فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ

رقم الحديث 1141 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ.


( مالك عن ابن شهاب عن عبد الله) بن محمد بن علي العلوي أبي هاشم ابن الحنفية ثقة من رجال الكل مات سنة تسع وتسعين بالشام ( والحسن ابني محمد بن علي بن أبي طالب) الهاشمي أبي محمد المدني ثقة فقيه يقال: إنه أول من تكلم في الإرجاء مات سنة مائة أو قبلها بسنة ( عن أبيهما) محمد بن علي أبي القاسم ابن الحنفية الهاشمي المدني ثقة عالم تابعي كبير مات بعد الثمانين ( عن) أبيه ( علي بن أبي طالب) أمير المؤمنين زاد في رواية جويرية بن أسماء عن مالك بهذا الإسناد، أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان يعني ابن عباس إنك رجل تائه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء) ولأحمد من طريق سفيان عن الزهري عن نكاح المتعة وهي النكاح لأجل معلوم أو مجهول كقدوم زيد، سميت بذلك لأن الغرض منها مجرد التمتع دون التوالد وغيره من أغراض النكاح، وفي رواية عبيد الله عن ابن شهاب بإسناده عن علي أنه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال: مهلاً يا ابن عباس فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها ( يوم خيبر) ، هكذا اتفق مالك وسائر أصحاب الزهري على خيبر بخاء معجمة وراء آخره، إلا ما رواه عبد الوهاب الثقفي عن يحيى القطان عن مالك في هذا الحديث فقال: حنين بمهملة ونونين.
أخرجه النسائي والدارقطني وقالا إنه وهم تفرد به القطان.
( وعن أكل لحوم الحمر الإنسية) قال عياض: رواه الأكثر بفتح الهمزة والنون، ورواه بعضهم بكسر الهمزة وسكون النون، والإنس بالفتح والكسر الناس، ولا خلاف في الأخذ بالنهي عن أكلها إلا شيء روي عن ابن عباس وعائشة وبعض السلف.
وفي أن النهي للتحريم أو الكراهة قولان لمالك، وفي أن علة تحريمها أنها لم تكن قسمت أو خوف فناء الظهر أو لأنها كانت جلالة روايات، وقيل: هو نهي تحريم لغير علة اهـ.

والمعتمد عن مالك تحريمها، واختلف في وقت تحريم نكاح المتعة، والمتحصل من الأخبار أن أولها خيبر ثم عمرة القضاء كما رواه عبد الرزاق عن الحسن البصري مرسلاً، ومراسيله ضعيفة لأنه كان يأخذ عن كل أحد ثم الفتح كما في مسلم عن سبرة الجهني مرفوعًا بلفظ: إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة.
ثم أوطاس كما في مسلم عن سلمة بن الأكوع بلفظ: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثًا ثم نهى عنها.
ويحتمل أنه أطلق على عام الفتح عام أوطاس لتقاربهما، لكن يبعد أن يقع الإذن في أوطاس بعد التصريح قبلها في الفتح بأنها حرمت إلى يوم القيامة، ثم تبوك فيما أخرجه إسحاق بن راهويه وابن حبان من طريقه من حديث أبي هريرة، وهو ضعيف لأنه من رواية المؤمل بن إسماعيل عن عكرمة بن عمار، وفي كل منهما مقال، وعلى تقدير صحته فليس فيه أنهم استمتعوا في تلك الحالة أو كان النهي قديمًا فلم يبلغ بعضهم فاستمرّ على الرخصة، ولذلك قرن صلى الله عليه وسلم النهي بالغضب كما رواه الحازمي من حديث جابر لتقدّم النهي عنه.
ثم حجة الوداع كما عند أبي داود لكن اختلف فيه على الربيع بن سبرة والرواية عنه بأنها في الفتح أصح وأشهر فإن كان حفظه فليس في سياق أبي داود سوى مجرد النهي فلعله صلى الله عليه وسلم أراد إعادة النهي ليسمعه من لم يسمعه قبل ويقوّيه أنهم حجوا بنسائهم بعد أن وسع الله عليهم بفتح خيبر بالمال والسبي فلم يكونوا في شدّة ولا طول غربة.

قال عياض: الصحيح أن الواقع في حجة الوداع إنما هو تجديد النهي لاجتماع الناس، وليبلغ الشاهد الغائب، ولإتمام الدين والشريعة كما قرر غير شيء يومئذ، اهـ.
فلم يبق صحيح صريح سوى خيبر والفتح مع ما وقع في خيبر من الكلام حتى زعم ابن عبد البر أن ذكر النهي يوم خيبر غلط.
والسهيلي أنه شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ولا رواة الأثر، فالذي يظهر أنه وقع فيه تقديم وتأخير في لفظ الزهري اهـ.
أي فيكون نهي يوم خيبر عن لحوم الحمر الإنسية وعن متعة النساء فليس يوم خيبر ظرفًا لمتعة النساء لأنه لم يقع في غزوتها تمتع بالنساء فإن الصحابة لم يستمتعوا باليهوديات، وهذا نقله أبو عمر عن بعض أصحابه وقال: إنه تأويل بعيد.
وقال ابن عيينة: إن تاريخ خيبر في حديث علي إنما هو في النهي عن لحوم الحمر الأهلية.
قال البيهقي: وهو يشبه أنه كما قال فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه رخص فيه بعد ذلك ثم نهى عنه، فيكون احتجاجًا بنهيه آخرًا حتى تقوم به الحجة على ابن عباس وتعقب هذا كله بأنه بعد اتفاق أصحاب الزهري عنه على ذلك لا ينبغي أن يقال لأنهم حفاظ ثقات، ولذا قال عياض: تحريمها يوم خيبر صحيح لا شك فيه.
وقد قال بعضهم: إن المتعة مما تناولها الإباحة والتحريم والنسخ مرتين كما اتفق في القبلة.
وقال النووي: الصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين فكانت حلالاً قبل خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم الفتح وهو يوم أوطاس لاتصالها بها ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريمًا مؤبدًا إلى يوم القيامة.

وقال ابن العربي: نكاح المتعة من غرائب الشريعة أبيح ثم حرم ثم أبيح ثم حرم، فالإباحة الأولى أن الله سكت عنه في صدر الإسلام فجرى الناس في فعله على عادتهم ثم حرم يوم خيبر، ثم أبيح يوم الفتح وأوطاس على حديث جابر وغيره، ثم حرمت تحريمًا مؤبدًا يوم الفتح على حديث سبرة اهـ.
والإجماع على حرمتها وما في مسلم عن جابر استمتعنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر زاد في رواية حتى نهى عنه عمر محمول على أن الذي استمتع لم يبلغه النهي ولم يخالف في ذلك إلا الروافض، قال المازري: محتجين بالأحاديث الواردة في ذلك وبقوله تعالى: { { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } } الآية، وقرأ ابن مسعود [فما استمتعتم به منهن إلى أجل] ولا حجة في شيء من ذلك لأن تلك الأحاديث نسخت، والآية محمولة على النكاح المؤبد، وقراءة ابن مسعود لم تتواتر، والقرآن لا يثبت بالآحاد، واحتجاجهم بأن اختلاف الروايات في حديث النهي تناقض يوجب القدح في الحديث مدفوع بأنه لا تناقض لأنه يصح أن ينهى عن الشيء في زمان ثم يكرر النهي عنه في زمن آخر تأكيدًا وتعقب قوله لم يخالف إلا الروافض بأنه ثبت الجواز عن جمع من الصحابة كجابر وابن مسعود وأبي سعيد ومعاوية وأسماء بنت أبي بكر وابن عباس وعمرو بن الحويرث وسلمة وعن جماعة من التابعين.

وأجيب بأن الخلاف إنما كان في الصدر الأول إلى آخر خلافة عمر والإجماع إنما هو فيما بعد، واختلف هل رجع ابن عباس إلى التحريم أم لا؟ قال ابن عبد البر: أصحابه من أهل مكة واليمن يرونه حلالاً، واختلف الأصوليون في الإجماع بعد الخلاف هل يرفع الخلاف السابق أو لا يرفعه؟ ويكون الخلاف باقيًا ومن ثم جاء الخلاف فيمن نكح متعة هل يحد أو لا؟ لشبهة العقد وللخلاف المتقرر فيه ولأنه ليس من تحريم القرآن ولكنه يعاقب عقوبة شديدة وهو المروي عن مالك والشافعي.
وأجمعوا على أنه متى وقع الآن فسخ قبل الدخول وبعده إلا زفر فقال بصحته لأنه من باب الشروط الفاسدة إذا قارنت النكاح بطلت، ومضى النكاح على التأبيد.

وفي الاستذكار روي عن علي وابن مسعود نسخ معنى قوله: { { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } } الآية، بالطلاق والعدة والميراث، وعن أبي هريرة رفعه مثله وفي تأويلها قول ثان لجمع منهم: عمر بن الخطاب والحسن البصري أن المتعة النكاح الحلال، فإذا عقد وطلق قبل الدخول فقد استمتع بالعقد فعليه نصف الصداق، فإن دخل فلها الصداق كله لاستمتاعه المتعة الكاملة.
وقوله: { { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ } } معناه أن تترك المرأة أو يترك لها كقوله: { { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ } } و { { إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } }

وهذا الحديث رواه البخاري في المغازي عن يحيى بن قزعة، بفتح القاف والزاي والمهملة.
ومسلم عن يحيى التميمي ومن طريق جويرية الثلاثة عن مالك به، وتابعه سفيان بن عيينة في الصحيحين وعبيد الله ويونس عند مسلم ثلاثتهم عن ابن شهاب نحوه، وقد رواه عن مالك شيخه يحيى بن سعيد الأنصاري.

( مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم) بن أمية السلمية يقال لها: أم شريك ويقال لها: خويلة أيضًا بالتصغير، صحابية مشهورة يقال: إنها التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وكانت قبل ذلك تحت عثمان بن مظعون.
( دخلت على عمر بن الخطاب فقالت: إن ربيعة بن أمية) بن خلف القرشي الجمحي أخا صفوان أسلم يوم الفتح وشهد حجة الوداع، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقف تحت صدر راحلته وقال: يا ربيعة قل: يا أيها الناس إن رسول الله يقول لكم أي بلد هذا؟ الحديث، فذكره لأجل هذا في الصحابة من لم يمعن النظر كالبغوي وأصحابه مع أنه جاء من طرق أن عمر غربه في الخمر إلى خيبر فلحق بهرقل فتنصر فقال عمر: لا أغرب بعده أحدًا أبدًا كما بسطه في الإصابة.
( استمتع بامرأة مولدة فحملت منه) بعد نهيك عن المتعة ( فخرج عمر بن الخطاب فزعًا) بالفاء والزاي ( يجر رداءه) من العجلة ( فقال: هذه المتعة) التي ثبت نهيه صلى الله عليه وسلم عنها ( ولو كنت تقدمت) أي سبقت غيري ( فيها لرجمت) أي لرجمته، أو المراد لرجمت فاعلها ربيعة أو غيره لأن حذف المفعول يؤذن بالعموم.
وهذه القصة وقعت لربيعة قبل تنصره كما في الإصابة.

قال ابن عبد البر: الخبر عن عمر من رواية مالك منقطع ورويناه متصلاً، ثم أسنده عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر: لو تقدمت فيها لرجمت، يعني المتعة، وهذا القول منه قبل نهيه عنها وهو تغليظ ليرتدع الناس وينزجروا عن سوء مذهبهم وقبيح تأويلاتهم.
واحتمال أنه لو تقدم بإقامة الحجة من الكتاب والسنة على تحريمها لرجمت كما يرجم الزاني، ضعيف لا يصح إلا على من وطئ حرامًا لم يتأول فيه سنة ولا قرآنًا اهـ.
واختلف كبار أصحاب مالك هل يحد حد البكر أو المحصن أو لا حد عليه لشبهة العقد وللخلاف المتقرر فيها، ولأنه ليس من تحريم القرآن ولكنه يعاقب عقوبة شديدة وهو المروي عن مالك، وأصل هذا عند بعض شيوخنا التفريق بين ما حرمته السنة وبين ما حرمه القرآن وأيضًا فإن الخلاف بين الأصوليين هل يصح الإجماع على أحد القولين بعد الخلاف أم لا ينعقد؟ وحكم الخلاف باق وهو مذهب الباقلاني، وهذا على عدم صحة رجوع ابن عباس عنها فأما على ما روي من رجوعه فقد انقطع الخلاف جملة وأجمعوا على أن من نكح نكاحًا مطلقًا ونيته أن لا يمكث معها إلا مدة نواها أنه جائز وليس بنكاح متعة، لكن قال مالك ليس هذا من الجميل ولا من أخلاق الناس وشذ الأوزاعي فقال: هو نكاح متعة ولا خير فيه، قاله عياض.



رقم الحديث 1142 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ: إِنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ اسْتَمْتَعَ بِامْرَأَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ، فَخَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَزِعًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ، فَقَالَ: هَذِهِ الْمُتْعَةُ.
وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ فِيهَا، لَرَجَمْتُ.


( مالك عن ابن شهاب عن عبد الله) بن محمد بن علي العلوي أبي هاشم ابن الحنفية ثقة من رجال الكل مات سنة تسع وتسعين بالشام ( والحسن ابني محمد بن علي بن أبي طالب) الهاشمي أبي محمد المدني ثقة فقيه يقال: إنه أول من تكلم في الإرجاء مات سنة مائة أو قبلها بسنة ( عن أبيهما) محمد بن علي أبي القاسم ابن الحنفية الهاشمي المدني ثقة عالم تابعي كبير مات بعد الثمانين ( عن) أبيه ( علي بن أبي طالب) أمير المؤمنين زاد في رواية جويرية بن أسماء عن مالك بهذا الإسناد، أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان يعني ابن عباس إنك رجل تائه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء) ولأحمد من طريق سفيان عن الزهري عن نكاح المتعة وهي النكاح لأجل معلوم أو مجهول كقدوم زيد، سميت بذلك لأن الغرض منها مجرد التمتع دون التوالد وغيره من أغراض النكاح، وفي رواية عبيد الله عن ابن شهاب بإسناده عن علي أنه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال: مهلاً يا ابن عباس فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها ( يوم خيبر) ، هكذا اتفق مالك وسائر أصحاب الزهري على خيبر بخاء معجمة وراء آخره، إلا ما رواه عبد الوهاب الثقفي عن يحيى القطان عن مالك في هذا الحديث فقال: حنين بمهملة ونونين.
أخرجه النسائي والدارقطني وقالا إنه وهم تفرد به القطان.
( وعن أكل لحوم الحمر الإنسية) قال عياض: رواه الأكثر بفتح الهمزة والنون، ورواه بعضهم بكسر الهمزة وسكون النون، والإنس بالفتح والكسر الناس، ولا خلاف في الأخذ بالنهي عن أكلها إلا شيء روي عن ابن عباس وعائشة وبعض السلف.
وفي أن النهي للتحريم أو الكراهة قولان لمالك، وفي أن علة تحريمها أنها لم تكن قسمت أو خوف فناء الظهر أو لأنها كانت جلالة روايات، وقيل: هو نهي تحريم لغير علة اهـ.

والمعتمد عن مالك تحريمها، واختلف في وقت تحريم نكاح المتعة، والمتحصل من الأخبار أن أولها خيبر ثم عمرة القضاء كما رواه عبد الرزاق عن الحسن البصري مرسلاً، ومراسيله ضعيفة لأنه كان يأخذ عن كل أحد ثم الفتح كما في مسلم عن سبرة الجهني مرفوعًا بلفظ: إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة.
ثم أوطاس كما في مسلم عن سلمة بن الأكوع بلفظ: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثًا ثم نهى عنها.
ويحتمل أنه أطلق على عام الفتح عام أوطاس لتقاربهما، لكن يبعد أن يقع الإذن في أوطاس بعد التصريح قبلها في الفتح بأنها حرمت إلى يوم القيامة، ثم تبوك فيما أخرجه إسحاق بن راهويه وابن حبان من طريقه من حديث أبي هريرة، وهو ضعيف لأنه من رواية المؤمل بن إسماعيل عن عكرمة بن عمار، وفي كل منهما مقال، وعلى تقدير صحته فليس فيه أنهم استمتعوا في تلك الحالة أو كان النهي قديمًا فلم يبلغ بعضهم فاستمرّ على الرخصة، ولذلك قرن صلى الله عليه وسلم النهي بالغضب كما رواه الحازمي من حديث جابر لتقدّم النهي عنه.
ثم حجة الوداع كما عند أبي داود لكن اختلف فيه على الربيع بن سبرة والرواية عنه بأنها في الفتح أصح وأشهر فإن كان حفظه فليس في سياق أبي داود سوى مجرد النهي فلعله صلى الله عليه وسلم أراد إعادة النهي ليسمعه من لم يسمعه قبل ويقوّيه أنهم حجوا بنسائهم بعد أن وسع الله عليهم بفتح خيبر بالمال والسبي فلم يكونوا في شدّة ولا طول غربة.

قال عياض: الصحيح أن الواقع في حجة الوداع إنما هو تجديد النهي لاجتماع الناس، وليبلغ الشاهد الغائب، ولإتمام الدين والشريعة كما قرر غير شيء يومئذ، اهـ.
فلم يبق صحيح صريح سوى خيبر والفتح مع ما وقع في خيبر من الكلام حتى زعم ابن عبد البر أن ذكر النهي يوم خيبر غلط.
والسهيلي أنه شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ولا رواة الأثر، فالذي يظهر أنه وقع فيه تقديم وتأخير في لفظ الزهري اهـ.
أي فيكون نهي يوم خيبر عن لحوم الحمر الإنسية وعن متعة النساء فليس يوم خيبر ظرفًا لمتعة النساء لأنه لم يقع في غزوتها تمتع بالنساء فإن الصحابة لم يستمتعوا باليهوديات، وهذا نقله أبو عمر عن بعض أصحابه وقال: إنه تأويل بعيد.
وقال ابن عيينة: إن تاريخ خيبر في حديث علي إنما هو في النهي عن لحوم الحمر الأهلية.
قال البيهقي: وهو يشبه أنه كما قال فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه رخص فيه بعد ذلك ثم نهى عنه، فيكون احتجاجًا بنهيه آخرًا حتى تقوم به الحجة على ابن عباس وتعقب هذا كله بأنه بعد اتفاق أصحاب الزهري عنه على ذلك لا ينبغي أن يقال لأنهم حفاظ ثقات، ولذا قال عياض: تحريمها يوم خيبر صحيح لا شك فيه.
وقد قال بعضهم: إن المتعة مما تناولها الإباحة والتحريم والنسخ مرتين كما اتفق في القبلة.
وقال النووي: الصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين فكانت حلالاً قبل خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم الفتح وهو يوم أوطاس لاتصالها بها ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريمًا مؤبدًا إلى يوم القيامة.

وقال ابن العربي: نكاح المتعة من غرائب الشريعة أبيح ثم حرم ثم أبيح ثم حرم، فالإباحة الأولى أن الله سكت عنه في صدر الإسلام فجرى الناس في فعله على عادتهم ثم حرم يوم خيبر، ثم أبيح يوم الفتح وأوطاس على حديث جابر وغيره، ثم حرمت تحريمًا مؤبدًا يوم الفتح على حديث سبرة اهـ.
والإجماع على حرمتها وما في مسلم عن جابر استمتعنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر زاد في رواية حتى نهى عنه عمر محمول على أن الذي استمتع لم يبلغه النهي ولم يخالف في ذلك إلا الروافض، قال المازري: محتجين بالأحاديث الواردة في ذلك وبقوله تعالى: { { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } } الآية، وقرأ ابن مسعود [فما استمتعتم به منهن إلى أجل] ولا حجة في شيء من ذلك لأن تلك الأحاديث نسخت، والآية محمولة على النكاح المؤبد، وقراءة ابن مسعود لم تتواتر، والقرآن لا يثبت بالآحاد، واحتجاجهم بأن اختلاف الروايات في حديث النهي تناقض يوجب القدح في الحديث مدفوع بأنه لا تناقض لأنه يصح أن ينهى عن الشيء في زمان ثم يكرر النهي عنه في زمن آخر تأكيدًا وتعقب قوله لم يخالف إلا الروافض بأنه ثبت الجواز عن جمع من الصحابة كجابر وابن مسعود وأبي سعيد ومعاوية وأسماء بنت أبي بكر وابن عباس وعمرو بن الحويرث وسلمة وعن جماعة من التابعين.

وأجيب بأن الخلاف إنما كان في الصدر الأول إلى آخر خلافة عمر والإجماع إنما هو فيما بعد، واختلف هل رجع ابن عباس إلى التحريم أم لا؟ قال ابن عبد البر: أصحابه من أهل مكة واليمن يرونه حلالاً، واختلف الأصوليون في الإجماع بعد الخلاف هل يرفع الخلاف السابق أو لا يرفعه؟ ويكون الخلاف باقيًا ومن ثم جاء الخلاف فيمن نكح متعة هل يحد أو لا؟ لشبهة العقد وللخلاف المتقرر فيه ولأنه ليس من تحريم القرآن ولكنه يعاقب عقوبة شديدة وهو المروي عن مالك والشافعي.
وأجمعوا على أنه متى وقع الآن فسخ قبل الدخول وبعده إلا زفر فقال بصحته لأنه من باب الشروط الفاسدة إذا قارنت النكاح بطلت، ومضى النكاح على التأبيد.

وفي الاستذكار روي عن علي وابن مسعود نسخ معنى قوله: { { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } } الآية، بالطلاق والعدة والميراث، وعن أبي هريرة رفعه مثله وفي تأويلها قول ثان لجمع منهم: عمر بن الخطاب والحسن البصري أن المتعة النكاح الحلال، فإذا عقد وطلق قبل الدخول فقد استمتع بالعقد فعليه نصف الصداق، فإن دخل فلها الصداق كله لاستمتاعه المتعة الكاملة.
وقوله: { { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ } } معناه أن تترك المرأة أو يترك لها كقوله: { { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ } } و { { إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } }

وهذا الحديث رواه البخاري في المغازي عن يحيى بن قزعة، بفتح القاف والزاي والمهملة.
ومسلم عن يحيى التميمي ومن طريق جويرية الثلاثة عن مالك به، وتابعه سفيان بن عيينة في الصحيحين وعبيد الله ويونس عند مسلم ثلاثتهم عن ابن شهاب نحوه، وقد رواه عن مالك شيخه يحيى بن سعيد الأنصاري.

( مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم) بن أمية السلمية يقال لها: أم شريك ويقال لها: خويلة أيضًا بالتصغير، صحابية مشهورة يقال: إنها التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وكانت قبل ذلك تحت عثمان بن مظعون.
( دخلت على عمر بن الخطاب فقالت: إن ربيعة بن أمية) بن خلف القرشي الجمحي أخا صفوان أسلم يوم الفتح وشهد حجة الوداع، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقف تحت صدر راحلته وقال: يا ربيعة قل: يا أيها الناس إن رسول الله يقول لكم أي بلد هذا؟ الحديث، فذكره لأجل هذا في الصحابة من لم يمعن النظر كالبغوي وأصحابه مع أنه جاء من طرق أن عمر غربه في الخمر إلى خيبر فلحق بهرقل فتنصر فقال عمر: لا أغرب بعده أحدًا أبدًا كما بسطه في الإصابة.
( استمتع بامرأة مولدة فحملت منه) بعد نهيك عن المتعة ( فخرج عمر بن الخطاب فزعًا) بالفاء والزاي ( يجر رداءه) من العجلة ( فقال: هذه المتعة) التي ثبت نهيه صلى الله عليه وسلم عنها ( ولو كنت تقدمت) أي سبقت غيري ( فيها لرجمت) أي لرجمته، أو المراد لرجمت فاعلها ربيعة أو غيره لأن حذف المفعول يؤذن بالعموم.
وهذه القصة وقعت لربيعة قبل تنصره كما في الإصابة.

قال ابن عبد البر: الخبر عن عمر من رواية مالك منقطع ورويناه متصلاً، ثم أسنده عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر: لو تقدمت فيها لرجمت، يعني المتعة، وهذا القول منه قبل نهيه عنها وهو تغليظ ليرتدع الناس وينزجروا عن سوء مذهبهم وقبيح تأويلاتهم.
واحتمال أنه لو تقدم بإقامة الحجة من الكتاب والسنة على تحريمها لرجمت كما يرجم الزاني، ضعيف لا يصح إلا على من وطئ حرامًا لم يتأول فيه سنة ولا قرآنًا اهـ.
واختلف كبار أصحاب مالك هل يحد حد البكر أو المحصن أو لا حد عليه لشبهة العقد وللخلاف المتقرر فيها، ولأنه ليس من تحريم القرآن ولكنه يعاقب عقوبة شديدة وهو المروي عن مالك، وأصل هذا عند بعض شيوخنا التفريق بين ما حرمته السنة وبين ما حرمه القرآن وأيضًا فإن الخلاف بين الأصوليين هل يصح الإجماع على أحد القولين بعد الخلاف أم لا ينعقد؟ وحكم الخلاف باق وهو مذهب الباقلاني، وهذا على عدم صحة رجوع ابن عباس عنها فأما على ما روي من رجوعه فقد انقطع الخلاف جملة وأجمعوا على أن من نكح نكاحًا مطلقًا ونيته أن لا يمكث معها إلا مدة نواها أنه جائز وليس بنكاح متعة، لكن قال مالك ليس هذا من الجميل ولا من أخلاق الناس وشذ الأوزاعي فقال: هو نكاح متعة ولا خير فيه، قاله عياض.