فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ جِرَاحِ الْمُدَبَّرِ

رقم الحديث 1508 قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: فِيمَنْ دَفَعَ إِلَى الْغَسَّالِ ثَوْبًا يَصْبُغُهُ، فَصَبَغَهُ، فَقَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ: لَمْ آمُرْكَ بِهَذَا الصِّبْغِ؟.

     وَقَالَ  الْغَسَّالُ: بَلْ أَنْتَ أَمَرْتَنِي بِذَلِكَ، فَإِنَّ الْغَسَّالَ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ، وَالْخَيَّاطُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَالصَّائِغُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَيَحْلِفُونَ عَلَى ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتُوا بِأَمْرٍ لَا يُسْتَعْمَلُونَ فِي مِثْلِهِ، فَلَا يَجُوزُ .

     قَوْلُهُ مْ فِي ذَلِكَ، وَلْيَحْلِفْ صَاحِبُ الثَّوْبِ، فَإِنْ رَدَّهَا، وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ.
حُلِّفَ الصَّبَّاغُ قَالَ وسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: فِي الصَّبَّاغِ يُدْفَعُ إِلَيْهِ الثَّوْبُ فَيُخْطِئُ بِهِ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ حَتَّى يَلْبَسَهُ الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ: إِنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَى الَّذِي لَبِسَهُ، وَيَغْرَمُ الْغَسَّالُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ، وَذَلِكَ إِذَا لَبِسَ الثَّوْبَ الَّذِي دُفِعَ إِلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مَعْرِفَةٍ، بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ، فَإِنْ لَبِسَهُ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّهُ لَيْسَ ثَوْبَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ.



القضاء فيما يعطى العمال

بضم العين جمع عامل أي الصناع وفي نسخة الغسال.

( مالك فيمن دفع إلى الغسال ثوبا يصبغه) مثلث الباء ( فصبغه فقال صاحب الثوب لم آمرك بهذا الصبغ) الأحمر مثلا بل أسود ( وقال الغسال بل أنت أمرتني بذلك فإن الغسال مصدق في ذلك) حيث لا بينة لأن ربه مقر بإذنه للصباغ في العمل وادعى أنه لم يعمل ما أمره به ليمضي عمله باطلا وقال الحنفي والشافعي القول لصاحب الثوب لاعتراف الصباغ بأنه لربه وأنه أحدث فيه حدثا ادعى إذنه وإجازته عليه فإن أقام بينة وإلا حلف صاحبه وضمنه ما أحدث فيه ( والخياط مثل ذلك) يصدق إذا قطع الثوب قميصا وقال لربه أمرتني به وقال صاحبه أمرتك بقباء مثلا ( والصائغ مثل ذلك) إذا صاغ الفضة أساور وقال صاحبها بل خلاخل ( ويحلفون على ذلك إلا أن يأتوا بأمر لا يستعملون في مثله فلا يجوز قولهم في ذلك وليحلف صاحب الثوب فإنه ردها) أي اليمين ( وأبى أن يحلف حلف الصباغ) وكان القول قوله ( مالك في الصباغ يدفع إليه الثوب فيخطئ به) أي يدفعه إلى رجل آخر وهذا ظاهر وهو الذي في النسخ القديمة ولم يفهمه من زاد في المتن فيدفعه إلى رجل آخر لأنه عين قوله فيخطئ به ( حتى يلبسه الذي أعطاه إياه أنه لا غرم على الذي لبسه) لأن الخطأ ليس منه ( ويغرم الغسال لصاحب الثوب وذلك إذا لبس الثوب الذي دفع إليه على غير معرفة بأنه ليس له) بل ظن أنه ثوبه ( فإن لبسه وهو يعرف أنه ليس ثوبه فهو ضامن له) لأنه المباشر.



رقم الحديث 1508 حَدَّثَنِي مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَضَى فِي الْمُدَبَّرِ إِذَا جَرَحَ أَنَّ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُسَلِّمَ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ إِلَى الْمَجْرُوحِ.
فَيَخْتَدِمُهُ الْمَجْرُوحُ وَيُقَاصُّهُ بِجِرَاحِهِ مِنْ دِيَةِ جَرْحِهِ.
فَإِنْ أَدَّى قَبْلَ أَنْ يَهْلِكَ سَيِّدُهُ رَجَعَ إِلَى سَيِّدِهِ
قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُدَبَّرِ إِذَا جَرَحَ.
ثُمَّ هَلَكَ سَيِّدُهُ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ.
أَنَّهُ يُعْتَقُ ثُلُثُهُ.
ثُمَّ يُقْسَمُ عَقْلُ الْجَرْحِ أَثْلَاثًا.
فَيَكُونُ ثُلُثُ الْعَقْلِ عَلَى الثُّلُثِ الَّذِي عَتَقَ مِنْهُ.
وَيَكُونُ ثُلُثَاهُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ اللَّذَيْنِ بِأَيْدِي الْوَرَثَةِ إِنْ شَاءُوا أَسْلَمُوا الَّذِي لَهُمْ مِنْهُ إِلَى صَاحِبِ الْجَرْحِ وَإِنْ شَاءُوا أَعْطَوْهُ ثُلُثَيِ الْعَقْلِ، وَأَمْسَكُوا نَصِيبَهُمْ مِنَ الْعَبْدِ.
وَذَلِكَ أَنَّ عَقْلَ ذَلِكَ الْجَرْحِ إِنَّمَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ مِنَ الْعَبْدِ.
وَلَمْ تَكُنْ دَيْنًا عَلَى السَّيِّدِ.
فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الَّذِي أَحْدَثَ الْعَبْدُ بِالَّذِي يُبْطِلُ مَا صَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ عِتْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ.
فَإِنْ كَانَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ، مَعَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ، بِيعَ مِنَ الْمُدَبَّرِ بِقَدْرِ عَقْلِ الْجَرْحِ، وَقَدْرِ الدَّيْنِ.
ثُمَّ يُبَدَّأُ بِالْعَقْلِ الَّذِي كَانَ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ.
فَيُقْضَى مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ.
ثُمَّ يُقْضَى دَيْنُ سَيِّدِهِ.
ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْعَبْدِ، فَيَعْتِقُ ثُلُثُهُ، وَيَبْقَى ثُلُثَاهُ لِلْوَرَثَةِ.
وَذَلِكَ أَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ هِيَ أَوْلَى مِنْ دَيْنِ سَيِّدِهِ.
وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا هَلَكَ وَتَرَكَ عَبْدًا مُدَبَّرًا قِيمَتُهُ خَمْسُونَ وَمِائَةُ دِينَارٍ، وَكَانَ الْعَبْدُ قَدْ شَجَّ رَجُلًا حُرًّا مُوضِحَةً عَقْلُهَا خَمْسُونَ دِينَارًا.
وَكَانَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ مِنَ الدَّيْنِ خَمْسُونَ دِينَارًا قَالَ مَالِكٌ: فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِالْخَمْسِينَ دِينَارًا الَّتِي فِي عَقْلِ الشَّجَّةِ فَتُقْضَى مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ.
ثُمَّ يُقْضَى دَيْنُ سَيِّدِهِ.
ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى مَا بَقِيَ مِنَ الْعَبْدِ.
فَيَعْتِقُ ثُلُثُهُ، وَيَبْقَى ثُلُثَاهُ لِلْوَرَثَةِ.
فَالْعَقْلُ أَوْجَبُ فِي رَقَبَتِهِ مِنْ دَيْنِ سَيِّدِهِ.
وَدَيْنُ سَيِّدِهِ أَوْجَبُ مِنَ التَّدْبِيرِ، الَّذِي إِنَّمَا هُوَ وَصِيَّةٌ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ.
فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ شَيْءٌ مِنَ التَّدْبِيرِ، وَعَلَى سَيِّدِ الْمُدَبَّرِ دَيْنٌ لَمْ يُقْضَ.
وَإِنَّمَا هُوَ وَصِيَّةٌ.
وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ قالَ مَالِكٌ: فَإِنْ كَانَ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ مَا يَعْتِقُ فِيهِ الْمُدَبَّرُ كُلُّهُ عَتَقَ.
وَكَانَ عَقْلُ جِنَايَتِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ.
يُتَّبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ.
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَقْلُ الدِّيَةَ كَامِلَةً وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ وقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَبَّرِ إِذَا جَرَحَ رَجُلًا فَأَسْلَمَهُ سَيِّدُهُ إِلَى الْمَجْرُوحِ.
ثُمَّ هَلَكَ سَيِّدُهُ.
وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَهُ.
فَقَالَ الْوَرَثَةُ: نَحْنُ نُسَلِّمُهُ إِلَى صَاحِبِ الْجُرْحِ.
.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الدَّيْنِ: أَنَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ: إِنَّهُ إِذَا زَادَ الْغَرِيمُ شَيْئًا فَهُوَ أَوْلَى بِهِ وَيُحَطُّ عَنِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ قَدْرُ مَا زَادَ الْغَرِيمُ عَلَى دِيَةِ الْجَرْحِ.
فَإِنْ لَمْ يَزِدْ شَيْئًا لَمْ يَأْخُذِ الْعَبْدَ وقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَبَّرِ إِذَا جَرَحَ وَلَهُ مَالٌ فَأَبَى سَيِّدُهُ أَنْ يَفْتَدِيَهُ: فَإِنَّ الْمَجْرُوحَ يَأْخُذُ مَالَ الْمُدَبَّرِ فِي دِيَةِ جُرْحِهِ.
فَإِنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَجْرُوحُ دِيَةَ جُرْحِهِ وَرَدَّ الْمُدَبَّرَ إِلَى سَيِّدِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ، اقْتَضَاهُ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ.
وَاسْتَعْمَلَ الْمُدَبَّرَ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ.


(مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز) الخليفة العادل (قضى في المدبر إذا جرح) إنسانا (أن لسيده أن يسلم ما يملك منه) وهو خدمته (إلى المجروح فيختدمه المجروح ويقاصد بخراجه من دية جرحه فإن أدى قبل أن يهلك سيده رجع إلى سيده) مدبرا على حاله (مالك الأمر عندنا في المدبر إذا جرح) شخصا (ثم هلك سيده وليس له مال غيره أنه يعتق ثلثه ثم يقسم عقل الجراح أثلاثا فيكون ثلث العقل الثلث الذي عتق منه ويكون ثلثاه على الثلثين للذين بأيدي الورثة إن شاؤوا أسلموا الذي لهم منه) من العبد وهو الثلثان (إلى صاحب الجرح وإن شاؤوا أعطوا ثلثي العقل وأمسكوا نصيبهم من العبد وذلك أن عقل ذلك الجرح إنما كانت جنايته من العبد ولم تكن دينا على السيد فلم يكن ذلك الذي أحدث العبد بالذي يبطل ما صنع السيد من عتقه وتدبيره) عطف تفسير (فإن كان على سيد العبد دين للناس مع جناية العبد بيع من المدبر بقدر عقل الجرح وقدر الدين ثم يبدأ بالعقل الذي كان في جناية العبد فيقضى من ثمن العبد ثم يقضى دين سيده ثم ينظر إلى ما بقي بعد ذلك من العبد فيعتق ثلثه ويبقى ثلثاه للورثة و) وجه (ذلك أن جناية العبد هي أولى من دين سيده) لتعلقها برقبة العبد (وذلك) أي إيضاحه بالمثال (أن الرجل إذا هلك وترك عبدا مدبرا قيمته خمسون ومائة دينار وكان العبد قد شج رجلا حرا موضحة) أوضحت العظم (عقلها خمسون دينارا وكان على سيد العبد من الدين خمسون دينارا فإنه يبدأ بالخمسين دينارا التي في عقل الشجة فتقضى من ثمن العبد ثم يقضى دين سيده ثم ينظر إلى ما بقي من العبد فيعتق ثلثه ويبقى ثلثاه للورثة فالعقل أوجب) أثبت وأحق (في رقبته من دين سيده ودين سيده أوجب) أحق (من التدبير الذي إنما هو وصية في ثلث مال الميت فلا ينبغي) لا يصح (أن يجوز شيء من التدبير وعلى سيد المدبر دين لم يقض) جملة حالية (وإنما هو وصية وذلك أن الله تبارك وتعالى قال { { من بعد وصية يوصى بها أو دين } } والدين مقدم على الوصية إجماعا (فإن كان في ثلث الميت ما يعتق فيه المدبر كله عتق وكان عقل جنايته دينا عليه يتبع به بعد عتقه وإن كان ذلك العقل الدية كاملة) مبالغة (وذلك إذا لم يكن على سيده دين) وإلا فعلى ما مر (وقال مالك في المدبر إذا جرح رجلا فأسلمه) أي أسلم خدمته (سيده إلى المجروح ثم هلك سيده وعليه دين ولم يترك مالا غيره فقال الورثة نحن نسلمه إلى صاحب الجرح) بضم الجيم (وقال صاحب الدين أنا أزيد على ذلك أنه إذا زاد الغريم شيئا فهو أولى) أحق (به) ولا يسلم للمجروح (ويحط عن الذي عليه الدين قدر ما زاد الغريم على دية الجرح فإن لم يزد شيئا لم يأخذ العبد) بل يسلم إلى المجروح إن شاء الوارث (وقال مالك في المدبر إذا جرح) شخصا (وله مال فأبى سيده أن يفتديه فإن المجروح يأخذ مال المدبر في دية جرحه فإن كان فيه وفاء استوفى المجروح دية جرحه ورد المدبر إلى سيده وإن لم يكن فيه وفاء اقتضاه) أخذه (من دية جرحه واستعمل المدبر بما بقي له من دية جرحه) حتى يستوفيها.