فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم

( بابُُ الاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رسولِ الله)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان وجوب الِاقْتِدَاء بسنن رَسُول الله وسننه أَقْوَاله وأفعاله، وَأمر الله عز وَجل عباده بِاتِّبَاع نبيه والاقتداء بسننه فَقَالَ: { مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِى مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَئَامِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} ، { وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} .

     وَقَالَ : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الأُمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالاَْغْلَالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَءَامَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِى أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الْآيَة، وتوعد من خَالف سَبيله وَرغب عَن سنته فَقَالَ: { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الْآيَة.

وقَوْلِ الله تَعَالَى: { واجعلنا لِلْمُتقين إِمَامًا} قَالَ: أئِمَّةَ نَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَنا ويَقْتَدِي بِنا مَنْ بَعْدَنا.

وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على الِاقْتِدَاء.
قَوْله: أَئِمَّة، لم يعلم الْقَائِل من هُوَ وَلَكِن ذكر فِي التَّفْسِير قَالَ مُجَاهِد أَي: اجْعَلْنَا مِمَّن نقتدي بِمن قبلنَا حَتَّى يَقْتَدِي بِنَا من بَعدنَا.
قَوْله: أَئِمَّة يَعْنِي، اسْتعْمل الإِمَام هَذَا بِمَعْنى الْجمع بِدَلِيل: اجْعَلْنَا،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الإِمَام هُوَ المقتدى بِهِ فَمن أَيْن اسْتَفَادَ المأمومية حَتَّى ذكر الْمُقدمَة الأولى أَيْضا؟ قلت: هِيَ لَازِمَة إِذْ لَا يكون متبوعاً إلاَّ إِذا كَانَ تَابعا لَهُم أَي: مَا لم يتبع الْأَنْبِيَاء لَا تتبعه الْأَوْلِيَاء، وَلِهَذَا لم يذكر الْوَاو بَين المقدمتين.
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: ثَلاَثٌ أحِبُّهُنَّ لِنَفْسِي ولإخْوَاني: هَذِهِ السُّنَّة أنْ يَتَعلّمُوها ويَسْألُوا عَنْها، والقُرْآنُ أنْ يَتَفَهَّمُوهُ ويَسألُوا عَنْهُ، ويَدَعُوا النَّاسَ إلاّ مِنْ خَيْرٍ.

أَي:.

     وَقَالَ  عبد الله بن عَوْف الْبَصْرِيّ من صغَار التَّابِعين، وَوصل تَعْلِيقه هَذَا مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي فِي كتاب السّنة والجوزقي من طَرِيقه، قَالَ مُحَمَّد بن نصر: حَدثنَا يحيى بن يحيى حَدثنَا سليم بن أحضر سَمِعت ابْن عَوْف يَقُول غير مرّة وَلَا مرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاث: ثَلَاث أحبهنَّ لنَفْسي ... الخ.
قَوْله: ولإخواني، وَفِي رِوَايَة حَمَّاد ولأصحابي.
قَوْله: هَذِه السّنة، أَشَارَ إِلَى طَريقَة النَّبِي إِشَارَة نوعية لَا شخصية.
.

     وَقَالَ  فِي الْقُرْآن: يتفهموه، وَفِي السّنة: يتعلموها، لِأَن الْغَالِب على حَال الْمُسلم أَن يتَعَلَّم الْقُرْآن فِي أول أمره فَلَا يحْتَاج إِلَى الْوَصِيَّة بتعلمه، فَلهَذَا أوصى بفهم مَعْنَاهُ وَإِدْرَاك منطوقه وفحواه.
قَوْله: أَن يتفهموه، وَفِي رِوَايَة يحيى: فيتدبروه، قَوْله: ويدعوا النَّاس، بِفَتْح الدَّال أَي: يتْركُوا النَّاس، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني بِسُكُون الدَّال من الدُّعَاء، وَفِي رِوَايَته ويدعوا النَّاس إِلَى خير، قَالَ الْكرْمَانِي: فِي قَوْله: ويدعوا النَّاس أَي يتْركُوا النَّاس، أَي: لَا يتَعَرَّضُوا لَهُم، رحم الله امْرَءًا شغله خويصة نَفسه عَن الْغَيْر، نعم إِن قدر على إِيصَال خير فبها ونعمت، وَإِلَّا تركُ الشَّرّ أَيْضا خير.



[ قــ :6885 ... غــ :7275 ]
- حدّثنا عَمْرُو بنُ عبَّاس، حدّثنا عبْدُ الرَّحْمان، حدَّثنا سُفْيانُ، عنْ واصِلٍ، عنْ أبي وائِلٍ قَالَ: جَلَستُ إِلَى شَيْبَةَ فِي هاذَا المَسْجِدِ، قَالَ: جَلَسَ إليَّ عُمَرُ فِي مَجْلسِكَ هاذَا فَقَالَ: لَقدْ هَمَمْتُ أنْ لَا أدَعَ فِيها صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ، إلاَّ قَسَمْتُها بَيْنَ المُسْلِمِينَ.
قُلْتُ: مَا أنْت بِفاعِلٍ.
قَالَ: لِمَ؟ قُلْتُ: لَمْ يَفْعَلْهُ صاحِباكَ.
قَالَ: هُما المَرْآنِ يُقْتَدَى بِهما.

انْظُر الحَدِيث 1594
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: هما المرآن يقْتَدى بهما أَي بِالنَّبِيِّ وبأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، والاقتداء بِالنَّبِيِّ اقْتِدَاء بسنته.

وَعَمْرو بِفَتْح الْعين ابْن عَبَّاس بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْأَهْوَازِي، وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وواصل هُوَ ابْن حَيَّان بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون، وَأَبُو وَائِل بِالْهَمْزَةِ بعد الْألف شَقِيق بن سَلمَة.

قَوْله: إِلَى شيبَة بِفَتْح الشين وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة هُوَ ابْن عُثْمَان الحَجبي الْعَبدَرِي أسلم بعد الْفَتْح وَبَقِي إِلَى زمَان يزِيد بن مُعَاوِيَة وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ وَلَا فِي مُسلم إلاَّ هَذَا الحَدِيث.
قَوْله: فِي هَذَا الْمَسْجِد أَي: الْمَسْجِد الْحَرَام.
قَوْله: لقد هَمَمْت أَي: قصدت أَن لَا أدع أَي: أَن لَا أترك فِيهَا، أَي: فِي الْكَعْبَة صفراء أَي: ذَهَبا، وَلَا بَيْضَاء أَي: فضَّة.
قَوْله: قلت: الْقَائِل هُوَ شيبَة.
قَوْله: مَا أَنْت بفاعل أَي: مَا أَنْت تفعل ذَلِك.
قَوْله: قَالَ: لم؟ أَي: قَالَ عمر: لم لَا أفعل؟ قَوْله: لم يَفْعَله صاحباك أَرَادَ بهما النَّبِي، وَأَبا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَجَوَاب: لَو، مَحْذُوف أَي: لفَعَلت، ولكنهما مَا فعلاه.
فَقَالَ عمر: هما المرآن يقْتَدى بهما.

     وَقَالَ  ابْن بطال: أَرَادَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قسْمَة المَال فِي مصَالح الْمُسلمين.
فَلَمَّا ذكر شيبَة أَن النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، وَأَبا بكر بعده لم يتعرضا لَهُ لم يَسعهُ خلافهما، وَرَأى أَن الِاقْتِدَاء بهما وَاجِب، فَرُبمَا يهدم الْبَيْت أَو يحْتَاج إِلَى ترميمه فَيصْرف ذَلِك المَال فِيهِ، وَلَو صرف فِي مَنَافِع الْمُسلمين لَكَانَ كَأَنَّهُ قد خرج عَن وَجهه الَّذِي عين فِيهِ.





[ قــ :6886 ... غــ :776 ]
- حدّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله، حدّثنا سُفْيانُ قَالَ: سألْتُ الأعْمَشَ فَقَالَ: عنْ زَيْدِ بنِ وهْبٍ سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: حدّثنا رسولُ الله أنَّ الأمانَةَ نَزَلَتْ من السَّماءِ فِي جَذْر قُلوبِ الرِّجالِ، ونَزَلَ القُرْآنَ فَقَرأُوا القُرْآنَ وعَلِمُوا مِنَ السُّنَةِ
انْظُر الحَدِيث 6497 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث، وَهُوَ ظَاهر.

وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالْأَعْمَش سلميان، وَزيد بن وهب الْهَمدَانِي الْجُهَنِيّ الْكُوفِي من قضاعة خرج إِلَى النَّبِي، فَقبض النَّبِي وَهُوَ فِي الطَّرِيق، سمع جمَاعَة من الصَّحَابَة.

والْحَدِيث مضى مطولا فِي الرقَاق وَفِي الْفِتَن عَن مُحَمَّد بن كثير عَن الثَّوْريّ.

قَوْله: الْأَمَانَة قيل: المُرَاد بهَا الْإِيمَان وشرائعه.
قَوْله: جذر بِفَتْح الْجِيم وَإِسْكَان الذَّال الْمُعْجَمَة الأَصْل، وَالرِّجَال الْمُؤْمِنُونَ.
قَوْله: وَنزل الْقُرْآن يَعْنِي: كَانَ فِي طباعهم الْأَمَانَة بِحَسب الْفطْرَة الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا، ووردت الشَّرِيعَة بذلك فَاجْتمع الطَّبْع وَالشَّرْع فِي حفظهَا.





[ قــ :6887 ... غــ :777 ]
- حدّثنا آدَمُ بنُ أبي إياسٍ، حدّثنا شُعْبَةُ، أخبرنَا عَمْرُو بنُ مُرَّةَ سَمِعْتُ مُرَّةَ الهَمْدانِيَّ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ الله: إنَّ أحْسَنَ الحَدِيثِ كِتابُ الله، وأحْسَنَ الهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ وشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثاتها، { إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لأَتٍ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ}
انْظُر الحَدِيث 6098
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَأحسن الْهَدْي هدي مُحَمَّد، لِأَن الْهَدْي هُوَ السمت والطريقة، وَهِي من سنَن النَّبِي،
وَعَمْرو بن مرّة الْجملِي بِفَتْح الْجِيم وَتَخْفِيف الْمِيم، وَمرَّة شَيْخه ابْن شرَاحِيل، وَيُقَال لَهُ: مرّة الطّيب بِالتَّشْدِيدِ، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْأَدَب.

قَوْله: وَأحسن الْهَدْي بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الدَّال، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِضَم الْهَاء وَفتح الدَّال مَقْصُورا وَهُوَ ضد الضلال.
قَوْله: وَشر الْأُمُور إِلَى آخِره، زِيَادَة على الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة فِي الْأَدَب، وَالْبُخَارِيّ اخْتَصَرَهُ هُنَاكَ.
وَظَاهر سِيَاق هَذَا الحَدِيث أَنه مَوْقُوف لَكِن الْقدر الَّذِي لَهُ حكم الرّفْع مِنْهُ: وَأحسن الْهَدْي هدي مُحَمَّد، فَإِن فِيهِ إِخْبَارًا عَن صفة من صِفَاته وَهُوَ أحد أَقسَام الْمَرْفُوع على مَا قَالُوهُ، وَلَكِن جَاءَ هَذَا عَن ابْن مَسْعُود مُصَرحًا فِيهِ بِالرَّفْع من وَجه آخر أخرجه أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، لَكِن لَيْسَ هُوَ على شَرط البُخَارِيّ.
قَوْله: محدثاتها جمع محدثة وَالْمرَاد بِهِ مَا أحدث وَلَيْسَ لَهُ أصل فِي الشَّرْع، وَسمي فِي عرف الشَّرْع بِدعَة، وَمَا كَانَ لَهُ أصل يدل عَلَيْهِ الشَّرْع فَلَيْسَ ببدعة.
قَوْله: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُم وَلاَ تُسْئَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} إِلَى آخِره، من كَلَام ابْن مَسْعُود أَخذه من الْقُرْآن للموعظة الَّتِي تناسب الْحَال.





[ قــ :6888 ... غــ :778 ]
- حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا سُفْيانُ، حَدثنَا الزُّهْرِيُّ، عنْ عُبَيْدِ الله، عنْ أبي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بنِ خالدٍ قَالَ: كُنّا عِنْدَ النَّبيِّ فَقَالَ: لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتابِ الله
اما
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن قَوْله، بِكِتَاب الله أَن السّنة يُطلق عَلَيْهَا كتاب الله لِأَنَّهَا بوحيه، فَإِذا كَانَ المُرَاد هُوَ السّنة يدْخل فِي التَّرْجَمَة.

وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، وَعبيد الله هُوَ ابْن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود، وَهَذَا قِطْعَة من حَدِيث العسيف وَالَّذِي اسْتَأْجرهُ، وَقد مر بِتَمَامِهِ غير مرّة.
قَوْله: بَيْنكُمَا الْخطاب لوالد العسيف، وَالَّذِي اسْتَأْجرهُ وَلَيْسَ خطابا لأبي هُرَيْرَة وَزيد بن خَالِد، لِأَنَّهُ قد يتَوَهَّم ذَلِك ظَاهرا.





[ قــ :6889 ... غــ :780 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ سِنانٍ، حَدثنَا فُلَيْحٌ، حَدثنَا هِلاَلُ بنُ عَلِيَ، عنْ عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله قَالَ: كُلُّ أُمَّتي يَدْخُلُونَ الجَنّةَ، إلاّ مَنْ أبَى قَالُوا: يَا رسُول الله ومَنْ يأْبى؟ قَالَ: مَنْ أطاعَني دَخَلَ الجنةَ، ومَنْ عَصانِي فَقَدْ أَبى.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: من أَطَاعَنِي لِأَن من أطاعه يعْمل بسنته.

وفليح بِضَم الْفَاء وَفتح اللَّام وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة ابْن سُلَيْمَان الْمدنِي، وهلال بن عَليّ هُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ ابْن أبي مَيْمُونَة، وهلال ابْن هِلَال، وهلال بن أُسَامَة الْمدنِي، وَعَطَاء بن يسَار ضد الْيَمين.

والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: إِلَّا من أَبى أَي: امْتنع عَن قبُول الدعْوَة أَو عَن امْتِثَال الْأَمر، فَإِن قلت: العَاصِي يدْخل الْجنَّة أَيْضا، إِذْ لَا يبْقى مخلداً فِي النَّار؟ قلت: يَعْنِي لَا يدْخل فِي أول الْحَال، أَو المُرَاد بالإباء الِامْتِنَاع عَن الْإِسْلَام.





[ قــ :6890 ... غــ :781 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبادَةَ، أخبرنَا يَزِيدُ، حدّثنا سَلِيمُ بنُ حَيَّانَ، وأثْناى عَلَيْهِ، حدّثنا سَعيدُ بنُ مِيناءَ، حدّثنا أوْ سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: جاءَتْ مَلائِكَةٌ إِلَى النبيِّ وهْوَ نائِمٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ نائِمٌ.
.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ: إنَّ العَيْنَ نائِمَةٌ والقَلْبَ يَقْظانُ.
فقالُوا: إنَّ لِصاحِبِكُمْ هاذا مَثَلاً، فاضْرِبُوا لهُ مَثَلاً، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ نائِمٌ.
.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ: إنَّ العَيْنَ نائِمَةٌ والقَلْبَ يَقْظانُ.
فقالُوا: مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارا، وجَعَلَ فِيها مأْدُبَةً وبَعَثَ داعِياً، فَمَنْ أجابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وأكلَ مِنَ المْأْدُبَةِ، ومَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ.
ولَم يأْكُلْ مِنَ المْأْدُبَةِ.
فقالُوا: أوِّلُوها لهُ يَفْقَهْها، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنهُ نائِمٌ،.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ: إنَّ العَيْنَ نائِمةٌ والقَلْبَ يَقْظانُ، فقالُوا: فالدَّارُ الجَنَّةُ والدَّاعِي مُحَمَّدٌ فَمَنْ أطاعَ مُحَمَّداً فَقَدْ أطاعَ الله، ومَنْ عَصى مُحَمَّداً فَقَدْ عَصاى الله، ومُحَمَّدٌ فَرَّقَ بَيْنَ النَّاسِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فَمن أطَاع مُحَمَّدًا فقد أطَاع الله لِأَن من أطاعه يعْمل بسنته.

وَمُحَمّد بن عبَادَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وبالدال الْمُهْملَة الوَاسِطِيّ، وَمَا لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث وَآخر مضى فِي كتاب الْأَدَب، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن هَارُون، وسليم بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة على وزن كريم ابْن حَيَّان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف.
قَوْله: وَأثْنى عَلَيْهِ أَي: على سليم بن حَيَّان، الْقَائِل بِهَذَا هُوَ مُحَمَّد شيخ البُخَارِيّ، وفاعل: أثنى، هُوَ يزِيد.
قَوْله: قَالَ حَدثنَا أَو سَمِعت الْقَائِل ذَاك سعيد بن ميناء والشاك هُوَ سليم بن حَيَّان شكّ فِي أَي الصيغتين قَالَهَا شَيْخه سعيد، وَيجوز فِي جَابر النصب وَالرَّفْع، أما النصب فعلى تَقْدِير: سَمِعت جَابِرا، وَأما الرّفْع فعلى تَقْدِير: حَدثنَا جَابر.

قَوْله: جَاءَت مَلَائِكَة لم يدر أساميهم، وَجَاء فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ على مَا نذكرهُ عَن قريب أَن الَّذين حَضَرُوا فِي هَذِه الْقِصَّة: جِبْرِيل وَمِيكَائِيل، عَلَيْهِمَا السَّلَام، وَلَفظه: خرج علينا النَّبِي يَوْمًا فَقَالَ، إِنِّي رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن جِبْرِيل عِنْد رَأْسِي وَمِيكَائِيل عِنْد رجْلي.
قَوْله: إِن لصاحبكم أَي: لسيدنا مُحَمَّد قَوْله: فاضربوا لَهُ مثلا وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَر قَالَ: فاضربوا لَهُ، وَسقط لفظ: قَالَ فِي رِوَايَة أبي ذَر.
قَوْله: مثله بِفَتْح الْمِيم والمثلثة أَي: صفته، وَيُمكن أَن يُرَاد بِهِ مَا عَلَيْهِ أهل الْبَيَان وَهُوَ مَا نَشأ من الاستعارات التمثيلية.
قَوْله: مأدبة بِسُكُون الْهمزَة وَضم الدَّال بعْدهَا بَاء مُوَحدَة وَحكى الْفَتْح فِي الدَّال،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: عَن أبي عبد الْملك الضَّم وَالْفَتْح لُغَتَانِ فصيحتان،.

     وَقَالَ  أَبُو مُوسَى الحامض: من قَالَ بِالضَّمِّ أَرَادَ الْوَلِيمَة، وَمن قَالَ بِالْفَتْح أَرَادَ بِهِ أدب الله الَّذِي أدب بِهِ عباده، وَيتَعَيَّن الضَّم هُنَا.
قَوْله: أولوها أَي: فسروها واكشفوها كَمَا هُوَ تَعْبِير الرُّؤْيَا حَتَّى يفهم الْحق،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: التَّشْبِيه يَقْتَضِي أَن يكون مثل الْبَانِي هُوَ مثل النَّبِي حَيْثُ قَالَ: مثله كَمثل رجل بنى دَارا لَا مثل الدَّاعِي.
قلت: هَذَا لَيْسَ من بابُُ تَشْبِيه الْمُفْرد بالمفرد، بل تَشْبِيه الْمركب بالمركب من غير مُلَاحظَة مُطَابقَة الْمُفْردَات من الطَّرفَيْنِ، كَقَوْلِه تَعَالَى: { إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الاَْرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالاَْنْعَامُ حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الاَْرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالاَْمْسِ كَذالِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} قَوْله: فرق بِفَتْح الرَّاء الْمُشَدّدَة على أَنه فعل مَاض، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره بِسُكُون الرَّاء وبتنوين الْقَاف بِمَعْنى: فَارق بَين الْمُطِيع والعاصي.
قَوْله: وَمُحَمّد مَرْفُوع على أَنه مُبْتَدأ، و: فرَّق أَو فرقٌ، على الْوَجْهَيْنِ خَبره.

تابَعَهُ قُتَيْبَةُ عنْ لَيْثٍ عنْ خالِدٍ عنْ سَعِيدِ بنِ أبي هِلالٍ عنْ جابرٍ: خَرَجَ عَلَيْنا النبيُّ
أَي: تَابع مُحَمَّد بن عبَادَة قُتَيْبَة بن سعيد كِلَاهُمَا من مَشَايِخ البُخَارِيّ، وَلَيْث هُوَ ابْن سعد، وخَالِد هُوَ ابْن يزِيد أَبُو عبد الرَّحِيم الْمصْرِيّ أحد الثِّقَات، وَسَعِيد بن أبي هِلَال اللَّيْثِيّ الْمدنِي، وروى التِّرْمِذِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة: حَدثنَا قُتَيْبَة قَالَ: حَدثنَا اللَّيْث عَن خَالِد بن يزِيد عَن سعيد بن أبي هِلَال أَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ قَالَ: خرج علينا النَّبِي يَوْمًا فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن جِبْرِيل عِنْد رَأْسِي وَمِيكَائِيل عِنْد رجْلي، يَقُول أَحدهمَا لصَاحبه: اضْرِب لَهُ مثلا.
فَقَالَ: اسْمَع سَمِعت أُذُنك، واعقل عقل قَلْبك، إِنَّمَا مثلك وَمثل أمتك كَمثل ملك اتخذ دَارا ثمَّ بنى فِيهَا بَيْتا ثمَّ جعل فِيهَا مائدة ثمَّ بعث رَسُولا يَدْعُو النَّاس إِلَى طَعَامه، فَمنهمْ من أجَاب الرَّسُول وَمِنْهُم من تَركه، فَالله هُوَ الْملك، وَالدَّار الْإِسْلَام، وَالْبَيْت الْجنَّة، وَأَنت يَا مُحَمَّد رسولٌ من أجابك دخل الْإِسْلَام وَمن دخل الْإِسْلَام دخل الْجنَّة وَمن دخل الْجنَّة أكل مِمَّا فِيهَا هَذَا حَدِيث مُرْسل لِأَن سعيد بن أبي هِلَال لم يدْرك جَابر بن عبد الله.
انْتهى.
قيل: فَائِدَة إِيرَاد البُخَارِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة لرفع توهم من يظنّ أَن طَرِيق سعيد بن ميناء مَوْقُوف لِأَنَّهُ لم يُصَرح بِرَفْع ذَلِك إِلَى النَّبِي وَذكر هَذِه الْمُتَابَعَة لتصريحها بِالرَّفْع.





[ قــ :6891 ... غــ :78 ]
- حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حدّثنا سُفيْانُ عَن الأعْمشِ عنْ إبْراهِيمَ، عنْ هَمَّامٍ عنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: يَا مَعْشَرَ القُرَّاءِ اسْتَقِيمُوا فَقَدْ سَبِقْتُمْ سَبْقاً بَعِيداً، فإنْ أخَذْتُمْ يَمِيناً وشِمالاً لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلالاً بَعِيداً.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: اسْتَقِيمُوا لِأَن الاسْتقَامَة هِيَ الِاقْتِدَاء بسنن الرَّسُول
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم هُوَ ابْن الْحَارِث.
وَرِجَال السَّنَد كلهم كوفيون.

قَوْله: يَا معشر الْقُرَّاء بِضَم الْقَاف قارىء، وَالْمرَاد بهم الْعلمَاء بِالْقُرْآنِ وَالسّنة والعباد وَكَانَ فِي الصَّدْر الأول إِذا أطْلقُوا الْقُرَّاء أَرَادوا بهم الْعلمَاء.
قَوْله: اسْتَقِيمُوا أَي: اسلكوا طَرِيق الاسْتقَامَة، وَهُوَ كِنَايَة عَن التَّمَسُّك بِأَمْر الله فعلا وتركاً.
قَوْله: فقد سبقتم على صِيغَة الْمَجْهُول يَعْنِي: لازموا الْكتاب وَالسّنة فَإِنَّكُم مسبوقون سبقاً بَعيدا، أَي: قَوِيا مُتَمَكنًا، فَرُبمَا يلحقون بهم بعض اللحوق.
قَوْله: فَإِن أَخَذْتُم يَمِينا وَشمَالًا أَي: خالفتم الْأَمر وأخذتم غير طَرِيق الاسْتقَامَة، فقد ضللتم ضلالا بَعيدا، أَي: قَوِيا مُتَمَكنًا.
قَالَ الله تَعَالَى: { وَأَنَّ هَاذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذاَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}




[ قــ :689 ... غــ :783 ]
- حدّثنا أبُو كُرَيْبٍ، حدّثنا أبُو أُسامَةَ، عنْ بُرَيْدٍ، عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوساى عَن النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إنَّما مَثَلِي ومَثَلُ مَا بَعَثَنِي الله بِهِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ أتَى قَوْماً، فَقَالَ: يَا قَوْمِ إنِّي رَأيْتُ الجَيْشَ بِعَيْنَيَّ وإنِّي أَنا النَّذِيرُ العُرْيانُ، فالنَّجاءَ، فأطاعَهُ طائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فأدْلَجُوا فانْطَلَقُوا عَلى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا، وكَذَّبَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ فأصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الجَيْشُ فأهْلَكَهُمْ واجْتاحَهُمْ، فَذالِكَ مَثَلُ مَنْ أطاعَنِي، فاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، ومَثَلُ مَنْ عَصانِي وكَذَّبَ بِما جِئْتُ بِهِ مِنَ الحَقِّ
انْظُر الحَدِيث 648
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فأطاعه طَائِفَة من قومه لِأَن إطاعة النَّبِي اقْتِدَاء بسنته.

وَأَبُو كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء هُوَ ابْن عبد الله يروي عَن جده أبي بردة عَامِرًا أَو الْحَارِث، وَأَبُو بردة يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عبد الله بن قيس.

والْحَدِيث مضى فِي الرقَاق فِي: بابُُ الِانْتِهَاء عَن الْمعاصِي.

قَوْله الْعُرْيَان أَي: الْمُجَرّد عَن الثِّيَاب، كَانَت عَادَتهم أَن الرجل إِذا رأى الْعَدو وَأَرَادَ إنذار قومه يخلع ثَوْبه ويديره حول رَأسه إعلاماً لِقَوْمِهِ من بعيد بالغارة وَنَحْوهَا.
قَوْله: فالنجاء ممدوداً ومقصوراً بِالنّصب على أَنه مفعول مُطلق أَي: الْإِسْرَاع والإدلاج، بِكَسْر الْهمزَة السّير أول اللَّيْل، وَمن بابُُ الافتعال السّير آخر اللَّيْل.
قَوْله: على مهلهم أَي: على سكينتهم.
قَوْله: فصبحهم الْجَيْش أَي: أتوهم صباحاً وأغاروا عَلَيْهِم.
قَوْله: واجتاحهم بِالْجِيم ثمَّ الْحَاء الْمُهْملَة أَي: استأصلهم.





[ قــ :6893 ... غــ :784 ]
- حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدّثنا لَ يْثٌ، عنْ عُقَيْلٍ، عنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رسولُ الله واسْتُخْلِفَ أبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وكَفَرَ مَن كَفَرَ مِنَ العَرَبِ قَالَ عُمَرُ لأبي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقاتِلُ النَّاسَ وقَدْ قَالَ رسولُ الله أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَقُولُوا: لَا إلاهَ إِلَّا الله، فَمَنْ قَالَ: لَا إلاهَ إلاَّ الله عَصَمَ مِنِّي مالَهُ ونَفْسَهُ إلاَّ بِحَقِّهِ وحِسابُهُ عَلى الله؟ فَقَالَ: وَالله لأُقاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ، فإنَّ الزَّكاةَ حَقُّ المالِ، وَالله لَوْ مَنَعُونِي عِقالاً كانُوا يُؤَدّونَهُ إِلَى رسولِ الله لقاتَلْتُهُمْ عَلى مَنْعهِ.
فَقَالَ عمَرُ: فَوالله مَا هُوَ إِلَّا أنْ رَأيْتُ الله قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أبي بَكْرٍ لِلْقِتالِ، فَعَرَفْتُ أنَّهُ الحَقُّ.

قَالَ ابنُ بُكَيْرٍ، وعَبْدُ الله عنِ اللَّيْثِ: عِنَاقاً، وهْوَ أصَحُّ.

مَا
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة فَإِن من فرق بَينهمَا خرج على الِاقْتِدَاء بسنته.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.
والْحَدِيث قد مضى فِي أول الزَّكَاة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: واستخلف على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: النَّاس هم طَائِفَة منعُوا الزَّكَاة بِشُبْهَة أَن صَلَاة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَيست سكناً لَهُم بِخِلَاف صَلَاة الرَّسُول، فَإِنَّهَا كَانَت سكناً قَالَ تَعَالَى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} قَوْله: فَإِن الزَّكَاة حق المَال أَي: هَذَا دَاخل تَحت الِاسْتِثْنَاء الرافع للعصمة الْمُبِيح لِلْقِتَالِ.

قَوْله: قَالَ ابْن بكير أَي: يحيى بن عبد الله بن بكير الْمصْرِيّ، وَعبد الله هُوَ ابْن صَالح كَاتب اللَّيْث يَعْنِي: حَدثهُ بِهِ يحيى بن بكير وَعبد الله عَن اللَّيْث بالسند الْمَذْكُور بِلَفْظ: عنَاقًا، بدل عقَالًا.





[ قــ :6894 ... غــ :786 ]
- حدّثني إسْماعِيلُ، حدّثني ابنُ وَهْبٍ، عنْ يُونُسَ، عنِ ابنِ شهَاب حدّثني عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله بن عُتْبَةَ أنَّ عَبْدِ الله بنَ عَبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَدمَ عُيَيْنَةُ بنُ حِصْنِ بنِ حُذَيْفَةَ بن بَدْرٍ فَنَزَلَ عَلى ابنِ أخِيهِ الحُرِّ بنِ قَيْسِ بنِ حِصْنٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وكانَ القُرَّاءُ أصْحابَ مَجْلِسِ عُمَرَ ومُشاوَرَتِهِ كَهُولاً كانُوا أوْ شَبَّاناً، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لابْنِ أخِيهِ: يَا ابنَ أخِي هَلْ لكَ وَجُهٌ عِنْدَ هاذا الأميرِ فَتَسْتَأْذِنَ لِي عَلَيْهِ؟ قَالَ: سَأسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ.

قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فاسْتَأْذَنَ لِعُيَيْنَةَ، فَلمَّا دَخَلَ قَالَ: يَا ابنَ الخَطَّابِ وَالله مَا تُعْطِينا الجَزْلَ وَمَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حتَّى هَمَّ بِأنْ يَقَعَ بِهِ، فَقَالَ الحُرُّ: يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ إنَّ الله تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنِ الْجَاهِلِينَ} وإنَّ هاذا مِنَ الجاهِلِينَ، فَوالله مَا جاوَزَها عُمَرُ حِينَ تَلاها عَلَيْهِ، وكانَ وَقَّافاً عِنْدَ كِتابِ الله.

انْظُر الحَدِيث 464
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَكَانَ وقافاً عِنْد كتاب الله فَإِن الَّذِي يقف عِنْد كتاب الله هُوَ الَّذِي يَقْتَدِي بسنن رَسُول الله وَالْوُقُوف عِنْد كتاب الله عبارَة عَن الْعَمَل بِمَا فِيهِ.

وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس يروي عَن عبد الله بن وهب عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.

والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير فِي سُورَة الْأَعْرَاف عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب.

قَوْله: عُيَيْنَة مصغر عينة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون ابْن حصن بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وبالنون ابْن حُذَيْفَة بن بدر الْفَزارِيّ مَعْدُود فِي الصَّحَابَة وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة مَوْصُوفا بالشجاعة وَالْجهل والجفاء، وَله ذكر فِي الْمَغَازِي ثمَّ أسلم فِي الْفَتْح وَشهد مَعَ النَّبِي حنيناً فَأعْطَاهُ مَعَ الْمُؤَلّفَة وَسَماهُ النَّبِي الأحمق المطاع، وَوَافَقَ طليحة الْأَسدي لما ادّعى النُّبُوَّة، فَلَمَّا غلبهم الْمُسلمُونَ فِي قتال أهل الرِّدَّة فر طليحة وَأسر عُيَيْنَة، فَأتي بِهِ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فاستتابه فَتَابَ.
قَوْله: الْحر بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء ابْن قيس بن حصن بن حُذَيْفَة بن بدر الْفَزارِيّ، قَالَ أَبُو عمر: الْحر كَانَ من الْوَفْد الَّذين قدمُوا على رَسُول الله من فَزَارَة مرجعه من تَبُوك.
قَوْله: وَكَانَ من النَّفر أَي: وَكَانَ الْحر بن قيس من الطَّائِفَة: الَّذين يدنيهم عمر أَي: يقربهُمْ ثمَّ بَين ابْن عَبَّاس سَبَب إدنائه الْحر بقوله: وَكَانَ الْقُرَّاء أَصْحَاب مجْلِس عمر وَأَرَادَ بالقراء الْعلمَاء والعباد فَدلَّ ذَلِك على أَن الْحر الْمَذْكُور كَانَ يَتَّصِف بذلك، فَلذَلِك كَانَ عمر يُدْنِيه.
قَوْله: ومشاورته أَي: وَأَصْحَاب مشاورته، يَعْنِي: كَانَ يشاورهم فِي الْأُمُور.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ومشاورته بِلَفْظ الْمصدر وبلفظ الْمَفْعُول.
قَوْله: كهولاً كَانُوا أَو شباناً الكهول جمع كهل والشبان جمع شَاب، أَرَادَ أَن هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين أَصْحَاب مَجْلِسه وَأَصْحَاب مشورته سَوَاء فيهم الكهول والشبان لِأَن كلهم كَانُوا على خير.
قَوْله: هَل لَك وَجه أَي: وجاهة ومنزلة.
قَوْله: عِنْد هَذَا الْأَمِير أَرَادَ بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَكِن لم يقل هَذَا الْأَمِير إلاَّ من قُوَّة جفائه وَعدم مَعْرفَته بمنازل الأكابر.
قَوْله: فَتَسْتَأْذِن لي بِالنّصب أَي: فتطلب مِنْهُ الْإِذْن فِي خلْوَة، لِأَن عمر كَانَ لَا يحتجب إلاَّ عِنْد خلوته وراحته وَلأَجل ذَلِك قَالَ: الْحر سأستأذن لَك حَتَّى تَجْتَمِع بِهِ وَحدك.

قَوْله: قَالَ ابْن عَبَّاس مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور.
قَوْله: يَا ابْن الْخطاب هَذَا أَيْضا من جفائه حَيْثُ لم يقل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَو يَا عمر بن الْخطاب، وَقد تقدم فِي سُورَة الْأَعْرَاف: فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ: هِيَ يَا ابْن الْخطاب بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الْبَاء، وَهَذِه كلمة تقال فِي الاستزادة، وَبِمَعْنى التهديد، وَأَشَارَ صَاحب التَّوْضِيح إِلَى الْمَعْنى الثَّانِي.
قَوْله: الجزل بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الزَّاي بعْدهَا لَام، أَي: الْعَطاء الْكثير، وأصل الجزل مَا عظم من الْخطب.
قَوْله: وَمَا تحكم وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَلَا تحكم.
قَوْله: حَتَّى هم أَن يَقع بِهِ أَي: حَتَّى قصد أَن يُبَالغ فِي ضربه، وَفِي رِوَايَة التَّفْسِير: حَتَّى هما أَن يُوقع بِهِ، قَوْله: وَإِن هَذَا من الْجَاهِلين أَي: أعرض عَنهُ.
قَوْله: فوَاللَّه مَا جاوزها قيل: إِنَّه من كَلَام ابْن عَبَّاس، وَقيل: من كَلَام الْحر بن قيس، وَمعنى: مَا جاوزها، مَا عمل بِغَيْر مَا دلّت عَلَيْهِ الْآيَة، بل عمل بمقتضاها، فَلذَلِك قَالَ: وَكَانَ وقافاً عِنْد كتاب الله أَي: يعْمل بِمَا فِيهِ وَلَا يتجاوزه.