فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41] "

(بابٌُ: { فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هاؤُلاءِ شَهِيدا} (النِّسَاء: 41)

أَي: هَذَا بابُُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: { إِذا جِئْنَا} الْآيَة، أخبر الله تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة عَن هول يَوْم الْقِيَامَة وَشدَّة أمره وشأنه فَكيف يكون الْأَمر وَالْحَال يَوْم الْقِيَامَة حِين يَجِيء من كل أمة بِشَهِيد يَعْنِي الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: فَكيف يصنع هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة من الْيَهُود وَغَيرهم إِذا جِئْنَا من كل أمة بِشَهِيد يشْهد عَلَيْهِم بِمَا فعلوا وَهُوَ نَبِيّهم كَقَوْلِه: { وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دمت فيهم وَجِئْنَا بك على هَؤُلَاءِ} (الْمَائِدَة: 117) المكذبين { شَهِيدا} وَفِي (التَّلْوِيح) وَاخْتلف فِي الْمَعْنى بقوله: هَؤُلَاءِ من هم، فَعِنْدَ الزَّمَخْشَرِيّ: هم المكذبون،.

     وَقَالَ  مقَاتل: هم كفار أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي (تَفْسِير ابْن النَّقِيب) هم سَائِر أمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَفِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه يشْهد عَلَيْهِم.
وَالثَّانِي: أَنه يشْهد لَهُم، فعلى هَذَا يكون على: بِمَعْنى اللَّام، وَقيل: المُرَاد بهم أمة الْكفَّار، وَقيل: أَنهم الْيَهُود وَالنَّصَارَى، وَقيل: هم كفار قُرَيْش دون غَيرهم، وَفِي الَّذِي يشْهد بِهِ أَقْوَال أَرْبَعَة: الأول: أَنه يشْهد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد بلغ أمته، قَالَه ابْن مَسْعُود وَابْن جريج وَالسُّديّ وَمُقَاتِل.
الثَّانِي: أَنه يشْهد بإيمَانهمْ، قَالَه أَبُو الْعَالِيَة.
الثَّالِث: إِنَّه يشْهد بأعمالهم.
قَالَه مُجَاهِد وقادة.
الرَّابِع: إِنَّه يشْهد لَهُم وَعَلَيْهِم، قَالَه الزّجاج.

المُخْتال والخَتَالُ وَاحِدٍ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى قَوْله تَعَالَى: { إِن الله لَا يحب من كَانَ مختالاً فخورا} والمختال المتكبر: أَي: يتخيل فِي صُورَة من هُوَ أعظم مِنْهُ كبرا.
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: هُوَ التياه والجهول الَّذِي يتكبر عَن إكرام أَقَاربه وَأَصْحَابه.
قَوْله: (وَأحد) ، يَعْنِي: فِي الْمَعْنى، وَفِيه نظر، لِأَن المختال من الْخُيَلَاء، والختال: بتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق من الختل وَهُوَ الخديعة فَلَا يُنَاسب معنى الْكبر، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: المختال وَالْخَال وَاحِد وَالْخَال وَاحِد وَالْخَال بِدُونِ التَّاء وَصوب هَذَا جمَاعَة، وَكَذَا فِي كَلَام أبي عُبَيْدَة.
(فَإِن قلت) : مَا وَجه التصويب فِيهِ؟ فَكيف هُنَا بِمَعْنى وَاحِد؟ قلت: الْخَال يَأْتِي لمعان كَثِيرَة: (مِنْهَا) : معنى الْكبر لِأَن الْخَال بِمَعْنى الخائل وَهُوَ المتكبر،.

     وَقَالَ  بَعضهم: الْخَال يُطلق على معَان كَثِيرَة نظمها بَعضهم فِي قصيدة تبلغ نَحوا من الْعشْرين بَيْتا قلت: كتبت قصيدة فِي مُؤَلَّفِي (رونق الْمجَالِس) تنْسب إِلَى ثَعْلَب تبلغ هَذِه اللَّفْظَة فِيهَا نَحوا من أَرْبَعِينَ.

نَطْمِسَ وُجُوها نُسَوِّيها حَتَّى تَعُودَ كَأفْعَالِهِمْ طَمَسَ الكِتابَ مَحاهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { من قبل أَن نطمس وُجُوهًا} وَفَسرهُ بقوله نسويها بقوله: (حَتَّى تعود كأفقائهم) وَأسْندَ الطَّبَرِيّ عَن قَتَادَة أَن المُرَاد أَن تعود الْأَوْجه فِي الأفقية، وَعَن قَتَادَة: تذْهب بالشفاه والأعين والحواجب فيردها أقفاء،.

     وَقَالَ  أبي بن كَعْب: هُوَ تَمْثِيل وَلَيْسَ المُرَاد حَقِيقَتهَا حسا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: نطمس مَنْصُوب على الْحِكَايَة من قَوْله: (من قبل أَن نطمس) وَأَشَارَ بقوله: طمس الْكتاب محاه إِلَى أَن الطمس يَجِيء بِمَعْنى المحو أَيْضا.

سَعِيرا وُقُودا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { كفى بجهنم سعيرا} (النِّسَاء: 55) وَفسّر سعيرا بقوله: وقودا.
لَو كَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هَذِه التفاسير لَيست لهَذِهِ الْآيَة وَكَأَنَّهَا من النساخ.
قلت: هَذَا بعيد جدا لِأَن غَالب الْكتاب جهلة فَمن أَيْن لَهُم هَذِه التفاسير؟ وَبِأَيِّ وَجه يلحقون مثل هَذِه فِي مثل هَذَا الْكتاب الَّذِي لَا يحلق أساطين الْعلمَاء شاؤه؟ وَمن شَأْن النساخ التحريف والتصحيف والإسقاط وَلَيْسَ من دأبهم أَن يزِيدُوا فِي كتاب مُرَتّب منقح من عِنْدهم، وَلَو قَالَ: وَكَأَنَّهُ من بعض الروَاة المعتنين بالجامع لَكَانَ لَهُ وَجه، وَلَا يبعد أَن يكون هَذَا من نفس البُخَارِيّ من غير تفكر فِيهِ، فَإِن تنبه عَلَيْهِ فَلَعَلَّهُ مَا أدْرك إِلَى وضع هَذِه التفاسير فِي محلهَا ثمَّ استمرت على ذَلِك.



[ قــ :4329 ... غــ :4582 ]
- ح دَّثنا صَدْقَةُ أخْبرنا يَحْيَى عنْ سُفْيَانَ عنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عنْ عَبْدِ الله قَالَ يَحْيَى بَعْضُ الحَدِيثِ عَنْ عَمْرو بنِ مُرَّةَ قَالَ قَالَ لي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقْرَأْ عَلَيَّ.

قُلْتُ اقْرَأ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ فَإِنِّي أُحِبُّ أنْ أسُمَعَهُ مِنْ غَيْرِي فَقَرَأتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّساءِ حَتَّى بَلغْتُ (فَكَيْفَ إذَا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هاؤُلاءِ شَهيدا) قَالَ أمْسِك فَإذَا عَيْناهُ تَذْرِفانِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَصدقَة هُوَ ابْن الْفضل أَبُو الْفضل الْمروزِي، وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَعبيدَة، بِفَتْح الْعين وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عَمْرو السَّلمَانِي.

وَمن سُفْيَان إِلَى آخِره كلهم كوفيون، وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق وَاحِد وهم لِسُلَيْمَان وَإِبْرَاهِيم وَعبيدَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، وَعَمْرو بِفَتْح الْعين، ابْن مرّة، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء، الْجملِي بِفَتْح الْجِيم التَّابِعِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن مُحَمَّد بن يُوسُف وَعَن عمر بن حَفْص وَعَن مُسَدّد.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر وَغَيره، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْعلم عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مَحْمُود بن غيلَان وَغَيره.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن هناد بن السّري بِهِ وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن سُوَيْد بن نصر بِهِ وَعَن غَيره.

قَوْله: (قَالَ يحيى) هُوَ الْقطَّان،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قد ذكر البُخَارِيّ كَلَام يحيى للتقوية، وإلاّ فإسناد عَمْرو مَقْطُوع وَبَعض الحَدِيث مَجْهُول قلت: ظَاهره كَذَا، وَلكنه أوضحه فِي فَضَائِل الْقُرْآن فِي: بابُُ الْبكاء عِنْد قِرَاءَة الْقُرْآن عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عُبَيْدَة عَن عبد الله.
قَالَ الْأَعْمَش: وَبَعض الحَدِيث حَدثنِي عَمْرو بن مرّة عَن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن أبي الضُّحَى عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اقْرَأ عليّ) الحَدِيث.
قَوْله: (اقْرَأ عليّ) فِيهِ أَن الْقِرَاءَة من الْغَيْر أبلغ فِي التدبر والتفهم من قِرَاءَة الْإِنْسَان بِنَفسِهِ، وَفِيه فضل ظَاهر لعبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي (تَفْسِير عبد) لما قَرَأَ عبد الله هَذِه الْآيَة قَالَ سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من سره أَن يقْرَأ الْقُرْآن غضا كَمَا نزل فليقرأه على قِرَاءَة ابْن أم عبد) .
قَوْله: (فَإِذا عَيناهُ) ، كلمة إِذا للمفاجأة.
(وَعَيناهُ) مُبْتَدأ، وتذرفان، خَبره، أَي: عينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تطلقان دمعهما يُقَال: ذرف الدمع بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وذرفت الْعين دمعها.
وَفِي بكاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وُجُوه: الأول: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: بكاؤه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عِنْد هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة لِأَنَّهُ لَا بُد من أَدَاء الشَّهَادَة وَالْحكم على الْمَشْهُود عَلَيْهِ إِنَّمَا يكون يَقُول الشَّاهِد، فَلَمَّا كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هُوَ الشَّاهِد وَهُوَ الشافع بَكَى على المفرطين مِنْهُم.
الثَّانِي: أَنه بَكَى لعظم مَا تضمنته هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة من هول المطلع وَشدَّة الْأَمر إِذْ يُؤْتِي بالأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام، شُهَدَاء على أممهم بالتصديق والتكذيب.
الثَّالِث: أَنه بَكَى فَرحا لقبُول شَهَادَة أمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم الْقِيَامَة وَقبُول تزكيته لَهُم فِي ذَلِك الْيَوْم الْعَظِيم.
<"

(بابُُ قَوْلِهِ: { وَإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أوْ عَلَى سَفَرٍ أوْ جَاءَ أحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ} (النِّسَاء: 43)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان قَوْله تَعَالَى: { وَإِن كُنْتُم مرضى} الْآيَة.
قَوْله: (مرضى) ، جمع مَرِيض، وَأَرَادَ بِهِ مَرِيضا يضرّهُ المَاء كصاحب الجدري والجروح وَمن يتَضَرَّر بِاسْتِعْمَال المَاء هَذَا قَول جمَاعَة من الْفُقَهَاء إلاَّ مَا ذهب إِلَيْهِ عَطاء وَالْحسن أَنه لَا يتَيَمَّم مَعَ وجود المَاء احتجاجا بقوله تَعَالَى: { فَإِن لم تَجدوا مَاء} وَلم يُؤْخَذ بِهِ.
قَوْله: (أَو على سفر) ، أَي: أَو كُنْتُم على سفر وَلَيْسَ السّفر شرطا لإباحة التَّيَمُّم، وَإِنَّمَا الشَّرْط عدم المَاء، وَإِنَّمَا ذكر السّفر لِأَن المَاء يعْدم فِيهِ غَالِبا.
قَوْله: (أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط) ، وَهُوَ الْموضع المطمئن من الأَرْض، كَانُوا يتبرزون هُنَاكَ ليغيبوا عَن أعين النَّاس، فكنى عَن الْحَدث بمكانه، ثمَّ كثر الِاسْتِعْمَال حَتَّى صَار كالحقيقة، وَالْفِعْل مِنْهُ: غاط يغوط، مثل عَاد يعود.

صَعِيدٌ أوْجهَ الأَرْضِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} وَفسّر صَعِيدا بقوله: وَجه الأَرْض، ذكره أَبُو بكر بن الْمُنْذر عَن أبي عُبَيْدَة.

وَقَالَ جَابِرُ كَانَتِ الطَوَاغِيتُ الَّتِي يَتَحَاكَمُونَ إلَيْها فِي جُهَيْنَةَ وَاحِدٌ وَفِي أسْلَمَ وَاحِدٌ وَفِي كُلِّ حَيِّ وَاحِدٌ كُهَّانٌ يَنْزِلُ عَلَيْهِمِ الشَّيْطَانُ.

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت} (النِّسَاء: 60) .
قَوْله: (كَانَت الطواغيت) ، هُوَ جمع طاغوت، قَالَ سِيبَوَيْهٍ: الطاغوت اسْم وَاحِد مؤنث،.

     وَقَالَ  أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد هُوَ عِنْدِي جمَاعَة.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الطاغوت يكون جمعا وواحدا.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: وطاغوت وَإِن كَانَ على وزن لاهوت، فَهُوَ مقلوب لِأَنَّهُ من طَغى ولاهوت غير مقلوب لِأَنَّهُ من لاه.
لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الرغبوت والرهبوت انْتهى.
قلت: أَصله طغبوت فَقدمت الْيَاء على الْغَيْن فَصَارَ طيغوت فقلبت الْيَاء ألفا لتحركهاوانفتاح مَا قبلهَا، والطاغوت والكاهن والشياطن وكل رَأس فِي الضلال فَهُوَ طاغوت.
قَوْله: (فِي جُهَيْنَة وَاحِد) ، أَي: مُسَمّى بطاغوت، وجهينة قَبيلَة، وَكَذَلِكَ أسلم على وزن أفعل التَّفْصِيل.
قَوْله: (كهان) ، بِالرَّفْع لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ أَي: الطواغيت الْمَذْكُورَة فِي الْقَبَائِل كهان، بِضَم الْكَاف، جمع كَاهِن ينزل عَلَيْهِم الشَّيْطَان فَيلقى إِلَيْهِم الْأَخْبَار، والكاهن هُوَ الَّذِي يتعاطى الْخَبَر عَن الكائنات فِي مُسْتَقْبل الزَّمَان ويدعى معرفَة الْأَسْرَار، وَهَذَا الْأَثر ذكره ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه عَن الْحسن بن الصَّباح: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الْكَرِيم حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن عقيل عَن أَبِيه عقيل بن معقل عَن وهب بن مُنَبّه.
قَالَ: سَأَلت جَابر ابْن عبد الله عَن الطواغيت الحَدِيث بِزِيَادَة، وَفِي هِلَال وَاحِد.

وَقَالَ عُمَرُ الجِبْتُ السِّحْرُ وَالطَّاغُوتُ الشَّيْطَانُ وَقَال عِكْرَمَةُ الجِبْتُ بِلِسانِ الحَبَشَةِ شَيْطَانٌ وَالطَاغُوتُ الكَاهِنُ.

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { يُؤمنُونَ بالجبت والطاغوت} (النِّسَاء: 51) وَأثر عمر رَوَاهُ عبد بن حميد عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَن حسان بن قَائِد عَن عمر، وَأثر عِكْرِمَة رَوَاهُ عبد أَيْضا عَن أبي الْوَلِيد عَن أبي عوَانَة عَن أبي بشر عَنهُ، وَاخْتَارَ الطَّبَرِيّ أَن المُرَاد بالجبت والطاغوت جنس مَا كَانَ يعبد من دون الله سَوَاء كَانَ صنما أَو شَيْطَانا أَو آدَمِيًّا، فَيدْخل فِيهِ السَّاحر والكاهن، وَأخرج الطَّبَرِيّ أَيْضا بِإِسْنَاد صَحِيح عَن سعيد بن جُبَير.
قَالَ: الجبت السَّاحر بِلِسَان الْحَبَشَة، والطاغوت الكاهن، وَهَذَا يدل على وُقُوع المعرب فِي الْقُرْآن.
وَاخْتلف فِيهِ فَأنْكر الشَّافِعِي وَأَبُو عُبَيْدَة وُقُوع ذَلِك فِي الْقُرْآن وحملا مَا وجد من ذَلِك على توارد اللغتين، وَأَجَازَ ذَلِك قوم وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب وَاحْتج لذَلِك بِوُقُوع إسماء الْإِعْلَام فِيهِ كإبراهيم وَغَيره، فَلَا مَانع من وُقُوع إسماء الْأَجْنَاس فِيهِ أَيْضا وَقد وَقع فِي البُخَارِيّ جملَة من ذَلِك، وَقيل: مَا وَقع من ذَلِك فِي الْقُرْآن سَبْعَة وَعِشْرُونَ وَهِي (السلسبيل) و (كورت) وَبيع (روم) و (طُوبَى) و (سجيل) و (كافور) و (زنجبيل) و (ومشكاة) و (وسرادق) و (استبرق) و (صلوَات) و (سندس) و (طور) و (قَرَاطِيس) و (ربانيين) و (غساق) و (دِينَار) و (قسطاس) و (قسورة) و (اليم) و (ناشئة) و (كِفْلَيْنِ) و (مقاليد) و (فردوس) و (تنور) .



[ قــ :439 ... غــ :4583 ]
- ح دَّثنا مُحَمَّدٌ أخْبرنا عَبْدَةُ عنْ هِشامٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنها قَالَتْ هَلَكَتْ قِلادَةٌ لأَسْمَاءَ فَبَعَثَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي طَلَبِها رِجالاً فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ وَلَيْسُوا عَلَى وُضوءَ وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً فَصَلَّوْا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضوءٍ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى يَعْنِي آيَةَ التَّيَمُّمِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام قَالَه الْكرْمَانِي،.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّلْوِيح) قَوْله هَذَا حَدثنِي مُحَمَّد أخبرنَا عَبدة، يشبه أَن يكون البيكندي لِأَنَّهُ ذكر رِوَايَته فِي (جَامعه) فِي غير مَوضِع قلت: البيكندي هَذَا هُوَ مُحَمَّد بن سَلام بن الْفرج أَبُو عبد الله السّلمِيّ مَوْلَاهُم البُخَارِيّ البيكندي، سمع عَبدة بن سُلَيْمَان الْكلابِي وَمن مَشَايِخ البُخَارِيّ البيكندي أخرجه أَيْضا وَهُوَ مُحَمَّد بن يُوسُف أَبُو أَحْمد البُخَارِيّ البيكندي، وَلم يذكر فِي (الْجَامِع) أَنه سمع عَبدة.
والْحَدِيث مر فِي التَّيَمُّم فِي: بابُُ إِذا لم يجد مَاء وَلَا تُرَابا، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.