فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ جَامِعِ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ النِّكَاحِ

رقم الحديث 1124 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَهَى عَنِ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ.


( جامع ما لا يجوز من النكاح)

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى) تحريمًا ( عن الشغار) هكذا لجل الرواة وقال ابن وهب: عن نكاح الشغار بمعجمتين أولاهما مكسورة فألف فراء، مصدر شاغر يشاغر شغارًا ومشاغرة.
وفي رواية أيوب عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا شغار في الإسلام.
( والشغار أن يزوج الرجل ابنته) أو أخته أو أمته ( على أن يزوجه الآخر ابنته) أو وليته ( ليس بينهما صداق) بل بضع كل منهما صداق الأخرى، مأخوذ من قولهم شغر البلد عن السلطان، إذا خلا عنه، لخلوه عن الصداق أو لخلوه عن بعض الشرائط.
وقال ثعلب من قولهم: شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول، كأن كلاً من الوليين يقول للآخر لا ترفع رجل ابنتي حتى أرفع رجل ابنتك.
وفي التشبيه بهذه الهيئة القبيحة تقبيح للشغار، وتغليظ على فاعله.
وأكثر رواة مالك لم ينسبوا هذا التفسير لأحد، ولذا قال الشافعي رضي الله عنه: لا أدري أهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو ابن عمر أو نافع أو مالك حكاه البيهقي.
وقال الخطيب وغيره: هو قول مالك، وصله بالمتن المرفوع بين ذلك ابن مهدي والقعنبي ومحرز بن عون فيما أخرجه أحمد.
وقال الباجي: قوله نهى عن الشغار مرفوعًا اتفاقًا، وباقيه من تفسير نافع.
والظاهر أنه من جملة الحديث حتى يتبين أنه من قول الراوي انتهى.
وقد تبين ذلك ففي مسلم هنا والبخاري في ترك الحيل من طريق عبيد الله قلت لنافع: ما الشغار: قال فذكره! ولذا قال الحافظ: الذي تحرر أنه من قول نافع.

قال عياض عن بعض العلماء: كان الشغار من نكاح الجاهلية يقول شاغرني وليتي بوليتك أي عاوضني جماعًا بجماع، ولا خلاف أن غير البنت من الإماء والأخوات وغيرهن حكم البنت.
وتعقبه الأبي بأن مذهب مالك اختصاصه بذوات الجبر وهو في غيرهن بمنزلة من تزوج على أن لا صداق فيمضي بالدخول.
قال: ولا حجة فيما وقع عند مسلم في حديث أبي هريرة نهى صلى الله عليه وسلم عن الشغار.
زاد ابن نمير: والشغار أن يقول زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، وزوجني أختك وأزوجك أختي، لأنه ليس من لفظه صلى الله عليه وسلم.

قال عياض: ولا خلاف في النهي عنه ابتداء فإن وقع أمضاه الكوفيون والليث والزهري وعطاء إذا صحح بصداق المثل، وأبطله مالك والشافعي واختلف في علة البطلان فقيل: لأن كلاً من الفرجين معقود به وعليه.
وقيل: لخلوه من الصداق.
فعلى الأول: فساده في عقده فيفسخ بعد البناء، وعلى الثاني: فساده في صداقه فيمضي بالبناء.
وهما قولان لمالك رضي الله عنه.
قال غيره: وإنما اختلف قول مالك للاختلاف في النهي، هل يدل على الفساد؟ أو للخلاف في تفسيره، هل هو مرفوع؟ أو من قول ابن عمر وأبي هريرة وهما أدرى بما سمعا لأنهما عربيان عالمان بمواقع الألفاظ، وإنما النظر إذا كان من تفسير نافع فإنه عجمي تعرب ولذا اختلف نظر العلماء وليس البطلان لترك ذكر الصداق لصحة النكاح بدون تسميته، لكن قال ابن دقيق العيد قوله: ليس بينهما صداق يشعر بأن جهة الفساد ترك ذكر الصداق، انتهى.
أي مع جعل بضع كل منهما صداقًا للأخرى وهذا صريح الشغار، قال مالك في المدونة يفسخ وإن طال وولدت الأولاد.
قال ابن القاسم بطلاق وأما وجه الشغار وهو أن يسمي لكل صداقًا على أن يزوج كلاً منهما الآخر فيفسخ قبل البناء ويثبت بعده بالأكثر من المسمى وصداق المثل.
وأما المركب منهما وهو أن يسمى لإحداهما صداقًا والأخرى بلا صداق فالمسمى لها حكم وجهه والأخرى كصريحه.
وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ورواه أصحاب السنن الأربعة من طريق مالك وتابعه عبيد الله بن عمر في الصحيحين، وعبد الرحمن السراج وأيوب عند مسلم، الثلاثة عن نافع عن ابن عمر وتابعه أبو هريرة وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسلم أيضًا.

( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم) التيمي المدني قال ابن عيينة كان أفضل أهل زمانه مات سنة ست وعشرين ومائة وقيل بعدها ( عن أبيه) القاسم بن محمد بن الصديق أحد الفقهاء ( عن عبد الرحمن) أبي محمد المدني أخي عاصم بن عمر لأمه، يقال: ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وذكره ابن حبان في ثقات التابعين مات سنة ثلاث وتسعين ( و) عن أخيه ( مجمع) بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الميم الثانية المكسورة وعين مهملة الأنصاري الأوسي تابعي كبير مات سنة ستين ( ابني) بالتثنية ( يزيد) بتحتية فزاي ( بن جارية) بالجيم والراء والتحتية ( الأنصاري) الأوسي أبي عبد الرحمن ذكره ابن سعد وغيره في الصحابة وقال ابن منده يزيد بن جارية وقيل زيد فجعلهما واحدًا، والصواب أنهما أخوان قاله في الإصابة ( عن خنساء) بفتح الخاء المعجمة وإسكان النون وسين مهملة مهموز ممدود ( بنت خدام) بالخاء المعجمة المكسورة والدال المهملة كما في الفتح والتقريب وقال بعضهم: بالذال المعجمة الأنصارية الأوسية زوج أبي لبابة، صحابية معروفة من بني عمرو بن عوف.

( أن أباها) خدامًا الصحابي يقال هو ابن وديعة ويقال ابن خالد وقال أبو نعيم: يكنى أبا وديعة.
( زوجها وهي ثيب) لما تأيمت من أنيس بن قتادة الأنصاري حين قتل عنها يوم أحد، كما رواه عبد الرزاق عن معمر بن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن محمد مرسلاً.
وأخرجه الواقدي عن الخنساء نفسها وأنيس بالتصغير وسماه بعضهم أنسًا، وأنكره ابن عبد البر وفي المبهمات للقطب القسطلاني أن اسمه أسير وأنه مات ببدر ( فكرهت ذلك) الرجل الذي أنكحها أبوها إياه ولم يعرف الحافظ اسمه قال: نعم عند الواقدي أنه من مزينة وعند ابن إسحاق أنه من بني عمرو بن عوف.
( فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقالت إن أبي أنكحني رجلاً وإن عم ولدي أحب إلي منه ( فرد نكاحه) وجعل أمرها إليها كما في رواية عبد الرزاق عن أبي بكر بن محمد، وله عن نافع بن جبير فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي زوجني وأنا كارهة وقد ملكت أمري قال: فلا نكاح له انكحي من شئت، فرد نكاحه ونكحت أبا لبابة الأنصاري.

وأخرج الواقدي عن خنساء بنت خدام أنها كانت تحت أنيس بن قتادة فقتل عنها يوم أحد فزوجها أبوها رجلاً من مزينة فكرهته، وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه فتزوجها أبو لبابة فجاءت بالسائب بن أبي لبابة.
قال أبو عمر: هذا الحديث مجمع على صحته والقول به لأن من قال: لا نكاح إلا بولي قال: لا يزوج الثيب وليها أبًا أو غيره إلا بإذنها ورضاها.
ومن قال: ليس للولي مع الثيب أمرًا وأجازه بلا ولي، فأولى بالعمل بهذا الحديث، ولا خلاف أن الثيب لا يجوز لأبيها ولا غيره جبرها على النكاح إلا الحسن البصري فقال: نكاح الأب جائز على بنته بكرًا كانت أو ثيبًا أكرهت أم لا: قال إسماعيل القاضي: لا أعلم أحدًا قال بقوله في الثيب.
وروى عبد الرزاق عن ابن عباس مرفوعًا ليس للولي مع الثيب أمر واختلف في بطلانه ولو رضيت.
وقال الشافعي وأحمد لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل لخنساء إلا أن تجيزي وكذا قال مالك إلا أن ترضي بالقرب بالبلد فيجوز لأنه كان في وقت واحد وفور واحد.
وقال أبو حنيفة وأصحابه لها أن تجيزه فيجوز أو تبطله فيبطل انتهى ملخصًا.
وأما حديث النسائي عن جابر أن رجلاً زوج ابنته وهي بكر من غير أمرها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما فحمله البيهقي على أنه زوجها من غير كفء، وأما إذا زوجها بكفء فينفذ ولو طلبت هي كفؤًا غيره لأنها مجبرة فليس لها اختيار الأزواج والأب أكمل نظرًا منها بخلاف غير المجبر فلا يزوجها إلا ممن عينته لأن إذنها شرط في أصل تزويجها فاعتبر تعيينها انتهى.
وهو على مذهب الشافعي أما على مذهب مالك أنه لا كلام للبكر مع الأب ولو زوجها بغير كفء فيحمل على أنه زوجها بذي عيب ليس للأب جبرها عليه.

وحديث الباب رواه البخاري عن إسماعيل ويحيى بن قزعة بفتحات كليهما عن مالك به ولم يخرجه مسلم.

( مالك عن أبي الزبير) محمد بن مسلم ( المكي أن عمر بن الخطاب أتي) بضم الهمزة ( بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه) لأنه صلى الله عليه وسلم قال لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل.
رواه أحمد والطبراني والبيهقي وغيرهم وإسناده صحيح ( ولو كنت تقدمت) بفتح التاء والقاف والدال أي سبقت غيري وفي رواية ابن وضاح: بضم التاء والقاف وكسر الدال بالبناء للمفعول، أي سبقني غيري ( فيه لرجمت) فاعله وجعله سرًا لأن الشهادة لم تتم فيه وقد أجازه الكوفيون بشهادة رجل وامرأتين.
وقال مالك والشافعي وأحمد: لا دخل للنساء في النكاح فإنما يصح شهادة عدلين، إلا أن مالكًا أجاز العقد بدون شهادة ثم يشهدان قبل الدخول وقال: نكاح السر ما أوصي بكتمه، والشافعي والكوفيون وغيرهم: ما لم يشهد عليه ويفسخ على كل حال.

( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن سليمان بن يسار أن طليحة) بنت عبيد الله ( الأسدية) لها إدراك.
قال أبو عمر كذا وقع الأسدية في بعض نسخ الموطأ من رواية يحيى وهو خطأ وجهل لا أعلم أحدًا قاله، وإنما هي تيمية أخت طلحة بن عبد الله أحد العشرة التيمي.
( كانت تحت رشيد) بضم الراء وفتح الشين ( الثقفي) الطائفي ثم المدني مخضرم ( فطلقها فنكحت في عدتها) رجلاً غير مطلقها ( فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة) بكسر الميم وإسكان المعجمة وفتح الفاء والقاف، هكذا ضبط بالقلم في نسخ قديمة.
قال الجوهري: الدرة التي يضرب بها، وفي القاموس كمكنسة أي بوزنها فوافق الضبط المذكور ( ضربات) تعزيرًا لهما على العقد في العدة ( وفرق بينهما ثم قال عمر بن الخطاب أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها) في العدة ( لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول ثم كان الآخر) بعد تمام العدة ( خاطبًا من الخطاب) لها فتنكح من شاءت ولا يكون الآخر أحق بها ( فإن كان دخل بها) الآخر ( فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر) بكسر الخاء ( ثم لا يجتمعان أبدًا) لتأبد التحريم بالوطء في العدة.

( قال مالك: وقال سعيد بن المسيب: ولها مهرها بما استحل منها) من الوطء.

( قال مالك الأمر عندنا في المرأة الحرة يتوفى عنها زوجها فتعتد) وكأنه قيد بالحرة وإن كانت الأمة كذلك لقوله ( أربعة أشهر وعشرًا) إذ الأمة عدتها شهران وخمس أو هو على سبيل المثال والمراد المعتدة ( إنها لا تنكح إن ارتابت من حيضتها حتى تستبرئ نفسها من تلك الريبة إذا خافت الحمل) إذ عدة الحامل وضعه، والله أعلم.



رقم الحديث 1125 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ الْأَنْصَارِيَّةِ: أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ نِكَاحَهُ.


( جامع ما لا يجوز من النكاح)

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى) تحريمًا ( عن الشغار) هكذا لجل الرواة وقال ابن وهب: عن نكاح الشغار بمعجمتين أولاهما مكسورة فألف فراء، مصدر شاغر يشاغر شغارًا ومشاغرة.
وفي رواية أيوب عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا شغار في الإسلام.
( والشغار أن يزوج الرجل ابنته) أو أخته أو أمته ( على أن يزوجه الآخر ابنته) أو وليته ( ليس بينهما صداق) بل بضع كل منهما صداق الأخرى، مأخوذ من قولهم شغر البلد عن السلطان، إذا خلا عنه، لخلوه عن الصداق أو لخلوه عن بعض الشرائط.
وقال ثعلب من قولهم: شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول، كأن كلاً من الوليين يقول للآخر لا ترفع رجل ابنتي حتى أرفع رجل ابنتك.
وفي التشبيه بهذه الهيئة القبيحة تقبيح للشغار، وتغليظ على فاعله.
وأكثر رواة مالك لم ينسبوا هذا التفسير لأحد، ولذا قال الشافعي رضي الله عنه: لا أدري أهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو ابن عمر أو نافع أو مالك حكاه البيهقي.
وقال الخطيب وغيره: هو قول مالك، وصله بالمتن المرفوع بين ذلك ابن مهدي والقعنبي ومحرز بن عون فيما أخرجه أحمد.
وقال الباجي: قوله نهى عن الشغار مرفوعًا اتفاقًا، وباقيه من تفسير نافع.
والظاهر أنه من جملة الحديث حتى يتبين أنه من قول الراوي انتهى.
وقد تبين ذلك ففي مسلم هنا والبخاري في ترك الحيل من طريق عبيد الله قلت لنافع: ما الشغار: قال فذكره! ولذا قال الحافظ: الذي تحرر أنه من قول نافع.

قال عياض عن بعض العلماء: كان الشغار من نكاح الجاهلية يقول شاغرني وليتي بوليتك أي عاوضني جماعًا بجماع، ولا خلاف أن غير البنت من الإماء والأخوات وغيرهن حكم البنت.
وتعقبه الأبي بأن مذهب مالك اختصاصه بذوات الجبر وهو في غيرهن بمنزلة من تزوج على أن لا صداق فيمضي بالدخول.
قال: ولا حجة فيما وقع عند مسلم في حديث أبي هريرة نهى صلى الله عليه وسلم عن الشغار.
زاد ابن نمير: والشغار أن يقول زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، وزوجني أختك وأزوجك أختي، لأنه ليس من لفظه صلى الله عليه وسلم.

قال عياض: ولا خلاف في النهي عنه ابتداء فإن وقع أمضاه الكوفيون والليث والزهري وعطاء إذا صحح بصداق المثل، وأبطله مالك والشافعي واختلف في علة البطلان فقيل: لأن كلاً من الفرجين معقود به وعليه.
وقيل: لخلوه من الصداق.
فعلى الأول: فساده في عقده فيفسخ بعد البناء، وعلى الثاني: فساده في صداقه فيمضي بالبناء.
وهما قولان لمالك رضي الله عنه.
قال غيره: وإنما اختلف قول مالك للاختلاف في النهي، هل يدل على الفساد؟ أو للخلاف في تفسيره، هل هو مرفوع؟ أو من قول ابن عمر وأبي هريرة وهما أدرى بما سمعا لأنهما عربيان عالمان بمواقع الألفاظ، وإنما النظر إذا كان من تفسير نافع فإنه عجمي تعرب ولذا اختلف نظر العلماء وليس البطلان لترك ذكر الصداق لصحة النكاح بدون تسميته، لكن قال ابن دقيق العيد قوله: ليس بينهما صداق يشعر بأن جهة الفساد ترك ذكر الصداق، انتهى.
أي مع جعل بضع كل منهما صداقًا للأخرى وهذا صريح الشغار، قال مالك في المدونة يفسخ وإن طال وولدت الأولاد.
قال ابن القاسم بطلاق وأما وجه الشغار وهو أن يسمي لكل صداقًا على أن يزوج كلاً منهما الآخر فيفسخ قبل البناء ويثبت بعده بالأكثر من المسمى وصداق المثل.
وأما المركب منهما وهو أن يسمى لإحداهما صداقًا والأخرى بلا صداق فالمسمى لها حكم وجهه والأخرى كصريحه.
وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ورواه أصحاب السنن الأربعة من طريق مالك وتابعه عبيد الله بن عمر في الصحيحين، وعبد الرحمن السراج وأيوب عند مسلم، الثلاثة عن نافع عن ابن عمر وتابعه أبو هريرة وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسلم أيضًا.

( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم) التيمي المدني قال ابن عيينة كان أفضل أهل زمانه مات سنة ست وعشرين ومائة وقيل بعدها ( عن أبيه) القاسم بن محمد بن الصديق أحد الفقهاء ( عن عبد الرحمن) أبي محمد المدني أخي عاصم بن عمر لأمه، يقال: ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وذكره ابن حبان في ثقات التابعين مات سنة ثلاث وتسعين ( و) عن أخيه ( مجمع) بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الميم الثانية المكسورة وعين مهملة الأنصاري الأوسي تابعي كبير مات سنة ستين ( ابني) بالتثنية ( يزيد) بتحتية فزاي ( بن جارية) بالجيم والراء والتحتية ( الأنصاري) الأوسي أبي عبد الرحمن ذكره ابن سعد وغيره في الصحابة وقال ابن منده يزيد بن جارية وقيل زيد فجعلهما واحدًا، والصواب أنهما أخوان قاله في الإصابة ( عن خنساء) بفتح الخاء المعجمة وإسكان النون وسين مهملة مهموز ممدود ( بنت خدام) بالخاء المعجمة المكسورة والدال المهملة كما في الفتح والتقريب وقال بعضهم: بالذال المعجمة الأنصارية الأوسية زوج أبي لبابة، صحابية معروفة من بني عمرو بن عوف.

( أن أباها) خدامًا الصحابي يقال هو ابن وديعة ويقال ابن خالد وقال أبو نعيم: يكنى أبا وديعة.
( زوجها وهي ثيب) لما تأيمت من أنيس بن قتادة الأنصاري حين قتل عنها يوم أحد، كما رواه عبد الرزاق عن معمر بن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن محمد مرسلاً.
وأخرجه الواقدي عن الخنساء نفسها وأنيس بالتصغير وسماه بعضهم أنسًا، وأنكره ابن عبد البر وفي المبهمات للقطب القسطلاني أن اسمه أسير وأنه مات ببدر ( فكرهت ذلك) الرجل الذي أنكحها أبوها إياه ولم يعرف الحافظ اسمه قال: نعم عند الواقدي أنه من مزينة وعند ابن إسحاق أنه من بني عمرو بن عوف.
( فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقالت إن أبي أنكحني رجلاً وإن عم ولدي أحب إلي منه ( فرد نكاحه) وجعل أمرها إليها كما في رواية عبد الرزاق عن أبي بكر بن محمد، وله عن نافع بن جبير فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي زوجني وأنا كارهة وقد ملكت أمري قال: فلا نكاح له انكحي من شئت، فرد نكاحه ونكحت أبا لبابة الأنصاري.

وأخرج الواقدي عن خنساء بنت خدام أنها كانت تحت أنيس بن قتادة فقتل عنها يوم أحد فزوجها أبوها رجلاً من مزينة فكرهته، وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه فتزوجها أبو لبابة فجاءت بالسائب بن أبي لبابة.
قال أبو عمر: هذا الحديث مجمع على صحته والقول به لأن من قال: لا نكاح إلا بولي قال: لا يزوج الثيب وليها أبًا أو غيره إلا بإذنها ورضاها.
ومن قال: ليس للولي مع الثيب أمرًا وأجازه بلا ولي، فأولى بالعمل بهذا الحديث، ولا خلاف أن الثيب لا يجوز لأبيها ولا غيره جبرها على النكاح إلا الحسن البصري فقال: نكاح الأب جائز على بنته بكرًا كانت أو ثيبًا أكرهت أم لا: قال إسماعيل القاضي: لا أعلم أحدًا قال بقوله في الثيب.
وروى عبد الرزاق عن ابن عباس مرفوعًا ليس للولي مع الثيب أمر واختلف في بطلانه ولو رضيت.
وقال الشافعي وأحمد لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل لخنساء إلا أن تجيزي وكذا قال مالك إلا أن ترضي بالقرب بالبلد فيجوز لأنه كان في وقت واحد وفور واحد.
وقال أبو حنيفة وأصحابه لها أن تجيزه فيجوز أو تبطله فيبطل انتهى ملخصًا.
وأما حديث النسائي عن جابر أن رجلاً زوج ابنته وهي بكر من غير أمرها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما فحمله البيهقي على أنه زوجها من غير كفء، وأما إذا زوجها بكفء فينفذ ولو طلبت هي كفؤًا غيره لأنها مجبرة فليس لها اختيار الأزواج والأب أكمل نظرًا منها بخلاف غير المجبر فلا يزوجها إلا ممن عينته لأن إذنها شرط في أصل تزويجها فاعتبر تعيينها انتهى.
وهو على مذهب الشافعي أما على مذهب مالك أنه لا كلام للبكر مع الأب ولو زوجها بغير كفء فيحمل على أنه زوجها بذي عيب ليس للأب جبرها عليه.

وحديث الباب رواه البخاري عن إسماعيل ويحيى بن قزعة بفتحات كليهما عن مالك به ولم يخرجه مسلم.

( مالك عن أبي الزبير) محمد بن مسلم ( المكي أن عمر بن الخطاب أتي) بضم الهمزة ( بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه) لأنه صلى الله عليه وسلم قال لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل.
رواه أحمد والطبراني والبيهقي وغيرهم وإسناده صحيح ( ولو كنت تقدمت) بفتح التاء والقاف والدال أي سبقت غيري وفي رواية ابن وضاح: بضم التاء والقاف وكسر الدال بالبناء للمفعول، أي سبقني غيري ( فيه لرجمت) فاعله وجعله سرًا لأن الشهادة لم تتم فيه وقد أجازه الكوفيون بشهادة رجل وامرأتين.
وقال مالك والشافعي وأحمد: لا دخل للنساء في النكاح فإنما يصح شهادة عدلين، إلا أن مالكًا أجاز العقد بدون شهادة ثم يشهدان قبل الدخول وقال: نكاح السر ما أوصي بكتمه، والشافعي والكوفيون وغيرهم: ما لم يشهد عليه ويفسخ على كل حال.

( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن سليمان بن يسار أن طليحة) بنت عبيد الله ( الأسدية) لها إدراك.
قال أبو عمر كذا وقع الأسدية في بعض نسخ الموطأ من رواية يحيى وهو خطأ وجهل لا أعلم أحدًا قاله، وإنما هي تيمية أخت طلحة بن عبد الله أحد العشرة التيمي.
( كانت تحت رشيد) بضم الراء وفتح الشين ( الثقفي) الطائفي ثم المدني مخضرم ( فطلقها فنكحت في عدتها) رجلاً غير مطلقها ( فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة) بكسر الميم وإسكان المعجمة وفتح الفاء والقاف، هكذا ضبط بالقلم في نسخ قديمة.
قال الجوهري: الدرة التي يضرب بها، وفي القاموس كمكنسة أي بوزنها فوافق الضبط المذكور ( ضربات) تعزيرًا لهما على العقد في العدة ( وفرق بينهما ثم قال عمر بن الخطاب أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها) في العدة ( لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول ثم كان الآخر) بعد تمام العدة ( خاطبًا من الخطاب) لها فتنكح من شاءت ولا يكون الآخر أحق بها ( فإن كان دخل بها) الآخر ( فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر) بكسر الخاء ( ثم لا يجتمعان أبدًا) لتأبد التحريم بالوطء في العدة.

( قال مالك: وقال سعيد بن المسيب: ولها مهرها بما استحل منها) من الوطء.

( قال مالك الأمر عندنا في المرأة الحرة يتوفى عنها زوجها فتعتد) وكأنه قيد بالحرة وإن كانت الأمة كذلك لقوله ( أربعة أشهر وعشرًا) إذ الأمة عدتها شهران وخمس أو هو على سبيل المثال والمراد المعتدة ( إنها لا تنكح إن ارتابت من حيضتها حتى تستبرئ نفسها من تلك الريبة إذا خافت الحمل) إذ عدة الحامل وضعه، والله أعلم.



رقم الحديث 1125 قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا، فِي وِلَايَةِ الْعَصَبَةِ، أَنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنَ الْأَخِ لِلْأَبِ.
وَالْأَخُ لِلْأَبِ، أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ.
وَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، أَوْلَى مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ.
وَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ، أَوْلَى مِنْ بَنِي ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ.
وَبَنُو ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ، أَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ.
وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، أَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ.
وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأَبِ، أَوْلَى مِنْ بَنِي الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ.
وَابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبِ، أَوْلَى مِنْ عَمِّ الْأَبِ أَخِي أَبِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ شَيْءٍ سُئِلْتَ عَنْهُ مِنْ مِيرَاثِ الْعَصَبَةِ فَإِنَّهُ عَلَى نَحْوِ هَذَا: انْسُبِ الْمُتَوَفَّى وَمَنْ يُنَازِعُ فِي وِلَايَتِهِ مِنْ عَصَبَتِهِ.
فَإِنْ وَجَدْتَ أَحَدًا مِنْهُمْ يَلْقَى الْمُتَوَفَّى إِلَى أَبٍ لَا يَلْقَاهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَى أَبٍ دُونَهُ.
فَاجْعَلْ مِيرَاثَهُ لِلَّذِي يَلْقَاهُ إِلَى الْأَبِ الْأَدْنَى، دُونَ مَنْ يَلْقَاهُ إِلَى فَوْقِ ذَلِكَ.
فَإِنْ وَجَدْتَهُمْ كُلَّهُمْ يَلْقَوْنَهُ إِلَى أَبٍ وَاحِدٍ يَجْمَعُهُمْ جَمِيعًا، فَانْظُرْ أَقْعَدَهُمْ فِي النَّسَبِ.
فَإِنْ كَانَ ابْنَ أَبٍ فَقَطْ، فَاجْعَلِ الْمِيرَاثَ لَهُ دُونَ الْأَطْرَافِ.
وَإِنْ كَانَ ابْنَ أَبٍ وَأُمٍّ.
وَإِنْ وَجَدْتَهُمْ مُسْتَوِينَ، يَنْتَسِبُونَ مِنْ عَدَدِ الْآبَاءِ إِلَى عَدَدٍ وَاحِدٍ.
حَتَّى يَلْقَوْا نَسَبَ الْمُتَوَفَّى جَمِيعًا، وَكَانُوا كُلُّهُمْ جَمِيعًا بَنِي أَبٍ، أَوْ بَنِي أَبٍ وَأُمٍّ.
فَاجْعَلِ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمْ سَوَاءً.
وَإِنْ كَانَ وَالِدُ بَعْضِهِمْ أَخَا وَالِدِ الْمُتَوَفَّى لِلْأَبِ وَالْأُمِّ.
وَكَانَ مَنْ سِوَاهُ مِنْهُمْ إِنَّمَا هُوَ أَخُو أَبِي الْمُتَوَفَّى لِأَبِيهِ فَقَطْ، فَإِنَّ الْمِيرَاثَ لِبَنِي أَخِي الْمُتَوَفَّى لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، دُونَ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ.
وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ { { وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } } قَالَ مَالِكٌ: وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ أَوْلَى، مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، وَأَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِالْمِيرَاثِ.
وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، أَوْلَى مِنَ الْجَدِّ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي.



(ميراث ولاية العصبة)

(مالك الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أن الأخ للأب والأم أولى بالميراث من الأخ للأب) لأنه يدلي بجهتين (والأخ للأب أولى بالميراث من بني الأخ للأب والأم) لأنه أقرب للميت (وبنو الأخ للأب والأم أولى من بني الأخ للأب) لإدلائهما بجهتين مع استواء الدرجة (وبنو الأخ للأب أولى من بني ابن الأخ للأب والأم) لأنهم أقرب (وبنو الأخ أولى من العم أخي الأب للأب والأم) لقربهم (والعم أخو الأب للأب والأم أولى من العم أخي الأب للأب) لإدلائه بالجهتين (والعم أخو الأب للأب أولى من بني العم أخي الأب للأب والأم) لأنه أقرب (وابن العم للأب أولى من عم الأب أخي أبي الأب للأب والأم) أي الشقيق لقرب الأول فحاصله أن تقديم الشقيق إنما هو مع التساوي فإن كان الذي للأب أقرب قدم كما أشار إليه حيث (قال مالك وكل شيء سئلت) بفتح التاء للخطاب (عنه من ميراث العصبة فإنه على نحو هذا) أي مثله (انسب المتوفى ومن ينازع في ولايته من عصبته فإن وجدت أحدًا منهم يلقى المتوفى إلى أب لا يلقاه أحد منهم إلى أب دونه فاجعل ميراثه للذي يلقاه إلى الأب الأدنى دون من يلقاه إلى فوق ذلك) وأفاد بهذا أيضًا أن أولى في كلامه كلها بمعنى أنه يستحقه دون غيره لا المشاركة (فإن وجدتهم كلهم يلقونه إلى أب واحد يجمعهم جميعًا فانظر أقعدهم) أقربهم (في النسب فإن كان) الأقعد (ابن أب فقط فاجعل الميراث له دون الأطراف) أي الأبعد (وإن كان ابن أب وأم) مبالغة فلا شيء للأبعد الشقيق مع الأقرب الذي لأب (فإن وجدتهم مستوين ينتسبون من عدد الآباء إلى عدد واحد حتى يلقوا نسب المتوفى جميعًا وكانوا كلهم جميعًا بني أب أو بني أب وأم) معًا (فاجعل الميراث بينهم سواء وإن كان والد بعضهم أخًا والد المتوفى للأب والأم وكان من سواه منهم إنما هو أخو أبي المتوفى لأبيه فقط فإن الميراث لبني أخي المتوفى لأبيه وأمه) لأنه يدلي بالجهتين (دون بني الأخ للأب) لإدلائه بجهة واحدة (وذلك أن الله تبارك وتعالى قال { { وَأُولُوا الأرْحَامِ } } ذووا القرابات { { بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } } اللوح المحفوظ { { إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } } ومنه حكمة الميراث والآية وإن كان سياقها في أنهم أولى في الإرث من التوارث بالإيمان والهجرة المذكورة في الآية التي قبلها لكن الإمام استدل بعموم لفظها على ما ذكره أيضًا.

(قال مالك والجد أبو الأب أولى من بني الأخ للأب والأم وأولى من العم أخي الأب للأب والأم بالميراث) فيقدم عليهم فيمنعهم الميراث (وابن الأخ للأب والأم أولى من الجد بولاء الموالي) فيقدم على الجد.



رقم الحديث 1126 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِيَ بِنِكَاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، فَقَالَ: هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ وَلَا أُجِيزُهُ وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ فِيهِ لَرَجَمْتُ.


( جامع ما لا يجوز من النكاح)

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى) تحريمًا ( عن الشغار) هكذا لجل الرواة وقال ابن وهب: عن نكاح الشغار بمعجمتين أولاهما مكسورة فألف فراء، مصدر شاغر يشاغر شغارًا ومشاغرة.
وفي رواية أيوب عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا شغار في الإسلام.
( والشغار أن يزوج الرجل ابنته) أو أخته أو أمته ( على أن يزوجه الآخر ابنته) أو وليته ( ليس بينهما صداق) بل بضع كل منهما صداق الأخرى، مأخوذ من قولهم شغر البلد عن السلطان، إذا خلا عنه، لخلوه عن الصداق أو لخلوه عن بعض الشرائط.
وقال ثعلب من قولهم: شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول، كأن كلاً من الوليين يقول للآخر لا ترفع رجل ابنتي حتى أرفع رجل ابنتك.
وفي التشبيه بهذه الهيئة القبيحة تقبيح للشغار، وتغليظ على فاعله.
وأكثر رواة مالك لم ينسبوا هذا التفسير لأحد، ولذا قال الشافعي رضي الله عنه: لا أدري أهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو ابن عمر أو نافع أو مالك حكاه البيهقي.
وقال الخطيب وغيره: هو قول مالك، وصله بالمتن المرفوع بين ذلك ابن مهدي والقعنبي ومحرز بن عون فيما أخرجه أحمد.
وقال الباجي: قوله نهى عن الشغار مرفوعًا اتفاقًا، وباقيه من تفسير نافع.
والظاهر أنه من جملة الحديث حتى يتبين أنه من قول الراوي انتهى.
وقد تبين ذلك ففي مسلم هنا والبخاري في ترك الحيل من طريق عبيد الله قلت لنافع: ما الشغار: قال فذكره! ولذا قال الحافظ: الذي تحرر أنه من قول نافع.

قال عياض عن بعض العلماء: كان الشغار من نكاح الجاهلية يقول شاغرني وليتي بوليتك أي عاوضني جماعًا بجماع، ولا خلاف أن غير البنت من الإماء والأخوات وغيرهن حكم البنت.
وتعقبه الأبي بأن مذهب مالك اختصاصه بذوات الجبر وهو في غيرهن بمنزلة من تزوج على أن لا صداق فيمضي بالدخول.
قال: ولا حجة فيما وقع عند مسلم في حديث أبي هريرة نهى صلى الله عليه وسلم عن الشغار.
زاد ابن نمير: والشغار أن يقول زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، وزوجني أختك وأزوجك أختي، لأنه ليس من لفظه صلى الله عليه وسلم.

قال عياض: ولا خلاف في النهي عنه ابتداء فإن وقع أمضاه الكوفيون والليث والزهري وعطاء إذا صحح بصداق المثل، وأبطله مالك والشافعي واختلف في علة البطلان فقيل: لأن كلاً من الفرجين معقود به وعليه.
وقيل: لخلوه من الصداق.
فعلى الأول: فساده في عقده فيفسخ بعد البناء، وعلى الثاني: فساده في صداقه فيمضي بالبناء.
وهما قولان لمالك رضي الله عنه.
قال غيره: وإنما اختلف قول مالك للاختلاف في النهي، هل يدل على الفساد؟ أو للخلاف في تفسيره، هل هو مرفوع؟ أو من قول ابن عمر وأبي هريرة وهما أدرى بما سمعا لأنهما عربيان عالمان بمواقع الألفاظ، وإنما النظر إذا كان من تفسير نافع فإنه عجمي تعرب ولذا اختلف نظر العلماء وليس البطلان لترك ذكر الصداق لصحة النكاح بدون تسميته، لكن قال ابن دقيق العيد قوله: ليس بينهما صداق يشعر بأن جهة الفساد ترك ذكر الصداق، انتهى.
أي مع جعل بضع كل منهما صداقًا للأخرى وهذا صريح الشغار، قال مالك في المدونة يفسخ وإن طال وولدت الأولاد.
قال ابن القاسم بطلاق وأما وجه الشغار وهو أن يسمي لكل صداقًا على أن يزوج كلاً منهما الآخر فيفسخ قبل البناء ويثبت بعده بالأكثر من المسمى وصداق المثل.
وأما المركب منهما وهو أن يسمى لإحداهما صداقًا والأخرى بلا صداق فالمسمى لها حكم وجهه والأخرى كصريحه.
وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ورواه أصحاب السنن الأربعة من طريق مالك وتابعه عبيد الله بن عمر في الصحيحين، وعبد الرحمن السراج وأيوب عند مسلم، الثلاثة عن نافع عن ابن عمر وتابعه أبو هريرة وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسلم أيضًا.

( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم) التيمي المدني قال ابن عيينة كان أفضل أهل زمانه مات سنة ست وعشرين ومائة وقيل بعدها ( عن أبيه) القاسم بن محمد بن الصديق أحد الفقهاء ( عن عبد الرحمن) أبي محمد المدني أخي عاصم بن عمر لأمه، يقال: ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وذكره ابن حبان في ثقات التابعين مات سنة ثلاث وتسعين ( و) عن أخيه ( مجمع) بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الميم الثانية المكسورة وعين مهملة الأنصاري الأوسي تابعي كبير مات سنة ستين ( ابني) بالتثنية ( يزيد) بتحتية فزاي ( بن جارية) بالجيم والراء والتحتية ( الأنصاري) الأوسي أبي عبد الرحمن ذكره ابن سعد وغيره في الصحابة وقال ابن منده يزيد بن جارية وقيل زيد فجعلهما واحدًا، والصواب أنهما أخوان قاله في الإصابة ( عن خنساء) بفتح الخاء المعجمة وإسكان النون وسين مهملة مهموز ممدود ( بنت خدام) بالخاء المعجمة المكسورة والدال المهملة كما في الفتح والتقريب وقال بعضهم: بالذال المعجمة الأنصارية الأوسية زوج أبي لبابة، صحابية معروفة من بني عمرو بن عوف.

( أن أباها) خدامًا الصحابي يقال هو ابن وديعة ويقال ابن خالد وقال أبو نعيم: يكنى أبا وديعة.
( زوجها وهي ثيب) لما تأيمت من أنيس بن قتادة الأنصاري حين قتل عنها يوم أحد، كما رواه عبد الرزاق عن معمر بن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن محمد مرسلاً.
وأخرجه الواقدي عن الخنساء نفسها وأنيس بالتصغير وسماه بعضهم أنسًا، وأنكره ابن عبد البر وفي المبهمات للقطب القسطلاني أن اسمه أسير وأنه مات ببدر ( فكرهت ذلك) الرجل الذي أنكحها أبوها إياه ولم يعرف الحافظ اسمه قال: نعم عند الواقدي أنه من مزينة وعند ابن إسحاق أنه من بني عمرو بن عوف.
( فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقالت إن أبي أنكحني رجلاً وإن عم ولدي أحب إلي منه ( فرد نكاحه) وجعل أمرها إليها كما في رواية عبد الرزاق عن أبي بكر بن محمد، وله عن نافع بن جبير فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي زوجني وأنا كارهة وقد ملكت أمري قال: فلا نكاح له انكحي من شئت، فرد نكاحه ونكحت أبا لبابة الأنصاري.

وأخرج الواقدي عن خنساء بنت خدام أنها كانت تحت أنيس بن قتادة فقتل عنها يوم أحد فزوجها أبوها رجلاً من مزينة فكرهته، وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه فتزوجها أبو لبابة فجاءت بالسائب بن أبي لبابة.
قال أبو عمر: هذا الحديث مجمع على صحته والقول به لأن من قال: لا نكاح إلا بولي قال: لا يزوج الثيب وليها أبًا أو غيره إلا بإذنها ورضاها.
ومن قال: ليس للولي مع الثيب أمرًا وأجازه بلا ولي، فأولى بالعمل بهذا الحديث، ولا خلاف أن الثيب لا يجوز لأبيها ولا غيره جبرها على النكاح إلا الحسن البصري فقال: نكاح الأب جائز على بنته بكرًا كانت أو ثيبًا أكرهت أم لا: قال إسماعيل القاضي: لا أعلم أحدًا قال بقوله في الثيب.
وروى عبد الرزاق عن ابن عباس مرفوعًا ليس للولي مع الثيب أمر واختلف في بطلانه ولو رضيت.
وقال الشافعي وأحمد لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل لخنساء إلا أن تجيزي وكذا قال مالك إلا أن ترضي بالقرب بالبلد فيجوز لأنه كان في وقت واحد وفور واحد.
وقال أبو حنيفة وأصحابه لها أن تجيزه فيجوز أو تبطله فيبطل انتهى ملخصًا.
وأما حديث النسائي عن جابر أن رجلاً زوج ابنته وهي بكر من غير أمرها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما فحمله البيهقي على أنه زوجها من غير كفء، وأما إذا زوجها بكفء فينفذ ولو طلبت هي كفؤًا غيره لأنها مجبرة فليس لها اختيار الأزواج والأب أكمل نظرًا منها بخلاف غير المجبر فلا يزوجها إلا ممن عينته لأن إذنها شرط في أصل تزويجها فاعتبر تعيينها انتهى.
وهو على مذهب الشافعي أما على مذهب مالك أنه لا كلام للبكر مع الأب ولو زوجها بغير كفء فيحمل على أنه زوجها بذي عيب ليس للأب جبرها عليه.

وحديث الباب رواه البخاري عن إسماعيل ويحيى بن قزعة بفتحات كليهما عن مالك به ولم يخرجه مسلم.

( مالك عن أبي الزبير) محمد بن مسلم ( المكي أن عمر بن الخطاب أتي) بضم الهمزة ( بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه) لأنه صلى الله عليه وسلم قال لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل.
رواه أحمد والطبراني والبيهقي وغيرهم وإسناده صحيح ( ولو كنت تقدمت) بفتح التاء والقاف والدال أي سبقت غيري وفي رواية ابن وضاح: بضم التاء والقاف وكسر الدال بالبناء للمفعول، أي سبقني غيري ( فيه لرجمت) فاعله وجعله سرًا لأن الشهادة لم تتم فيه وقد أجازه الكوفيون بشهادة رجل وامرأتين.
وقال مالك والشافعي وأحمد: لا دخل للنساء في النكاح فإنما يصح شهادة عدلين، إلا أن مالكًا أجاز العقد بدون شهادة ثم يشهدان قبل الدخول وقال: نكاح السر ما أوصي بكتمه، والشافعي والكوفيون وغيرهم: ما لم يشهد عليه ويفسخ على كل حال.

( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن سليمان بن يسار أن طليحة) بنت عبيد الله ( الأسدية) لها إدراك.
قال أبو عمر كذا وقع الأسدية في بعض نسخ الموطأ من رواية يحيى وهو خطأ وجهل لا أعلم أحدًا قاله، وإنما هي تيمية أخت طلحة بن عبد الله أحد العشرة التيمي.
( كانت تحت رشيد) بضم الراء وفتح الشين ( الثقفي) الطائفي ثم المدني مخضرم ( فطلقها فنكحت في عدتها) رجلاً غير مطلقها ( فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة) بكسر الميم وإسكان المعجمة وفتح الفاء والقاف، هكذا ضبط بالقلم في نسخ قديمة.
قال الجوهري: الدرة التي يضرب بها، وفي القاموس كمكنسة أي بوزنها فوافق الضبط المذكور ( ضربات) تعزيرًا لهما على العقد في العدة ( وفرق بينهما ثم قال عمر بن الخطاب أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها) في العدة ( لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول ثم كان الآخر) بعد تمام العدة ( خاطبًا من الخطاب) لها فتنكح من شاءت ولا يكون الآخر أحق بها ( فإن كان دخل بها) الآخر ( فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر) بكسر الخاء ( ثم لا يجتمعان أبدًا) لتأبد التحريم بالوطء في العدة.

( قال مالك: وقال سعيد بن المسيب: ولها مهرها بما استحل منها) من الوطء.

( قال مالك الأمر عندنا في المرأة الحرة يتوفى عنها زوجها فتعتد) وكأنه قيد بالحرة وإن كانت الأمة كذلك لقوله ( أربعة أشهر وعشرًا) إذ الأمة عدتها شهران وخمس أو هو على سبيل المثال والمراد المعتدة ( إنها لا تنكح إن ارتابت من حيضتها حتى تستبرئ نفسها من تلك الريبة إذا خافت الحمل) إذ عدة الحامل وضعه، والله أعلم.



رقم الحديث 1126 قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا، أَنَّ ابْنَ الْأَخِ لِلْأُمِّ، وَالْجَدَّ أَبَا الْأُمِّ، وَالْعَمَّ أَخَا الْأَبِ لِلْأُمِّ، وَالْخَالَ، وَالْجَدَّةَ أُمَّ أَبِي الْأُمِّ، وَابْنَةَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، وَالْعَمَّةَ، وَالْخَالَةَ، لَا يَرِثُونَ بِأَرْحَامِهِمْ شَيْئًا قَالَ وَإِنَّهُ لَا تَرِثُ امْرَأَةٌ، هِيَ أَبْعَدُ نَسَبًا مِنَ الْمُتَوَفَّى، مِمَّنْ سُمِّيَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، بِرَحِمِهَا شَيْئًا.
وَإِنَّهُ لَا يَرِثُ أَحَدٌ مِنَ النِّسَاءِ شَيْئًا.
إِلَّا حَيْثُ سُمِّينَ.
وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ: مِيرَاثَ الْأُمِّ مِنْ وَلَدِهَا، وَمِيرَاثَ الْبَنَاتِ مِنْ أَبِيهِنَّ، وَمِيرَاثَ الزَّوْجَةِ مِنْ زَوْجِهَا، وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ، وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ، وَوَرِثَتِ الْجَدَّةُ بِالَّذِي جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، وَالْمَرْأَةُ تَرِثُ مَنْ أَعْتَقَتْ هِيَ نَفْسُهَا.
لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ { { فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } }



( من لا ميراث له)

( قال مالك: الأمر المجتمع عليه الذي لا اختلاف فيه) تأكيد لسابقه ( والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أن ابن الأخ للأم والجد أبا الأم والعم أخا الأب للأم والخال والجدة أم أبي الأم وابنة الأخ للأب والأم والعمة والخالة لا يرثون بأرحامهم شيئًا) ولو لم يكن وارث غيرهم بل يكون لبيت المال ( وأنه لا يرث امرأة هي أبعد نسبًا من المتوفى ممن سمي في هذا الكتاب) يعني الأربعة المذكورة ( برحمها شيئًا وإنه لا يرث أحد من النساء شيئًا إلا حيث سمين) في الكتاب أو السنة ( وإنما ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه ميراث الأم من ولدها) السدس أو الثلث ( وميراث البنات من أبيهن) ومثلهن بنات الابن ( وميراث الزوجة من زوجها) الربع أو الثمن ( وميراث الأخوات للأب والأم وميراث الأخوات للأب) في قوله { { وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } } الآية ( وميراث الأخوات للأم) في آية الشتاء { { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ } } الآية، فهؤلاء الخمس نسوة الوارثات بنص الكتاب بإدخال بنات الابن في البنات حيث لا بنات ( وورثت الجدة بالذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها) أنه أعطاها السدس ( و) السابعة ( المرأة ترث من أعتقت هي نفسها) بالرفع تأكيد ( لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه { { فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) } } ومن جملة الموالي الأنثى المعتقة.



رقم الحديث 1127 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيَّةَ، كَانَتْ تَحْتَ رُشَيْدٍ الثَّقَفِيِّ فَطَلَّقَهَا، فَنَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَضَرَبَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَضَرَبَ زَوْجَهَا بِالْمِخْفَقَةِ ضَرَبَاتٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ، ثُمَّ كَانَ الْآخَرُ خَاطِبًا مِنَ الْخُطَّابِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنَ الْأَوَّلِ، ثُمَّ اعْتَدَّتْ مِنَ الْآخَرِ ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا قَالَ مَالِكٌ:.

     وَقَالَ  سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، فَتَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، إِنَّهَا لَا تَنْكِحُ، إِنِ ارْتَابَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا مِنْ تِلْكَ الرِّيبَةِ إِذَا خَافَتِ الْحَمْلَ.


( جامع ما لا يجوز من النكاح)

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى) تحريمًا ( عن الشغار) هكذا لجل الرواة وقال ابن وهب: عن نكاح الشغار بمعجمتين أولاهما مكسورة فألف فراء، مصدر شاغر يشاغر شغارًا ومشاغرة.
وفي رواية أيوب عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا شغار في الإسلام.
( والشغار أن يزوج الرجل ابنته) أو أخته أو أمته ( على أن يزوجه الآخر ابنته) أو وليته ( ليس بينهما صداق) بل بضع كل منهما صداق الأخرى، مأخوذ من قولهم شغر البلد عن السلطان، إذا خلا عنه، لخلوه عن الصداق أو لخلوه عن بعض الشرائط.
وقال ثعلب من قولهم: شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول، كأن كلاً من الوليين يقول للآخر لا ترفع رجل ابنتي حتى أرفع رجل ابنتك.
وفي التشبيه بهذه الهيئة القبيحة تقبيح للشغار، وتغليظ على فاعله.
وأكثر رواة مالك لم ينسبوا هذا التفسير لأحد، ولذا قال الشافعي رضي الله عنه: لا أدري أهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو ابن عمر أو نافع أو مالك حكاه البيهقي.
وقال الخطيب وغيره: هو قول مالك، وصله بالمتن المرفوع بين ذلك ابن مهدي والقعنبي ومحرز بن عون فيما أخرجه أحمد.
وقال الباجي: قوله نهى عن الشغار مرفوعًا اتفاقًا، وباقيه من تفسير نافع.
والظاهر أنه من جملة الحديث حتى يتبين أنه من قول الراوي انتهى.
وقد تبين ذلك ففي مسلم هنا والبخاري في ترك الحيل من طريق عبيد الله قلت لنافع: ما الشغار: قال فذكره! ولذا قال الحافظ: الذي تحرر أنه من قول نافع.

قال عياض عن بعض العلماء: كان الشغار من نكاح الجاهلية يقول شاغرني وليتي بوليتك أي عاوضني جماعًا بجماع، ولا خلاف أن غير البنت من الإماء والأخوات وغيرهن حكم البنت.
وتعقبه الأبي بأن مذهب مالك اختصاصه بذوات الجبر وهو في غيرهن بمنزلة من تزوج على أن لا صداق فيمضي بالدخول.
قال: ولا حجة فيما وقع عند مسلم في حديث أبي هريرة نهى صلى الله عليه وسلم عن الشغار.
زاد ابن نمير: والشغار أن يقول زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، وزوجني أختك وأزوجك أختي، لأنه ليس من لفظه صلى الله عليه وسلم.

قال عياض: ولا خلاف في النهي عنه ابتداء فإن وقع أمضاه الكوفيون والليث والزهري وعطاء إذا صحح بصداق المثل، وأبطله مالك والشافعي واختلف في علة البطلان فقيل: لأن كلاً من الفرجين معقود به وعليه.
وقيل: لخلوه من الصداق.
فعلى الأول: فساده في عقده فيفسخ بعد البناء، وعلى الثاني: فساده في صداقه فيمضي بالبناء.
وهما قولان لمالك رضي الله عنه.
قال غيره: وإنما اختلف قول مالك للاختلاف في النهي، هل يدل على الفساد؟ أو للخلاف في تفسيره، هل هو مرفوع؟ أو من قول ابن عمر وأبي هريرة وهما أدرى بما سمعا لأنهما عربيان عالمان بمواقع الألفاظ، وإنما النظر إذا كان من تفسير نافع فإنه عجمي تعرب ولذا اختلف نظر العلماء وليس البطلان لترك ذكر الصداق لصحة النكاح بدون تسميته، لكن قال ابن دقيق العيد قوله: ليس بينهما صداق يشعر بأن جهة الفساد ترك ذكر الصداق، انتهى.
أي مع جعل بضع كل منهما صداقًا للأخرى وهذا صريح الشغار، قال مالك في المدونة يفسخ وإن طال وولدت الأولاد.
قال ابن القاسم بطلاق وأما وجه الشغار وهو أن يسمي لكل صداقًا على أن يزوج كلاً منهما الآخر فيفسخ قبل البناء ويثبت بعده بالأكثر من المسمى وصداق المثل.
وأما المركب منهما وهو أن يسمى لإحداهما صداقًا والأخرى بلا صداق فالمسمى لها حكم وجهه والأخرى كصريحه.
وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ورواه أصحاب السنن الأربعة من طريق مالك وتابعه عبيد الله بن عمر في الصحيحين، وعبد الرحمن السراج وأيوب عند مسلم، الثلاثة عن نافع عن ابن عمر وتابعه أبو هريرة وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسلم أيضًا.

( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم) التيمي المدني قال ابن عيينة كان أفضل أهل زمانه مات سنة ست وعشرين ومائة وقيل بعدها ( عن أبيه) القاسم بن محمد بن الصديق أحد الفقهاء ( عن عبد الرحمن) أبي محمد المدني أخي عاصم بن عمر لأمه، يقال: ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وذكره ابن حبان في ثقات التابعين مات سنة ثلاث وتسعين ( و) عن أخيه ( مجمع) بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الميم الثانية المكسورة وعين مهملة الأنصاري الأوسي تابعي كبير مات سنة ستين ( ابني) بالتثنية ( يزيد) بتحتية فزاي ( بن جارية) بالجيم والراء والتحتية ( الأنصاري) الأوسي أبي عبد الرحمن ذكره ابن سعد وغيره في الصحابة وقال ابن منده يزيد بن جارية وقيل زيد فجعلهما واحدًا، والصواب أنهما أخوان قاله في الإصابة ( عن خنساء) بفتح الخاء المعجمة وإسكان النون وسين مهملة مهموز ممدود ( بنت خدام) بالخاء المعجمة المكسورة والدال المهملة كما في الفتح والتقريب وقال بعضهم: بالذال المعجمة الأنصارية الأوسية زوج أبي لبابة، صحابية معروفة من بني عمرو بن عوف.

( أن أباها) خدامًا الصحابي يقال هو ابن وديعة ويقال ابن خالد وقال أبو نعيم: يكنى أبا وديعة.
( زوجها وهي ثيب) لما تأيمت من أنيس بن قتادة الأنصاري حين قتل عنها يوم أحد، كما رواه عبد الرزاق عن معمر بن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن محمد مرسلاً.
وأخرجه الواقدي عن الخنساء نفسها وأنيس بالتصغير وسماه بعضهم أنسًا، وأنكره ابن عبد البر وفي المبهمات للقطب القسطلاني أن اسمه أسير وأنه مات ببدر ( فكرهت ذلك) الرجل الذي أنكحها أبوها إياه ولم يعرف الحافظ اسمه قال: نعم عند الواقدي أنه من مزينة وعند ابن إسحاق أنه من بني عمرو بن عوف.
( فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقالت إن أبي أنكحني رجلاً وإن عم ولدي أحب إلي منه ( فرد نكاحه) وجعل أمرها إليها كما في رواية عبد الرزاق عن أبي بكر بن محمد، وله عن نافع بن جبير فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي زوجني وأنا كارهة وقد ملكت أمري قال: فلا نكاح له انكحي من شئت، فرد نكاحه ونكحت أبا لبابة الأنصاري.

وأخرج الواقدي عن خنساء بنت خدام أنها كانت تحت أنيس بن قتادة فقتل عنها يوم أحد فزوجها أبوها رجلاً من مزينة فكرهته، وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه فتزوجها أبو لبابة فجاءت بالسائب بن أبي لبابة.
قال أبو عمر: هذا الحديث مجمع على صحته والقول به لأن من قال: لا نكاح إلا بولي قال: لا يزوج الثيب وليها أبًا أو غيره إلا بإذنها ورضاها.
ومن قال: ليس للولي مع الثيب أمرًا وأجازه بلا ولي، فأولى بالعمل بهذا الحديث، ولا خلاف أن الثيب لا يجوز لأبيها ولا غيره جبرها على النكاح إلا الحسن البصري فقال: نكاح الأب جائز على بنته بكرًا كانت أو ثيبًا أكرهت أم لا: قال إسماعيل القاضي: لا أعلم أحدًا قال بقوله في الثيب.
وروى عبد الرزاق عن ابن عباس مرفوعًا ليس للولي مع الثيب أمر واختلف في بطلانه ولو رضيت.
وقال الشافعي وأحمد لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل لخنساء إلا أن تجيزي وكذا قال مالك إلا أن ترضي بالقرب بالبلد فيجوز لأنه كان في وقت واحد وفور واحد.
وقال أبو حنيفة وأصحابه لها أن تجيزه فيجوز أو تبطله فيبطل انتهى ملخصًا.
وأما حديث النسائي عن جابر أن رجلاً زوج ابنته وهي بكر من غير أمرها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما فحمله البيهقي على أنه زوجها من غير كفء، وأما إذا زوجها بكفء فينفذ ولو طلبت هي كفؤًا غيره لأنها مجبرة فليس لها اختيار الأزواج والأب أكمل نظرًا منها بخلاف غير المجبر فلا يزوجها إلا ممن عينته لأن إذنها شرط في أصل تزويجها فاعتبر تعيينها انتهى.
وهو على مذهب الشافعي أما على مذهب مالك أنه لا كلام للبكر مع الأب ولو زوجها بغير كفء فيحمل على أنه زوجها بذي عيب ليس للأب جبرها عليه.

وحديث الباب رواه البخاري عن إسماعيل ويحيى بن قزعة بفتحات كليهما عن مالك به ولم يخرجه مسلم.

( مالك عن أبي الزبير) محمد بن مسلم ( المكي أن عمر بن الخطاب أتي) بضم الهمزة ( بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه) لأنه صلى الله عليه وسلم قال لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل.
رواه أحمد والطبراني والبيهقي وغيرهم وإسناده صحيح ( ولو كنت تقدمت) بفتح التاء والقاف والدال أي سبقت غيري وفي رواية ابن وضاح: بضم التاء والقاف وكسر الدال بالبناء للمفعول، أي سبقني غيري ( فيه لرجمت) فاعله وجعله سرًا لأن الشهادة لم تتم فيه وقد أجازه الكوفيون بشهادة رجل وامرأتين.
وقال مالك والشافعي وأحمد: لا دخل للنساء في النكاح فإنما يصح شهادة عدلين، إلا أن مالكًا أجاز العقد بدون شهادة ثم يشهدان قبل الدخول وقال: نكاح السر ما أوصي بكتمه، والشافعي والكوفيون وغيرهم: ما لم يشهد عليه ويفسخ على كل حال.

( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن سليمان بن يسار أن طليحة) بنت عبيد الله ( الأسدية) لها إدراك.
قال أبو عمر كذا وقع الأسدية في بعض نسخ الموطأ من رواية يحيى وهو خطأ وجهل لا أعلم أحدًا قاله، وإنما هي تيمية أخت طلحة بن عبد الله أحد العشرة التيمي.
( كانت تحت رشيد) بضم الراء وفتح الشين ( الثقفي) الطائفي ثم المدني مخضرم ( فطلقها فنكحت في عدتها) رجلاً غير مطلقها ( فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة) بكسر الميم وإسكان المعجمة وفتح الفاء والقاف، هكذا ضبط بالقلم في نسخ قديمة.
قال الجوهري: الدرة التي يضرب بها، وفي القاموس كمكنسة أي بوزنها فوافق الضبط المذكور ( ضربات) تعزيرًا لهما على العقد في العدة ( وفرق بينهما ثم قال عمر بن الخطاب أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها) في العدة ( لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول ثم كان الآخر) بعد تمام العدة ( خاطبًا من الخطاب) لها فتنكح من شاءت ولا يكون الآخر أحق بها ( فإن كان دخل بها) الآخر ( فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر) بكسر الخاء ( ثم لا يجتمعان أبدًا) لتأبد التحريم بالوطء في العدة.

( قال مالك: وقال سعيد بن المسيب: ولها مهرها بما استحل منها) من الوطء.

( قال مالك الأمر عندنا في المرأة الحرة يتوفى عنها زوجها فتعتد) وكأنه قيد بالحرة وإن كانت الأمة كذلك لقوله ( أربعة أشهر وعشرًا) إذ الأمة عدتها شهران وخمس أو هو على سبيل المثال والمراد المعتدة ( إنها لا تنكح إن ارتابت من حيضتها حتى تستبرئ نفسها من تلك الريبة إذا خافت الحمل) إذ عدة الحامل وضعه، والله أعلم.