فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي قَطْعِ الْآبِقِ وَالسَّارِقِ

رقم الحديث 1538 قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَبْتَاعُ السِّلْعَةَ مِنَ الْحَيَوَانِ أَوِ الثِّيَابِ أَوِ الْعُرُوضِ: فَيُوجَدُ ذَلِكَ الْبَيْعُ غَيْرَ جَائِزٍ فَيُرَدُّ وَيُؤْمَرُ الَّذِي قَبَضَ السِّلْعَةَ أَنْ يَرُدَّ إِلَى صَاحِبِهِ سِلْعَتَهُ.
قَالَ مَالِكٌ: فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ إِلَّا قِيمَتُهَا يَوْمَ قُبِضَتْ مِنْهُ وَلَيْسَ يَوْمَ يَرُدُّ ذَلِكَ إِلَيْهِ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ ضَمِنَهَا مِنْ يَوْمَ قَبَضَهَا.
فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ نُقْصَانٍ بَعْدَ ذَلِكَ.
كَانَ عَلَيْهِ.
فَبِذَلِكَ كَانَ نِمَاؤُهَا وَزِيَادَتُهَا لَهُ.
وَإِنَّ الرَّجُلَ يَقْبِضُ السِّلْعَةَ فِي زَمَانٍ هِيَ فِيهِ نَافِقَةٌ مَرْغُوبٌ فِيهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا فِي زَمَانٍ هِيَ فِيهِ سَاقِطَةٌ لَا يُرِيدُهَا أَحَدٌ فَيَقْبِضُ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ مِنَ الرَّجُلِ فَيَبِيعُهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ.
وَيُمْسِكُهَا وَثَمَنُهَا ذَلِكَ.
ثُمَّ يَرُدُّهَا وَإِنَّمَا ثَمَنُهَا دِينَارٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ مَالِ الرَّجُلِ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ أَوْ يَقْبِضُهَا مِنْهُ الرَّجُلُ فَيَبِيعُهَا بِدِينَارٍ.
أَوْ يُمْسِكُهَا.
وَإِنَّمَا ثَمَنُهَا دِينَارٌ.
ثُمَّ يَرُدُّهَا وَقِيمَتُهَا يَوْمَ يَرُدُّهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ.
فَلَيْسَ عَلَى الَّذِي قَبَضَهَا أَنْ يَغْرَمَ لِصَاحِبِهَا مِنْ مَالِهِ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ.
إِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا قَبَضَ يَوْمَ قَبْضِهِ.
قَالَ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ السَّارِقَ إِذَا سَرَقَ السِّلْعَةَ فَإِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى ثَمَنِهَا يَوْمَ يَسْرِقُهَا.
فَإِنْ كَانَ يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنِ اسْتَأْخَرَ قَطْعُهُ إِمَّا فِي سِجْنٍ يُحْبَسُ فِيهِ حَتَّى يُنْظَرَ فِي شَأْنِهِ وَإِمَّا أَنْ يَهْرُبَ السَّارِقُ ثُمَّ يُؤْخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ اسْتِئْخَارُ قَطْعِهِ بِالَّذِي يَضَعُ عَنْهُ حَدًّا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ سَرَقَ وَإِنْ رَخُصَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَلَا بِالَّذِي يُوجِبُ عَلَيْهِ قَطْعًا لَمْ يَكُنْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ أَخَذَهَا إِنْ غَلَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ.



العيب في السلعة وضمانها

( مالك في الرجل يبتاع السلعة من الحيوان أو الثياب والعروض فيوجد ذلك البيع غير جائز فيرد ويؤمر الذي قبض السلعة أن يرد إلى صاحبه سلعته قال مالك فإن دخلها زيادة أو نقصان) لتغير سوقها ونحوه ( فليس لصاحب السلعة إلا قيمتها يوم قبضت منه وليس يوم يرد ذلك إليه) لأنه قد يخالف يوم القبض ( وذلك أنه ضمنها من يوم قبضها) لأن ضمان البيع الفاسد بالقبض ( فما كان فيها من نقصان بعد ذلك كان عليه فبذلك) أي بسببه ( كان نماؤها وزيادتها) عطف تفسير ( له وأن الرجل يقبض السلعة في زمان هي فيه نافقة) بالقاف رائجة ( مرغوب فيها ثم يردها في زمان هي فيه ساقطة) بائرة كاسدة ( لا يريدها أحد فيقبض الرجل السلعة من الرجل فيبيعها بعشرة دنانير ويمسكها وثمنها ذلك) أي العشرة ( ثم يردها وإنما ثمنها دينار) لكسادها ( فليس له أن يذهب من مال الرجل بتسعة دنانير أو يقبضها منه الرجل فيبيعها بدينار أو يمسكها وإنما ثمنها دينار ثم يردها وقيمتها يوم يردها عشرة دنانير فليس على الذي قبضها أن يغرم لصاحبها من ماله تسعة دنانير إنما عليه قيمة ما قبض يوم قبضه) وذلك هو العدل ( ومما يبين ذلك أن السارق إذا سرق السلعة فإنما ينظر إلى ثمنها يوم يسرقها فإن كان يجب فيه القطع) بأن بلغ النصاب ( كان ذلك عليه وإن استأخر قطعه إما في) أي بسبب ( سجن يحبس فيه حتى ينظر في شأنه) أيلزمه القطع أم لا ( وإما أن يهرب) بضم الراء ( السارق ثم يؤخذ بعد ذلك فليس استئخار) أي تأخير ( قطعه) لواحد من الأمرين ( بالذي يضع) يسقط ( عنه حد قد وجب عليه يوم سرق وإن رخصت تلك السلعة بعد ذلك) مبالغة ( ولا بالذي يوجب عليه قطعا لم يكن وجب عليه يوم أخذها) لنقص ثمنها عن النصاب ( إن غلت تلك السلعة بعد ذلك) فالعبرة بيوم السرقة.



رقم الحديث 1538 حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، سَرَقَ وَهُوَ آبِقٌ فَأَرْسَلَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ لِيَقْطَعَ يَدَهُ فَأَبَى سَعِيدٌ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ.
.

     وَقَالَ : لَا تُقْطَعُ يَدُ الْآبِقِ السَّارِقِ إِذَا سَرَقَ.
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فِي أَيِّ كِتَابِ اللَّهِ وَجَدْتَ هَذَا ثُمَّ أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ.


( ما جاء في قطع الآبق والسارق)

( مالك عن نافع أن عبدًا) لم يسم ( لعبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( سرق وهو آبق فأرسل به عبد الله بن عمر إلى سعيد بن العاصي) بن سعيد بن العاصي بن أمية القرشي الأموي له صحبة وكان سنه يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين وقتل أبوه يوم بدر كافرًا وكان سعيد فصيحًا مشهورًا بالكرم فلما مات في قصره بالعقيق سنة ثلاث وخمسين كان عليه ثمانون ألف دينار فوفاها عنه ولده عمرو الأشدق ( وهو أمير المدينة) من جهة معاوية وكان عاتبه على تخلفه عنه في حروبه فاعتذر ثم ولاه المدينة فكان يعاقب بينه وبين مروان في ولايتهما ( ليقطع يده فأبى سعيد أن يقطع يده وقال لا تقطع يد الآبق إذا سرق فقال له عبد الله بن عمر) منكرًا عليه ( في أي) آية من ( كتاب الله وجدت هذا) الذي تقوله ( ثم أمر به عبد الله بن عمر فقطعت يده) لقوة الدليل على ذلك ( مالك عن رزيق) بالتصغير وتقديم الراء على الزاي وعكسه ( ابن حكيم) مصغر وقيل مكبر ( أنه أخبره أنه أخذ عبدًا آبقًا قد سرق قال فأشكل علي أمره قال فكتبت فيه إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن ذلك وهو الوالي يومئذ) على الناس ( و) كتبت إليه ( أخبره أني كنت أسمع أن العبد الآبق إذا سرق وهو آبق لم تقطع يده) وكأن شبهة قائل ذلك أن الآبق يجوع غالبًا ولا قطع على سارق زمن المجاعة ( قال فكتب إلي عمر بن عبد العزيز نقيض كتابي) أي إبطاله يقال تناقض الكلامان تدافعا كان كل واحد نقض الآخر وفي كلامه تناقض إذا كان بعضه يقتضي إبطال بعض ( يقول كتبت إلي أنك كنت تسمع أن العبد الآبق إذا سرق لم تقطع يده) فكيف تعتمد على سماع مخالف للنص وأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه { { والسارق والسارقة } } ارتفعا بالابتداء والخبر محذوف أي فيما يتلى عليكم السارق والسارقة أو الخبر { { فاقطعوا أيديهما } } أي يديهما وفي قراءة عبد الله والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما رواه الترمذي ودخلت الفاء في الخبر لتضمنهما معنى الشرط إذ المعنى والذي سرق والتي سرقت فاقطعوا أيديهما والاسم الموصول مضمن معنى الشرط وبدأ بالرجل لأن السرقة من الجراءة وهي في الرجال أكثر وقدمت الزانية على الزاني لأن داعية الزنا في الإناث أكثر ولأن الأنثى سبب في وقوع الزنا لأنه لا يتأتى غالبًا إلا بطوعها وأتى بصيغة الجمع ثم التثنية إشارة إلى أن المراد جنس السارق فلوحظ فيه المعنى فجمع والتثنية بالنظر إلى الجنسين المتلفظ بهما { { جزاء } } نصب على المصدر { { بما كسبا نكالاً } } عقوبة لهما { { من الله والله عزيز } } غالب على أمره { { حكيم } } في خلقه ( فإن بلغت سرقته) أي الآبق ( ربع دينار فصاعدًا) نصب على الحال المؤكدة ( فاقطع يده) قال القرطبي المفسر أول من حكم بقطع السارق في الجاهلية الوليد بن المغيرة وأمر الله تعالى بقطعه في الإسلام فكان أول سارق قطعه صلى الله عليه وسلم من الرجال الجبار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ومن النساء فاطمة المخزومية ( مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد) بن الصديق ( وسالم بن عبد الله) بن عمر ( وعروة بن الزبير) والثلاثة من فقهاء المدينة ( كانوا يقولون إذا سرق العبد الآبق ما يجب فيه القطع قطع قال مالك وذلك) أي قطع الآبق ( الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن العبد الآبق إذا سرق ما يجب فيه القطع) بسرقة ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو مقوم بها ( قطع) .



رقم الحديث 1539 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رُزَيْقِ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ أَخَذَ عَبْدًا آبِقًا.
قَدْ سَرَقَ قَالَ: فَأَشْكَلَ عَلَيَّ أَمْرُهُ.
قَالَ: فَكَتَبْتُ فِيهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْوَالِي يَوْمَئِذٍ.
قَالَ: فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّنِي كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ إِذَا سَرَقَ وَهُوَ آبِقٌ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ.
قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَقِيضَ كِتَابِي يَقُولُ: كَتَبْتَ إِلَيَّ أَنَّكَ كُنْتَ تَسْمَعُ أَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ إِذَا سَرَقَ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ.
وَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ { { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } } فَإِنْ بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا فَاقْطَعْ يَدَهُ.


( ما جاء في قطع الآبق والسارق)

( مالك عن نافع أن عبدًا) لم يسم ( لعبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( سرق وهو آبق فأرسل به عبد الله بن عمر إلى سعيد بن العاصي) بن سعيد بن العاصي بن أمية القرشي الأموي له صحبة وكان سنه يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين وقتل أبوه يوم بدر كافرًا وكان سعيد فصيحًا مشهورًا بالكرم فلما مات في قصره بالعقيق سنة ثلاث وخمسين كان عليه ثمانون ألف دينار فوفاها عنه ولده عمرو الأشدق ( وهو أمير المدينة) من جهة معاوية وكان عاتبه على تخلفه عنه في حروبه فاعتذر ثم ولاه المدينة فكان يعاقب بينه وبين مروان في ولايتهما ( ليقطع يده فأبى سعيد أن يقطع يده وقال لا تقطع يد الآبق إذا سرق فقال له عبد الله بن عمر) منكرًا عليه ( في أي) آية من ( كتاب الله وجدت هذا) الذي تقوله ( ثم أمر به عبد الله بن عمر فقطعت يده) لقوة الدليل على ذلك ( مالك عن رزيق) بالتصغير وتقديم الراء على الزاي وعكسه ( ابن حكيم) مصغر وقيل مكبر ( أنه أخبره أنه أخذ عبدًا آبقًا قد سرق قال فأشكل علي أمره قال فكتبت فيه إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن ذلك وهو الوالي يومئذ) على الناس ( و) كتبت إليه ( أخبره أني كنت أسمع أن العبد الآبق إذا سرق وهو آبق لم تقطع يده) وكأن شبهة قائل ذلك أن الآبق يجوع غالبًا ولا قطع على سارق زمن المجاعة ( قال فكتب إلي عمر بن عبد العزيز نقيض كتابي) أي إبطاله يقال تناقض الكلامان تدافعا كان كل واحد نقض الآخر وفي كلامه تناقض إذا كان بعضه يقتضي إبطال بعض ( يقول كتبت إلي أنك كنت تسمع أن العبد الآبق إذا سرق لم تقطع يده) فكيف تعتمد على سماع مخالف للنص وأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه { { والسارق والسارقة } } ارتفعا بالابتداء والخبر محذوف أي فيما يتلى عليكم السارق والسارقة أو الخبر { { فاقطعوا أيديهما } } أي يديهما وفي قراءة عبد الله والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما رواه الترمذي ودخلت الفاء في الخبر لتضمنهما معنى الشرط إذ المعنى والذي سرق والتي سرقت فاقطعوا أيديهما والاسم الموصول مضمن معنى الشرط وبدأ بالرجل لأن السرقة من الجراءة وهي في الرجال أكثر وقدمت الزانية على الزاني لأن داعية الزنا في الإناث أكثر ولأن الأنثى سبب في وقوع الزنا لأنه لا يتأتى غالبًا إلا بطوعها وأتى بصيغة الجمع ثم التثنية إشارة إلى أن المراد جنس السارق فلوحظ فيه المعنى فجمع والتثنية بالنظر إلى الجنسين المتلفظ بهما { { جزاء } } نصب على المصدر { { بما كسبا نكالاً } } عقوبة لهما { { من الله والله عزيز } } غالب على أمره { { حكيم } } في خلقه ( فإن بلغت سرقته) أي الآبق ( ربع دينار فصاعدًا) نصب على الحال المؤكدة ( فاقطع يده) قال القرطبي المفسر أول من حكم بقطع السارق في الجاهلية الوليد بن المغيرة وأمر الله تعالى بقطعه في الإسلام فكان أول سارق قطعه صلى الله عليه وسلم من الرجال الجبار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ومن النساء فاطمة المخزومية ( مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد) بن الصديق ( وسالم بن عبد الله) بن عمر ( وعروة بن الزبير) والثلاثة من فقهاء المدينة ( كانوا يقولون إذا سرق العبد الآبق ما يجب فيه القطع قطع قال مالك وذلك) أي قطع الآبق ( الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن العبد الآبق إذا سرق ما يجب فيه القطع) بسرقة ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو مقوم بها ( قطع) .



رقم الحديث 1540 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا سَرَقَ الْعَبْدُ الْآبِقُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ قُطِعَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ إِذَا سَرَقَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ قُطِعَ.


( ما جاء في قطع الآبق والسارق)

( مالك عن نافع أن عبدًا) لم يسم ( لعبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( سرق وهو آبق فأرسل به عبد الله بن عمر إلى سعيد بن العاصي) بن سعيد بن العاصي بن أمية القرشي الأموي له صحبة وكان سنه يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين وقتل أبوه يوم بدر كافرًا وكان سعيد فصيحًا مشهورًا بالكرم فلما مات في قصره بالعقيق سنة ثلاث وخمسين كان عليه ثمانون ألف دينار فوفاها عنه ولده عمرو الأشدق ( وهو أمير المدينة) من جهة معاوية وكان عاتبه على تخلفه عنه في حروبه فاعتذر ثم ولاه المدينة فكان يعاقب بينه وبين مروان في ولايتهما ( ليقطع يده فأبى سعيد أن يقطع يده وقال لا تقطع يد الآبق إذا سرق فقال له عبد الله بن عمر) منكرًا عليه ( في أي) آية من ( كتاب الله وجدت هذا) الذي تقوله ( ثم أمر به عبد الله بن عمر فقطعت يده) لقوة الدليل على ذلك ( مالك عن رزيق) بالتصغير وتقديم الراء على الزاي وعكسه ( ابن حكيم) مصغر وقيل مكبر ( أنه أخبره أنه أخذ عبدًا آبقًا قد سرق قال فأشكل علي أمره قال فكتبت فيه إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن ذلك وهو الوالي يومئذ) على الناس ( و) كتبت إليه ( أخبره أني كنت أسمع أن العبد الآبق إذا سرق وهو آبق لم تقطع يده) وكأن شبهة قائل ذلك أن الآبق يجوع غالبًا ولا قطع على سارق زمن المجاعة ( قال فكتب إلي عمر بن عبد العزيز نقيض كتابي) أي إبطاله يقال تناقض الكلامان تدافعا كان كل واحد نقض الآخر وفي كلامه تناقض إذا كان بعضه يقتضي إبطال بعض ( يقول كتبت إلي أنك كنت تسمع أن العبد الآبق إذا سرق لم تقطع يده) فكيف تعتمد على سماع مخالف للنص وأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه { { والسارق والسارقة } } ارتفعا بالابتداء والخبر محذوف أي فيما يتلى عليكم السارق والسارقة أو الخبر { { فاقطعوا أيديهما } } أي يديهما وفي قراءة عبد الله والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما رواه الترمذي ودخلت الفاء في الخبر لتضمنهما معنى الشرط إذ المعنى والذي سرق والتي سرقت فاقطعوا أيديهما والاسم الموصول مضمن معنى الشرط وبدأ بالرجل لأن السرقة من الجراءة وهي في الرجال أكثر وقدمت الزانية على الزاني لأن داعية الزنا في الإناث أكثر ولأن الأنثى سبب في وقوع الزنا لأنه لا يتأتى غالبًا إلا بطوعها وأتى بصيغة الجمع ثم التثنية إشارة إلى أن المراد جنس السارق فلوحظ فيه المعنى فجمع والتثنية بالنظر إلى الجنسين المتلفظ بهما { { جزاء } } نصب على المصدر { { بما كسبا نكالاً } } عقوبة لهما { { من الله والله عزيز } } غالب على أمره { { حكيم } } في خلقه ( فإن بلغت سرقته) أي الآبق ( ربع دينار فصاعدًا) نصب على الحال المؤكدة ( فاقطع يده) قال القرطبي المفسر أول من حكم بقطع السارق في الجاهلية الوليد بن المغيرة وأمر الله تعالى بقطعه في الإسلام فكان أول سارق قطعه صلى الله عليه وسلم من الرجال الجبار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ومن النساء فاطمة المخزومية ( مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد) بن الصديق ( وسالم بن عبد الله) بن عمر ( وعروة بن الزبير) والثلاثة من فقهاء المدينة ( كانوا يقولون إذا سرق العبد الآبق ما يجب فيه القطع قطع قال مالك وذلك) أي قطع الآبق ( الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن العبد الآبق إذا سرق ما يجب فيه القطع) بسرقة ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو مقوم بها ( قطع) .