فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْهَيْئَةِ وَتَخَطِّي الرِّقَابِ ، وَاسْتِقْبَالِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

رقم الحديث 247 حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوِ اتَّخَذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ.


الْهَيْئَةِ وَتَخَطِّي الرِّقَابِ وَاسْتِقْبَالِ الْإِمَام يَوْمَ الْجُمُعَةِ

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وصله ابن عبد البر من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة، ومن طريق مهدي بن ميمونة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا عَلَى أَحَدِكُمْ) استفهام يتضمن التنبيه والتوبيخ فيقال لمن أهمل شيئًا أو قصر فيه أو غفل عنه ما عليه لو فعل كذا أي أيّ شيء يلحقه من ضرر أو عيب أو عار أو نحو ذلك ( لَوِ اتَّخَذَ ثَوْبَيْنِ) قميص ورداء أو جبة ورداء قاله ابن عبد البر فقصر من نظر في المراد بالثوبين ( لِجُمُعَتِهِ) زاد في رواية هشام عن عروة عن عائشة أو عيده ( سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ) .

قال ابن الأثير: أي بذلته وخدمته، والرواية بفتح الميم وقد تكسر.
قال الزمخشري: والكسر عند الأثبات خطأ.
قال الأصمعي: المهنة بفتح الميم هي الخدمة ولا يقال مهنة بالكسر، وكان القياس لو قيل مثل جلسة وخدمة إلا أنه جاء على فعلة واحدة.
وقال ابن عبد البر: المهنة بفتح الميم الخدمة، وأجاز غير الأصمعي كسر الميم قال: وفيه الندب لمن وجد سعة أن يتخذ الثياب الحسان للجمع وكذا الأعياد ويتجمل بها، وكان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ويعتم ويتطيب ويلبس أحسن ما يجد في الجمعة والعيد وفيه الأسوة الحسنة وكان يأمر بالطيب والسواك والدهن.

وفي فتح الباري في إسناد ابن عبد البر لهذا الحديث عن عمرة عن عائشة نظر، فقد رواه أبو داود من طريق عمرو بن الحارث وسعيد بن منصور عن ابن عيينة وعبد الرزاق عن الثوري ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان مرسلاً، ووصله أبو داود وابن ماجه من وجه آخر عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن سلام، ولحديث عائشة طرق أخرى عند ابن خزيمة وابن ماجه اهـ.

وقد يقال لا نظر لأن الأموي راويه عن الأنصاري عن عمرة ثقة روى له الستة وأيّ مانع من كون يحيى الأنصاري له فيه شيخان عمرة عن عائشة ومحمد بن يحيى مرسلاً، وقد حصلت المتابعة للأنصاري في عمرة حيث رواه عروة عن عائشة، وأيد ذلك مجيئه من طرق عنها.

وروى ابن ماجه وابن عبد البر عن عائشة قالت: خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس يوم الجمعة فرأى عليهم ثياب النمار، فذكره وهو بالنون كساء فيه خطوط بيض وسود.
قال ابن الأثير: كأنها أخذت من لون النمر.

ورواه ابن عبد البر عن عبد الله بن سلام: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال: وما على أحدكم لو اشترى ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته.
وله من وجه آخر عن يوسف بن عبد الله بن سلام مرفوعًا: لا يضر أحدكم أن يتخذ ثوبين للجمعة سوى ثوبي مهنته.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَرُوحُ إِلَى الْجُمُعَةِ إِلَّا ادَّهَنَ) استعمل الدهن لإزالة شعث الشعر به ( وَتَطَيَّبَ) فيجمع بينهما إشارة للتزين وحسن الرائحة ذلك اليوم ( إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَرَامًا) أي محرمًا بحج أو عمرة فلا يفعلهما.
وفي الصحيح عن سلمان مرفوعًا: لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهور ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى.

( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بن محمد بن عمرو ( بْنِ حَزْمٍ) فنسب أبوه إلى جدّه الأعلى لشهرته الأنصاري المدني الثقة القاضي.
مات سنة خمس وثلاثين ومائة وهو ابن سبعين سنة ( عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَأَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمْ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ) بفتح الحاء المهملة والراء الثقيلة أرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار بظاهر المدينة ( خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْعُدَ حَتَّى إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ جَاءَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) .

قال ابن عبد البر: هذا المعنى مرفوع، ثم ساق ما أخرجه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان والحاكم عن أبي سعيد وأبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: من اغتسل يوم الجمعة واستن ومس طيبًا إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى أتى المسجد ولم يتخط رقاب الناس ثم ركع ما شاء الله أن يركع ثم أنصت إذا خرج الإمام فلم يتكلم حتى يفرغ من صلاته كانت كفارة ما بينها وبين الجمعة الأخرى.

وأخرج أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال صلى الله عليه وسلم: يحضر الجمعة ثلاثة نفر رجل حضرها يلغو وهو حظه منها، ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكون ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدًا فهو كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك بأنّ الله يقول: { { مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } }

وروى أبو داود والبيهقي عن ابن عمر وأيضًا مرفوعًا: من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته إن كان لها ولبس من صالح ثيابه ثم لم يتخط رقاب الناس ولم يلغ عند الموعظة كانت كفارة لما بينهما ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرًا.

( قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسُ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْطُبَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَهَا) ليتفرغوا لسماع موعظته ويتدبروا كلامه ولا يشتغلوا بغيره ليكون أدعى إلى انتفاعهم ليعملوا بما علموا.
قال ابن عبد البر: لم يختلفوا في ذلك ولا أعلم فيه حديثًا مسندًا إلا أن الشعبي قال: من السنة أن يستقبل الإمام يوم الجمعة وقال عدي بن ثابت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب استقبله أصحابه بوجوههم.

وروى البيهقي أن ابن عمر كان يفرغ من سبحته يوم الجمعة قبل خروج الإمام فإذا خرج لم يقعد الإمام حتى يستقبله.

وروى نعيم بن حماد بإسناد صحيح عن أنس: أنه كان إذا أخذ الإمام في الخطبة يوم الجمعة استقبله بوجهه حتى يفرغ من الخطبة.
قال ابن المنذر: لا أعلم في ذلك خلافًا بين العلماء، وحكى غيره عن سعيد بن المسيب والحسن شيئًا محتملاً.
وقال الترمذي لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء يعني صريحًا.

وقد استنبط البخاري مما رواه عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس يومًا على المنبر وجلسنا حوله أن جلوسهم حوله لسماع كلامه يقتضي نظرهم إليه غالبًا، ولا يشكل عليه القيام في الخطبة لأنه محمول على أنه كان يتحدّث وهو جالس على مكان عال وهم جلوس أسفل منه، وإذا كان ذلك في غير حال الخطبة كان حالها أولى لورود الأمر بالاستماع لها والإنصات عندها.



رقم الحديث 248 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَرُوحُ إِلَى الْجُمُعَةِ إِلَّا ادَّهَنَ وَتَطَيَّبَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَرَامًا.


الْهَيْئَةِ وَتَخَطِّي الرِّقَابِ وَاسْتِقْبَالِ الْإِمَام يَوْمَ الْجُمُعَةِ

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وصله ابن عبد البر من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة، ومن طريق مهدي بن ميمونة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا عَلَى أَحَدِكُمْ) استفهام يتضمن التنبيه والتوبيخ فيقال لمن أهمل شيئًا أو قصر فيه أو غفل عنه ما عليه لو فعل كذا أي أيّ شيء يلحقه من ضرر أو عيب أو عار أو نحو ذلك ( لَوِ اتَّخَذَ ثَوْبَيْنِ) قميص ورداء أو جبة ورداء قاله ابن عبد البر فقصر من نظر في المراد بالثوبين ( لِجُمُعَتِهِ) زاد في رواية هشام عن عروة عن عائشة أو عيده ( سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ) .

قال ابن الأثير: أي بذلته وخدمته، والرواية بفتح الميم وقد تكسر.
قال الزمخشري: والكسر عند الأثبات خطأ.
قال الأصمعي: المهنة بفتح الميم هي الخدمة ولا يقال مهنة بالكسر، وكان القياس لو قيل مثل جلسة وخدمة إلا أنه جاء على فعلة واحدة.
وقال ابن عبد البر: المهنة بفتح الميم الخدمة، وأجاز غير الأصمعي كسر الميم قال: وفيه الندب لمن وجد سعة أن يتخذ الثياب الحسان للجمع وكذا الأعياد ويتجمل بها، وكان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ويعتم ويتطيب ويلبس أحسن ما يجد في الجمعة والعيد وفيه الأسوة الحسنة وكان يأمر بالطيب والسواك والدهن.

وفي فتح الباري في إسناد ابن عبد البر لهذا الحديث عن عمرة عن عائشة نظر، فقد رواه أبو داود من طريق عمرو بن الحارث وسعيد بن منصور عن ابن عيينة وعبد الرزاق عن الثوري ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان مرسلاً، ووصله أبو داود وابن ماجه من وجه آخر عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن سلام، ولحديث عائشة طرق أخرى عند ابن خزيمة وابن ماجه اهـ.

وقد يقال لا نظر لأن الأموي راويه عن الأنصاري عن عمرة ثقة روى له الستة وأيّ مانع من كون يحيى الأنصاري له فيه شيخان عمرة عن عائشة ومحمد بن يحيى مرسلاً، وقد حصلت المتابعة للأنصاري في عمرة حيث رواه عروة عن عائشة، وأيد ذلك مجيئه من طرق عنها.

وروى ابن ماجه وابن عبد البر عن عائشة قالت: خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس يوم الجمعة فرأى عليهم ثياب النمار، فذكره وهو بالنون كساء فيه خطوط بيض وسود.
قال ابن الأثير: كأنها أخذت من لون النمر.

ورواه ابن عبد البر عن عبد الله بن سلام: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال: وما على أحدكم لو اشترى ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته.
وله من وجه آخر عن يوسف بن عبد الله بن سلام مرفوعًا: لا يضر أحدكم أن يتخذ ثوبين للجمعة سوى ثوبي مهنته.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَرُوحُ إِلَى الْجُمُعَةِ إِلَّا ادَّهَنَ) استعمل الدهن لإزالة شعث الشعر به ( وَتَطَيَّبَ) فيجمع بينهما إشارة للتزين وحسن الرائحة ذلك اليوم ( إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَرَامًا) أي محرمًا بحج أو عمرة فلا يفعلهما.
وفي الصحيح عن سلمان مرفوعًا: لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهور ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى.

( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بن محمد بن عمرو ( بْنِ حَزْمٍ) فنسب أبوه إلى جدّه الأعلى لشهرته الأنصاري المدني الثقة القاضي.
مات سنة خمس وثلاثين ومائة وهو ابن سبعين سنة ( عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَأَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمْ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ) بفتح الحاء المهملة والراء الثقيلة أرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار بظاهر المدينة ( خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْعُدَ حَتَّى إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ جَاءَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) .

قال ابن عبد البر: هذا المعنى مرفوع، ثم ساق ما أخرجه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان والحاكم عن أبي سعيد وأبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: من اغتسل يوم الجمعة واستن ومس طيبًا إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى أتى المسجد ولم يتخط رقاب الناس ثم ركع ما شاء الله أن يركع ثم أنصت إذا خرج الإمام فلم يتكلم حتى يفرغ من صلاته كانت كفارة ما بينها وبين الجمعة الأخرى.

وأخرج أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال صلى الله عليه وسلم: يحضر الجمعة ثلاثة نفر رجل حضرها يلغو وهو حظه منها، ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكون ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدًا فهو كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك بأنّ الله يقول: { { مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } }

وروى أبو داود والبيهقي عن ابن عمر وأيضًا مرفوعًا: من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته إن كان لها ولبس من صالح ثيابه ثم لم يتخط رقاب الناس ولم يلغ عند الموعظة كانت كفارة لما بينهما ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرًا.

( قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسُ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْطُبَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَهَا) ليتفرغوا لسماع موعظته ويتدبروا كلامه ولا يشتغلوا بغيره ليكون أدعى إلى انتفاعهم ليعملوا بما علموا.
قال ابن عبد البر: لم يختلفوا في ذلك ولا أعلم فيه حديثًا مسندًا إلا أن الشعبي قال: من السنة أن يستقبل الإمام يوم الجمعة وقال عدي بن ثابت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب استقبله أصحابه بوجوههم.

وروى البيهقي أن ابن عمر كان يفرغ من سبحته يوم الجمعة قبل خروج الإمام فإذا خرج لم يقعد الإمام حتى يستقبله.

وروى نعيم بن حماد بإسناد صحيح عن أنس: أنه كان إذا أخذ الإمام في الخطبة يوم الجمعة استقبله بوجهه حتى يفرغ من الخطبة.
قال ابن المنذر: لا أعلم في ذلك خلافًا بين العلماء، وحكى غيره عن سعيد بن المسيب والحسن شيئًا محتملاً.
وقال الترمذي لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء يعني صريحًا.

وقد استنبط البخاري مما رواه عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس يومًا على المنبر وجلسنا حوله أن جلوسهم حوله لسماع كلامه يقتضي نظرهم إليه غالبًا، ولا يشكل عليه القيام في الخطبة لأنه محمول على أنه كان يتحدّث وهو جالس على مكان عال وهم جلوس أسفل منه، وإذا كان ذلك في غير حال الخطبة كان حالها أولى لورود الأمر بالاستماع لها والإنصات عندها.



رقم الحديث 249 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَأَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمْ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْعُدَ، حَتَّى إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ، جَاءَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسُ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْطُبَ، مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَهَا.


الْهَيْئَةِ وَتَخَطِّي الرِّقَابِ وَاسْتِقْبَالِ الْإِمَام يَوْمَ الْجُمُعَةِ

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ) وصله ابن عبد البر من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة، ومن طريق مهدي بن ميمونة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا عَلَى أَحَدِكُمْ) استفهام يتضمن التنبيه والتوبيخ فيقال لمن أهمل شيئًا أو قصر فيه أو غفل عنه ما عليه لو فعل كذا أي أيّ شيء يلحقه من ضرر أو عيب أو عار أو نحو ذلك ( لَوِ اتَّخَذَ ثَوْبَيْنِ) قميص ورداء أو جبة ورداء قاله ابن عبد البر فقصر من نظر في المراد بالثوبين ( لِجُمُعَتِهِ) زاد في رواية هشام عن عروة عن عائشة أو عيده ( سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ) .

قال ابن الأثير: أي بذلته وخدمته، والرواية بفتح الميم وقد تكسر.
قال الزمخشري: والكسر عند الأثبات خطأ.
قال الأصمعي: المهنة بفتح الميم هي الخدمة ولا يقال مهنة بالكسر، وكان القياس لو قيل مثل جلسة وخدمة إلا أنه جاء على فعلة واحدة.
وقال ابن عبد البر: المهنة بفتح الميم الخدمة، وأجاز غير الأصمعي كسر الميم قال: وفيه الندب لمن وجد سعة أن يتخذ الثياب الحسان للجمع وكذا الأعياد ويتجمل بها، وكان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ويعتم ويتطيب ويلبس أحسن ما يجد في الجمعة والعيد وفيه الأسوة الحسنة وكان يأمر بالطيب والسواك والدهن.

وفي فتح الباري في إسناد ابن عبد البر لهذا الحديث عن عمرة عن عائشة نظر، فقد رواه أبو داود من طريق عمرو بن الحارث وسعيد بن منصور عن ابن عيينة وعبد الرزاق عن الثوري ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان مرسلاً، ووصله أبو داود وابن ماجه من وجه آخر عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن سلام، ولحديث عائشة طرق أخرى عند ابن خزيمة وابن ماجه اهـ.

وقد يقال لا نظر لأن الأموي راويه عن الأنصاري عن عمرة ثقة روى له الستة وأيّ مانع من كون يحيى الأنصاري له فيه شيخان عمرة عن عائشة ومحمد بن يحيى مرسلاً، وقد حصلت المتابعة للأنصاري في عمرة حيث رواه عروة عن عائشة، وأيد ذلك مجيئه من طرق عنها.

وروى ابن ماجه وابن عبد البر عن عائشة قالت: خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس يوم الجمعة فرأى عليهم ثياب النمار، فذكره وهو بالنون كساء فيه خطوط بيض وسود.
قال ابن الأثير: كأنها أخذت من لون النمر.

ورواه ابن عبد البر عن عبد الله بن سلام: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال: وما على أحدكم لو اشترى ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته.
وله من وجه آخر عن يوسف بن عبد الله بن سلام مرفوعًا: لا يضر أحدكم أن يتخذ ثوبين للجمعة سوى ثوبي مهنته.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَرُوحُ إِلَى الْجُمُعَةِ إِلَّا ادَّهَنَ) استعمل الدهن لإزالة شعث الشعر به ( وَتَطَيَّبَ) فيجمع بينهما إشارة للتزين وحسن الرائحة ذلك اليوم ( إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَرَامًا) أي محرمًا بحج أو عمرة فلا يفعلهما.
وفي الصحيح عن سلمان مرفوعًا: لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهور ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى.

( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بن محمد بن عمرو ( بْنِ حَزْمٍ) فنسب أبوه إلى جدّه الأعلى لشهرته الأنصاري المدني الثقة القاضي.
مات سنة خمس وثلاثين ومائة وهو ابن سبعين سنة ( عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَأَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمْ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ) بفتح الحاء المهملة والراء الثقيلة أرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار بظاهر المدينة ( خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْعُدَ حَتَّى إِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ جَاءَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) .

قال ابن عبد البر: هذا المعنى مرفوع، ثم ساق ما أخرجه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان والحاكم عن أبي سعيد وأبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: من اغتسل يوم الجمعة واستن ومس طيبًا إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى أتى المسجد ولم يتخط رقاب الناس ثم ركع ما شاء الله أن يركع ثم أنصت إذا خرج الإمام فلم يتكلم حتى يفرغ من صلاته كانت كفارة ما بينها وبين الجمعة الأخرى.

وأخرج أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال صلى الله عليه وسلم: يحضر الجمعة ثلاثة نفر رجل حضرها يلغو وهو حظه منها، ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكون ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدًا فهو كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك بأنّ الله يقول: { { مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } }

وروى أبو داود والبيهقي عن ابن عمر وأيضًا مرفوعًا: من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته إن كان لها ولبس من صالح ثيابه ثم لم يتخط رقاب الناس ولم يلغ عند الموعظة كانت كفارة لما بينهما ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرًا.

( قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسُ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْطُبَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَهَا) ليتفرغوا لسماع موعظته ويتدبروا كلامه ولا يشتغلوا بغيره ليكون أدعى إلى انتفاعهم ليعملوا بما علموا.
قال ابن عبد البر: لم يختلفوا في ذلك ولا أعلم فيه حديثًا مسندًا إلا أن الشعبي قال: من السنة أن يستقبل الإمام يوم الجمعة وقال عدي بن ثابت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب استقبله أصحابه بوجوههم.

وروى البيهقي أن ابن عمر كان يفرغ من سبحته يوم الجمعة قبل خروج الإمام فإذا خرج لم يقعد الإمام حتى يستقبله.

وروى نعيم بن حماد بإسناد صحيح عن أنس: أنه كان إذا أخذ الإمام في الخطبة يوم الجمعة استقبله بوجهه حتى يفرغ من الخطبة.
قال ابن المنذر: لا أعلم في ذلك خلافًا بين العلماء، وحكى غيره عن سعيد بن المسيب والحسن شيئًا محتملاً.
وقال الترمذي لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء يعني صريحًا.

وقد استنبط البخاري مما رواه عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس يومًا على المنبر وجلسنا حوله أن جلوسهم حوله لسماع كلامه يقتضي نظرهم إليه غالبًا، ولا يشكل عليه القيام في الخطبة لأنه محمول على أنه كان يتحدّث وهو جالس على مكان عال وهم جلوس أسفل منه، وإذا كان ذلك في غير حال الخطبة كان حالها أولى لورود الأمر بالاستماع لها والإنصات عندها.