فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {لا ينفع نفسا إيمانها} [الأنعام: 158]

( بابٌُ: { هَلُمْ شُهَدَاءَكُمْ لُغَةُ أهْلِ الْحِجازِ هَلُمَّ لِلْوَاحِدِ وَالاثْنَيْنِ وَالجَمِيعِ} )

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { قل هَلُمَّ شهداءكم الَّذين يشْهدُونَ أَن الله حرم هَذَا} ( الْأَنْعَام: 150) الْآيَة.
أَي: قل يَا مُحَمَّد: أحضروا شهداءكم الَّذين يشْهدُونَ أَن الله حرم هَذَا أَي: هَذَا الَّذِي حرمتموه وكذبتم واقتربتم على الله فِيهِ قَوْله هَلُمَّ، فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء بِتَقْدِير لفظ هَلُمَّ وَقَوله لُغَة أهل الْحجاز، خَبره قَوْله: ( هَلُمَّ للْوَاحِد) ، يَعْنِي لفظ هَلُمَّ يصلح للْوَاحِد وللاثنين وللجماعة، هَذَا عِنْد أهل الْحجاز، وَأهل نجد يَقُولُونَ للْوَاحِد: هَلُمَّ، وللمرأة هَلُمِّي، وللاثنين: هلما وللجماعة الذُّكُور: هلموا، وللنساء هلممن.
وعَلى اللُّغَة الأولى يكون أسما للْفِعْل وَبني لوُقُوعه موقع الْأَمر الْمَبْنِيّ، وعَلى اللُّغَة الثَّانِيَة يكون فعلا.



[ قــ :4382 ... غــ :4635 ]
- ح دَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ حدَّثنا عمارَةُ حدَّثنا أبْو زُرْعَةَ حدَّثنا أبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَال قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَقُومُ الساعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها فَإذَا رَآها النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْها فَذَاكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسا إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْبَصْرِيّ التَّبُوذَكِي، وَعبد الْوَاحِد بن زِيَاد، وَعمارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم بن الْقَعْقَاع الضَّبِّيّ الْكُوفِي، وَأَبُو زرْعَة هرم بن عمر والبجلي الْكُوفِي.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي بكر وَغَيره.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْمَلَاحِم عَن أَحْمد بن شُعَيْب.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَصَايَا عَن أَحْمد بن حَرْب.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْفِتَن عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: ( حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا) وعلامة طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا مَا رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه بِإِسْنَادِهِ عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: يَا رَسُول الله! مَا آيَة طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( تطول تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى تكون قدر لَيْلَتَيْنِ، فينتبه الَّذين كَانُوا يصلونَ فِيهَا فيعملون كَمَا كَانُوا يصلونَ قبلهَا، ثمَّ يرقدون ثمَّ يقومُونَ فيصلون ثمَّ يرقدون ثمَّ يقومُونَ، فيظل عَلَيْهِم جُنُونه حَتَّى يَتَطَاوَل عَلَيْهِم اللَّيْل فَيفزع النَّاس وَلَا يُصْبِحُونَ، فَبَيْنَمَا هم ينتظرون طُلُوع الشَّمْس من مستقرها إِذْ طلعت من مغْرِبهَا، فَإِذا رَآهَا النَّاس آمنُوا.
فَلَا يَنْفَعهُمْ إِيمَانهم)
، وَفِي مُسلم: ثَلَاثَة إِذا خرجن لَا ينفع نفسا إيمَانهَا لم تكن آمَنت من قبل أَو كسبت فِي إيمَانهَا خيرا طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا والدجال ودابة الأَرْض.
قَوْله: ( آمن من عَلَيْهَا) أَي: على الأَرْض، والسياق يدل عَلَيْهِ.





[ قــ :4383 ... غــ :4636 ]
- ح دَّثنا إسْحَاقُ أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّزَاقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها فَإذَا طَلَعتْ وَرَآها النَّاسُ آمَنُوا أجْمَعُونَ وَذالِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسا إيمَانهَا ثُمَّ قَرَأ الآيَةَ.


هَذَا طَرِيق آخر عَن أبي هُرَيْرَة أخرجه عَن إِسْحَاق ذكر أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي وَأَبُو نعيم الحافظان أَنه ابْن مَنْصُور الكوسج أَبُو يَعْقُوب الْمروزِي، وَفِي نُسْخَة من كتاب خلف الوَاسِطِيّ، رَوَاهُ، يَعْنِي البُخَارِيّ عَن إِسْحَاق بن نصر يَعْنِي السَّعْدِيّ قلت: إِسْحَاق هَذَا هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم بن نصر أَبُو إِبْرَاهِيم السَّعْدِيّ البُخَارِيّ، كَانَ ينزل بِالْمَدِينَةِ بِبابُُ بني سعد يروي عَن عبد الرَّزَّاق بن همام الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ عَن معمر بن رَاشد عَن همام، بتَشْديد الْمِيم، ابْن مُنَبّه الْأَنْبَارِي الصَّنْعَانِيّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن مُحَمَّد بن رَافع، وَاخْتلف فِي أول الْآيَات فَفِي مُسلم عَن ابْن عمرَان أول الْآيَات خُرُوجًا طُلُوع الشَّمْس وَخُرُوج الدَّابَّة وَأيهمَا كَانَت قبل صاحبتها فالأخرى على إثْرهَا قَرِيبا مِنْهَا.
وروى نعيم بن حَمَّاد من حَدِيث إِسْحَاق بن أبي فَرْوَة عَن يزِيد بن أبي غياث، سمع أَبَا هُرَيْرَة مَرْفُوعا خمس لَا يدْرِي أيتهن أول الْآيَات وأيتهن جَاءَت.
لَا ينفع نفسا إيمَانهَا لم تكن آمَنت من قبل طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا، والدجال، ويأجوج وَمَأْجُوج وَالدُّخَان، وَالدَّابَّة.
وَقيل: خُرُوج الدَّجَّال، ويرجحه قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الدَّجَّال خَارج فِيكُم لَا محَالة، فَلَو كَانَت الشَّمْس طلعت قبل ذَلِك من مغْرِبهَا لم ينفع الْيَهُود إِيمَانهم أَيَّام عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَلَو لم يَنْفَعهُمْ لما صَار الدّين وَاحِدًا بِإِسْلَام من أسلم مِنْهُم، فَإِذا قبض عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَمن مَعَه من الْمُؤمنِينَ يبْقى النَّاس حيارى سكارى فَيرجع أَكْثَرهم إِلَى الْكفْر والضلالة ويستولى أهل الْكفْر على من بَقِي من أهل الْإِسْلَام فَعِنْدَ ذَلِك تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا وَعند ذَلِك يرفع الْكتاب الْعَزِيز ثمَّ يَأْتِي الْحَبَش إِلَى الْكَعْبَة المشرفة فيهدمونها.
ثمَّ تخرج الدَّابَّة ثمَّ الدُّخان ثمَّ الرّيح ثمَّ الرِّيَاح تلقي الْكفَّار فِي الْبَحْر ثمَّ النَّار الَّتِي تَسوق النَّاس إِلَى الْمَحْشَر ثمَّ الهدة قلت: الهدة صَوت يَقع من السَّمَاء، وَقيل: الْخَسْف، وروى ابْن خالويه فِي ( أَمَالِيهِ) من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن أبي حميد الْحِمْيَرِي عَن ابْن عمر مَرْفُوعا يبْقى النَّاس بعد طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا عشْرين وَمِائَة سنة وَرَوَاهُ نعيم ابْن حَمَّاد فِي كِتَابه عَن وَكِيع عَن إِسْمَاعِيل مَوْقُوفا، وَذكر نَحوه ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا فِيمَا ذكره ابْن النَّقِيب، وروى نعيم بن حَمَّاد من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة بن زيد عَن الْعُرْيَان بن الْهَيْثَم سمع عبد الله بن عمر قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تعبد الْعَرَب مَا كَانَ يعبد آباؤها عشْرين وَمِائَة عَام بعد نزُول عِيسَى وَبعد الدَّجَّال، وَمن حَدِيث ابْن لَهِيعَة إِلَى ابْن عمر: أَن الشَّمْس وَالْقَمَر يَجْتَمِعَانِ فِي السَّمَاء فِي منزله وَاحِدَة بالْعَشي، فَيكون النَّهَار سرمدا عشْرين سنة وَعَن وهب: طُلُوع الشَّمْس الْآيَة الْعَاشِرَة وَهِي آخر الْآيَات، ثمَّ تذهل كل مُرْضِعَة عَمَّا أرضعت وَعَن ابْن لَهِيعَة إِلَى عبد الله مَرْفُوعا: لَا يلبثُونَ بعد يَأْجُوج وَمَأْجُوج إلاَّ قَلِيلا حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا، فَيَقُول من لَا خلاق لَهُ: مَا نبالي إِذا رد الله عَلَيْهَا ضوءها من حَيْثُ مَا طلعت من مشرقها أَو مغْرِبهَا الحَدِيث، وَفِي آخِره.
ويخر إِبْلِيس سَاجِدا وَيَقُول لأعوانه، هَذِه الشَّمْس قد طلعت من مغْرِبهَا وَهُوَ الْوَقْت الْمَعْلُوم، وَلَا عمل بعد الْيَوْم، وَيصير الشَّيَاطِين ظَاهِرين فِي الأَرْض حَتَّى يَقُول الرجل: هَذَا قريني الَّذِي كَانَ يغويني، الْحَمد لله الَّذِي أَخْزَاهُ وأراحني مِنْهُ فَلَا يزَال إِبْلِيس عَلَيْهِ اللَّعْنَة سَاجِدا باكيا حَتَّى تخرج دَابَّة الأَرْض فتقتله.
فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي عدم نفع الْإِيمَان عِنْد طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا.
قلت: لوُقُوع الْفَزع فِي قُلُوبهم بِمَا يخمد بِهِ كل شَهْوَة من شهوات النَّفس، وفتور كل قُوَّة من قوى الْبدن، فيصيرون فِي حَالَة من حَضَره الْمَوْت لانْقِطَاع الدَّوَاعِي إِلَى أَنْوَاع الْمعاصِي، فَمن تَابَ فِي مثل هَذِه الْحَالة كمن تَابَ عِنْد الغرغرة فَفِي ذَلِك الْوَقْت كَأَنَّهُمْ شاهدوا مَقَاعِدهمْ من النَّار أَو الْجنَّة فَلم يَنْفَعهُمْ إِيمَانهم لأَنا مكلفون بِالْإِيمَان بِالْغَيْبِ فَلَا ينفع الْإِيمَان عِنْد الْمُشَاهدَة.
فَإِن قلت: مَا الحكم فِي طُلُوعهَا من الْمغرب؟ قلت: الْحِكْمَة فِيهِ إبِْطَال قَول الْمَلَاحِدَة والمنجمين لما قَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، لنمرود: { إِن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فأت بهَا من الْمغرب} ( الْبَقَرَة: 58) حَيْثُ أَنْكَرُوا ذَلِك وَادعوا أَنه لَا يَقع وَلَا يتَصَوَّر.