فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَصِيرِ الْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ

رقم الحديث 1487 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ، فَكَانَتْ إِحْدَى السُّنَنِ الثَّلَاثِ: أَنَّهَا أُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا،.

     وَقَالَ  رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.
وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْبُرْمَةُ تَفُورُ بِلَحْمٍ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ خُبْزٌ وَأُدْمٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ أَرَ بُرْمَةً فِيهَا لَحْمٌ؟ فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنْ ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ.


( ما جاء في الخيار)

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) المدني الفقيه المعروف بربيعة الرأي القائل فيه مالك: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة ( عن القاسم بن محمد) بن الصديق ( عن) عمته ( عائشة أم المؤمنين أنها قالت كان في بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء وإسكان التحتية فراء ثانية فهاء تأنيث بزنة فعيلة من البرير؛ وهو ثمر الأراك، قيل: اسم أبيها صفوان وأن له صحبة وقيل كانت نبطية وقيل قبطية وقيل حبشية مولاة عائشة، وكانت تخدمها قبل أن تشتريها.
قيل: وكانت مولاة لقوم من الأنصار، وقيل لآل عتبة بن أبي لهب، وقيل لبني هلال، وقيل لآل أبي أحمد بن جحش.

قال في الإصابة: وفيه نظر فالذي هو مولاهم إنما هو زوجها.
والثاني خطأ فإن مولى عتبة سأل عائشة عن حكم هذه المسألة فذكرت له قصة بريرة أخرجه ابن سعد وأصله عند البخاري وأخرج أبو عمر عن زيد بن واقد أن عبد الملك بن مروان قال: كنت أجالس بريرة بالمدينة فكانت تقول لي: إني أرى فيك خصالاً وإنك لخليق أن تلي هذا الأمر فإن وليته فاحذر الدماء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرجل ليدفع عن باب الجنة بعد أن ينظر إليه بملء محجمة من دم يريقه من مسلم بغير حق.
انتهى.
عاشت بريرة إلى زمن يزيد بن معاوية ( ثلاث سنن) أي علم بسببها ثلاثة أحكام من الشريعة، قال عياض: المعنى أنها شرعت في قصتها وما يظهر فيها مما سوى ذلك كان قد علم من غير قصتها.
وقال ابن عبد البر: قد أكثر الناس في تشقيق المعاني من حديث بريرة وتخريجها فلمحمد بن جرير في ذلك كتاب، ولمحمد بن خزيمة فيه كتاب، ولجماعة في ذلك أبواب وأكثر ذلك تكلف واستنباط محتمل لا يستغني عن دليل.
والذي قصدته عائشة هو عظم الأمر في قصتها.
وذكر ابن العربي أن ابن خزيمة استخرج منه ما ينيف عن مائتين وخمسين فائدة.
وجمع بعض الأئمة فوائد هذا الحديث فزادت على ثلثمائة لخصها في فتح الباري ووقع في رواية يزيد بن هارون عن عروة عن بريرة قالت: كان في ثلاث سنن أخرجه النسائي وقال: إنه خطأ، يعني والصواب عن عروة عن عائشة.
ولأبي داود من وجه آخر عن عائشة أربع سنن، وزاد وأمرها أن تعتد عدة الحرائر.
( فكانت إحدى السنن الثلاث أنها أعتقت) بضم الهمزة وكسر الفوقية، والذي أعتقها عائشة كما يأتي في كتاب العتق في حديث عائشة وابن عمر.
( فخيرت) بضم الخاء ( في) فراق ( زوجها) وفي البقاء معه على عصمته.
وفي رواية الدارقطني من طريق أبان بن صالح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة: اذهبي فقد عتق معك بضعك.
وزاد ابن سعد عن الشعبي مرسلاً فاختاري، وإنما خيرت لتضررها بالمقام تحته من جهة أنها تتغير به وأن لسيده منعه عنها وأنه لا ولاية له على ولده.
وغير ذلك وهذا بخلاف ما إذا عتقت تحت حر فلا خيار لها لأن الكمال الحادث لها حاصل له فأشبه ما إذا أسلمت كتابية تحت مسلم فلو عتق بعضها فلا خيار لبقاء النقصان.
وأحكام الرق.

وفيه أن بيع الأمة المتزوجة ليس بطلاق إذ لو طلقت بمجرد البيع لم يكن للتخيير فائدة وإليه ذهب الجمهور، وقال بعض الصحابة والتابعين: البيع طلاق لظاهر قوله تعالى: { { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } } واحتج الجمهور بحديث الباب ومن حيث النظر أنه عقد على منفعة فلا يبطل بيع الرقبة كما في العين المؤخرة والآية نزلت في المسبيات فهن المراد بملك اليمين على ما ثبت في الصحيح من سبب نزولها وليس في هذا الحديث تصريح بأن زوج بريرة عبد أو حر حين عتقت.
وفي البخاري عن ابن عباس: كان زوج بريرة عبدًا يقال له مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها ويبكي ودموعه تسيل على لحيته.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس: يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو راجعته قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: إنما أشفع قالت: لا حاجة لي فيه.

وفي الصحيحين والسنن الأربعة عن الأسود عن عائشة: أنه كان حرًا وبه تمسك الحنفية لقولهم يثبت الخيار للأمة إذا عتقت مطلقًا كانت تحت حر أو عبد، وتعقب بأن حديث الأسود اختلف فيه على راويه هل هو من قول الأسود؟ أو رواه عن عائشة؟ أو هو قول غيره؟ قال إبراهيم بن أبي طالب أحد الحفاظ من طبقة مسلم: خالف الأسود الناس في زوج بريرة.
وقال الإمام أحمد إنما يصح أنه كان حرًا عن الأسود وحده وصح عن ابن عباس وغيره أنه كان عبدًا.
ورواه علماء المدينة وإذا روى علماء المدينة شيئًا وعملوا به فهو أصح شيء وإذا عتقت الأمة تحت الحر فعقدها المتفق على صحته لا يفسخ بأمر مختلف فيه، وقال البخاري: قول الأسود منقطع وقول العباس وابنه عبدًا أصح.
وقال الدارقطني: لم يختلف على عروة عن عائشة أنه كان عبدًا.
وكذا قال جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن عائشة، وأبو الأسود أسامة الليثي عن القاسم.
وأما ما أخرجه قاسم بن أصبغ قال: أخبرنا أحمد بن يزيد المعلم ثنا موسى بن معاوية عن جرير عن هشام عن أبيه عن عائشة: كان زوج بريرة حرًا فهو وهم من موسى أو من أحمد فإن الحفاظ من أصحاب هشام ثم أصحاب جرير قالوا: كان عبدًا، ولم يختلف على ابن عباس أنه كان عبدًا.
وبه جزم الترمذي عن ابن عمر وحديثه عند الشافعي والدارقطني وغيرهما.

وأخرج النسائي بسند صحيح عن صفية بنت أبي عبيد قالت: كان زوج بريرة عبدًا.
قال النووي: ويؤيد ذلك قول عائشة: كان عبدًا ولو كان حرًا لم يخيرها فأخبرت وهي صاحبة القصة بأنه كان عبدًا، ثم عللت بقولها: ولو كان حرًا لم يخيرها، وهذا لا يكاد أحد يقوله إلا توقيفًا.
وقول من قال: كان عبدًا قبل العتق حرًا عنده لأن الرق يعقبه الحرية، لا العكس، فلا منافاة بين الروايتين تعقب بأن محل الجمع المذكور إذا تساوت الروايتان في القوة أما مع التفرد في مقابلة الجمع فالمنفردة شاذة والشاذ مردود ولهذا لم يعتبر الجمهور الجمع بينهما بما ذكر مع قولهم لا يصار إلى الترجيح مع إمكان الجمع بينهما لأن محله عندهم ما لم يظهر الغلط في إحداهما.
وقد روى الترمذي عن ابن عباس أنه كان عبدًا أسود يوم أعتقت وهذا يبطل الجمع.
ومغيث بضم الميم وكسر المعجمة وإسكان التحتية آخره مثلثة كما جزم به ابن ماكولا وغيره، وهو أثبت ممن قال معتب بفتح العين المهملة وشد الفوقية آخره موحدة.

( و) السنة الثانية ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين أرادت عائشة أن تشتريها وقال أهلها: الولاء لنا ( الولاء لمن أعتق) وفي رواية: إنما الولاء ويأتي إن شاء الله شرحه في كتاب الولاء ( و) السنة الثالثة ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) حجرة عائشة ( والبرمة) بضم الموحدة وإسكان الراء، قال ابن الأثير: هي القدر مطلقًا وجمعها برم وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز ( تفور) بالفاء ( بلحم) وفي رواية التنيسي والبرمة على النار، وكذا لابن وهب وزاد فدعا بطعام ( فقرب) بضم القاف وكسر الراء الثقيلة، قدم ( إليه خبز وأدم من أدم البيت) بضم الهمزة وإسكان المهملة، جمع إدام، وهو ما يؤكل مع الخبز أي شيء كان والإضافة للتخصيص ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم أر برمة) على النار ( فيها لحم) والهمزة للتقرير ( فقالوا: بلى يا رسول الله ولكن ذلك لحم تصدق) بضم التاء والصاد وكسر الدال المشددة ( به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة) لحرمتها عليك ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو عليها) وفي رواية لها ( صدقة وهو لنا هدية) حيث أهدته لنا لأن الصدقة يسوغ للفقير التصرف فيها بالإهداء والبيع وغير ذلك كتصرف الملاك في أملاكهم.
وأفاد أن التحريم إنما هو على الصفة لا على العين، فإذا تغيرت صفة الصدقة تغير حكمها فيجوز للغني ولو هاشميًا أكلها وشراؤها.

وسأل الأبي: هل من ذلك ما يتفق من نزول المرابطين ببعض أحياء العرب فيضيفونهم بحرام أو الغالب عليه الحرام فيجعلون بعض فقرائهم يقبل ذلك منهم صدقة ثم يهبه لهم؟ قال: وكان شيخنا أبو عبد الله يعني ابن عرفة يقول: لا ينجيهم ذلك لأنه تحيل، نعم إذا تحققت المفسدة بعدم الأكل جاز، ومن المصالح المجوزة للأكل خوفهم إن لم يأكلوا عدم قبولهم في ردّ ما نهبوه من أموال الناس ولكن الأولى تقليل الأكل.
قال عياض: وفيه أن سؤال الرجل عما يرى في بيته ليس بمذموم ولا مناف لمكارم الأخلاق، وقوله في حديث أم زرع ولا يسأل عما عهد ليس من هذا، وإنما ذلك أن يقول فيما عهد أين هو وما صنع به وأما شيء يجده فيقول: ما هذا فليس منه مع أن سؤاله صلى الله عليه وسلم إنما كان ليبين لهم حكم ما جهلوا لأنه علم أنهم لم يقدموا له إدام البيت دون سيد الأدم إلا لأمر اعتقدوه فكان كذلك فبين لهم حكمه.

وأخرجه البخاري في النكاح عن عبد الله بن يوسف وفي الطلاق عن إسماعيل ومسلم في الزكاة والعتق من طريق ابن وهب الثلاثة عن مالك به.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول في الأمة تكون تحت العبد فتعتق إن الأمة لها الخيار ما لم يمسها) فإن مسها سقط خيارها ( قال مالك وإن مسها زوجها فزعمت أنها جهلت أن لها الخيار فإنها تتهم ولا تصدق بما ادعت من الجهالة ولا خيار لها بعد أن يمسها) لاشتهار الحكم.

( مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن مولاة لبني عدي) من قريش ( يقال لها: زبراء) بزاي مفتوحة فموحدة ساكنة فراء فألف ممدودة، كما ضبطها ابن الأثير ( كانت تحت عبد وهي أمة يومئذ فعتقت قالت) زبراء ( فأرسلت إلي حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فدعتني فقالت: إني مخبرتك) بضم الميم وإسكان المعجمة فموحدة ( خبرًا ولا أحب أن تصنعي شيئًا إن أمرك بيدك ما لم يمسسك زوجك فإن مسك فليس لك من الأمر شيء) أي سقط خيارك ( قالت) زبراء ( فقلت: هو الطلاق ثم الطلاق ثم الطلاق ففارقته ثلاثًا) لكراهتها البقاء معه.
قال أبو عمر: لا أعلم لابن عمر وحفصة في ذلك مخالفًا من الصحابة.. وقد روي في قصة بريرة مرفوعًا دليل واضح على ما ذهبا إليه روى سعيد بن منصور عن ابن عباس: لما خيرت بريرة رأيت زوجها يتبعها في سكك المدينة ودموعه تسيل على لحيته، فكلم الناس له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلب إليها فقال لها صلى الله عليه وسلم: زوجك وأبو ولدك.
فقالت: أتأمرني.
قال: إنما أنا شافع.
قالت: فلا حاجة لي فيه واختارت نفسها وكان اسمه مغيثًا عبدًا لآل المغيرة من بني مخزوم.

( مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال: أيما رجل تزوج امرأة وبه جنون أو ضرر فإنها تخير فإن شاءت قرت) بقيت عنده ( وإن شاءت فارقت) لما ينالها من الضرر وتخييرها ينفيه ( قال مالك في الأمة تكون تحت العبد ثم تعتق قبل أن يدخل بها أو يمسها إنها إن اختارت نفسها فلا صداق لها) لبقاء بضعها ( وهي تطليقة) واحدة لزوال الضرر بها ( وذلك الأمر عندنا) بالمدينة.

( مالك عن ابن شهاب أنه سمعه يقول: إذا خير الرجل امرأته فاختارته) أي الرجل ( فليس ذلك بطلاق قال مالك وذلك أحسن ما سمعت) لأنها ردت ما جعله لها ( قال مالك في المخيرة: إذا خيرها زوجها فاختارت نفسها فقد طلقت ثلاثًا وإن قال زوجها لم أخيرك إلا واحدة فليس له ذلك وذلك أحسن ما سمعته) فهي بخلاف المملكة ( وإن خيرها فقالت: قد قبلت واحدة وقال: لم أرد هذا وإنما خيرتك في الثلاث جميعًا أنها إن لم تقبل إلا واحدة أقامت عنده على نكاحها ولم يكن ذلك فراقًا إن شاء الله تعالى) أتى به تبركًا إذ الحكم عنده ما ذكر.



رقم الحديث 1488 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقُهَا.
فَقَالَ أَهْلُهَا: نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا.
فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَا يَمْنَعَنَّكِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.


مصير الولاء لمن أعتق

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام ( عن خالته عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت جاءت بريرة) بفتح الموحدة وراءين بلا نقط بينهما تحتية بوزن فعيلة مشتقة من البرير وهو ثمر الأراك وقيل كأنها فعيلة من البر بمعنى مفعولة كبرورة أو بمعنى فاعلة كرحيمة هكذا وجهه القرطبي قال الحافظ الأول أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم جويرية وكان اسمها برة وقال لا تزكوا أنفسكم فلو كانت بريرة من البر لشاركتها في ذلك وكانت بريرة لناس من الأنصار كما عند أبي نعيم وقيل لناس من بني هلال قاله ابن عبد البر ويمكن الجمع وقيل لآل أبي أحمد بن جحش وفيه نظر فإن زوجها مغيث هو الذي كان مولى أبي أحمد وقيل لآل عقبة وفيه نظر أيضا لأن مولى عقبة سأل عائشة عن حكم هذه المسألة فذكرت له قصة بريرة أخرجه ابن سعد وكانت بريرة تخدم عائشة قبل أن تعتق كما في حديث الإفك وعاشت إلى خلافة معاوية وتفرست في عبد الملك بن مروان أنه يلي الخلافة فبشرته بذلك ورواه هو عنها كما قدمته ( فقالت إني كاتبت أهلي) يعني ساداتها والأهل في الأصل الآل ( على تسع أواق) بوزن جوار والأصل أواقي بشد الياء فحذفت إحدى الياءين تخفيفا والثانية على طريقة قاض ( في كل عام أوقية) بضم الهمزة وهي أربعون درهما وهذا هو المشهور في الروايات ومثله في رواية ابن وهب عن يونس عن الزهري عن عروة عند مسلم ووقع في رواية علقها البخاري عن الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن بريرة دخلت عليها تستعينها في كتابتها وعليها خمس أواق نجمت عليها في خمس سنين وجزم الإسماعيلي بأنها غلط ويمكن الجمع بأن التسع أصل والخمس كانت بقيت عليها وبه جزم القرطبي وغيره ويعكر عليه قوله في رواية قتيبة عن الليث في الصحيحين ولم تكن أدت من كتابتها شيئا وأجيب بأنها كانت حصلت الأربع أواق قبل أن تستعين بعائشة ثم جاءتها وقد بقي عليها خمسة وأجاب القرطبي بأن الخمس هي التي كانت استحقت عليها بحلول نجومها من جملة التسع الأواقي ويؤيده قوله في رواية عمرة عن عائشة عند البخاري فقال أهلها إن شئت أعطيت ما تبقى ( فأعينيني) بصيغة أمر المؤنث من الإعانة ووقع عند بعض رواة البخاري فأعيتني بصيغة الخبر الماضي من الإعياء أي أعجزتني الأواقي عن تحصيلها وهو متجه المعنى وفي رواية حماد بن سلمة عن هشام عند ابن خزيمة وغيره فأعتقيني من العتق بصيغة الأمر لكن الثابت عن مالك وغيره عن هشام الأول ( فقالت عائشة إن أحب أهلك) بكسر الكاف مواليك ( أن أعدها) أي التسع أواق ( لهم) ثمنا ( عنك عددتها) فيه أن العد في الدراهم المعلومة الوزن يكفي عن الوزن وأن المعاملة حينئذ كانت بالأواقي وزعم بعضهم أن أهل المدينة كانوا يتعاملون بالعد حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأمرهم بالوزن وفيه نظر لأن قصة بريرة بعد الهجرة بنحو ثمان سنين لكن يحتمل أن قول عائشة أن أعدها أي أدفعها لا حقيقة العد ويؤيده قولها في رواية عمرة الآتية أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة ( ويكون) بالنصب عطفا على أعدها ( ولاؤك لي) بعد أن أعتقك ( فعلت) جواب الشرط قال الحافظ وظاهره أن عائشة طلبت أن يكون الولاء لها إذا بذلت جميع مال المكاتبة ولم يقع ذلك إذ لو وقع لكان اللوم على عائشة بطلبها ولاء من أعتقه غيرها وقد رواه أبو أسامة ووهيب كلاهما عن هشام بلفظ يزيل الإشكال فقال بعد قوله أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت فعرف بذلك أنها أرادت أن تشتريها شراء صحيحا ثم تعتقها إذ العتق فرع ثبوت الملك ويؤيده رواية الزهري عن عروة عنها فقال صلى الله عليه وسلم ابتاعي فأعتقي ( فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم ذلك) الذي قالته عائشة ( فأبوا عليها) أي امتنعوا أن يكون الولاء لعائشة ( فجاءت من عند أهلها) إلى عائشة ( ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس) عندها ( فقالت لعائشة إني قد عرضت عليهم ذلك) بكسر الكاف الذي قلتيه ( فأبوا علي إلا أن يكون الولاء لهم) استثناء مفرغ لأن في أبى معنى النفي قال الزمخشري في سورة التوبة فإن قلت كيف جاز أبى الله إلا كذا ولا يقال كرهت أو أبغضت إلا زيدا قلت قد أجرى أبى مجرى لم يرد ألا ترى كيف قوبل يريدون أن يطفئوا نور الله بقوله ويأبى الله وكيف أوقع موقع ولا يريد الله إلا أن يتم نوره ( فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم) من بريرة على سبيل الإجمال ( فسألها) أي عائشة وفي رواية للبخاري فقال ما شأن بريرة ( فأخبرته عائشة) به على سبيل التفصيل ولمسلم من رواية أبي أسامة ولابن خزيمة واللفظ له من رواية حماد بن سلمة كلاهما عن هشام فجاءتني بريرة والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فقالت لي فيما بيني وبينها ما رد أهلها فقلت لاها الله إذا ورفعت صوتي وانتهرتها فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فسألني فأخبرته ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذيها) أي اشتريها منهم لرواية البخاري عن الزهري عن عروة عن عائشة فقال ابتاعي وأعتقي فهذه مفسرة لقوله خذيها وكذا رواية البخاري من وجه آخر عن عائشة دخلت علي بريرة وهي مكاتبة قالت اشتريني وأعتقيني قلت نعم وقوله في حديث ابن عمر التالي لهذا أرادت عائشة أن تشتري جارية فتعتقها ( واشترطي) بصيغة أمر المؤنث من الشرط ( لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق) فعبر بإنما التي للحصر وهو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه ولولا ذلك لما لزم من إثبات الولاء للمعتق نفيه عن غيره ( ففعلت عائشة) الشراء والعتق قال ابن عبد البر وغيره كذا رواه أصحاب هشام وأصحاب مالك عنه عن هشام واستشكل صدور إذنه صلى الله عليه وسلم في البيع على شرط يفسد البيع وخداع البائعين وشرط ما لا يصح ولا يحصل لهم ولذا أنكر ذلك يحيى بن أكثم وأشار الشافعي في الأم إلى تضعيف رواية هشام المصرحة بالاشتراط لانفراده بها دون أصحاب أبيه وروايات غيره قابلة للتأويل وقال غيره إن هشاما روى بالمعنى ما سمعه من أبيه وليس كما ظن وأثبت الروايات آخرون وقالوا هشام ثقة حافظ والحديث متفق على صحته فلا وجه لرده قال ابن خزيمة وكلام يحيى بن أكثم غلط ثم اختلف في التوجيه فزعم الطحاوي عن المزني عن الشافعي أنه بلفظ وأشرطي بهمزة قطع بغير فوقية ومعناه أظهري لهم حكم الولاء والإشراط الإظهار قال أوس بن حجر يذكر رجلا نزل من رأس جبل إلى نبقة يقطعها ليتخذ منها قوسا

فأشرط فيها نفسه وهو معصم
وألقى بأسباب له وتوكلا

أي أظهر نفسه لما حاول أن يفعل انتهى فأنكر غيره هذه الرواية بأن الذي في الأم ومختصر المزني وغيرهما عن الشافعي عن مالك كرواية الجمهور واشترطي بالفوقية وقيل إن اللام بمعنى على كقوله { { وإن أسأتم فلها } } قاله الشافعي والمزني والطحاوي وغيرهم وقال ابن خزيمة إنه لا يصح وقال النووي هو ضعيف لأنه عليه الصلاة والسلام أنكر الاشتراط ولو كانت بمعنى على لم ينكره فإن قيل إنما أنكر إرادة الاشتراط في أول الأمر فالجواب أن سياق الحديث يأبى ذلك وضعفه أيضا ابن دقيق العيد بأن اللام لا تدل بوضعها على الاختصاص النافع بل على مطلق الاختصاص فلا بد في حملها على ذلك من قرينة وقال آخرون الأمر في اشترطي للإباحة على جهة التنبيه على أنه لا ينفعهم فوجوده وعدمه سواء كأنه قال اشترطي أو لا تشترطي ويؤيده قوله في رواية عند البخاري اشتريها ودعيهم يشترطون ما شاؤوا وقيل كان صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بأن اشتراط البائع الولاء باطل واشتهر ذلك بحيث لا يخفى على أهل بريرة فلما أرادوا أن يشترطوا ما تقدم لهم علم بطلانه أطلق الأمر مريدا التهديد على مآل الحال كقوله تعالى { { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله } } وكقول موسى { { ألقوا ما أنتم ملقون } } فليس بنافعكم فكأنه قيل اشترطي لهم فسيعلمون أنه لا ينفعهم ويؤيده أنه وبخهم في خطبته بأنهم يشترطون ما ليس في كتاب الله مشيرا إلى أنه سبق منه بيان حكم الله بإبطاله إذ لو لم يقدم بيان ذلك لبدأ ببيان الحكم في الخطبة لا بتوبيخ الفاعل لأنه كان باقيا على البراءة الأصلية وقيل الأمر فيه بمعنى الوعيد الذي ظاهره الأمر وباطنه النهي كقوله { { اعملوا ما شئتم } } وقال الشافعي لما كان من اشترط خلاف ما قضى الله ورسوله عاصيا وكان في المعاصي حدود وأدب كان من أدب العاصين أن تعطل عليهم شروطهم ليرتدعوا عن ذلك ويرتدع غيرهم وذلك من أيسر الأدب وقيل معنى اشترطي اتركي مخالفتهم فيما شرطوه ولا تظهري نزاعهم فيما طلبوه مراعاة لتنجيز العتق لتشوف الشرع إليه وقد يعبر عن الترك بالفعل كقوله تعالى { { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } } أي بتركهم يفعلون ذلك وليس المراد بالإذن إباحة الإضرار بالسحر قال ابن دقيق العيد وهذا وإن كان محتملا إلا أنه خارج عن الحقيقة من غير دلالة على المجاز من حيث السياق وقال النووي أقوى الأجوبة أن هذا الحكم خاص بعائشة في هذه القضية وأن سببه المبالغة في الرجوع عن هذا الشرط لمخالفته حكم الشرع وهو كفسخ الحج إلى العمرة كان خاصا بتلك الحجة مبالغة في إزالة ما كانوا عليه من منع العمرة في أشهر الحج ويستفاد منه ارتكاب أخف الضررين إذا استلزم إزالة أشدهما وتعقب بأنه استدلال بمختلف فيه على مختلف فيه وتعقبه ابن دقيق العيد بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل وبأن الشافعي نص على خلاف هذه المقالة وقال ابن الجوزي ليس في الحديث أن اشتراط الولاء والعتق كان مقارنا للعقد فيحمل على أنه كان سابقا عليه فالأمر بقوله اشترطي مجرد وعد لا يجب الوفاء به وتعقب باستبعاد أنه صلى الله عليه وسلم يأمر شخصا أن يعد مع علمه بأنه لا يفي بذلك الوعد وقال ابن حزم كان الحكم ثابتا بجواز اشتراط الولاء لغير المعتق فوقع الأمر باشتراطه في الوقت الذي كان جائزا فيه ثم نسخ بالخطبة وقوله إنما الولاء لمن أعتق وتعقب بأنه لا يخفى بعده وسياق طرق الحديث تدفع في وجه هذا الجواب وقال الخطابي وجه الحديث أن الولاء لما كان كلحمة النسب والإنسان إذا ولد له ولد ثبت نسبه ولم ينتقل عنه ولو نسب إلى غيره فكذلك إذا أعتق عبدا ثبت له ولاؤه ولو أراد نقل ولائه عنه أو أذن في نقله عنه لم ينتقل لم يعبأ باشتراطهم الولاء وقيل اشترطي ودعيهم يشترطون ما شاؤوا ونحو ذلك لأنه غير قادح في العقد بل بمنزلة لغو الكلام وأخر إعلامهم ليكون رده وإبطالهم قولا شهيرا يخطب به على المنبر ظاهرا وهو أبلغ في النكير وآكد في التعبير انتهى وهو يؤول إلى أن الأمر بمعنى الإباحة كما تقدم ( ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس) خطيبا ( فحمد الله وأثنى عليه) بما هو أهله ( ثم قال أما بعد) أي بعد الحمد والثناء وفيه القيام في الخطبة وابتداؤها بالحمد والثناء وأما بعد ( فما) بالفاء في جواب أما وفي رواية التنيسي بلا فاء على القليل ( بال) أي حال ( رجال) وفيه حسن الأدب والعشرة فلم يواجههم بالخطاب ولم يصرح بأسمائهم ولأنه يؤخذ منه تقرير شرع عام للمذكورين وغيرهم وللصورة المذكورة وغيرها وهذا بخلاف قصة علي في خطبته بنت أبي جهل فكانت خاصة بفاطمة فلذا عينها ( يشترطون شروطا ليست في كتاب الله) أي ليست في حكمه وقضائه من كتابه أو سنة رسوله لأن الله لما أمر باتباعه جاز أن يقال لما حكم به حكم الله وقضاؤه وقد أخبر أن الولاء لمن أعتق ولا يعلم ذلك في نص الكتاب ولا دلالته قاله ابن عبد البر زاد ابن بطال أو إجماع الأمة وقال ابن خزيمة أي ليس في حكم الله جوازه أو وجوبه لأن كل شرط لم ينطق به القرآن باطل لأنه قد يشترط الكفيل فلا يبطل الشرط ويشترط في الثمن شروط من أوصافه أو نجومه أو نحو ذلك فلا يبطل وقال القرطبي أي ليس مشروعا في كتاب الله تأصيلا ولا تفصيلا ومعنى هذا أن من الأحكام ما يوجد تفصيله في كتاب الله كالوضوء ومنها ما يوجد تأصيله دون تفصيله كالصلاة ومنها ما أصل أصله لدلالة الكتاب على أصلية السنة والإجماع وكذلك القياس الصحيح فكل ما يقتبس من هذه الأصول تفصيلا فهو مأخوذ من كتاب الله تأصيلا ( ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) جواب ما الموصولة المقتضية لمعنى الشرط ( وإن كان مائة شرط) قال القرطبي وغيره خرج مخرج التكثير لأن العموم في قوله ما كان إلخ دال على بطلان جميع الشروط ولو زادت على مائة شرط يعني أن الشروط الغير مشروعة باطلة وإن كثرت ويستفاد منه أن الشروط المشروعة صحيحة وقال المازري الشروط ثلاثة شرط يقتضيه العقد كالتسليم والتصرف فلا خلاف في جوازه ولزومه وإن لم يشترط وشرط لا يقتضيه بل هو مصلح له كرهن وحميل فهو جائز ولا يلزم إلا بشرط وشرط مناقض للعقد فهذا اضطرب فيه العلماء والمشهور في المذهب بطلان العقد والشرط معا لحديث من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد ولما في العقد من الجهالة لأن الشرط وضع له من الثمن فله حصة من المعاوضة فيجب بطلان ما قابله وهو مجهول وجهالته تؤدي إلى جهالة ما سواه فيجب فسخ الجميع وقيل يبطل الشرط خاصة ( قضاء الله) أي حكمه ( أحق) بالاتباع من الشروط المخالفة ( وشرط الله) أي قوله { { فإخوانكم في الدين ومواليكم } } وقوله { { وما آتاكم الرسول فخذوه } } الآية قاله الداودي قال عياض والظاهر عندي أنه قوله صلى الله عليه وسلم إنما الولاء لمن أعتق وقوله مولى القوم منهم وقوله الولاء لحمة كلحمة النسب ( أوثق) أقوى باتباع حدوده التي حدها وأفعل فيهما ليس على بابه إذ لا مشاركة بين الحق والباطل وقد جاء أفعل لغير التفضيل كثيرا ويحتمل أن ذلك ورد على ما اعتقدوه من الجواز ( وإنما الولاء لمن أعتق) ذكرا كان أو أنثى واحدا أو جمعا لأن من للعموم لا لمن أسلم على يديه ولا يحلف خلافا للحنفية ولا للملتقط خلافا لإسحاق وفيه جواز السجع غير المتكلف وإنما نهي عن سجع الكهان وشبهه لتكلفه واشتماله على مطوي الغيب وجواز كتابة الأمة كالعبد وكتابة المتزوجة وإن لم يأذن الزوج وأنه ليس له منعها منها ولو كانت تؤدي إلى فراقها كما أنه ليس للعبد المتزوج منع السيد من عتق أمته التي تحته وإن أدى إلى بطلان نكاحها وجواز سعي المكاتبة وسؤالها واكتسابها وتمكين السيد لها من ذلك ومحله إذا علم حل كسبها والنهي الوارد عن كسب الأمة محمول على من لم يعرف حله أو على غير المكاتبة وأن للمكاتب أن يسأل من حين الكتابة ولا يشترط عجزه خلافا لمن شرطه وجواز السؤال لمن احتاج إليه من دين أو غرم أو نحو ذلك وأنه يجوز تعجيل مال الكتابة والمساومة في البيع وغيره وتشديد صاحب السلعة فيها وتصرف المرأة الرشيدة لنفسها في البيع وغيره ولو متزوجة خلافا لمن أبى ذلك وأن من لا يتصرف بنفسه له أن يقيم غيره مقامه وأن العبد إذا أذن له في التجارة جاز تصرفه وجواز رفع الصوت عند إنكار المنكر وأنه يجوز لمن أراد أن يشتري للعتق إظهار ذلك لأصحاب الرقبة ليساهلوه في الثمن ولا يعد ذلك من الرياء وإنكار القول المخالف للشرع وانتهار الرسول فيه وأن الشيء إذا بيع بالنقد فالرغبة فيه أكثر مما إذا بيع بالنسيئة وأن المكاتب لو عجل بعض كتابته قبل المحل على أن يضع عنه سيده الباقي لم يجبر وجواز الكتابة على قيمة الرقيق وأقل منها وأكثر لأن بين الثمن المنجز والمؤجل فرقا ومع ذلك فقد بذلت عائشة المؤجل ناجزا فدل على أن قيمتها بالتأجيل أكثر مما كوتبت به وكان أهلها باعوها به وأن المراد بالخير في قوله تعالى { { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } } القدرة على الكسب والوفاء بما وقعت الكتابة عليه وليس المراد به المال وعن ابن عباس أن المراد بالخير المال مع أنه يقول إن العبد لا يملك فنسب إلى التناقض لأن المال الذي في يد المكاتب لسيده فكيف يكاتبه بماله ومن يقول العبد يملك لا يرد هذا عليه قال الحافظ والذي يظهر أنه لا يصح عن ابن عباس أحد الأمرين وفيه جواز كتابة من لا حرفة له وقال به الجمهور واختلف عن مالك وأحمد وذلك أن بريرة استعانت على كتابتها فلو كان لها حرفة أو مال لم تحتج إلى الاستعانة لأن كتابتها لم تكن حالة وعند الطبري من رواية أبي الزبير عن عروة أن عائشة ابتاعت بريرة مكاتبة وهي لم تقبض من كتابتها شيئا وجواز أخذ الكتابة من مسألة الناس والرد على من كره ذلك وزعم أنها أوساخ الناس ومشروعية إعانة المكاتب بالصدقة وجواز التأقيت في الديون في كل شهر كذا من غير بيان أوله أو وسطه ولا يكون ذلك مجهولا لأنه يتبين بانقضاء الشهر الحلول قاله ابن عبد البر ونظر فيه باحتمال أن قول بريرة في كل عام أوقية أي في غرته مثلا وعلى تسليمه فيفرق بين الكتابة والديون بأن المكاتب إذا عجز حل لسيده ما أخذه منه بخلاف الأجنبي وقال ابن بطال لا فرق بين الديون وغيرها وقصة بريرة محمولة على أن الراوي قصر في بيان تعيين الوقت وإلا يصير الأجل مجهولا وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع إلا إلى أجل معلوم وفيه غير ذلك وقد ذكر أبو عمر أن الناس أكثروا في حديث بريرة من الاستنباط فمنهم من أجاد ومنهم من خلط وأتى بما لا معنى له كقول بعضهم فيه إباحة البكاء في المحبة لبكاء زوج بريرة وذكر في الحديث المتقدم في النكاح أن ابن خزيمة وابن جرير ألف كل منهما كتابا في ذلك قال الحافظ وبلغ بعض المتأخرين فوائده أربعمائة أكثرها مستبعد متكلف كما وقع نظير ذلك للذي صنف في الكلام على حديث المجامع في رمضان فبلغ به ألف فائدة وواحدة وأخرجه البخاري في البيوع عن عبد الله بن يوسف وفي الشروط عن إسماعيل كلاهما عن مالك به وتابعه أبو أسامة وجماعة بكثرة عن هشام في الصحيحين وغيرهما وطرقه كثيرة عندهم ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عائشة أم المؤمنين) وليحيى النيسابوري عن ابن عمر عن عائشة جعله من مسندها وأشار ابن عبد البر في تفرده عن مالك بذلك ورده الحافظ بأن الشافعي عن مالك رواه كذلك عند أبي عوانة والبيهقي ويمكن أنه لم يرد بعن هنا الرواية عنها نفسها بل في السياق شيء محذوف تقديره عن قصة عائشة في أنها ( أرادت أن تشتري جارية) هي بريرة ( تعتقها) بالرفع وفي رواية لتعتقها بلام وفي أخرى فتعتقها بالفاء بدل اللام فهو بالنصب ( فقال أهلها) مواليها ( نبيعكها) بكسر الكاف ( على أن ولاءها لنا فذكرت) عائشة ( ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد ما سألها حين سمع إخبار بريرة لها كما مر ( فقال لا يمنعنك) بنون التوكيد الثقيلة وليحيى النيسابوري بدونها ( ذلك) بكسر الكاف وهذا كقوله في رواية الزهري عن عروة ابتاعي فأعتقي وليس فيها شيء من الإشكال الواقع في رواية هشام السابقة حتى قال الشافعي لعل هشاما أو عروة حين سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يمنعنك ذلك رأى أنه أمرها أن تشترط لهم الولاء فلم يقف من حفظه على ما وقف عليه ابن عمر ورد بأن هشاما ثقة حافظ حديثه متفق على صحته فلا وجه لرده فوجب تأويله بما مر ( فإنما الولاء لمن أعتق) بلام الاختصاص أي أن الولاء مختص بمن أعتق قاله الكرماني وجوز غيره أن تكون للاستحقاق كهي في قوله تعالى { { ويل للمطففين } } أو للصيرورة وكل منهما ينافي أن يكون الولاء لغير من أعتق قال المازري فيه حجة لمالك والشافعي وأحمد أنه لا ولاء لملتقط اللقيط خلافا لإسحاق ولا لمن أسلم على يديه خلافا للحنفية والولاء في جميعهم للمسلمين إلا أن يكون لأحدهم وارث وقال أبو حنيفة لكل أحد أن يوالي من شاء فيرثه والحديث حجة على الجميع لأن إنما للحصر تثبت الحكم للمذكور وتنفيه عما سواه وعبر عنها بعضهم بتحقيق المتصل وتمحيق المنفصل قال الأبي إنما مركبة من إن التي هي حرف نفي والأصل بقاء الحروف على معانيها عند الضم ولما استحال رد النفي إلى نفس المثبت لما فيه من التناقض وجب حمله على إثباته للمذكور ونفيه عما سواه وبه عرف معنى تحقيق المتصل وتمحيق المنفصل انتهى والحديث رواه البخاري في العتق والبيع عن عبد الله بن يوسف وفي الفرائض عن قتيبة بن سعيد ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك به ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية المدنية المكثرة عن عائشة ( أن بريرة جاءت تستعين عائشة أم المؤمنين) تطلب منها الإعانة على ما كوتبت به قال الحافظ صورة سياقه الإرسال ولم تختلف الرواة عن مالك في ذلك لكن رواه البخاري من طريق ابن عيينة عن يحيى عن عمرة عن عائشة وفي رواية الإسماعيلي عن القطان وعبد الوهاب الثقفي عن يحيى سمعت عمرة تقول سمعت عائشة فظهر أنه موصول وقد وصله ابن خزيمة من طريق مطرف عن مالك فقال عن عائشة أن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها ( فقالت عائشة إن أحب أهلك) ساداتك ( أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة) أي أدفعه عاجلا في مرة تشبيها بصب الماء وهو انسكابه ( وأعتقك) بضم الهمزة والنصب عطفا على أصب ( فعلت) ذلك ( فذكرت) بإسكان التاء ( ذلك بريرة لأهلها) لمواليها ( فقالوا لا) نبيعك بشرط العتق ( إلا أن يكون لنا ولاؤك قال مالك قال يحيى بن سعيد) شيخه ( فزعمت عمرة) الزعم يستعمل بمعنى القول المحقق أي قالت ( أن عائشة ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق) لا لغيره وظاهره جواز بيع رقبة المكاتب إذا رضي بذلك ولو لم يعجز نفسه وهو قول أحمد وربيعة والأوزاعي والليث وأبي ثور وأحد قولي مالك والشافعي واختاره ابن جرير وابن المنذر والبخاري وغيرهم على تفاصيل لهم في ذلك ومنعه مالك في المشهور وأبو حنيفة والشافعي في أصح قوليه وأجابوا عن قصة بريرة بأنها عجزت نفسها واستدلوا باستعانة بريرة عائشة في ذلك وليس في استعانتها ما يستلزم العجز ولا سيما مع القول بجواز كتابة من لا مال عنده ولا حرفة له قال ابن عبد البر ليس في شيء من طرق حديث بريرة أنها عجزت عن أداء النجم ولا أخبرت بأنه قد حل عليها شيء ولم يرد في شيء من طرقه استفصال النبي صلى الله عليه وسلم لها عن شيء من ذلك لكن قال القرطبي أشبه ما قيل أنها عجزت كما في رواية ابن شهاب عن عروة عن عائشة فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك لأنه لا يقضى من الحقوق إلا ما وجبت المطالبة به ومنهم من أول قولها كاتبت أهلي فقال معناه راوضتهم واتفقت معهم على هذا القدر ولم يقع العقد فبعد رد ذلك بيعت فلا حجة فيه على بيع المكاتب قال القرطبي وهو خلاف ظاهر سياق الحديث وقيل الذي اشترته عائشة كتابة بريرة لا رقبتها وقد أجازه مالك وقال يؤدي إلى المشتري فإن عجز رق له ومنعه الشافعي وأبو حنيفة ورأياه غررا لأنه لا يدري ما يحصل له النجوم أو الرقبة واستبعده القرطبي أيضا وقيل إنهم باعوها بشرط العتق وإذا وقع البيع بشرط العتق صح على أصح القولين عند المالكية والشافعية وقال الحنفية يبطل وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وأصحاب السنن الثلاثة من طريق ابن القاسم كلاهما عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة عند البخاري ويحيى القطان وعبد الوهاب الثقفي عند الإسماعيلي وجعفر بن عون عند أصحاب السنن أربعتهم عن يحيى بن سعيد بنحوه ( مالك عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم المدني ( عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء) بفتح الواو ممدودا وأصله من الولي وهو القرب وأما من الإمارة فالولاء بكسر الواو وقيل فيهما بالوجهين ويطلق على معان والمراد به هنا ولاء الإنعام بالعتق ( وعن هبته) أي الولاء وكانوا في الجاهلية ينقلون الولاء بالبيع وغيره فنهي عن ذلك وهذا الحديث من إفراد ابن دينار واحتاج الناس فيه إليه كما قال أبو عمر وغيره حتى قال مسلم الناس كلهم عيال على عبد الله بن دينار في هذا الحديث وأخرجه عنه من طرق سبعة في صحيحه وأورده غيره عن خمسة وثلاثين حدثوا به عنه قال ابن عبد البر ورواه ابن الماجشون عن مالك عن نافع عن ابن عمر وهو خطأ لم يتابع عليه والصواب عبد الله بن دينار ورواه محمد بن سليمان عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر مرفوعا ولم يتابعه أحد وجميع الأئمة لم يذكروا عمر انتهى وأخرج أبو يعلى وابن حبان عن ابن دينار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب قال الأبي هذا منه صلى الله عليه وسلم تعريف لحقيقة الولاء شرعا ولا تجد تعريفا أتم منه والمعنى أن بين المعتق والعتيق نسبة تشبه نسبة النسب وليست به ووجه الشبه أن العبد لما فيه من الرق كالمعدوم في نفسه والمعتق صيره موجودا كما أن الولد كان معدوما فتسبب الأب في وجوده انتهى وأصله قول ابن العربي معنى الولاء لحمة كلحمة النسب أن الله أخرجه بالحرية إلى النسب حكما كما أن الأب أخرجه بالنطفة إلى الوجود حسًا لأن العبد كان كالمعدوم في حق الأحكام لا يقضي ولا يلي ولا يشهد فأخرجه سيده بالحرية إلى وجود هذه الأحكام من عدمها فلما شابه حكم النسب أنيط بالعتق فلذا جاء إنما الولاء لمن أعتق وألحق برتبة النسب فنهي عن بيعه وعن هبته وأجاز بعض السلف نقله ولعله لم يبلغهم الحديث ( قال مالك في العبد يبتاع نفسه من سيده على أنه يوالي من شاء أن ذلك لا يجوز) لا يصح ( وإنما الولاء لمن أعتق) بنص الحديث وبهذا قال الأكثر وقيل لا ولاء عليه ( ولو أن رجلًا أذن لمولاه) عتيقه ( أن يوالي من شاء ما جاز ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الولاء لمن أعتق) هكذا ورد أيضا بدون إنما عند أحمد والطبراني والخطيب من حديث ابن عباس ( ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء) بالفتح والمد حق ميراث المعتق من العتيق ( وعن هبته فإذا جاز لسيده أن يشترط ذلك) أي الولاء ( له) أي للعبد ( أو يأذن له أن يوالي من شاء فتلك الهبة) المنهي عنها فلذا لا يجوز.



رقم الحديث 1489 حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي.
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَنْكِ.
عَدَدْتُهَا وَيَكُونَ لِي وَلَاؤُكِ فَعَلْتُ.
فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا.
فَقَالَتْ لَهُمْ ذَلِكَ فَأَبَوْا عَلَيْهَا.
فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ.
فَقَالَتْ لِعَائِشَةَ إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَأَبَوْا عَلَيَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ.
فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَسَأَلَهَا.
فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ.
فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ.
ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ.
وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ.
قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ.
وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ.
وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.


مصير الولاء لمن أعتق

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام ( عن خالته عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت جاءت بريرة) بفتح الموحدة وراءين بلا نقط بينهما تحتية بوزن فعيلة مشتقة من البرير وهو ثمر الأراك وقيل كأنها فعيلة من البر بمعنى مفعولة كبرورة أو بمعنى فاعلة كرحيمة هكذا وجهه القرطبي قال الحافظ الأول أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم جويرية وكان اسمها برة وقال لا تزكوا أنفسكم فلو كانت بريرة من البر لشاركتها في ذلك وكانت بريرة لناس من الأنصار كما عند أبي نعيم وقيل لناس من بني هلال قاله ابن عبد البر ويمكن الجمع وقيل لآل أبي أحمد بن جحش وفيه نظر فإن زوجها مغيث هو الذي كان مولى أبي أحمد وقيل لآل عقبة وفيه نظر أيضا لأن مولى عقبة سأل عائشة عن حكم هذه المسألة فذكرت له قصة بريرة أخرجه ابن سعد وكانت بريرة تخدم عائشة قبل أن تعتق كما في حديث الإفك وعاشت إلى خلافة معاوية وتفرست في عبد الملك بن مروان أنه يلي الخلافة فبشرته بذلك ورواه هو عنها كما قدمته ( فقالت إني كاتبت أهلي) يعني ساداتها والأهل في الأصل الآل ( على تسع أواق) بوزن جوار والأصل أواقي بشد الياء فحذفت إحدى الياءين تخفيفا والثانية على طريقة قاض ( في كل عام أوقية) بضم الهمزة وهي أربعون درهما وهذا هو المشهور في الروايات ومثله في رواية ابن وهب عن يونس عن الزهري عن عروة عند مسلم ووقع في رواية علقها البخاري عن الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن بريرة دخلت عليها تستعينها في كتابتها وعليها خمس أواق نجمت عليها في خمس سنين وجزم الإسماعيلي بأنها غلط ويمكن الجمع بأن التسع أصل والخمس كانت بقيت عليها وبه جزم القرطبي وغيره ويعكر عليه قوله في رواية قتيبة عن الليث في الصحيحين ولم تكن أدت من كتابتها شيئا وأجيب بأنها كانت حصلت الأربع أواق قبل أن تستعين بعائشة ثم جاءتها وقد بقي عليها خمسة وأجاب القرطبي بأن الخمس هي التي كانت استحقت عليها بحلول نجومها من جملة التسع الأواقي ويؤيده قوله في رواية عمرة عن عائشة عند البخاري فقال أهلها إن شئت أعطيت ما تبقى ( فأعينيني) بصيغة أمر المؤنث من الإعانة ووقع عند بعض رواة البخاري فأعيتني بصيغة الخبر الماضي من الإعياء أي أعجزتني الأواقي عن تحصيلها وهو متجه المعنى وفي رواية حماد بن سلمة عن هشام عند ابن خزيمة وغيره فأعتقيني من العتق بصيغة الأمر لكن الثابت عن مالك وغيره عن هشام الأول ( فقالت عائشة إن أحب أهلك) بكسر الكاف مواليك ( أن أعدها) أي التسع أواق ( لهم) ثمنا ( عنك عددتها) فيه أن العد في الدراهم المعلومة الوزن يكفي عن الوزن وأن المعاملة حينئذ كانت بالأواقي وزعم بعضهم أن أهل المدينة كانوا يتعاملون بالعد حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأمرهم بالوزن وفيه نظر لأن قصة بريرة بعد الهجرة بنحو ثمان سنين لكن يحتمل أن قول عائشة أن أعدها أي أدفعها لا حقيقة العد ويؤيده قولها في رواية عمرة الآتية أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة ( ويكون) بالنصب عطفا على أعدها ( ولاؤك لي) بعد أن أعتقك ( فعلت) جواب الشرط قال الحافظ وظاهره أن عائشة طلبت أن يكون الولاء لها إذا بذلت جميع مال المكاتبة ولم يقع ذلك إذ لو وقع لكان اللوم على عائشة بطلبها ولاء من أعتقه غيرها وقد رواه أبو أسامة ووهيب كلاهما عن هشام بلفظ يزيل الإشكال فقال بعد قوله أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت فعرف بذلك أنها أرادت أن تشتريها شراء صحيحا ثم تعتقها إذ العتق فرع ثبوت الملك ويؤيده رواية الزهري عن عروة عنها فقال صلى الله عليه وسلم ابتاعي فأعتقي ( فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم ذلك) الذي قالته عائشة ( فأبوا عليها) أي امتنعوا أن يكون الولاء لعائشة ( فجاءت من عند أهلها) إلى عائشة ( ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس) عندها ( فقالت لعائشة إني قد عرضت عليهم ذلك) بكسر الكاف الذي قلتيه ( فأبوا علي إلا أن يكون الولاء لهم) استثناء مفرغ لأن في أبى معنى النفي قال الزمخشري في سورة التوبة فإن قلت كيف جاز أبى الله إلا كذا ولا يقال كرهت أو أبغضت إلا زيدا قلت قد أجرى أبى مجرى لم يرد ألا ترى كيف قوبل يريدون أن يطفئوا نور الله بقوله ويأبى الله وكيف أوقع موقع ولا يريد الله إلا أن يتم نوره ( فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم) من بريرة على سبيل الإجمال ( فسألها) أي عائشة وفي رواية للبخاري فقال ما شأن بريرة ( فأخبرته عائشة) به على سبيل التفصيل ولمسلم من رواية أبي أسامة ولابن خزيمة واللفظ له من رواية حماد بن سلمة كلاهما عن هشام فجاءتني بريرة والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فقالت لي فيما بيني وبينها ما رد أهلها فقلت لاها الله إذا ورفعت صوتي وانتهرتها فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فسألني فأخبرته ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذيها) أي اشتريها منهم لرواية البخاري عن الزهري عن عروة عن عائشة فقال ابتاعي وأعتقي فهذه مفسرة لقوله خذيها وكذا رواية البخاري من وجه آخر عن عائشة دخلت علي بريرة وهي مكاتبة قالت اشتريني وأعتقيني قلت نعم وقوله في حديث ابن عمر التالي لهذا أرادت عائشة أن تشتري جارية فتعتقها ( واشترطي) بصيغة أمر المؤنث من الشرط ( لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق) فعبر بإنما التي للحصر وهو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه ولولا ذلك لما لزم من إثبات الولاء للمعتق نفيه عن غيره ( ففعلت عائشة) الشراء والعتق قال ابن عبد البر وغيره كذا رواه أصحاب هشام وأصحاب مالك عنه عن هشام واستشكل صدور إذنه صلى الله عليه وسلم في البيع على شرط يفسد البيع وخداع البائعين وشرط ما لا يصح ولا يحصل لهم ولذا أنكر ذلك يحيى بن أكثم وأشار الشافعي في الأم إلى تضعيف رواية هشام المصرحة بالاشتراط لانفراده بها دون أصحاب أبيه وروايات غيره قابلة للتأويل وقال غيره إن هشاما روى بالمعنى ما سمعه من أبيه وليس كما ظن وأثبت الروايات آخرون وقالوا هشام ثقة حافظ والحديث متفق على صحته فلا وجه لرده قال ابن خزيمة وكلام يحيى بن أكثم غلط ثم اختلف في التوجيه فزعم الطحاوي عن المزني عن الشافعي أنه بلفظ وأشرطي بهمزة قطع بغير فوقية ومعناه أظهري لهم حكم الولاء والإشراط الإظهار قال أوس بن حجر يذكر رجلا نزل من رأس جبل إلى نبقة يقطعها ليتخذ منها قوسا

فأشرط فيها نفسه وهو معصم
وألقى بأسباب له وتوكلا

أي أظهر نفسه لما حاول أن يفعل انتهى فأنكر غيره هذه الرواية بأن الذي في الأم ومختصر المزني وغيرهما عن الشافعي عن مالك كرواية الجمهور واشترطي بالفوقية وقيل إن اللام بمعنى على كقوله { { وإن أسأتم فلها } } قاله الشافعي والمزني والطحاوي وغيرهم وقال ابن خزيمة إنه لا يصح وقال النووي هو ضعيف لأنه عليه الصلاة والسلام أنكر الاشتراط ولو كانت بمعنى على لم ينكره فإن قيل إنما أنكر إرادة الاشتراط في أول الأمر فالجواب أن سياق الحديث يأبى ذلك وضعفه أيضا ابن دقيق العيد بأن اللام لا تدل بوضعها على الاختصاص النافع بل على مطلق الاختصاص فلا بد في حملها على ذلك من قرينة وقال آخرون الأمر في اشترطي للإباحة على جهة التنبيه على أنه لا ينفعهم فوجوده وعدمه سواء كأنه قال اشترطي أو لا تشترطي ويؤيده قوله في رواية عند البخاري اشتريها ودعيهم يشترطون ما شاؤوا وقيل كان صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بأن اشتراط البائع الولاء باطل واشتهر ذلك بحيث لا يخفى على أهل بريرة فلما أرادوا أن يشترطوا ما تقدم لهم علم بطلانه أطلق الأمر مريدا التهديد على مآل الحال كقوله تعالى { { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله } } وكقول موسى { { ألقوا ما أنتم ملقون } } فليس بنافعكم فكأنه قيل اشترطي لهم فسيعلمون أنه لا ينفعهم ويؤيده أنه وبخهم في خطبته بأنهم يشترطون ما ليس في كتاب الله مشيرا إلى أنه سبق منه بيان حكم الله بإبطاله إذ لو لم يقدم بيان ذلك لبدأ ببيان الحكم في الخطبة لا بتوبيخ الفاعل لأنه كان باقيا على البراءة الأصلية وقيل الأمر فيه بمعنى الوعيد الذي ظاهره الأمر وباطنه النهي كقوله { { اعملوا ما شئتم } } وقال الشافعي لما كان من اشترط خلاف ما قضى الله ورسوله عاصيا وكان في المعاصي حدود وأدب كان من أدب العاصين أن تعطل عليهم شروطهم ليرتدعوا عن ذلك ويرتدع غيرهم وذلك من أيسر الأدب وقيل معنى اشترطي اتركي مخالفتهم فيما شرطوه ولا تظهري نزاعهم فيما طلبوه مراعاة لتنجيز العتق لتشوف الشرع إليه وقد يعبر عن الترك بالفعل كقوله تعالى { { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } } أي بتركهم يفعلون ذلك وليس المراد بالإذن إباحة الإضرار بالسحر قال ابن دقيق العيد وهذا وإن كان محتملا إلا أنه خارج عن الحقيقة من غير دلالة على المجاز من حيث السياق وقال النووي أقوى الأجوبة أن هذا الحكم خاص بعائشة في هذه القضية وأن سببه المبالغة في الرجوع عن هذا الشرط لمخالفته حكم الشرع وهو كفسخ الحج إلى العمرة كان خاصا بتلك الحجة مبالغة في إزالة ما كانوا عليه من منع العمرة في أشهر الحج ويستفاد منه ارتكاب أخف الضررين إذا استلزم إزالة أشدهما وتعقب بأنه استدلال بمختلف فيه على مختلف فيه وتعقبه ابن دقيق العيد بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل وبأن الشافعي نص على خلاف هذه المقالة وقال ابن الجوزي ليس في الحديث أن اشتراط الولاء والعتق كان مقارنا للعقد فيحمل على أنه كان سابقا عليه فالأمر بقوله اشترطي مجرد وعد لا يجب الوفاء به وتعقب باستبعاد أنه صلى الله عليه وسلم يأمر شخصا أن يعد مع علمه بأنه لا يفي بذلك الوعد وقال ابن حزم كان الحكم ثابتا بجواز اشتراط الولاء لغير المعتق فوقع الأمر باشتراطه في الوقت الذي كان جائزا فيه ثم نسخ بالخطبة وقوله إنما الولاء لمن أعتق وتعقب بأنه لا يخفى بعده وسياق طرق الحديث تدفع في وجه هذا الجواب وقال الخطابي وجه الحديث أن الولاء لما كان كلحمة النسب والإنسان إذا ولد له ولد ثبت نسبه ولم ينتقل عنه ولو نسب إلى غيره فكذلك إذا أعتق عبدا ثبت له ولاؤه ولو أراد نقل ولائه عنه أو أذن في نقله عنه لم ينتقل لم يعبأ باشتراطهم الولاء وقيل اشترطي ودعيهم يشترطون ما شاؤوا ونحو ذلك لأنه غير قادح في العقد بل بمنزلة لغو الكلام وأخر إعلامهم ليكون رده وإبطالهم قولا شهيرا يخطب به على المنبر ظاهرا وهو أبلغ في النكير وآكد في التعبير انتهى وهو يؤول إلى أن الأمر بمعنى الإباحة كما تقدم ( ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس) خطيبا ( فحمد الله وأثنى عليه) بما هو أهله ( ثم قال أما بعد) أي بعد الحمد والثناء وفيه القيام في الخطبة وابتداؤها بالحمد والثناء وأما بعد ( فما) بالفاء في جواب أما وفي رواية التنيسي بلا فاء على القليل ( بال) أي حال ( رجال) وفيه حسن الأدب والعشرة فلم يواجههم بالخطاب ولم يصرح بأسمائهم ولأنه يؤخذ منه تقرير شرع عام للمذكورين وغيرهم وللصورة المذكورة وغيرها وهذا بخلاف قصة علي في خطبته بنت أبي جهل فكانت خاصة بفاطمة فلذا عينها ( يشترطون شروطا ليست في كتاب الله) أي ليست في حكمه وقضائه من كتابه أو سنة رسوله لأن الله لما أمر باتباعه جاز أن يقال لما حكم به حكم الله وقضاؤه وقد أخبر أن الولاء لمن أعتق ولا يعلم ذلك في نص الكتاب ولا دلالته قاله ابن عبد البر زاد ابن بطال أو إجماع الأمة وقال ابن خزيمة أي ليس في حكم الله جوازه أو وجوبه لأن كل شرط لم ينطق به القرآن باطل لأنه قد يشترط الكفيل فلا يبطل الشرط ويشترط في الثمن شروط من أوصافه أو نجومه أو نحو ذلك فلا يبطل وقال القرطبي أي ليس مشروعا في كتاب الله تأصيلا ولا تفصيلا ومعنى هذا أن من الأحكام ما يوجد تفصيله في كتاب الله كالوضوء ومنها ما يوجد تأصيله دون تفصيله كالصلاة ومنها ما أصل أصله لدلالة الكتاب على أصلية السنة والإجماع وكذلك القياس الصحيح فكل ما يقتبس من هذه الأصول تفصيلا فهو مأخوذ من كتاب الله تأصيلا ( ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) جواب ما الموصولة المقتضية لمعنى الشرط ( وإن كان مائة شرط) قال القرطبي وغيره خرج مخرج التكثير لأن العموم في قوله ما كان إلخ دال على بطلان جميع الشروط ولو زادت على مائة شرط يعني أن الشروط الغير مشروعة باطلة وإن كثرت ويستفاد منه أن الشروط المشروعة صحيحة وقال المازري الشروط ثلاثة شرط يقتضيه العقد كالتسليم والتصرف فلا خلاف في جوازه ولزومه وإن لم يشترط وشرط لا يقتضيه بل هو مصلح له كرهن وحميل فهو جائز ولا يلزم إلا بشرط وشرط مناقض للعقد فهذا اضطرب فيه العلماء والمشهور في المذهب بطلان العقد والشرط معا لحديث من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد ولما في العقد من الجهالة لأن الشرط وضع له من الثمن فله حصة من المعاوضة فيجب بطلان ما قابله وهو مجهول وجهالته تؤدي إلى جهالة ما سواه فيجب فسخ الجميع وقيل يبطل الشرط خاصة ( قضاء الله) أي حكمه ( أحق) بالاتباع من الشروط المخالفة ( وشرط الله) أي قوله { { فإخوانكم في الدين ومواليكم } } وقوله { { وما آتاكم الرسول فخذوه } } الآية قاله الداودي قال عياض والظاهر عندي أنه قوله صلى الله عليه وسلم إنما الولاء لمن أعتق وقوله مولى القوم منهم وقوله الولاء لحمة كلحمة النسب ( أوثق) أقوى باتباع حدوده التي حدها وأفعل فيهما ليس على بابه إذ لا مشاركة بين الحق والباطل وقد جاء أفعل لغير التفضيل كثيرا ويحتمل أن ذلك ورد على ما اعتقدوه من الجواز ( وإنما الولاء لمن أعتق) ذكرا كان أو أنثى واحدا أو جمعا لأن من للعموم لا لمن أسلم على يديه ولا يحلف خلافا للحنفية ولا للملتقط خلافا لإسحاق وفيه جواز السجع غير المتكلف وإنما نهي عن سجع الكهان وشبهه لتكلفه واشتماله على مطوي الغيب وجواز كتابة الأمة كالعبد وكتابة المتزوجة وإن لم يأذن الزوج وأنه ليس له منعها منها ولو كانت تؤدي إلى فراقها كما أنه ليس للعبد المتزوج منع السيد من عتق أمته التي تحته وإن أدى إلى بطلان نكاحها وجواز سعي المكاتبة وسؤالها واكتسابها وتمكين السيد لها من ذلك ومحله إذا علم حل كسبها والنهي الوارد عن كسب الأمة محمول على من لم يعرف حله أو على غير المكاتبة وأن للمكاتب أن يسأل من حين الكتابة ولا يشترط عجزه خلافا لمن شرطه وجواز السؤال لمن احتاج إليه من دين أو غرم أو نحو ذلك وأنه يجوز تعجيل مال الكتابة والمساومة في البيع وغيره وتشديد صاحب السلعة فيها وتصرف المرأة الرشيدة لنفسها في البيع وغيره ولو متزوجة خلافا لمن أبى ذلك وأن من لا يتصرف بنفسه له أن يقيم غيره مقامه وأن العبد إذا أذن له في التجارة جاز تصرفه وجواز رفع الصوت عند إنكار المنكر وأنه يجوز لمن أراد أن يشتري للعتق إظهار ذلك لأصحاب الرقبة ليساهلوه في الثمن ولا يعد ذلك من الرياء وإنكار القول المخالف للشرع وانتهار الرسول فيه وأن الشيء إذا بيع بالنقد فالرغبة فيه أكثر مما إذا بيع بالنسيئة وأن المكاتب لو عجل بعض كتابته قبل المحل على أن يضع عنه سيده الباقي لم يجبر وجواز الكتابة على قيمة الرقيق وأقل منها وأكثر لأن بين الثمن المنجز والمؤجل فرقا ومع ذلك فقد بذلت عائشة المؤجل ناجزا فدل على أن قيمتها بالتأجيل أكثر مما كوتبت به وكان أهلها باعوها به وأن المراد بالخير في قوله تعالى { { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } } القدرة على الكسب والوفاء بما وقعت الكتابة عليه وليس المراد به المال وعن ابن عباس أن المراد بالخير المال مع أنه يقول إن العبد لا يملك فنسب إلى التناقض لأن المال الذي في يد المكاتب لسيده فكيف يكاتبه بماله ومن يقول العبد يملك لا يرد هذا عليه قال الحافظ والذي يظهر أنه لا يصح عن ابن عباس أحد الأمرين وفيه جواز كتابة من لا حرفة له وقال به الجمهور واختلف عن مالك وأحمد وذلك أن بريرة استعانت على كتابتها فلو كان لها حرفة أو مال لم تحتج إلى الاستعانة لأن كتابتها لم تكن حالة وعند الطبري من رواية أبي الزبير عن عروة أن عائشة ابتاعت بريرة مكاتبة وهي لم تقبض من كتابتها شيئا وجواز أخذ الكتابة من مسألة الناس والرد على من كره ذلك وزعم أنها أوساخ الناس ومشروعية إعانة المكاتب بالصدقة وجواز التأقيت في الديون في كل شهر كذا من غير بيان أوله أو وسطه ولا يكون ذلك مجهولا لأنه يتبين بانقضاء الشهر الحلول قاله ابن عبد البر ونظر فيه باحتمال أن قول بريرة في كل عام أوقية أي في غرته مثلا وعلى تسليمه فيفرق بين الكتابة والديون بأن المكاتب إذا عجز حل لسيده ما أخذه منه بخلاف الأجنبي وقال ابن بطال لا فرق بين الديون وغيرها وقصة بريرة محمولة على أن الراوي قصر في بيان تعيين الوقت وإلا يصير الأجل مجهولا وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع إلا إلى أجل معلوم وفيه غير ذلك وقد ذكر أبو عمر أن الناس أكثروا في حديث بريرة من الاستنباط فمنهم من أجاد ومنهم من خلط وأتى بما لا معنى له كقول بعضهم فيه إباحة البكاء في المحبة لبكاء زوج بريرة وذكر في الحديث المتقدم في النكاح أن ابن خزيمة وابن جرير ألف كل منهما كتابا في ذلك قال الحافظ وبلغ بعض المتأخرين فوائده أربعمائة أكثرها مستبعد متكلف كما وقع نظير ذلك للذي صنف في الكلام على حديث المجامع في رمضان فبلغ به ألف فائدة وواحدة وأخرجه البخاري في البيوع عن عبد الله بن يوسف وفي الشروط عن إسماعيل كلاهما عن مالك به وتابعه أبو أسامة وجماعة بكثرة عن هشام في الصحيحين وغيرهما وطرقه كثيرة عندهم ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عائشة أم المؤمنين) وليحيى النيسابوري عن ابن عمر عن عائشة جعله من مسندها وأشار ابن عبد البر في تفرده عن مالك بذلك ورده الحافظ بأن الشافعي عن مالك رواه كذلك عند أبي عوانة والبيهقي ويمكن أنه لم يرد بعن هنا الرواية عنها نفسها بل في السياق شيء محذوف تقديره عن قصة عائشة في أنها ( أرادت أن تشتري جارية) هي بريرة ( تعتقها) بالرفع وفي رواية لتعتقها بلام وفي أخرى فتعتقها بالفاء بدل اللام فهو بالنصب ( فقال أهلها) مواليها ( نبيعكها) بكسر الكاف ( على أن ولاءها لنا فذكرت) عائشة ( ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد ما سألها حين سمع إخبار بريرة لها كما مر ( فقال لا يمنعنك) بنون التوكيد الثقيلة وليحيى النيسابوري بدونها ( ذلك) بكسر الكاف وهذا كقوله في رواية الزهري عن عروة ابتاعي فأعتقي وليس فيها شيء من الإشكال الواقع في رواية هشام السابقة حتى قال الشافعي لعل هشاما أو عروة حين سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يمنعنك ذلك رأى أنه أمرها أن تشترط لهم الولاء فلم يقف من حفظه على ما وقف عليه ابن عمر ورد بأن هشاما ثقة حافظ حديثه متفق على صحته فلا وجه لرده فوجب تأويله بما مر ( فإنما الولاء لمن أعتق) بلام الاختصاص أي أن الولاء مختص بمن أعتق قاله الكرماني وجوز غيره أن تكون للاستحقاق كهي في قوله تعالى { { ويل للمطففين } } أو للصيرورة وكل منهما ينافي أن يكون الولاء لغير من أعتق قال المازري فيه حجة لمالك والشافعي وأحمد أنه لا ولاء لملتقط اللقيط خلافا لإسحاق ولا لمن أسلم على يديه خلافا للحنفية والولاء في جميعهم للمسلمين إلا أن يكون لأحدهم وارث وقال أبو حنيفة لكل أحد أن يوالي من شاء فيرثه والحديث حجة على الجميع لأن إنما للحصر تثبت الحكم للمذكور وتنفيه عما سواه وعبر عنها بعضهم بتحقيق المتصل وتمحيق المنفصل قال الأبي إنما مركبة من إن التي هي حرف نفي والأصل بقاء الحروف على معانيها عند الضم ولما استحال رد النفي إلى نفس المثبت لما فيه من التناقض وجب حمله على إثباته للمذكور ونفيه عما سواه وبه عرف معنى تحقيق المتصل وتمحيق المنفصل انتهى والحديث رواه البخاري في العتق والبيع عن عبد الله بن يوسف وفي الفرائض عن قتيبة بن سعيد ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك به ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية المدنية المكثرة عن عائشة ( أن بريرة جاءت تستعين عائشة أم المؤمنين) تطلب منها الإعانة على ما كوتبت به قال الحافظ صورة سياقه الإرسال ولم تختلف الرواة عن مالك في ذلك لكن رواه البخاري من طريق ابن عيينة عن يحيى عن عمرة عن عائشة وفي رواية الإسماعيلي عن القطان وعبد الوهاب الثقفي عن يحيى سمعت عمرة تقول سمعت عائشة فظهر أنه موصول وقد وصله ابن خزيمة من طريق مطرف عن مالك فقال عن عائشة أن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها ( فقالت عائشة إن أحب أهلك) ساداتك ( أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة) أي أدفعه عاجلا في مرة تشبيها بصب الماء وهو انسكابه ( وأعتقك) بضم الهمزة والنصب عطفا على أصب ( فعلت) ذلك ( فذكرت) بإسكان التاء ( ذلك بريرة لأهلها) لمواليها ( فقالوا لا) نبيعك بشرط العتق ( إلا أن يكون لنا ولاؤك قال مالك قال يحيى بن سعيد) شيخه ( فزعمت عمرة) الزعم يستعمل بمعنى القول المحقق أي قالت ( أن عائشة ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق) لا لغيره وظاهره جواز بيع رقبة المكاتب إذا رضي بذلك ولو لم يعجز نفسه وهو قول أحمد وربيعة والأوزاعي والليث وأبي ثور وأحد قولي مالك والشافعي واختاره ابن جرير وابن المنذر والبخاري وغيرهم على تفاصيل لهم في ذلك ومنعه مالك في المشهور وأبو حنيفة والشافعي في أصح قوليه وأجابوا عن قصة بريرة بأنها عجزت نفسها واستدلوا باستعانة بريرة عائشة في ذلك وليس في استعانتها ما يستلزم العجز ولا سيما مع القول بجواز كتابة من لا مال عنده ولا حرفة له قال ابن عبد البر ليس في شيء من طرق حديث بريرة أنها عجزت عن أداء النجم ولا أخبرت بأنه قد حل عليها شيء ولم يرد في شيء من طرقه استفصال النبي صلى الله عليه وسلم لها عن شيء من ذلك لكن قال القرطبي أشبه ما قيل أنها عجزت كما في رواية ابن شهاب عن عروة عن عائشة فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك لأنه لا يقضى من الحقوق إلا ما وجبت المطالبة به ومنهم من أول قولها كاتبت أهلي فقال معناه راوضتهم واتفقت معهم على هذا القدر ولم يقع العقد فبعد رد ذلك بيعت فلا حجة فيه على بيع المكاتب قال القرطبي وهو خلاف ظاهر سياق الحديث وقيل الذي اشترته عائشة كتابة بريرة لا رقبتها وقد أجازه مالك وقال يؤدي إلى المشتري فإن عجز رق له ومنعه الشافعي وأبو حنيفة ورأياه غررا لأنه لا يدري ما يحصل له النجوم أو الرقبة واستبعده القرطبي أيضا وقيل إنهم باعوها بشرط العتق وإذا وقع البيع بشرط العتق صح على أصح القولين عند المالكية والشافعية وقال الحنفية يبطل وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وأصحاب السنن الثلاثة من طريق ابن القاسم كلاهما عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة عند البخاري ويحيى القطان وعبد الوهاب الثقفي عند الإسماعيلي وجعفر بن عون عند أصحاب السنن أربعتهم عن يحيى بن سعيد بنحوه ( مالك عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم المدني ( عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء) بفتح الواو ممدودا وأصله من الولي وهو القرب وأما من الإمارة فالولاء بكسر الواو وقيل فيهما بالوجهين ويطلق على معان والمراد به هنا ولاء الإنعام بالعتق ( وعن هبته) أي الولاء وكانوا في الجاهلية ينقلون الولاء بالبيع وغيره فنهي عن ذلك وهذا الحديث من إفراد ابن دينار واحتاج الناس فيه إليه كما قال أبو عمر وغيره حتى قال مسلم الناس كلهم عيال على عبد الله بن دينار في هذا الحديث وأخرجه عنه من طرق سبعة في صحيحه وأورده غيره عن خمسة وثلاثين حدثوا به عنه قال ابن عبد البر ورواه ابن الماجشون عن مالك عن نافع عن ابن عمر وهو خطأ لم يتابع عليه والصواب عبد الله بن دينار ورواه محمد بن سليمان عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر مرفوعا ولم يتابعه أحد وجميع الأئمة لم يذكروا عمر انتهى وأخرج أبو يعلى وابن حبان عن ابن دينار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب قال الأبي هذا منه صلى الله عليه وسلم تعريف لحقيقة الولاء شرعا ولا تجد تعريفا أتم منه والمعنى أن بين المعتق والعتيق نسبة تشبه نسبة النسب وليست به ووجه الشبه أن العبد لما فيه من الرق كالمعدوم في نفسه والمعتق صيره موجودا كما أن الولد كان معدوما فتسبب الأب في وجوده انتهى وأصله قول ابن العربي معنى الولاء لحمة كلحمة النسب أن الله أخرجه بالحرية إلى النسب حكما كما أن الأب أخرجه بالنطفة إلى الوجود حسًا لأن العبد كان كالمعدوم في حق الأحكام لا يقضي ولا يلي ولا يشهد فأخرجه سيده بالحرية إلى وجود هذه الأحكام من عدمها فلما شابه حكم النسب أنيط بالعتق فلذا جاء إنما الولاء لمن أعتق وألحق برتبة النسب فنهي عن بيعه وعن هبته وأجاز بعض السلف نقله ولعله لم يبلغهم الحديث ( قال مالك في العبد يبتاع نفسه من سيده على أنه يوالي من شاء أن ذلك لا يجوز) لا يصح ( وإنما الولاء لمن أعتق) بنص الحديث وبهذا قال الأكثر وقيل لا ولاء عليه ( ولو أن رجلًا أذن لمولاه) عتيقه ( أن يوالي من شاء ما جاز ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الولاء لمن أعتق) هكذا ورد أيضا بدون إنما عند أحمد والطبراني والخطيب من حديث ابن عباس ( ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء) بالفتح والمد حق ميراث المعتق من العتيق ( وعن هبته فإذا جاز لسيده أن يشترط ذلك) أي الولاء ( له) أي للعبد ( أو يأذن له أن يوالي من شاء فتلك الهبة) المنهي عنها فلذا لا يجوز.



رقم الحديث 1491 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَبْتَاعُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ عَلَى أَنَّهُ يُوَالِي مَنْ شَاءَ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَذِنَ لِمَوْلَاهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ، مَا جَازَ ذَلِكَ.
لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ فَإِذَا جَازَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ لَهُ، وَأَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ، فَتِلْكَ الْهِبَةُ.


مصير الولاء لمن أعتق

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام ( عن خالته عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت جاءت بريرة) بفتح الموحدة وراءين بلا نقط بينهما تحتية بوزن فعيلة مشتقة من البرير وهو ثمر الأراك وقيل كأنها فعيلة من البر بمعنى مفعولة كبرورة أو بمعنى فاعلة كرحيمة هكذا وجهه القرطبي قال الحافظ الأول أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم جويرية وكان اسمها برة وقال لا تزكوا أنفسكم فلو كانت بريرة من البر لشاركتها في ذلك وكانت بريرة لناس من الأنصار كما عند أبي نعيم وقيل لناس من بني هلال قاله ابن عبد البر ويمكن الجمع وقيل لآل أبي أحمد بن جحش وفيه نظر فإن زوجها مغيث هو الذي كان مولى أبي أحمد وقيل لآل عقبة وفيه نظر أيضا لأن مولى عقبة سأل عائشة عن حكم هذه المسألة فذكرت له قصة بريرة أخرجه ابن سعد وكانت بريرة تخدم عائشة قبل أن تعتق كما في حديث الإفك وعاشت إلى خلافة معاوية وتفرست في عبد الملك بن مروان أنه يلي الخلافة فبشرته بذلك ورواه هو عنها كما قدمته ( فقالت إني كاتبت أهلي) يعني ساداتها والأهل في الأصل الآل ( على تسع أواق) بوزن جوار والأصل أواقي بشد الياء فحذفت إحدى الياءين تخفيفا والثانية على طريقة قاض ( في كل عام أوقية) بضم الهمزة وهي أربعون درهما وهذا هو المشهور في الروايات ومثله في رواية ابن وهب عن يونس عن الزهري عن عروة عند مسلم ووقع في رواية علقها البخاري عن الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن بريرة دخلت عليها تستعينها في كتابتها وعليها خمس أواق نجمت عليها في خمس سنين وجزم الإسماعيلي بأنها غلط ويمكن الجمع بأن التسع أصل والخمس كانت بقيت عليها وبه جزم القرطبي وغيره ويعكر عليه قوله في رواية قتيبة عن الليث في الصحيحين ولم تكن أدت من كتابتها شيئا وأجيب بأنها كانت حصلت الأربع أواق قبل أن تستعين بعائشة ثم جاءتها وقد بقي عليها خمسة وأجاب القرطبي بأن الخمس هي التي كانت استحقت عليها بحلول نجومها من جملة التسع الأواقي ويؤيده قوله في رواية عمرة عن عائشة عند البخاري فقال أهلها إن شئت أعطيت ما تبقى ( فأعينيني) بصيغة أمر المؤنث من الإعانة ووقع عند بعض رواة البخاري فأعيتني بصيغة الخبر الماضي من الإعياء أي أعجزتني الأواقي عن تحصيلها وهو متجه المعنى وفي رواية حماد بن سلمة عن هشام عند ابن خزيمة وغيره فأعتقيني من العتق بصيغة الأمر لكن الثابت عن مالك وغيره عن هشام الأول ( فقالت عائشة إن أحب أهلك) بكسر الكاف مواليك ( أن أعدها) أي التسع أواق ( لهم) ثمنا ( عنك عددتها) فيه أن العد في الدراهم المعلومة الوزن يكفي عن الوزن وأن المعاملة حينئذ كانت بالأواقي وزعم بعضهم أن أهل المدينة كانوا يتعاملون بالعد حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأمرهم بالوزن وفيه نظر لأن قصة بريرة بعد الهجرة بنحو ثمان سنين لكن يحتمل أن قول عائشة أن أعدها أي أدفعها لا حقيقة العد ويؤيده قولها في رواية عمرة الآتية أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة ( ويكون) بالنصب عطفا على أعدها ( ولاؤك لي) بعد أن أعتقك ( فعلت) جواب الشرط قال الحافظ وظاهره أن عائشة طلبت أن يكون الولاء لها إذا بذلت جميع مال المكاتبة ولم يقع ذلك إذ لو وقع لكان اللوم على عائشة بطلبها ولاء من أعتقه غيرها وقد رواه أبو أسامة ووهيب كلاهما عن هشام بلفظ يزيل الإشكال فقال بعد قوله أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت فعرف بذلك أنها أرادت أن تشتريها شراء صحيحا ثم تعتقها إذ العتق فرع ثبوت الملك ويؤيده رواية الزهري عن عروة عنها فقال صلى الله عليه وسلم ابتاعي فأعتقي ( فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم ذلك) الذي قالته عائشة ( فأبوا عليها) أي امتنعوا أن يكون الولاء لعائشة ( فجاءت من عند أهلها) إلى عائشة ( ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس) عندها ( فقالت لعائشة إني قد عرضت عليهم ذلك) بكسر الكاف الذي قلتيه ( فأبوا علي إلا أن يكون الولاء لهم) استثناء مفرغ لأن في أبى معنى النفي قال الزمخشري في سورة التوبة فإن قلت كيف جاز أبى الله إلا كذا ولا يقال كرهت أو أبغضت إلا زيدا قلت قد أجرى أبى مجرى لم يرد ألا ترى كيف قوبل يريدون أن يطفئوا نور الله بقوله ويأبى الله وكيف أوقع موقع ولا يريد الله إلا أن يتم نوره ( فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم) من بريرة على سبيل الإجمال ( فسألها) أي عائشة وفي رواية للبخاري فقال ما شأن بريرة ( فأخبرته عائشة) به على سبيل التفصيل ولمسلم من رواية أبي أسامة ولابن خزيمة واللفظ له من رواية حماد بن سلمة كلاهما عن هشام فجاءتني بريرة والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فقالت لي فيما بيني وبينها ما رد أهلها فقلت لاها الله إذا ورفعت صوتي وانتهرتها فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فسألني فأخبرته ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذيها) أي اشتريها منهم لرواية البخاري عن الزهري عن عروة عن عائشة فقال ابتاعي وأعتقي فهذه مفسرة لقوله خذيها وكذا رواية البخاري من وجه آخر عن عائشة دخلت علي بريرة وهي مكاتبة قالت اشتريني وأعتقيني قلت نعم وقوله في حديث ابن عمر التالي لهذا أرادت عائشة أن تشتري جارية فتعتقها ( واشترطي) بصيغة أمر المؤنث من الشرط ( لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق) فعبر بإنما التي للحصر وهو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه ولولا ذلك لما لزم من إثبات الولاء للمعتق نفيه عن غيره ( ففعلت عائشة) الشراء والعتق قال ابن عبد البر وغيره كذا رواه أصحاب هشام وأصحاب مالك عنه عن هشام واستشكل صدور إذنه صلى الله عليه وسلم في البيع على شرط يفسد البيع وخداع البائعين وشرط ما لا يصح ولا يحصل لهم ولذا أنكر ذلك يحيى بن أكثم وأشار الشافعي في الأم إلى تضعيف رواية هشام المصرحة بالاشتراط لانفراده بها دون أصحاب أبيه وروايات غيره قابلة للتأويل وقال غيره إن هشاما روى بالمعنى ما سمعه من أبيه وليس كما ظن وأثبت الروايات آخرون وقالوا هشام ثقة حافظ والحديث متفق على صحته فلا وجه لرده قال ابن خزيمة وكلام يحيى بن أكثم غلط ثم اختلف في التوجيه فزعم الطحاوي عن المزني عن الشافعي أنه بلفظ وأشرطي بهمزة قطع بغير فوقية ومعناه أظهري لهم حكم الولاء والإشراط الإظهار قال أوس بن حجر يذكر رجلا نزل من رأس جبل إلى نبقة يقطعها ليتخذ منها قوسا

فأشرط فيها نفسه وهو معصم
وألقى بأسباب له وتوكلا

أي أظهر نفسه لما حاول أن يفعل انتهى فأنكر غيره هذه الرواية بأن الذي في الأم ومختصر المزني وغيرهما عن الشافعي عن مالك كرواية الجمهور واشترطي بالفوقية وقيل إن اللام بمعنى على كقوله { { وإن أسأتم فلها } } قاله الشافعي والمزني والطحاوي وغيرهم وقال ابن خزيمة إنه لا يصح وقال النووي هو ضعيف لأنه عليه الصلاة والسلام أنكر الاشتراط ولو كانت بمعنى على لم ينكره فإن قيل إنما أنكر إرادة الاشتراط في أول الأمر فالجواب أن سياق الحديث يأبى ذلك وضعفه أيضا ابن دقيق العيد بأن اللام لا تدل بوضعها على الاختصاص النافع بل على مطلق الاختصاص فلا بد في حملها على ذلك من قرينة وقال آخرون الأمر في اشترطي للإباحة على جهة التنبيه على أنه لا ينفعهم فوجوده وعدمه سواء كأنه قال اشترطي أو لا تشترطي ويؤيده قوله في رواية عند البخاري اشتريها ودعيهم يشترطون ما شاؤوا وقيل كان صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بأن اشتراط البائع الولاء باطل واشتهر ذلك بحيث لا يخفى على أهل بريرة فلما أرادوا أن يشترطوا ما تقدم لهم علم بطلانه أطلق الأمر مريدا التهديد على مآل الحال كقوله تعالى { { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله } } وكقول موسى { { ألقوا ما أنتم ملقون } } فليس بنافعكم فكأنه قيل اشترطي لهم فسيعلمون أنه لا ينفعهم ويؤيده أنه وبخهم في خطبته بأنهم يشترطون ما ليس في كتاب الله مشيرا إلى أنه سبق منه بيان حكم الله بإبطاله إذ لو لم يقدم بيان ذلك لبدأ ببيان الحكم في الخطبة لا بتوبيخ الفاعل لأنه كان باقيا على البراءة الأصلية وقيل الأمر فيه بمعنى الوعيد الذي ظاهره الأمر وباطنه النهي كقوله { { اعملوا ما شئتم } } وقال الشافعي لما كان من اشترط خلاف ما قضى الله ورسوله عاصيا وكان في المعاصي حدود وأدب كان من أدب العاصين أن تعطل عليهم شروطهم ليرتدعوا عن ذلك ويرتدع غيرهم وذلك من أيسر الأدب وقيل معنى اشترطي اتركي مخالفتهم فيما شرطوه ولا تظهري نزاعهم فيما طلبوه مراعاة لتنجيز العتق لتشوف الشرع إليه وقد يعبر عن الترك بالفعل كقوله تعالى { { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } } أي بتركهم يفعلون ذلك وليس المراد بالإذن إباحة الإضرار بالسحر قال ابن دقيق العيد وهذا وإن كان محتملا إلا أنه خارج عن الحقيقة من غير دلالة على المجاز من حيث السياق وقال النووي أقوى الأجوبة أن هذا الحكم خاص بعائشة في هذه القضية وأن سببه المبالغة في الرجوع عن هذا الشرط لمخالفته حكم الشرع وهو كفسخ الحج إلى العمرة كان خاصا بتلك الحجة مبالغة في إزالة ما كانوا عليه من منع العمرة في أشهر الحج ويستفاد منه ارتكاب أخف الضررين إذا استلزم إزالة أشدهما وتعقب بأنه استدلال بمختلف فيه على مختلف فيه وتعقبه ابن دقيق العيد بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل وبأن الشافعي نص على خلاف هذه المقالة وقال ابن الجوزي ليس في الحديث أن اشتراط الولاء والعتق كان مقارنا للعقد فيحمل على أنه كان سابقا عليه فالأمر بقوله اشترطي مجرد وعد لا يجب الوفاء به وتعقب باستبعاد أنه صلى الله عليه وسلم يأمر شخصا أن يعد مع علمه بأنه لا يفي بذلك الوعد وقال ابن حزم كان الحكم ثابتا بجواز اشتراط الولاء لغير المعتق فوقع الأمر باشتراطه في الوقت الذي كان جائزا فيه ثم نسخ بالخطبة وقوله إنما الولاء لمن أعتق وتعقب بأنه لا يخفى بعده وسياق طرق الحديث تدفع في وجه هذا الجواب وقال الخطابي وجه الحديث أن الولاء لما كان كلحمة النسب والإنسان إذا ولد له ولد ثبت نسبه ولم ينتقل عنه ولو نسب إلى غيره فكذلك إذا أعتق عبدا ثبت له ولاؤه ولو أراد نقل ولائه عنه أو أذن في نقله عنه لم ينتقل لم يعبأ باشتراطهم الولاء وقيل اشترطي ودعيهم يشترطون ما شاؤوا ونحو ذلك لأنه غير قادح في العقد بل بمنزلة لغو الكلام وأخر إعلامهم ليكون رده وإبطالهم قولا شهيرا يخطب به على المنبر ظاهرا وهو أبلغ في النكير وآكد في التعبير انتهى وهو يؤول إلى أن الأمر بمعنى الإباحة كما تقدم ( ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس) خطيبا ( فحمد الله وأثنى عليه) بما هو أهله ( ثم قال أما بعد) أي بعد الحمد والثناء وفيه القيام في الخطبة وابتداؤها بالحمد والثناء وأما بعد ( فما) بالفاء في جواب أما وفي رواية التنيسي بلا فاء على القليل ( بال) أي حال ( رجال) وفيه حسن الأدب والعشرة فلم يواجههم بالخطاب ولم يصرح بأسمائهم ولأنه يؤخذ منه تقرير شرع عام للمذكورين وغيرهم وللصورة المذكورة وغيرها وهذا بخلاف قصة علي في خطبته بنت أبي جهل فكانت خاصة بفاطمة فلذا عينها ( يشترطون شروطا ليست في كتاب الله) أي ليست في حكمه وقضائه من كتابه أو سنة رسوله لأن الله لما أمر باتباعه جاز أن يقال لما حكم به حكم الله وقضاؤه وقد أخبر أن الولاء لمن أعتق ولا يعلم ذلك في نص الكتاب ولا دلالته قاله ابن عبد البر زاد ابن بطال أو إجماع الأمة وقال ابن خزيمة أي ليس في حكم الله جوازه أو وجوبه لأن كل شرط لم ينطق به القرآن باطل لأنه قد يشترط الكفيل فلا يبطل الشرط ويشترط في الثمن شروط من أوصافه أو نجومه أو نحو ذلك فلا يبطل وقال القرطبي أي ليس مشروعا في كتاب الله تأصيلا ولا تفصيلا ومعنى هذا أن من الأحكام ما يوجد تفصيله في كتاب الله كالوضوء ومنها ما يوجد تأصيله دون تفصيله كالصلاة ومنها ما أصل أصله لدلالة الكتاب على أصلية السنة والإجماع وكذلك القياس الصحيح فكل ما يقتبس من هذه الأصول تفصيلا فهو مأخوذ من كتاب الله تأصيلا ( ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) جواب ما الموصولة المقتضية لمعنى الشرط ( وإن كان مائة شرط) قال القرطبي وغيره خرج مخرج التكثير لأن العموم في قوله ما كان إلخ دال على بطلان جميع الشروط ولو زادت على مائة شرط يعني أن الشروط الغير مشروعة باطلة وإن كثرت ويستفاد منه أن الشروط المشروعة صحيحة وقال المازري الشروط ثلاثة شرط يقتضيه العقد كالتسليم والتصرف فلا خلاف في جوازه ولزومه وإن لم يشترط وشرط لا يقتضيه بل هو مصلح له كرهن وحميل فهو جائز ولا يلزم إلا بشرط وشرط مناقض للعقد فهذا اضطرب فيه العلماء والمشهور في المذهب بطلان العقد والشرط معا لحديث من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد ولما في العقد من الجهالة لأن الشرط وضع له من الثمن فله حصة من المعاوضة فيجب بطلان ما قابله وهو مجهول وجهالته تؤدي إلى جهالة ما سواه فيجب فسخ الجميع وقيل يبطل الشرط خاصة ( قضاء الله) أي حكمه ( أحق) بالاتباع من الشروط المخالفة ( وشرط الله) أي قوله { { فإخوانكم في الدين ومواليكم } } وقوله { { وما آتاكم الرسول فخذوه } } الآية قاله الداودي قال عياض والظاهر عندي أنه قوله صلى الله عليه وسلم إنما الولاء لمن أعتق وقوله مولى القوم منهم وقوله الولاء لحمة كلحمة النسب ( أوثق) أقوى باتباع حدوده التي حدها وأفعل فيهما ليس على بابه إذ لا مشاركة بين الحق والباطل وقد جاء أفعل لغير التفضيل كثيرا ويحتمل أن ذلك ورد على ما اعتقدوه من الجواز ( وإنما الولاء لمن أعتق) ذكرا كان أو أنثى واحدا أو جمعا لأن من للعموم لا لمن أسلم على يديه ولا يحلف خلافا للحنفية ولا للملتقط خلافا لإسحاق وفيه جواز السجع غير المتكلف وإنما نهي عن سجع الكهان وشبهه لتكلفه واشتماله على مطوي الغيب وجواز كتابة الأمة كالعبد وكتابة المتزوجة وإن لم يأذن الزوج وأنه ليس له منعها منها ولو كانت تؤدي إلى فراقها كما أنه ليس للعبد المتزوج منع السيد من عتق أمته التي تحته وإن أدى إلى بطلان نكاحها وجواز سعي المكاتبة وسؤالها واكتسابها وتمكين السيد لها من ذلك ومحله إذا علم حل كسبها والنهي الوارد عن كسب الأمة محمول على من لم يعرف حله أو على غير المكاتبة وأن للمكاتب أن يسأل من حين الكتابة ولا يشترط عجزه خلافا لمن شرطه وجواز السؤال لمن احتاج إليه من دين أو غرم أو نحو ذلك وأنه يجوز تعجيل مال الكتابة والمساومة في البيع وغيره وتشديد صاحب السلعة فيها وتصرف المرأة الرشيدة لنفسها في البيع وغيره ولو متزوجة خلافا لمن أبى ذلك وأن من لا يتصرف بنفسه له أن يقيم غيره مقامه وأن العبد إذا أذن له في التجارة جاز تصرفه وجواز رفع الصوت عند إنكار المنكر وأنه يجوز لمن أراد أن يشتري للعتق إظهار ذلك لأصحاب الرقبة ليساهلوه في الثمن ولا يعد ذلك من الرياء وإنكار القول المخالف للشرع وانتهار الرسول فيه وأن الشيء إذا بيع بالنقد فالرغبة فيه أكثر مما إذا بيع بالنسيئة وأن المكاتب لو عجل بعض كتابته قبل المحل على أن يضع عنه سيده الباقي لم يجبر وجواز الكتابة على قيمة الرقيق وأقل منها وأكثر لأن بين الثمن المنجز والمؤجل فرقا ومع ذلك فقد بذلت عائشة المؤجل ناجزا فدل على أن قيمتها بالتأجيل أكثر مما كوتبت به وكان أهلها باعوها به وأن المراد بالخير في قوله تعالى { { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } } القدرة على الكسب والوفاء بما وقعت الكتابة عليه وليس المراد به المال وعن ابن عباس أن المراد بالخير المال مع أنه يقول إن العبد لا يملك فنسب إلى التناقض لأن المال الذي في يد المكاتب لسيده فكيف يكاتبه بماله ومن يقول العبد يملك لا يرد هذا عليه قال الحافظ والذي يظهر أنه لا يصح عن ابن عباس أحد الأمرين وفيه جواز كتابة من لا حرفة له وقال به الجمهور واختلف عن مالك وأحمد وذلك أن بريرة استعانت على كتابتها فلو كان لها حرفة أو مال لم تحتج إلى الاستعانة لأن كتابتها لم تكن حالة وعند الطبري من رواية أبي الزبير عن عروة أن عائشة ابتاعت بريرة مكاتبة وهي لم تقبض من كتابتها شيئا وجواز أخذ الكتابة من مسألة الناس والرد على من كره ذلك وزعم أنها أوساخ الناس ومشروعية إعانة المكاتب بالصدقة وجواز التأقيت في الديون في كل شهر كذا من غير بيان أوله أو وسطه ولا يكون ذلك مجهولا لأنه يتبين بانقضاء الشهر الحلول قاله ابن عبد البر ونظر فيه باحتمال أن قول بريرة في كل عام أوقية أي في غرته مثلا وعلى تسليمه فيفرق بين الكتابة والديون بأن المكاتب إذا عجز حل لسيده ما أخذه منه بخلاف الأجنبي وقال ابن بطال لا فرق بين الديون وغيرها وقصة بريرة محمولة على أن الراوي قصر في بيان تعيين الوقت وإلا يصير الأجل مجهولا وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع إلا إلى أجل معلوم وفيه غير ذلك وقد ذكر أبو عمر أن الناس أكثروا في حديث بريرة من الاستنباط فمنهم من أجاد ومنهم من خلط وأتى بما لا معنى له كقول بعضهم فيه إباحة البكاء في المحبة لبكاء زوج بريرة وذكر في الحديث المتقدم في النكاح أن ابن خزيمة وابن جرير ألف كل منهما كتابا في ذلك قال الحافظ وبلغ بعض المتأخرين فوائده أربعمائة أكثرها مستبعد متكلف كما وقع نظير ذلك للذي صنف في الكلام على حديث المجامع في رمضان فبلغ به ألف فائدة وواحدة وأخرجه البخاري في البيوع عن عبد الله بن يوسف وفي الشروط عن إسماعيل كلاهما عن مالك به وتابعه أبو أسامة وجماعة بكثرة عن هشام في الصحيحين وغيرهما وطرقه كثيرة عندهم ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عائشة أم المؤمنين) وليحيى النيسابوري عن ابن عمر عن عائشة جعله من مسندها وأشار ابن عبد البر في تفرده عن مالك بذلك ورده الحافظ بأن الشافعي عن مالك رواه كذلك عند أبي عوانة والبيهقي ويمكن أنه لم يرد بعن هنا الرواية عنها نفسها بل في السياق شيء محذوف تقديره عن قصة عائشة في أنها ( أرادت أن تشتري جارية) هي بريرة ( تعتقها) بالرفع وفي رواية لتعتقها بلام وفي أخرى فتعتقها بالفاء بدل اللام فهو بالنصب ( فقال أهلها) مواليها ( نبيعكها) بكسر الكاف ( على أن ولاءها لنا فذكرت) عائشة ( ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد ما سألها حين سمع إخبار بريرة لها كما مر ( فقال لا يمنعنك) بنون التوكيد الثقيلة وليحيى النيسابوري بدونها ( ذلك) بكسر الكاف وهذا كقوله في رواية الزهري عن عروة ابتاعي فأعتقي وليس فيها شيء من الإشكال الواقع في رواية هشام السابقة حتى قال الشافعي لعل هشاما أو عروة حين سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يمنعنك ذلك رأى أنه أمرها أن تشترط لهم الولاء فلم يقف من حفظه على ما وقف عليه ابن عمر ورد بأن هشاما ثقة حافظ حديثه متفق على صحته فلا وجه لرده فوجب تأويله بما مر ( فإنما الولاء لمن أعتق) بلام الاختصاص أي أن الولاء مختص بمن أعتق قاله الكرماني وجوز غيره أن تكون للاستحقاق كهي في قوله تعالى { { ويل للمطففين } } أو للصيرورة وكل منهما ينافي أن يكون الولاء لغير من أعتق قال المازري فيه حجة لمالك والشافعي وأحمد أنه لا ولاء لملتقط اللقيط خلافا لإسحاق ولا لمن أسلم على يديه خلافا للحنفية والولاء في جميعهم للمسلمين إلا أن يكون لأحدهم وارث وقال أبو حنيفة لكل أحد أن يوالي من شاء فيرثه والحديث حجة على الجميع لأن إنما للحصر تثبت الحكم للمذكور وتنفيه عما سواه وعبر عنها بعضهم بتحقيق المتصل وتمحيق المنفصل قال الأبي إنما مركبة من إن التي هي حرف نفي والأصل بقاء الحروف على معانيها عند الضم ولما استحال رد النفي إلى نفس المثبت لما فيه من التناقض وجب حمله على إثباته للمذكور ونفيه عما سواه وبه عرف معنى تحقيق المتصل وتمحيق المنفصل انتهى والحديث رواه البخاري في العتق والبيع عن عبد الله بن يوسف وفي الفرائض عن قتيبة بن سعيد ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك به ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية المدنية المكثرة عن عائشة ( أن بريرة جاءت تستعين عائشة أم المؤمنين) تطلب منها الإعانة على ما كوتبت به قال الحافظ صورة سياقه الإرسال ولم تختلف الرواة عن مالك في ذلك لكن رواه البخاري من طريق ابن عيينة عن يحيى عن عمرة عن عائشة وفي رواية الإسماعيلي عن القطان وعبد الوهاب الثقفي عن يحيى سمعت عمرة تقول سمعت عائشة فظهر أنه موصول وقد وصله ابن خزيمة من طريق مطرف عن مالك فقال عن عائشة أن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها ( فقالت عائشة إن أحب أهلك) ساداتك ( أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة) أي أدفعه عاجلا في مرة تشبيها بصب الماء وهو انسكابه ( وأعتقك) بضم الهمزة والنصب عطفا على أصب ( فعلت) ذلك ( فذكرت) بإسكان التاء ( ذلك بريرة لأهلها) لمواليها ( فقالوا لا) نبيعك بشرط العتق ( إلا أن يكون لنا ولاؤك قال مالك قال يحيى بن سعيد) شيخه ( فزعمت عمرة) الزعم يستعمل بمعنى القول المحقق أي قالت ( أن عائشة ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق) لا لغيره وظاهره جواز بيع رقبة المكاتب إذا رضي بذلك ولو لم يعجز نفسه وهو قول أحمد وربيعة والأوزاعي والليث وأبي ثور وأحد قولي مالك والشافعي واختاره ابن جرير وابن المنذر والبخاري وغيرهم على تفاصيل لهم في ذلك ومنعه مالك في المشهور وأبو حنيفة والشافعي في أصح قوليه وأجابوا عن قصة بريرة بأنها عجزت نفسها واستدلوا باستعانة بريرة عائشة في ذلك وليس في استعانتها ما يستلزم العجز ولا سيما مع القول بجواز كتابة من لا مال عنده ولا حرفة له قال ابن عبد البر ليس في شيء من طرق حديث بريرة أنها عجزت عن أداء النجم ولا أخبرت بأنه قد حل عليها شيء ولم يرد في شيء من طرقه استفصال النبي صلى الله عليه وسلم لها عن شيء من ذلك لكن قال القرطبي أشبه ما قيل أنها عجزت كما في رواية ابن شهاب عن عروة عن عائشة فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك لأنه لا يقضى من الحقوق إلا ما وجبت المطالبة به ومنهم من أول قولها كاتبت أهلي فقال معناه راوضتهم واتفقت معهم على هذا القدر ولم يقع العقد فبعد رد ذلك بيعت فلا حجة فيه على بيع المكاتب قال القرطبي وهو خلاف ظاهر سياق الحديث وقيل الذي اشترته عائشة كتابة بريرة لا رقبتها وقد أجازه مالك وقال يؤدي إلى المشتري فإن عجز رق له ومنعه الشافعي وأبو حنيفة ورأياه غررا لأنه لا يدري ما يحصل له النجوم أو الرقبة واستبعده القرطبي أيضا وقيل إنهم باعوها بشرط العتق وإذا وقع البيع بشرط العتق صح على أصح القولين عند المالكية والشافعية وقال الحنفية يبطل وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وأصحاب السنن الثلاثة من طريق ابن القاسم كلاهما عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة عند البخاري ويحيى القطان وعبد الوهاب الثقفي عند الإسماعيلي وجعفر بن عون عند أصحاب السنن أربعتهم عن يحيى بن سعيد بنحوه ( مالك عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم المدني ( عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء) بفتح الواو ممدودا وأصله من الولي وهو القرب وأما من الإمارة فالولاء بكسر الواو وقيل فيهما بالوجهين ويطلق على معان والمراد به هنا ولاء الإنعام بالعتق ( وعن هبته) أي الولاء وكانوا في الجاهلية ينقلون الولاء بالبيع وغيره فنهي عن ذلك وهذا الحديث من إفراد ابن دينار واحتاج الناس فيه إليه كما قال أبو عمر وغيره حتى قال مسلم الناس كلهم عيال على عبد الله بن دينار في هذا الحديث وأخرجه عنه من طرق سبعة في صحيحه وأورده غيره عن خمسة وثلاثين حدثوا به عنه قال ابن عبد البر ورواه ابن الماجشون عن مالك عن نافع عن ابن عمر وهو خطأ لم يتابع عليه والصواب عبد الله بن دينار ورواه محمد بن سليمان عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر مرفوعا ولم يتابعه أحد وجميع الأئمة لم يذكروا عمر انتهى وأخرج أبو يعلى وابن حبان عن ابن دينار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب قال الأبي هذا منه صلى الله عليه وسلم تعريف لحقيقة الولاء شرعا ولا تجد تعريفا أتم منه والمعنى أن بين المعتق والعتيق نسبة تشبه نسبة النسب وليست به ووجه الشبه أن العبد لما فيه من الرق كالمعدوم في نفسه والمعتق صيره موجودا كما أن الولد كان معدوما فتسبب الأب في وجوده انتهى وأصله قول ابن العربي معنى الولاء لحمة كلحمة النسب أن الله أخرجه بالحرية إلى النسب حكما كما أن الأب أخرجه بالنطفة إلى الوجود حسًا لأن العبد كان كالمعدوم في حق الأحكام لا يقضي ولا يلي ولا يشهد فأخرجه سيده بالحرية إلى وجود هذه الأحكام من عدمها فلما شابه حكم النسب أنيط بالعتق فلذا جاء إنما الولاء لمن أعتق وألحق برتبة النسب فنهي عن بيعه وعن هبته وأجاز بعض السلف نقله ولعله لم يبلغهم الحديث ( قال مالك في العبد يبتاع نفسه من سيده على أنه يوالي من شاء أن ذلك لا يجوز) لا يصح ( وإنما الولاء لمن أعتق) بنص الحديث وبهذا قال الأكثر وقيل لا ولاء عليه ( ولو أن رجلًا أذن لمولاه) عتيقه ( أن يوالي من شاء ما جاز ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الولاء لمن أعتق) هكذا ورد أيضا بدون إنما عند أحمد والطبراني والخطيب من حديث ابن عباس ( ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء) بالفتح والمد حق ميراث المعتق من العتيق ( وعن هبته فإذا جاز لسيده أن يشترط ذلك) أي الولاء ( له) أي للعبد ( أو يأذن له أن يوالي من شاء فتلك الهبة) المنهي عنها فلذا لا يجوز.