فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {ثم تولوا عنه، وقالوا: معلم مجنون} [الدخان: 14]

(بابٌُ: { ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} (الدُّخان: 41)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { ثمَّ توَلّوا عَنهُ} أَي: أَعرضُوا عَن الرَّسُول فَلم يقبلوه { وَقَالُوا: معلم مَجْنُون} بادعائه النُّبُوَّة.



[ قــ :4564 ... غــ :4824 ]
- حدَّثنا بِشْرُ بنُ خَالِدٍ أخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ شَعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ وَمَنْصُورٍ عَنْ أبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ الله إنَّ الله بَعَثَ مُحَمَّدا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

     وَقَالَ : { قُلْ مَا أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ وَمَا أنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ} (ص: 68) فإنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمَّا رأى قُرَيْشا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ أعِنِّي عَلَيْهِمْ سَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأخَذَتْهُمُ السَّنةُ حَتَّى حَصَّتْ كلَّ شَيْءٍ حَتَّى أكَلُوا العِظَامَ وَالْجُلُودَ فَقَال أحَدُهُمْ حَتَّى أكَلُوا الجُلُودَ وَالمَيْتَةَ وَجَعَلَ يَخْرُجُ مِنَ الأرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ فَأتاهُ أبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أيْ مُحَمدُ: إنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ الله أنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ فَدَعَا ثُمَّ قَالَ تَعُودُوا بَعْدَ هاذَا فِي حَدِيثِ مَنْصُورٍ ثُمَّ قَرَأَ: { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} إلَى { عَائِذُونَ} أيُكْشَفُ عَذَابُ الآخِرَةِ فَقَدْ مَضَى الدُّخَانُ وَالبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ: وَقَال أحَدُهُمُ القَمَرُ.

     وَقَالَ  الآخَرُ الرُّومُ..
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة ابْن خَالِد بن مُحَمَّد العسكري عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر وَهُوَ غنْدر عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش، وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر كِلَاهُمَا عَن أبي الضُّحَى مُسلم عَن مَسْرُوق عَن عبد الله بن مَسْعُود.

قَوْله: (وَجعل يخرج من الأَرْض) ، فَاعل جعل مَحْذُوف تَقْدِيره جعل شَيْء يخرج من الأَرْض فَإِن قلت: بَينه وَبَين قَوْله: فَكَانَ يرى بَينه وَبَين السَّمَاء مثل الدُّخان تدافع ظَاهر.
قلت: لَا تدافع إِذْ لَا مَحْذُور أَن يكون مبدأه الأَرْض ومنتهاه ذَلِك.
فَإِن قلت: لفظ يخرج يدل على أَن ثمَّة كَانَ أمرا متخيلاً لَهُم لشدَّة حرارة الْجُوع.
قلت: يحْتَمل أَن يكون ثمَّة خَارج من الدُّخان حَقِيقَة وَأَنَّهُمْ كَانُوا يرَوْنَ بَينهم وَبَين السَّمَاء مثله لفرط حرارتهم من المجاعة، أَو كَانَ يخرج من الأَرْض على حسبانهم التخيل من غشاوة أَبْصَارهم من فرط الْجُوع.
قَوْله: (أَي مُحَمَّد) ، يَعْنِي: يَا مُحَمَّد.
قَوْله: (إِن قَوْمك) ، وَفِي الرِّوَايَة الْمَاضِيَة استسق الله لمضر فَإِنَّهَا قد هَلَكت، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا لِأَن مُضر أَيْضا قومه.
قَوْله: (فِي حَدِيث مَنْصُور) هُوَ مَنْصُور الرَّاوِي عَن أبي الضُّحَى، وَلم يذكر هَذَا فِي حَدِيث سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي الضُّحَى.
قَوْله: (وَقَالَ أحدهم) كَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: أَحدهمَا إِذا المُرَاد سُلَيْمَان وَمَنْصُور، لَكِن هَذَا على مَذْهَب من قَالَ: أقل الْجمع اثْنَان، هَكَذَا قَالَه الْكرْمَانِي وَتَبعهُ بَعضهم.
قلت: يحْتَمل أَن يكون مَعَهُمَا فِي ذَلِك الْوَقْت ثَالِث فَجمع بِاعْتِبَار الثَّلَاثَة.
قَوْله: (الْقَمَر) يَعْنِي: انْشِقَاق الْقَمَر.
قَوْله: (وَالْآخر الرّوم) يَعْنِي: غَلَبَة الرّوم.
(