فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب النسوة اللاتي يهدين المرأة إلى زوجها ودعائهن بالبركة

( بابُُ النِّسْوَةِ الّلاتِي يُهْدِينَ المَرْأةَ إِلَى زَوْجِها)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَمر النسْوَة اللَّاتِي يهدين بِضَم الْيَاء من الإهداء.
قَوْله: ( اللَّاتِي) هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني بصغة الْجمع، وَفِي رِوَايَة غَيره بِصِيغَة الْإِفْرَاد، وَالْأولَى أولى، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر بعد قَوْله: ( إِلَى زَوجهَا) : ودعائهن بِالْبركَةِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيث الْبابُُ الْإِشَارَة إِلَيْهِ فَلَا مَحل لذكره.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: لَعَلَّه أَشَارَ إِلَى مَا ورد فِي بعض طرق حَدِيث عَائِشَة، رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب النِّكَاح من طَرِيق بهية عَن عَائِشَة: أَنَّهَا زوجت يتيمة كَانَت فِي حجرها رجلا من الْأَنْصَار، قَالَت: وَكنت فِيمَن أهداها إِلَى زَوجهَا، فَلَمَّا رَجعْنَا قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( مَا قُلْتُمْ يَا عَائِشَة؟ قَالَت: قلت: سلمنَا ودعونا الله بِالْبركَةِ ثمَّ انصرفنا) .
قلت: هَذَا بعيد جدا لأَنا لَا نسلم أَنه وقف على هَذَا الحَدِيث، وَلَئِن سلمنَا فَكيف يضع تَرْجَمَة بِعقد بابُُ وَلَيْسَ فِيهِ حَدِيث مُطَابق لَهَا.



[ قــ :4884 ... غــ :5162 ]
- حدَّثنا الفَضلُ بنُ يعْقُوبَ حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ سابِقٍ حَدثنَا إسْرَائِيلُ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبيهِ عنْ عائِشَةَ: أنّها زَفَّتِ امْرَأةً إِلَى رجُلٍ مِنَ الأنصَارِ فَقَالَ نَبِيُّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عائِشَةُ! مَا كانَ معكُمْ لَهْوٌ؟ فإِنَّ الأنصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللهْوُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( زفت امْرَأَة) لِأَنَّهُ من زففت الْعَرُوس أزفها إِذا أَهْدَيْتهَا إِلَى زَوجهَا.

وَالْفضل بن يَعْقُوب الْبَغْدَادِيّ مَاتَ فِي أول جُمَادَى الأولي سنة ثَمَان وَخمسين وَمِائَتَيْنِ.
قَالَه الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ.
وَمُحَمّد بن سَابق أَبُو جَعْفَر التَّمِيمِي الْبَغْدَادِيّ الْبَزَّار أَصله فَارسي كَانَ بِالْكُوفَةِ أحد مشاريخ البُخَارِيّ رُوِيَ عَنهُ هُنَا بالواسطة وَرُوِيَ عَنهُ بِلَا وَاسِطَة فِي كتاب الْوَصَايَا فَقَط، فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سَابق أَو الْفضل بن يَعْقُوب عَنهُ، وَرُوِيَ مُسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن سَابق، مَاتَ سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( زفت امْرَأَة) معنى: زفت مر الْآن وَقد تقدم فِي رِوَايَة أبي الشَّيْخ أَن الْمَرْأَة كَانَت يتيمة فِي حجر عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَذكر ابْن الْأَثِير أَن اسْم هَذِه الْيَتِيمَة: فارغة بنت أسعد بن زُرَارَة، وَأَن اسْم زَوجهَا نبيط بن جَابر الْأنْصَارِيّ،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: الفارغة بنت أبي أُمَامَة أسعد بن زُرَارَة الْأنْصَارِيّ، كَانَ أَبُو لبابَُُة أوصى بهَا وبأختيها حَبِيبَة وكبشة بَنَات أبي أُمَامَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلمنبيط بن جَابر من بني مَالك بن النجار، وحبيبة تزَوجهَا سهل بن حنيف فَولدت لَهُ أَبَا أُمَامَة، وَرُوِيَ ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عَبَّاس: أنكحت عَائِشَة قرَابَة لَهَا، وَرُوِيَ أَبُو الشَّيْخ من حَدِيث جَابر: أَن عَائِشَة زوجت بنت أُخْتهَا، أَو ذَات قرَابَة مِنْهَا، وَفِي أمالي الْمحَامِلِي من وَجه آخر عَن جَابر: نكح بعض أهل الْأَنْصَار بعض أهل عَائِشَة فأهدتها إِلَى قبَاء، وَالْجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات بِالْحملِ على التَّعَدُّد.
قَوْله: ( مَا كَانَ مَعكُمْ لَهو؟) وَفِي رِوَايَة شريك: فَقَالَ: فَهَل بعثتم جَارِيَة تضرب بالدف وتغني؟ الحَدِيث.
قَوْله: ( فَإِن الْأَنْصَار يعجبهم اللَّهْو) ، فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس وَجَابِر: قوم فيهم غزل، وَفِي حَدِيث جَابر عِنْد الْمحَامِلِي: أدركيها يَا زَيْنَب، امْرَأَة كَانَت تغني بِالْمَدِينَةِ.
وَفِي التَّوْضِيح: اتّفق الْعلمَاء على جَوَاز اللَّهْو فِي وَلِيمَة النِّكَاح كضرب الدُّف وَشبهه، وخصت الْوَلِيمَة بذلك ليظْهر النِّكَاح وينتشر، فَتثبت حُقُوقه وحرمته،.

     وَقَالَ  مَالك: لَا بَأْس بالدف وَالْكبر فِي الْوَلِيمَة لِأَنِّي أرَاهُ خَفِيفا، وَلَا يَنْبَغِي ذَلِك فِي غير الْعرس، وَسُئِلَ مَالك عَن اللَّهْو يكون فِيهِ البوق؟ فَقَالَ: إِن كَانَ كَبِيرا مشتهرا، فَإِنِّي أكرهه، وَإِن كَانَ خَفِيفا فَلَا بَأْس بذلك،.

     وَقَالَ  إصبغ: وَلَا يجوز الْغناء فِي الْعرس وَلَا فِي غَيره إلاَّ مثل مَا يَقُول نسَاء الْأَنْصَار، أَو رجز خَفِيف.
وَأخرج النَّسَائِيّ من طَرِيق عَامر بن سعد عَن قرظة بن كَعْب وَأبي مَسْعُود الأنصاريين، قَالَا: إِنَّه رخص لنا فِي اللَّهْو عِنْد الْعرس ... الحَدِيث، وَصَححهُ الْحَاكِم.
قلت: الْكبر، بِفتْحَتَيْنِ الطبل ذُو الرأسين، وَقيل: الطِّبّ الَّذِي لَهُ وَجه وَأحد، والبوق بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره قَاف: آلَة ينْفخ فِيهَا وَيجمع على بيقان وبوقان، كَذَا قَالَ فِي الْمغرب قلت الْقيَاس: أبواق، وَسُئِلَ أَبُو يُوسُف عَن الدُّف أتكرهه فِي غير الْعرس مثل الْمَرْأَة فِي منزلهَا وَالصَّبِيّ؟ قَالَ: فَلَا أكرهه، فأنما الَّذِي يَجِيء مِنْهُ اللّعب الْفَاحِش والغناء فَإِنِّي أكرهه.