فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا تَكُونُ فِيهِ الشَّهَادَةُ

رقم الحديث 1002 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ، وَوَفَاةً بِبَلَدِ رَسُولِكَ.


( مَا تَكُونُ فِيهِ الشَّهَادَةُ)

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) فيه انقطاع، وقد رواه البخاري من طريق سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن أبيه ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ) وفي البخاري: ارزقني ( شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ) فاستجيب له فقتله أبو لؤلؤة فيروز النصراني عبد المغيرة بن شعبة يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين فحصل له ثواب الشهادة لأنه قتل ظلمًا ( وَوَفَاةً بِبَلَدِ رَسُولِكَ) فتوفي بها من ضربة أبي لؤلؤة في خاصرته، ودفن عند أبي بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم وهي أشرف البقاع على الإطلاق بالإجماع.
وفي طلبه الموت بها إظهار لمحبته إياها أعلى من مكة وعمر من القائلين بفضلها على مكة.
وروى الإسماعيلي من طريق روح بن القاسم عن زيد بن أسلم عن أمه عن حفصة بنت عمر قالت: سمعت عمر يقول: اللهم قتلاً في سبيلك ووفاة في بلد نبيك.
قالت: فقلت: وأنى يكون هذا؟ قال: يأتي الله به إذا شاء.
ورواه ابن سعد عن هشام بن سعد عن زيد عن أبيه عن حفصة فذكر مثله، وقال في آخره: إن الله يأتي بأمره إن شاء.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) منقطع وقد رواه البيهقي في السنن من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن حسان بن فائد عن عمر أنه ( قَالَ كَرَمُ الْمُؤْمِنِ تَقْوَاهُ) أي فضله إنما هو بالتقوى قال تعالى { { إن أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } } وفي المرفوع كرم المرء دينه أي به يشرف ويكرم ظاهرًا وباطنًا قولاً وفعلاً والكرم كثرة الخير والمنفعة لا ما في العرف من الإنفاق والبذل سرفًا وفخرًا ( وَدِينُهُ حَسَبُهُ) أي شرفه انتسابه إلى الدين لا إلى الآباء وفي المرفوع وحسبه خلقه بالضم أي ليس شرفه بشرف آبائه بل بمحاسن أخلاقه وقال الأزهري أراد أن الحسب يحصل للرجل بكرم أخلاقه وإن لم يكن له نسب وإذا كان حسيب الآباء فهو أكرم له ( وَمُرُوءَتُهُ) بضم الميم والراء وبالهمز ( خُلُقُهُ) بضمتين أي إن المروءة التي يحمد الناس عليها ويوصفون بأنهم من ذوي المروءات إنما هي معان مختصة بالأخلاق من الصبر والحلم والجود والإيثار.

قال العلائي: حاصل المروءة راجعة إلى مكارم الأخلاق لكنها إذا كانت غريزة تسمى مروءة.
وقيل: المروءة إنصاف من دونك والسمو إلى من فوقك والجزاء عما أوتي إليك من خير أو شرّ وفي المرفوع: ومروءته عقله، أي لأن به يتميز عن الحيوانات ويعقل نفسه عن كل خلق دنيء ويكفها عن شهواتها الردية وطباعها الدنية ويؤدي إلى كل ذي حق حقه من الحق والخلق ( وَالْجُرْأَةُ) بضم الجيم وإسكان الراء وبالهمز والقصر بوزن الجرعة، الهجوم والإسراع بغير توقف ( وَالْجُبْنُ) بضم الجيم وإسكان الموحدة: ضعف القلب ( غَرَائِزُ) بغين معجمة فراء آخره زاي منقوطة جمع غريزة أي طبائع لا تكتسب وجمع إما لأن الجمع ما فوق الواحد أو باعتبار الأفراد ( يَضَعُهَا اللَّهُ حَيْثُ شَاءَ) من خلقه.
وقد روى أبو يعلى عن معدي بن سليمان عن محمد بن عجلان عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ الموطأ من أوله إلى هنا.
ومعدي ضعفه جماعة وقال الشاذكوني: كان من أفضل الناس وكان يعد من الإبدال.
وصحح له الترمذي حديثًا وعند الدارقطني من حديثه بهذا السند: الحسب المال والكرم التقوى.
وروى بعضه أحمد، والبيهقي وضعفه، والحاكم وصححه على شرط مسلم، وتعقب عن أبي هريرة رفعه: كرم المؤمن دينه ومروءته عقله وحسبه خلقه.

( فَالْجَبَانُ يَفِرُّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ) لأنه لجبنه لا يستطيع الدفع عنهما فضلاً عن غيرهما ( وَالْجَرِيءُ يُقَاتِلُ عَمَّا لَا يَئُوبُ) يرجع ( بِهِ إِلَى رَحْلِهِ) لأن قتاله بمحض الهجوم والسرعة من غير نظر لنفع يعود عليه ( وَالْقَتْلُ حَتْفٌ مِنَ الْحُتُوفِ) أي نوع من أنواع الموت كالموت بمرض أو نحوه فلأن يموت به في سبيل الله خير من موته على فراشه فيجب أن لا يرتاع منه ولا يهاب هيبة تورث الجبن قال الشاعر:

في الجبن عار وفي الإقدام مكرمة
والمرء بالجبن لا ينجو من القدر

( وَالشَّهِيدُ مَنِ احْتَسَبَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّهِ) أي رضي بالقتل في طاعة الله رجاء ثوابه تعالى.



رقم الحديث 1003 قَالَ مَالِكٍ: لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْعَدُوِّ مِنْ طَعَامِهِمْ، مَا وَجَدُوا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِي الْمَقَاسِمِ قَالَ مَالِكٍ: وَأَنَا أَرَى الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ.
يَأْكُلُ مِنْهُ الْمُسْلِمُونَ إِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْعَدُوِّ.
كَمَا يَأْكُلُونَ مِنَ الطَّعَامِ.
وَلَوْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤْكَلُ حَتَّى يَحْضُرَ النَّاسُ الْمَقَاسِمَ، وَيُقْسَمَ بَيْنَهُمْ، أَضَرَّ ذَلِكَ بِالْجُيُوشِ.
فَلَا أَرَى بَأْسًا بِمَا أُكِلَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ.
وَلَا أَرَى أَنْ يَدَّخِرَ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا يَرْجِعُ بِهِ إِلَى أَهْلِهِ وَسُئِلَ مالكٌ عَنِ الرَّجُلِ يُصِيبُ الطَّعَامَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيَتَزَوَّدُ، فَيَفْضُلُ مِنْهُ شَيْءٌ، أَيَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ فَيَأْكُلَهُ فِي أَهْلِهِ، أَوْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ بِلَادَهُ فَيَنْتَفِعَ بِثَمَنهِ؟ قَالَ مَالِكٌ: إِنْ بَاعَهُ وَهُوَ فِي الْغَزْوِ، فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ فِي غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ.
وَإِنْ بَلَغَ بِهِ بَلَدَهُ، فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَهُ وَيَنْتَفِعَ بِهِ، إِذَا كَانَ يَسِيرًا تَافِهًا.



( مَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْلُهُ قَبْلَ الْخُمُسِ)

( قَالَ مَالِكٍ لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْعَدُوِّ مِنْ طَعَامِهِمْ مَا وَجَدُوا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِي الْمَقَاسِمِ) لما في الصحيح عن ابن عمر: كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب.
زاد أبو نعيم: والفواكه.
والإسماعيلي: والسمن فنأكله ولا نرفعه وإلى هذا ذهب الجمهور وإلى أنه يجوز أكل القوت وما يصلح به وكل طعام يعتاد أكله عمومًا والمعنى فيه أن الطعام يعز في دار الحرب فأبيح للضرورة وإن لم تكن الضرورة ناجزة.
وفي الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن مغفل قال: كنا محاصرين قصر خيبر فرمى إنسان بجراب فيه شحم فنزوت لأخذه فالتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم فاستحييت منه.
زاد مسلم: فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسمًا.
زاد الطيالسي: فقال هو لك.
وروى ابن وهب أن صاحب المغانم كعب بن عمرو أخذ منه الجراب فقال صلى الله عليه وسلم: خل بينه وبين جرابه وكأنه عرف شدة حاجته إليه فسوغ له الاستئثار به.
( قَالَ مَالِكٍ وَأَنَا أَرَى الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ يَأْكُلُ مِنْهُ الْمُسْلِمُونَ إِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْعَدُوِّ كَمَا يَأْكُلُونَ مِنَ الطَّعَامِ) بجامع أن كلاً مأكول فيجوز ذبحه للأكل بشرط الحاجة كما يأتي ( وَلَوْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤْكَلُ حَتَّى يَحْضُرَ النَّاسُ الْمَقَاسِمَ وَيُقْسَمَ بَيْنَهُمْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِالْجُيُوشِ) وفي الحديث لا ضرر ولا ضرار ( فَلَا أَرَى بَأْسًا بِمَا أُكِلَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ) دون سرف والحاجة إليه فلا يجوز بلا حاجة ( وَلَا أَرَى أَنْ يَدَّخِرَ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا يَرْجِعُ بِهِ إِلَى أَهْلِهِ) لأن المباح لضرورة لا يتعداها.
وقال الزهري: لا يأخذ شيئًا من الطعام ولا غيره إلا بإذن الإمام.
وقال سليمان بن موسى: يأخذ ما لم ينه الإمام.
وقال ابن المنذر: وردت الأحاديث الصحيحة بالتشديد في الغلول واتفق علماء الأمصار على جواز أكل الطعام وجاء الحديث بذلك فليقتصر عليه وفي معناه العلف واتفقوا على جواز ركوب دوابهم ولبس ثيابهم واستعمال سلاحهم حال الحرب ورده بعد انقضائها، وشرط الأوزاعي فيه إذن الإمام وعليه أن يرده كلما فرغت حاجته ولا يستعمله في غير الحرب ولا ينتظر برده انقضاءها لئلا يعرضه للهلاك وحجته حديث أبي داود بإسناد حسن عن رويفع بن ثابت مرفوعًا من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذ دابة من المغنم يركبها حتى إذا أعجفها ردها إلى المغانم وذكر في الثوب كذلك.

( وَسُئِلَ مالكٌ عَنِ الرَّجُلِ يُصِيبُ الطَّعَامَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيَتَزَوَّدُ فَيَفْضُلُ مِنْهُ شَيْءٌ أَيَصْلُحُ) أي يجوز ( لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ) يمنعه ( فَيَأْكُلَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ) أن ( يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ بِلَادَهُ فَيَنْتَفِعَ بِثَمَنهِ قَالَ مَالِكٌ إِنْ بَاعَهُ وَهُوَ فِي الْغَزْوِ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ فِي غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ) لأنه إنما يباح له الأكل للحاجة والبيع زائد عليها فيمنع ( وَإِنْ بَلَغَ بِهِ بَلَدَهُ فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَهُ وَيَنْتَفِعَ بِهِ إِذَا كَانَ يَسِيرًا تَافِهًا) لا يلتفت إليه لا إن كان كثيرًا.



رقم الحديث 1003 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: كَرَمُ الْمُؤْمِنِ تَقْوَاهُ، وَدِينُهُ حَسَبُهُ، وَمُرُوءَتُهُ خُلُقُهُ، وَالْجُرْأَةُ وَالْجُبْنُ غَرَائِزُ يَضَعُهَا اللَّهُ حَيْثُ شَاءَ، فَالْجَبَانُ يَفِرُّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَالْجَرِيءُ يُقَاتِلُ عَمَّا لَا يَئُوبُ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، وَالْقَتْلُ حَتْفٌ مِنَ الْحُتُوفِ، وَالشَّهِيدُ مَنِ احْتَسَبَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّهِ.


( مَا تَكُونُ فِيهِ الشَّهَادَةُ)

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) فيه انقطاع، وقد رواه البخاري من طريق سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن أبيه ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ) وفي البخاري: ارزقني ( شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ) فاستجيب له فقتله أبو لؤلؤة فيروز النصراني عبد المغيرة بن شعبة يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين فحصل له ثواب الشهادة لأنه قتل ظلمًا ( وَوَفَاةً بِبَلَدِ رَسُولِكَ) فتوفي بها من ضربة أبي لؤلؤة في خاصرته، ودفن عند أبي بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم وهي أشرف البقاع على الإطلاق بالإجماع.
وفي طلبه الموت بها إظهار لمحبته إياها أعلى من مكة وعمر من القائلين بفضلها على مكة.
وروى الإسماعيلي من طريق روح بن القاسم عن زيد بن أسلم عن أمه عن حفصة بنت عمر قالت: سمعت عمر يقول: اللهم قتلاً في سبيلك ووفاة في بلد نبيك.
قالت: فقلت: وأنى يكون هذا؟ قال: يأتي الله به إذا شاء.
ورواه ابن سعد عن هشام بن سعد عن زيد عن أبيه عن حفصة فذكر مثله، وقال في آخره: إن الله يأتي بأمره إن شاء.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) منقطع وقد رواه البيهقي في السنن من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن حسان بن فائد عن عمر أنه ( قَالَ كَرَمُ الْمُؤْمِنِ تَقْوَاهُ) أي فضله إنما هو بالتقوى قال تعالى { { إن أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } } وفي المرفوع كرم المرء دينه أي به يشرف ويكرم ظاهرًا وباطنًا قولاً وفعلاً والكرم كثرة الخير والمنفعة لا ما في العرف من الإنفاق والبذل سرفًا وفخرًا ( وَدِينُهُ حَسَبُهُ) أي شرفه انتسابه إلى الدين لا إلى الآباء وفي المرفوع وحسبه خلقه بالضم أي ليس شرفه بشرف آبائه بل بمحاسن أخلاقه وقال الأزهري أراد أن الحسب يحصل للرجل بكرم أخلاقه وإن لم يكن له نسب وإذا كان حسيب الآباء فهو أكرم له ( وَمُرُوءَتُهُ) بضم الميم والراء وبالهمز ( خُلُقُهُ) بضمتين أي إن المروءة التي يحمد الناس عليها ويوصفون بأنهم من ذوي المروءات إنما هي معان مختصة بالأخلاق من الصبر والحلم والجود والإيثار.

قال العلائي: حاصل المروءة راجعة إلى مكارم الأخلاق لكنها إذا كانت غريزة تسمى مروءة.
وقيل: المروءة إنصاف من دونك والسمو إلى من فوقك والجزاء عما أوتي إليك من خير أو شرّ وفي المرفوع: ومروءته عقله، أي لأن به يتميز عن الحيوانات ويعقل نفسه عن كل خلق دنيء ويكفها عن شهواتها الردية وطباعها الدنية ويؤدي إلى كل ذي حق حقه من الحق والخلق ( وَالْجُرْأَةُ) بضم الجيم وإسكان الراء وبالهمز والقصر بوزن الجرعة، الهجوم والإسراع بغير توقف ( وَالْجُبْنُ) بضم الجيم وإسكان الموحدة: ضعف القلب ( غَرَائِزُ) بغين معجمة فراء آخره زاي منقوطة جمع غريزة أي طبائع لا تكتسب وجمع إما لأن الجمع ما فوق الواحد أو باعتبار الأفراد ( يَضَعُهَا اللَّهُ حَيْثُ شَاءَ) من خلقه.
وقد روى أبو يعلى عن معدي بن سليمان عن محمد بن عجلان عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ الموطأ من أوله إلى هنا.
ومعدي ضعفه جماعة وقال الشاذكوني: كان من أفضل الناس وكان يعد من الإبدال.
وصحح له الترمذي حديثًا وعند الدارقطني من حديثه بهذا السند: الحسب المال والكرم التقوى.
وروى بعضه أحمد، والبيهقي وضعفه، والحاكم وصححه على شرط مسلم، وتعقب عن أبي هريرة رفعه: كرم المؤمن دينه ومروءته عقله وحسبه خلقه.

( فَالْجَبَانُ يَفِرُّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ) لأنه لجبنه لا يستطيع الدفع عنهما فضلاً عن غيرهما ( وَالْجَرِيءُ يُقَاتِلُ عَمَّا لَا يَئُوبُ) يرجع ( بِهِ إِلَى رَحْلِهِ) لأن قتاله بمحض الهجوم والسرعة من غير نظر لنفع يعود عليه ( وَالْقَتْلُ حَتْفٌ مِنَ الْحُتُوفِ) أي نوع من أنواع الموت كالموت بمرض أو نحوه فلأن يموت به في سبيل الله خير من موته على فراشه فيجب أن لا يرتاع منه ولا يهاب هيبة تورث الجبن قال الشاعر:

في الجبن عار وفي الإقدام مكرمة
والمرء بالجبن لا ينجو من القدر

( وَالشَّهِيدُ مَنِ احْتَسَبَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّهِ) أي رضي بالقتل في طاعة الله رجاء ثوابه تعالى.