فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة خاطئة}


[ قــ :73625 ... غــ :73626 ]
- ( سُورَةُ: { لَمْ يَكُنْ} )

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة: { لم يكن} وَيُقَال لَهَا: سُورَة المنفكين، وَسورَة الْقِيَامَة، وَسورَة الْبَيِّنَة، وَهِي مَدَنِيَّة فِي قَول الْجُمْهُور، وَحكى أَبُو صَالح عَن ابْن عَبَّاس أَنَّهَا مَكِّيَّة، وَهُوَ اخْتِيَار يحيى بن سَلام، وَعَن سُفْيَان: مَا أَدْرِي مَا هِيَ، وَفِي رِوَايَة همام عَن قَتَادَة وَمُحَمّد بن ثَوْر عَن معمر: أَنَّهَا مَكِّيَّة وَفِي رِوَايَة سعيد عَن قَتَادَة أَنَّهَا مَدَنِيَّة، وَهِي ثَلَاثمِائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ حرفا، وَأَرْبع وَتسْعُونَ كلمة، وثمان آيَات.

مُنْفَكِينَ: زَائِلِينَ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين منفكين} ( الْبَيِّنَة: 1) وَفَسرهُ بقوله: ( زائلين) أَي: عَن كفرهم وأصل الفك الْفَتْح، وَمِنْه فك الْكتاب.

القَيِّمَةُ: القَائِمَةُ دِينُ القَيِّمَةِ: أضَافَ الدِّينَ إلَى المُؤَنثِ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَذَلِكَ دين الْقيمَة} ( الْبَيِّنَة: 5) أَي: دين الْملَّة الْقَائِمَة المستقيمة فالدين مُضَاف إِلَى مؤنث وَهِي الْملَّة وَالْقيمَة صفته فَحذف الْمَوْصُوف.





[ قــ :4694 ... غــ :4959 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حَدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أنَسٍ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبِيِّ بنِ كَعْبٍ إنَّ الله أمَرَنِي أنْ أقْرأ عَلَيْكَ: { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} قَالَ وَسَمَّانِي قَالَ نَعَمْ فَبَكَى.

مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ السُّورَة ظَاهِرَة، وغندر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون: لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَقد تكَرر ذكره والْحَدِيث مضى فِي: بابُُ مَنَاقِب أبي بن كَعْب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن.
قَوْله: ( لأبي) هُوَ أبي بن كَعْب، وَفِي بعض النّسخ لأبي بن كَعْب مَذْكُور بِأَبِيهِ قَوْله: وسماني إِنَّمَا استفسر لِأَنَّهُ جوز بِالِاحْتِمَالِ أَن يكون الله أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقْرَأ على رجل من أمته وَلم ينص عَلَيْهِ فَأَرَادَ تَحْقِيقه، وَأما بكاؤه فَلِأَنَّهُ استحقر نَفسه وتعجب وخشي وَهَذَا لِأَن شَأْن الصَّالِحين إِذا فرحوا بِشَيْء خلطوه بالخشية.





[ قــ :4694 ... غــ :4960 ]
- حدَّثنا حَسَّانُ بنُ حَسَّانَ حدَّثنا هَمامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أنَسٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبِيٍّ إنَّ الله أمَرَنِي أنْ أقْرَأ عَلَيْكَ القُرْآنَ قَالَ أُبَيٌّ الله سَمَّانِي لَكَ قَالَ الله سَمَّاكَ لِي فَجَعَلَ أُنِيُّ يَبْكِي قَالَ قَتَادَةُ فَانْبِئْتُ أنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ: { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أهْلِ الكِتابِ}
.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس أخرجه عَن حسان على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ ابْن حسان أبي على الْبَصْرِيّ، سكن مَكَّة من أَفْرَاد البُخَارِيّ، يروي عَن همام بن يحيى عَن قَتَادَة عَن أنس بن مَالك.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة وَفِي الْفَضَائِل عَن هَدِيَّة بن خَالِد، وَهنا قَالَ: إِن الله أَمرنِي أَن أَقرَأ عَلَيْك الْقُرْآن وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة أَن الله أَمرنِي أَن أَقرَأ عَلَيْك { لم يكن الَّذين كفرُوا} ( الْبَيِّنَة: 1) وَهنا قَالَ أَيْضا فانبئت أَنه قَرَأَ عَلَيْهِ { لم يكن الَّذين كفرُوا} وَهَذَا يدل على أَن قَتَادَة لم يحمل نسمية السُّورَة عَن أنس، وَفِي حَدِيث سعيد بن أبي عرُوبَة الْآتِي لم يبين شَيْئا من ذَلِك، وَهَذِه الطّرق الثَّلَاثَة كلهَا عَن قَتَادَة، وَيُمكن أَن يُقَال: إِن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله أَمرنِي أَن أَقرَأ عَلَيْك الْقُرْآن، مُطلق يتَنَاوَل { لم يكن الَّذين كفرُوا} وَغَيرهَا.
وَقَول قَتَادَة: فأنبئت إِلَى آخِره يدل ظَاهرا أَنه بلغه من غير أنس أَن الَّذِي أمره أَن يقْرَأ على أبي هُوَ: { لم يكن الَّذين كفرُوا} ثمَّ إِنَّه كَانَ عاود أنس بن مَالك فَأخْبرهُ بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره الله تَعَالَى أَن يقْرَأ على أبي: { لم يكن الَّذين كفرُوا} فَحمل حِينَئِذٍ عَن أنس مَا بلغه من غَيره،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: هُنَا قَالَ: أقريك الْقُرْآن، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى حَدِيث سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة الْآتِي عقيب الحَدِيث الْمَذْكُور، وَفِي الحَدِيث السَّابِق: أَقرَأ عَلَيْك الْقُرْآن.
قلت: الْقِرَاءَة عَلَيْهِ نوع من أقرائه وَبِالْعَكْسِ، قَالَ فِي ( الصِّحَاح) فلَان قَرَأَ عَلَيْك السَّلَام وأقرأك السَّلَام بِمَعْنى، وَقد يُقَال أَيْضا: كَانَ فِي قِرَاءَته قُصُور فَأمر الله تَعَالَى رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن يقرئه على التجويد وَيقْرَأ عَلَيْهِ ليتعلم مِنْهُ حسن الْقِرَاءَة وجودتها، وَلَو صَحَّ هَذَا القَوْل كَانَ اجْتِمَاع الْأَمريْنِ الْقِرَاءَة عَلَيْهِ والإقراء ظَاهرا.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ، رَحمَه الله: وَاخْتلفُوا فِي الْحِكْمَة فِي قِرَاءَته عَلَيْهِ، وَالْمُخْتَار أَن سَببهَا أَن تستن الْأمة بذلك فِي الْقِرَاءَة على أهل الْفضل، لَا يأنف أحد من ذَلِك، وَقيل: للتّنْبِيه على حَلَاله، أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وأهليته لأخذ الْقُرْآن عَنهُ، وَكَانَ بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأْسا وإماما فِي الْقُرْآن، وَلَا يعلم أحد من النَّاس شَاركهُ فِيهِ، وَيذكر الله لَهُ فِي هَذِه الْمنزلَة الرفيعة، وَأما وَجه تَخْصِيص هَذِه السُّورَة فَلَمَّا فِيهَا من ذكر المعاش من بَيَان أَحْوَال الدّين من التَّوْحِيد والرسالة، وَمَا ثَبت بِهِ الرسَالَة من المعجزة الَّتِي هِيَ الْقُرْآن وفروعه من الْعِبَادَة وَالْإِخْلَاص، وَذكر معادهم من الْجنَّة وَالنَّار، وتقسيمهم إِلَى السُّعَدَاء والأشقياء، وَخير الْبَريَّة وشرهم وأحوالهم قبل الْبعْثَة وَبعدهَا مَعَ وجازة السُّورَة فَإِنَّهَا من قصار الْمفصل.





[ قــ :4696 ... غــ :4961 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ بنُ أبِي دَاوُدَ أبُو جَعْفَرٍ المُنَادِي حدَّثنا رَوْحٌ حدَّثَنا سَعِيدُ بنُ أبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتادَةَ عَنْ أنَسٍ بنِ مَالِكٍ أنَّ نبيَّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ إنَّ الله أمَرَنِي أنْ أقْرِئَكَ القُرْآنَ قَالَ الله سَمَّانِي لَكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَقَدْ ذُكِرْتُ عِنْدَ رَبِّ العَالَمِينَ قَالَ نَعَمْ فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ.

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن أَحْمد بن أبي دَاوُد أبي جَعْفَر الْمُنَادِي، هَكَذَا وَقع عِنْد الفريري عَن البُخَارِيّ، وَوَقع عِنْد النَّسَفِيّ حَدثنَا أَبُو جَعْفَر الْمُنَادِي حسب، فَكَانَت تَسْمِيَته من قبل الفريري،.

     وَقَالَ  ابْن مَنْدَه: الْمَشْهُور عِنْد البغاددة أَنه مُحَمَّد بن عبيد الله بن أبي دَاوُد،.

     وَقَالَ  بَعضهم: أَحْمد وهم من البُخَارِيّ، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أعرف باسم شَيْخه من غَيره فَلَيْسَ وهما وَلَيْسَ فِي البُخَارِيّ لأبي جَعْفَر حَدِيث سوى هَذَا الحَدِيث، وَقد عَاشَ بعد البُخَارِيّ سِتَّة عشر عَاما لِأَنَّهُ عمر وعاش مائَة سنة وَسنة وأشهرا.
.

     وَقَالَ  ابْن طَاهِر: روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي تَفْسِير ( لم يكن) حَدِيثا وَاحِدًا.
قَالَ: وَأهل بَغْدَاد يعرفونه بِمُحَمد، وَهَذَا الحَدِيث مَشْهُور من رِوَايَة مُحَمَّد بن عبيد الله بن أبي دَاوُد أبي جَعْفَر الْمُنَادِي وَلما ذكره الْخَطِيب من رِوَايَة مُحَمَّد بن عبيد الله هَذَا فِي ( تَارِيخه) قَالَ: رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن ابْن الْمُنَادِي إلاَّ أَنه سَمَّاهُ أَحْمد وَسمعت هبة الله الطَّبَرِيّ يَقُول: قيل: إِنَّه اشْتبهَ على البُخَارِيّ فَجعل مُحَمَّدًا أَحْمد، وَقيل: كَانَ لمُحَمد أَخ بِمصْر اسْمه أَحْمد، وَهُوَ عندنَا بَاطِل لَيْسَ لأبي جَعْفَر أَخ فِيمَا نعلم، أَو لَعَلَّ البُخَارِيّ كَانَ يرى أَن مُحَمَّدًا أَو أَحْمد شَيْء وَاحِد.
انْتهى.
قلت: هَذَا لَا يَصح، لِأَن البُخَارِيّ أجلّ من أَن لَا يفرق بَين مُحَمَّد وَأحمد، وَهُوَ الرَّأْس فِي تَمْيِيز أَسمَاء الرِّجَال وأحوالهم.
<