فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: ظهر المؤمن حمى إلا في حد أو حق

( بابٌُ ظَهْرُ المُؤْمِنِ حِمًى إلاّ فِي حَدٍّ أوْ حَقٍّ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَن ظهر الْمُؤمن حمى بِكَسْر الْحَاء أَي: محمي أَي: مَحْفُوظ عَن الإيذا.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: أحميت الْمَكَان فَهُوَ محمي إِذا جعلته حمى أَي: مَحْظُورًا لَا يقرب وحميته حماية إِذا دفعت عَنهُ ومنعت مِنْهُ من يقربهُ.

قلت: أصل حمى حمى على وزن فعل قَوْله: إلاَّ فِي حق أَي: لَا يحمي فِي حد وَجب عَلَيْهِ أَو حق أَي أَو فِي حق أحد.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: قَوْله: ( ظهر الْمُؤمن حمى) يَعْنِي: أَنه لَا يحل للْمُسلمِ أَن يستبيح ظهر أَخِيه وَلَا بَشرته لنائرة تكون بَينه وَبَينه أَو عَدَاوَة كَمَا كَانَت الْجَاهِلِيَّة تَفْعَلهُ وتستبيحه من الْأَعْرَاض والدماء، وَإِنَّمَا يجوز اسْتِبَاحَة ذَلِك فِي حُقُوق الله أَو حُقُوق الْآدَمِيّين أَو فِي أدب لمن قصر فِي الدّين كتأديب عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِالدرةِ، وَهَذِه التَّرْجَمَة لفظ حَدِيث أخرجه أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب السّرقَة من طَرِيق مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن الزُّهْرِيّ عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( ظُهُور الْمُسلمين حمى إلاَّ فِي حُدُود الله) ، وَمُحَمّد ابْن عبد الْعَزِيز ضَعِيف.
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عصمَة بن الْملك الخطمي بِلَفْظ: ظهر الْمُؤمن حمى إلاَّ بِحقِّهِ، وَفِي سَنَده الْفضل بن مُخْتَار وَهُوَ ضَعِيف، وَمن حَدِيث أبي أُمَامَة: ( من جرد ظهر مُسلم بِغَيْر حق لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان) ، وَفِي سَنَده أَيْضا مقَال.



[ قــ :6432 ... غــ :6785 ]
- حدّثني مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا عاصِمُ بنُ عَلِيٍّ حدّثنا عاصِمُ بنُ مُحَمَّدٍ عنْ واقِدٍ ابنِ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ أبي قَالَ، عَبْدُ الله: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَجَّةِ الوَداعِ: ( ألاَ أيُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ أعْظَمُ حُرْمَةً؟) قالُوا: ألاَ شَهْرُنا هاذا.
قَالَ: ( أَلا أيُّ بَلَدٍ تَعْلَمُونَهُ أعْظَمُ حُرْمَةً؟) قالُوا: ألاَ بَلَدُنا هَذَا.
قَالَ: ( أَلا أيُّ يَوْمٍ تَعْلَمُونَهُ أعْظَمُ حُرْمَةً؟) قالُوا: ألاَ يَوْمُنا هاذا.
قَالَ: ( فإنَّ الله تَبارَكَ وتَعالى قَدْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِماءَكُمْ وأمْوالَكُمْ وأعْراضَكُمْ إلاّ بِحَقِّها كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هاذا فِي بَلَدِكُمْ هاذا فِي شَهْرِكُمْ هاذا ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ) ثَلاَثاً كُلُّ ذالِكَ يُجِيبُونهُ: ألاَ نَعَمْ، قَالَ: ( وَيْحَكُمْ أوْ وَيْلَكُمْ لَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( فَإِن الله تَعَالَى قد حرم عَلَيْكُم دماءكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ) بَيَان ذَلِك أَن دم الْمُؤمن وَمَاله وَعرضه حمى لِلْمُؤمنِ، وَلَا يحل لأحد أَن يستبيحه إلاَّ بِحَق.

وَشَيخ البُخَارِيّ مُحَمَّد بن عبد الله.
قَالَ الْحَاكِم: مُحَمَّد بن عبد الله هَذَا هُوَ الذهلي.

قلت: هُوَ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد بن فَارس بن ذُؤَيْب أَبُو عبد الله الذهلي النَّيْسَابُورِي، روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي الصَّوْم والطب والجنائز وَالْعِتْق وَغَيرهَا فِي قريب من ثَلَاثِينَ موضعا، وَلم يقل مُحَمَّد بن يحيى الذهلي مُصَرحًا.
وَيَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد وَلَا يزِيد عَلَيْهِ، وَرُبمَا يَقُول: مُحَمَّد بن عبد الله ينْسبهُ إِلَى جده، وَيَقُول: مُحَمَّد بن خَالِد ينْسبهُ إِلَى جد أَبِيه.
قَوْله: حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الله، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنَا، بنُون الْجمع، وَعَاصِم بن عَليّ بن عَاصِم بن صُهَيْب أَبُو الْحُسَيْن مولى قريبَة بنت مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْقرشِي من أهل وَاسِط وَهُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ روى عَنهُ فِي الصَّلَاة ومواضع بِغَيْر وَاسِطَة، مَاتَ سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَعَاصِم الثَّانِي هُوَ ابْن مُحَمَّد ابْن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب الْعَدوي الْقرشِي، يروي عَن أَخِيه وَاقد بن مُحَمَّد بن زيد يروي عَن أَبِيه مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَعبد الله هُوَ ابْن عمر بن الْخطاب جد الرَّاوِي.

والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بابُُ الْخطْبَة أَيَّام منى فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يزِيد بن هَارُون عَن عَاصِم بن مُحَمَّد بن زيد عَن أَبِيه عَن ابْن عمر ... الخ.
وَأخرجه فِي مَوَاضِع كَثِيرَة ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ أَيْضا.

قَوْله: ( أَلا) بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف اللَّام تزاد فِي أول الْكَلَام للتّنْبِيه لما يُقَال، وَقد ذكر هُنَا سؤالاً وجواباً.
قَوْله: ( أَي شهر؟) قَالَ ابْن التِّين: أَي: هُنَا مَرْفُوعَة وَيجوز نصبها وَالِاخْتِيَار الرّفْع.
قَوْله: ( يونا هَذَا) يَعْنِي: يَوْم النَّحْر، قيل: صَحَّ أَن أفضل الْأَيَّام يَوْم عَرَفَة.
وَأجِيب: بِأَن المرا د بِالْيَوْمِ وَقت أَدَاء الْمَنَاسِك، وهما فِي حكم شَيْء وَاحِد.
قَوْله: ( ثَلَاثًا) أَي: قَالَه ثَلَاث مَرَّات.
قَوْله: ( أَو وَيْلكُمْ) شكّ من الرَّاوِي، وويحكم كلمة رَحْمَة وويلكم كلمة عَذَاب.
قَوْله: ( وَلَا ترجعن) بِضَم الْعين وبالنون الثَّقِيلَة خطاب للْجَمَاعَة ويروى: لَا ترجعوا، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم.
قَوْله: ( بعدِي) قَالَ الطَّبَرِيّ، مَعْنَاهُ بعد فراقي من موقفي، وَكَانَ يَوْم النَّحْر فِي حجَّة الْوَدَاع أَو يكون: بعدِي، بِمَعْنى خلا فِي أَي: لَا تخلفوا فِي أَنفسكُم بِغَيْر الَّذِي أَمرتك بِهِ، أَو يكون تحقق، عَلَيْهِ السَّلَام، أَن هَذَا لَا يكون فِي حَيَاته فنهاهم عَنهُ بعد مماته.
قَوْله: ( كفَّارًا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض) وَفِي مَعْنَاهُ سَبْعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن ذَلِك كفر فِي حق المستحل بِغَيْر حق وَالثَّانِي: أَن المُرَاد كفر النِّعْمَة وَحقّ الْإِسْلَام وَالثَّالِث: أَنه يقرب من الْكفْر وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ وَالرَّابِع: أَنه فعل كَفعل الْكفَّار.
وَالْخَامِس: المُرَاد حَقِيقَة الْكفْر وَمَعْنَاهُ لَا تكفرُوا بل دوموا مُسلمين.
وَالسَّادِس: حَكَاهُ الْخطابِيّ وَغَيره: المُرَاد المتكفرون بِالسِّلَاحِ،.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي: يُقَال للابس السِّلَاح: كَافِر وَالسَّابِع: مَعْنَاهُ: لَا يكفر بَعْضكُم بَعْضًا فتستحلوا قتال بَعْضكُم بَعْضًا، وَأظْهر الْأَقْوَال القَوْل الرَّابِع، قَالَه النَّوَوِيّ وَاخْتَارَهُ القَاضِي عِيَاض.
قَوْله: ( يضْرب) بِضَم الْبَاء كَذَا رَوَاهُ المتقدمون والمتأخرون وَبِه يَصح الْمَقْصُود هُنَا، وَحكى عِيَاض عَن بَعضهم ضَبطه بِإِسْكَان الْبَاء، وَكَذَا قَالَه أَبُو الْبَقَاء العكبري على تَقْدِير شَرط مُضْمر أَي: أَن ترجعوا يضْرب وَصوب عِيَاض وَالنَّوَوِيّ الأول.