فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه

( بابُُ مَنْ أمَرَ خادِمَهُ بِالصَّدَقَةِ ولَمْ يُنَاوِلْ بِنَفْسِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حَال من أَمر خادمه بِالصَّدَقَةِ، يَعْنِي: أمره بِأَن يتَصَدَّق عَنهُ وَلم يناول الصَّدَقَة للْفَقِير بِنَفسِهِ، وَالْخَادِم الَّذِي يخْدم غَيره أَعم من أَن يكون مَمْلُوكا أَو أَجِيرا أَو مُتَبَرعا بِالْخدمَةِ.
قيل: فَائِدَة قَوْله: وَلم يناول بِنَفسِهِ، التَّنْبِيه على أَن ذَلِك مِمَّا يغْتَفر، وَأَن قَوْله فِي الْبابُُ الَّذِي قبله: الصَّدَقَة بِالْيَمِينِ، لَا يلْزم مِنْهُ الْمَنْع من إعطائها بِالْغَيْر، وَإِن كَانَت الْمُبَاشرَة بِنَفسِهِ أولى.
انْتهى.
قلت: فَائِدَة قَوْله: وَلم يناول بِنَفسِهِ، التَّأْكِيد فِي عدم المناولة بِنَفسِهِ وَالتَّصْرِيح بِهِ، لِأَنَّهُ يجوز أَن يَأْمر خادمه بِالصَّدَقَةِ ثمَّ ناول بِنَفسِهِ قبل أَن يُبَاشر الْخَادِم أَو يَأْمُرهُ بهَا، ثمَّ ينهاه عَنْهَا.
وَأما قَوْله فِي الْبابُُ الَّذِي قبله: بابُُ الصَّدَقَة بِالْيَمِينِ، أَعم من أَن يكون بِيَمِين الْمُتَصَدّق بِنَفسِهِ أَو بِيَمِين خادمه أَو وَكيله.
فَإِن قلت: مَا فَائِدَة وضع هَذِه التَّرْجَمَة وَلَا يعلم مِنْهَا حكم؟ قلت: قَالَ صَاحب ( التَّلْوِيح) : كَأَن البُخَارِيّ أَرَادَ بِهَذِهِ مُعَارضَة مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن عَبَّاس بن عبد الرَّحْمَن الْمدنِي، قَالَ: خصلتان لم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يليهما إِلَى أحد من أَهله: كَانَ يناول الْمِسْكِين بِيَدِهِ، وَيَضَع الطّهُور لنَفسِهِ.
وَفِي ( التَّرْغِيب) للجوزي، بِسَنَد صَالح عَن ابْن عَبَّاس: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يكل طهوره وَلَا صدقته الَّتِي يتَصَدَّق بهَا إِلَى أحد، يكون هُوَ الَّذِي يتولاهما بِنَفسِهِ.
انْتهى.
قلت: الَّذِي يظْهر من كَلَامه أَن الْمُتَصَدّق بِنَفسِهِ والمأمور بِالصَّدَقَةِ عَنهُ كِلَاهُمَا فِي الْأجر سَوَاء على مَا يُشِير إِلَيْهِ مَا ذكره فِي الْبابُُ، وَإِنَّمَا أطلق التَّرْجَمَة وَلم يشر إِلَى شَيْء من ذَلِك اكْتِفَاء بِمَا ذكره فِي الْبابُُ، وَقد جرت عَادَته بذلك فِي مَوَاضِع عديدة، وَلَا مُعَارضَة هَهُنَا لِأَن مقَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعلَى المقامات، فَإِذا أَمر بِشَيْء يَفْعَله أحد هَل يُقَال: إِنَّه يحصل لَهُ من الْأجر مثل مَا يحصل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَلَئِن سلمنَا التَّعَارُض ظَاهرا فَلَا نسلم أَنه تعَارض حَقِيقَة لعدم التَّسَاوِي بَين مَا ذكره فِي الْبابُُ وَبَين غَيره.

وَقَالَ أَبُو مُوسى عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ أحَدُ المُتَصَدِّقِينٌّ

أَبُو مُوسَى هُوَ الْأَشْعَرِيّ، واسْمه: عبد الله بن قيس، وَهَذَا التَّعْلِيق قِطْعَة من حَدِيث ذكره مَوْصُولا يَأْتِي بعد سِتَّة أَبْوَاب فِي: بابُُ أجر الْخَادِم إِذا تصدق.
فَإِن الْمَذْكُور فِيهِ الخازن أحد المتصدقين، وَالضَّمِير أَعنِي قَوْله: ( هُوَ) ، يرجع إِلَى الخازن.
فَإِن قلت: التَّرْجَمَة فِيهَا لفظ الْخَادِم، والْحَدِيث فِيهِ لفظ الخازن فَلَا مُطَابقَة بَينهمَا؟ قلت: الخازن خَادِم للْمَالِك فِي الخزن، وَإِن لم يكن خَادِمًا حَقِيقَة.
وَقد قُلْنَا إِن لفظ الْخَادِم أَعم.
قَوْله: ( هُوَ أحد المتصدقين) بِلَفْظ التَّثْنِيَة كَمَا يُقَال: الْقَلَم أحد اللسانين مُبَالغَة، أَي: الْخَادِم والمتصدق بِنَفسِهِ متصدقان لَا تَرْجِيح لأَحَدهمَا على الآخر فِي أصل الْأجر، قَالُوا: وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون مِقْدَار ثوابهما سَوَاء، لِأَن الْأجر فضل من الله يؤتيه من يَشَاء.
ذكر الْقُرْطُبِيّ أَنه لم يرو إلاَّ بالتثنية، وَيصِح أَن يُقَال على الْجمع، وَيكون مَعْنَاهُ أَنه متصدق من جملَة المتصدقين، وبنحوه ذكره ابْن التِّين وَغَيره.



[ قــ :1370 ... غــ :1425 ]
- حدَّثنا عُثْمَانُ بنُ أبِي شَيْبَةَ قَالَ حدَّثنا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ شَقِيقٍ عنْ مَسْرُوقٍ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا أنفَقَتِ المرْأةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كانَ لَهَا أجْرُهَا بِمَا أنْفَقَتْ وَلِزَوْجِهَا أجْرُهُ بِمَا كَسَبَ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذالِكَ لاَ يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أجْرَ بَعْضٍ شَيْئا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وللخازن مثل ذَلِك) ، وَقد قُلْنَا: إِن للخازن خَادِم للْمَالِك فِي الخزن.
فَإِن قلت: التَّرْجَمَة مُقَيّدَة بِالْأَمر وَلَيْسَ فِي الحَدِيث ذَلِك؟ قلت: الخازن أَمِين وَلَيْسَ لَهُ أَن يتَصَرَّف إلاَّ بِإِذن الْمَالِك، إِمَّا نصا وَإِمَّا عَادَة، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة أمينة لَا يجوز لَهَا التَّصَرُّف إلاَّ بِإِذن زَوجهَا إِمَّا نصا وَإِمَّا عَادَة فِي الْأَشْيَاء الَّتِي لَا تؤلم زَوجهَا وتطيب بهَا نَفسه، فَلذَلِك قيد بقوله: غير مفْسدَة، وإفسادها إِنَّمَا يكون بِغَيْر إِذن الزَّوْج أَو بِمَا يؤلم زَوجهَا خَارِجا عَن الْعَادة على مَا نقرره عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة، كلهم قد ذكرُوا غير مرّة، وَعُثْمَان هُوَ ابْن مُحَمَّد بن أبي شيبَة واسْمه: إِبْرَاهِيم أَبُو الْحسن الْكُوفِي أَخُو أبي بكر بن أبي شيبَة، وَجَرِير بن عبد الحميد وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر وشقيق بن سَلمَة ومسروق بن الأجدع.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن جَرِيرًا رازي أَصله من الْكُوفَة والبقية كوفيون.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الزَّكَاة عَن عمر بن حَفْص بن غياث عَن أَبِيه وَعَن قُتَيْبَة عَن جرير كِلَاهُمَا عَن الْأَعْمَش وَعَن آدم عَن شُعْبَة عَن الْأَعْمَش وَمَنْصُور كِلَاهُمَا عَن أبي وَائِل بِهِ، وَفِيه عَن يحيى بن يحيى، وَفِيه، وَفِي الْبيُوع عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة، كِلَاهُمَا عَن جرير عَن مَنْصُور بِهِ.
وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن يحيى بن يحيى وَزُهَيْر ابْن حَرْب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، ثَلَاثَتهمْ عَن جرير، وَعَن مُحَمَّد بن يحيى وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن نمير عَن أَبِيه.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد عَن أبي عوَانَة عَن مَنْصُور بِهِ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مَحْمُود بن غيلَان، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن مُحَمَّد بن قدامَة عَن جرير عَن مَنْصُور بِهِ، وَعَن أَحْمد بن حَرْب عَن أبي مُعَاوِيَة بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التِّجَارَات عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير بِهِ.
وَأخرج التِّرْمِذِيّ هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة، قَالَ: سَمِعت أَبَا وَائِل يحدث عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ( إِذا تَصَدَّقت الْمَرْأَة من بَيت زَوجهَا كَانَ لَهَا أجر ولزوجها مثل ذَلِك وللخازن مثل ذَلِك وَلَا ينقص كل وَاحِد مِنْهُم من أجر صَاحبه شَيْئا، لَهُ بِمَا كسب وَلها بِمَا أنفقت) .
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن.
وَالطَّرِيق الآخر: عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن المؤمل عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن أبي وَائِل عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِذا أَعْطَتْ الْمَرْأَة من بَيت زَوجهَا بِطيب نفس غير مفْسدَة كَانَ لَهَا مثل أجره لَهَا مَا نَوَت حسنا وللخازن مثل ذَلِك) .
ثمَّ قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حسن صَحِيح، وَهُوَ أصح من حَدِيث عَمْرو بن مرّة عَن أبي وَائِل، وَعَمْرو بن مرّة لَا يذكر فِي حَدِيثه عَن مَسْرُوق.
فَإِن قلت: قَالَ الطوسي: حَدِيث عَمْرو حسن صَحِيح؟ قلت: فِيهِ نظر، لِأَن الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ: رَوَاهُ جرير عَن الْأَعْمَش عَن أبي الضُّحَى عَن مَسْرُوق، وَرَوَاهُ عبد الصَّمد بن حسان عَن الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن أبي وَائِل عَن الْأسود، وَوهم فِي قَوْله: وَرَوَاهُ معَاذ بن معَاذ وَأَبُو قُتَيْبَة عَن شُعَيْب عَن عَمْرو بن مرّة عَن أبي وَائِل عَن مَسْرُوق، وَرَوَاهُ عبد الله بن أبي جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن الحكم بن عمَارَة عَن عُمَيْر عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، وَوهم فِيهِ، وَالصَّحِيح: عَن الْأَعْمَش وَمَنْصُور عَن أبي وَائِل عَن مَسْرُوق.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( إِذا أنفقت الْمَرْأَة) ، وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي: ( إِذا تَصَدَّقت الْمَرْأَة) ، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ: ( إِذا أَعْطَتْ الْمَرْأَة من بَيت زَوجهَا) .
قَوْله: ( من طَعَام بَيتهَا) ، قيد بِهِ، لِأَنَّهُ يسمح بِهِ عَادَة بِخِلَاف الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَإِن إنفاقها مِنْهَا لَا يجوز إلاَّ بِالْإِذْنِ.
قَوْله: ( غير مفْسدَة) نصب على الْحَال قيد بِهِ لِأَنَّهَا إِذا كَانَت مفْسدَة بِأَن تجاوزت الْمُعْتَاد فَإِنَّهُ لَا يجوز.
قَوْله: ( كَانَ لَهَا) أَي: للْمَرْأَة ( أجرهَا) أَي لأجل إنفاقها غير مفْسدَة ( ولزوجها أجره بِمَا كسب) أَي: بِسَبَب كَسبه، وَالْمعْنَى أَن المشارك فِي الطَّاعَة مشارك فِي الْأجر، وَمعنى المشارك أَن لَهُ أجرا كَمَا لصَاحبه أجر، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن يزاحمه فِي أجره، أَو المُرَاد الْمُشَاركَة فِي أصل الثَّوَاب، فَيكون لهَذَا ثَوَاب وَإِن كَانَ أَحدهمَا أَكثر، وَلَا يلْزم أَن يكون مِقْدَار ثوابهما سَوَاء، بل يكون ثَوَاب هَذَا أَكثر وَقد يكون بعكسه.
قَوْله: ( وللخازن مثل ذَلِك) أَي: مثل ذَلِك الْأجر، والخازن هُوَ الَّذِي يكون بِيَدِهِ حفظ الطَّعَام والمأكول من خَادِم وقهرمان، وَقد قُلْنَا: إِنَّه أَعم من مَمْلُوك وَغَيره، فَإِذا أعْطى الْمَالِك لخازنه أَو امْرَأَته أَو غَيرهمَا مائَة دِرْهَم أَو نَحْوهَا ليوصلها إِلَى مستحقي الصَّدَقَة على بابُُ دَاره أَو نَحوه.
فأجر الْمَالِك أَكثر، وَإِن أعطَاهُ رمانة أَو رغيفا أَو نَحْوهمَا ليذْهب بِهِ إِلَى مُحْتَاج فِي مَسَافَة بعيدَة بِحَيْثُ يُقَابل مشي الذَّاهِب إِلَيْهِ بِأُجْرَة تزيد على الرمانة والرغيف، فأجر الْوَكِيل أَكثر،، وَقد يكون عمله قدر الرَّغِيف مثلا، فَيكون مِقْدَار الْأجر سَوَاء.
فَإِن قلت: روى مُسلم من حَدِيث يزِيد بن عبيد، قَالَ: سَمِعت عُمَيْرًا مولى أبي اللَّحْم قَالَ: أَمرنِي مولَايَ أَن أقدد لَحْمًا، فجَاء مِسْكين فأطعمته مِنْهُ، فَعلم مولَايَ بذلك فضربني، فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ، فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: لِمَ ضَربته؟ قَالَ: يُعْطي طَعَامي من غير أَن آمره.
فَقَالَ: الْأجر بَيْنكُمَا.
قلت: مَعْنَاهُ: بَيْنكُمَا قِسْمَانِ، وَإِن كَانَ أَحدهمَا أَكثر، وَأَشَارَ القَاضِي عِيَاض إِلَى أَنه يحْتَمل أَيْضا أَن يكون سَوَاء، لِأَن الْأجر فضل من الله تَعَالَى، وَلَا يدْرك بِقِيَاس وَلَا هُوَ بِحَسب الْأَعْمَال، وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَالْمُخْتَار الأول.
قَوْله: ( لَا ينقص بَعضهم أجر بعض شَيْئا) شَيْئا: مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول لقَوْله: ( لَا ينقص) ، وَقَوله: أجر، مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: من أجر بعض، أَو هُوَ مفعول أول لقَوْله: لَا ينقص، لِأَنَّهُ ضد يزِيد وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مفعولين، قَالَ تَعَالَى: { فَزَادَهُم الله مَرضا} ( الْبَقَرَة: 01) .

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: اخْتلف النَّاس فِي تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ بَعضهم: هَذَا على مَذْهَب النَّاس بالحجاز، وبغيرها من الْبلدَانِ: إِن رب الْبَيْت قد يَأْذَن لأَهله وَعِيَاله وللخادم فِي الْإِنْفَاق بِمَا يكون فِي الْبَيْت من طَعَام أَو أدام، وَيُطلق أَمرهم فِيهِ إِذا حَضَره السَّائِل وَنزل الضَّيْف، وحضهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على لُزُوم هَذِه الْعَادة وَوَعدهمْ الثَّوَاب عَلَيْهِ، وَقيل: هَذَا فِي الْيَسِير الَّذِي لَا يُؤثر نقصانه وَلَا يظْهر، وَقيل: هَذَا إِذا علم مِنْهُ أَنه لَا يكره الْعَطاء فيعطي مَا لم يجحف، وَهَذَا معنى قَوْله: غير مفْسدَة، وَفرق بَعضهم بَين الزَّوْجَة وَالْخَادِم: بِأَن الزَّوْجَة لَهَا حق فِي مَال الزَّوْج وَلها النّظر فِي بَيتهَا، فَجَاز لَهَا أَن تَتَصَدَّق بِمَا لَا يكون إسرافا، لَكِن بِمِقْدَار الْعَادة، وَمَا يعلم أَنه لَا يؤلم زَوجهَا.
فَأَما الْخَادِم فَلَيْسَ لَهُ تصرف فِي مَتَاع مَوْلَاهُ وَلَا حكم، فَيشْتَرط الْإِذْن فِي عَطِيَّة الْخَادِم دون الزَّوْجَة.
فَإِن قلت: أَحَادِيث هَذَا الْبابُُ جَاءَت مُخْتَلفَة.
فَمِنْهَا: مَا يدل على منع الْمَرْأَة أَن تنْفق من بَيت زَوجهَا إلاَّ بِإِذْنِهِ، وَهُوَ حَدِيث أبي أُمَامَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، قَالَ: حَدثنَا هناد حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش حَدثنَا شُرَحْبِيل بن مُسلم الْخَولَانِيّ ( عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي خطبَته عَام حجَّة الْوَدَاع: لَا تنْفق امْرَأَة شَيْئا من بَيت زَوجهَا إلاَّ بِإِذن زَوجهَا.
قيل: يَا رَسُول الله وَلَا الطَّعَام؟ قَالَ: ذَاك أفضل أَمْوَالنَا)
.
.

     وَقَالَ : حَدِيث حسن وَأخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا.
وَمِنْهَا: مَا يدل على الْإِبَاحَة بِحُصُول الْأجر لَهَا فِي ذَلِك، وَهُوَ حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور.
وَمِنْهَا: مَا قيد فِيهِ التَّرْغِيب فِي الْإِنْفَاق بِكَوْنِهِ بِطيب نفس مِنْهُ، وبكونها غير مفْسدَة، وَهُوَ حَدِيث عَائِشَة أَيْضا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مَسْرُوق عَنْهَا، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِذا أَعْطَتْ الْمَرْأَة من بَيت زَوجهَا بِطيب نفس غير مفْسدَة.
.
)
الحَدِيث.
وَمِنْهَا: مَا هُوَ مُقَيّد بِكَوْنِهَا غير مفْسدَة، وَإِن كَانَ من غير أمره، وَهُوَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث همام بن مُنَبّه عَن أبي هُرَيْرَة.
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ( لَا تصم الْمَرْأَة وبعلها شَاهد إلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلَا تَأذن فِي بَيته وَهُوَ شَاهد إلاَّ بِإِذْنِهِ، وَمَا أنفقت من كَسبه من غير أمره فَإِن نصف أجره لَهُ) .
وَمِنْهَا: مَا قيد الحكم فِيهِ بِكَوْنِهِ رطبا، وَهُوَ حَدِيث سعد ابْن أبي وَقاص، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة زِيَاد بن جُبَير ( عَن سعد، قَالَ: لما بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النِّسَاء قَامَت امْرَأَة جليلة كَأَنَّهَا من نسَاء مُضر فَقَالَت: يَا نَبِي الله أنأكل من عمل آبَائِنَا وأبنائنا؟) قَالَ أَبُو دَاوُد: وَأرى فِيهِ ( وَأَزْوَاجنَا فَمَا يحل لنا من أَمْوَالهم؟ قَالَ: الرطب تأكليه وتهديه) ، قَالَ أَبُو دَاوُد: الرطب الْخبز والبقل وَالرّطب.
قلت: الرطب الأول، بِفَتْح الرَّاء وَالثَّانِي بضَمهَا، وَهُوَ رطب التَّمْر، وَكَذَلِكَ الْعِنَب وَسَائِر الْفَوَاكِه الرّطبَة دون الْيَابِسَة.
قلت: كَيْفيَّة الْجمع بَينهمَا أَن ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف عادات الْبِلَاد وباختلاف حَال الزَّوْج من مسامحته.
وَرضَاهُ بذلك أَو كَرَاهَته لذَلِك، وباختلاف الْحَال فِي الشَّيْء الْمُنفق بَين أَن يكون شَيْئا يَسِيرا يتَسَامَح بِهِ، وَبَين أَن يكون لَهُ خطر فِي نفس الزَّوْج يبخل بِمثلِهِ، وَبَين أَن يكون ذَلِك رطبا يخْشَى فَسَاده إِن تَأَخّر، وَبَين أَن يكون يدّخر وَلَا يخْشَى عَلَيْهِ الْفساد.