فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول الله جل ذكره: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم} [البقرة: 187]

(بابُُ قَوْلِ الله جَلَّ ذِكْرُهُ { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وأنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمٍ الله أنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وعَفَا عَنْكُمْ فاَلآنَ باشِرُوهُنَّ وابْتَغُوا مَا كَتَبَ الله لَكُمْ} (الْبَقَرَة: 781) .
)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان قَول الله عز وَجل وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام، وَهَذِه الْآيَة إِلَى قَوْله تَعَالَى: { مَا كتب الله لكم} (الْبَقَرَة: 781) .
رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة غَيره إِلَى آخر الْآيَة { لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ} (الْبَقَرَة: 781) .
وَجعل البُخَارِيّ هَذِه الْآيَة تَرْجَمَة لبَيَان مَا كَانَ الْحَال عَلَيْهِ قبل نزُول هَذِه الْآيَة، وَسبب نُزُولهَا فِي عمر بن الْخطاب وصرمة بن قيس، قَالَ الطَّبَرِيّ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى عبد الله بن كَعْب بن مَالك يحدث عَن أَبِيه قَالَ: (كَانَ النَّاس فِي رَمَضَان إِذا صَامَ الرجل فأمسى فَنَامَ حرمه عَلَيْهِ الطَّعَام وَالشرَاب وَالنِّسَاء حَتَّى يفْطر من الْغَد، فَرجع عمر بن الْخطاب من عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة وَقد سمر عِنْده، فَوجدَ امْرَأَته قد نَامَتْ، فأرادها، فَقَالَت: إِنِّي قد نمت، فَقَالَ: مَا نمت؟ ثمَّ وَقع بهَا، وصنع كَعْب بن مَالك مثله، فغدا عمر بن الْخطاب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأخْبرهُ، فَأنْزل الله تَعَالَى: { علم الله أَنكُمْ تختانون أَنفسكُم فَتَابَ عَلَيْكُم وَعَفا عَنْكُم فَالْآن باشروهن} (الْبَقَرَة: 781) .
الْآيَة، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد وَعَطَاء وَعِكْرِمَة وَالسُّديّ وَقَتَادَة وَغَيرهم فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة فِي عمر بن الْخطاب، وَمن صنع كَمَا صنع، وَفِي صرمة بن قيس، فأباح الْجِمَاع وَالطَّعَام وَالشرَاب فِي جَمِيع اللَّيْل رَحْمَة ورخصة ورفقا.
وَحَدِيث الْبابُُ يقْتَصر على قَضِيَّة صرمة بن قيس.
قَوْله: (الرَّفَث) هُوَ الْجِمَاع، هُنَا قَالَه ابْن عَبَّاس وَعَطَاء وَمُجاهد وَسَعِيد بن جُبَير وطاووس وَسَالم بن عبد الله وَعَمْرو بن دِينَار وَالْحسن وَقَتَادَة وَالزهْرِيّ وَالضَّحَّاك وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالسُّديّ وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي وَمُقَاتِل ابْن حَيَّان،.

     وَقَالَ  الزّجاج: الرَّفَث، كُله جَامع لكل مَا يُريدهُ الرجل من النِّسَاء قَوْله: { هن لِبَاس لكم وَأَنْتُم لِبَاس لَهُنَّ} (الْبَقَرَة: 781) .
قَالَ ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَسَعِيد بن جُبَير وَالْحسن وَقَتَادَة وَالسُّديّ وَمُقَاتِل بن حَيَّان: يَعْنِي هن سكن لكم وَأَنْتُم سكن لَهُنَّ،.

     وَقَالَ  الرّبيع بن أنس: هن لِحَاف لكم وَأَنْتُم لِحَاف لَهُنَّ، وَحَاصِله أَن الرجل وَالْمَرْأَة كل مِنْهُمَا يخالط الآخر ويماسه ويضاجعه، فَنَاسَبَ أَن يرخص لَهُم فِي المجامعة فِي ليل رَمَضَان لِئَلَّا يشق ذَلِك عَلَيْهِم ويحرجوا، وَقيل: كل قرن مِنْكُم يسكن إِلَى قرنه ويلابسه، وَالْعرب تسمي الْمَرْأَة لباسا وإزارا قَالَ الشَّاعِر:
(إِذا مَا الضجيع ثنى جيدها ... تداعت، فَكَانَت عَلَيْهِ لباسا) وَقَالَ آخر:
(ألاَ بلِّغ أَبَا حَفص رَسُولا ... فِدًى لَك من أخي ثِقَة إزَارِي)

قَالَ أهل اللُّغَة: مَعْنَاهُ فدى لَك امْرَأَتي، وَذكر ابْن قُتَيْبَة وَغَيره أَن المُرَاد بقوله: إزَارِي، فدى لَك امْرَأَتي،.

     وَقَالَ  بَعضهم: أَرَادَ نَفسه أَي: فدى لَك نَفسِي.
وَفِي (كتاب الْحَيَوَان) للجاحظ: لَيْسَ شَيْء من الْحَيَوَان يتبطن طروقته أَي: يَأْتِيهَا من جِهَة بَطنهَا غير الْإِنْسَان والتمساح، وَفِي (تَفْسِير الواحدي) : والدب.
وَقيل الْغُرَاب.
قَوْله: { تختانون أَنفسكُم} (الْبَقَرَة: 781) .
يَعْنِي: تجامعون النِّسَاء وتأكلون وتشربون فِي الْوَقْت الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَيْكُم، ذكره الطَّبَرِيّ.
وَفِي (تَفْسِير) ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد: { تختانون أَنفسكُم} (الْبَقَرَة: 781) .
قَالَ: تظْلمُونَ أَنفسكُم.
قَوْله: { فَالْآن باشروهن} (الْبَقَرَة: 781) .
أَي: جامعوهن، كنى الله عَنهُ، قَالَه ابْن عَبَّاس: وَرُوِيَ نَحوه عَن مُجَاهِد وَعَطَاء وَالضَّحَّاك وَمُقَاتِل بن حَيَّان وَالسُّديّ وَالربيع بن أنس وَزيد بن أسلم.
قَوْله: { وابتغوا مَا كتب الله لكم} (الْبَقَرَة: 781) .
قَالَ مُجَاهِد: فِيمَا ذكره عبد بن حميد فِي تَفْسِيره: الْولدَان لم تَلد هَذِه، فَهَذِهِ، وَذكره أَيْضا الطَّبَرِيّ عَن الْحسن وَالْحَاكِم وَعِكْرِمَة وَابْن عَبَّاس وَالسُّديّ وَالربيع بن أنس، وَذكره ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره عَن أنس بن مَالك، وَشُرَيْح وَعَطَاء وَالضَّحَّاك وَسَعِيد بن جُبَير وَقَتَادَة.
قَالَ الطَّبَرِيّ، وَعَن ابْن عَبَّاس أَيْضا فِي قَوْله تَعَالَى: { وابتغوا مَا كتب الله لكم} (الْبَقَرَة: 781) .
قَالَ: لَيْلَة الْقدر،.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ:.

     وَقَالَ  آخَرُونَ: بل مَعْنَاهُ مَا أحله الله لكم ورخصه، قَالَ ذَلِك قَتَادَة، وَعَن زيد بن أسلم: هُوَ الْجِمَاع.



[ قــ :1833 ... غــ :1915 ]
- حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسى عنْ إسْرَائِيلَ عنْ أبي إسْحَاقَ عَن البَرَاءِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ أصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا كانَ الرَّجُلُ صَائِما فحَضَرَ الإفْطَارُ فنامَ قَبْلَ أنْ يُفْطَر لَمْ يَأكُلْ لَيْلَتَهُ ولاَ يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِي وَإنَّ قَيْسَ بنَ صِرْمَةَ الأنْصَارِيَّ كانَ صائِما فَلَمَّا حضَرَ الإفْطَارُ أتَى امْرَأتَهُ فَقَالَ لَهَا أعِنْدَكِ طَعَامٌ قالَتْ لاَ ولَكِنْ أنْطَلِقُ فأطْلُبُ لَكَ وكانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَجَاءَتْهُ امْرَأتُهُ فلَمَّا رَأَتْهُ قالَتْ خَيْبةً لَكَ فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غشِيَ عَلَيْهِ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ} ففَرِحُوا بِهَا فَرَحا شَدِيدا ونَزَلَتْ { وكُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّنَ لَكُمْ الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ} .
(الْبَقَرَة: 781) .

(الحَدِيث 5191 طرفه فِي: 8054) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يبين سَبَب نُزُولهَا وَعبيد الله بن مُوسَى أَبُو مُحَمَّد الْعَبْسِي الْكُوفِي، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي وَهُوَ يروي عَن جده أبي إِسْحَاق، واسْمه عَمْرو بن عبد الله.

والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّوْم أَيْضا عَن نصر بن عَليّ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن عبد بن حميد.

قَوْله: (كَانَ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: فِي أول مَا افْترض الصّيام، وبيَّن ذَلِك ابْن جرير فِي رِوَايَته من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى مُرْسلا.
قَوْله: (فَنَامَ قبل أَن يفْطر) إِلَى آخِره.
وَفِي رِوَايَة زُهَيْر: (كَانَ إِذا نَام قبل أَن يتعشى لم يحل لَهُ أَن يَأْكُل شَيْئا وَلَا يشرب ليله وَلَا يَوْمه حَتَّى تغرب الشَّمْس) .
وَفِي رِوَايَة أبي الشَّيْخ من طَرِيق زَكَرِيَّاء بن أبي زَائِدَة عَن أبي إِسْحَاق: (كَانَ الْمُسلمُونَ إِذا أفطروا يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويأتون النِّسَاء مَا لم يَنَامُوا، فَإِذا نَامُوا لم يَفْعَلُوا شَيْئا من ذَلِك إِلَى مثلهَا) .
فَإِن قلت: الرِّوَايَات كلهَا فِي حَدِيث الْبَراء على أَن الْمَنْع من ذَلِك كَانَ مُقَيّدا بِالنَّوْمِ، وَكَذَا هُوَ فِي حَدِيث غَيره، وَقد روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عَبَّاس، قَالَ: (كَانَ النَّاس على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلوا الْعَتَمَة حرم عَلَيْهِم الطَّعَام وَالشرَاب وَالنِّسَاء، وصاموا إِلَى الْقَابِلَة) الحَدِيث.
وَالْمَنْع فِي هَذَا مُقَيّد بِصَلَاة الْعشَاء.
قلت: يحْتَمل أَن يكون ذكر صَلَاة الْعشَاء لكَون مَا بعْدهَا مَظَنَّة النّوم غَالِبا، وَالتَّقْيِيد فِي الْحَقِيقَة بِالنَّوْمِ كَمَا فِي سَائِر الْأَحَادِيث.
وبيَّن السّديّ وَغَيره أَن ذَلِك الحكم كَانَ على وفْق مَا كتب على أهل الْكتاب، كَمَا أخرجه ابْن حزم من طَرِيق السّديّ، وَلَفظه: (كتب على النَّصَارَى الصّيام، وَكتب عَلَيْهِم أَن لَا يَأْكُلُوا وَلَا يشْربُوا وَلَا ينكحوا بعد النّوم، وَكتب على الْمُسلمين أَولا مثل ذَلِك حَتَّى أقبل رجل من الْأَنْصَار) فَذكر الْقِصَّة.
وَمن طَرِيق إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ: كَانَ الْمُسلمُونَ فِي أول الْإِسْلَام يَفْعَلُونَ كَمَا يفعل أهل الْكتاب إِذا نَام أحدهم لم يطعم حَتَّى الْقَابِلَة.
قَوْله: (وَإِن قيس بن صرمة) قيس بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة: وصرمة، بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْمِيم، هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ، وَتَابعه على ذَلِك التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن حبَان فِي (معرفَة الصَّحَابَة) وَابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) والدارمي فِي (مُسْنده) وَأَبُو دَاوُد فِي (كتاب النَّاسِخ والمنسوخ) والإسماعيلي وَأَبُو نعيم فِي (مستخرجيهما).

     وَقَالَ  أَبُو نعيم فِي (كتاب الصَّحَابَة) تأليفه: صرمة بن أبي أنس، وَقيل: ابْن قيس الخطمي الْأنْصَارِيّ، يكنى أَبَا قيس، كَانَ شَاعِرًا نزلت فِيهِ { وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود} (الْبَقَرَة: 781) .
الْآيَة، ثمَّ روى بِإِسْنَادِهِ عَن أبي صَالح (عَن ابْن عَبَّاس أَن صرمة بن أبي أنس أَتَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَشِيَّة من العشيات، وَقد جهده الصَّوْم، فَقَالَ لَهُ: مَالك يَا أَبَا قيس: أمسيت طليخا ... ؟) الحَدِيث، قَالَ: وَرَوَاهُ جبارَة بن مُوسَى عَن أَبِيه عَن أَشْعَث بن سوار عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان أَن صرمة بن قيس ... فَذكر نَحوه.
انْتهى.
وَكَذَا ذكره أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) : صرمة بن قيس،.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر: صرمة بن أبي أنس قيس بن مَالك بن عدي النجاري، يكنى أَبَا قيس،.

     وَقَالَ  بَعضهم: صرمة بن مَالك، نسبه إِلَى جده، وَهُوَ الَّذِي نزل فِيهِ وَفِي عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: { أحل لكم لَيْلَة الصّيام} (الْبَقَرَة: 781) .
وَفِي (أَسبابُُ النُّزُول) لِلْوَاحِدِيِّ: (عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، جَاءَ إِلَى امْرَأَته فَقَالَت: قد نمت، فَوَقع عَلَيْهَا، وَأمسى صرمة بن قيس صَائِما فَنَامَ قبل أَن يفْطر.
.
) الحَدِيث.
.

     وَقَالَ  أَبُو جَعْفَر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَحْمد بن نصر الدَّاودِيّ وَابْن التِّين: يخْشَى أَن يكون رِوَايَة البُخَارِيّ غير مَحْفُوظَة، إِنَّمَا هُوَ صرمة.
وَأما النَّسَائِيّ فَلَمَّا ذكره فِي (كتاب السّنَن) قَالَ: إِن أَبَا قيس بن عمر فَذكر الحَدِيث،.

     وَقَالَ  السُّهيْلي: حَدِيث صرمة بن أبي أنس قيس بن صرمة الَّذِي أنزل الله تَعَالَى فِيهِ وَفِي عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: { أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم} (الْبَقَرَة: 781) .
إِلَى قَوْله: { وَعَفا عَنْكُم} (الْبَقَرَة: 781) .
فَهَذِهِ فِي عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ثمَّ قَالَ: { وكلوا وَاشْرَبُوا} (الْبَقَرَة: 781) .
إِلَى آخر اللَّيْلَة، فَهَذِهِ فِي صرمة بن أبي أنس، بَدَأَ الله بِقصَّة عمر لفضله.
فَقَالَ: { فَالْآن باشروهن} (الْبَقَرَة: 781) .
ثمَّ بِقصَّة صرمة، فَقَالَ: { وكلوا وَاشْرَبُوا} (الْبَقَرَة: 781) .
وَعند ابْن الْأَثِير، من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش: أخبرنَا أَبُو عرُوبَة عَن قيس بن سعد عَن عَطاء (عَن أبي هُرَيْرَة: نَام ضَمرَة بن أنس الْأنْصَارِيّ وَلم يشْبع من الطَّعَام وَالشرَاب، فَنزلت: { أحل لكم لَيْلَة الصّيام ... } (الْبَقَرَة: 781) .
الْآيَة، قيل: إِنَّه تَصْحِيف، وَلم يتَنَبَّه لَهُ ابْن الْأَثِير، وَالصَّوَاب صرمة بن أبي أنس، وَهُوَ مَشْهُور فِي الصَّحَابَة، يكنى أَبَا قيس.
وَالصَّوَاب فِي ذَلِك من بَين هَذِه الرِّوَايَات مَا ذكره ابْن عبد الْبر، فَمن قَالَ: قيس بن صرمة، قلبه كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الدَّاودِيّ، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، وَكَذَا قَالَ السُّهيْلي وَغَيره: إِنَّه وَقع مقلوبا فِي رِوَايَة حَدِيث الْبابُُ، وَمن قَالَ: صرمة بن مَالك، نسبه إِلَى جده، وَمن قَالَ: صرمة بن أنس حذف أَدَاة الكنية من أَبِيه، وَمن قَالَ: أَبُو قيس ابْن عَمْرو أصَاب فِي كنيته وَأَخْطَأ فِي إسم أَبِيه، وَكَذَا من قَالَ: أَبُو قيس بن صرمة، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يَقُول: أَبُو قيس صرمة فزيد فِيهِ: أَيْن.
فَافْهَم.
فَبِهَذَا يجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات الْمَذْكُورَة، وَالله أعلم.
قَوْله: (أعندكِ؟) بِكَسْر الْكَاف والهمزة للاستفهام.
قَوْله: (قَالَت: لَا) ، أَي: لَيْسَ عِنْد طَعَام، وَلَكِن أَنطلق فأطلب لَك، ظَاهر هَذَا الْكَلَام أَنه لم يَجِيء مَعَه بِشَيْء، لَكِن ذكر فِي مُرْسل السّديّ أَنه أَتَاهَا بِتَمْر، فَقَالَ: استبدلي بِهِ طحينا واجعليه سخينا، فَإِن التَّمْر أحرق جوفي.
وَفِي مُرْسل ابْن أبي ليلى: (فَقَالَ لأَهله: أَطْعمُونِي، فَقَالَت: حَتَّى أجعَل لَك شَيْئا سخينا) ، وَوَصله أَبُو دَاوُد من طَرِيق ابْن أبي ليلى: قَالَ حَدثنَا أَصْحَاب مُحَمَّد فَذكره مُخْتَصرا.
قَوْله: (وَكَانَ يَوْمه) ، بِالنّصب أَي: وَكَانَ قيس بن صرمة فِي يَوْمه يعْمل أَي: فِي أرضه، وَصرح بهَا أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَته، وَفِي مُرْسل السّديّ: (كَانَ يعْمل فِي حيطان الْمَدِينَة بِالْأُجْرَةِ) ، فعلى هَذَا فَقَوله: فِي أرضه إِضَافَة اخْتِصَاص.
قَوْله: (فغلبته عَيناهُ) أَي: نَام، لِأَن غَلَبَة الْعَينَيْنِ عبارَة عَن النّوم، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (عينه) بِالْإِفْرَادِ.
قَوْله: (خيبة لَك) ، مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول مُطلق يجب حذف عَامله، وَقيل: إِذا كَانَ بِدُونِ اللَّام يجب نَصبه، وَإِذا كَانَ مَعَ اللَّام جَازَ نَصبه، والخيبة: الحرمان، يُقَال: خَابَ الرجل إِذا لم ينل مَا طلبه.
قَوْله: (فَلَمَّا انتصف النَّهَار غشي عَلَيْهِ) ، وَفِي رِوَايَة أَحْمد: (فَأصْبح صَائِما، فَلَمَّا انتصف النَّهَار) .
وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (فَلم ينتصف النَّهَار حَتَّى غشي عَلَيْهِ) .
وَفِي رِوَايَة زُهَيْر عَن أبي إِسْحَاق: (فَلم يطعم شَيْئا وَبَات حَتَّى أصبح صَائِما حَتَّى انتصف النَّهَار فَغشيَ عَلَيْهِ) .
وَفِي مُرْسل السّديّ: (فأيقظته فكره أَن يعْصى الله تَعَالَى، وَأبي أَن يَأْكُل) .
وَفِي مُرْسل مُحَمَّد بن يحيى، فَقَالَ: (إِنِّي قد نمت، فَقَالَت لَهُ: لم تنم فَأبى فَأصْبح جائعا مجهودا) .
قَوْله: (فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَزَاد فِي رِوَايَة زَكَرِيَّاء عِنْد أبي الشَّيْخ: (وأتى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، امْرَأَته وَقد نَامَتْ، فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
قَوْله: (فَنزلت هَذِه الْآيَة).

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَينهمَا وَبَين حِكَايَة قيس؟ قلت: لما صَار الرَّفَث حَلَالا فالأكل وَالشرب بِالطَّرِيقِ الأولى، وَحَيْثُ كَانَ حلهما بِالْمَفْهُومِ نزلت بعده: { كلوا وَاشْرَبُوا} (الْبَقَرَة: 781) .
ليعلم بالمنطوق تَصْرِيحًا بتسهيل الْأَمر عَلَيْهِم، ودفعا لجنس الضَّرَر الَّذِي وَقع لقيس وَنَحْوه، أَو المُرَاد بِالْآيَةِ: هِيَ بِتَمَامِهَا إِلَى آخِره، حَتَّى يتَنَاوَل: كلوا وَاشْرَبُوا، فالغرض من ذكر نزلت ثَانِيًا هُوَ بَيَان نزُول لفظ { من الْفجْر} (الْبَقَرَة: 781) .
بعد ذَلِك.
انْتهى.
قلت: اعْتمد السُّهيْلي على الْجَواب الثَّانِي،.

     وَقَالَ : إِن الْآيَة نزلت بِتَمَامِهَا فِي الْأَمريْنِ مَعًا، وَقدم مَا يتَعَلَّق بعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لفضله.
قَوْله: (فَفَرِحُوا بهَا) ، أَي: بِالْآيَةِ وَهِي قَوْله: { أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث} (الْبَقَرَة: 781) .
وَوَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (فَنزلت { أحل لكم لَيْلَة الصّيام} إِلَى قَوْله: { من الْفجْر} (الْبَقَرَة: 781) .
فَهَذَا يبين أَن مَحل قَوْله: (فَفَرِحُوا بهَا) بعد قَوْله: { الْخَيط الْأسود} (الْبَقَرَة: 781) .
وَوَقع ذَلِك صَرِيحًا فِي رِوَايَة زَكَرِيَّاء بن أبي زَائِدَة، وَلَفظ: (فَنزلت { أحل لكم} (الْبَقَرَة: 781) .
إِلَى قَوْله: { من الْفجْر} (الْبَقَرَة: 781) .
ففرح الْمُسلمُونَ بذلك.