فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إلقاء النذر العبد إلى القدر

( بابُُ إلقاءِ النذْرِ العَبْدَ إِلَى القَدَر)

أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْإِلْقَاء النّذر، إِلْقَاء مصدر يُضَاف إِلَى فَاعله وَهُوَ النّذر، وَالْعَبْد مَنْصُوب على المفعولية هَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: بابُُ إِلْقَاء العَبْد النّذر، فإعرابه بعكس ذَاك، وَالْمعْنَى: أَن العَبْد إِذا نذر لدفع شَرّ أَو لجلب خير فَإِن نَذره يلقيه إِلَى الْقدر الَّذِي فرغ الله مِنْهُ وأحكمه، لَا أَنه شَيْء يختاره، فمهما قدره الله هُوَ الَّذِي يَقع، وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث الْبابُُ: إِن النّذر لَا يرد شَيْئا، وَإِنَّمَا يسْتَخْرج بِهِ من الْبَخِيل، وَمَتى اعْتقد خلاف ذَلِك قد جعل نَفسه مشاركاً لله تَعَالَى فِي خلقه، ومجوزاً عَلَيْهِ مَا لم يقدره تَعَالَى الله عَن ذَلِك.



[ قــ :6262 ... غــ :6608 ]
- حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدّثنا سُفْيانُ عنْ مَنْصُورٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ مُرَّةً عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: نَهاى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ النذْرِ.

     وَقَالَ : ( لَا يَرُدُّ شَيْئاً وإنَّما يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن النّذر يلقِي العَبْد إِلَى الْقدر وَلَا يرد شَيْئا، وَالْقدر هُوَ الَّذِي يعْمل عمله.

وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَعبد الله بن مرّة بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء الْهَمدَانِي يروي عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النذور عَن خَلاد بن يحيى.
وَأخرجه مُسلم فِي النذور أَيْضا عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَغَيره.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عمر بن مَنْصُور.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْكَفَّارَات عَن عَليّ بن مُحَمَّد.

قَوْله: ( إِنَّه) أَي: إِن النّذر لَا يرد شَيْئا قيل: النّذر الْتِزَام قربَة فَلم يكن مَنْهِيّا؟ وَأجِيب: بِأَن الْقرْبَة غير منهية لَكِن التزامها مَنْهِيّ، إِذْ رُبمَا لَا يقدر على الْوَفَاء، وَقيل: الصَّدَقَة ترد الْبلَاء وَهَذَا الْتِزَام الصَّدَقَة.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَا يلْزم من رد الصَّدَقَة التزامها،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هَذَا بابُُ غَرِيب من الْعلم وَهُوَ: أَن يُ نهى عَن الشَّيْء أَن يفعل، حَتَّى إِذا فعل وَقع وَاجِبا، وَفِي لفظ: إِنَّمَا يسْتَخْرج، دَلِيل على وجوب الْوَفَاء وَفِي ( التَّوْضِيح) : النّذر ابْتِدَاء جَائِز، والمنهي عَنهُ الْمُعَلق، كَأَنَّهُ يَقُول: لَا أفعل خيرا يَا رب حَتَّى تفعل بِي خيرا، فَإِذا دخل فِيهِ فَعَلَيهِ الْوَفَاء.





[ قــ :663 ... غــ :6609 ]
- حدّثنا بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا مَعَمرٌ عنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( لَا يأْتِي ابنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قدْ قَدَّرْتُهُ، ولَكِنْ يلْقِيهِ القَدَرُ، وقَدْ قدَّرْتُهُ لهُ اسْتَخْرِج بِهِ مِنَ البَخِيلِ) .


قيل: لَا يُطَابق الحَدِيث التَّرْجَمَة.
والمطابق أَن يَقُول: إِلْقَاء الْقدر العَبْد إِلَى النّذر، لِأَن لفظ الحَدِيث يلقيه الْقدر.

قلت: فِي رِوَايَة الْكشميهني: يلقيه النّذر، وَمن عَادَة البُخَارِيّ أَنه يترجم بِمَا ورد فِي بعض طرق الحَدِيث وَإِن لم يسق ذَلِك اللَّفْظ بِعَيْنِه، وَقد غفل عَمَّا فِي رِوَايَة الْكشميهني من الْمُطَابقَة فَلذَلِك ادّعى عدم الْمُطَابقَة.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: التَّرْجَمَة مَقْلُوبَة إِذْ الْقدر يلقِي العَبْد إِلَى النّذر لقَوْله: ( يلقيه الْقدر) .

قلت: هما صادقان، إِذْ بِالْحَقِيقَةِ الْقدر هُوَ الْموصل وبالظاهر هُوَ النّذر، لَكِن كَانَ الأولى فِي التَّرْجَمَة الْعَكْس ليُوَافق الحَدِيث إلاّ أَن يُقَال إنَّهُمَا متلازمان.
انْتهى.

قلت: لَو وقف الْكرْمَانِي أَيْضا على رِوَايَة الْكشميهني لما تكلّف فِيمَا تعسف.

وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة ابْن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد الشختياني الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَمعمر هُوَ ابْن رَاشد، وَهَمَّام بن مُنَبّه بِضَم الْمِيم وَفتح النُّون وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة.

والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( لَا يَأْتِي ابْن آدم) فَاعل: لَا يَأْتِي، النّذر، وَابْن آدم مَفْعُوله.
وَهُوَ قريب من معنى قَوْله فِي الحَدِيث السَّابِق: إِنَّه لَا يرد شَيْئا قد وَقع.
قَوْله: ( لَا يَأْتِي) بِالْيَاءِ فِي الْأُصُول، وَفِي رِوَايَة أبي الْحسن: لَا يأتِ، بِدُونِ الْيَاء كَأَنَّهُ كتبه على الْوَصْل مثل قَوْله: { سَنَدع الزَّبَانِيَة} ( العلق: 81) بِغَيْر وَاو.
قَوْله: ( لم يكن قدرته) صفة لقَوْله: بِشَيْء قَالَ الْكرْمَانِي: وَقدرته بِصِيغَة الْمُتَكَلّم، ويروى: قدر بِهِ، بِلَفْظ الْمَجْهُول الْغَائِب وَالْجَار وَالْمَجْرُور.
قَوْله: ( وَلَكِن يلقيه الْقدر) من الْإِلْقَاء، وَيُقَال: معنى، لم يكن قدرته، أما مَا قدرت عَلَيْهِ الشدَّة فيحملها عَنهُ وَالنّذر لَا يحل عَنهُ الشدَّة بنذره، وَيكون ذَلِك النّذر استخرجه من الْبَخِيل للشدة الَّتِي عرضت لَهُ.
قَوْله: ( وَلَكِن يلقيه الْقدر) من الْإِلْقَاء، وَقيل: بِالْفَاءِ وَالْقَاف.
قَوْله: ( استخرج) بِلَفْظ الْمُتَكَلّم من الْمُضَارع.