فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ أَخْذِ الصَّدَقَةِ وَمَنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا

رقم الحديث 612 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ: لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا.
أَوْ لِغَارِمٍ.
أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ.
أَوْ لِرَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ، فَتُصُدِّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ، فَأَهْدَى الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ
قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنَ الْوَالِي، فَأَيُّ الْأَصْنَافِ كَانَتْ فِيهِ الْحَاجَةُ وَالْعَدَدُ، أُوثِرَ ذَلِكَ الصِّنْفُ، بِقَدْرِ مَا يَرَى الْوَالِي.
وَعَسَى أَنْ يَنْتَقِلَ ذَلِكَ إِلَى الصِّنْفِ الْآخَرِ بَعْدَ عَامٍ أَوْ عَامَيْنِ أَوْ أَعْوَامٍ.
فَيُؤْثَرُ أَهْلُ الْحَاجَةِ وَالْعَدَدِ، حَيْثُمَا كَانَ ذَلِكَ.
وَعَلَى هَذَا أَدْرَكْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ، إِلَّا عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْإِمَامُ.


( آخذ الصدقة ومن يجوز له أخذها)

( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) مرسل وصله أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم من طريق معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد الخدري ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تحل الصدقة لغني) لقوله تعالى: { { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } } ( إلا لخمسة) فتحل لهم وهم أغنياء لأنهم أخذوها بوصف آخر ( لغاز في سبيل الله) لقوله تعالى: { { وفي سبيل الله } } ( أو لعامل عليها) لقوله تعالى: { { والعاملين عليها } } وبينت السنة أن شرطه أن لا يكون هاشميًا قيل ولا مطلبيًا ( أو لغارم) أي مدين قال تعالى: { { والغارمين } } بشروط في الفروع ( أو لرجل اشتراها بماله) من الفقير الذي أخذها ( أو لرجل له جار مسكين) المراد به ما يشمل الفقير ( فتصدق على المسكين فأهدى) أي أهداها ( المسكين للغني) فتحل له لأن الصدقة قد بلغت محلها فيه وفيما قبله وله جار خرج على جهة التمثيل فلا مفهوم له فالمدار على إهداء الصدقة التي ملكها المسكين لجار أو لغيره ويأتي في حديث إهداء بريرة لحمًا تصدّق به عليها إلى عائشة قوله صلى الله عليه وسلم: هو عليها صدقة وهو منها لنا هدية وكذلك الإهداء ليس بقيد، ففي رواية لأحمد وأبي داود في حديث أبي سعيد أو جار فقير يتصدّق عليه فيهدي لك أو يدعوك ( لك) .
قال ابن عبد البر: هذا الحديث مفسر لمجمل قوله صلى الله عليه وسلم: لا تحل الصدقة لغنيّ ولا لذي مرة سويّ وأنه ليس على عمومه وأجمعوا على أن الصدقة المفروضة لا تحل لغير الخمسة المذكورين الباجي فإن دفعها لغني لغير هؤلاء عالمًا بغناه لم تجزه بلا خلاف فإن اعتقد فقره.
فقال ابن القاسم: يضمن إن دفعها لغني أو كافر وأما صدقة التطوّع فهي بمنزلة الهدية تحل للغني والفقير.

( قال مالك: الأمر عندنا في قسم الصدقات أن ذلك لا يكون إلا على وجه الاجتهاد من الوالي) الخليفة أو نائبه في القدر الذي يعطي وفي من يعطي من الأصناف فلا يلزم تعميمهم ( فأي الأصناف كانت فيه الحاجة والعدد أوثر ذلك الصنف بقدر ما يرى الوالي) باجتهاده ( وعسى أن ينتقل ذلك إلى الصنف الآخر بعد عام أو عامين أو أعوام فيؤثر أهل الحاجة والعدد حيثما كان) وجد ( ذلك وعلى هذا أدركت من أرضى من أهل العلم) حملاً للآية على أنها إعلام بمن تحل له الصدقة.
وقد قال حذيفة وابن عباس: إذا وضعتها في صنف واحد أجزأك.
أبو عمر: لا أعلم لهما ( لهم) مخالفًا من الصحابة وأجمعوا على أن العامل لا يستحق منها وإنما له بقدر عمالته فدل أنها ليست مقسومة على الأصناف بالسوية.
وقال الشافعي: هي سهمان ثمانية لا يصرف منها سهم إلى غيره ما وجد من أهله فإن لم يكن مؤلفة قسم على سبعة إلا العامل فاستحب أن يعطى ثمنًا، وحجته حديث ما رضي الله بقسمة أحد في الصدقات حتى قسمها على الأصناف الثمانية لكن تفرّد به عبد الرحمن بن زياد الأفريقي، ضعفه بعضهم، وأثنى عليه أهل المغرب انتهى، والمرجح أنه ضعيف في حفظه وكان رجلاً صالحًا، فلعل من أثنى عليه من جهة صلاحه.

( قال مالك وليس للعامل على الصدقات فريضة مسماة إلا على قدر ما يرى الإمام) أنه يجزيه في عمالته.