فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارة والمناجاة

( بابُُ حِفْظِ السِّرِّ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حفظ السِّرّ يَعْنِي: ترك إفشائه وإظهاره لِأَنَّهُ أَمَانَة، وَحفظ الْأَمَانَة وَاجِب، وَذَلِكَ من أَخْلَاق الْمُؤمنِينَ.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: وَالَّذِي عَلَيْهِ أهل الْعلم أَن السِّرّ لَا يُبَاح إفشاؤه إِذا كَانَ على المسر ضَرَر فِيهِ، وَأَكْثَرهم يَقُول: إِذا مَاتَ المسر فَلَيْسَ يلْزم من كِتْمَانه مَا يلْزم فِي حَيَاته إلاَّ أَن يكون عَلَيْهِ فِيهِ غَضَاضَة فِي دينه.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: هَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي إفشاؤه بعد مَوته بِخِلَاف سر فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا أسر إِلَيْهَا بِمَوْتِهِ.



[ قــ :5957 ... غــ :6290 ]
- حدَّثنا عُثْمانُ حَدثنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أبي وائِلٍ عَنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلا يَتناجَى رَجُلاَنِ دخلأنَ الآخَرِ حَتَّى يَخْتَلِطُوا بالنّاس أجْلَ أنْ يُحْزِنَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن مَفْهُومه إِن لم يكن ثَلَاثَة بل أَكثر يَتَنَاجَى إثنان مِنْهُم.

وَعُثْمَان هُوَ ابْن أبي شيبَة أَخُو أبي بكر، وَجَرِير بِالْفَتْح ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الاسْتِئْذَان كَذَلِك.

قَوْله: ( دون الآخر) لِأَن الْوَاحِد إِذا بَقِي فَردا وتناجى إثنان حزن لذَلِك إِذا لم يساراه فِيهَا، وَلِأَنَّهُ قد يَقع فِي نَفسه أَن سرهما فِي مضرته.
قَوْله: ( حَتَّى يختلطوا) أَي: حَتَّى يخْتَلط الثَّلَاثَة بغيرهم سَوَاء كَانَ الْغَيْر وَاحِدًا أَو أَكثر.
قَوْله: ( أجل أَن يحزنهُ) أَي: من أجل أَن يحزنهُ.
قَالَ الْخطابِيّ: وَقد نطقوا بِهَذَا اللَّفْظ بِإِسْقَاط: من، ويروى: من أجل أَن يحزنهُ، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى الآخر وَهُوَ الثَّالِث، ويحزنه يجوز أَن يكون من حزن وَيجوز أَن يكون من أَحْزَن فَالْأول من الْحزن وَالثَّانِي من الإحزان، وَقيل: إِنَّمَا يكره ذَلِك فِي الِانْفِرَاد لِأَنَّهُ إِذا بَقِي مُنْفَردا وتناجى من عداء دونه أحزنه ذَلِك لظَنّه إِمَّا حقارته وَإِمَّا مضرته بذلك، بِخِلَاف مَا إِذا كَانُوا بِحَضْرَة النَّاس فَإِن هَذَا الْمَعْنى مَأْمُون عِنْد الِاخْتِلَاط.





[ قــ :5958 ... غــ :691 ]
- حدَّثنا عَبْدَانُ عَنْ أبي حَمْزَةَ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ الله قَالَ: قَسَمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْماً قِسْمَةً فَقَالَ رجُلٌ مِنَ الأنْصارِ: إنَّ هاذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أرِيدَ بِها وَجْهُ الله.
قُلْتُ: أما وَالله لآتِيَنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأتَيْتُهُ وَهْوَ فِي مَلأ فَسارَرْتُهُ، فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: رَحْمَةُ الله عَلى مُوسَى أَو ذِي بأكْثَرَ مِنْ هاذَا فَصَبَرَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَول ابْن مَسْعُود: ( فَأَتَيْته وَهُوَ فِي مَلأ فساررته) فَإِن ذَلِك دلَالَة على أَن الْمَنْع يرْتَفع إِذا بَقِي جمَاعَة لَا يتأذون بالمسارة.

وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وَقد مر مرَارًا عديدة، وَأَبُو حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي اسْمه مُحَمَّد بن مَيْمُون السكرِي يروي عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن شَقِيق ابْن سَلمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود.

والْحَدِيث مضى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فِي: بابُُ مُجَرّد عقيب: بابُُ طوفان من السَّيْل فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة عَن الْأَعْمَش ... إِلَى آخِره، وَمضى فِي الْأَدَب عَن حَفْص بن عمر، وَفِي الْمَغَازِي عَن قبيصَة، وَسَيَأْتِي فِي الدَّعْوَات عَن حَفْص بن عمر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( فِي مَلأ) أَي: فِي جمَاعَة،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: مَا وَجه مُنَاسبَة هَذَا الْبابُُ وَنَحْوه بِكِتَاب الاسْتِئْذَان؟ قلت: من جِهَة أَن مَشْرُوعِيَّة الاسْتِئْذَان هُوَ لِئَلَّا يطلع الْأَجْنَبِيّ على أَحْوَال دَاخل الْبَيْت، أَو أَن الْغَالِب أَن الْمُنَاجَاة لَا يكون إلاَّ فِي الْبيُوت والمواضع الْخَاصَّة الخالية، فَذكره على سَبِيل التّبعِيَّة للاستئذان.
قلت: فِيهِ مَا فِيهِ.