فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ

رقم الحديث 1667 حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَهَى عَنِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَالْمُلَامَسَةُ: أَنْ يَلْمِسَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ، وَلَا يَنْشُرُهُ، وَلَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهِ، أَوْ يَبْتَاعَهُ لَيْلًا، وَلَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ، وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ ثَوْبَهُ، وَيَنْبِذَ الْآخَرُ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ عَلَى غَيْرِ تَأَمُّلٍ مِنْهُمَا، وَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَذَا بِهَذَا، فَهَذَا الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ مِنَ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ قَالَ مَالِكٌ: فِي السَّاجِ الْمُدْرَجِ فِي جِرَابِهِ، أَوِ الثَّوْبِ الْقُبْطِيِّ الْمُدْرَجِ فِي طَيِّهِ، إِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا، حَتَّى يُنْشَرَا، وَيُنْظَرَ إِلَى مَا فِي أَجْوَافِهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّ بَيْعَهُمَا مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَهُوَ مِنَ الْمُلَامَسَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَبَيْعُ الْأَعْدَالِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ، مُخَالِفٌ لِبَيْعِ السَّاجِ فِي جِرَابِهِ، وَالثَّوْبِ فِي طَيِّهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَرَقَ بَيْنَ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْمَعْمُولُ بِهِ، وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ فِي صُدُورِ النَّاسِ، وَمَا مَضَى مِنْ عَمَلِ الْمَاضِينَ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مِنْ بُيُوعِ النَّاسِ الْجَائِزَةِ، وَالتِّجَارَةِ بَيْنَهُمِ الَّتِي لَا يَرَوْنَ بِهَا بَأْسًا، لِأَنَّ بَيْعَ الْأَعْدَالِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ عَلَى غَيْرِ نَشْرٍ، لَا يُرَادُ بِهِ الْغَرَرُ، وَلَيْسَ يُشْبِهُ الْمُلَامَسَةَ.


( الملامسة والمنابذة)

( مالك عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( وعن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان كلاهما ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن) بيع ( الملامسة) مفاعلة من اللمس ( و) عن ( المنابذة) بضم الميم وذال معجمة ( قال مالك والملامسة أن يلمس) بضم الميم وكسرها، من بابي نصر وضرب أي يمس ( الرجل الثوب) بيده ( ولا ينشره) يفرده ( ولا يتبين) يظهر له ( ما فيه أو يبتاعه ليلاً ولا يعلم ما فيه والمنابذة أن ينبذ) بكسر الباء يطرح ( الرجل إلى الرجل ثوبه وينبذ الآخر إليه ثوبه على غير تأمل منهما) بنظر ولا تقليب ( ويقول كل واحد منهما هذا بهذا) على الإلزام من غير نظر ولا تراض بل بما فعلاه من منابذة أو ملامسة ( فهذا الذي نهي عنه من الملامسة والمنابذة) فلو جعلاه على أنه بالخيار إذا زال الظلام ونشر الثوب فإن رضيه أمسكه جاز كما قال عياض وغيره: وهو المسمى بالبيع على خيار الرؤية ونص على جوازه الإمام في المدونة.
وفي الباجي: فإن لم يمنعه البائع من تقليبه وقنع المشتري بلمسه فليس بيع ملامسة ولا يمنع صحته اهـ.

وتفسير مالك في الصحيحين عن أبي سعيد قال: نهى صلى الله عليه وسلم عن الملامسة والمنابذة في البيع، والملامسة، لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذلك، والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه وينبذ الآخر إليه ثوبه ويكون ذلك بيعهما عن غير نظر ولا تراض.
ولمسلم عن عطاء بن مينا عن أبي هريرة: نهى عن الملامسة والمنابذة، أما الملامسة فأن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل، والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر ولم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه.
وهذا التفسير أقعد بلفظ الملامسة والمنابذة لأنهما مفاعلة فتستدعي وجود الفعل من الجانبين وظاهره أنه مرفوع لكن للنسائي ما يشعر بأنه كلام من دونه صلى الله عليه وسلم ولفظه، وزعم أن الملامسة أن يقول الرجل للرجل: أبيعك ثوبي بثوبك ولا ينظر واحد منهما إلى ثوب الآخر، ولكن يلمسه لمسًا، والمنابذة أن يقول: أنبذ ما معي وتنبذ ما معك ليشتري كل واحد منهما من الآخر ولا يدري كل واحد منهما كم مع الآخر ونحو ذلك فالأقرب أنه من الصحابي لأنه يبعد أن يعبر عنه صلى الله عليه وسلم بلفظ زعم، وقيل المنابذة نبذ الحصاة والصحيح أنها غيره.
قال ابن عبد البر: تفسير مالك وتفسير غيره قريب من السواء وكان بيع الملامسة والمنابذة وبيع الحصاة بيوعًا في الجاهلية فنهى صلى الله عليه وسلم عنها.
قال: والحصاة أن تكون ثياب مبسوطة فيقول المبتاع للبائع أي ثوب من هذه وقعت عليه الحصاة التي أرمي بها فهو لي بكذا فيقول البائع: نعم فهذا وما كان مثله غرر وقمار وهذا الحديث رواه البخاري عن إسماعيل ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به بدون تفسيره.

( قال مالك في الساج) بمهملة وجيم، الطيلسان الأخضر أو الأسود ( المدرج في جرابه) بكسر الجيم ولا تفتح أو فتحها، لغية فيما حكاه عياض وغيره المزود أو الوعاء ( أو الثوب القبطي) بضم القاف، ثياب تنسب إلى القبط، بالكسر نصارى مصر على غير قياس وقد تكسر القاف في النسبة على القياس ( المدرج في طيه إنه لا يجوز بيعهما حتى ينشرا وينظر إلى ما في أجوافهما) أي ما لم يظهر منهما حالة الطي تشبيهًا بجوف الحيوان ( وذلك أن بيعهما من بيع الغرر وهو من الملامسة) المنهي عنها فيمنع اتفاقًا فإن عرف طوله وعرضه ونظر إلى شيء منه واشترى على ذلك جاز فإن خالف كان له القيام كالعيب ( وبيع الأعدال على البرنامج) بفتح الباء وكسر الميم، وبكسرهما، وقال الفاكهاني: رويناه بفتح الميم، ولم يذكر عياض غير الكسر، معرب برنامه بالفارسية معناه الورقة المكتوب فيها ما في العدل ( مخالف لبيع الساج في جرابه والثوب في طيه وما أشبه ذلك فرق بين ذلك في الحكم) الأمر ( المعمول به ومعرفة ذلك في صدور الناس) أي متقدميهم ( وما مضى من عمل الماضين فيه وأنه لم يزل) أي استمر ( من بيوع الناس الجائزة والتجارة بينهم التي لا يرون بها بأسًا) شدة لأنها جائزة ( لأن بيع الأعدال على البرنامج على غير نشر لا يراد به الغرر وليس يشبه الملامسة) لكثرة ثياب الأعدال وعظم المؤنة في فتحها ونشرها والفرق أن بيع البرنامج بيع على صفة والساج في الجراب والقبطي المطوي بيع على غير صفة ولا رؤية قاله ابن حبيب.



رقم الحديث 1668 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ تُبَاعُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ الْحُلَّةَ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، ثُمَّ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا حُلَلٌ، فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهَا حُلَّةً، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا، فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ.


( ما جاء في لبس الثياب)

( مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا مما قيل أنه أصح الأسانيد ( أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين) بكسر اللام وسكون الموحدة ( وعن بيعتين) بفتح الباء ويجوز كسرها على إرادة الهيئة قاله الحافظ وغيره فمقتضاه أن الرواية بالفتح وإن قال بعضهم الكسر أحسن نظرًا للهيئة وأبدل من بيعتين قوله ( عن الملامسة) بأن يلمس الثوب مطويًا أو في ظلمة فيلزم بذلك البيع ولا خيار له إذا رآه اكتفاء بلمسه أو يقول إذا لمسته فقد بعتك اكتفاء بلمسه أو على أنه متى لمسه انعقد البيع ولا خيار ( وعن المنابذة) مفاعلة زاد في حديث أبي سعيد في الصحيح والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذلك والمنابذة أن ينبذ الرجل ثوبه وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر للثوب ولا تراض وبين اللبستين بقوله ( وعن أن يحتبي) بفتح أوله وكسر الموحدة ( الرجل) أي وعن احتباء الرجل بأن يقعد على أليتيه وينصب ساقيه ملتفًا ( في ثوب واحد ليس على فرجه منه) أي الثوب ( شيء) زاد في حديث أبي سعيد بينه وبين السماء لما فيه من الإفضاء به إلى السماء ولأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ربما تحرك فتبدو عورته فإن كان مستور العورة فلا حرمة ( وعن أن يشتمل الرجل بالثوب الواحد على أحد شقيه) فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب فيحرم إن انكشف بعض عورته وإلا كره وهذه اللبسة هي المعروفة عند الفقهاء بالصماء لأن يده حينئذ تصير داخل ثوبه فإن أصابه شيء يريد الاحتراس منه والاتقاء بيديه تعذر عليه وإن أخرجها من تحت الثوب انكشفت عورته وبها فسر في حديث أبي سعيد ولفظه والصماء أن يجعل الرجل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب وفسرها اللغويون بأن يشتمل بالثوب حتى يخلل به جسده لا يرفع منه جانبًا فلا يبقى ما تخرج منه يده قاله الأصمعي قال ابن قتيبة ولذا سميت صماء لسد المنافذ كلها كالصخرة الصماء لا خرق فيها ولا صدع فيكره على هذا لعجزه عن الاستعانة بيده فيما يعرض له في الصلاة كدفع بعض الهوام وهذا الحديث رواه البخاري عن إسماعيل عن مالك به ( مالك عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما ( أن) أباه ( عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء) بكسر السين المهملة وفتح التحتية وبالراء والمد قال مالك أي حرير وقال الأصمعي ثياب فيها خطوط من حرير أو قز وإنما قيل لها سيراء لسير الخطوط فيها وقيل حرير خالص قال عياض وابن قرقول ضبطناه على المتقنين حلة سيراء بالإضافة كما يقال ثوب خز وعن بعضهم بالتنوين على الصفة أو البدل قيل وعليه أكثر المحدثين قال الخطابي يقال حلة سيراء كما يقال ناقة عشراء قال ابن التين يريد أن عشراء مأخوذ من عشرة أي أكملت الناقة عشرة أشهر فسميت عشراء وكذلك الحلة سميت سيراء لأنها مأخوذة من السيور هذا وجه التشبيه لكن قال سيبويه لم يأت فعلاء وصفًا وقال الخليل ليس في الكلام فعلاء بكسر أوله مع المد سوى سيراء وحولاء وهو الماء الذي يخرج على رأس الولد وعنباء لغة في العنب والمعنى رأى حلة حرير ( تباع عند باب المسجد) النبوي ولمسلم عن جرير بن حازم عن نافع عن ابن عمر رأى عمر عطارد التميمي يقيم حلة بالسوق وكان رجلاً يغشى الملوك ويصيب منهم ( فقال يا رسول الله لو اشتريت هذه الحلة فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك) لكان حسنًا أو لو للتمني لا للشرط فلا تحتاج للجزاء وفي رواية للبخاري فلبستها للعيد وللوفد وللنسائي وتجملت بها للوفود والعرب إذا أتوك وإذا خطبت الناس يوم عيد وغيره ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس هذه) وفي رواية جرير إنما يلبس الحرير ( من لا خلاق) أي من لا حظ ولا نصيب ( له) من الخير ( في الآخرة) وهذا خرج على سبيل التغليظ وإلا فالمؤمن العاصي لا بد من دخوله الجنة فله خلاق في الآخرة كما أن عمومه مخصوص بالرجال لقيام الأدلة على إباحة الحرير للنساء ( ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم منها) أي من جنس الحلة السيراء ( حلل) فاعل جاء ( فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة) أي بعث بها إليه كما في رواية البخاري ولمسلم من رواية جرير وبعث إلى أسامة بحلة وأعطى علي بن أبي طالب حلة ( فقال عمر يا رسول الله أكسوتنيها) بهمزة الاستفهام وفي رواية جرير فجاء عمر بحلته فقال بعثت إلي بهذه ( وقد قلت في حلة عطارد) بضم المهملة وكسر الراء ودال مهملة ابن حاجب بن زرارة بن عدي بمهملتين التميمي الدارمي وفد في بني تميم وأسلم وحسن إسلامه وله صحبة ( ما قلت) إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أكسكها لتلبسها) بل لتنتفع بها وفي رواية للبخاري إنما بعثت إليك لتبيعها أو تكسوها غيرك وفيه دليل على أنه يقال كساه إذا أعطاه كسوة لبسها أم لا ولمسلم أعطيتكها تبيعها وتصيب بها حاجتك ولأحمد فباعها بألفي درهم لكن يعارضه قوله ( فكساها عمر أخا) كائنًا ( له مشركًا) كائنًا ( بمكة) وعند النسائي أخًا له من أمه وسماه ابن الحذاء عثمان بن حكيم ونقله ابن بشكوال قال الدمياطي هو السلمي أخو خولة بنت حكيم بن أمية وهو أخو زيد بن الخطاب لأمه فمن أطلق عليه أنه أخو عمر لأمه لم يصب إنما هو أخو أخيه وتعقب باحتمال أن عمر رضع من أم أخيه زيد فيكون عثمان هذا أخا عمر لأمه من الرضاع وهذا الحديث رواه البخاري في الجمعة عن عبد الله بن يوسف وفي الهبة عن القعنبي ومسلم في اللباس عن يحيى كلهم عن مالك به وتابعه جماعة في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد بن خالد الأنصاري ( أنه قال قال أنس بن مالك) عم إسحاق أخو أبيه لأمه ( رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المؤمنين وقد رقع) كنفع أي جعل رقعة مكان القطع ( بين كتفيه برقع) جمع رقعة وفي نسخة برقاع جمع رقعة أيضًا بزنة برمة وبرام ( ثلاث لبد) بشد الباء ألزق ( بعضها فوق بعض) لأن قصده الستر لا الفخر وليست الدنيا بشيء عنده وليقتدي به في الزهد فيها.



رقم الحديث 1669 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ رَقَعَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرِقَاعٍ ثَلَاثٍ لَبَّدَ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ.


( ما جاء في لبس الثياب)

( مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا مما قيل أنه أصح الأسانيد ( أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين) بكسر اللام وسكون الموحدة ( وعن بيعتين) بفتح الباء ويجوز كسرها على إرادة الهيئة قاله الحافظ وغيره فمقتضاه أن الرواية بالفتح وإن قال بعضهم الكسر أحسن نظرًا للهيئة وأبدل من بيعتين قوله ( عن الملامسة) بأن يلمس الثوب مطويًا أو في ظلمة فيلزم بذلك البيع ولا خيار له إذا رآه اكتفاء بلمسه أو يقول إذا لمسته فقد بعتك اكتفاء بلمسه أو على أنه متى لمسه انعقد البيع ولا خيار ( وعن المنابذة) مفاعلة زاد في حديث أبي سعيد في الصحيح والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذلك والمنابذة أن ينبذ الرجل ثوبه وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر للثوب ولا تراض وبين اللبستين بقوله ( وعن أن يحتبي) بفتح أوله وكسر الموحدة ( الرجل) أي وعن احتباء الرجل بأن يقعد على أليتيه وينصب ساقيه ملتفًا ( في ثوب واحد ليس على فرجه منه) أي الثوب ( شيء) زاد في حديث أبي سعيد بينه وبين السماء لما فيه من الإفضاء به إلى السماء ولأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ربما تحرك فتبدو عورته فإن كان مستور العورة فلا حرمة ( وعن أن يشتمل الرجل بالثوب الواحد على أحد شقيه) فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب فيحرم إن انكشف بعض عورته وإلا كره وهذه اللبسة هي المعروفة عند الفقهاء بالصماء لأن يده حينئذ تصير داخل ثوبه فإن أصابه شيء يريد الاحتراس منه والاتقاء بيديه تعذر عليه وإن أخرجها من تحت الثوب انكشفت عورته وبها فسر في حديث أبي سعيد ولفظه والصماء أن يجعل الرجل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب وفسرها اللغويون بأن يشتمل بالثوب حتى يخلل به جسده لا يرفع منه جانبًا فلا يبقى ما تخرج منه يده قاله الأصمعي قال ابن قتيبة ولذا سميت صماء لسد المنافذ كلها كالصخرة الصماء لا خرق فيها ولا صدع فيكره على هذا لعجزه عن الاستعانة بيده فيما يعرض له في الصلاة كدفع بعض الهوام وهذا الحديث رواه البخاري عن إسماعيل عن مالك به ( مالك عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما ( أن) أباه ( عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء) بكسر السين المهملة وفتح التحتية وبالراء والمد قال مالك أي حرير وقال الأصمعي ثياب فيها خطوط من حرير أو قز وإنما قيل لها سيراء لسير الخطوط فيها وقيل حرير خالص قال عياض وابن قرقول ضبطناه على المتقنين حلة سيراء بالإضافة كما يقال ثوب خز وعن بعضهم بالتنوين على الصفة أو البدل قيل وعليه أكثر المحدثين قال الخطابي يقال حلة سيراء كما يقال ناقة عشراء قال ابن التين يريد أن عشراء مأخوذ من عشرة أي أكملت الناقة عشرة أشهر فسميت عشراء وكذلك الحلة سميت سيراء لأنها مأخوذة من السيور هذا وجه التشبيه لكن قال سيبويه لم يأت فعلاء وصفًا وقال الخليل ليس في الكلام فعلاء بكسر أوله مع المد سوى سيراء وحولاء وهو الماء الذي يخرج على رأس الولد وعنباء لغة في العنب والمعنى رأى حلة حرير ( تباع عند باب المسجد) النبوي ولمسلم عن جرير بن حازم عن نافع عن ابن عمر رأى عمر عطارد التميمي يقيم حلة بالسوق وكان رجلاً يغشى الملوك ويصيب منهم ( فقال يا رسول الله لو اشتريت هذه الحلة فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك) لكان حسنًا أو لو للتمني لا للشرط فلا تحتاج للجزاء وفي رواية للبخاري فلبستها للعيد وللوفد وللنسائي وتجملت بها للوفود والعرب إذا أتوك وإذا خطبت الناس يوم عيد وغيره ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس هذه) وفي رواية جرير إنما يلبس الحرير ( من لا خلاق) أي من لا حظ ولا نصيب ( له) من الخير ( في الآخرة) وهذا خرج على سبيل التغليظ وإلا فالمؤمن العاصي لا بد من دخوله الجنة فله خلاق في الآخرة كما أن عمومه مخصوص بالرجال لقيام الأدلة على إباحة الحرير للنساء ( ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم منها) أي من جنس الحلة السيراء ( حلل) فاعل جاء ( فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة) أي بعث بها إليه كما في رواية البخاري ولمسلم من رواية جرير وبعث إلى أسامة بحلة وأعطى علي بن أبي طالب حلة ( فقال عمر يا رسول الله أكسوتنيها) بهمزة الاستفهام وفي رواية جرير فجاء عمر بحلته فقال بعثت إلي بهذه ( وقد قلت في حلة عطارد) بضم المهملة وكسر الراء ودال مهملة ابن حاجب بن زرارة بن عدي بمهملتين التميمي الدارمي وفد في بني تميم وأسلم وحسن إسلامه وله صحبة ( ما قلت) إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أكسكها لتلبسها) بل لتنتفع بها وفي رواية للبخاري إنما بعثت إليك لتبيعها أو تكسوها غيرك وفيه دليل على أنه يقال كساه إذا أعطاه كسوة لبسها أم لا ولمسلم أعطيتكها تبيعها وتصيب بها حاجتك ولأحمد فباعها بألفي درهم لكن يعارضه قوله ( فكساها عمر أخا) كائنًا ( له مشركًا) كائنًا ( بمكة) وعند النسائي أخًا له من أمه وسماه ابن الحذاء عثمان بن حكيم ونقله ابن بشكوال قال الدمياطي هو السلمي أخو خولة بنت حكيم بن أمية وهو أخو زيد بن الخطاب لأمه فمن أطلق عليه أنه أخو عمر لأمه لم يصب إنما هو أخو أخيه وتعقب باحتمال أن عمر رضع من أم أخيه زيد فيكون عثمان هذا أخا عمر لأمه من الرضاع وهذا الحديث رواه البخاري في الجمعة عن عبد الله بن يوسف وفي الهبة عن القعنبي ومسلم في اللباس عن يحيى كلهم عن مالك به وتابعه جماعة في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد بن خالد الأنصاري ( أنه قال قال أنس بن مالك) عم إسحاق أخو أبيه لأمه ( رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المؤمنين وقد رقع) كنفع أي جعل رقعة مكان القطع ( بين كتفيه برقع) جمع رقعة وفي نسخة برقاع جمع رقعة أيضًا بزنة برمة وبرام ( ثلاث لبد) بشد الباء ألزق ( بعضها فوق بعض) لأن قصده الستر لا الفخر وليست الدنيا بشيء عنده وليقتدي به في الزهد فيها.