فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يُجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ

رقم الحديث 189 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ، فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ.


( مَالِكٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ) هكذا في الموطأ عند جميع الرواة عن العلاء وانفرد مطرف في غير الموطأ فرواه عن مالك عن ابن شهاب عن أبي السائب بلفظ الموطأ سواء وليس بمحفوظ.
قال الدارقطني: غريب لم يروه غير مطرف قاله أبو عمر.

( أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ) الأنصاري المدني.
قال الحافظ: يقال اسمه عبد الله بن السائب ثقة روى له مسلم والأربعة والبخاري في جزء القراءة ( مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ) ويقال مولى عبد الله بن هشام بن زهرة، ويقال مولى بني زهرة.
روى عن أبي هريرة وأبي سعيد والمغيرة بن شعبة وعنه الزهري وشريك وجماعة.

( يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ) الفاتحة لأنها أصله أو لتقدمها عليه كأنها تؤمه أو لاشتمالها على المعاني التي فيه من الثناء على الله والتعبد بالأمر والنهي والوعد والوعيد وذكر الذات والصفات والفعل والمبدأ والمعاد والمعاش بطريق الإجمال، وفيه رد على من كره تسميتها: أم القرآن ولعله وقف عند لفظ أم وإذا ثبت النص النبوي سقط ما دونه ( فَهِيَ خِدَاجٌ) بكسر الخاء المعجمة ودال مهملة فألف فجيم أي ذات خداج أي نقصان ( هِيَ خِدَاجٌ هِيَ خِدَاجٌ) ذكره ثلاثًا للتأكيد، يقال: خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج وإن كان تام الخلق، وأخدجته إذا ولدته ناقصًا وإن كان لتمام الولادة هذا قول الخليل والأصمعي وأبي حاتم وآخرين.
وقال جماعة من أهل اللغة خدجت وأخدجت إذا ولدت لغير تمام.
( غَيْرُ تَمَامٍ) تأكيد فهو حجة قوية على وجوب قراءتها في كل صلاة لكنه محمول عند مالك ومن وافقه على الإمام والفذ لقوله صلى الله عليه وسلم: وإذا قرأ فأنصتوا رواه مسلم.

قال ابن عبد البر: وزعم من لم يوجب قراءتها في الصلاة أن قوله خداج يدل على جوازها لأن الصلاة الناقصة جائزة وهذا تحكم فاسد لأن الناقص لم يتم ومن خرج من صلاته قبل أن يتمها فعليه إعادتها تامة كما أمر ومن ادعى أنها تجوز مع إقراره بنقصها فعليه الدليل.

( قَالَ) أبو السائب ( فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ فَغَمَزَ ذِرَاعِي) قال الباجي: هو على معنى التأنيس له وتنبيهه على فهم مراده والبعث له على جمع ذهنه وفهمه لجوابه ( ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ يَا فَارِسِيُّ) قال الباجي: أي بتحريك اللسان بالتكلم وإن لم يسمع نفسه رواه سحنون عن ابن القاسم في العتبية.
قال: ولو أسمع نفسه يسيرًا كان أحب إلي.
وقال عيسى وابن نافع ليس العمل على قوله اقرأ بها في نفسك ولعله أراد إجراءها على قلبه دون أن يقرأها بلسانه، ورد بأنه ليس بقراءة لجوازه للجنب وقيل معناه تدبرها إذا سمعت الإمام يقرؤها.

( فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ) أي الفاتحة سميت صلاة لأنها لا تصح إلا بها كقوله: الحج عرفة أو لأنها في معنى الدعاء قاله ابن عبد البر وجماعة من العلماء.
وقال المنذري: أي قراءتها بدليل تفسيره بها.
وقال غيره: الصلاة من أسماء الفاتحة فهي المعنية في الحديث والمراد قسمتها من جهة المعنى لأن نصفها الأول تحميد لله وتمجيد وثناء عليه وتفويض إليه والنصف الثاني سؤال وتضرع وافتقار ( بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي) قدم نفسه فقال: بيني لأنه الواجب الوجود لنفسه وإنما استفاد العبد الوجود منه ( بِنِصْفَيْنِ) كذا في نسخ صحيحة بالباء قبل النون وفي أخرى بحذفها وهي التي في مسلم عن قتيبة عن مالك والباء يحتمل أنها زائدة وأنها للملابسة أي متلبسًا قسمها بنصفين باعتبار المعنى لا اللفظ لأن نصف الدعاء يزيد على نصف الثناء فلا ضير في ذلك لأن كل شيء تحته نوعان فأحدهما نصف له وإن لم يتحد عددهما أو المراد قسمين والنصف قد يراد به أحد قسمي الشيء ( فَنِصْفُهَا لِي) خاصة وهو الثلاث آيات: { { الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } } ( وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي) وهو من { { اهْدِنَا } } إلى آخرها { { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } } بينه وبين عبده ( وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) أي سؤاله ومني الإعطاء.

( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَءُوا يَقُولُ الْعَبْدُ) ولمسلم من رواية ابن عيينة عن العلاء إسقاط هذه الجملة، وقال عقب قوله ما سأل فإذا قال العبد { { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين } } فيه حجة قوية على أن البسملة ليست من الفاتحة قال النووي وهو من أوضح ما احتجوا به لأنها سبع آيات بالإجماع فثلاث في أولها ثناء أولها الحمد لله وثلاث دعاء أولها اهدنا والسابعة متوسطة وهي إياك نعبد وإياك نستعين ولأنه لم يذكر البسملة فيما عدده ولو كانت منها لذكرها.

وأجيب: بأن التنصيف عائد على جملة الصلاة لا إلى الفاتحة هذا حقيقة اللفظ أو عائد إلى ما يختص بالفاتحة من الآيات الكاملة، والأول تعسف باطل سببه الحماية المذهبية لأنا أجمعنا على أن المراد بالصلاة الفاتحة أو قراءتها ولا يصح إرادة الحقيقة بوجه بعد قوله فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين، والثاني إن عوده إلى ما يختص بالفاتحة دليل لنا على أنها ليست منها إذ هي بدونها سبع آيات بإجماع كما قال وقالوا أيضًا أن معنى يقول العبد الحمد لله أي إذا انتهى إلى ذلك وهذا مجاز لا دليل عليه، وبعد ذلك لا دلالة فيه على أن البسملة منها.

( يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي) أثنى علي بجميل الفعال وبما أنا أهله ( وَيَقُولُ الْعَبْدُ { { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } } ) أي الموصوف بكمال الإنعام ( يَقُولُ اللَّهُ أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي) جعل جوابًا لهما لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية.
( يَقُولُ الْعَبْدُ { { مالِكٍ يَوْمِ الدِّينِ } } ) أي الجزاء وهو يوم القيامة وخص بالذكر لأنه لا ملك ظاهرًا فيه لأحد إلا لله تعالى.
لمن الملك اليوم؟ لله.
ومن قرأ مالك فمعناه مالك الأمر كله في يوم القيامة أي هو موصوف بذلك دائمًا كغافر الذنب فصح وقوعه صفة للمعرفة ( يَقُولُ اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي) أي عظمني زاد مسلم وقال مرة فوض إلي عبدي.
قال العلماء: إنما قال حمدني وأثنى علي ومجدني لأن الحمد الثناء بجميل الفعال والتمجيد الثناء بصفات الجلال، ويقال أثنى عليه فيهما ولهذا جاء جوابًا للرحمن الرحيم لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية ( يَقُولُ الْعَبْدُ: { { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } } ) أي نخصك بالعبادة من توحيد وغيره وقدم المعمول إفادة للاختصاص والحصر { { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } } نطلب المعونة على العبادة وغيرها.

( فَهَذِهِ الْآيَةُ) ولمسلم قال هذا ( بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي) قال الباجي: معناه أن بعضها تعظيم لله تعالى وبعضها استعانة للعبد على أمر دينه ودنياه اهـ.
فالذي لله منها إياك نعبد والذي للعبد وإياك نستعين ( وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) من العون.
قال بعض الصوفية: ومن هو العبد حتى يقول الله تعالى يقول العبد كذا فيقول الله كذا لولا العناية الإلهية والفضل الرباني لما وقع الاشتراك في المناجاة ( يَقُولُ الْعَبْدُ { { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } } ) أي أرشدنا إلى المنهاج الواضح الذي لا اعوجاج فيه ويبدل منه { { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } } بالهداية ويبدل من الذين بصلته { { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } } وهم اليهود { { وَلَا } } بمعنى غير { { الضَّالِّينَ } } وهم النصارى ونكتة البدل إفادة أن المهتدين ليسوا بيهود ولا نصارى.

( فَهَؤُلَاءِ) الآيات ولمسلم قال هذا ( لِعَبْدِي) أي هؤلاء الآيات مختصة به لأنها دعاؤه بالتوفيق إلى صراط من أنعم عليه والعصمة من صراط المغضوب عليهم والضالين.
قال عياض: هذا يدل أن من اهدنا إلى آخرها ثلاث آيات وأن صراط الذين أنعمت عليهم آية وهو عداد المدنيين والبصريين والشاميين، وبه تتم القسمة المتقدمة ولو كانت على عداد الكوفيين والمكيين أن صراط الذين أنعمت عليهم إلى آخرها آية واحدة وجعلوا السابعة البسملة لم تصح تلك القسمة لأن أربعة أولاً لله تعالى وواحدة مشتركة وثنتان للعبد ( وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) من الهداية وما بعدها.

قال بعض العارفين: وإذا حققت وجدت الآيات كلها لله تعالى فإنك إنما عبدته بإرادته ومشيئته ومعونته إذ العبد لا حول له ولا قوة ولا إرادة إلا بحول الله وإرادته.

وقال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد: قد بين بهذا الحديث أن القراءة غير المقروء فالقراءة هي التلاوة والتلاوة غير المتلو، فبين أن سؤال العبد غير ما يعطيه الله، وأن قول الغير كلام الرب والقراءة فعل العبد اهـ.

وهذا الحديث أخرجه مسلم عن قتيبة بن سعيد عن مالك به وتابعه ابن جريج عند مسلم، ورواه أيضًا من طريق سفيان بن عيينة عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة فذكره بتغيير بعض ألفاظ قد بينتها لك، وبه تعلم أن للعلاء فيه شيخين هما أبوه وأبو السائب، وبه صرح في رواية أبي أويس قال: أخبرني العلاء قال: سمعته من أبي ومن أبي السائب وكانا جليسين لأبي هريرة قالا: قال أبو هريرة: فذكره بمثل حديثهم رواه مسلم أيضًا.

( مالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ) ولا يقرأ فيما جهر فيه.

( مالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ) بن أبي بكر الصديق ( كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ) كفعل عروة وهما من الفقهاء.

( مالِكٍ عَنْ يَزِيدَ) بتحتية أوله ( بْنِ رُومَانَ) بضم الراء ( أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) التابعي ابن الصحابي ( كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ) ولا يقرأ فيما جهر ( قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) أي أن اجتهاده وافق اجتهاد هؤلاء الثلاثة التابعين فيما فعلوه وترجم بمفهوم ما ذكر فقال:



رقم الحديث 190 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ.


( مَالِكٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ) هكذا في الموطأ عند جميع الرواة عن العلاء وانفرد مطرف في غير الموطأ فرواه عن مالك عن ابن شهاب عن أبي السائب بلفظ الموطأ سواء وليس بمحفوظ.
قال الدارقطني: غريب لم يروه غير مطرف قاله أبو عمر.

( أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ) الأنصاري المدني.
قال الحافظ: يقال اسمه عبد الله بن السائب ثقة روى له مسلم والأربعة والبخاري في جزء القراءة ( مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ) ويقال مولى عبد الله بن هشام بن زهرة، ويقال مولى بني زهرة.
روى عن أبي هريرة وأبي سعيد والمغيرة بن شعبة وعنه الزهري وشريك وجماعة.

( يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ) الفاتحة لأنها أصله أو لتقدمها عليه كأنها تؤمه أو لاشتمالها على المعاني التي فيه من الثناء على الله والتعبد بالأمر والنهي والوعد والوعيد وذكر الذات والصفات والفعل والمبدأ والمعاد والمعاش بطريق الإجمال، وفيه رد على من كره تسميتها: أم القرآن ولعله وقف عند لفظ أم وإذا ثبت النص النبوي سقط ما دونه ( فَهِيَ خِدَاجٌ) بكسر الخاء المعجمة ودال مهملة فألف فجيم أي ذات خداج أي نقصان ( هِيَ خِدَاجٌ هِيَ خِدَاجٌ) ذكره ثلاثًا للتأكيد، يقال: خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج وإن كان تام الخلق، وأخدجته إذا ولدته ناقصًا وإن كان لتمام الولادة هذا قول الخليل والأصمعي وأبي حاتم وآخرين.
وقال جماعة من أهل اللغة خدجت وأخدجت إذا ولدت لغير تمام.
( غَيْرُ تَمَامٍ) تأكيد فهو حجة قوية على وجوب قراءتها في كل صلاة لكنه محمول عند مالك ومن وافقه على الإمام والفذ لقوله صلى الله عليه وسلم: وإذا قرأ فأنصتوا رواه مسلم.

قال ابن عبد البر: وزعم من لم يوجب قراءتها في الصلاة أن قوله خداج يدل على جوازها لأن الصلاة الناقصة جائزة وهذا تحكم فاسد لأن الناقص لم يتم ومن خرج من صلاته قبل أن يتمها فعليه إعادتها تامة كما أمر ومن ادعى أنها تجوز مع إقراره بنقصها فعليه الدليل.

( قَالَ) أبو السائب ( فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ فَغَمَزَ ذِرَاعِي) قال الباجي: هو على معنى التأنيس له وتنبيهه على فهم مراده والبعث له على جمع ذهنه وفهمه لجوابه ( ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ يَا فَارِسِيُّ) قال الباجي: أي بتحريك اللسان بالتكلم وإن لم يسمع نفسه رواه سحنون عن ابن القاسم في العتبية.
قال: ولو أسمع نفسه يسيرًا كان أحب إلي.
وقال عيسى وابن نافع ليس العمل على قوله اقرأ بها في نفسك ولعله أراد إجراءها على قلبه دون أن يقرأها بلسانه، ورد بأنه ليس بقراءة لجوازه للجنب وقيل معناه تدبرها إذا سمعت الإمام يقرؤها.

( فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ) أي الفاتحة سميت صلاة لأنها لا تصح إلا بها كقوله: الحج عرفة أو لأنها في معنى الدعاء قاله ابن عبد البر وجماعة من العلماء.
وقال المنذري: أي قراءتها بدليل تفسيره بها.
وقال غيره: الصلاة من أسماء الفاتحة فهي المعنية في الحديث والمراد قسمتها من جهة المعنى لأن نصفها الأول تحميد لله وتمجيد وثناء عليه وتفويض إليه والنصف الثاني سؤال وتضرع وافتقار ( بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي) قدم نفسه فقال: بيني لأنه الواجب الوجود لنفسه وإنما استفاد العبد الوجود منه ( بِنِصْفَيْنِ) كذا في نسخ صحيحة بالباء قبل النون وفي أخرى بحذفها وهي التي في مسلم عن قتيبة عن مالك والباء يحتمل أنها زائدة وأنها للملابسة أي متلبسًا قسمها بنصفين باعتبار المعنى لا اللفظ لأن نصف الدعاء يزيد على نصف الثناء فلا ضير في ذلك لأن كل شيء تحته نوعان فأحدهما نصف له وإن لم يتحد عددهما أو المراد قسمين والنصف قد يراد به أحد قسمي الشيء ( فَنِصْفُهَا لِي) خاصة وهو الثلاث آيات: { { الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } } ( وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي) وهو من { { اهْدِنَا } } إلى آخرها { { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } } بينه وبين عبده ( وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) أي سؤاله ومني الإعطاء.

( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَءُوا يَقُولُ الْعَبْدُ) ولمسلم من رواية ابن عيينة عن العلاء إسقاط هذه الجملة، وقال عقب قوله ما سأل فإذا قال العبد { { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين } } فيه حجة قوية على أن البسملة ليست من الفاتحة قال النووي وهو من أوضح ما احتجوا به لأنها سبع آيات بالإجماع فثلاث في أولها ثناء أولها الحمد لله وثلاث دعاء أولها اهدنا والسابعة متوسطة وهي إياك نعبد وإياك نستعين ولأنه لم يذكر البسملة فيما عدده ولو كانت منها لذكرها.

وأجيب: بأن التنصيف عائد على جملة الصلاة لا إلى الفاتحة هذا حقيقة اللفظ أو عائد إلى ما يختص بالفاتحة من الآيات الكاملة، والأول تعسف باطل سببه الحماية المذهبية لأنا أجمعنا على أن المراد بالصلاة الفاتحة أو قراءتها ولا يصح إرادة الحقيقة بوجه بعد قوله فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين، والثاني إن عوده إلى ما يختص بالفاتحة دليل لنا على أنها ليست منها إذ هي بدونها سبع آيات بإجماع كما قال وقالوا أيضًا أن معنى يقول العبد الحمد لله أي إذا انتهى إلى ذلك وهذا مجاز لا دليل عليه، وبعد ذلك لا دلالة فيه على أن البسملة منها.

( يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي) أثنى علي بجميل الفعال وبما أنا أهله ( وَيَقُولُ الْعَبْدُ { { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } } ) أي الموصوف بكمال الإنعام ( يَقُولُ اللَّهُ أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي) جعل جوابًا لهما لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية.
( يَقُولُ الْعَبْدُ { { مالِكٍ يَوْمِ الدِّينِ } } ) أي الجزاء وهو يوم القيامة وخص بالذكر لأنه لا ملك ظاهرًا فيه لأحد إلا لله تعالى.
لمن الملك اليوم؟ لله.
ومن قرأ مالك فمعناه مالك الأمر كله في يوم القيامة أي هو موصوف بذلك دائمًا كغافر الذنب فصح وقوعه صفة للمعرفة ( يَقُولُ اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي) أي عظمني زاد مسلم وقال مرة فوض إلي عبدي.
قال العلماء: إنما قال حمدني وأثنى علي ومجدني لأن الحمد الثناء بجميل الفعال والتمجيد الثناء بصفات الجلال، ويقال أثنى عليه فيهما ولهذا جاء جوابًا للرحمن الرحيم لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية ( يَقُولُ الْعَبْدُ: { { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } } ) أي نخصك بالعبادة من توحيد وغيره وقدم المعمول إفادة للاختصاص والحصر { { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } } نطلب المعونة على العبادة وغيرها.

( فَهَذِهِ الْآيَةُ) ولمسلم قال هذا ( بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي) قال الباجي: معناه أن بعضها تعظيم لله تعالى وبعضها استعانة للعبد على أمر دينه ودنياه اهـ.
فالذي لله منها إياك نعبد والذي للعبد وإياك نستعين ( وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) من العون.
قال بعض الصوفية: ومن هو العبد حتى يقول الله تعالى يقول العبد كذا فيقول الله كذا لولا العناية الإلهية والفضل الرباني لما وقع الاشتراك في المناجاة ( يَقُولُ الْعَبْدُ { { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } } ) أي أرشدنا إلى المنهاج الواضح الذي لا اعوجاج فيه ويبدل منه { { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } } بالهداية ويبدل من الذين بصلته { { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } } وهم اليهود { { وَلَا } } بمعنى غير { { الضَّالِّينَ } } وهم النصارى ونكتة البدل إفادة أن المهتدين ليسوا بيهود ولا نصارى.

( فَهَؤُلَاءِ) الآيات ولمسلم قال هذا ( لِعَبْدِي) أي هؤلاء الآيات مختصة به لأنها دعاؤه بالتوفيق إلى صراط من أنعم عليه والعصمة من صراط المغضوب عليهم والضالين.
قال عياض: هذا يدل أن من اهدنا إلى آخرها ثلاث آيات وأن صراط الذين أنعمت عليهم آية وهو عداد المدنيين والبصريين والشاميين، وبه تتم القسمة المتقدمة ولو كانت على عداد الكوفيين والمكيين أن صراط الذين أنعمت عليهم إلى آخرها آية واحدة وجعلوا السابعة البسملة لم تصح تلك القسمة لأن أربعة أولاً لله تعالى وواحدة مشتركة وثنتان للعبد ( وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) من الهداية وما بعدها.

قال بعض العارفين: وإذا حققت وجدت الآيات كلها لله تعالى فإنك إنما عبدته بإرادته ومشيئته ومعونته إذ العبد لا حول له ولا قوة ولا إرادة إلا بحول الله وإرادته.

وقال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد: قد بين بهذا الحديث أن القراءة غير المقروء فالقراءة هي التلاوة والتلاوة غير المتلو، فبين أن سؤال العبد غير ما يعطيه الله، وأن قول الغير كلام الرب والقراءة فعل العبد اهـ.

وهذا الحديث أخرجه مسلم عن قتيبة بن سعيد عن مالك به وتابعه ابن جريج عند مسلم، ورواه أيضًا من طريق سفيان بن عيينة عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة فذكره بتغيير بعض ألفاظ قد بينتها لك، وبه تعلم أن للعلاء فيه شيخين هما أبوه وأبو السائب، وبه صرح في رواية أبي أويس قال: أخبرني العلاء قال: سمعته من أبي ومن أبي السائب وكانا جليسين لأبي هريرة قالا: قال أبو هريرة: فذكره بمثل حديثهم رواه مسلم أيضًا.

( مالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ) ولا يقرأ فيما جهر فيه.

( مالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ) بن أبي بكر الصديق ( كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ) كفعل عروة وهما من الفقهاء.

( مالِكٍ عَنْ يَزِيدَ) بتحتية أوله ( بْنِ رُومَانَ) بضم الراء ( أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) التابعي ابن الصحابي ( كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ) ولا يقرأ فيما جهر ( قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) أي أن اجتهاده وافق اجتهاد هؤلاء الثلاثة التابعين فيما فعلوه وترجم بمفهوم ما ذكر فقال:



رقم الحديث 191 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ.


( مَالِكٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ) هكذا في الموطأ عند جميع الرواة عن العلاء وانفرد مطرف في غير الموطأ فرواه عن مالك عن ابن شهاب عن أبي السائب بلفظ الموطأ سواء وليس بمحفوظ.
قال الدارقطني: غريب لم يروه غير مطرف قاله أبو عمر.

( أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ) الأنصاري المدني.
قال الحافظ: يقال اسمه عبد الله بن السائب ثقة روى له مسلم والأربعة والبخاري في جزء القراءة ( مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ) ويقال مولى عبد الله بن هشام بن زهرة، ويقال مولى بني زهرة.
روى عن أبي هريرة وأبي سعيد والمغيرة بن شعبة وعنه الزهري وشريك وجماعة.

( يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ) الفاتحة لأنها أصله أو لتقدمها عليه كأنها تؤمه أو لاشتمالها على المعاني التي فيه من الثناء على الله والتعبد بالأمر والنهي والوعد والوعيد وذكر الذات والصفات والفعل والمبدأ والمعاد والمعاش بطريق الإجمال، وفيه رد على من كره تسميتها: أم القرآن ولعله وقف عند لفظ أم وإذا ثبت النص النبوي سقط ما دونه ( فَهِيَ خِدَاجٌ) بكسر الخاء المعجمة ودال مهملة فألف فجيم أي ذات خداج أي نقصان ( هِيَ خِدَاجٌ هِيَ خِدَاجٌ) ذكره ثلاثًا للتأكيد، يقال: خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج وإن كان تام الخلق، وأخدجته إذا ولدته ناقصًا وإن كان لتمام الولادة هذا قول الخليل والأصمعي وأبي حاتم وآخرين.
وقال جماعة من أهل اللغة خدجت وأخدجت إذا ولدت لغير تمام.
( غَيْرُ تَمَامٍ) تأكيد فهو حجة قوية على وجوب قراءتها في كل صلاة لكنه محمول عند مالك ومن وافقه على الإمام والفذ لقوله صلى الله عليه وسلم: وإذا قرأ فأنصتوا رواه مسلم.

قال ابن عبد البر: وزعم من لم يوجب قراءتها في الصلاة أن قوله خداج يدل على جوازها لأن الصلاة الناقصة جائزة وهذا تحكم فاسد لأن الناقص لم يتم ومن خرج من صلاته قبل أن يتمها فعليه إعادتها تامة كما أمر ومن ادعى أنها تجوز مع إقراره بنقصها فعليه الدليل.

( قَالَ) أبو السائب ( فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ فَغَمَزَ ذِرَاعِي) قال الباجي: هو على معنى التأنيس له وتنبيهه على فهم مراده والبعث له على جمع ذهنه وفهمه لجوابه ( ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ يَا فَارِسِيُّ) قال الباجي: أي بتحريك اللسان بالتكلم وإن لم يسمع نفسه رواه سحنون عن ابن القاسم في العتبية.
قال: ولو أسمع نفسه يسيرًا كان أحب إلي.
وقال عيسى وابن نافع ليس العمل على قوله اقرأ بها في نفسك ولعله أراد إجراءها على قلبه دون أن يقرأها بلسانه، ورد بأنه ليس بقراءة لجوازه للجنب وقيل معناه تدبرها إذا سمعت الإمام يقرؤها.

( فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ) أي الفاتحة سميت صلاة لأنها لا تصح إلا بها كقوله: الحج عرفة أو لأنها في معنى الدعاء قاله ابن عبد البر وجماعة من العلماء.
وقال المنذري: أي قراءتها بدليل تفسيره بها.
وقال غيره: الصلاة من أسماء الفاتحة فهي المعنية في الحديث والمراد قسمتها من جهة المعنى لأن نصفها الأول تحميد لله وتمجيد وثناء عليه وتفويض إليه والنصف الثاني سؤال وتضرع وافتقار ( بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي) قدم نفسه فقال: بيني لأنه الواجب الوجود لنفسه وإنما استفاد العبد الوجود منه ( بِنِصْفَيْنِ) كذا في نسخ صحيحة بالباء قبل النون وفي أخرى بحذفها وهي التي في مسلم عن قتيبة عن مالك والباء يحتمل أنها زائدة وأنها للملابسة أي متلبسًا قسمها بنصفين باعتبار المعنى لا اللفظ لأن نصف الدعاء يزيد على نصف الثناء فلا ضير في ذلك لأن كل شيء تحته نوعان فأحدهما نصف له وإن لم يتحد عددهما أو المراد قسمين والنصف قد يراد به أحد قسمي الشيء ( فَنِصْفُهَا لِي) خاصة وهو الثلاث آيات: { { الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } } ( وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي) وهو من { { اهْدِنَا } } إلى آخرها { { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } } بينه وبين عبده ( وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) أي سؤاله ومني الإعطاء.

( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَءُوا يَقُولُ الْعَبْدُ) ولمسلم من رواية ابن عيينة عن العلاء إسقاط هذه الجملة، وقال عقب قوله ما سأل فإذا قال العبد { { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين } } فيه حجة قوية على أن البسملة ليست من الفاتحة قال النووي وهو من أوضح ما احتجوا به لأنها سبع آيات بالإجماع فثلاث في أولها ثناء أولها الحمد لله وثلاث دعاء أولها اهدنا والسابعة متوسطة وهي إياك نعبد وإياك نستعين ولأنه لم يذكر البسملة فيما عدده ولو كانت منها لذكرها.

وأجيب: بأن التنصيف عائد على جملة الصلاة لا إلى الفاتحة هذا حقيقة اللفظ أو عائد إلى ما يختص بالفاتحة من الآيات الكاملة، والأول تعسف باطل سببه الحماية المذهبية لأنا أجمعنا على أن المراد بالصلاة الفاتحة أو قراءتها ولا يصح إرادة الحقيقة بوجه بعد قوله فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين، والثاني إن عوده إلى ما يختص بالفاتحة دليل لنا على أنها ليست منها إذ هي بدونها سبع آيات بإجماع كما قال وقالوا أيضًا أن معنى يقول العبد الحمد لله أي إذا انتهى إلى ذلك وهذا مجاز لا دليل عليه، وبعد ذلك لا دلالة فيه على أن البسملة منها.

( يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي) أثنى علي بجميل الفعال وبما أنا أهله ( وَيَقُولُ الْعَبْدُ { { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } } ) أي الموصوف بكمال الإنعام ( يَقُولُ اللَّهُ أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي) جعل جوابًا لهما لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية.
( يَقُولُ الْعَبْدُ { { مالِكٍ يَوْمِ الدِّينِ } } ) أي الجزاء وهو يوم القيامة وخص بالذكر لأنه لا ملك ظاهرًا فيه لأحد إلا لله تعالى.
لمن الملك اليوم؟ لله.
ومن قرأ مالك فمعناه مالك الأمر كله في يوم القيامة أي هو موصوف بذلك دائمًا كغافر الذنب فصح وقوعه صفة للمعرفة ( يَقُولُ اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي) أي عظمني زاد مسلم وقال مرة فوض إلي عبدي.
قال العلماء: إنما قال حمدني وأثنى علي ومجدني لأن الحمد الثناء بجميل الفعال والتمجيد الثناء بصفات الجلال، ويقال أثنى عليه فيهما ولهذا جاء جوابًا للرحمن الرحيم لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية ( يَقُولُ الْعَبْدُ: { { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } } ) أي نخصك بالعبادة من توحيد وغيره وقدم المعمول إفادة للاختصاص والحصر { { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } } نطلب المعونة على العبادة وغيرها.

( فَهَذِهِ الْآيَةُ) ولمسلم قال هذا ( بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي) قال الباجي: معناه أن بعضها تعظيم لله تعالى وبعضها استعانة للعبد على أمر دينه ودنياه اهـ.
فالذي لله منها إياك نعبد والذي للعبد وإياك نستعين ( وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) من العون.
قال بعض الصوفية: ومن هو العبد حتى يقول الله تعالى يقول العبد كذا فيقول الله كذا لولا العناية الإلهية والفضل الرباني لما وقع الاشتراك في المناجاة ( يَقُولُ الْعَبْدُ { { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } } ) أي أرشدنا إلى المنهاج الواضح الذي لا اعوجاج فيه ويبدل منه { { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } } بالهداية ويبدل من الذين بصلته { { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } } وهم اليهود { { وَلَا } } بمعنى غير { { الضَّالِّينَ } } وهم النصارى ونكتة البدل إفادة أن المهتدين ليسوا بيهود ولا نصارى.

( فَهَؤُلَاءِ) الآيات ولمسلم قال هذا ( لِعَبْدِي) أي هؤلاء الآيات مختصة به لأنها دعاؤه بالتوفيق إلى صراط من أنعم عليه والعصمة من صراط المغضوب عليهم والضالين.
قال عياض: هذا يدل أن من اهدنا إلى آخرها ثلاث آيات وأن صراط الذين أنعمت عليهم آية وهو عداد المدنيين والبصريين والشاميين، وبه تتم القسمة المتقدمة ولو كانت على عداد الكوفيين والمكيين أن صراط الذين أنعمت عليهم إلى آخرها آية واحدة وجعلوا السابعة البسملة لم تصح تلك القسمة لأن أربعة أولاً لله تعالى وواحدة مشتركة وثنتان للعبد ( وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) من الهداية وما بعدها.

قال بعض العارفين: وإذا حققت وجدت الآيات كلها لله تعالى فإنك إنما عبدته بإرادته ومشيئته ومعونته إذ العبد لا حول له ولا قوة ولا إرادة إلا بحول الله وإرادته.

وقال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد: قد بين بهذا الحديث أن القراءة غير المقروء فالقراءة هي التلاوة والتلاوة غير المتلو، فبين أن سؤال العبد غير ما يعطيه الله، وأن قول الغير كلام الرب والقراءة فعل العبد اهـ.

وهذا الحديث أخرجه مسلم عن قتيبة بن سعيد عن مالك به وتابعه ابن جريج عند مسلم، ورواه أيضًا من طريق سفيان بن عيينة عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة فذكره بتغيير بعض ألفاظ قد بينتها لك، وبه تعلم أن للعلاء فيه شيخين هما أبوه وأبو السائب، وبه صرح في رواية أبي أويس قال: أخبرني العلاء قال: سمعته من أبي ومن أبي السائب وكانا جليسين لأبي هريرة قالا: قال أبو هريرة: فذكره بمثل حديثهم رواه مسلم أيضًا.

( مالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ) ولا يقرأ فيما جهر فيه.

( مالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ) بن أبي بكر الصديق ( كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ) كفعل عروة وهما من الفقهاء.

( مالِكٍ عَنْ يَزِيدَ) بتحتية أوله ( بْنِ رُومَانَ) بضم الراء ( أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) التابعي ابن الصحابي ( كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ) ولا يقرأ فيما جهر ( قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) أي أن اجتهاده وافق اجتهاد هؤلاء الثلاثة التابعين فيما فعلوه وترجم بمفهوم ما ذكر فقال: