فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء} [النساء: 75] الآية

(بابُُ .

     قَوْلُهُ : { وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله} إلَى { الظَّالِمِ أهْلُها} (النِّسَاء: 75)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله عز وَجل: { لَا تقاتلون فِي سَبِيل الله} إِلَى قَوْله: { الظَّالِم أَهلهَا} هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: { وَمَا لكم لَا تقاتلون فِي سَبِيل الله وَالْمُسْتَضْعَفِينَ من الرِّجَال وَالنِّسَاء} الْآيَة وتمامها (والولدان الَّذين يَقُولُونَ رَبنَا أخرجنَا من هَذِه الْقرْيَة الظَّالِم أَهلهَا وَاجعَل لنا من لَدُنْك وليا وَاجعَل لنا من لَدُنْك نَصِيرًا) قَوْله عز وَجل: { وَمَا لكم لَا تقاتلون فِي سَبِيل الله} تحريض لِعِبَادِهِ الْمُؤمنِينَ على الْجِهَاد فِي سَبيله وعَلى السَّعْي فِي استنقاذ الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّة من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان.
قَوْله: (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) ، مَنْصُوب عطفا على (سَبِيل الله) أَي: فِي سَبِيل الله وخالص الْمُسْتَضْعَفِينَ أَو مَنْصُوب على الِاخْتِصَاص، يَعْنِي: واختص فِي سَبِيل الله خلاص الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَالْمرَاد من الْقرْبَة مَكَّة.
قَوْله: (وَاجعَل لنا من لَدُنْك وليا) ، أَي: سخر لنا من عنْدك وليا ناصرا.

[ قــ :4335 ... غــ :4588 ]
- ح دَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ أيُّوبَ عَنِ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ أنَّ ابنَ عَبَاسٍ تَلا { إلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ} (النِّسَاء: 98) قَالَ كُنْتُ أنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ الله.


هَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث ابْن عَبَّاس أخرجه عَن سُلَيْمَان بن حَرْب ضد الصُّلْح.
عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن عبد الله عَن عبيد الله بن أبي مليكَة، بِضَم الْمِيم، واسْمه زُهَيْر الْأَحول القَاضِي الْمَكِّيّ.
قَوْله: (أَن ابْن عَبَّاس تَلا) ، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، عَن ابْن عَبَّاس أَنه تَلا يَعْنِي: قَرَأَ.
قَوْله: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ) ، إِلَى آخِره.
قَوْله: (مِمَّن عذر الله) أَي: مِمَّن جعلهم من المعذورين الْمُسْتَضْعَفِينَ.

وَيُذْكَرُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ حَصِرَت ضَاقَتْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير: حصرت.
فِي قَوْله تَعَالَى: { حصرت وهم صُدُورهمْ} (النِّسَاء: 90) وَفَسرهُ بقوله: (ضَاقَتْ) .
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره عَن حَدِيث عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، وَحكى الْفراء عَن الْحسن أَنه قَرَأَ: (أحصرت صُدُورهمْ) ، بِالرَّفْع.

     وَقَالَ  بَعضهم: على هَذَا خبر بعد خبر.
قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: أَو جاؤكم حصرت صُدُورهمْ، أَي: ضيقَة منقبضة وقرىء: حصرات، صدوهم، وحاصرت،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: وَجعله الْمبرد صفة الْمَحْذُوف.
أَي: أَو جاؤكم قوما حصرت صُدُورهمْ وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُجَاهِد أَنَّهَا نزلت فِي هِلَال بن عُوَيْمِر الْأَسْلَمِيّ، وَكَانَ بَينه وَبَين الْمُسلمين عهد وقصده نَاس من قومه فكره أَن يُقَاتل الْمُسلمين وَكره أَن يُقَاتل قومه، وَفِي (تَفْسِير ابْن كثير) وَهَؤُلَاء قوم من المستثنين من الْأَمر بقتالهم، وهم الَّذين يجيئون إِلَى المصاف وهم حصرت صُدُورهمْ مبغضين أَن يُقَاتِلُوكُمْ وَلَا يهون عَلَيْهِم أَيْضا أَن يقاتلوهم مَعكُمْ، بل هم لَا لكم وَلَا عَلَيْكُم.

تَلْوُوا ألْسِنَتَكُمْ بِالشَّهَادَةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَأَن تلووا أَو تعرضوا} ، وَنقل هَذَا التَّفْسِير أَيْضا ابْن عَبَّاس.
قَالَ ابْن الْمُنْذر، حَدثنَا زَكَرِيَّا حَدثنَا أَحْمد بن نصر حَدثنَا عبد الله بن صَالح حَدثنِي مُعَاوِيَة عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس بِلَفْظ: (وَأَن تلووا وتعرضوا) يَعْنِي: إِن تلووا أَلْسِنَتكُم بِالشَّهَادَةِ أَو تعرضوا عَنْهَا، وَقَرَأَ حَمْزَة وَابْن عَامر: وَإِن تلوا، بواو وَاحِدَة سَاكِنة وَيكون على هَذَا من الْولَايَة.
.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة، وَلَيْسَ للولاية هُنَا معنى، وَأجَاب الْفراء بِأَنَّهَا بِمَعْنى اللبي كَقِرَاءَة الْجَمَاعَة إِلَّا أَن الْوَاو المضمومة قلبت همزَة ثمَّ سهلت.
.

     وَقَالَ  الْفَارِسِي: إِنَّهَا على بابُُهَا من الْولَايَة، وَالْمرَاد، وَإِن وليتم إِقَامَة الشَّهَادَة.

وَقَالَ غَيْرُهُ المُرَاغَمُ المُهَاجَرُ رَاغَمْتُ هَاجَرْتُ قَوْمِي
أَي:.

     وَقَالَ  غير ابْن عَبَّاس لفظ المراغم فِي قَوْله تَعَالَى: { وَمن يُهَاجر فِي سَبِيل الله يجد فِي الأَرْض مراغما كثيرا وسعة} وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْغَيْر: أَبَا عُبَيْدَة، فَإِن هَذَا لَفظه حَيْثُ قَالَ: المراغم وَالْمُهَاجِر وَاحِد.
تَقول: هَاجَرت قومِي وراغمت قومِي،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: مراغما مُهَاجرا وطريقا يراغم بسلوكه قومه أَي: يفارقهم على رغم أنوفهم، والرغم الذل والهوان وَأَصله لصوق الْأنف بالرغام وَهُوَ التُّرَاب، يُقَال: راغمت الرجل إِذا فارقته وَهُوَ يكره مفارقتك، وَفِي (تَفْسِير ابْن كثير) المراغم مصدر تَقول الْعَرَب، راغم فلَان قومه مراغما ومرغمة،.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس المراغم المتحول من أَرض إِلَى أَرض، وَكَذَا رُوِيَ عَن الضَّحَّاك وَالربيع بن أنس وَالثَّوْري،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: مراغما يَعْنِي متزحزحا عَمَّا يكره.

مَوْقُوتا مُؤَقَّتا وَقَتَهُ عَلَيْهِمِ
هَذَا لم يَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَهُوَ تَفْسِير أبي عُبَيْدَة أَيْضا فِي قَوْله تَعَالَى: { إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} قَوْله: (وقته) أَي: وقته الله عَلَيْهِم.
وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: (موقوتا) قَالَ مَفْرُوضًا.
<"