لا ربًا إلا في ذهب أو فضة أو ما يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب) كما أشير إلى ذلك في الحديث النبوي.

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض) وجاء عن ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح في قوله تعالى: { { وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } } أن إفسادهم كان قطع الذهب والفضة وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى: { { أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } } قال: قطع الدنانير والدراهم وقال غيره هو البخس الذي كانوا يفعلونه وروى ابن أبي شيبة أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس قال أبو عمر إسناده لين.

( قال مالك: ولا بأس أن يشتري الرجل) أو المرأة ( الذهب بالفضة والفضة بالذهب جزافًا إذا كان تبرًا أو حليًا) بفتح فسكون، مفرد حلي، بضم فكسر ( قد صيغ فأما الدراهم المعدودة والدنانير المعدودة فلا ينبغي) لا يحل ( لأحد أن يشتري شيئًا من ذلك جزافًا حتى يعلم ويعد) كل منهما ( فإن اشتري ذلك جزافًا فإنما يراد به الغرر حين يترك عده ويشترى جزافًا وليس هذا من بيوع المسلمين) فيحرم لحصول الغرر من جهتي الكمية والآحاد لأنه يرغب في كثرة آحاده ليسهل الشراء بها، هكذا علله الأبهري وعبد الوهاب وعلله ابن مسلمة بكثرة ثمن العين فيكثر الغرر ورد بجواز بيع الحلي واللؤلؤ وغيرهم جزافًا كما قال ( فأما ما كان يوزن من التبر والحلي فلا بأس أن يباع ذلك جزافًا وإنما ابتياع ذلك جزافًا) حال كونه ( كهيئة الحنطة والتمر ونحوهما من الأطعمة التي تباع جزافًا ومثلها يكال فليس بابتياع ذلك جزافًا بأس) أي يجوز إذا كان التعامل بالوزن لعدم قصد إفراده حينئذٍ.

( قال مالك: من اشترى مصحفًا أو سيفًا أو خاتمًا وفي شيء من ذلك ذهب أو فضة بدنانير أو دراهم) متعلق باشترى ( فإن ما اشتري من ذلك وفيه الذهب بدنانير فإنه ينظر إلى قيمته فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الذهب الثلث فذلك جائز لا بأس به إذا كان ذلك يدًا بيد ولا يكون فيه تأخير) بيان ليد بيد وظاهره أنه ينظر في الثلث وغيره إلى قيمة المحلى مصوغًا وكذا هو ظاهر الموازية.
وقال الباجي ظاهر المذهب أن النظر في ذلك بالوزن ( وما اشتري من ذلك بالورق مما فيه الورق نظر إلى قيمته) مصوغًا ( فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الورق الثلث فذلك جائز لا بأس به) تأكيد لجائز أو معناه بلا كراهة ( إذا كان ذلك يدًا بيد) أي مناجزة ( ولم يزل على ذلك أمر الناس عندنا) بالمدينة.



رقم الحديث 1334 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، وَالصَّاعُ بِالصَّاعِ، وَلَا يُبَاعُ كَالِئٌ بِنَاجِزٍ.


( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال) مرسلاً ورواه ابن وهب عن الليث بن سعد وعمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أنه حدثهما أن عبد الله بن أبي سلمة حدثه أنه بلغه أن رسول الله فذكره قيل إن شيخه عبد الله هو الهذلي يروي عن ابن عمر وغيره وزعم البخاري أنه والد عبد العزيز بن أبي سلمة فالله أعلم قاله أبو عمر ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين) سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة كما رواه يعقوب بن شيبة وغيره بإسناد صحيح عن فضالة قال: كنا يوم خيبر فجعل صلى الله عليه وسلم على الغنائم سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة ( أن يبيعا آنية من المغانم) أي مغانم خيبر ( من ذهب أو فضة فباعا كل ثلاثة بأربعة عينًا أو كل أربعة بثلاثة عينًا) شك الراوي.
( فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أربيتما فردا) ما بعتما وفيه أمر الإمام ببيع المغانم إذا رأى ذلك ويقسم الثمن وإنما رد البيع ولم يأمر عامله على خيبر لما باع صاعين يجمع بصاع من جنيب بالرد لاحتمال أن مبتاع الآنية موجود معلوم بخلاف مبتاع الجمع أو لم يتقدم نهي قبل بيع الجنيب فلا يفسخ بخلاف الآنية، وإنما بيعت قبل كسرها لأن المشتري لا بد له من كسرها ولا يبقيها للانتفاع بها لحديث الذي يشرب في آنية الفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم.

( مالك عن موسى بن أبي تميم) المدني ثقة له في الموطأ مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن أبي الحباب) بضم المهملة وموحدتين بينهما ألف ( سعيد) بكسر العين ( بن يسار) المدني ثقة متقن ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما) أي زيادة فيحرم الربا في الذهب والفضة لعلة الثمنية الغالبة فالربويان المتحد جنسهما كذهب بذهب وفضة بفضة يحرم فيهما التفاضل وكذا النساء والتفرق قبل التقابض، وقد زاد في حديث علي عند ابن ماجه وصححه الحاكم عقب قوله لا فضل بينهما فمن كانت له حاجة بورق فليصرفها بذهب ومن كانت له حاجة بذهب فليصرفها بالورق والصرف هاء وهاء.

وهذا رواه مسلم من طريق ابن وهب عن مالك وتابعه سليمان بن بلال عن موسى به عند مسلم أيضًا ورواه النسائي من طريق مالك وغيره.
( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) أي إلا حال كونهما متماثلين، أي متساويين، أي مع الحلول والتقابض في المجلس ( ولا تشفوا) بضم الفوقية وكسر الشين المعجمة وضم الفاء المشددة، من الأشفاف أي لا تفضلوا ( بعضها على بعض) والشف بالكسر الزيادة ( ولا تبيعوا الورق بالورق) بكسر الراء فيهما، الفضة بالفضة ( إلا) حال كونهما ( مثلاً بمثل) بكسر الميم، أي متماثلين ( ولا تشفوا) أي لا تفضلوا ( بعضها على بعض ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا) أي مؤجلاً ( بناجز) بنون وجيم وزاي، أي بحاضر فلا بد من التقابض في المجلس وفيه أن الزيادة وإن قلت حرام لأن الشفوف الزيادة القليلة ومنه شفافة الإناء وهي البقية القليلة من الماء، ولا خلاف في منع الصرف المؤخر إلا في دينار في ذمة آخذ صرفه الآن أو في دينار في ذمة وصرفه في ذمة أخرى فيتقاصان معًا، فذهب مالك وأصحابه إلى جواز الصورتين بشرط حلول ما في الذمة وأن يتناجزا في المجلس وأجاز أبو حنيفة وأصحابه الصورتين وإن لم يحل ما في الذمة فيهما مراعاة لبراءة الذمم، وأجاز الشافعي وابن كنانة وابن وهب الصورة الأولى دون الثانية قاله عياض.
ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ورواه الترمذي والنسائي أيضًا من طريق مالك.

( مالك عن حميد بن قيس المكي) أبي صفوان القاري الأعرج من رجال الجماعة ( عن مجاهد) بن جبر، بفتح الجيم وسكون الموحدة، أبي الحجاج المخزومي مولاهم المكي إمام في التفسير، وفي العلم مات سنة إحدى أو اثنين أو ثلاث أو أربع ومائة وله ثلاث وثمانون سنة ( أنه قال كنت مع عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( فجاءه صائغ) هو وردان الرومي، كما أخرجه ابن عبد البر من طريق ابن عيينة عن وردان أنه سأل ابن عمر ( فقال له: يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( إني أصوغ الذهب) أجعله حليًا ( ثم أبيع الشيء) المصوغ ( بأكثر من وزنه فأستفضل) أستبقي والسين للتأكيد ( من ذلك قدر عمل يدي فنهاه عبد الله عن ذلك) للربا ( فجعل الصائغ يردد) يعيد ( عليه المسألة) المذكورة ( وعبد الله ينهاه عن ذلك حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابة يريد أن يركبها) شك الراوي ( ثم قال عبد الله بن عمر الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل) زيادة ( بينهما هذا عهد) أي وصية ( نبينا) صلى الله عليه وسلم ( إلينا وعهدنا إليكم) وقد بلغناكم.

قال أبو عمر قوله: الدينار بالدينار إلخ إشارة إلى جنس الأصل لا إلى المضروب دون غيره بدليل إشارة ابن عمر الحديث على سؤال الصائغ له عن الذهب المصوغ، وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم الفضة بالفضة والذهب بالذهب مثلاً بمثل وزنًا بوزن، ولا أعلم أحدًا حرم التفاضل في المضروب من الذهب والفضة المدرهمة دون التبر والمصوغ منهما إلا ما جاء عن معاوية والإجماع على خلافه.
قال: وفي قوله نبينا تصريح بالمراد في قوله في رواية ابن عيينة هذا عهد صاحبنا فقول الشافعي يعني به أباه عمر غلط على أصله لأن صاحبنا مجمل يحتمل أنه أراد النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأظهر ويحتمل أنه أراد عمر فلما قال مجاهد عن ابن عمر عهد نبينا فسر ما أجمل ورد أن هذا أصل ما يعتمده الشافعي في الآثار لكن الغلط لا يسلم منه أحد وإنما دخلت الداخلة على الناس من جهة التقليد لأنه إذا تكلم العالم عند من لا ينعم النظر بشيء كتبه وجعله دينًا يرد به ما خالفه دون معرفة وجهه فيقع الخلل اهـ.

( مالك أنه بلغه عن جده) وصله مسلم من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ( مالك بن أبي عامر أن عثمان بن عفان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين) فيحرم ربا الفضل ولو قل فيحتمل أن يكون الذي بلغه ابن وهب أو مخرمة بن بكير ( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم المدني ( عن عطاء بن يسار) بتحتية ومهملة خفيفة ( أن معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب ( باع سقاية) بكسر السين، قيل هي البرادة يبرد فيها الماء تعلق ( من ذهب أو ورق) فضة ( بأكثر من وزنها) قال ابن حبيب: زعم أصحاب مالك أن السقاية قلادة من ذهب فيها جوهر وليس كما قالوا فالقلادة لا تسمى سقاية بل هي كأس كبيرة يشرب بها ويكال بها، وأما القلادة وهي العقد التي تعلقها المرأة على نحرها فغيرها ابتاعها معاوية بستمائة دينار فيها تبر وجوهر من لؤلؤ وياقوت وزبرجد، فنهاه عبادة بن الصامت وأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ذلك ( فقال أبو الدرداء) عويمر، وقيل عامر بن قيس الأنصاري، صحابي جليل عابد أول مشاهده أحد مات في خلافة عثمان وقيل: عاش بعد ذلك ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل) أي سواء في القدر ( فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسًا) إما لأنه حمل النهي على المسبوك الذي به التعامل وقيم المتلفات أو كان لا يرى ربا الفضل كابن عباس ( فقال أبو الدرداء من يعذرني) بكسر الذال المعجمة ( من معاوية) أي من يلومه على فعله ولا يلومني عليه أو من يقوم بعذري إذا جازيته بصنعه ولا يلومني على ما أفعله به أو من ينصرني يقال عذرته إذا نصرته ( أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه) أنف من رد السنة بالرأي وصدور العلماء تضيق عن مثل هذا وهو عندهم عظيم رد السنن بالرأي ( لا أساكنك بأرض أنت بها) وجائز للمرء أن يهجر من لم يسمع منه ولم يطعه وليس هذا من الهجرة المكروهة، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن لا يكلموا كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك.
وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع وهجرته وقطع الكلام عنه وقد رأى ابن مسعود رجلاً يضحك في جنازة فقال: والله لا أكلمك أبدًا، قاله أبو عمر ( ثم قدم أبو الدرداء) من الشام ( على عمر بن الخطاب) المدينة ( فذكر ذلك له فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبيع ذلك إلا مثلاً بمثل وزنًا بوزن) بيان للمثل.

قال أبو عمر: لا أعلم أن هذه القصة عرضت لمعاوية مع أبي الدرداء إلا من هذا الوجه وإنما هي محفوظة لمعاوية مع عبادة بن الصامت، والطرق متواترة بذلك عنهما اهـ.
والإسناد صحيح وإن لم يرد من وجه آخر فهو من الأفراد الصحيحة والجمع ممكن لأنه عرض له ذلك مع عبادة وأبي الدرداء.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) أي متساويًا ( ولا تشفوا) أي تفضلوا بعضها على بعض، ويطلق الشف لغة أيضًا على النقص وهو من أسماء الأضداد ( ولا تبيعوا الورق بالورق) أي الفضة ( إلا مثلاً بمثل) بكسر فسكون فيهما ( ولا تشفوا) تزيدوا ( بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالذهب أحدهما غائب) عن المجلس ( والآخر ناجز) أي حاضر، وهذا تقدم مرفوعًا عن أبي سعيد وذكر هذا الموقوف إشارة لاستمرار العمل به ولزيادة قوله ( وإن استنظرك إلى أن يلج) يدخل ( بيته فلا تنظره) لا تؤخره ( إني أخاف عليكم الرماء) بفتح الراء والميم والمد ( والرماء هو الربا) أي الزيادة والتأخير وفي رواية الإرماء يقال: أرمى على الشيء وأربى إذا زاد عليه.

( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض) أعاده لإفادة أنه رواه عن شيخين ولم يجمعهما لاختلاف لفظهما في قوله ( ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا بناجز) فإن نافعًا قال: ولا تبيعوا الورق إلخ ومالك يحافظ على ألفاظ شيوخه وإن اتحد معناها، واللفظ الثاني طبق المرفوع السابق، والأول بمعناه ( وإن استنظرك) طلب تأخيرك ( إلى أن يلج بيته فلا تنظره إني أخاف عليكم الرماء) بالمد ( والرماء هو الربا) الظاهر أن هذا التفسير من ابن عمر لاتفاق نافع وابن دينار عليه ففيه حرمة ربا النساء أي التأخير وإن قل وهو المشهور ومذهب المدونة وخفف القليل مالك في الموازية.

( مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد) بن الصديق ( أنه قال: قال عمر بن الخطاب الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم والصاع) المكيال المعروف ( بالصاع) من الربويات كالقمح ( ولا يباع كالئ) بالهمز أي مؤجل ( بناجز) أي حاضر ( مالك عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: لا ربًا إلا في ذهب أو فضة أو ما يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب) كما أشير إلى ذلك في الحديث النبوي.

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض) وجاء عن ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح في قوله تعالى: { { وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } } أن إفسادهم كان قطع الذهب والفضة وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى: { { أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } } قال: قطع الدنانير والدراهم وقال غيره هو البخس الذي كانوا يفعلونه وروى ابن أبي شيبة أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس قال أبو عمر إسناده لين.

( قال مالك: ولا بأس أن يشتري الرجل) أو المرأة ( الذهب بالفضة والفضة بالذهب جزافًا إذا كان تبرًا أو حليًا) بفتح فسكون، مفرد حلي، بضم فكسر ( قد صيغ فأما الدراهم المعدودة والدنانير المعدودة فلا ينبغي) لا يحل ( لأحد أن يشتري شيئًا من ذلك جزافًا حتى يعلم ويعد) كل منهما ( فإن اشتري ذلك جزافًا فإنما يراد به الغرر حين يترك عده ويشترى جزافًا وليس هذا من بيوع المسلمين) فيحرم لحصول الغرر من جهتي الكمية والآحاد لأنه يرغب في كثرة آحاده ليسهل الشراء بها، هكذا علله الأبهري وعبد الوهاب وعلله ابن مسلمة بكثرة ثمن العين فيكثر الغرر ورد بجواز بيع الحلي واللؤلؤ وغيرهم جزافًا كما قال ( فأما ما كان يوزن من التبر والحلي فلا بأس أن يباع ذلك جزافًا وإنما ابتياع ذلك جزافًا) حال كونه ( كهيئة الحنطة والتمر ونحوهما من الأطعمة التي تباع جزافًا ومثلها يكال فليس بابتياع ذلك جزافًا بأس) أي يجوز إذا كان التعامل بالوزن لعدم قصد إفراده حينئذٍ.

( قال مالك: من اشترى مصحفًا أو سيفًا أو خاتمًا وفي شيء من ذلك ذهب أو فضة بدنانير أو دراهم) متعلق باشترى ( فإن ما اشتري من ذلك وفيه الذهب بدنانير فإنه ينظر إلى قيمته فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الذهب الثلث فذلك جائز لا بأس به إذا كان ذلك يدًا بيد ولا يكون فيه تأخير) بيان ليد بيد وظاهره أنه ينظر في الثلث وغيره إلى قيمة المحلى مصوغًا وكذا هو ظاهر الموازية.
وقال الباجي ظاهر المذهب أن النظر في ذلك بالوزن ( وما اشتري من ذلك بالورق مما فيه الورق نظر إلى قيمته) مصوغًا ( فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الورق الثلث فذلك جائز لا بأس به) تأكيد لجائز أو معناه بلا كراهة ( إذا كان ذلك يدًا بيد) أي مناجزة ( ولم يزل على ذلك أمر الناس عندنا) بالمدينة.



رقم الحديث 1335 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: لَا رِبًا إِلَّا فِي ذَهَبٍ أَوْ فِي فِضَّةٍ، أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بِمَا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ.


( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال) مرسلاً ورواه ابن وهب عن الليث بن سعد وعمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أنه حدثهما أن عبد الله بن أبي سلمة حدثه أنه بلغه أن رسول الله فذكره قيل إن شيخه عبد الله هو الهذلي يروي عن ابن عمر وغيره وزعم البخاري أنه والد عبد العزيز بن أبي سلمة فالله أعلم قاله أبو عمر ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين) سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة كما رواه يعقوب بن شيبة وغيره بإسناد صحيح عن فضالة قال: كنا يوم خيبر فجعل صلى الله عليه وسلم على الغنائم سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة ( أن يبيعا آنية من المغانم) أي مغانم خيبر ( من ذهب أو فضة فباعا كل ثلاثة بأربعة عينًا أو كل أربعة بثلاثة عينًا) شك الراوي.
( فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أربيتما فردا) ما بعتما وفيه أمر الإمام ببيع المغانم إذا رأى ذلك ويقسم الثمن وإنما رد البيع ولم يأمر عامله على خيبر لما باع صاعين يجمع بصاع من جنيب بالرد لاحتمال أن مبتاع الآنية موجود معلوم بخلاف مبتاع الجمع أو لم يتقدم نهي قبل بيع الجنيب فلا يفسخ بخلاف الآنية، وإنما بيعت قبل كسرها لأن المشتري لا بد له من كسرها ولا يبقيها للانتفاع بها لحديث الذي يشرب في آنية الفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم.

( مالك عن موسى بن أبي تميم) المدني ثقة له في الموطأ مرفوعًا هذا الحديث الواحد ( عن أبي الحباب) بضم المهملة وموحدتين بينهما ألف ( سعيد) بكسر العين ( بن يسار) المدني ثقة متقن ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما) أي زيادة فيحرم الربا في الذهب والفضة لعلة الثمنية الغالبة فالربويان المتحد جنسهما كذهب بذهب وفضة بفضة يحرم فيهما التفاضل وكذا النساء والتفرق قبل التقابض، وقد زاد في حديث علي عند ابن ماجه وصححه الحاكم عقب قوله لا فضل بينهما فمن كانت له حاجة بورق فليصرفها بذهب ومن كانت له حاجة بذهب فليصرفها بالورق والصرف هاء وهاء.

وهذا رواه مسلم من طريق ابن وهب عن مالك وتابعه سليمان بن بلال عن موسى به عند مسلم أيضًا ورواه النسائي من طريق مالك وغيره.
( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) أي إلا حال كونهما متماثلين، أي متساويين، أي مع الحلول والتقابض في المجلس ( ولا تشفوا) بضم الفوقية وكسر الشين المعجمة وضم الفاء المشددة، من الأشفاف أي لا تفضلوا ( بعضها على بعض) والشف بالكسر الزيادة ( ولا تبيعوا الورق بالورق) بكسر الراء فيهما، الفضة بالفضة ( إلا) حال كونهما ( مثلاً بمثل) بكسر الميم، أي متماثلين ( ولا تشفوا) أي لا تفضلوا ( بعضها على بعض ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا) أي مؤجلاً ( بناجز) بنون وجيم وزاي، أي بحاضر فلا بد من التقابض في المجلس وفيه أن الزيادة وإن قلت حرام لأن الشفوف الزيادة القليلة ومنه شفافة الإناء وهي البقية القليلة من الماء، ولا خلاف في منع الصرف المؤخر إلا في دينار في ذمة آخذ صرفه الآن أو في دينار في ذمة وصرفه في ذمة أخرى فيتقاصان معًا، فذهب مالك وأصحابه إلى جواز الصورتين بشرط حلول ما في الذمة وأن يتناجزا في المجلس وأجاز أبو حنيفة وأصحابه الصورتين وإن لم يحل ما في الذمة فيهما مراعاة لبراءة الذمم، وأجاز الشافعي وابن كنانة وابن وهب الصورة الأولى دون الثانية قاله عياض.
ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ورواه الترمذي والنسائي أيضًا من طريق مالك.

( مالك عن حميد بن قيس المكي) أبي صفوان القاري الأعرج من رجال الجماعة ( عن مجاهد) بن جبر، بفتح الجيم وسكون الموحدة، أبي الحجاج المخزومي مولاهم المكي إمام في التفسير، وفي العلم مات سنة إحدى أو اثنين أو ثلاث أو أربع ومائة وله ثلاث وثمانون سنة ( أنه قال كنت مع عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( فجاءه صائغ) هو وردان الرومي، كما أخرجه ابن عبد البر من طريق ابن عيينة عن وردان أنه سأل ابن عمر ( فقال له: يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( إني أصوغ الذهب) أجعله حليًا ( ثم أبيع الشيء) المصوغ ( بأكثر من وزنه فأستفضل) أستبقي والسين للتأكيد ( من ذلك قدر عمل يدي فنهاه عبد الله عن ذلك) للربا ( فجعل الصائغ يردد) يعيد ( عليه المسألة) المذكورة ( وعبد الله ينهاه عن ذلك حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابة يريد أن يركبها) شك الراوي ( ثم قال عبد الله بن عمر الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل) زيادة ( بينهما هذا عهد) أي وصية ( نبينا) صلى الله عليه وسلم ( إلينا وعهدنا إليكم) وقد بلغناكم.

قال أبو عمر قوله: الدينار بالدينار إلخ إشارة إلى جنس الأصل لا إلى المضروب دون غيره بدليل إشارة ابن عمر الحديث على سؤال الصائغ له عن الذهب المصوغ، وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم الفضة بالفضة والذهب بالذهب مثلاً بمثل وزنًا بوزن، ولا أعلم أحدًا حرم التفاضل في المضروب من الذهب والفضة المدرهمة دون التبر والمصوغ منهما إلا ما جاء عن معاوية والإجماع على خلافه.
قال: وفي قوله نبينا تصريح بالمراد في قوله في رواية ابن عيينة هذا عهد صاحبنا فقول الشافعي يعني به أباه عمر غلط على أصله لأن صاحبنا مجمل يحتمل أنه أراد النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأظهر ويحتمل أنه أراد عمر فلما قال مجاهد عن ابن عمر عهد نبينا فسر ما أجمل ورد أن هذا أصل ما يعتمده الشافعي في الآثار لكن الغلط لا يسلم منه أحد وإنما دخلت الداخلة على الناس من جهة التقليد لأنه إذا تكلم العالم عند من لا ينعم النظر بشيء كتبه وجعله دينًا يرد به ما خالفه دون معرفة وجهه فيقع الخلل اهـ.

( مالك أنه بلغه عن جده) وصله مسلم من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ( مالك بن أبي عامر أن عثمان بن عفان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين) فيحرم ربا الفضل ولو قل فيحتمل أن يكون الذي بلغه ابن وهب أو مخرمة بن بكير ( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم المدني ( عن عطاء بن يسار) بتحتية ومهملة خفيفة ( أن معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب ( باع سقاية) بكسر السين، قيل هي البرادة يبرد فيها الماء تعلق ( من ذهب أو ورق) فضة ( بأكثر من وزنها) قال ابن حبيب: زعم أصحاب مالك أن السقاية قلادة من ذهب فيها جوهر وليس كما قالوا فالقلادة لا تسمى سقاية بل هي كأس كبيرة يشرب بها ويكال بها، وأما القلادة وهي العقد التي تعلقها المرأة على نحرها فغيرها ابتاعها معاوية بستمائة دينار فيها تبر وجوهر من لؤلؤ وياقوت وزبرجد، فنهاه عبادة بن الصامت وأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ذلك ( فقال أبو الدرداء) عويمر، وقيل عامر بن قيس الأنصاري، صحابي جليل عابد أول مشاهده أحد مات في خلافة عثمان وقيل: عاش بعد ذلك ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل) أي سواء في القدر ( فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسًا) إما لأنه حمل النهي على المسبوك الذي به التعامل وقيم المتلفات أو كان لا يرى ربا الفضل كابن عباس ( فقال أبو الدرداء من يعذرني) بكسر الذال المعجمة ( من معاوية) أي من يلومه على فعله ولا يلومني عليه أو من يقوم بعذري إذا جازيته بصنعه ولا يلومني على ما أفعله به أو من ينصرني يقال عذرته إذا نصرته ( أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه) أنف من رد السنة بالرأي وصدور العلماء تضيق عن مثل هذا وهو عندهم عظيم رد السنن بالرأي ( لا أساكنك بأرض أنت بها) وجائز للمرء أن يهجر من لم يسمع منه ولم يطعه وليس هذا من الهجرة المكروهة، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن لا يكلموا كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك.
وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع وهجرته وقطع الكلام عنه وقد رأى ابن مسعود رجلاً يضحك في جنازة فقال: والله لا أكلمك أبدًا، قاله أبو عمر ( ثم قدم أبو الدرداء) من الشام ( على عمر بن الخطاب) المدينة ( فذكر ذلك له فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبيع ذلك إلا مثلاً بمثل وزنًا بوزن) بيان للمثل.

قال أبو عمر: لا أعلم أن هذه القصة عرضت لمعاوية مع أبي الدرداء إلا من هذا الوجه وإنما هي محفوظة لمعاوية مع عبادة بن الصامت، والطرق متواترة بذلك عنهما اهـ.
والإسناد صحيح وإن لم يرد من وجه آخر فهو من الأفراد الصحيحة والجمع ممكن لأنه عرض له ذلك مع عبادة وأبي الدرداء.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) أي متساويًا ( ولا تشفوا) أي تفضلوا بعضها على بعض، ويطلق الشف لغة أيضًا على النقص وهو من أسماء الأضداد ( ولا تبيعوا الورق بالورق) أي الفضة ( إلا مثلاً بمثل) بكسر فسكون فيهما ( ولا تشفوا) تزيدوا ( بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالذهب أحدهما غائب) عن المجلس ( والآخر ناجز) أي حاضر، وهذا تقدم مرفوعًا عن أبي سعيد وذكر هذا الموقوف إشارة لاستمرار العمل به ولزيادة قوله ( وإن استنظرك إلى أن يلج) يدخل ( بيته فلا تنظره) لا تؤخره ( إني أخاف عليكم الرماء) بفتح الراء والميم والمد ( والرماء هو الربا) أي الزيادة والتأخير وفي رواية الإرماء يقال: أرمى على الشيء وأربى إذا زاد عليه.

( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض) أعاده لإفادة أنه رواه عن شيخين ولم يجمعهما لاختلاف لفظهما في قوله ( ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا بناجز) فإن نافعًا قال: ولا تبيعوا الورق إلخ ومالك يحافظ على ألفاظ شيوخه وإن اتحد معناها، واللفظ الثاني طبق المرفوع السابق، والأول بمعناه ( وإن استنظرك) طلب تأخيرك ( إلى أن يلج بيته فلا تنظره إني أخاف عليكم الرماء) بالمد ( والرماء هو الربا) الظاهر أن هذا التفسير من ابن عمر لاتفاق نافع وابن دينار عليه ففيه حرمة ربا النساء أي التأخير وإن قل وهو المشهور ومذهب المدونة وخفف القليل مالك في الموازية.

( مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد) بن الصديق ( أنه قال: قال عمر بن الخطاب الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم والصاع) المكيال المعروف ( بالصاع) من الربويات كالقمح ( ولا يباع كالئ) بالهمز أي مؤجل ( بناجز) أي حاضر ( مالك عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: لا ربًا إلا في ذهب أو فضة أو ما يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب) كما أشير إلى ذلك في الحديث النبوي.

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض) وجاء عن ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح في قوله تعالى: { { وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } } أن إفسادهم كان قطع الذهب والفضة وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى: { { أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } } قال: قطع الدنانير والدراهم وقال غيره هو البخس الذي كانوا يفعلونه وروى ابن أبي شيبة أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس قال أبو عمر إسناده لين.

( قال مالك: ولا بأس أن يشتري الرجل) أو المرأة ( الذهب بالفضة والفضة بالذهب جزافًا إذا كان تبرًا أو حليًا) بفتح فسكون، مفرد حلي، بضم فكسر ( قد صيغ فأما الدراهم المعدودة والدنانير المعدودة فلا ينبغي) لا يحل ( لأحد أن يشتري شيئًا من ذلك جزافًا حتى يعلم ويعد) كل منهما ( فإن اشتري ذلك جزافًا فإنما يراد به الغرر حين يترك عده ويشترى جزافًا وليس هذا من بيوع المسلمين) فيحرم لحصول الغرر من جهتي الكمية والآحاد لأنه يرغب في كثرة آحاده ليسهل الشراء بها، هكذا علله الأبهري وعبد الوهاب وعلله ابن مسلمة بكثرة ثمن العين فيكثر الغرر ورد بجواز بيع الحلي واللؤلؤ وغيرهم جزافًا كما قال ( فأما ما كان يوزن من التبر والحلي فلا بأس أن يباع ذلك جزافًا وإنما ابتياع ذلك جزافًا) حال كونه ( كهيئة الحنطة والتمر ونحوهما من الأطعمة التي تباع جزافًا ومثلها يكال فليس بابتياع ذلك جزافًا بأس) أي يجوز إذا كان التعامل بالوزن لعدم قصد إفراده حينئذٍ.

( قال مالك: من اشترى مصحفًا أو سيفًا أو خاتمًا وفي شيء من ذلك ذهب أو فضة بدنانير أو دراهم) متعلق باشترى ( فإن ما اشتري من ذلك وفيه الذهب بدنانير فإنه ينظر إلى قيمته فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الذهب الثلث فذلك جائز لا بأس به إذا كان ذلك يدًا بيد ولا يكون فيه تأخير) بيان ليد بيد وظاهره أنه ينظر في الثلث وغيره إلى قيمة المحلى مصوغًا وكذا هو ظاهر الموازية.
وقال الباجي ظاهر المذهب أن النظر في ذلك بالوزن ( وما اشتري من ذلك بالورق مما فيه الورق نظر إلى قيمته) مصوغًا ( فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الورق الثلث فذلك جائز لا بأس به) تأكيد لجائز أو معناه بلا كراهة ( إذا كان ذلك يدًا بيد) أي مناجزة ( ولم يزل على ذلك أمر الناس عندنا) بالمدينة.