فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين، قد بين الله حكمهما، ليفهم السائل

( بابُُ من شَبَّهَ أصْلاً مَعْلُوماً بِأصْلٍ مُبَيَّنٍ قَدْ بَيَّنَ الله حُكْمَهُما، لِيَفْهَمَ السَّائِلُ) أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من شبه أصلا مَعْلُوما الخ، وَهَذَا الْبابُُ للدلالة على صِحَة الْقيَاس، وَأَنه لَيْسَ مذموماً.
فَإِن قلت: الْبابُُ الْمُتَقَدّم يشْعر بالذم وَالْكَرَاهَة.
قلت: الْقيَاس على نَوْعَيْنِ: صَحِيح مُشْتَمل على جَمِيع شَرَائِطه الْمَذْكُورَة فِي فن الْأُصُول وفاسد بِخِلَاف ذَلِك، فالمذموم هُوَ الْفَاسِد، وَأما الصَّحِيح فَلَا مذمة فِيهِ بل هُوَ مَأْمُور بِهِ، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
قَوْله: من شبه أصلا مَعْلُوما قَالَ الْكرْمَانِي: لَو قَالَ: من شبه أمرا مَعْلُوما لوافق اصْطِلَاح أهل الْقيَاس، وَهَذَا الْمَذْكُور من التَّرْجَمَة رِوَايَة الْكشميهني والإسماعيلي والجرجاني، وَرِوَايَة غَيرهم من شبه أصلا مَعْلُوما بِأَصْل مُبين وَقد بَين النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، حكمهمَا.
وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: من شبه أصلا مَعْلُوما بِأَصْل مُبْهَم قد بَين الله حكمهمَا ليفهم السَّائِل.



[ قــ :6923 ... غــ :7314 ]
- حدّثنا أصْبَغُ بنُ الفَرَجِ، حدّثني ابنُ وهْبٍ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ أبي سَلَمَة بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ: أنَّ أعْرَابِيّاً أتَى رسولَ الله فَقَالَ: إنَّ امْرَأتي ولَدَتْ غُلاماً أسْوَدَ، وإنِّي أنْكَرْتُهُ، فَقَالَ لهُ رسولُ الله هَلْ لَكَ مِنْ إبلٍ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَما ألْوَانُها؟ قَالَ: حُمَرٌ.
قَالَ: هَلْ فِيها مِنْ أوْرَق؟ قَالَ: إنَّ فِيها لَوُرْقاً.
قَالَ: فأنَّى تُرَى ذالِكَ جاءَها؟ قَالَ: يَا رسولَ الله عِرقٌ نَزَعَها.
قَالَ: وَلَعَلَّ هاذَا عِرْقٌ نَزَعَهُ ولَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الانْتِفاءِ مِنْهُ.

انْظُر الحَدِيث 5305 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي شبه للأعرابي، مَا أنكر من لون الْغُلَام بِمَا عرف فِي نتاج الْإِبِل، فَقَالَ لَهُ: هَل لَك من إبل إِلَى قَوْله: لَعَلَّ عرقاً نَزعه فأبان لَهُ بِمَا يعرف أَن الْإِبِل الْحمر تنْتج الأورق أَي: الأغبر، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ سَواد وَبَيَاض فَكَذَلِك الْمَرْأَة الْبَيْضَاء تَلد الْأسود.

وَأصبغ بن الْفرج أَبُو عبد الله الْمصْرِيّ روى عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة.

والْحَدِيث قد مضى فِي اللّعان وَلَكِن عَن يحيى بن قزعة عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: وَإِنِّي أنكرته لِأَنِّي أَبيض وَهُوَ أسود.
قَوْله: لورقاً بِضَم الْوَاو جمع الأورق وَهُوَ مَا فِي لَونه بَيَاض إِلَى سَواد.
قَوْله: عرق أَي: أصل.
قَوْله: نَزعهَا أَي: اجتذبها إِلَيْهِ حَتَّى ظهر لَونه عَلَيْهِ.
قَوْله: فِي الانتفاء أَي: فِي اللّعان وَنفي الْوَلَد من نَفسه.





[ قــ :694 ... غــ :7315 ]
- حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا أبُو عَوانَةَ، عنْ أبي بِشْر، عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عنِ ابْن عبَّاسٍ أنَّ امْرَأةً جاءَتْ إِلَى النَّبيِّ فقالَتْ إِن أُمِّي نَذَرتْ أنْ تَحُجَّ فَماتَتْ قَبْلَ أنْ تَحُجَّ، أفأحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ حُجِّي عنْها أرَأيْتَ لَوْ كانَ عَلى أُمّكِ دَيْنٌ أكُنْتِ قاضِيَتَهُ؟ قَالَتْ نَعمْ فَقَالَ: فاقْضُوا الّذِي لهُ، فإنَّ الله أحقُّ بالْوَفاءِ
انْظُر الحَدِيث 185 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي، شبه لتِلْك الْمَرْأَة الَّتِي سَأَلته الْحَج عَن أمهَا بدين الله بِمَا تعرف غَيره من دين الْعباد، غير أَنه قَالَ: فدين الله أَحَق
وَأَبُو عوَانَة بِالْفَتْح الوضاح، وَأَبُو بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة جَعْفَر بن أبي وحشية.

والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الْحَج فِي: بابُُ الْحَج الْمَنْذُور عَن الْمَيِّت، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: قاضيته بالضمير ويروى: قاضية، بِدُونِ الضَّمِير.
قَوْله: فاقضوا أَي: فاقضوا أَيهَا الْمُسلمُونَ الْحق الَّذِي لله تَعَالَى، وَدخلت الْمَرْأَة الَّتِي سَأَلته الْحَج عَن أمهَا فِي هَذَا الْخطاب دُخُولا بِالْقَصْدِ الأول، وَقد علم فِي الْأُصُول أَن النِّسَاء يدخلن فِي خطاب الرِّجَال لَا سِيمَا عِنْد الْقَرِينَة المدخلة.
قيل: قَالَ الْفُقَهَاء: حق الْآدَمِيّ مقدم على حق الله تَعَالَى: وَأجِيب: بِأَن التَّقْدِيم بِسَبَب احْتِيَاجه لَا يُنَافِي الأحقية بِالْوَفَاءِ واللزوم، وَاحْتج الْمُزنِيّ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثين على من أنكر الْقيَاس قَالَ: وَأول من أنكر الْقيَاس إِبْرَاهِيم النظام وَتَبعهُ بعض الْمُعْتَزلَة وَدَاوُد بن عَليّ وَمَا اتّفق عَلَيْهِ الْجَمَاعَة هُوَ الْحجَّة فقد قَاس الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ من التَّابِعين وفقهاء الْأَمْصَار، وَقيل: دَعْوَى الأولية فِي إِنْكَار الْقيَاس بإبراهيم مَرْدُود لِأَنَّهُ ثَبت عَن ابْن مَسْعُود من الصَّحَابَة وَعَن عَامر الشّعبِيّ التَّابِعِيّ من فُقَهَاء الْكُوفَة، وَعَن مُحَمَّد بن سِيرِين من فُقَهَاء الْبَصْرَة.
وَالله أعلم.