فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها

( بابُُ التَّحْرِيضِ عَلَى الصَّدَقَةِ والشَّفَاعَةِ فِيهَا)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان اسْتِحْبابُُ التحريض على الصَّدَقَة، وَبَيَان: ثَوَاب الشَّفَاعَة فِي الصَّدَقَة، وَمعنى الشَّفَاعَة فِي الصَّدَقَة السُّؤَال والتقاضي للإجابة.



[ قــ :1375 ... غــ :1431 ]
- حدَّثنا مُسْلِمٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا عَدِيٌّ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ خَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ عِيدٍ فَصَلَّى ركْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ ثُمَّ مالَ عَلَى النِّسَاءِ وَمَعَهُ بِلالٌ فَوعَظَهُنَّ وأمَرَهُنَّ أنْ يتَصَدَّقْنَ فجَعَلَتِ المَرْأَةُ تُلْقِي القُلْبَ والخُرْصَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فوعظهن وأمرهن أَن يتصدقن) فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما وعظهن بمواعظ حرضهن فِيهَا أَيْضا على الصَّدَقَة، وَقد مضى الحَدِيث فِي أَبْوَاب الْعِيدَيْنِ فِي: بابُُ الْخطْبَة بعد الْعِيد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة عَن عدي بن ثَابت ... إِلَى آخِره، وَبَين متنيهما بعض التَّفَاوُت، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( الْقلب) ، بِضَم الْقَاف وَسُكُون اللَّام وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، وَهُوَ: السوار، وَقيل: هُوَ مَخْصُوص بِمَا كَانَ من عظم ( والخرص) ، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وَفِي آخِره صَاد مُهْملَة: الْحلقَة.





[ قــ :1376 ... غــ :143 ]
- حدَّثنا مُوسى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ قَالَ حَدثنَا أبُو بُرْدَةَ بنُ عَبْدِ الله بن أبِي بُرْدَةَ قَالَ حدَّثنا أبُو بُرْدَةَ بنُ أبِي مُوسى عنْ أبِيهِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ.
قَالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا جاءَهُ السَّائِلُ أوْ طُلِبَتْ إلَيْهِ حاجَةٌ قَالَ اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا ويَقْضِي الله عَلى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا شَاءَ.

.
مطابقته للجزء الْأَخير للتَّرْجَمَة فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( اشفعوا) حِين يَجِيء سَائل أَو طَالب حَاجَة.
.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري تكَرر ذكره.
الثَّانِي: عبد الْوَاحِد بن زِيَاد.
الثَّالِث: أَبُو بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: اسْمه بريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء: ابْن عبد الله بن أبي بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ.
الرَّابِع: أَبُو بردة أَيْضا، بِضَم الْبَاء: اسْمه عَامر، وَقيل: الْحَارِث.
الْخَامِس: أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، واسْمه عبد الله بن قيس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَبُو بردة الأول الَّذِي اسْمه بريد يرْوى عَن جده أبي بردة الَّذِي اسْمه عَامر أَو حَارِث وَهُوَ يروي عَن أَبِيه عبد الله بن قيس وَفِيه الرِّوَايَة عَن الْأَب وَعَن الْجد.
وَفِيه: أَن شَيْخه وَعبد الْوَاحِد بصريان والبقية كوفيون.
وَفِيه: المكنى بِأبي بردة اثْنَان وهما الْأَب وجده كل مِنْهُمَا كنيته أَبُو بردة.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب وَفِي التَّوْحِيد عَن أبي كريب عَن أبي أُسَامَة وَعَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان الثَّوْريّ.
وَأخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن أبي بكر عَن عَليّ بن مسْهر وَحَفْص بن غياث.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد وَفِي السّنة عَن أبي معمر.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْعلم عَن الْحسن بن عَليّ الْحَلَال ومحمود بن غيلَان وَغير وَاحِد، كلهم عَن أبي أُسَامَة بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاة عَن مُحَمَّد بن بشار.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( أَو طلبت) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( اشفعوا) ، وَفِي رِوَايَة أبي الْحسن: ( شفعوا) ، بِحَذْف الْألف ليشفع بَعْضكُم فِي بعض يكن لكم الْأجر فِي ذَلِك، وأنكم إِذا شفعتم إِلَيّ فِي حق طَالب الْحَاجة فَقضيت حَاجته بِمَا يقْضِي الله على لساني فِي تَحْصِيل حَاجته حصل للسَّائِل الْمَقْصُود، وَلكم الْأجر، والشفاعة مرغب فِيهَا مَنْدُوب إِلَيْهَا، قَالَ تَعَالَى: { من يشفع شَفَاعَة حَسَنَة يكن لَهُ نصيب مِنْهَا} ( النِّسَاء: 58) .
قَوْله: ( وَيَقْضِي الله على لِسَان نبيه مَا شَاءَ) ، بَيَان أَن السَّاعِي مأجور على كل حَال، وَإِن خَابَ سَعْيه، قَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( وَالله فِي عون العَبْد مَا كَانَ العَبْد فِي عون أَخِيه) .
وَلَا يَأْبَى كَبِير أَن يشفع عِنْد صَغِير فَإِن شفع عِنْده وَلم يقضها لَهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يُؤْذِي الشافع، فقد شفع رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عِنْد بُرَيْدَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، لِترد زَوجهَا فَأَبت.





[ قــ :1377 ... غــ :1433 ]
- حدَّثنا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ قَالَ أخبرنَا عبْدَةُ عنْ هِشَامٍ عنْ فَاطِمَةَ عنْ أسْمَاءَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ قَالَ لِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ الْمَعْنى لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الإيكاء، وَهُوَ لَا يفعل إلاَّ للإدخار، فَكَانَ الْمَعْنى: لَا تدخري وتصدقي.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: صَدَقَة بن الْفضل أَبُو الْفضل، مر فِي: بابُُ الْعلم.
الثَّانِي: عَبدة، بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن سُلَيْمَان.
الثَّالِث: هِشَام بن عُرْوَة بن الزبير.
الرَّابِع: فَاطِمَة بنت الْمُنْذر بن الزبير.
الْخَامِس: أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه مروزي وَعَبدَة كُوفِي والبقية مدنيون.
وَفِيه: رِوَايَة التابعية عَن الصحابية.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَفِي الْهِبَة عَن عبيد الله ابْن سعيد.
وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن آدم وَفِي عشرَة النِّسَاء عَن هناد عَن عَبدة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( لَا توكي) من أوكى يوكي إيكاءً، يُقَال: أوكى مَا فِي سقائه إِذا شده بالوكاء، وَهُوَ الْخَيط الَّذِي يشد بِهِ رَأس الْقرْبَة، وأوكى علينا أَي: بخل.
وَفِي ( التَّلْوِيح) قَوْله: ( لَا توكي) أَي: لَا تدخري وتمنعي مَا فِي يدك.
قلت: هَذَا لَيْسَ بتفسيره لُغَة، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: لَا توكي للادخار.
قَوْله: ( فيوكى عَلَيْك) بِفَتْح الْكَاف: فيوكى، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي رِوَايَة مُسلم ( فيوكي الله عَلَيْك) ، وَالْمعْنَى: لَا توكي مَالك عَن الصَّدَقَة خشيَة نفاده فيوكي الله عَلَيْك أَو يمنعك وَيقطع مَادَّة الرزق عَنْك.
فَدلَّ الحَدِيث على أَن الصَّدَقَة تنمي المَال وَتَكون سَببا إِلَى الْبركَة وَالزِّيَادَة فِيهِ وَأَن من شح وَلم يتَصَدَّق فَإِن الله يوكي عَلَيْهِ ويمنعه من الْبركَة فِي مَاله والنماء فِيهِ.

حدَّثنا عُثْمَانُ بنُ أبِي شَيْبَةَ عنْ عَبْدَةَ.

     وَقَالَ  لَا تُحْصَى فَيُحْصِيَ الله عَلَيْكِ

هَذَا طَرِيق آخر عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن عَبدة بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَالظَّاهِر أَن عَبدة روى الحَدِيث باللفظين أَحدهمَا: ( لَا توكي فيوكى عَلَيْك) ، وَالْآخر: ( لَا تحصى فيحصي الله عَلَيْك) ، وروى النَّسَائِيّ من طَرِيق أبي مُعَاوِيَة عَن هِشَام باللفظين مَعًا، وَسَيَأْتِي فِي الْهِبَة عِنْد البُخَارِيّ من طَرِيق ابْن نمير عَن هِشَام باللفظين، لَكِن لَفظه: لَا توعي، بِعَين مُهْملَة بدل: لَا توكى، من: أوعيت الْمَتَاع فِي الْوِعَاء أوعيه، إِذا جعلته فِيهِ.
ووعيت الشَّيْء حفظته.
قَوْله: ( لَا تحصى) من الإحصاء، وَهُوَ معرفَة قدر الشَّيْء أَو وَزنه أَو عدده، وَهَذَا مُقَابلَة اللَّفْظ بِاللَّفْظِ، وتجنيس الْكَلَام فِي مثله فِي جَوَابه أَي: يمنعك كَمَا منعت، كَقَوْلِه تَعَالَى: { ومكروا ومكر الله} ( آل عمرَان: 45) .
وَقيل: مَعْنَاهُ لَا تحصي مَا تُعْطِي فتستكثريه فَيكون سَببا لانقطاعه.
وَقيل: قد يُرَاد بالإحصاء والوعي عَنَّا عده خوف أَن تَزُول الْبركَة مِنْهُ، كَمَا قَالَت عَائِشَة: حَتَّى كلناه، ففني.
وَقيل: إِن عَائِشَة عددت مَا أنفقته فَنَهَاهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن ذَلِك.