فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي شُرْبِ الرَّجُلِ وَهُوَ قَائِمٌ

رقم الحديث 1684 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ قَائِمًا.


( ما جاء في شرب الرجل وهو قائم)

( مالك أنه بلغه) وبلاغه صحيح كما قال ابن عيينة وسبق مرارًا ( أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان كانوا يشربون) حال كونهم ( قيامًا) وقال جبير بن مطعم رأيت أبا بكر الصديق يشرب قائمًا ففيه جواز ذلك بلا كراهة وقد صح عليكم بسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ واقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ( مالك عن ابن شهاب أن عائشة أم المؤمنين وسعد بن أبي وقاص كانا لا يريان بشرب الإنسان) الذكر والأنثى ( وهو قائم بأسًا) شدة أي كراهة ( مالك عن أبي جعفر القاري أنه قال رأيت عبد الله بن عمر يشرب قائمًا) لجوازه ( مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه كان يشرب قائمًا) وفي الصحيحين عن ابن عباس أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء زمزم فشرب وهو قائم وفي البخاري عن علي أنه شرب وهو قائم ثم قال إن ناسًا يكرهون الشرب قائمًا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت وفي مسلم عن أنس نهى صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائمًا وفيه عن أبي هريرة رفعه لا يشربن أحدكم قائمًا فمن نسي فليستقئ قال في المفهم لم يذهب أحد إلى أن النهي فيه للتحريم ولا التفات لابن حزم وإنما حمل على الكراهة والجمهور على عدمها فمن السلف الخلفاء الأربعة ثم مالك تمسكًا بشربه من زمزم قائمًا وكأنهم رأوه متأخرًا عن النهي فإنه في حجة الوداع فهو ناسخ وحقق ذلك فعل خلفائه بخلاف النهي ويبعد خفاؤه عليهم مع شدة ملازمتهم له وتشديدهم في الدين وهذا وإن لم يصلح دليلاً للنسخ يصلح لترجيح أحد الحديثين انتهى وقال البيهقي في السنن النهي إما تنزيه أو تحريم ثم نسخ بحديث شربه من زمزم وهو قائم وقد أعل عياض وغيره حديث لا يشربن أحدكم قائمًا بأن في إسناده عمر بن حمزة العمري وهو ضعيف وإن روى له مسلم وغاية ما أجاب به في الفتح بأنه مختلف في توثيقه ومثله يخرج له مسلم في المتابعات وقد تابعه الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن أحمد وابن حبان فالحديث بمجموع طرقه صحيح انتهى لكن يرد عليه أن مسلمًا أخرج له هنا أصلاً لا متابعة وقال المازري اختلف الناس في هذا فذهب الجمهور إلى الجواز وكرهه قوم فقال بعض شيوخنا لعل النهي ينصرف لمن أتى أصحابه بماء فبادر لشربه قائمًا قبلهم استبدادًا وخروجًا عن كون ساقي القوم آخرهم شربًا وأيضًا فأمر بالاستقاء ولا خلاف بين العلماء أنه ليس على أحد أن يستقئ وقال بعض الشيوخ الأظهر أنه موقوف على أبي هريرة لا مرفوع والأظهر لي أن شربه قائمًا يدل على الجواز والنهي يحمل على الاستحباب والحث على ما هو أولى وأكمل لأن في الشرب قائمًا ضررًا ما فكره من أجله وفعله صلى الله عليه وسلم لأمنه منه وعلى الثاني يحمل قوله فمن نسي فليستقئ على أنه يحرك خلطًا يكون القيء دواءه ويؤيده قول النخعي إنما ذلك لداء البطن انتهى وعليه فالنهي طبي إرشادي وقال ابن العربي للمرء ثمانية أحوال قائم ماش مستند راكع ساجد متكئ قاعد مضطجع كلها يمكن الشرب فيها وأهنؤها وأكثرها استعمالاً القعود وأما القيام فنهي عنه لأذيته للبدن وللحافظ بن حجر

إذا رمت تشرب فاقعد تفز
بسنة صفوة أهل الحجاز

وقد صححوا شربه قائمًا
ولكنه لبيان الجواز