فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب لبس القسي

( بابُُ لُبْس القَسِّيِّ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان لبس الثَّوْب القسي بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة الْمَكْسُورَة وَتَشْديد الْيَاء،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: القسي، مَنْسُوب إِلَى بلد يُقَال لَهُ: القس، قلت: القس كَانَت بَلْدَة على سَاحل الْبَحْر الْملح بِالْقربِ من دمياط كَانَ ينسج فِيهَا الثِّيَاب من الْحَرِير، وَالْيَوْم خرابة،.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: وَأَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: القسي، بِكَسْر الْقَاف، وَأهل مصر يفتحونها،.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: القس والقس مَوضِع ينْسب إِلَيْهِ ثِيَاب تجلب من نَحْو مصر، وَذكر الْحسن بن مُحَمَّد المهلبي الْمصْرِيّ: أَن القس لِسَان خَارج من الْبَحْر عِنْده حصن يسكنهُ النَّاس، بَينه وَبَين الفرما عشرَة فراسخ من جِهَة الشَّام.
قلت: الفرما كَذَا،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قيل: إِنَّه القزي بالزاي مَوضِع السِّين من القز الَّذِي هُوَ غليظ الإبر سم ورديئة، وَفِي ( التَّوْضِيح) : القس قَرْيَة من تنيس بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد النُّون الْمَكْسُورَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبسين مُهْملَة، بَلْدَة كَانَت فِي جَزِيرَة بساحل بَحر دمياط، وَقد خربَتْ، وَفِي ( سنَن أبي دَاوُد) : القس قَرْيَة بالصعيد.

وَقَالَ عاصِمٌ: عنْ أبي بُرْدَةَ قَالَ:.

قُلْتُ لِعَلِيّ: مَا الْقَسِّيَّةُ.
قَالَ: ثِيابٌ أتَيْنا مِنَ الشَّأْمِ أوْ مِنْ مِصْرَ مُضَلَّعَةٌ فِيها حَرِيرٌ وفِيها أمْثالُ الأُتْرُنْجِ والمُيثَرَةُ، كانَتِ النِّساءُ تَصْنَعُهُ لِبُعُولَتِهِنَّ مِثْلَ القَطائِف يُصَفِّرْنَها.


عَاصِم هُوَ ابْن كُلَيْب الْجرْمِي بِالْجِيم وَالرَّاء مَاتَ سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَة، وَأَبُو بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة اسْمه عَامر بن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وَعلي هُوَ ابْن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ.

وَهَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث وَصله مُسلم من طَرِيق عبد الله بن إِدْرِيس: سَمِعت عَاصِم بن كُلَيْب عَن أبي بردة وَهُوَ ابْن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: ( نَهَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لبس القسي وَعَن المياثر) ، قَالَ فَأَما القسي فثياب مضلعة ... الحَدِيث.
قَوْله: ( أتتنا من الشَّام أَو من مصر) وَفِي رِوَايَة مُسلم: ( من مصر وَالشَّام) .
قَوْله: ( مضلعة فِيهَا حَرِير) ، أَي: فِيهَا خطوط عريضة كالأضلاع،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وتضليع الثَّوْب جعل وشيه على هَيْئَة الأضلاع غَلِيظَة معوجة.
قَوْله: ( الأترج) ، بتَشْديد الْجِيم وَيُقَال لَهُ: الأترنج، أَيْضا بتَخْفِيف الْجِيم قبلهَا نون سَاكِنة.
قَوْله: ( والميثرة) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالثاء الْمُثَلَّثَة من الوثارة وَهِي اللين ووزنها مفعلة، وَأَصلهَا موثرة قلبت الْوَاو يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا، وَيجمع على: مياثر ومواثر.
قَوْله: ( كَانَت النِّسَاء تَصنعهُ لبعولتهن) أَي: لِأَزْوَاجِهِنَّ، والبعولة جمع بعل وَهُوَ الزَّوْج، تُوضَع على السُّرُوج يكون من الْحَرِير وَيكون من الصُّوف.
قَوْله: ( مثل القطائف) ، جمع قطيفة وَهِي الكساء المخمل، وَقيل: هِيَ الدثار.
قَوْله: ( يصفرنها) ، من التصغير ويروى: يصفونها، أَي: يجعلونها كالصفة من التصفية أَي: صفة السرج، قَالَ أَبُو عبيد: هِيَ كَانَت من مراكب الْأَعَاجِم من ديباج أَو حَرِير،.

     وَقَالَ  الْهَرَوِيّ: الميثرة مرفقة تتَّخذ لصفة السرج وَكَانُوا يحمرونها، وَفِي ( الْمُحكم) : الميثرة الثَّوْب يُجَلل بهَا الثِّيَاب فتعلوها، وَقيل: هِيَ أغشية السُّرُوج تتَّخذ من الْحَرِير وَيكون من الصُّوف وَغَيره، وَقيل: هِيَ شَيْء كالفراش الصَّغِير يتَّخذ من الْحَرِير ويحشى بِقطن أَو صوف يَجْعَلهَا الرَّاكِب على الْبَعِير تَحْتَهُ فَوق الرحل.

وَقَالَ جَرِيرٌ عَنْ يَزِيدَ فِي حَدِيثِهِ القَسِّيَّةُ ثِيابٌ مُضَلَّعَة يُجاءُ بِها مِنْ مِصْرَ فِيها الحَرِيرُ، والْميثرَةُ جُلُودُ السِّباعِ.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: عاصِمُ أكْثَرُ وأصَحُّ فِي المِيثَرَةِ.


اخْتلف الشُّرَّاح فِي جرير هَذَا، وَفِي شَيْخه فَقَالَ الْكرْمَانِي: جرير هَذَا بِالْجِيم هُوَ ابْن حَازِم الْمَذْكُور آنِفا، يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث الَّذِي مضى قبل هَذَا الْبابُُ، وَهُوَ قَوْله: حَدثنَا وهب بن جرير حَدثنَا أبي، وَأَبوهُ هُوَ جرير بن حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: هُوَ جرير بن عبد الحميد، وَأما شَيْخه فضبطه الْحَافِظ الدمياطي رَحمَه الله بِخَط يَده على حَاشِيَة نسخته بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء، وَهُوَ بريد بن عبد الله بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَضَبطه الْحَافِظ الْمزي فِي ( تهذيبه) بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف،.

     وَقَالَ : إِنَّه يزِيد بن أبي زِيَاد الْقرشِي، وَذكر أَن البُخَارِيّ روى لَهُ مُعَلّقا، وروى لَهُ فِي رفع الْيَدَيْنِ وَالْأَدب، وروى لَهُ مُسلم مَقْرُونا بِغَيْرِهِ، وَأَن أَحْمد وَابْن معِين ضعفَاهُ، وَأَن الْعجلِيّ قَالَ: هُوَ جَائِز الحَدِيث، وَأَنه كَانَ بِآخِرهِ يلقن.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن رُومَان بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وبالميم وَالنُّون مولى آل الزبير بن الْعَوام، وَنسب بَعضهم الْوَهم إِلَى الدمياطي فِي ضَبطه: بريد، بِالْبَاء الْمُوَحدَة ورد على الْكرْمَانِي فِي ضَبطه جرير بن حَازِم وَفِي ضبط شَيْخه بِأَنَّهُ يزِيد بن رُومَان، وَادّعى أَن جَرِيرًا هُوَ ابْن عبد الحميد وَأَن شَيْخه هُوَ يزِيد بن أبي زِيَاد، وَاعْتمد فِيمَا قَالَه على حَدِيث وَصله إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي: ( غَرِيب الحَدِيث) لَهُ عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن جرير بن عبد الحميد عَن يزِيد بن أبي زِيَاد عَن الْحسن بن سهل، قَالَ: القسية ثِيَاب مضلعة الحَدِيث.
قلت: كل من الحافظين الْمَذْكُورين صَاحب ضبط واتقان فَلَا يظنّ فيهمَا إلاَّ أَنَّهُمَا حررا هَذَا الْموضع كَمَا يَنْبَغِي، وَأما الْكرْمَانِي فَإِنَّهُ أَيْضا لم يقل مَا ذكره من عِنْد رَأْيه، وَلم يكن إلاَّ وقف على نُسْخَة مُعْتَمدَة أَو على كتاب من هَذَا الْفَنّ، وَمَعَ هَذَا الِاحْتِمَال باقٍ فِي الْكل، وَالله أعلم.

قَوْله: ( والميثرة جُلُود السبَاع) ، هَذَا لَا يُوجد إلاَّ فِي بعض نسخ البُخَارِيّ،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: تَفْسِير الميثرة بالجلود قَول بَاطِل مُخَالف للمشهور الَّذِي أطبق عَلَيْهِ أهل الحَدِيث،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: جُلُود السبَاع لم تكن منهية، وَأجَاب بقوله: إِمَّا أَن يكون فِيهَا الْحَرِير وَإِمَّا أَن يكون من جِهَة إِسْرَاف فهيا، وَإِمَّا لِأَنَّهَا من زِيّ المترفين وَكَانَ كفار الْعَجم يستعملونها.
قَوْله: ( قَالَ أَبُو عبد الله) ، هُوَ البُخَارِيّ نَفسه.
قَوْله: ( عَاصِم أَكثر) أَي: رِوَايَة عَاصِم بن كليف الْمَذْكُور أَكثر طرقاً وَأَصَح من رِوَايَة يزِيد الْمَذْكُور، وَهَذَا أَعنِي قَوْله:.

     وَقَالَ  أَبُو عبد الله ... إِلَى آخِره، لم يَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر وَلَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ.



[ قــ :5524 ... غــ :5838 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلِ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا سُفْيانُ عَنْ أشْعَثَ بنِ أبي الشَّعْثاءِ حَدثنَا مُعاوِيَةُ بنُ سُوَيْدِ بنِ مُقَرِّنٍ عَنِ البَرَاءِ بنِ عازِبٍ قَالَ: نَهانا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنِ المياثِرِ الحُمْر والقَسِّيِّ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَعَن القسي) وَمُحَمّد بن مقَاتل الْمروزِي، وَعبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ.

والْحَدِيث طرف من حَدِيث أَوله: أمرنَا بِسبع ونهانا عَن سبع ... وَسَيَأْتِي تَمَامه بعد أَبْوَاب.

قَوْله: ( نَهَانَا) فِي رِوَايَة الْكشميهني: نهى.
قَوْله: ( عَن المياثر الْحمر) بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم، ذكره لبَيَان مَا كَانَ هُوَ الْوَاقِع،.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: المياثر الْحمر الْمنْهِي عَنْهَا كَانَت من مراكب الْأَعَاجِم من ديباج أَو حَرِير،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: كَلَامه يدل على أَنَّهَا إِذا لم تكن من حَرِير أَو ديباج وَكَانَت من صوف أَحْمَر فَإِنَّهُ يجوز الرّكُوب عَلَيْهَا، وَلَيْسَ النَّهْي عَنْهَا كالنهي عَنْهَا إِذا كَانَت مِنْهُمَا،.

     وَقَالَ  ابْن وهب: سُئِلَ مَالك عَن ميثرة أرجوان يركب عَلَيْهَا؟ قَالَ: مَا أعلم حَرَامًا ثمَّ قَرَأَ: { قل من حرم زِينَة الله الَّتِي أخرج لِعِبَادِهِ} ( الْأَعْرَاف: 32) والأرجوان صبغ أَحْمَر،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: وَذكر قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أركب الأرجوان،.

     وَقَالَ : الأرجوان الْأَحْمَر، وَأرَاهُ أَرَادَ بِهِ المياثر الْحمر، وَقد تتَّخذ من ديباج وحرير، وَقد ورد فِيهَا النَّهْي لما فِي ذَلِك من السَّفه وَلَيْسَت من لِبَاس الرِّجَال، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث قَتَادَة عَن الْحسن عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا أركب الأرجواز وَلَا ألبس المعصفر وَلَا ألبس الْقَمِيص المكفف بالحرير، وروى أَبُو يعلى الْموصِلِي فِي: ( مُسْنده) من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن خَوَاتِيم الذَّهَب والقسية والميثرة الْحَمْرَاء المصبغة من العصفر.