فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الخطبة بعد العيد

( بابُُ الخُطْبَةِ بَعْدَ العيدِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَن الْخطْبَة تكون بعد صَلَاة الْعِيد.
فَإِن قلت: كَون الْخطْبَة بعد صَلَاة الْعِيد، علم من حَدِيث عبد الله بن عمر وَحَدِيث جَابر بن عبد الله الْمَذْكُورين فِي الْبابُُ الَّذِي قبله، وَكَذَلِكَ علم من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الْمَذْكُور فِي بابُُ الْخُرُوج إِلَى الْمصلى بِغَيْر مِنْبَر، فَلم كرر هَذَا؟ وَمَا فَائِدَة إِعَادَة هَذَا الحكم؟ قلت: لشدَّة الاعتناء بِهِ، وَمَا هَذَا شَأْنه يذكر بطرِيق الِاسْتِقْلَال والاستبداد، وَالْمَذْكُور فِي الْأَحَادِيث السَّابِقَة، وَإِن كَانَ فِي بَعْضهَا تَصْرِيح بِهِ، وَلكنه بطرِيق التّبعِيَّة.
وَالَّذِي يذكر بطرِيق التّبعِيَّة لَا يكون مثل الَّذِي يذكر بطرِيق الِاسْتِقْلَال.



[ قــ :933 ... غــ :962 ]
- حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ قَالَ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبرنِي الحَسَنُ بنُ مُسْلِمٍ عنْ طاوُوسٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فكُلُّهُمْ كانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الخُطْبَةِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن الصَّلَاة إِذا كَانَت قبل الْخطْبَة تكون الْخطْبَة بعْدهَا ضَرُورَة.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد، بِفَتْح الْمِيم: الشَّيْبَانِيّ النَّبِيل الْبَصْرِيّ.
الثَّانِي: عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.
الثَّالِث: الْحسن ابْن مُسلم، بِضَم الْمِيم: من الْإِسْلَام ابْن يناق، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَشْديد النُّون وَبعد الْألف قَاف.
الرَّابِع: طَاوُوس بن كيسَان.
الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس.

ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، وَكَذَلِكَ بِصِيغَة الْإِخْبَار فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي والراوي الثَّانِي وَالثَّالِث مكيان وَالرَّابِع يماني.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي تَفْسِير سُورَة الممتحنة عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج إِلَى آخِره مطولا.
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس من طَرِيق عَطاء ( أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خرج يَوْم فطر فصلى ثمَّ خطب.
.
)
الحَدِيث، وَبَقِيَّة الْكَلَام قد مرت.





[ قــ :934 ... غــ :963 ]
- حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا أبُو أسَامَةَ قَالَ حدَّثنا عُبَيْدُ الله عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ وعُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يُصَلُّونَ العِيدَيْنِ قَبْلَ الخُطْبَةِ.
( انْظُر الحَدِيث 957) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي أَبُو يُوسُف، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَعبيد الله بن عمر ابْن حَفْص، وَقد مر عَن قريب.
وَأخرجه مُسلم عَن ابْن أبي شيبَة عَن عَبدة بن سُلَيْمَان وَأبي أُسَامَة عَن عبيد الله عَن نَافِع ( عَن ابْن عمر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر وَعمر كَانُوا يصلونَ الْعِيدَيْنِ قبل الْخطْبَة) .





[ قــ :935 ... غــ :964 ]
- حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ عَدِيِّ بنِ ثابِتٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى يَوْمَ الفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا ولاَ بَعْدَهُمَا ثُمَّ أتَى النِّسَاءَ ومَعَهُ بِلاَلٌ فأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ تُلْقِي المَرْأَةُ خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة تَأتي بالتكلف من حَيْثُ إِن التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على الْعِيد، وَالْمرَاد مِنْهُ: صَلَاة الْعِيد، وَأَشَارَ بِالْحَدِيثِ إِلَى أَن صَلَاة الْعِيد رَكْعَتَانِ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ يدل على التَّرْجَمَة؟ قلت: كَأَنَّهُ جعل أَمر النِّسَاء بِالصَّدَقَةِ من تَتِمَّة الْخطْبَة، وَتَبعهُ بَعضهم على هَذَا.
قلت: الَّذِي ذكرته من الْوَجْه فِي الدّلَالَة على التَّرْجَمَة قد استبعدته، وذكرته بالتعسف، فَالَّذِي ذكره الْكرْمَانِي أبعد من ذَلِك.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.

وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن أبي الْوَلِيد فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الزَّكَاة أَيْضا عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم، وَفِي اللبَاس عَن مُحَمَّد بن عرْعرة وحجاج بن منهال فرقهما.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه وَعَن عَمْرو النَّاقِد وَعَن بنْدَار وَأبي بكر بن نَافِع كِلَاهُمَا عَن غنْدر، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن حَفْص بن عمر.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مَحْمُود بن غيلَان، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عبيد الله بن سعيد.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن بنْدَار.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( تلقي الْمَرْأَة) فَائِدَة التّكْرَار فِيهِ أَنه ذكر الْإِلْقَاء أَولا مُجملا ثمَّ ذكره مفصلا، وَهَذَا أوقع فِي الْقُلُوب، لِأَنَّهُ يكون علمين: علم إجمالي وَعلم تفصيلي، والعلمان خير من علم وَاحِد.
قَوْله: ( خرصها) الْخرص، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسرهَا: القرط بِحَبَّة وَاحِدَة، وَقيل: هِيَ الْحلقَة من الذَّهَب أَو الْفضة، وَالْجمع: خرصة، والخرصة لُغَة فِيهَا وَفِي ( الصِّحَاح) : الْخرص بِالضَّمِّ وبالكسر وَالْجمع: خرصان.
قَوْله: ( وسخابها) ، بِكَسْر السِّين وبالخاء الْمُعْجَمَة الْخَفِيفَة وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة،.

     وَقَالَ  أَبُو الْمَعَالِي: وَهُوَ قلادة تتَّخذ من طيب وَغَيره لَيْسَ فِيهَا جَوْهَر، وَرُبمَا عمل من خَرَزَات أَو نوى الزَّيْتُون، وَالْجمع: سخب، مثل كتاب وَكتب.
.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: هِيَ قلادة تتَّخذ من قرنفل وسك ومحلب.
وَفِي ( الْجَامِع) للقزاز: وَيكون من الطّيب والجوهر والخرز.
وَقيل: هُوَ خيط فِيهِ خرز، وَسمي سخابا لصوت خرزه عِنْد الْحَرَكَة، مَأْخُوذ من السخب وَهُوَ اخْتِلَاط الْأَصْوَات، يُقَال: بالصَّاد وبالسين.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على ثَلَاثَة أوجه: الأول: أَن صَلَاة الْعِيد رَكْعَتَانِ، قَالَ ابْن بزيزة: انْعَقَد الْإِجْمَاع على أَن صَلَاة الْعِيد رَكْعَتَانِ لَا أَكثر إلاّ مَا رُوِيَ عَن عَليّ فِي ( الْجَامِع) : أَربع، فَإِن صليت فِي الْمصلى فَهِيَ رَكْعَتَانِ كَقَوْل الْجُمْهُور.

الثَّانِي: أَن الحَدِيث يدل على أَن لَا تنفل قبل صَلَاة الْعِيد وَلَا بعْدهَا، وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ فَذهب أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري إِلَى أَنه يجوز التَّنَفُّل بعد صَلَاة الْعِيد، وَلَا يتَنَفَّل قبلهَا.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: يتَنَفَّل قبلهَا وَبعدهَا، وروى ابْن وهب وَأَشْهَب عَن مَالك: لَا يتَنَفَّل قبلهَا وَيُبَاح بعْدهَا.
وَفِي ( البدرية) : يجوز فِي بَيته.
وَعَن ابْن حبيب: قَالَ قوم: هِيَ سبْحَة ذَلِك الْيَوْم يقْتَصر عَلَيْهَا إِلَى الزَّوَال، قَالَ: وَهُوَ أحب إِلَيّ.
وَفِي ( الذَّخِيرَة) : لَيْسَ قبل صَلَاة الْعِيد صَلَاة، كَذَا ذكره مُحَمَّد بن الْحسن فِي الأَصْل، وَإِن شَاءَ تطوع قبل الْفَرَاغ من الْخطْبَة، يَعْنِي: لَيْسَ قبلهَا صَلَاة مسنونة لَا إِنَّهَا تكره إلاّ أَن الْكَرْخِي نَص على الْكَرَاهَة قبل الْعِيد حَيْثُ قَالَ: يكره لمن حضر الْمصلى التَّنَفُّل قبل صَلَاة الْعِيد.
وَفِي ( شرح الْهِدَايَة) : كَانَ مُحَمَّد بن مقَاتل الْمروزِي يَقُول: لَا بَأْس بِصَلَاة الضُّحَى قبل الْخُرُوج إِلَى الْمصلى، وَإِنَّمَا تكره فِي الْجَبانَة، وَعَامة الْمَشَايِخ على الْكَرَاهَة مُطلقًا.
وَعَن عَليّ وَابْن مَسْعُود وَجَابِر وَابْن أبي أوفى أَنهم كَانُوا لَا يرونها قبل وَلَا بعد، وَهُوَ قَول ابْن عمر ومسروق وَالشعْبِيّ وَالضَّحَّاك وَسَالم وقاسم وَالزهْرِيّ وَمعمر وَابْن جريج وَأحمد،.

     وَقَالَ  أنس وَالْحسن وَسَعِيد بن أبي الْحسن وَابْن زيد وَعُرْوَة وَالشَّافِعِيّ: يُصَلِّي قبلهَا وَبعدهَا، وَزَاد ابْن أبي شيبَة: أَبَا الشعْثَاء وَأَبا بردة الْأَسْلَمِيّ ومكحولاً وَالْأسود وَصَفوَان بن مُحرز ورجالاً من الصَّحَابَة، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِي غير ( الْأُم) :.

     وَقَالَ  أَبُو مَسْعُود البدري: لَا يُصَلِّي قبلهَا وَيُصلي بعْدهَا، وَهُوَ قَول عَلْقَمَة وَالْأسود وَالثَّوْري وَالنَّخَعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن أبي ليلى.
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ، بعد أَن أخرج حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور: وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد بعض أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم، وَبِه يَقُول الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق، وَقد رأى طَائِفَة من أهل الْعلم الصَّلَاة بعد صَلَاة الْعِيد وَقبلهَا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم، وَالْقَوْل الأول أصح.
وَلما روى التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا، قَالَ: وَفِي الْبابُُ عَن عبد الله بن عمر وَأبي سعيد؟ قلت: قد أخرج ابْن مَاجَه حَدِيث عبد الله بن عمر وَمن حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: ( أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يصل قبلهَا وَلَا بعْدهَا) ، وَانْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ ابْن مَاجَه.
وَأما حَدِيث أبي سعيد فقد أخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا، وَانْفَرَدَ بِهِ من حَدِيث عَطاء بن يسَار: ( عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُصَلِّي قبل الْعِيد شَيْئا، فَإِذا رَجَعَ إِلَى منزله صلى رَكْعَتَيْنِ) .
قلت: وَفِي الْبابُُ أَيْضا عَن عَليّ بن أبي طَالب وَأبي مَسْعُود وَكَعب بن عجْرَة وَعبد الله بن أبي أوفى، فَحَدِيث عَليّ عِنْد الْبَراء فِي حَدِيث طَوِيل، وَفِيه: ( أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يصل قبلهَا وَلَا بعْدهَا، فَمن شَاءَ فعل وَمن شَاءَ ترك) .
وَحَدِيث أبي مَسْعُود عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير ( عَن أبي مَسْعُود، قَالَ: لَيْسَ من السّنة الصَّلَاة قبل خُرُوج الإِمَام يَوْم الْعِيد) .
وَحَدِيث كَعْب بن عجْرَة عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي حَدِيث وَفِيه: ( إِن هَاتين الرَّكْعَتَيْنِ سبْحَة هَذَا الْيَوْم حَتَّى تكون الصَّلَاة تدعوك) ، وَحَدِيث ابْن أبي أوفى عِنْده أَيْضا من رِوَايَة قَائِد أبي الورقاء، قَالَ: قدت عبد الله بن أبي أوفى فِي يَوْم الْعِيد إِلَى الْجَبانَة فَقَالَ: أدنني من الْمِنْبَر، فأدنيته فَجَلَسَ فَلم يصل قبلهَا وَلَا بعْدهَا، وَأخْبر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يصل قبلهَا وَلَا بعْدهَا، وقائد مَتْرُوك.

الْوَجْه الثَّالِث: إِتْيَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النِّسَاء بعد خطبَته وأمرهن بِالصَّدَقَةِ.
وَفِيه: اسْتِحْبابُُ عظتهن وتذكيرهن الْآخِرَة وحثهن على الصَّدَقَة، وَهَذَا إِذا لم يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مفْسدَة وَخَوف على الْوَاعِظ والموعوظ أَو غَيرهمَا، وَهَذِه الْأَوْجه الثَّلَاثَة صرح بهَا ظَاهر الحَدِيث.
وَفِيه: أَيْضا أَن صَدَقَة التَّطَوُّع لَا تحْتَاج إِلَى إِيجَاب وَقبُول بل يَكْفِي فِيهَا المعاطاة، لِأَنَّهُنَّ ألقين الصَّدَقَة فِي ثوب بِلَال من غير كَلَام مِنْهُنَّ وَلَا من بِلَال وَلَا من غَيره، وَهُوَ الصَّحِيح من مَذْهَب الشَّافِعِي، وَأكْثر الْعِرَاقِيّين قَالُوا: تفْتَقر إِلَى الْإِيجَاب وَالْقَبُول بِاللَّفْظِ كَالْهِبَةِ.
وَفِيه: جَوَاز خُرُوج النِّسَاء للعيدين، وَاخْتلف السّلف فِي ذَلِك، فَرَأى جمَاعَة ذَلِك حَقًا عَلَيْهِنَّ مِنْهُم: أَبُو بكر وَعلي وَابْن عمر، وَغَيرهم.

     وَقَالَ  أَبُو قلَابَة: ( قَالَت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: كَانَت الكواعب تخرج لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْفطر والأضحى) .
وَكَانَ عَلْقَمَة وَالْأسود يخرجَانِ نِسَاءَهُمْ فِي الْعِيد ويمنعانهن الْجُمُعَة، وروى ابْن نَافِع عَن مَالك أَنه: لَا بَأْس أَن يخرج النِّسَاء إِلَى الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَة وَلَيْسَ بِوَاجِب،.
وَمِنْهُم من مَنعهنَّ ذَلِك، مِنْهُم: عُرْوَة وَالقَاسِم وَالنَّخَعِيّ وَيحيى الْأنْصَارِيّ وَأَبُو يُوسُف وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة مرّة وَمنعه مرّة، وَقَول: من رأى خروجهن أصح بِشَهَادَة السّنة الثَّابِتَة لَهُ.
قلت: الْغَالِب فِي هَذَا الزَّمَان الْفِتْنَة وَالْفساد فَيَنْبَغِي أَن يمنعهن عَن ذَلِك مُطلقًا.
وَفِيه: إِن النِّسَاء إِذا حضرن صَلَاة الرِّجَال ومجامعهم يكن بمعزل عَنْهُم خوفًا من الْفِتْنَة وَالْفساد.
وَفِيه: جَوَاز صَدَقَة الْمَرْأَة من مَالهَا، وَعَن مَالك: لَا يجوز الزِّيَادَة على ثلث مَالهَا إلاّ برضى زَوجهَا.





[ قــ :936 ... غــ :965 ]
- حدَّثنا آدَمْ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا زُبَيْدٌ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ عنِ البَرَاءِ بنَ عازِبٍ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ أوَّلَ مَا نَبْدَأ بهِ فِي يَوْمِنَا هاذا أنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذالِكَ فقَدْ أصَابَ سُنَّتَنَا ومَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فإنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأِهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النّسْكِ فِي شَيءٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ يُقالُ لَهُ أبُو بُرْدَةَ بنَ نِيَارٍ يَا رسولَ الله ذَبَحْتُ وعِنْدِي جَذَعَةٌ خُيْرٌ منْ مُسِنَّةٍ فقالَ اجْعَلْهُ مكانَهُ ولَنْ تُوفِيَ أوْ تَجْزِيَ عنْ أحَدٍ بَعْدَكَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد ذكر الحَدِيث فِي: بابُُ سنة الْعِيدَيْنِ لأهل الْإِسْلَام، غير أَنه رُوِيَ هُنَاكَ: عَن حجاج عَن شُعْبَة وَهَهُنَا عَن آدم بن أبي إِيَاس عَن شُعْبَة إِلَى آخِره نَحوه.
وَزَاد هَهُنَا: ( وَمن نحر قبل الصَّلَاة) إِلَى آخِره، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء.

قَوْله: ( ذبحت) أَي: قبل الصَّلَاة.
قَوْله: ( مُسِنَّة) ، هِيَ الَّتِي تدلت أسنانها، قَالَه الدَّاودِيّ،.

     وَقَالَ  غَيره: هِيَ الثَّنية.
قَوْله: ( إجعله مَكَانَهُ) ، إِنَّمَا ذكر الضميرين مَعَ أَنَّهُمَا يرجعان إِلَى الْمُؤَنَّث اعْتِبَارا لمسماهما، إِذْ الْجَذعَة عبارَة عَن معز ذِي سنة، والمسنة عَن معز ذِي سنتَيْن.
قَوْله: ( وَلنْ توفّي أَو تجزي) ، شكّ من الْبَراء.
قَالَ الْخطابِيّ: يُقَال: وفى وأوفى بِمَعْنى وَاحِد، وَيُقَال جزى يَجْزِي هَهُنَا مهموزا، لِأَن المهموز لَا يسْتَعْمل مَعَه: عَن، عِنْد الْعَرَب، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ: هَذَا يَجْزِي من هَذَا، أَي: يكون مَكَانَهُ، وَبَنُو تَمِيم يَقُولُونَ: أَجْزَأَ يجزىء بِالْهَمْزَةِ،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هَذَا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَخْصِيص لعين من الْأَعْيَان بِحكم مُنْفَرد وَلَيْسَ من بابُُ النّسخ فَإِن الْمَنْسُوخ إِنَّمَا يَقع للْأمة عَامَّة غير خَاص لبَعْضهِم.