فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ

رقم الحديث 1414 قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ.
وعَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَامِلٌ عَلَى الْكُوفَةِ، أَنِ: اقْضِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ.


( القضاء باليمين مع الشاهد)

( مالك عن جعفر) الصادق ( بن محمد عن أبيه) محمد بن علي بن الحسين ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد) قال ابن عبد البر: مرسل في الموطأ ووصله عن مالك جماعة فقالوا عن جابر منهم عثمان بن خالد العثماني وإسماعيل بن موسى الكوفي، وأسنده عن جعفر عن أبيه عن جابر جماعة حفاظ وخرجه مسلم من حديث ابن عباس وله طرق عن أبي هريرة وزيد بن ثابت وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وكلها متواترة.
وقال به الجمهور والأئمة الثلاثة: وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي وجماعة لا يقضى باليمين مع الشاهد في شيء من الأشياء حتى قال محمد بن الحسن يفسخ القضاء به لأنه خلاف القرآن وهذا جهل وعناد وكيف يكون خلافه، وهو زيادة بيان كنكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها مع قوله تعالى { { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } } وكالمسح على الخفين وتحريم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع مع قوله { { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا } } الآية فكذلك ما قضى به صلى الله عليه وسلم من اليمين مع الشاهد وقد أجمعوا على القضاء بإقرار المدعى عليه وقضوا بنكول المدعى عليه عن اليمين وليس ذلك في الآية وبمعاقد القمط ونصب اللبن والجذوع الموضوعة في الحيطان وليس ذلك في شيء من القرآن واليمين مع الشاهد أولى بذلك لأنه بالسنة، ومن حجتهم أن اليمين إنما جعلت للنفي لا للإثبات، والجواب أن الوجه الذي علمنا منه أنها للنفي هو الذي علمنا منه القضاء باليمين مع الشاهد اهـ.
ملخصًا.
والمراد بالقرآن قوله تعالى { { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى } }

قال الحافظ: وإنما تتم الحجة به على أصل مختلف فيه بين الفريقين وهو أن الخبر إذا تضمن زيادة على ما في القرآن هل يكون نسخًا والسنة لا تنسخ القرآن عند الكوفيين أو لا يكون نسخًا بل زيادة مستقلة بحكم مستقل إذا ثبت سنده وجب القول به؛ وإليه ذهب أهل الحجاز ومع قطع النظر عن ذلك لا تنهض الحجة بالآية لأنها تصير معارضة للنص بالرأي وهو غير معتبر به، وأجاب عنه الإسماعيلي بما حاصله أنه لا يلزم من النص على الشيء نفيه عما عداه.

وقول بعض الحنفية الزيادة على القرآن نسخ، وأخبار الآحاد لا تنسخ المتواتر، وإنما تقبل زيادة الآحاد، إذا كان الخبر بها مشهورًا رد بأن النسخ رفع الحكم ولا رفع هنا، وبأن الناسخ والمنسوخ لا بد أن يتواردا على محل واحد وهذا غير محقق في الزيادة على النص غايته أن تسمية الزيادة كالتخصيص نسخًا اصطلاح فلا يلزم منه نسخ الكتاب بالسنة لكن تخصيصه بها جائز وكذلك الزيادة كقوله { { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } } وأجمعوا على تحريم نكاح العمة مع بنت أخيها؛ وسند الإجماع السنة.
وكذا قطع رجل السارق في المرة الثانية وأمثلة ذلك كثيرة، وقد أخذ من ردّ الحكم بالشاهد واليمين لكونه زيادة على القرآن بأحاديث كثيرة في أحكام كثيرة كلها زيادة عما في القرآن كالوضوء بالنبيذ ومن القهقهة ومن القيء، وكذا المضمضة والاستنشاق في الغسل دون الوضوء واستبراء المسبية وترك قطع سارق ما يسرع إليه الفساد، وشهادة المرأة الواحدة في الولادة، ولا قود إلا بالسيف، ولا جمعة إلا في مصر جامع، ولا تقطع الأيدي في الغزو، ولا يرث الكافر المسلم، ولا يؤكل الطافي من السمك ويحرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير ولا يقتل الوالد بالولد، ولا يرث القاتل من القتيل، وغير ذلك من الأمثلة التي تتضمن الزيادة على عموم الكتاب.
وأجابوا: بأنها أحاديث شهيرة فوجب العمل بها لشهرتها فيقال لهم وحديث الشاهد واليمين جاء من طرق كثيرة مشهورة، بل ثبت من طرق صحيحة متعددة منها ما أخرجه مسلم عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد.

وقال في التمييز، أي قال مسلم في كتابه التمييز: حديث صحيح لا يرتاب في صحته.
وقال ابن عبد البر: لا مطعن لأحد في صحته ولا إسناده.
وأما قول الطحاوي إن قيس بن سعد لا تعرف له رواية عن عمرو بن دينار فلا يقدح في صحته لأنهما تابعيان ثقتان مكيان، وقد سمع قيس من أقدم من عمرو وبمثل هذا لا ترد الأخبار الصحيحة.
ومنها حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد.

أخرجه أصحاب السنن ورجاله مدنيون ثقات.
ومنها حديث جابر عند الترمذي وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وأبو عوانة مثل حديث أبي هريرة وفي الباب عن نحو عشرين من الصحابة فيها الحسان والضعاف وبدون ذلك تثبت الشهرة ودعوى نسخه مردودة لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال.
وقال الشافعي القضاء بشاهد ويمين لا يخالف ظاهر القرآن لأنه لم يمنع أن يجوز أقل مما نص عليه يعني والمخالف لذلك لا يقول بالمفهوم فضلاً عن مفهوم العدد اهـ.

( مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( أن عمر بن عبد العزيز) الإمام العادل قال مالك في المدونة: كان صالحًا فلما ولي الخلافة ازداد صلاحًا وخيرًا ( كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب) العدوي أبي عمر المدني تابعي صغير ثقة مات بحران في زمن هشام ( وهو عامل) أمير ( على الكوفة) من جهته ( أن اقض باليمين مع الشاهد) عملاً بالحديث ( مالك أنه بلغه أن أبا سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري ( وسليمان بن يسار سئلا هل يقضى باليمين مع الشاهد فقالا نعم) والقصد بهذا وسابقه بعد الحديث المرفوع اتصال العمل به فلا يتطرق إليه دعوى النسخ.

( قال مالك مضت السنة في القضاء باليمين مع الشاهد الواحد يحلف صاحب الحق مع شاهده ويستحق حقه فإن نكل وأبى أن يحلف أحلف) بضم الهمزة وسكون الحاء وكسر اللام ( المطلوب فإن حلف سقط عنه ذلك الحق وإن أبى أن يحلف ثبت عليه الحق لصاحبه) بمجرد نكوله ( وإنما يكون ذلك في الأموال خاصة) بإجماع القائلين باليمين مع الشاهد وجزم به عمرو بن دينار راوي حديث ابن عباس قاله أبو عمر ( ولا يقع ذلك في شيء من الحدود) فلا تثبت إلا بشاهدين ( ولا في نكاح) فإنما يثبت بشاهدين ولا يحلف إذا قام عليه شاهد به ( ولا في طلاق ولا في عتاقة) وإن لزمته اليمين لردّ شاهديهما ( ولا في سرقة ولا في فرية) بفتح الفاء وكسر الراء وشدّ الياء، كذا ضبط بالقلم في نسخة صحيحة، والذي في اللغة الفرية بالكسر والسكون الكذب.
( فإن قال قائل فإن العتاقة من الأموال) فتثبت بالشاهد واليمين ( فقد أخطأ) لأنه ( ليس ذلك على ما قال ولو كان ذلك على ما قال لحلف العبد مع شاهده إذا جاء بشاهد أن سيده أعتقه) مع أنه لا يحلف وإنما يحلف السيد كما يجيء ( وأن العبد إذا جاء بشاهد على مال من الأموال ادعاه حلف مع شاهده واستحق حقه كما يحلف الحر) لأن الشهادة على المال تخرجه من متمول إلى متمول آخر والرقبة في العتق لا تخرج إلى متمول قاله الباجي.

( فالسنة عندنا أن العبد إذا جاء بشاهد على عتاقته استحلف سيده ما أعتقه وبطل ذلك عنه) بمعنى أنه لا شيء عليه ويستمرّ مملوكًا له ( وكذلك السنة عندنا أيضًا في الطلاق إذا جاءت المرأة) أو غيرها ( بشاهد) واحد ( أن زوجها طلقها أحلف زوجها ما طلقها فإذا حلف لم يقع عليه الطلاق فسنة الطلاق والعتاقة في الشاهد الواحد واحدة إنما يكون اليمين على زوج المرأة وعلى سيد العبد) فإن نكلا حبسا كما رجع إليه مالك واختاره ابن القاسم والأكثر وكان يقول: تطلق الزوجة ويعتق العبد وبه قال أشهب، وهو ظاهر قوله هنا: إذا حلف لم يقع عليه الطلاق وعلى المذهب فقال مالك: يحبس أبدًا حتى يحلف، واختاره سحنون وقال ابن القاسم: إن طال حبسه خلي عنه والطول سنة ( وإنما العتاقة حد من الحدود) لأنها يتعلق بها حق الله عز وجل ولو اتفق السيد والعبد على إبطالها لم يكن لهما ذلك وذكر الله الطلاق ثم قال { { تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا } } فجعله من الحدود ( لا يجوز فيها شهادة النساء لأنه إذا عتق العبد ثبتت حرمته ووقعت له الحدود ووقعت عليه) الحدود كالحر الأصلي ( وإن زنى وقد أحصن رجم وإن قتل العبد) الذي تحرر ( قتل به) قاتله ( وثبت له الميراث بينه وبين من يوارثه) من عصبته وغيرهم ( فإن احتج محتج فقال: لو أن رجلاً أعتق عبده وجاء رجل يطلب سيد العبد بدين له عليه فشهد له على حقه ذلك رجل وامرأتان فإن بذلك يثبت) الرجل الطالب ( الحق على سيد العبد حتى ترد به عتاقته إذا لم يكن لسيد العبد مال غير العبد يريد) هذا المحتج ( أن يجيز بذلك) الاحتجاج ( شهادة النساء في العتاقة فإن ذلك ليس على ما قال) لأن الشهادة إنما تناولت إثبات الدين فردّ العتق لأجله ( وإنما مثل ذلك الرجل يعتق عبده ثم يأتي طالب الحق على سيده بشاهد واحد فيحلف مع شاهده ثم يستحق حقه ويرد بذلك عتاقة العبد) لثبوت الدين لأنه مال بشاهد ويمين ( أو يأتي الرجل قد كانت بينه وبين سيد العبد مخالطة وملابسة) في الأموال ( فيزعم أن له على سيد العبد مالاً فيقال لسيد العبد احلف ما عليك ما ادّعى فإن) حلف برئ وإن ( نكل وأبى أن يحلف) تفسير لنكل ( حلف صاحب الحق وثبت حقه على سيد العبد فيكون ذلك يرد عتاقة العبد إذا ثبت المال على سيده) وليس له غيره قال الباجي مثله في العتبية والمجموعة، وفي كتاب ابن مزين عن ابن القاسم لا ترد بذلك عتاقة عبد ولا بإقراره أن عليه دينًا ( وكذلك الرجل ينكح الأمة) أي يتزوجها ( فتكون امرأته فيأتي سيد الأمة إلى الرجل الذي يتزوجها فيقول ابتعت مني جاريتي فلانة أنت وفلان بكذا وكذا دينارًا فينكر ذلك زوج الأمة فيأتي سيد الأمة برجل وامرأتين فيشهدون على ما قال فيثبت بيعه ويحق حقه) ثمنه الذي شهدوا به ( وتحرم الأمة على زوجها) لملكه نصفها ( ويكون ذلك فراقًا بينهما) لأن الملك يفسخ النكاح ( وشهادة النساء لا تجوز في الطلاق) وإنما جازت هنا في المال وجر إلى الفراق فوقع تبعًا.

( ومن ذلك أيضًا الرجل يفتري على الرجل الحر فيقع عليه الحد فيأتي رجل وامرأتان فيشهدون أن الذي افتري عليه عبد مملوك فيضع) يسقط ( ذلك الحد على المفتري بعد أن يقع عليه) أي يثبت لأنه لا يحد قاذف عبد ( وشهادة النساء لا تجوز في الفرية) وإنما جازت هنا لدفع الحدّ بالشبهة ( ومما يشبه ذلك أيضًا مما يفترق فيه القضاء وما مضى من السنة أن المرأتين تشهدان على استهلال الصبي) أي خروجه حيًا من بطن أمه ( فيجب بذلك ميراثه حتى يرث ويكون ماله لمن يرثه إن مات الصبي وليس مع المرأتين اللتين شهدتا رجل ولا يمين) وكذا في كل ما لا يظهر للرجال ( وقد يكون ذلك في الأموال العظام) الكثيرة ( من الذهب والورق والرباع والحوائط) البساتين ( والرقيق وما سوى) أي غير ( ذلك من الأموال ولو شهدت امرأتان على درهم واحد أو أقل من ذلك أو أكثر لم تقطع شهادتهما شيئًا) أي لا يعمل بها ( ولم تجز إلا أن يكون معهما شاهد أو يمين) فيقضى باليمين مع شهادة المرأتين خلافًا للشافعي قال: لأن شهادة النساء لا تجوز دون الرجال وإنما حلف في اليمين مع الشاهد للحديث.
( قال مالك ومن الناس) كإبراهيم النخعي والحكم وعطاء وابن شبرمة وأبي حنيفة والكوفيين والثوري والأوزاعي والزهري بخلف عنه ( من يقول لا تكون اليمين مع الشاهد الواحد) أي لا يقضى بها في شيء من الأشياء ( ويحتج بقول الله تبارك وتعالى وقوله الحق) الصدق الواقع لا محالة { { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا } } أي الشاهدان { { رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } } يشهدون { { مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ } } لدينه وعدالته ( يقول) ذلك المحتج بيانًا لوجه احتجاجه من الآية ( فإن لم يأت برجل وامرأتين فلا شيء له ولا يحلف مع شاهده) لظاهر الآية وتقدم رده بأنه لم يمنع أقل مما نص عليه والمخالف لا يقول بالمفهوم فضلاً عن مفهوم العدد.

( قال مالك فمن الحجة على من قال ذلك القول أن يقال له أرأيت) أخبرني ( لو أن رجلاً ادعى على رجل مالاً أليس يحلف المطلوب ما ذلك الحق عليه فإن حلف بطل) سقط ( ذلك) الحق ( عنه) باتفاق ( وإن نكل عن اليمين حلف صاحب الحق إن حقه) أي ما ادعى به ( لحق) أي باق لم يقبضه ( وثبت حقه على صاحبه فهذا ما) أي شيء ( لا اختلاف فيه عند أحد من الناس ولا ببلد من البلدان) قال ابن عبد البر: مذهب الكوفيين أن المدعى عليه إذا نكل عن اليمين حكم عليه بالحق دون ردّ اليمين على المدعي ولا يظن بمالك مع علمه باختلاف من مضى أنه جهل هذا وإنما أتى بما لا يختلف فيه كأنه قال: ومن يحكم بالنكول خاصة أحرى أن يحكم بالنكول ويمين الطالب ومالك كالحجازيين وطائفة من العراقيين لا يقضى بالنكول حتى ترد اليمين ويحلف الطالب وإن لم يدع المطلوب إلى يمينه لحديث القسامة أنه صلى الله عليه وسلم ردّ فيها اليمين على اليهود إذ أبى الأنصار منها اهـ.
وبه سقط قول فتح الباري: إن احتجاج مالك هذا متعقب ولا يرد على الحنفية لأنهم لا يقولون برد اليمين ( فبأي شيء أخذ هذا) قيل أخذه من حديث الأشعث بن قيس كان بيني وبين رجل خصومة في شيء فاختصمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال شاهداك أو يمينه فقلت: إذًا يحلف ولا يبالي الحديث في الصحيحين.
وروى وائل بن حجر نحو هذه القصة وزاد فيها ليس لك إلا ذلك رواه مسلم وأصحاب السنن ففي الحصر دليل على رد اليمين والشاهد.

وأجيب: بأن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم شاهداك بينتك سواء كانت رجلين أو رجلاً وامرأتين أو رجلاً ويمين الطالب وإنما خص الشاهدين بالذكر لأنه الأكثر الأغلب فالمعنى شاهداك أو ما يقوم مقامهما ولو لزم من ذلك رد الشاهدين واليمين لكونه لم يذكر للزم رد الشاهد والمرأتين لأنه لم يذكر، فوضح التأويل المذكور وثبت الخبر باعتبار الشاهد واليمين فدل على أن لفظ الشاهدين غير مراد بل المراد هما أو ما يقوم مقامهما ( أو في أي موضع من كتاب الله وحده فإذا أقر) اعترف ( بهذا) لأنه لا يستطيع إنكاره ( فليقرر) بفك الإدغام وفي نسخة فليقر بالإدغام ( باليمين مع الشاهد وإن لم يكن ذلك في كتاب الله) لأنه لا ينافيه إذ لا يلزم من النص على شيء نفيه عما عداه وغاية ما في ذلك عدم التعرض له لا التعرض لعدمه.

والحديث قد تضمن زيادة مستقلة على ما في القرآن بحكم مستقل ولم يغير حكم الشاهدين ولا الشاهد والمرأتين بل زاد عليهما حكمًا آخر ويلزم المخالف أنه لا يثبت حكمًا بحديث صحيح ولا قياس لأنه كله زيادة على القرآن فإن لم يكن ذلك زيادة لأنه لا ينافيه فكذا الشاهد واليمين ( وأنه ليكفي من ذلك) في الاحتجاج على المخالف ( ما مضى من السنة) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد ومعارضته بالرأي والاستنباط لا تعتبر ( ولكن المرء قد يحب أن يعرف وجه الصواب وموقع الحجة) فلذا ذكرته ( ففي هذا بيان ما أشكل من ذلك إن شاء الله) للتبرك، وقد تعسفوا الجواب عن الحديث بأن المراد قضى بيمين المنكر مع الشاهد الطالب والمراد أن الشاهد الواحد لا يكفي في ثبوت الحق فتجب اليمين على المدعى عليه بحمله على صورة مخصوصة، وهي أن رجلاً اشترى من آخر عبدًا مثلاً فادعى المشتري أن به عيبًا وأقام شاهدًا واحدًا فقال البائع: بعته بالبراءة فحلف المشتري أنه ما اشترى بالبراءة، وأبطلهما ابن العربي بأنه جهل باللغة لأن المعية تقتضي أن يكون من شيئين في جهة واحدة لا في المتضادين والثاني أيضًا بأنها صورة نادرة لا يحمل عليها الخبر قال الحافظ: وفي كثير من الأحاديث ما يبطل هذا التأويل اهـ.
وأجابوا أيضًا باحتمال أن الشاهد خزيمة بن ثابت لأنه جعل شهادته بشهادتين وأبطله الباجي بأنه لو كان ذلك لم يكن لليمين وجه قال: وإنما كان ذلك لخزيمة خصوصًا للنبي صلى الله عليه وسلم ألا ترى أن خزيمة لم يشهد بأمر شاهده وإنما شهد بما سمعه منه لعلمه بصدقه وهذا باتفاق لا يتعدى إلى غيره صلى الله عليه وسلم.



رقم الحديث 1416 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ أنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا: هَلْ يُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، فَقَالَا: نَعَمْ قَالَ مَالِكٌ: مَضَتِ السُّنَّةُ فِي الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ.
يَحْلِفُ صَاحِبُ الْحَقِّ مَعَ شَاهِدِهِ.
وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ.
فَإِنْ نَكَلَ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ، أُحْلِفَ الْمَطْلُوبُ.
فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ الْحَقُّ.
وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِصَاحِبِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً.
وَلَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحُدُودِ.
وَلَا فِي نِكَاحٍ وَلَا فِي طَلَاقٍ، وَلَا فِي عَتَاقَةٍ وَلَا فِي سَرِقَةٍ، وَلَا فِي فِرْيَةٍ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ الْعَتَاقَةَ مِنَ الْأَمْوَالِ، فَقَدْ أَخْطَأَ.
لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ.
وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ، لَحَلَفَ الْعَبْدُ مَعَ شَاهِدِهِ، إِذَا جَاءَ بِشَاهِدٍ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ.
وَأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا جَاءَ بِشَاهِدٍ عَلَى مَالٍ مِنَ الْأَمْوَالِ ادَّعَاهُ، حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَاسْتَحَقَّ حَقَّهُ كَمَا يَحْلِفُ الْحُرُّ قَالَ مَالِكٌ: فَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا جَاءَ بِشَاهِدٍ عَلَى عَتَاقَتِهِ اسْتُحْلِفَ سَيِّدُهُ مَا أَعْتَقَهُ وَبَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَيْضًا فِي الطَّلَاقِ.
إِذَا جَاءَتِ الْمَرْأَةُ بِشَاهِدٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا.
أُحْلِفَ زَوْجُهَا مَا طَلَّقَهَا، فَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ قَالَ مَالِكٌ: فَسُنَّةُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقَةِ فِي الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَاحِدَةٌ، إِنَّمَا يَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى زَوْجِ الْمَرْأَةِ.
وَعَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ.
وَإِنَّمَا الْعَتَاقَةُ حَدٌّ مِنَ الْحُدُودِ.
لَا تَجُوزُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ.
لِأَنَّهُ إِذَا عَتَقَ الْعَبْدُ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ.
وَوَقَعَتْ لَهُ الْحُدُودُ.
وَوَقَعَتْ عَلَيْهِ.
وَإِنْ زَنَى وَقَدْ أُحْصِنَ رُجِمَ.
وَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدَ قُتِلَ بِهِ.
وَثَبَتَ لَهُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يُوَارِثُهُ.
فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدَهُ.
وَجَاءَ رَجُلٌ يَطْلُبُ سَيِّدَ الْعَبْدِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ.
فَشَهِدَ لَهُ، عَلَى حَقِّهِ ذَلِكَ، رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ.
فَإِنَّ ذَلِكَ يُثْبِتُ الْحَقَّ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ.
حَتَّى تُرَدَّ بِهِ عَتَاقَتُهُ.
إِذَا لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ مَالٌ غَيْرُ الْعَبْدِ.
يُرِيدُ أَنْ يُجِيزَ بِذَلِكَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْعَتَاقَةِ.
فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى مَا قَالَ.
وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَعْتِقُ عَبْدَهُ.
ثُمَّ يَأْتِي طَالِبُ الْحَقِّ عَلَى سَيِّدِهِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ.
فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ.
ثُمَّ يَسْتَحِقُّ حَقَّهُ.
وَتُرَدُّ بِذَلِكَ عَتَاقَةُ الْعَبْدِ.
أَوْ يَأْتِي الرَّجُلُ قَدْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِ الْعَبْدِ مُخَالَطَةٌ وَمُلَابَسَةٌ.
فَيَزْعُمُ أَنَّ لَهُ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ مَالًا.
فَيُقَالُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ: احْلِفْ مَا عَلَيْكَ مَا ادَّعَى، فَإِنْ نَكَلَ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ، حُلِّفَ صَاحِبُ الْحَقِّ، وَثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ.
فَيَكُونُ ذَلِكَ يَرُدُّ عَتَاقَةَ الْعَبْدِ.
إِذَا ثَبَتَ الْمَالُ عَلَى سَيِّدِهِ قَالَ: وَكَذَلِكَ أَيْضًا الرَّجُلُ يَنْكِحُ الْأَمَةَ.
فَتَكُونُ امْرَأَتَهُ.
فَيَأْتِي سَيِّدُ الْأَمَةِ إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي تَزَوَّجَهَا فَيَقُولُ: ابْتَعْتَ مِنِّي جَارِيَتِي فُلَانَةَ.
أَنْتَ وَفُلَانٌ بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا.
فَيُنْكِرُ ذَلِكَ زَوْجُ الْأَمَةِ.
فَيَأْتِي سَيِّدُ الْأَمَةِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ.
فَيَشْهَدُونَ عَلَى مَا قَالَ.
فَيَثْبُتُ بَيْعُهُ.
وَيَحِقُّ حَقُّهُ، وَتَحْرُمُ الْأَمَةُ عَلَى زَوْجِهَا.
وَيَكُونُ ذَلِكَ فِرَاقًا بَيْنَهُمَا، وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ لَا تَجُوزُ فِي الطَّلَاقِ قَالَ مَالِكٌ: وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الرَّجُلُ يَفْتَرِي عَلَى الرَّجُلِ الْحُرِّ، فَيَقَعُ عَلَيْهِ الْحَدُّ.
فَيَأْتِي رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَيَشْهَدُونَ أَنَّ الَّذِي افْتُرِيَ عَلَيْهِ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ.
فَيَضَعُ ذَلِكَ الْحَدَّ عَنِ الْمُفْتَرِي بَعْدَ أَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ.
وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ لَا تَجُوزُ فِي الْفِرْيَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا يَفْتَرِقُ فِيهِ الْقَضَاءُ، وَمَا مَضَى مِنَ السُّنَّةِ، أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ، فَيَجِبُ بِذَلِكَ مِيرَاثُهُ حَتَّى يَرِثَ، وَيَكُونُ مَالُهُ لِمَنْ يَرِثُهُ.
إِنْ مَاتَ الصَّبِيُّ.
وَلَيْسَ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ شَهِدَتَا، رَجُلٌ وَلَا يَمِينٌ.
وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ الْعِظَامِ.
مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالرِّبَاعِ وَالْحَوَائِطِ وَالرَّقِيقِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَمْوَالِ.
وَلَوْ شَهِدَتِ امْرَأَتَانِ عَلَى دِرْهَمٍ وَاحِدٍ.
أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ.
لَمْ تَقْطَعْ شَهَادَتُهُمَا شَيْئًا، وَلَمْ تَجُزْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا شَاهِدٌ أَوْ يَمِينٌ قَالَ مَالِكٌ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَا تَكُونُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ.
وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَقَولُهُ الْحَقُّ { { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ } } يَقُولُ: فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَا يُحَلَّفُ مَعَ شَاهِدِهِ قَالَ مَالِكٌ: فَمِنَ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ، أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا: أَلَيْسَ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ مَا ذَلِكَ الْحَقُّ عَلَيْهِ.
فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ.
وَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ حُلِّفَ صَاحِبُ الْحَقِّ إِنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ.
وَثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ.
فَهَذَا مَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ.
وَلَا بِبَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ.
فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَخَذَ هَذَا؟ أَوْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَجَدَهُ؟ فَإِنْ أَقَرَّ بِهَذَا فَلْيُقْرِرْ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَأَنَّهُ لَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ مَا مَضَى مِنَ السُّنَّةِ.
وَلَكِنِ الْمَرْءُ قَدْ يُحِبُّ أَنْ يَعْرِفَ وَجْهَ الصَّوَابِ وَمَوْقِعَ الْحُجَّةِ.
فَفِي هَذَا بَيَانُ مَا أَشْكَلَ مِنْ ذَلِكَ.
إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.


( القضاء باليمين مع الشاهد)

( مالك عن جعفر) الصادق ( بن محمد عن أبيه) محمد بن علي بن الحسين ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد) قال ابن عبد البر: مرسل في الموطأ ووصله عن مالك جماعة فقالوا عن جابر منهم عثمان بن خالد العثماني وإسماعيل بن موسى الكوفي، وأسنده عن جعفر عن أبيه عن جابر جماعة حفاظ وخرجه مسلم من حديث ابن عباس وله طرق عن أبي هريرة وزيد بن ثابت وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وكلها متواترة.
وقال به الجمهور والأئمة الثلاثة: وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي وجماعة لا يقضى باليمين مع الشاهد في شيء من الأشياء حتى قال محمد بن الحسن يفسخ القضاء به لأنه خلاف القرآن وهذا جهل وعناد وكيف يكون خلافه، وهو زيادة بيان كنكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها مع قوله تعالى { { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } } وكالمسح على الخفين وتحريم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع مع قوله { { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا } } الآية فكذلك ما قضى به صلى الله عليه وسلم من اليمين مع الشاهد وقد أجمعوا على القضاء بإقرار المدعى عليه وقضوا بنكول المدعى عليه عن اليمين وليس ذلك في الآية وبمعاقد القمط ونصب اللبن والجذوع الموضوعة في الحيطان وليس ذلك في شيء من القرآن واليمين مع الشاهد أولى بذلك لأنه بالسنة، ومن حجتهم أن اليمين إنما جعلت للنفي لا للإثبات، والجواب أن الوجه الذي علمنا منه أنها للنفي هو الذي علمنا منه القضاء باليمين مع الشاهد اهـ.
ملخصًا.
والمراد بالقرآن قوله تعالى { { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى } }

قال الحافظ: وإنما تتم الحجة به على أصل مختلف فيه بين الفريقين وهو أن الخبر إذا تضمن زيادة على ما في القرآن هل يكون نسخًا والسنة لا تنسخ القرآن عند الكوفيين أو لا يكون نسخًا بل زيادة مستقلة بحكم مستقل إذا ثبت سنده وجب القول به؛ وإليه ذهب أهل الحجاز ومع قطع النظر عن ذلك لا تنهض الحجة بالآية لأنها تصير معارضة للنص بالرأي وهو غير معتبر به، وأجاب عنه الإسماعيلي بما حاصله أنه لا يلزم من النص على الشيء نفيه عما عداه.

وقول بعض الحنفية الزيادة على القرآن نسخ، وأخبار الآحاد لا تنسخ المتواتر، وإنما تقبل زيادة الآحاد، إذا كان الخبر بها مشهورًا رد بأن النسخ رفع الحكم ولا رفع هنا، وبأن الناسخ والمنسوخ لا بد أن يتواردا على محل واحد وهذا غير محقق في الزيادة على النص غايته أن تسمية الزيادة كالتخصيص نسخًا اصطلاح فلا يلزم منه نسخ الكتاب بالسنة لكن تخصيصه بها جائز وكذلك الزيادة كقوله { { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } } وأجمعوا على تحريم نكاح العمة مع بنت أخيها؛ وسند الإجماع السنة.
وكذا قطع رجل السارق في المرة الثانية وأمثلة ذلك كثيرة، وقد أخذ من ردّ الحكم بالشاهد واليمين لكونه زيادة على القرآن بأحاديث كثيرة في أحكام كثيرة كلها زيادة عما في القرآن كالوضوء بالنبيذ ومن القهقهة ومن القيء، وكذا المضمضة والاستنشاق في الغسل دون الوضوء واستبراء المسبية وترك قطع سارق ما يسرع إليه الفساد، وشهادة المرأة الواحدة في الولادة، ولا قود إلا بالسيف، ولا جمعة إلا في مصر جامع، ولا تقطع الأيدي في الغزو، ولا يرث الكافر المسلم، ولا يؤكل الطافي من السمك ويحرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير ولا يقتل الوالد بالولد، ولا يرث القاتل من القتيل، وغير ذلك من الأمثلة التي تتضمن الزيادة على عموم الكتاب.
وأجابوا: بأنها أحاديث شهيرة فوجب العمل بها لشهرتها فيقال لهم وحديث الشاهد واليمين جاء من طرق كثيرة مشهورة، بل ثبت من طرق صحيحة متعددة منها ما أخرجه مسلم عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد.

وقال في التمييز، أي قال مسلم في كتابه التمييز: حديث صحيح لا يرتاب في صحته.
وقال ابن عبد البر: لا مطعن لأحد في صحته ولا إسناده.
وأما قول الطحاوي إن قيس بن سعد لا تعرف له رواية عن عمرو بن دينار فلا يقدح في صحته لأنهما تابعيان ثقتان مكيان، وقد سمع قيس من أقدم من عمرو وبمثل هذا لا ترد الأخبار الصحيحة.
ومنها حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد.

أخرجه أصحاب السنن ورجاله مدنيون ثقات.
ومنها حديث جابر عند الترمذي وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وأبو عوانة مثل حديث أبي هريرة وفي الباب عن نحو عشرين من الصحابة فيها الحسان والضعاف وبدون ذلك تثبت الشهرة ودعوى نسخه مردودة لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال.
وقال الشافعي القضاء بشاهد ويمين لا يخالف ظاهر القرآن لأنه لم يمنع أن يجوز أقل مما نص عليه يعني والمخالف لذلك لا يقول بالمفهوم فضلاً عن مفهوم العدد اهـ.

( مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( أن عمر بن عبد العزيز) الإمام العادل قال مالك في المدونة: كان صالحًا فلما ولي الخلافة ازداد صلاحًا وخيرًا ( كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب) العدوي أبي عمر المدني تابعي صغير ثقة مات بحران في زمن هشام ( وهو عامل) أمير ( على الكوفة) من جهته ( أن اقض باليمين مع الشاهد) عملاً بالحديث ( مالك أنه بلغه أن أبا سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري ( وسليمان بن يسار سئلا هل يقضى باليمين مع الشاهد فقالا نعم) والقصد بهذا وسابقه بعد الحديث المرفوع اتصال العمل به فلا يتطرق إليه دعوى النسخ.

( قال مالك مضت السنة في القضاء باليمين مع الشاهد الواحد يحلف صاحب الحق مع شاهده ويستحق حقه فإن نكل وأبى أن يحلف أحلف) بضم الهمزة وسكون الحاء وكسر اللام ( المطلوب فإن حلف سقط عنه ذلك الحق وإن أبى أن يحلف ثبت عليه الحق لصاحبه) بمجرد نكوله ( وإنما يكون ذلك في الأموال خاصة) بإجماع القائلين باليمين مع الشاهد وجزم به عمرو بن دينار راوي حديث ابن عباس قاله أبو عمر ( ولا يقع ذلك في شيء من الحدود) فلا تثبت إلا بشاهدين ( ولا في نكاح) فإنما يثبت بشاهدين ولا يحلف إذا قام عليه شاهد به ( ولا في طلاق ولا في عتاقة) وإن لزمته اليمين لردّ شاهديهما ( ولا في سرقة ولا في فرية) بفتح الفاء وكسر الراء وشدّ الياء، كذا ضبط بالقلم في نسخة صحيحة، والذي في اللغة الفرية بالكسر والسكون الكذب.
( فإن قال قائل فإن العتاقة من الأموال) فتثبت بالشاهد واليمين ( فقد أخطأ) لأنه ( ليس ذلك على ما قال ولو كان ذلك على ما قال لحلف العبد مع شاهده إذا جاء بشاهد أن سيده أعتقه) مع أنه لا يحلف وإنما يحلف السيد كما يجيء ( وأن العبد إذا جاء بشاهد على مال من الأموال ادعاه حلف مع شاهده واستحق حقه كما يحلف الحر) لأن الشهادة على المال تخرجه من متمول إلى متمول آخر والرقبة في العتق لا تخرج إلى متمول قاله الباجي.

( فالسنة عندنا أن العبد إذا جاء بشاهد على عتاقته استحلف سيده ما أعتقه وبطل ذلك عنه) بمعنى أنه لا شيء عليه ويستمرّ مملوكًا له ( وكذلك السنة عندنا أيضًا في الطلاق إذا جاءت المرأة) أو غيرها ( بشاهد) واحد ( أن زوجها طلقها أحلف زوجها ما طلقها فإذا حلف لم يقع عليه الطلاق فسنة الطلاق والعتاقة في الشاهد الواحد واحدة إنما يكون اليمين على زوج المرأة وعلى سيد العبد) فإن نكلا حبسا كما رجع إليه مالك واختاره ابن القاسم والأكثر وكان يقول: تطلق الزوجة ويعتق العبد وبه قال أشهب، وهو ظاهر قوله هنا: إذا حلف لم يقع عليه الطلاق وعلى المذهب فقال مالك: يحبس أبدًا حتى يحلف، واختاره سحنون وقال ابن القاسم: إن طال حبسه خلي عنه والطول سنة ( وإنما العتاقة حد من الحدود) لأنها يتعلق بها حق الله عز وجل ولو اتفق السيد والعبد على إبطالها لم يكن لهما ذلك وذكر الله الطلاق ثم قال { { تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا } } فجعله من الحدود ( لا يجوز فيها شهادة النساء لأنه إذا عتق العبد ثبتت حرمته ووقعت له الحدود ووقعت عليه) الحدود كالحر الأصلي ( وإن زنى وقد أحصن رجم وإن قتل العبد) الذي تحرر ( قتل به) قاتله ( وثبت له الميراث بينه وبين من يوارثه) من عصبته وغيرهم ( فإن احتج محتج فقال: لو أن رجلاً أعتق عبده وجاء رجل يطلب سيد العبد بدين له عليه فشهد له على حقه ذلك رجل وامرأتان فإن بذلك يثبت) الرجل الطالب ( الحق على سيد العبد حتى ترد به عتاقته إذا لم يكن لسيد العبد مال غير العبد يريد) هذا المحتج ( أن يجيز بذلك) الاحتجاج ( شهادة النساء في العتاقة فإن ذلك ليس على ما قال) لأن الشهادة إنما تناولت إثبات الدين فردّ العتق لأجله ( وإنما مثل ذلك الرجل يعتق عبده ثم يأتي طالب الحق على سيده بشاهد واحد فيحلف مع شاهده ثم يستحق حقه ويرد بذلك عتاقة العبد) لثبوت الدين لأنه مال بشاهد ويمين ( أو يأتي الرجل قد كانت بينه وبين سيد العبد مخالطة وملابسة) في الأموال ( فيزعم أن له على سيد العبد مالاً فيقال لسيد العبد احلف ما عليك ما ادّعى فإن) حلف برئ وإن ( نكل وأبى أن يحلف) تفسير لنكل ( حلف صاحب الحق وثبت حقه على سيد العبد فيكون ذلك يرد عتاقة العبد إذا ثبت المال على سيده) وليس له غيره قال الباجي مثله في العتبية والمجموعة، وفي كتاب ابن مزين عن ابن القاسم لا ترد بذلك عتاقة عبد ولا بإقراره أن عليه دينًا ( وكذلك الرجل ينكح الأمة) أي يتزوجها ( فتكون امرأته فيأتي سيد الأمة إلى الرجل الذي يتزوجها فيقول ابتعت مني جاريتي فلانة أنت وفلان بكذا وكذا دينارًا فينكر ذلك زوج الأمة فيأتي سيد الأمة برجل وامرأتين فيشهدون على ما قال فيثبت بيعه ويحق حقه) ثمنه الذي شهدوا به ( وتحرم الأمة على زوجها) لملكه نصفها ( ويكون ذلك فراقًا بينهما) لأن الملك يفسخ النكاح ( وشهادة النساء لا تجوز في الطلاق) وإنما جازت هنا في المال وجر إلى الفراق فوقع تبعًا.

( ومن ذلك أيضًا الرجل يفتري على الرجل الحر فيقع عليه الحد فيأتي رجل وامرأتان فيشهدون أن الذي افتري عليه عبد مملوك فيضع) يسقط ( ذلك الحد على المفتري بعد أن يقع عليه) أي يثبت لأنه لا يحد قاذف عبد ( وشهادة النساء لا تجوز في الفرية) وإنما جازت هنا لدفع الحدّ بالشبهة ( ومما يشبه ذلك أيضًا مما يفترق فيه القضاء وما مضى من السنة أن المرأتين تشهدان على استهلال الصبي) أي خروجه حيًا من بطن أمه ( فيجب بذلك ميراثه حتى يرث ويكون ماله لمن يرثه إن مات الصبي وليس مع المرأتين اللتين شهدتا رجل ولا يمين) وكذا في كل ما لا يظهر للرجال ( وقد يكون ذلك في الأموال العظام) الكثيرة ( من الذهب والورق والرباع والحوائط) البساتين ( والرقيق وما سوى) أي غير ( ذلك من الأموال ولو شهدت امرأتان على درهم واحد أو أقل من ذلك أو أكثر لم تقطع شهادتهما شيئًا) أي لا يعمل بها ( ولم تجز إلا أن يكون معهما شاهد أو يمين) فيقضى باليمين مع شهادة المرأتين خلافًا للشافعي قال: لأن شهادة النساء لا تجوز دون الرجال وإنما حلف في اليمين مع الشاهد للحديث.
( قال مالك ومن الناس) كإبراهيم النخعي والحكم وعطاء وابن شبرمة وأبي حنيفة والكوفيين والثوري والأوزاعي والزهري بخلف عنه ( من يقول لا تكون اليمين مع الشاهد الواحد) أي لا يقضى بها في شيء من الأشياء ( ويحتج بقول الله تبارك وتعالى وقوله الحق) الصدق الواقع لا محالة { { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا } } أي الشاهدان { { رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } } يشهدون { { مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ } } لدينه وعدالته ( يقول) ذلك المحتج بيانًا لوجه احتجاجه من الآية ( فإن لم يأت برجل وامرأتين فلا شيء له ولا يحلف مع شاهده) لظاهر الآية وتقدم رده بأنه لم يمنع أقل مما نص عليه والمخالف لا يقول بالمفهوم فضلاً عن مفهوم العدد.

( قال مالك فمن الحجة على من قال ذلك القول أن يقال له أرأيت) أخبرني ( لو أن رجلاً ادعى على رجل مالاً أليس يحلف المطلوب ما ذلك الحق عليه فإن حلف بطل) سقط ( ذلك) الحق ( عنه) باتفاق ( وإن نكل عن اليمين حلف صاحب الحق إن حقه) أي ما ادعى به ( لحق) أي باق لم يقبضه ( وثبت حقه على صاحبه فهذا ما) أي شيء ( لا اختلاف فيه عند أحد من الناس ولا ببلد من البلدان) قال ابن عبد البر: مذهب الكوفيين أن المدعى عليه إذا نكل عن اليمين حكم عليه بالحق دون ردّ اليمين على المدعي ولا يظن بمالك مع علمه باختلاف من مضى أنه جهل هذا وإنما أتى بما لا يختلف فيه كأنه قال: ومن يحكم بالنكول خاصة أحرى أن يحكم بالنكول ويمين الطالب ومالك كالحجازيين وطائفة من العراقيين لا يقضى بالنكول حتى ترد اليمين ويحلف الطالب وإن لم يدع المطلوب إلى يمينه لحديث القسامة أنه صلى الله عليه وسلم ردّ فيها اليمين على اليهود إذ أبى الأنصار منها اهـ.
وبه سقط قول فتح الباري: إن احتجاج مالك هذا متعقب ولا يرد على الحنفية لأنهم لا يقولون برد اليمين ( فبأي شيء أخذ هذا) قيل أخذه من حديث الأشعث بن قيس كان بيني وبين رجل خصومة في شيء فاختصمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال شاهداك أو يمينه فقلت: إذًا يحلف ولا يبالي الحديث في الصحيحين.
وروى وائل بن حجر نحو هذه القصة وزاد فيها ليس لك إلا ذلك رواه مسلم وأصحاب السنن ففي الحصر دليل على رد اليمين والشاهد.

وأجيب: بأن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم شاهداك بينتك سواء كانت رجلين أو رجلاً وامرأتين أو رجلاً ويمين الطالب وإنما خص الشاهدين بالذكر لأنه الأكثر الأغلب فالمعنى شاهداك أو ما يقوم مقامهما ولو لزم من ذلك رد الشاهدين واليمين لكونه لم يذكر للزم رد الشاهد والمرأتين لأنه لم يذكر، فوضح التأويل المذكور وثبت الخبر باعتبار الشاهد واليمين فدل على أن لفظ الشاهدين غير مراد بل المراد هما أو ما يقوم مقامهما ( أو في أي موضع من كتاب الله وحده فإذا أقر) اعترف ( بهذا) لأنه لا يستطيع إنكاره ( فليقرر) بفك الإدغام وفي نسخة فليقر بالإدغام ( باليمين مع الشاهد وإن لم يكن ذلك في كتاب الله) لأنه لا ينافيه إذ لا يلزم من النص على شيء نفيه عما عداه وغاية ما في ذلك عدم التعرض له لا التعرض لعدمه.

والحديث قد تضمن زيادة مستقلة على ما في القرآن بحكم مستقل ولم يغير حكم الشاهدين ولا الشاهد والمرأتين بل زاد عليهما حكمًا آخر ويلزم المخالف أنه لا يثبت حكمًا بحديث صحيح ولا قياس لأنه كله زيادة على القرآن فإن لم يكن ذلك زيادة لأنه لا ينافيه فكذا الشاهد واليمين ( وأنه ليكفي من ذلك) في الاحتجاج على المخالف ( ما مضى من السنة) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد ومعارضته بالرأي والاستنباط لا تعتبر ( ولكن المرء قد يحب أن يعرف وجه الصواب وموقع الحجة) فلذا ذكرته ( ففي هذا بيان ما أشكل من ذلك إن شاء الله) للتبرك، وقد تعسفوا الجواب عن الحديث بأن المراد قضى بيمين المنكر مع الشاهد الطالب والمراد أن الشاهد الواحد لا يكفي في ثبوت الحق فتجب اليمين على المدعى عليه بحمله على صورة مخصوصة، وهي أن رجلاً اشترى من آخر عبدًا مثلاً فادعى المشتري أن به عيبًا وأقام شاهدًا واحدًا فقال البائع: بعته بالبراءة فحلف المشتري أنه ما اشترى بالبراءة، وأبطلهما ابن العربي بأنه جهل باللغة لأن المعية تقتضي أن يكون من شيئين في جهة واحدة لا في المتضادين والثاني أيضًا بأنها صورة نادرة لا يحمل عليها الخبر قال الحافظ: وفي كثير من الأحاديث ما يبطل هذا التأويل اهـ.
وأجابوا أيضًا باحتمال أن الشاهد خزيمة بن ثابت لأنه جعل شهادته بشهادتين وأبطله الباجي بأنه لو كان ذلك لم يكن لليمين وجه قال: وإنما كان ذلك لخزيمة خصوصًا للنبي صلى الله عليه وسلم ألا ترى أن خزيمة لم يشهد بأمر شاهده وإنما شهد بما سمعه منه لعلمه بصدقه وهذا باتفاق لا يتعدى إلى غيره صلى الله عليه وسلم.