فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب جلود الميتة

( بابُُُ: { جُلُودِ المَيْتَةِ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم جُلُود الْميتَة قبل أَن تدبغ.



[ قــ :5235 ... غــ :5531 ]
- حدَّثنا زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا أبِي عَنْ صَالِحٍ قَالَ: حدَّثني ابنُ شِهابٍ أنَّ عُبَيْدَ الله بنَ عَبْدِ الله أخْبَرَهُ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عَبَّاسٍ، رَضِيَ الله عَنْهُما، أخْبَرَهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَرَّ بِشاةٍ مَيِّتَةٍ، فَقَالَ: هَلاَّ اسْتَمْتَعْتُمْ بِإهابِها؟ قَالُوا: إنَّها مَيِّتَةٌ.
قَالَ: إنَّما حُرِّمَ أكْلُها.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ.
وَهُوَ أَيْضا يبين حكم التَّرْجَمَة.

وَزُهَيْر مصغر زهر.
بالزاي وَالرَّاء ابْن حَرْب ضد الصُّلْح وَيَعْقُوب ابْن إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن مُضِيّ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعبيد الله بِضَم الْعين بن عبد الله بِفَتْح الْعين ابْن عتبَة بن مَسْعُود أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة.

والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة فِي: بابُُ الصَّدَقَة على موَالِي أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سعيد بن عفير، وَمضى فِي الْبيُوع أَيْضا.

قَوْله: ( ميتَة) التَّخْفِيف والتثقيل فِيهِ سَوَاء على قَول أَكثر أهل اللُّغَة، وَقيل بِالتَّخْفِيفِ لما مَاتَ، وبالتشديد لما لم يمت بعد، وَعند حذاق أهل الْبَصْرَة والكوفيين هما وَاحِد.
قَوْله: ( بإهابها) الإهاب بِكَسْر الْهمزَة وَتَخْفِيف الْهَاء اسْم لجلد لم يدبغ.
وَقيل: هُوَ اسْم لجلد دبغ، وَيجمع على أهب، بِفتْحَتَيْنِ وَيجوز بِضَمَّتَيْنِ أَيْضا على الأَصْل، وَالْأول على غير الْقيَاس.
قَوْله: ( حرم) بِالتَّشْدِيدِ على صِيغَة الْمَجْهُول، ويروى بِالتَّخْفِيفِ بِفَتْح الْحَاء وَضم الرَّاء.

وَبِهَذَا الحَدِيث احْتج جُمْهُور الْفُقَهَاء وأئمة الْفَتْوَى على جَوَاز الِانْتِفَاع بجلد الْميتَة بعد الدّباغ، وَذكر ابْن الْقصار أَنه آخر قَول مَالك، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَرُوِيَ عَن ابْن شهَاب أَنه أَبَاحَ الِانْتِفَاع بهَا قبل الدّباغ مَعَ كَونهَا نَجِسَة وَأما أَحْمد فَذهب إِلَى تَحْرِيم الْجلد وَتَحْرِيم الِانْتِفَاع بِهِ قبل الدّباغ وَبعده وَاحْتج بِحَدِيث عبد الله بن عكيم قَالَ: أَتَانَا كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قبل مَوته: أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب وَلَا عصب، أخرجه الشَّافِعِي وَأحمد وَالْأَرْبَعَة وَصَححهُ ابْن حبَان وَحسنه التِّرْمِذِيّ، وَفِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي دَاوُد قبل مَوته بِشَهْر،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: كَانَ أَحْمد يذهب إِلَيْهِ، وَيَقُول هَذَا آخر الْأَمر ثمَّ تَركه لما اضْطر بوافي إِسْنَاده، وَكَذَا قَالَ الْجلَال نَحوه، ورد ابْن حبَان على من ادّعى فِيهِ الِاضْطِرَاب.
.

     وَقَالَ : سمع ابْن عكيم الْكتاب يقْرَأ وسَمعه من مَشَايِخ جُهَيْنَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا اضْطِرَاب، وَأعله بَعضهم بالانقطاع وَهُوَ مَرْدُود، وَبَعْضهمْ بِكَوْنِهِ كتابا وَلَيْسَ بعلة قادحة وَبَعْضهمْ بِأَن ابْن أبي ليلى راوية عَن ابْن عكيم لم يسمعهُ مِنْهُ.
لما وَقع عِنْد أبي دَاوُد عَنهُ أَنه انْطلق وأناس مَعَه إِلَى عبد الله بن عكيم قَالَ: فَدَخَلُوا وَقَعَدت على الْبابُُ، فَخَرجُوا إِلَيّ فَأَخْبرُونِي، فَهَذَا يَقْتَضِي أَن فِي السَّنَد من لم يسم وَلَكِن صَحَّ بتصريح عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى بِسَمَاعِهِ من ابْن عكيم فَلَا أثر لهَذِهِ الْعلَّة أَيْضا.
وَالْجَوَاب الصَّحِيح عَنهُ أَن حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور من الصِّحَاح، وَإنَّهُ سَماع، وَحَدِيث ابْن عكيم كِتَابَة فَلَا يُقَاوم ذَلِك لما فِي الْكِتَابَة من شُبْهَة الِانْقِطَاع.
قلت: وَذكر فِيهِ أَيْضا من الْعِلَل الِاخْتِلَاف فِي صُحْبَة ابْن عكيم، فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره: لَا صُحْبَة لَهُ فَهُوَ مُرْسل.
فَإِن قلت: روى الطَّبَرِيّ فِي ( تَهْذِيب الْآثَار) من حَدِيث جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا تنتفعوا من الميتتة بِشَيْء وروى أَيْضا من حَدِيث ابْن عمر قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينْتَفع من الْميتَة بإهاب وروى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نهى عَن جُلُود السبَاع أَن تفترش.
قلت: فِي رُوَاة حَدِيث جَابر زَمعَة وَهُوَ مِمَّن لَا يعْتَمد على نَقله وَفِي عَامَّة إِسْنَاد حَدِيث ابْن عمر مَجَاهِيل لَا يعْرفُونَ.
وَأما النَّهْي عَن جُلُود السبَاع فقد قيل: إِنَّهَا كَانَت تسْتَعْمل قبل الدّباغ.





[ قــ :536 ... غــ :553 ]
- حدَّثنا خَطَّابُ بنُ عُثْمانَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ جُبَيْرٍ عَنْ ثَابِتِ بنِ عَجْلانَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بنَ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ، رَضِيَ الله عَنْهُما يَقُولُ: مَرَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَعَنْزٍ مَيِّتَةٍ.
فَقَالَ: مَا عَلَى أهْلِها لَوْ انُتَفَعُوا بِإهابِها.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وخطاب، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الطَّاء الْمُهْملَة وبالباء الْمُوَحدَة الفوزي، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْوَاو وبالزاي: نِسْبَة إِلَى فوز قَرْيَة من قرى حمص، وَمُحَمّد بن حمير، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء،.

     وَقَالَ  الغساني: وَفِي بعض النّسخ حمير بِضَم الْحَاء وَفتح الْمِيم وَهُوَ تَصْحِيف.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَأَخْطَأ من قَالَ بِالتَّصْغِيرِ، أَخذه من الغساني وأظهره فِي صُورَة يظنّ الْوَاقِف عَلَيْهِ أَنه من كَلَامه، وثابت بالثاء الْمُثَلَّثَة ضد الزَّائِد ابْن عجلَان أَبُو عبد الله الْأنْصَارِيّ التَّابِعِيّ.

وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة كلهم شَامِيُّونَ حمصيون مَا لَهُم فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، إلاَّ مُحَمَّد بن حمير فَلهُ حَدِيث آخر سبق فِي الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة فَإِن قلت: هَؤُلَاءِ مُتَكَلم فيهم، فَكيف وَضعه البُخَارِيّ فِي ( صَحِيحه) أما خطاب فقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رُبمَا أَخطَأ وَأما مُحَمَّد بن حمير فَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم لَا يحْتَج بِهِ وَأما ثَابت فَقَالَ أَحْمد أَنا أتوقف فِيهِ.
.

     وَقَالَ  الْعقيلِيّ: لَا يُتَابع فِي حَدِيثه؟ قلت: قَالَ بَعضهم: إنّ هَؤُلَاءِ من المتابعات لَا من الْأُصُول وَالْأَصْل فِيهِ الَّذِي قبله انْتهى.
وَهَذَا غير كَاف للرَّدّ وَلَكِن نقُول: أما خطاب فَإِنَّهُ كَانَ يعد من الأبدال، وَذكره ابْن حبَان فِي ( الثِّقَات) وَوَثَّقَهُ أَيْضا الدَّارَقُطْنِيّ مَعَ قَوْله: رُبمَا أَخطَأ.
وَأما مُحَمَّد بن حمير، فَعَن يحيى ودحيم ثِقَة وَعَن النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس وروى لَهُ.
وَأما ثَابت فقد قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: صَالح الحَدِيث، وَلما ذكره الْعقيلِيّ فِي ( الضُّعَفَاء) أنكر عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الذَّبَائِح عَن سَلمَة بن أَحْمد بن عُثْمَان الفوزي عَن جده لأمه خطاب بن عُثْمَان بِهِ.

قَوْله: ( بعنز) ، بِفَتْح الْعين وَسُكُون النُّون وبالزاي، أَي قَالَ بَعضهم: هِيَ وَاحِدَة الْمعز، وَكَذَا قَالَ صَاحب ( التَّوْضِيح) هِيَ وَاحِدَة الْمعز.
قلت: هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح، وَالصَّحِيح مَا قَالَه الْجَوْهَرِي: العنز الماعزة وَهِي الْأُنْثَى من الْمعز، وَكَذَلِكَ العنز من الظباء والأوغال.
قَوْله: ( فَقَالَ مَا على أَهلهَا) أَي: لَيْسَ على أَهلهَا حرج.