فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يذكر في الفخذ قال أبو عبد الله


[ قــ :367 ... غــ :371]
- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ قالَ حدّثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ عُلَيَّةَ قالَ حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ صُهَيْبٍ عنْ أنَسٍ أنَّ رسولَ الله غزَا خَيْبَرَ فَصَلَّيْنَا عِنْدَها صَلاَةَ الغَدَاة بِغَلَسٍ فَرَكِبَ نَبيُّ اللَّهِ وَرَكِبَ أبُو طَلحَةَ وَأنَا رَدِيفُ أبي طَلْحَةَ فأجْرَي نَبِيُّ الله فِي زقاقِ خَيْبَرَ وإنَّ رُكْبَتي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبيِّ اللَّهِ ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ عنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أنْظُرُ إلَى بَيَاضٍ فَخِذِ نَبِيِّ الله فَلَمَّا دَخَلَ القَرْيَةَ قالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خيْبَرُ إِنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ قالَهَا ثَلاَثاً قَالَ وَخَرَجَ القَوْمُ إلَى أعْمَالِهِمْ فَقَالُوا مُحَمَّدٌ قالَ عَبْدُ العَزِيزِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ أصْحَابِنا وَالْخَمِيسُ يَعْنِي الْجَيْشَ قَالَ فأصَبْنَاها عَنْوَةً فَجُمِعَ السَّبْيُ فَجَاءَ دِحْيَةُ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أعْطِني جارِيَةً مِنَ السَّبْي قالَ اذْهَبْ فَخُذْ جَاريَةً فأخَذَ صَفِيَّة بِنْتَ حُيَيَ فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ فقالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيَ سَيَّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ لاَ تَصْلُحُ إلاَّ لَكَ قالَ ادْعُوهُ بِهَا فَجَاءَ بِهَا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النبيُّ قالَ خذْ جارِيَةً مِنَ السَّبْي غَيْرَهَا قالَ فَأَعْتَقَهَا النبيُّ وَتَزوَّجَهَا فَقال لَهُ ثابِتٌ يَا أبَا حَمْزَةَ مَا أصْدَقَها قَالَ نَفْسَها أعْتَقَها وَتَزَوَّجَها حَتَّى إذَا كانَ بالطَّرِيقِ جَهَّزَتْها لهُ أُمُّ سُلَيْمٍ فَأَهْدَتْها لَهُ مِنَ اللَّيْلِ فأصْبحَ النبيُّ عَرُوساً فقالَ منْ كانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِيء بِهِ وَبَسَطَ نِطَعاً فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ قالَ وَأحْسِبُهُ قد ذَكَرَ السَّوِيقَ قَالَ فَحَاسُوا حَيْساً فكانَتْ وَليمَةَ رَسولِ اللَّهِ.
( الحَدِيث 173 أَطْرَافه فِي: 016، 749، 8222، 5322، 9882، 3982، 3492، 4492، 5492، 1992، 5803، 6803، 7633، 7463، 3804، 4804، 7914، 8914، 9914، 0024، 1024، 1124، 2124، 3124، 5805، 9515، 9615، 7835، 5245، 8255، 8695، 5816، 3636، 9636، 3337) .


هَذَا وصل الحَدِيث الَّذِي علقَة فِيمَا قبل قَرِيبا، وَهُوَ قَوْله: ( وَقَالَ أنس: حسر النَّبِي عَن فَخذه) فَإِن قلت: مَا كَانَت فَائِدَة هَذَا التَّعْلِيق بِذكر قِطْعَة من هَذَا الحَدِيث الْمُتَّصِل قبل أَن يذكر الحَدِيث بِكَمَالِهِ؟ قلت: يحْتَمل أَنه أَرَادَ بِهِ الْإِشَارَة إِلَى مَا ذهب إِلَيْهِ أنس من أَن الْفَخْذ لَيْسَ بِعَوْرَة، فَلهَذَا ذكره بعد ذكر مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن عَبَّاس وجرهد وَمُحَمّد بن جحش: أَنه عَورَة.

ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة.
الأول: يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي.
الثَّانِي: إِسْمَاعِيل بن علية، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف.
الثَّالِث: عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب الْبنانِيّ الْبَصْرِيّ الأعمي.
الرَّابِع: أنس بن مَالك رَضِي اتعالى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده:.
هَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه تقدم فِي بابُُ حب الرَّسُول من الْإِيمَان.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: من هُوَ مَشْهُور باسم أمه وَهُوَ إِسْمَاعِيل ابْن إِبْرَاهِيم بن سهم بن مقسم الْبَصْرِيّ أَبُو بشر الْأَسدي، أَسد خُزَيْمَة مَوْلَاهُم، الْمَعْرُوف بِابْن علية، وَهِي أمه، مَاتَ سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَة.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي وبصري وأصل الدَّوْرَقِي من الْكُوفَة وَلَيْسَ هُوَ من بلد دورق، وَإِنَّمَا كَانَ يلبس قلنسوة دورقية فنسب إِلَيْهَا.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرج البُخَارِيّ حَدِيث: ( أعتق صَفِيَّة وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا) فِي النِّكَاح عَن قُتَيْبَة من حَدِيث ثَابت وَشُعَيْب بن الْحجاب، كِلَاهُمَا عَن أنس بِهِ وَعَن مُسَدّد عَن ثَابت وَعبد الْعَزِيز، كِلَاهُمَا عَن أنس بِهِ فِي حَدِيث خَيْبَر، وَحَدِيث الْبابُُ أخرجه مُسلم أَيْضا فِي النِّكَاح، وَفِي الْمَغَازِي عَن زُهَيْر بن حَرْب وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْخراج عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النِّكَاح، وَفِي الْوَلِيمَة عَن زِيَاد بن أَيُّوب، وَفِي التَّفْسِير عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.

ذكر مَعَانِيه وَإِعْرَابه: قَوْله: ( غزا خَيْبَر) ، يَعْنِي غزا بَلْدَة تسمى خَيْبَر، وخبير بلغَة الْيَهُود: حصن، وَقيل: أول مَا سكن فِيهَا رجل من بني إِسْرَائِيل يُسمى خَيْبَر فسميت بِهِ، وَهِي بلد عترة فِي جِهَة الشمَال والشرق من الْمَدِينَة النَّبَوِيّ على سِتَّة مراحل، وَكَانَ لَهَا نخيل كثير، وَكَانَت فِي صدر الْإِسْلَام دَارا لبني قُرَيْظَة وَالنضير، وَكَانَت غَزْوَة خَيْبَر فِي جُمَادَى الأولى سنة سبع من الْهِجْرَة، قَالَه ابْن سعد.
.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: أَقَامَ رَسُول ا، بعد رُجُوعه من الْحُدَيْبِيَة ذَا الْحجَّة وَبَعض الْمحرم، وَخرج فِي بَقِيَّته غازياً إِلَى خَيْبَر، وَلم يبْق من السّنة السَّادِسَة إِلاَّ شهر وَأَيَّام، وَهُوَ غير منصرف العلمية والتأنيث.
قَوْله: ( بِغَلَس) ، بِفَتْح الْغَيْن وَاللَّام: وَهُوَ ظلمَة آخر اللَّيْل.
قَوْله: ( فَركب نَبِي ا) أَي: ركب مركوبه، وَعَن أنس بن مَالك، قَالَ: ( كَانَ رَسُول ا، يَوْم قُرَيْظَة وَالنضير على حمر، وَيَوْم خَيْبَر عل حمَار مَخْطُوم برسن لِيف وَتَحْته إكاف من لِيف) .
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَالتِّرْمِذِيّ.

     وَقَالَ : وَهُوَ ضَعِيف،.

     وَقَالَ  ابْن كثير: وَالَّذِي ثَبت فِي ( الصَّحِيح) عِنْد البُخَارِيّ عَن أنس: ( أَن رَسُول ا، أجري فِي زقاق خَيْبَر حَتَّى انحسر الْإِزَار عَن فَخذه) .
فَالظَّاهِر أَنه كَانَ يومئذٍ على فرس لَا على حمَار، وَلَعَلَّ هَذَا الحَدِيث، إِن كَانَ صَحِيحا، فَهُوَ مَحْمُول على أَنه رَكبه فِي بعض الْأَيَّام وَهُوَ محاصرها.
قَوْله: ( وَركب أَبُو طَلْحَة) هُوَ: زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ، شهد الْعقبَة والمشاهد كلهَا وَهُوَ أحد النُّقَبَاء، رُوِيَ لَهُ اثْنَان وَتسْعُونَ حَدِيثا، روى لَهُ البُخَارِيّ مِنْهَا ثَلَاثَة، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ أَو أَربع وَثَلَاثِينَ بِالْمَدِينَةِ أَو بِالشَّام أَو فِي الْبَحْر، وَكَانَ أنس ربيبه.
قَوْله: ( وَأَنا رَدِيف أبي طَلْحَة) ، جملَة إسمية وَقعت حَالا.
قَوْله: ( فَأجرى) ، على وزن أفعل، من الإجراء، وفاعله النَّبِي، وَالْمَفْعُول مَحْذُوف أَي: أجْرى مركوبه.
قَوْله: ( فِي زقاق خَيْبَر) ، بِضَم الزَّاي وبالقافين: وَهُوَ السِّكَّة، يذكر وَيُؤَنث، وَالْجمع: أَزِقَّة.
وزقان، بِضَم الزَّاي وَتَشْديد الْقَاف وبالنون.
وَفِي ( الصِّحَاح) : قَالَ الْأَخْفَش: أهل الْحجاز يؤنثون الطَّرِيق والصراط والسبيل والسوق والزقاق، وَبَنُو تَمِيم يذكرُونَ هَذَا كُله، وَالْجمع: الزقان.
والأزقة، مثل: حوار وحوران وأحورة.
قَوْله: ( عَن فَخذه) يتَعَلَّق بقوله: ( حسر) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا مَا وَقع فِي رِوَايَة أَحْمد فِي ( مُسْنده) من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن علية: ( فانحسر) ، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم، وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرِيّ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم شيخ البُخَارِيّ فِي هَذَا الْموضع، وروى الْإِسْمَاعِيلِيّ هَذَا الحَدِيث عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، وَلَفظه: ( فَأجرى نَبِي ا، فِي زقاق خَيْبَر إِذْ خر الْإِزَار) ، وَلَا شكّ أَن الخرور هُنَا بِمَعْنى الْوُقُوع، فَيكون لَازِما، وَكَذَلِكَ الانحسار فِي رِوَايَة مُسلم، وَهَذَا هُوَ الأصوب، لِأَنَّهُ لم يكْشف إزَاره، عَن فَخذه قصدا، وَإِنَّمَا انْكَشَفَ عَن فَخذه لأجل الزحام، أَو كَانَ ذَلِك من قُوَّة إجرائه،.

     وَقَالَ  بَعضهم: الصَّوَاب أَنه عِنْد البُخَارِيّ بِفتْحَتَيْنِ يَعْنِي؛ أَن حَسَر، على صِيغَة الْفَاعِل، ثمَّ اسْتدلَّ عَلَيْهِ بقول أنس فِي أَوَائِل الْبابُُ: ( حسر النَّبِي عَن فَخذه) قلت: اللَّائِق بِحَالهِ الْكَرِيمَة أَن لَا ينْسب إِلَيْهِ كشف فَخذه قصدا مَعَ ثُبُوت قَوْله: ( الْفَخْذ عَورَة) ، على مَا تقدم،.

     وَقَالَ  هَذَا الْقَائِل أَيْضا: لَا يلْزم من وُقُوعه كَذَلِك فِي رِوَايَة مُسلم أَن لَا يَقع عِنْد البُخَارِيّ على خِلَافه.

قلت: منع الْمُلَازمَة مَمْنُوع، وَلَئِن سلمنَا فَيحْتَمل أَن أنسا لما رأى فَخذ رَسُول الله مكشوفاً ظن أَنه كشفه، فأسند الْفِعْل إِلَيْهِ، وَفِي نفس الْأَمر لم يكن ذَلِك إلاَّ من أجل الزحام أَو من قُوَّة الجري على مَا ذَكرْنَاهُ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا، أَي: وَفِي بعض النّسخ أَو فِي بعض الرِّوَايَة: على فَخذه، أَي: الْإِزَار الْكَائِن على فَخذه، فَلَا يتَعَلَّق بحسر، إلاَّ أَن يُقَال: حُرُوف الْجَرّ يُقَام بَعْضهَا مقَام بعض.
قلت: إِن صحت هَذِه الرِّوَايَة يكون مُتَعَلق: على، محذوفاً كَمَا قَالَه، لِأَنَّهُ حينئذٍ لَا يجوز أَن يتَعَلَّق: على، بقوله: ( حسر) لفساد الْمَعْنى، وَيجوز أَن تكون: على، بِمَعْنى: من، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { إِذا اكتالوا على النَّاس} ( المطففين: 2) أَي: من النَّاس، لِأَن: على، تَأتي لتسعة معَان، مِنْهَا أَن تكون بِمَعْنى: من.
قَوْله: ( حَتَّى أَنِّي أنظر) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( حَتَّى أَنِّي لأنظر) ، بِزِيَادَة لَام التَّأْكِيد.
قَوْله: ( فَلَمَّا دخل الْقرْيَة) أَي: خَيْبَر، وَهَذَا مشْعر بِأَن ذَلِك الزقاق كَانَ خراج الْقرْيَة.
قَوْله: ( خربَتْ خَيْبَر) أَي: صَارَت خراباً، وَهل ذَلِك على سَبِيل الخبرية؟ فَيكون ذَلِك من بابُُ الْإِخْبَار بِالْغَيْبِ؟ أَو يكون ذَلِك على جِهَة الدُّعَاء عَلَيْهِم؟ أَو على جِهَة التفاؤل لما رَآهُمْ خَرجُوا بِمساحِيهِمْ وَمَكَاتِلهمْ؟ وَذَلِكَ من آلَات الحراث.
وَيجوز أَن يكون أَخذ من اسْمهَا، وَقيل: إِن اأعلمه بذلك.
قَوْله: ( بِسَاحَة قوم) قَالَ الْجَوْهَرِي: ساحة الدَّار ناحيتها، وَالْجمع: ساحات وسوح وساح، أَيْضا مثل: بَدَنَة وبدن، وخشبة وخشب.
قلت: على هَذَا أصل: ساحة سوحة، قلبت الْوَاو ألفا لتحركها، وانفتاح مَا قبلهَا، وأصل الساحة الفضاء بَين الْمنَازل، وَيُطلق على: النَّاحِيَة والجهة وَالْبناء.
قَوْله: ( وَخرج الْقَوْم إِلَى أَعْمَالهم) .
قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: مَوَاضِع أَعْمَالهم.
قلت: بل مَعْنَاهُ خرج الْقَوْم لأعمالهم الَّتِي كَانُوا يعملونها، وَكلمَة: إِلَى، تَأتي بِمَعْنى: اللَّام.
قَوْله: ( فَقَالُوا: مُحَمَّد) أَي: جَاءَ مُحَمَّد، وارتفاعه على أَنه فَاعل لفعل مَحْذُوف، وَيجوز أَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هَذَا مُحَمَّد.
قَوْله: ( قَالَ عبد الْعَزِيز) وَهُوَ: عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب، وَهُوَ أحد رُوَاة الحَدِيث عَن أنس.
قَوْله: ( وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا) أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنه لم يسمع هَذِه اللَّفْظَة من أنس، وَإِنَّمَا سَمعه من بعض أَصْحَابه عَنهُ، وَهَذِه رِوَايَة عَن الْمَجْهُول، إِذْ لم يعين هَذَا الْبَعْض من هُوَ،.

     وَقَالَ  بَعضهم، يحْتَمل أَن يكون بعض أَصْحَاب عبد الْعَزِيز مُحَمَّد بن سِيرِين لِأَن البُخَارِيّ أخرج من طَرِيقه أَيْضا، أَو يكون ثَابتا الْبنانِيّ، لِأَن مُسلما أخرجه من طَرِيقه أَيْضا.
قلت: يحْتَمل أَن يكون غَيرهمَا، فعلى كل حَال لَا يخرج عَن الْجَهَالَة، وَالْحَاصِل أَن عبد الْعَزِيز قَالَ: سَمِعت من أنس، قَالُوا: جَاءَ مُحَمَّد.
فَقَط،.

     وَقَالَ  بعض أَصْحَابه: قَالُوا مُحَمَّد وَالْخَمِيس، ثمَّ فسر عبد الْعَزِيز: الْخَمِيس، بقوله: يَعْنِي الْجَيْش، وَيجوز أَن يكون التَّفْسِير مِمَّن دونه، وعَلى كل حَال هُوَ مدرج.

قَوْله: ( وَالْخَمِيس) ، بِفَتْح الْخَاء، وَسمي الْجَيْش خميساً لِأَنَّهُ خَمْسَة أَقسَام: مُقَدّمَة وساقة وقلب وجناحان، وَيُقَال: ميمنة وميسرة وقلب وجناحان،.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: لِأَنَّهُ يُخَمّس مَا وجده،.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي : الْخمس إِنَّمَا ثَبت بِالشَّرْعِ، وَكَانَت الْجَاهِلِيَّة يسمونه بذلك، وَلم يَكُونُوا يعْرفُونَ الْخمس.
ثمَّ ارْتِفَاع: الْخَمِيس، بِكَوْنِهِ عطفا على؛ مُحَمَّد، وَيجوز أَن تكون: الْوَاو، فِيهِ بِمَعْنى: مَعَ، على معنى: جَاءَ مُحَمَّد مَعَ الْجَيْش.
قَوْله: ( عنْوَة) بِفَتْح الْعين وَهُوَ الْقَهْر، يُقَال: أَخَذته عنْوَة أَي: قهرا.
وَقيل: أَخَذته عنْوَة، أَي: عَن غير طَاعَة.
.

     وَقَالَ  ثَعْلَب: أخذت الشَّيْء عنْوَة أَي: قهرا فِي عنف، وأخذته عنْوَة أَي: صلحا فِي رفق.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَيجوز أَن يكون عَن تَسْلِيم من أَهلهَا وَطَاعَة بِلَا قتال، وَنَقله عَن الْقَزاز فِي ( جَامعه) : قلت: فحيئذٍ يكون هَذَا اللَّفْظ من الأضداد.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: الصَّحِيح فِي أَرض خَيْبَر كلهَا عنْوَة،.

     وَقَالَ  الْمُنْذِرِيّ: اخْتلفُوا فِي فتح خَيْبَر كَانَت عنْوَة أَو صلحا؟ أَو جلاء أَهلهَا عَنْهَا بِغَيْر قتال؟ أَو بَعْضهَا صلحا وَبَعضهَا عنْوَة وَبَعضهَا جلاء أَهلهَا عَنْهَا؟ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَبِهَذَا أَيْضا ينْدَفع التضاد بَين الْآثَار.
قَوْله: ( فجَاء دحْيَة) ، بِفَتْح الدَّال وَكسرهَا: ابْن خَليفَة بن فَرْوَة الْكَلْبِيّ، وَكَانَ أجمل النَّاس وَجها، وَكَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يَأْتِي رَسُول الله فِي صورته وَتقدم ذكره مُسْتَوفى، فِي قصَّة هِرقل.

قَوْله: ( فَقَالَ: اذْهَبْ) ، ويروى: قَالَ، بِدُونِ: الْفَاء.
قَوْله: ( فَخذ جَارِيَة) ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ للرسول إعطاؤها لدحية قبل الْقِسْمَة؟ قلت: صفي الْمغنم لرَسُول ا، فَلهُ أَن يُعْطِيهِ لمن شَاءَ.
قلت: هَذَا غير مقنع، لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ ذَلِك قبل أَن يعين الصفي، وَهَهُنَا أجوبة جَيِّدَة.
الأول: يجوز أَن يكون أذن لَهُ فِي أَخذ الْجَارِيَة على سَبِيل التَّنْفِيل لَهُ، إِمَّا من أصل الْغَنِيمَة أَو من خمس الْخمس، سَوَاء كَانَ قبل التَّمْيِيز أَو بعده.
الثَّانِي: يجوز أَن يكون أذن لَهُ على أَنه يحْسب من الْخمس إِذا ميز.
الثَّالِث: يجوز أَن يكون أذن لَهُ ليقوّم عَلَيْهِ بعد ذَلِك ويحسب من سَهْمه.
قَوْله: ( فَأخذ صَفِيَّة بنت حييّ) ، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة، وحيي، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَكسرهَا وَفتح الْيَاء الأولى المخففة وَتَشْديد الثَّانِيَة: ابْن أَخطب بن سعية، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن سفلَة بن ثَعْلَبَة، وَهِي من بَنَات هَارُون عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأمّهَا برة بنت سمؤل.
قَالَ الْوَاقِدِيّ: مَاتَت فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سنة خمسين.
.

     وَقَالَ  غَيره: مَاتَت فِي خلَافَة عَليّ رَضِي اتعالى عَنهُ.
سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ، ودفنت بِالبَقِيعِ، وَكَانَت تَحت كنَانَة بن أبي الْحقيق؛ بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْقَاف الأولى: قتل يَوْم خَيْبَر.
قَوْله: ( فجَاء رجل) ، مَجْهُول لم يعرف.
قَوْله: ( قُرَيْظَة) ، بِضَم الْقَاف وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالظاء الْمُعْجَمَة.
( وَالنضير) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة، وهما قبيلتان عظيمتان من يهود خَيْبَر، وَقد دخلُوا فِي الْعَرَب على نسبهم إِلَى هَارُون عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
قَوْله: ( خُذ جَارِيَة من السَّبي غَيرهَا) أَي: غير صَفِيَّة.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي.
فَإِن قلت: لما وَهبهَا من دحْيَة فَكيف رَجَعَ عَنْهَا؟ قلت: إِمَّا لِأَنَّهُ لم يتم عقد الْهِبَة بعد وَإِمَّا لِأَنَّهُ أَبُو الْمُؤمنِينَ، وللوالد أَن يرجع عَن هبة الْوَلَد، وَإِمَّا لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ.
قلت: أجَاب بِثَلَاثَة أجوبة: الأول: فِيهِ نظر لِأَنَّهُ لم يجر عقد هِبته حَتَّى يُقَال: إِنَّه رَجَعَ عَنْهَا، وَإِنَّمَا كَانَ إعطاؤها إِيَّاه بِوَجْه من الْوُجُوه الَّتِي ذَكرنَاهَا عَن قريب.
الثَّانِي: فِيهِ نظر أَيْضا، لِأَنَّهُ لَا يمشي مَا ذكره فِي مَذْهَب غَيره.
الثَّالِث: ذكر أَنه اشْتَرَاهَا مِنْهُ، أَي: من دحْيَة، وَلم يجر بَينهمَا عقد بيع أَولا، فَكيف اشْتَرَاهَا مِنْهُ بعد ذَلِك؟
فَإِن قلت: وَقع فِي رِوَايَة مُسلم: أَن النَّبِي، اشْترى صَفِيَّة مِنْهُ بسبعة أرؤس.
قلت: إِطْلَاق الشِّرَاء على ذَلِك على سَبِيل الْمجَاز، لِأَنَّهُ لما أَخذهَا مِنْهُ على الْوَجْه الَّذِي نذكرهُ الْآن، وعوضه عَنْهَا بسبعة أرؤس على سَبِيل التكرم وَالْفضل، أطلق الرَّاوِي الشِّرَاء عَلَيْهِ لوُجُود معنى الْمُبَادلَة فِيهِ، وَأما وَجه الْأَخْذ فَهُوَ أَنه لما قيل لَهُ: إِنَّهَا لَا تصلح لَهُ من حَيْثُ إِنَّهَا من بَيت النُّبُوَّة، فَإِنَّهَا من ولد هَارُون أخي مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَمن بَيت الرياسة، فَإِنَّهَا من بَيت سيد قُرَيْظَة وَالنضير، مَعَ مَا كَانَت عَلَيْهِ من الْجمال الْبَاعِث على كَثْرَة النِّكَاح المؤدية إِلَى كَثْرَة النَّسْل، وَإِلَى جمال الْوَلَد لَا للشهوة النفسانية، فَإِنَّهُ مَعْصُوم مِنْهَا.

وَعَن الْمَازرِيّ: يحمل مَا جرى مَعَ دحْيَة على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون رد الْجَارِيَة بِرِضَاهُ، وَأذن لَهُ فِي غَيرهَا.
الثَّانِي: أَنه إِنَّمَا أذن لَهُ فِي جَارِيَة من حَشْو السَّبي لَا فِي أَخذ أفضلهن، وَلما رأى أَنه أَخذ أَنْفسهنَّ وأجودهن نسبا وشرفاً وجمالاً استرجعها لِئَلَّا يتَمَيَّز دحْيَة بهَا على بَاقِي الْجَيْش، مَعَ أَن فيهم من هُوَ أفضل مِنْهُ، فَقطع هَذِه الْمَفَاسِد وعوضه عَنْهَا.
وَفِي ( سير) الْوَاقِدِيّ: أَنه أعطَاهُ أُخْت كنَانَة بن الرّبيع بن أَي الْحقيق، وَكَانَ كنَانَة زوج صَفِيَّة، فَكَأَنَّهُ طيب خاطره لما اسْترْجع مِنْهُ صَفِيَّة بِأَن أعطَاهُ أُخْت زَوجهَا.
.

     وَقَالَ  القَاضِي: الأولى عِنْدِي أَن صَفِيَّة كَانَت فَيْئا لِأَنَّهَا كَانَت زَوْجَة كنَانَة بن الرّبيع، وَهُوَ وَأَهله من بني الْحقيق كَانُوا صَالحُوا رَسُول ا، وَشرط عَلَيْهِم أَن لَا يكتموا كنزاً، فَإِن كتموه فَلَا ذمَّة لَهُم، وسألهم عَن كنز حَيّ بن أَخطب فَكَتَمُوهُ، فَقَالُوا: أذهبته النَّفَقَات، ثمَّ عثر عَلَيْهِ عِنْدهم، فَانْتقضَ عَهدهم فسباهم، وَصفِيَّة من سَبْيهمْ، فَهِيَ فَيْء لَا يُخَمّس بل يفعل فِيهِ الإِمَام مَا رأى.
قلت: هَذَا تَفْرِيع على مذْهبه: أَن الْفَيْء لَا يُخَمّس، وَمذهب غَيره أَنه يُخَمّس.
قَوْله: ( فاعتقها) أَي: فاعتق النَّبِي صَفِيَّة، وَسَنذكر تَحْقِيقه فِي الْأَحْكَام.
قَوْله: ( فَقَالَ لَهُ ثَابت) أَي: قَالَ لأنس رَضِي اتعالى عَنهُ، ثَابت الْبنانِيّ: ( يَا با حَمْزَة) .
أَصله، يَا أَبَا حَمْزَة، حذفت الْألف تَخْفِيفًا.
قَوْله: ( وَأَبُو حَمْزَة) كنية أنس.
قَوْله: ( أم سليم) ، بِضَم السِّين الْمُهْملَة، وَهِي: أم أنس.
قَوْله: ( حَتَّى إِذا كَانَ بِالطَّرِيقِ) جَاءَ فِي ( الصَّحِيح) : ( فَخرج بهَا حَتَّى إِذا بلغنَا سد الروحاء) ، و: السد، بِفَتْح السِّين وَضمّهَا، وَهُوَ جبل الروحاء، وَهِي قَرْيَة جَامِعَة من عمل الْفَرْع لمزينة على نَحْو أَرْبَعِينَ ميلًا من الْمَدِينَة أَو نَحْوهَا، و: الروحاء، بِفَتْح الرَّاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة مَمْدُود.
وَفِي رِوَايَة: ( أَقَامَ عَلَيْهَا بطرِيق خَيْبَر ثَلَاثَة أَيَّام حِين أعرس بهَا، وَكَانَت فِيمَن ضرب عَلَيْهَا الْحجاب) .
وَفِي رِوَايَة: ( أَقَامَ بَين خَيْبَر وَالْمَدينَة ثَلَاثَة أَيَّام، فَبنى بصفية) .

قَوْله: ( فاهدتها) أَي: أَهْدَت أم سليم صَفِيَّة لرَسُول ا، وَمَعْنَاهُ: زفتها.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا: فهدتها، لَهُ، وَقيل: هَذَا هُوَ الصَّوَاب.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الهداء مصدر قَوْلك أهديت أَنا الْمَرْأَة إِلَى زَوجهَا هداء.
قَوْله: ( عروساً) على وزن، فعول، يَسْتَوِي فِيهِ الرجل وَالْمَرْأَة مَا داما فِي إعراسهما.
يُقَال: رجل عروس وَامْرَأَة عروس، وَجمع الرجل: عروس، وَجمع الْمَرْأَة: عرائس.
وَفِي الْمثل: كَاد الْعَرُوس أَن يكون ملكا.
والعروس.
اسْم حصن بِالْيمن، وَقَول الْعَامَّة: الْعَرُوس للْمَرْأَة، والعريس للرجل لَيْسَ لَهُ أصل.
قَوْله: ( من كَانَ عِنْده شَيْء فليجىء بِهِ) : كَذَا هُوَ فِي البُخَارِيّ.
قَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ رِوَايَة، وَفِي بَعْضهَا: ( فليجئني بِهِ) ، بنُون الْوِقَايَة.
قَوْله: ( نطعاً) بِكَسْر النُّون وَفتح الطَّاء، وَعَن أبي عبيد: هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ثَعْلَب فِي ( الفصيح) وَفِي ( الْمُخَصّص) : فِيهِ أَربع لُغَات: نطع، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الطَّاء، ونطع؛ بِفتْحَتَيْنِ، ونطع، بِكَسْر النُّون وَفتح الطَّاء، و: نطع، بِكَسْر النُّون وَسُكُون الطَّاء.
وَجمعه: أنطاع ونطوع، وَزَاد فِي ( الْمُحكم) : أنطع.
.

     وَقَالَ  أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ فِي ( نوادره) : النطع: هُوَ المبناة والستارة.
.

     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة: المبناة والمبناة: النطع.

قَوْله: ( قَالَ: وَأَحْسبهُ قد ذكر السويق) أَي: قَالَ عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب: أَحسب أنسا ذكر السويق أَيْضا، وَجزم عبد الْوَارِث فِي رِوَايَته بِذكر السويق.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَي قَالَ: وَجعل الرجل يَجِيء بالسويق، وَيحْتَمل أَن يكون فَاعل: قَالَ، هُوَ البُخَارِيّ.
وَيكون مقولاً للفربري، ومفعول: أَحسب، يَعْقُوب، وَالْأول هُوَ الظَّاهِر.
قَوْله: ( فحاسوا حَيْسًا) الحيس، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة: هُوَ تمر يخلط بِسمن وأقط، يُقَال: حاس الحيس يحيسه أَي: يخلطه.
.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: الحيس هُوَ الأقط يخلط بالسمن وَالتَّمْر، وحاسه حَيْسًا وحيسة: خلطه.
قَالَ الشَّاعِر:
( وَإِذا تكون كريهة يدعى لَهَا ... وَإِذا يحاس الحيس يدعى جُنْدُب)

قَالَ الْجَوْهَرِي: الحيس: الْخَلْط، وَمِنْه سمي الحيس، وَفِي ( الْمُخَصّص) قَالَ الشَّاعِر:
( التَّمْر وَالسمن جَمِيعًا والأقط ... الحيس إلاَّ أَنه لم يخْتَلط)

وَفِي ( الغريبين) : هُوَ ثريد من أخلاط.
قَالَ الْفَارِسِي فِي ( مجمع الغرائب) : اأعلم بِصِحَّتِهِ.
قَوْله: ( فَكَانَت وَلِيمَة رَسُول ا) اسْم: كَانَت، الضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة الَّتِي اتخذ مِنْهَا الحيس.
قَوْله: ( وَلِيمَة النَّبِي) بِالنّصب: خَبره.

ذكر الْأَحْكَام الَّتِي تستنبط مِنْهُ مِنْهَا: جَوَاز إِطْلَاق صَلَاة الْغَدَاة على صَلَاة الصُّبْح، خلافًا لمن كرهه من بعض الشَّافِعِيَّة.
وَمِنْهَا: جَوَاز الإرداف إِذا كَانَت الدَّابَّة مطيقة، وَفِيه غير مَا حَدِيث.
وَمِنْهَا: اسْتِحْبابُُ التَّكْبِير وَالذكر عِنْد الْحَرْب، وَهُوَ مُوَافق لقَوْله تَعَالَى: { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا لَقِيتُم فِئَة فأثبتوا واذْكُرُوا اكثيراً} ( الْأَنْفَال: 54) وَمِنْهَا: اسْتِحْبابُُ التَّثْلِيث فِي التَّكْبِير لقَوْله: ( قَالَهَا ثَلَاثًا) أَي ثَلَاث مَرَّات.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ دلَالَة على أَن الْفَخْذ لَيْسَ بِعَوْرَة، وَقد ذكرنَا الْجَواب عَنهُ.
وَمِنْهَا: أَن إِجْرَاء الْفرس يجوز وَلَا يضر بمراتب الْكِبَار، لَا سِيمَا عِنْد الْحَاجة أَو لرياضة الدَّابَّة أَو لتدريب النَّفس على الْقِتَال.
وَمِنْهَا: اسْتِحْبابُُ عتق السَّيِّد أمته وَتَزَوجهَا، وَقد صَحَّ أَن لَهُ أَجْرَيْنِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث أبي مُوسَى، وَسَيَأْتِي، إِن شَاءَ اتعالى.
.

     وَقَالَ  ابْن حزم: اتّفق ثَابت وَقَتَادَة وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب عَن أنس أَنه: عتق صَفِيَّة وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا، وَبِه قَالَ قَتَادَة فِي رِوَايَة، وَأخذ بِظَاهِرِهِ أَحْمد وَالْحسن وَابْن الْمسيب، وَلَا يحل لَهَا مهر غَيره، وتبعهم ابْن حزم فَقَالَ: هُوَ سنة فاضلة وَنِكَاح صَحِيح وصداق صَحِيح، فَإِن طَلقهَا قبل الدُّخُول فَهِيَ حرَّة فَلَا يرجع عَلَيْهَا بِشَيْء، وَلَو أَبَت أَن تتزوجه بَطل عتقهَا.
وَفِي هَذَا خلاف مُتَأَخّر ومتقدم.

قَالَ الطَّحَاوِيّ: حدّثنا مُحَمَّد بن خُزَيْمَة، قَالَ: حدّثنا مُسلم بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حدّثنا أبان وَحَمَّاد بن زيد، قَالَ: حدّثنا شُعَيْب بن الحبحاب عَن أنس بن مَالك: ( أَن رَسُول الله أعتق صَفِيَّة وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا) .
وَأخرجه مُسلم، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ.
ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَذهب قوم إِلَى أَن الرجل إِذا أعتق أمته على أَن عتقهَا صَدَاقهَا جَازَ ذَلِك، فَإِن تزوجت فَلَا مهر لَهَا غير الْعتاق.
قلت: أَرَادَ بهؤلاء الْقَوْم: سعيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وعامر الشّعبِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَمُحَمّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَقَتَادَة وطاوساً وَالْحسن بن حييّ وَأحمد وَإِسْحَاق فَإِنَّهُم قَالُوا: إِذا أعتق الرجل أمته على أَن يكون عتقهَا صَدَاقهَا جَازَ ذَلِك، فَإِذا عقد عَلَيْهَا لَا تسْتَحقّ عَلَيْهِ مهْرا غير ذَلِك الْعتاق، وَمِمَّنْ قَالَ بذلك: سُفْيَان الثَّوْريّ وَأَبُو يُوسُف وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، وَذكر التِّرْمِذِيّ أَنه مَذْهَب الشَّافِعِي أَيْضا.
.

     وَقَالَ  عِيَاض:.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: هِيَ بِالْخِيَارِ إِذا أعْتقهَا، فَإِن امْتنعت من تزَوجه فَلهُ عَلَيْهَا قيمتهَا إِن لم يُمكن الرُّجُوع فِيهَا، وَهَذِه لَا يُمكن الرُّجُوع فِيهَا، وَإِن تزوجت بِالْقيمَةِ الْوَاجِبَة لَهُ عَلَيْهَا صَحَّ بذلك عِنْده.

وَفِي ( الْأَحْكَام) لِابْنِ بزيزة، فِي هَذِه الْمَسْأَلَة: اخْتلف سلف الصَّحَابَة، وَكَانَ ابْن عمر لَا يرَاهُ، وَقد روينَا جَوَازه عَن عَليّ وَأنس وَابْن مَسْعُود، وروينا عَن ابْن سِيرِين أَنه اسْتحبَّ أَن يَجْعَل مَعَ عتقهَا شَيْئا مَا كَانَ، وَصَحَّ كَرَاهَة ذَلِك أَيْضا عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَجَابِر بن زيد وَالنَّخَعِيّ.
.

     وَقَالَ  النَّخعِيّ: كَانُوا يكْرهُونَ أَن يعْتق الرجل جَارِيَته ثمَّ يَتَزَوَّجهَا، وجعلوه كالراكب بدنته.
.

     وَقَالَ  اللَّيْث بن سعد وَابْن شبْرمَة وَجَابِر بن زيد وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد وَزفر وَمَالك: لَيْسَ لأحد غير رَسُول الله أَن يفعل هَذَا فَيتم لَهُ النِّكَاح بِغَيْر صدَاق، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك لرَسُول الله خَاصَّة، لِأَن اتعالى لما جعل لَهُ أَن يتَزَوَّج بِغَيْر صدَاق كَانَ لَهُ أَن يتَزَوَّج على الْعتاق الَّذِي لَيْسَ بِصَدَاق.
ثمَّ إِن فعل هَذَا وَقع الْعتاق، وَلها عَلَيْهِ مهر الْمثل، فَإِن أَبَت أَن تتزوجه تسْعَى لَهُ فِي قيمتهَا عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد،.

     وَقَالَ  مَالك وَزفر: لَا شَيْء لَهُ عَلَيْهَا.
وَفِي ( الْأَحْكَام) لِابْنِ بزيزة:.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد بن الْحسن: إِن كرهت نِكَاحه غرمت لَهُ قيمتهَا وَمضى النِّكَاح، فَإِن كَانَت معسرة استسعيت فِي ذَلِك.
.

     وَقَالَ  مَالك وَزفر: إِن كرهت فَهِيَ حرَّة وَلَا شَيْء لَهُ عَلَيْهَا إلاَّ أَن يَقُول: لَا أعتق إلاَّ على هَذَا الشَّرْط، فَإِن كرهت لم تعْتق لِأَنَّهُ من بابُُ الشَّرْط والمشروط، ثمَّ إِن الطَّحَاوِيّ اسْتدلَّ على الخصوصية بقوله تَعَالَى: { وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت} ( الْأَحْزَاب: 05) الْآيَة وَجه الِاسْتِدْلَال أَن اتعالى لما أَبَاحَ لنَبيه أَن يتَزَوَّج بِغَيْر صدَاق كَانَ لَهُ أَن يتَزَوَّج على الْعتاق الَّذِي لَيْسَ بِصَدَاق، وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك أَن النَّبِي أَخذ جوَيْرِية بنت الْحَارِث فِي غَزْوَة بني المصطلق فَأعْتقهَا وَتَزَوجهَا.
وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من حَدِيث ابْن عمر، ثمَّ رُوِيَ عَن عَائِشَة كَيفَ كَانَ عتاقه جوَيْرِية الَّتِي تزَوجهَا عَلَيْهِ وَجعله صَدَاقهَا.
قَالَت: لما أصَاب رَسُول الله سَبَايَا بني المصطلق وَقعت جوَيْرِية بنت الْحَارِث فِي سهم ثَابت بن قيس بن شماس، أَو لِابْنِ عَم لَهُ، فكاتبت على نَفسهَا.
قَالَت: وَكَانَت امْرَأَة حلوة ملاحة لَا يكَاد يَرَاهَا أحد إلاَّ أخذت بِنَفسِهِ، فَأَتَت رَسُول الله لتستعينه فِي كتَابَتهَا، فوا مَا هِيَ إلاَّ إِن رَأَيْتهَا على بابُُ الْحُجْرَة، وَعرفت أَنه سيرى مِنْهَا مثل مَا رَأَيْت، فَقَالَت: يَا رَسُول اأنا جوَيْرِية.
بنت الْحَارِث بن أبي ضرار سيد قومه، وَقد أصابني من الْأَمر مَا لم يخف عَلَيْك، فَوَقَعت فِي سهم ثَابت بن قيس بن شماس، أَو ابْن عَم لَهُ، فكاتبته، فَجئْت رَسُول الله أَسْتَعِينهُ على كتابتي.
فَقَالَ: فَهَل لَك فِي خير من ذَلِك؟ قَالَت: وَمَا هُوَ يَا رَسُول ا؟ قَالَ أَقْْضِي عَنْك كتابتك وأتزوجك؟ قَالَت: نعم.
قَالَ: فقد فعلت.

وَخرج الْخَبَر إِلَى النَّاس أَن رَسُول الله تزوج جوَيْرِية بنت الْحَارِث، فَقَالُوا: صهر رَسُول ا، فأرسلوا مَا فِي أَيْديهم.
قَالَت: فَلَقَد أعتق بتزويجه إِيَّاهَا مائَة من أهل بَيت من بني المصطلق، فَلَا نعلم امْرَأَة كَانَت أعظم بركَة على قَومهَا مِنْهَا.
وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو دَاوُد، وَفِيه أَيْضا حكم يخْتَص بِالنَّبِيِّ دون غَيره، وَهُوَ أَن يُؤَدِّي كِتَابَة مُكَاتبَة غَيره لتعتق بذلك، وَيكون عتقه مهرهَا لتَكون زَوجته، فَهَذَا لَا يجوز: لأحد غير النَّبِي، وَهَذَا إِذا كَانَ جَائِزا للنَّبِي فَجعله عتق الَّذِي تولى عتقه هُوَ مهْرا لمن أعْتقهُ أولى وَأَحْرَى أَن يجوز.
.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: قَالَ القَاضِي البرني: قَالَ لي يحيى بن أكتم: هَذَا كَانَ للنَّبِي خَاصَّة، وَكَذَا رُوِيَ عَن الشَّافِعِي أَنه حمله على التَّخْصِيص، وَمَوْضِع التَّخْصِيص أَنه أعْتقهَا مُطلقًا ثمَّ تزَوجهَا على غير مهر.

قَوْله: ( حلوة) ، بِالضَّمِّ من: الْحَلَاوَة.
قَوْله: ( ملاحة) ، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد اللَّام، مَعْنَاهُ: شَدِيدَة الملاحة، وَهُوَ من أبنية الْمُبَالغَة.
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: وَكَانَت امْرَأَة ملاحة، بتَخْفِيف اللَّام، أَي: ذَات ملاحة، وفعال مُبَالغَة فِي فعيل، نَحْو كريم وكرام، وكبير وكبار، وفعال بِالتَّشْدِيدِ أبلغ مِنْهُ، وَقد ناقش ابْن حزم فِي هَذَا الْموضع مناقشة عَظِيمَة، وخلاصة مَا ذكره أَنه قَالَ: دَعْوَى الخصوصية بِالنَّبِيِّ فِي هَذَا الْموضع كذب، وَالْأَحَادِيث الَّتِي ذكرت هَهُنَا غير صَحِيحَة، وَقد ردينا عَلَيْهِ فِي جَمِيع ذَلِك فِي شرحنا ( لمعاني الْآثَار) للطحاوي، فَمن أَرَادَ الْوُقُوف عَلَيْهِ فَعَلَيهِ بالمراجعة إِلَيْهِ.
وَمِنْهَا: أَن الزفاف فِي اللَّيْل، وَقد جَاءَ أَنه دخل عَلَيْهَا نَهَارا فَفِيهِ جَوَاز الْأَمريْنِ.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ دلَالَة على مطلوبية الْوَلِيمَة للعرس، وَأَنَّهَا بعد الدُّخُول،.

     وَقَالَ  الثَّوْريّ: وَيجوز قبله وَبعده، وَالْمَشْهُور عندنَا أَنَّهَا سنة، وَقيل: وَاجِبَة، وَعِنْدنَا إِجَابَة الدعْوَة سنة سَوَاء كَانَت وَلِيمَة أَو غَيرهَا، وَبِه قَالَ أَحْمد وَمَالك فِي رِوَايَة.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: إِجَابَة وَلِيمَة الْعرس وَاجِبَة، وَغَيرهَا مُسْتَحبَّة، وَبِه قَالَ مَالك فِي رِوَايَة، والوليمة: عبارَة عَن الطَّعَام الْمُتَّخذ للعرس، مُشْتَقَّة من: الولم، وَهُوَ الْجمع، لِأَن الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ فَتكون الْوَلِيمَة خَاصَّة بِطَعَام الْعرس، لِأَنَّهُ طَعَام الزفاف، والوكيرة: طَعَام الْبناء، والخرس طَعَام الْولادَة، وَمَا تطعمه النُّفَسَاء نَفسهَا خرسة، والإعذار طَعَام الْخِتَان، والنقيعة طَعَام القادم من سَفَره، وكل طَعَام صنع لدَعْوَة مأدبة ومأدبة جَمِيعًا، والدعوة الْخَاصَّة: التقري، والعامة: الجفلى والأجفلى.

وَمِنْهَا: أَن فِيهِ إدلال الْكَبِير لأَصْحَابه وَطلب طعامهم.
فِي نَحْو هَذَا، ويستجب لأَصْحَاب الزَّوْج وجيرانه مساعدته فِي الْوَلِيمَة بِطَعَام من عِنْدهم.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ الْوَلِيمَة تحصل بِأَيّ طَعَام كَانَ، وَلَا تتَوَقَّف على شَاة، وَالسّنة تقوم بِغَيْر لحم، وَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.