فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ

رقم الحديث 930 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى لِلنَّاسِ بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ.
فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ: أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ، ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئًا سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَيْفَ صَلَاتُهُمْ بِعَرَفَةَ؟ أَرَكْعَتَانِ أَمْ أَرْبَعٌ؟ وَكَيْفَ بِأَمِيرِ الْحَاجِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ؟ أَيُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِعَرَفَةَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ؟ وَكَيْفَ صَلَاةُ أَهْلِ مَكَّةَ فِي إِقَامَتِهِمْ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: يُصَلِّي أَهْلُ مَكَّةَ بِعَرَفَةَ وَمِنًى، مَا أَقَامُوا بِهِمَا، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ.
يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى مَكَّةَ.
قَالَ: وَأَمِيرُ الْحَاجِّ أَيْضًا.
إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَصَرَ الصَّلَاةَ بِعَرَفَةَ، وَأَيَّامَ مِنًى.
وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ سَاكِنًا بِمِنًى مُقِيمًا بِهَا.
فَإِنَّ ذَلِكَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ بِمِنًى.
وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ سَاكِنًا بِعَرَفَةَ مُقِيمًا بِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ بِهَا أَيْضًا.


( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه) مرسل وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود وابن عمر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصلاة) الرباعية ( بمنى) زاد في رواية لمسلم عن ابن عمر وعرفة ( ركعتين) قصرًا ( وأن أبا بكر صلاها بمنى ركعتين) في خلافته ( وأن عمر بن الخطاب صلاها بمنى ركعتين وأن عثمان صلاها بمنى ركعتين) وفائدة ذكر الخلفاء مع قيام الحجة بالفعل النبوي وحده أن هذا الحكم لم ينسخ إذ لو نسخ ما فعله الخلفاء بعده ( شطر) أي نصف ( إمارته) بكسر الهمزة أي خلافته وفي مسلم عن ابن عمر وعثمان ثمان سنين أو ست سنين بالشك وتبين من رواية الموطأ أن الصحيح ست لأن خلافته كانت ثنتي عشرة سنة ( ثم أتمها بعد) بالبناء على الضم لأن القصر والإتمام جائزان للمسافر فرأى عثمان ترجيح طرف الإتمام لأن فيه زيادة مشقة وفي الصحيح عن ابن شهاب قلت لعروة ما بال عائشة تتم قال تأولت كما تأول عثمان وهذا فيه رد على من زعم أن عثمان إنما أتم لأنه تأهل بمكة أو لأنه أمير المؤمنين فكل موضع له دار أو لعزمه على الإقامة بمكة أو لأنه استجد له أرضًا بمنى أو لأنه كان سبق الناس إلى مكة لأن جميع ذلك منتف في حق عائشة وأكثره لا دليل عليه بل هي ظنون ممن قالها ويرد الأول أنه صلى الله عليه وسلم كان يسافر بزوجاته وقصر والثاني أنه صلى الله عليه وسلم كان أولى بذلك والثالث أن الإقامة بمكة على المهاجر حرام والرابع والخامس لم ينقلا فلا يكفي الظن في ذلك والأول وإن نقل وأخرجه أحمد والبيهقي عن عثمان وأنه لما صلى بمنى أربع ركعات أنكر عليه الناس فقال إني تأهلت بمكة لما قدمت وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تأهل ببلد فإنه يصلي صلاة مقيم فهذا حديث لا يصح لأنه منقطع وفي رواته من لا يحتج به ويرده قول عروة إن عائشة تأولت ما تأول عثمان ولا جائز أن تتأهل عائشة أصلاً فدل على وهاء ذلك الخبر ثم ظهر لي أنه يمكن أن مراد عروة التشبيه بعثمان في الإتمام بتأويل لا اتحاد تأويلهما ويقويه أن الأسباب اختلفت في تأول عثمان وتكاثرت بخلاف تأويل عائشة والمنقول أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصًا بمن كان شاخصًا سائرًا وأما من أقام في مكان أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم لما رواه أحمد بإسناد حسن عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال لما قدم معاوية حاجًا صلى بنا الظهر ركعتين بمكة ثم انصرف إلى دار الندوة فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا لقد عبت أمر ابن عمك لأنه كان قد أتم الصلاة قال وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر أربعًا والعصر والعشاء أربعًا أربعًا ثم إذا خرج إلى منى وعرفة قصر الصلاة فإذا فرغ من الحج وقام بمنى أتم الصلاة وقال ابن بطال الصحيح أن عثمان وعائشة رأيًا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصر لأنه أخذ بالأيسر على أمته فأخذا أنفسهما بالشدة ورجحه جماعة من آخرهم القرطبي لكن ما قبله أولى لتصريح الراوي بالسبب وروى الطحاوي وغيره عن الزهري قال إنما صلى عثمان أربعًا لأن الأعراب كثروا في ذلك العام فأحب أن يعلمهم أن الصلاة أربع وروى البيهقي عن عثمان أنه أتم بمنى ثم خطب فقال إن القصر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ولكنه حدث طغام يعني بفتح الطاء والمعجمة فخفت أن يستنوا وله عن ابن جريج أن أعرابيًا ناداه بمنى يا أمير المؤمنين ما زلت أصليهما منذ رأيتكم عام أول ركعتين ولا مانع أن يكون هذا أصل سبب الإتمام ولا يعارض الوجه الأول الذي اخترته بل يقويه من حيث إن حالة الإقامة في أثناء السفر قريب إلى قياس الإقامة المطلقة عليها بخلاف السائر وهذا ما أدى إليه اجتهاد عثمان قاله الحافظ واستدل مالك بهذا الحديث على أن الحجاج يقصرون الصلاة بمنى وعرفة ولو كانوا من أهل مكة وبمكة ولو كانوا من أهل منى وعرفة وإنما يمتنع أن يقصر أهل مكة بها أو أهل منى بها أو عرفة بها لقصرهم مع النبي صلى الله عليه وسلم قال عياض ولأن في تكرار مشاعر الحج ومناسكه مقدار المسافة التي يجوز فيها قصر الصلاة عند الجميع وقال الأكثر إنما يجوز القصر لغير أهل مكة ومنى وعرفة لأنهم مقيمون أو في سفر قصير وقال بعض المالكية لو لم يجز القصر لأهل مكة بمنى لقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أتموا وليس بين منى ومكة مسافة قصر فدل على أن القصر للنسك وأجيب بأن الترمذي روى عن عمران بن حصين شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة يصلي ركعتين ويقول يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر فكأنه ترك إعلامهم بذلك بمنى استغناء بما تقدم بمكة قال الحافظ وهذا ضعيف لأن الحديث من رواية علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف ولو صح فالقصة في الفتح وقصة منى في حجة الوداع فكان لا بد من بيان ذلك لبعد العهد قال ولا يخفى أن أصل البحث مبني على تسليم أن المسافة بين مكة ومنى لا قصر فيها وهي من محال الخلاف انتهى على أنه قد يدعى أن حديث عمران لو صح من أدلتنا إذ قوله ذلك لأهل مكة فيها دون قوله لهم لما حجوا معه بمنى وعرفة دليل على أنهم يقصرون في ذلك كما فهمه أسلم وابن المسيب كما ذكره بقوله ( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب لما قدم مكة صلى بهم) إمامًا لأنه الخليفة ولا يؤم الرجل في سلطانه ( ركعتين ثم انصرف) من الصلاة بالسلام ( فقال يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر) بفتح فسكون جمع سافر كركب وراكب ( ثم صلى عمر بن الخطاب ركعتين بمنى) بالناس ( ولم يبلغنا أنه قال لهم شيئًا) أي لأهل مكة لخروجهم منها للحج فدل على أن سنتهم حينئذ القصر ( مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب صلى للناس) أي بهم إمامًا ( بمكة ركعتين فلما انصرف) سلم من الصلاة ( قال يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ثم صلى عمر) الرباعية ( ركعتين بمنى ولم يبلغنا أنه قال لهم شيئًا) فدل ذلك على أن أهل مكة يقصرون بمنى إذا حجوا إذ لو لزمهم الإتمام لبينه لهم كما بينه في مكة وزعم أنه تركه اكتفاء بالبيان بمكة ممنوع وسنده أن الأصل عدم الاكتفاء في بيان الأحكام لا سيما مع اختلاف المحل وتقدم في القصر طريق ثالث لأثر عمر وهو مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن عمر كان إذا قدم مكة صلى بهم فذكره ( سئل مالك عن أهل مكة كيف صلاتهم بعرفة) الرباعية ( أركعتان) هي ( أم أربع وكيف بأمير الحاج إن كان من أهل مكة أيصلي الظهر والعصر بعرفة أربع ركعات) إتمامًا ( أو ركعتين) قصرًا ( وكيف صلاة أهل مكة في إقامتهم) أيام الرمي ( فقال مالك يصلي أهل مكة بعرفة ومنى ما أقاموا) مدة إقامتهم ( بهما ركعتين ركعتين) بكل رباعية ( يقصرون الصلاة حتى يرجعوا إلى مكة) عملاً بالسنة ( قال وأمير الحاج أيضًا إذا كان من أهل مكة قصر الصلاة بعرفة وأيام منى) لأن سبب القصر النسك فلا فرق بين بعيد وقريب ( وإن كان أحد ساكنًا بمنى مقيمًا بها فإن ذلك) الأحد ( يتم الصلاة بمنى وإن كان أحد ساكنًا بعرفة مقيمًا بها) وإن لم يكن من أصل أهلها فالمدار على الإقامة ( فإن ذلك يتم الصلاة بها أيضًا) لأنهما في أوطانهما كأهل مكة إذا أحرموا بالحج بمكة يتمون قبل الخروج إلى منى وعرفة فالضابط أن أهل كل مكان يتمون فيه ويقصرون فيما عداه قال ابن المنير السر في القصر في هذه المواضع المتقاربة إظهار الله تعالى لفضله على عباده حتى اعتد لهم بالحركة القريبة اعتداده بالسفر البعيد فجعل الوافدين من عرفة إلى مكة كأنهم سافروا إليها ثلاثة أسفار سفر إلى المزدلفة ولهذا يقصر أهل عرفة بالمزدلفة وسفر إلى منى ولهذا يقصر أهل المزدلفة بمنى وسفر إلى مكة ولهذا يقصر أهل مكة فهي على قربها من عرفة معدودة بثلاث مسافات كل مسافة منها سفر طويل وسر ذلك والله أعلم أنهم كلهم وفد الله وأن البعيد كالقريب في إسباغ الفضل انتهى.


رقم الحديث 930 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَا الْبَدَّاحِ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، أَخْبَرَهُ: عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ.
خَارِجِينَ عَنْ مِنًى.
يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ.
ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ، وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ.
ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ.


( الرخصة في رمي الجمار)

( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو ( بن حزم) فنسبه إلى جده ( عن أبيه أن أبا البداح) بفتح الموحدة والدال المهملة المشددة فألف فحاء مهملة ( ابن عاصم بن عدي) ابن الجد بفتح الجيم ابن العجلان بن حارثة بن ضبيعة القضاعي البلوي العجلاني الأنصاري مولاهم ولا خلف فإنه من بلى بن الحاف بن قضاعة وهم خلفاء بني عمرو بن عوف من الأنصار قال أحمد بن خالد رواه يحيى فقال عن أبي البداح عاصم ولم يتابع عليه والصواب ابن عاصم كما قال جميع الرواة عن مالك قال ابن عبد البر والذي عندنا في رواية يحيى أنه كما رواه غيره سواء ولا يوقف على اسمه وكنيته اسمه وقال الواقدي أبو البداح لقب غلب عليه وكنيته أبو عمرو انتهى وكذا قال علي بن المديني وابن حبان كنيته أبو عمرو وقيل كنيته أبو بكر وقيل أبو عمر ويقال اسمه عدي مات سنة سبع عشرة ومائة فيما ذكره جماعة وقال الواقدي مات سنة عشر وله أربع وثمانون سنة فعلى هذا يكون ولد سنة ست وعشرين بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر سنة وهذا يدفع زعم أن له صحبة ويدفع قول ابن منده أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ( أخبره عن أبيه) عاصم شهد أحدًا ولم يشهد بدرًا لأنه صلى الله عليه وسلم استعمله على قباء أو على أهل العالية وضرب له بسهمه فكان كمن شهدها يقال رده من الروحاء وللطبراني عن ابن إسحاق أنه عاش خمسة عشر ومائة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لرعاء الإبل) بكسر الراء والمد جمع راع ( في البيتوتة) مصدر بات ( خارجين عن منى يرمون يوم النحر) جمرة العقبة ( ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين) ظاهره أنهم يرمون لهما في يوم النحر وليس بمراد كما بينه الإمام بعد ( ثم يرمون يوم النفر) بفتح النون وإسكان الفاء الانصراف من منى وهذا الحديث رواه أبو داود عن القعنبي والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح وابن ماجه من طرق عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة عند أصحاب السنن لكنه قال عن أبي البداح بن عدي قال البيهقي وكذا قال روح بن القاسم عن عبد الله بن أبي بكر فكأنهما نسبا أبا البداح إلى جده لكن اختلف فيه على سفيان فعند أبي داود عن مسدد والترمذي عن محمد بن يحيى بن أبي عمر عن سفيان عن عبد الله ومحمد بن أبي بكر عن أبيهما عن أبي البداح ورواه النسائي عن الحسين بن حريث ومحمد بن المثني عن سفيان عن عبد الله وحده ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبي البداح ولهذا قال الترمذي رواية مالك أصح وأما زعم أن تصحيحه لقوله ابن عاصم وقول سفيان بن عدي والرد على الترمذي بأن النسبة إلى الجد سائغ أنا ابن عبد المطلب فليس بشيء إذ هذا لا يخفى على الترمذي وكونه لم يذكر الاختلاف لا يدل على أنه لم يره ( مالك عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح أنه سمعه يذكر أنه أرخص للرعاء أن يرموا بالليل) ما فاتهم رميه نهارًا ( يقول في الزمان الأول) أي زمن الصحابة وبهم القدوة وبهذا قال محمد بن المواز وهو كما قال بعضهم وفاق للمذهب لأنه إذا أرخص لهم في تأخير اليوم الثاني فرميهم بالليل أولى ( قال مالك تفسير الحديث) أي حديث عاصم بن عدي ( الذي أرخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل) وألحق بها رعاء غيرها لأن العلة الاشتغال بالرعي ( في) تأخير ( رمي الجمار فيما نرى) بضم النون نظن ( والله أعلم) بما أراد رسوله ( أنهم يرمون يوم النحر) جمرة العقبة ثم ينصرفون لرعيهم ( فإذا مضى اليوم الذي يلي يوم النحر) وهو ثانيه أتوا يوم الثالث و ( رموا من الغد وذلك يوم النفر الأول) لمن تعجل في يومين ( فيرمون لليوم الذي مضى) ثاني النحر ( ثم يرمون ليومهم ذلك) الحاضر ثالث النحر وإنما كان تفسيره ذلك وإن كان خلاف ظاهره أنهم يرمون لليومين في يوم النحر ( لأنه لا يقضي أحد شيئًا حتى يجب عليه فإذا وجب عليه ومضى كان القضاء بعد ذلك) لأنه عبارة عن فعل ما فات وقته ويدل لفهم الإمام رواية سفيان لحديث الباب عن أبي داود بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا يومًا ويدعوا يومًا ( فإن بدا لهم النفر فقد فرغوا) لأنهم تعجلوا في يومين ( وإن أقاموا) بمنى ( إلى الغد رموا مع الناس يوم النفر الآخر) بكسر الخاء ( ونفروا) انصرفوا وأما أهل السقاية فإنما يرخص لهم في ترك البيات بمنى لا في ترك رمي اليوم الأول من أيام الرمي فيبيتون بمكة ويرمون الجمار نهارًا ويعودون لمكة كما في الطراز المذهب لما في الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر قال استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له وفي رواية رخص صلى الله عليه وسلم للعباس أن يبيت بمكة أيام منى من أجل سقايته فذهب بعضهم إلى اختصاص ذلك بالعباس وهو جمود وقيل يدخل معه آله وقيل فريقه وهم بنو هاشم وقيل كل من احتاج إلى السقاية فله ذلك ثم قيل يختص الحكم بسقاية العباس حتى لو عمل سقاية لغيره لم يرخص لصاحبها في المبيت لأجلها ومنهم من عممه وهو الصحيح في الموضعين والعلة في ذلك إعداد الماء للشاربين وهل يختص ذلك بالماء أو يلحق به ما في معناه من الأكل وغيره محل احتمال والجمهور على اختصاص ذلك بأهل السقاية والرعاء وألحق الشافعية بذلك من له مال يخاف ضياعه أو أمر يخاف فوته أو مريض يتعاهده وقال المالكية يجب الدم في المذكورات سوى الرعاء وأهل السقاية فمن ترك المبيت بمنى غيرهما وجب عليه دم عن كل ليلة وقال الشافعي عن كل ليلة إطعام مسكين وعنه أيضًا التصدق بدرهم وعن الثلاثة دم وهو رواية عن أحمد والمشهور عنه وعن الحنفية لا شيء عليه ( مالك عن أبي بكر بن نافع) مولى ابن عمر العدوي المدني صدوق يقال اسمه عمر ( عن أبيه) نافع الشهير شيخ مالك روى عنه هنا بواسطة ابنه ( أن ابنة أخ) لم تسم هي ولا أبوها ( لصفية بنت أبي عبيد) بضم العين ابن مسعود الثقفية زوج ابن عمر قيل لها إدراك وأنكره الدارقطني وقال العجلي تابعية ثقة ( نفست) بضم النون وفتحها مع كسر الفاء فيهما لغتان والضم أشهر أي ولدت وأما بمعنى حاضت فبضم النون فقط عند جماعة وعن الأصمعي الوجهان ( بالمزدلفة فتخلفت هي وصفية) عمتها ( حتى أتتا منى بعد أن غربت الشمس من يوم النحر فأمرهما عبد الله بن عمر أن ترميا الجمرة حين أتتا ولم ير عليهما شيئًا) هديًا لعذرهما تلك بالولادة والعمة بمعاونتها لكن استحب مالك لمن عرض له مثل ما عرض لصفية أن يهدي لأنه لم يرم في الوقت المطلوب ( قال يحيى سئل مالك عمن نسي جمرة من الجمار في بعض أيام منى حتى يمسي قال ليرم أي ساعة ذكر من ليل أو نهار كما يصلي الصلاة إذا نسيها ثم ذكرها ليلاً أو نهارًا فإن كان ذلك بعد ما صدر) رجع من منى ( وهو بمكة أو بعد ما يخرج منها فعليه الهدي) واجب.



رقم الحديث 931 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ.
فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ.
حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ لِمِنًى، فَيَقْصُرَ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ عَلَى مُقَامٍ، أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ لَيَالٍ.



( صلاة المقيم بمكة ومنى)

( قال مالك: من قدم مكة لهلال ذي الحجة فأهل بالحج فإنه يتم الصلاة) بمكة ( حتى يخرج من مكة إلى منى فيقصر) بالنصب ( وذلك أنه قد أجمع) عزم وصمم ( على مقام أكثر من أربع ليال) بأيامها.



رقم الحديث 931 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَذْكُرُ أَنَّهُ أُرْخِصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا بِاللَّيْلِ.
يَقُولُ: فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ
قَالَ مَالِكٌ: تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ الَّذِي أَرْخَصَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي تَأْخِيرِ رَمْيِ الْجِمَارِ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهُمْ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ.
فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي يَوْمَ النَّحْرِ رَمَوْا مِنَ الْغَدِ.
وَذَلِكَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ.
فَيَرْمُونَ لِلْيَوْمِ الَّذِي مَضَى.
ثُمَّ يَرْمُونَ لِيَوْمِهِمْ ذَلِكَ.
لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي أَحَدٌ شَيْئًا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ.
فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَمَضَى كَانَ الْقَضَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ.
فَإِنْ بَدَا لَهُمُ النَّفْرُ فَقَدْ فَرَغُوا وَإِنْ أَقَامُوا إِلَى الْغَدِ، رَمَوْا مَعَ النَّاسِ يَوْمَ النَّفْرِ الْآخِرِ، وَنَفَرُوا.


( الرخصة في رمي الجمار)

( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو ( بن حزم) فنسبه إلى جده ( عن أبيه أن أبا البداح) بفتح الموحدة والدال المهملة المشددة فألف فحاء مهملة ( ابن عاصم بن عدي) ابن الجد بفتح الجيم ابن العجلان بن حارثة بن ضبيعة القضاعي البلوي العجلاني الأنصاري مولاهم ولا خلف فإنه من بلى بن الحاف بن قضاعة وهم خلفاء بني عمرو بن عوف من الأنصار قال أحمد بن خالد رواه يحيى فقال عن أبي البداح عاصم ولم يتابع عليه والصواب ابن عاصم كما قال جميع الرواة عن مالك قال ابن عبد البر والذي عندنا في رواية يحيى أنه كما رواه غيره سواء ولا يوقف على اسمه وكنيته اسمه وقال الواقدي أبو البداح لقب غلب عليه وكنيته أبو عمرو انتهى وكذا قال علي بن المديني وابن حبان كنيته أبو عمرو وقيل كنيته أبو بكر وقيل أبو عمر ويقال اسمه عدي مات سنة سبع عشرة ومائة فيما ذكره جماعة وقال الواقدي مات سنة عشر وله أربع وثمانون سنة فعلى هذا يكون ولد سنة ست وعشرين بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر سنة وهذا يدفع زعم أن له صحبة ويدفع قول ابن منده أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ( أخبره عن أبيه) عاصم شهد أحدًا ولم يشهد بدرًا لأنه صلى الله عليه وسلم استعمله على قباء أو على أهل العالية وضرب له بسهمه فكان كمن شهدها يقال رده من الروحاء وللطبراني عن ابن إسحاق أنه عاش خمسة عشر ومائة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لرعاء الإبل) بكسر الراء والمد جمع راع ( في البيتوتة) مصدر بات ( خارجين عن منى يرمون يوم النحر) جمرة العقبة ( ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين) ظاهره أنهم يرمون لهما في يوم النحر وليس بمراد كما بينه الإمام بعد ( ثم يرمون يوم النفر) بفتح النون وإسكان الفاء الانصراف من منى وهذا الحديث رواه أبو داود عن القعنبي والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح وابن ماجه من طرق عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة عند أصحاب السنن لكنه قال عن أبي البداح بن عدي قال البيهقي وكذا قال روح بن القاسم عن عبد الله بن أبي بكر فكأنهما نسبا أبا البداح إلى جده لكن اختلف فيه على سفيان فعند أبي داود عن مسدد والترمذي عن محمد بن يحيى بن أبي عمر عن سفيان عن عبد الله ومحمد بن أبي بكر عن أبيهما عن أبي البداح ورواه النسائي عن الحسين بن حريث ومحمد بن المثني عن سفيان عن عبد الله وحده ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبي البداح ولهذا قال الترمذي رواية مالك أصح وأما زعم أن تصحيحه لقوله ابن عاصم وقول سفيان بن عدي والرد على الترمذي بأن النسبة إلى الجد سائغ أنا ابن عبد المطلب فليس بشيء إذ هذا لا يخفى على الترمذي وكونه لم يذكر الاختلاف لا يدل على أنه لم يره ( مالك عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح أنه سمعه يذكر أنه أرخص للرعاء أن يرموا بالليل) ما فاتهم رميه نهارًا ( يقول في الزمان الأول) أي زمن الصحابة وبهم القدوة وبهذا قال محمد بن المواز وهو كما قال بعضهم وفاق للمذهب لأنه إذا أرخص لهم في تأخير اليوم الثاني فرميهم بالليل أولى ( قال مالك تفسير الحديث) أي حديث عاصم بن عدي ( الذي أرخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل) وألحق بها رعاء غيرها لأن العلة الاشتغال بالرعي ( في) تأخير ( رمي الجمار فيما نرى) بضم النون نظن ( والله أعلم) بما أراد رسوله ( أنهم يرمون يوم النحر) جمرة العقبة ثم ينصرفون لرعيهم ( فإذا مضى اليوم الذي يلي يوم النحر) وهو ثانيه أتوا يوم الثالث و ( رموا من الغد وذلك يوم النفر الأول) لمن تعجل في يومين ( فيرمون لليوم الذي مضى) ثاني النحر ( ثم يرمون ليومهم ذلك) الحاضر ثالث النحر وإنما كان تفسيره ذلك وإن كان خلاف ظاهره أنهم يرمون لليومين في يوم النحر ( لأنه لا يقضي أحد شيئًا حتى يجب عليه فإذا وجب عليه ومضى كان القضاء بعد ذلك) لأنه عبارة عن فعل ما فات وقته ويدل لفهم الإمام رواية سفيان لحديث الباب عن أبي داود بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا يومًا ويدعوا يومًا ( فإن بدا لهم النفر فقد فرغوا) لأنهم تعجلوا في يومين ( وإن أقاموا) بمنى ( إلى الغد رموا مع الناس يوم النفر الآخر) بكسر الخاء ( ونفروا) انصرفوا وأما أهل السقاية فإنما يرخص لهم في ترك البيات بمنى لا في ترك رمي اليوم الأول من أيام الرمي فيبيتون بمكة ويرمون الجمار نهارًا ويعودون لمكة كما في الطراز المذهب لما في الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر قال استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له وفي رواية رخص صلى الله عليه وسلم للعباس أن يبيت بمكة أيام منى من أجل سقايته فذهب بعضهم إلى اختصاص ذلك بالعباس وهو جمود وقيل يدخل معه آله وقيل فريقه وهم بنو هاشم وقيل كل من احتاج إلى السقاية فله ذلك ثم قيل يختص الحكم بسقاية العباس حتى لو عمل سقاية لغيره لم يرخص لصاحبها في المبيت لأجلها ومنهم من عممه وهو الصحيح في الموضعين والعلة في ذلك إعداد الماء للشاربين وهل يختص ذلك بالماء أو يلحق به ما في معناه من الأكل وغيره محل احتمال والجمهور على اختصاص ذلك بأهل السقاية والرعاء وألحق الشافعية بذلك من له مال يخاف ضياعه أو أمر يخاف فوته أو مريض يتعاهده وقال المالكية يجب الدم في المذكورات سوى الرعاء وأهل السقاية فمن ترك المبيت بمنى غيرهما وجب عليه دم عن كل ليلة وقال الشافعي عن كل ليلة إطعام مسكين وعنه أيضًا التصدق بدرهم وعن الثلاثة دم وهو رواية عن أحمد والمشهور عنه وعن الحنفية لا شيء عليه ( مالك عن أبي بكر بن نافع) مولى ابن عمر العدوي المدني صدوق يقال اسمه عمر ( عن أبيه) نافع الشهير شيخ مالك روى عنه هنا بواسطة ابنه ( أن ابنة أخ) لم تسم هي ولا أبوها ( لصفية بنت أبي عبيد) بضم العين ابن مسعود الثقفية زوج ابن عمر قيل لها إدراك وأنكره الدارقطني وقال العجلي تابعية ثقة ( نفست) بضم النون وفتحها مع كسر الفاء فيهما لغتان والضم أشهر أي ولدت وأما بمعنى حاضت فبضم النون فقط عند جماعة وعن الأصمعي الوجهان ( بالمزدلفة فتخلفت هي وصفية) عمتها ( حتى أتتا منى بعد أن غربت الشمس من يوم النحر فأمرهما عبد الله بن عمر أن ترميا الجمرة حين أتتا ولم ير عليهما شيئًا) هديًا لعذرهما تلك بالولادة والعمة بمعاونتها لكن استحب مالك لمن عرض له مثل ما عرض لصفية أن يهدي لأنه لم يرم في الوقت المطلوب ( قال يحيى سئل مالك عمن نسي جمرة من الجمار في بعض أيام منى حتى يمسي قال ليرم أي ساعة ذكر من ليل أو نهار كما يصلي الصلاة إذا نسيها ثم ذكرها ليلاً أو نهارًا فإن كان ذلك بعد ما صدر) رجع من منى ( وهو بمكة أو بعد ما يخرج منها فعليه الهدي) واجب.



رقم الحديث 932 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ ابْنَةَ أَخٍ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ نُفِسَتْ بِالْمُزْدَلِفَةِ.
فَتَخَلَّفَتْ هِيَ وَصَفِيَّةُ حَتَّى أَتَتَا مِنًى، بَعْدَ أَنْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ.
فَأَمَرَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنْ تَرْمِيَا الْجَمْرَةَ حِينَ أَتَتَا وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِمَا شَيْئًا قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ نَسِيَ جَمْرَةً مِنَ الْجِمَارِ فِي بَعْضِ أَيَّامِ مِنًى حَتَّى يُمْسِيَ؟ قَالَ: لِيَرْمِ أَيَّ سَاعَةٍ ذَكَرَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ.
كَمَا يُصَلِّي الصَّلَاةَ إِذَا نَسِيَهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَمَا صَدَرَ وَهُوَ بِمَكَّةَ، أَوْ بَعْدَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ واجِبٌ.


( الرخصة في رمي الجمار)

( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو ( بن حزم) فنسبه إلى جده ( عن أبيه أن أبا البداح) بفتح الموحدة والدال المهملة المشددة فألف فحاء مهملة ( ابن عاصم بن عدي) ابن الجد بفتح الجيم ابن العجلان بن حارثة بن ضبيعة القضاعي البلوي العجلاني الأنصاري مولاهم ولا خلف فإنه من بلى بن الحاف بن قضاعة وهم خلفاء بني عمرو بن عوف من الأنصار قال أحمد بن خالد رواه يحيى فقال عن أبي البداح عاصم ولم يتابع عليه والصواب ابن عاصم كما قال جميع الرواة عن مالك قال ابن عبد البر والذي عندنا في رواية يحيى أنه كما رواه غيره سواء ولا يوقف على اسمه وكنيته اسمه وقال الواقدي أبو البداح لقب غلب عليه وكنيته أبو عمرو انتهى وكذا قال علي بن المديني وابن حبان كنيته أبو عمرو وقيل كنيته أبو بكر وقيل أبو عمر ويقال اسمه عدي مات سنة سبع عشرة ومائة فيما ذكره جماعة وقال الواقدي مات سنة عشر وله أربع وثمانون سنة فعلى هذا يكون ولد سنة ست وعشرين بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر سنة وهذا يدفع زعم أن له صحبة ويدفع قول ابن منده أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ( أخبره عن أبيه) عاصم شهد أحدًا ولم يشهد بدرًا لأنه صلى الله عليه وسلم استعمله على قباء أو على أهل العالية وضرب له بسهمه فكان كمن شهدها يقال رده من الروحاء وللطبراني عن ابن إسحاق أنه عاش خمسة عشر ومائة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لرعاء الإبل) بكسر الراء والمد جمع راع ( في البيتوتة) مصدر بات ( خارجين عن منى يرمون يوم النحر) جمرة العقبة ( ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين) ظاهره أنهم يرمون لهما في يوم النحر وليس بمراد كما بينه الإمام بعد ( ثم يرمون يوم النفر) بفتح النون وإسكان الفاء الانصراف من منى وهذا الحديث رواه أبو داود عن القعنبي والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح وابن ماجه من طرق عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة عند أصحاب السنن لكنه قال عن أبي البداح بن عدي قال البيهقي وكذا قال روح بن القاسم عن عبد الله بن أبي بكر فكأنهما نسبا أبا البداح إلى جده لكن اختلف فيه على سفيان فعند أبي داود عن مسدد والترمذي عن محمد بن يحيى بن أبي عمر عن سفيان عن عبد الله ومحمد بن أبي بكر عن أبيهما عن أبي البداح ورواه النسائي عن الحسين بن حريث ومحمد بن المثني عن سفيان عن عبد الله وحده ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبي البداح ولهذا قال الترمذي رواية مالك أصح وأما زعم أن تصحيحه لقوله ابن عاصم وقول سفيان بن عدي والرد على الترمذي بأن النسبة إلى الجد سائغ أنا ابن عبد المطلب فليس بشيء إذ هذا لا يخفى على الترمذي وكونه لم يذكر الاختلاف لا يدل على أنه لم يره ( مالك عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح أنه سمعه يذكر أنه أرخص للرعاء أن يرموا بالليل) ما فاتهم رميه نهارًا ( يقول في الزمان الأول) أي زمن الصحابة وبهم القدوة وبهذا قال محمد بن المواز وهو كما قال بعضهم وفاق للمذهب لأنه إذا أرخص لهم في تأخير اليوم الثاني فرميهم بالليل أولى ( قال مالك تفسير الحديث) أي حديث عاصم بن عدي ( الذي أرخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل) وألحق بها رعاء غيرها لأن العلة الاشتغال بالرعي ( في) تأخير ( رمي الجمار فيما نرى) بضم النون نظن ( والله أعلم) بما أراد رسوله ( أنهم يرمون يوم النحر) جمرة العقبة ثم ينصرفون لرعيهم ( فإذا مضى اليوم الذي يلي يوم النحر) وهو ثانيه أتوا يوم الثالث و ( رموا من الغد وذلك يوم النفر الأول) لمن تعجل في يومين ( فيرمون لليوم الذي مضى) ثاني النحر ( ثم يرمون ليومهم ذلك) الحاضر ثالث النحر وإنما كان تفسيره ذلك وإن كان خلاف ظاهره أنهم يرمون لليومين في يوم النحر ( لأنه لا يقضي أحد شيئًا حتى يجب عليه فإذا وجب عليه ومضى كان القضاء بعد ذلك) لأنه عبارة عن فعل ما فات وقته ويدل لفهم الإمام رواية سفيان لحديث الباب عن أبي داود بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا يومًا ويدعوا يومًا ( فإن بدا لهم النفر فقد فرغوا) لأنهم تعجلوا في يومين ( وإن أقاموا) بمنى ( إلى الغد رموا مع الناس يوم النفر الآخر) بكسر الخاء ( ونفروا) انصرفوا وأما أهل السقاية فإنما يرخص لهم في ترك البيات بمنى لا في ترك رمي اليوم الأول من أيام الرمي فيبيتون بمكة ويرمون الجمار نهارًا ويعودون لمكة كما في الطراز المذهب لما في الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر قال استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له وفي رواية رخص صلى الله عليه وسلم للعباس أن يبيت بمكة أيام منى من أجل سقايته فذهب بعضهم إلى اختصاص ذلك بالعباس وهو جمود وقيل يدخل معه آله وقيل فريقه وهم بنو هاشم وقيل كل من احتاج إلى السقاية فله ذلك ثم قيل يختص الحكم بسقاية العباس حتى لو عمل سقاية لغيره لم يرخص لصاحبها في المبيت لأجلها ومنهم من عممه وهو الصحيح في الموضعين والعلة في ذلك إعداد الماء للشاربين وهل يختص ذلك بالماء أو يلحق به ما في معناه من الأكل وغيره محل احتمال والجمهور على اختصاص ذلك بأهل السقاية والرعاء وألحق الشافعية بذلك من له مال يخاف ضياعه أو أمر يخاف فوته أو مريض يتعاهده وقال المالكية يجب الدم في المذكورات سوى الرعاء وأهل السقاية فمن ترك المبيت بمنى غيرهما وجب عليه دم عن كل ليلة وقال الشافعي عن كل ليلة إطعام مسكين وعنه أيضًا التصدق بدرهم وعن الثلاثة دم وهو رواية عن أحمد والمشهور عنه وعن الحنفية لا شيء عليه ( مالك عن أبي بكر بن نافع) مولى ابن عمر العدوي المدني صدوق يقال اسمه عمر ( عن أبيه) نافع الشهير شيخ مالك روى عنه هنا بواسطة ابنه ( أن ابنة أخ) لم تسم هي ولا أبوها ( لصفية بنت أبي عبيد) بضم العين ابن مسعود الثقفية زوج ابن عمر قيل لها إدراك وأنكره الدارقطني وقال العجلي تابعية ثقة ( نفست) بضم النون وفتحها مع كسر الفاء فيهما لغتان والضم أشهر أي ولدت وأما بمعنى حاضت فبضم النون فقط عند جماعة وعن الأصمعي الوجهان ( بالمزدلفة فتخلفت هي وصفية) عمتها ( حتى أتتا منى بعد أن غربت الشمس من يوم النحر فأمرهما عبد الله بن عمر أن ترميا الجمرة حين أتتا ولم ير عليهما شيئًا) هديًا لعذرهما تلك بالولادة والعمة بمعاونتها لكن استحب مالك لمن عرض له مثل ما عرض لصفية أن يهدي لأنه لم يرم في الوقت المطلوب ( قال يحيى سئل مالك عمن نسي جمرة من الجمار في بعض أيام منى حتى يمسي قال ليرم أي ساعة ذكر من ليل أو نهار كما يصلي الصلاة إذا نسيها ثم ذكرها ليلاً أو نهارًا فإن كان ذلك بعد ما صدر) رجع من منى ( وهو بمكة أو بعد ما يخرج منها فعليه الهدي) واجب.