فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ صَلَاةِ الْمُعَرَّسِ وَالْمُحَصَّبِ

رقم الحديث 918 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ.
فَصَلَّى بِهَا
قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُجَاوِزَ الْمُعَرَّسَ إِذَا قَفَلَ، حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ.
وَإِنْ مَرَّ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ، فَلْيُقِمْ حَتَّى تَحِلَّ الصَّلَاةُ.
ثُمَّ صَلَّى مَا بَدَا لَهُ، لِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَّسَ بِهِ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَاخَ بِهِ.


( صلاة المعرس والمحصب)

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ) بنون ومعجمة أي برك راحلته ( بالبطحاء) بالمد حين صدر من الحج كما في رواية موسى بن عقبة عن نافع في الصحيحين ( التي بذي الحليفة) احترازًا عن البطحاء التي بين مكة ومنى ( فصلى بها) وليس هذا من مناسك الحج وإنما يؤخذ منه أماكن نزوله صلى الله عليه وسلم ليتأسى به فيها إذ لا يخلو شيء من أفعاله عن حكمة وأيضًا لطلب فضل ذلك الموضع لما في الصحيحين عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري في معرسه بذي الحليفة فقيل له إنك ببطحاء مباركة ( قال نافع وكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك) تأسيًا بالمصطفى وكان ابن عمر شديد التأسي به وفي الصحيحين عن موسى بن عقبة وقد أناخ بنا سالم بالمناخ من المسجد الذي كان ابن عمر ينيخ به يتحرى معرس النبي صلى الله عليه وسلم وهو أسفل من المسجد الذي ببطن الوادي بينه وبين القبلة وسط من ذلك وروى مسلم حديث الباب عن يحيى عن مالك به ( قال مالك لا ينبغي لأحد أن يجاوز المعرس) بضم الميم وفتح العين والراء الثقيلة وبإسكان العين وفتح الراء خفيفة موضع النزول ( إذا قفل) بقاف ففاء مفتوحتين رجع من الحج ( حتى يصلي فيه) تأسيًا ( وإن مر به في غير وقت صلاة فليقم) به ( حتى تحل الصلاة ثم صلى ما بدا له) يعني أي شيء تيسر له ( لأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس به) بشد الراء نزل به ليستريح وصلى به كما مر في الحديث قال أبو زيد التعريس نزول المسافر أي وقت كان من ليل أو نهار للاستراحة وخصه غيره بنزوله آخر الليل ( وأن عبد الله بن عمر أناخ به) برك راحلته تأسيًا وقيل مراده صلى الله عليه وسلم بالنزول بذي الحليفة في رجوعه والمقام به حتى يصبح لئلا يفجأ الناس أهاليهم كما نهى عن ذلك في غير هذا الحديث حتى يبلغهم الخبر فتمتشط الشعثة وتستحد المغيبة ويصلح النساء من شأنهن لئلا تقع عين أو أنف على ما يكره فيقدح ذلك في الألفة حكاه عياض



رقم الحديث 919 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنَ اللَّيْلِ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ.


( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء) إذا رجع من منى ( بالمحصب) بضم الميم وفتح الحاء والصاد المهملة الثقيلة وموحدة قال ابن عبد البر وتبعه عياض اسم لمكان متسع بين مكة ومنى وهو أقرب إلى منى ويقال له الأبطح والبطحاء وخيف بني كنانة والخيف وإلى منى يضاف ودليله قول الشافعي وهو عالم بمكة وإحرازها ومنى وأقطارها

يا راكبًا قف بالمحصب من منى
واهتف بقاطن خيفها والناهض

قال الأبي وإنما يصح الاحتجاج به إذا جعل من منى في موضع الصفة للمحصب أما إذا علق براكبًا فلا حجة فيه ونظيره قول عمر بن أبي ربيعة

نظرت إليها بالمحصب من منى
وفي نظر لولا التحرج عادم

وأبين منهما قول مجنون بني عامر

وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى
فهيج لوعات الفؤاد وما يدري

دعا باسم ليلى غيرها فكأنما
أطار بليلى طائرًا كان في صدري

وظاهر قول مالك في المدونة إذا رحلوا من منى نزلوا بأبطح مكة وصلوا الظهر والثلاثة بعدها ويدخلون مكة أول الليل أنه ليس من منى ( ثم يدخل مكة من الليل فيطوف بالبيت) اتباعًا للفعل النبوي كما رواه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ينزلون الأبطح وله من طريق صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرى التحصيب سنة قال نافع وقد حصب رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده وفي الصحيحين عن عائشة نزول الأبطح ليس بسنة إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج أي أسهل لتوجهه إلى المدينة ليستوعب في ذلك البطيء والمتعذر ويكون مبيتهم وقيامهم في السحر ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة وفيهما عن ابن عباس ليس التحصيب بشيء إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولمسلم وأبي داود وغيرهما عن أبي رافع وكان علي ثقل النبي صلى الله عليه وسلم قال لم يأمرني صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ولكن جئت فضربت قبته فجاء فنزل انتهى لكن لما نزله كان النزول به مستحبًا اتباعًا له لتقريره على ذلك وقد فعله الخلفاء بعده وإليه ذهب مالك والشافعي والجمهور فالحاصل أن من نفى كونه سنة كعائشة وابن عباس أراد أنه ليس من المناسك فلا يلزم بتركه شيء ومن أثبته كابن عمر أراد دخوله في عموم التأسي بأفعاله لا الإلزام بذلك.