فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما جاء في فاتحة الكتاب "

( كِتابُ تَفْسيرِ القُرْآنِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر هَكَذَا: كتاب تَفْسِير الْقُرْآن، وَعند غير أبي ذَر الْبَسْمَلَة مؤخرة عَن التَّرْجَمَة، وَالتَّفْسِير مصدر من فسر من بَاب التفعيل وَمَعْنَاهُ اللّغَوِيّ: الْبَيَان، يُقَال: فسَرت الشَّيْء بِالتَّخْفِيفِ وفسَّرته بِالتَّشْدِيدِ: إِذا بَينته، وَمَعْنَاهُ الإصطلاحي: التَّفْسِير هُوَ التكشيف عَن مدلولات نظم الْقُرْآن.
الرَّحْمانِ الرَّحِيمُ اسْمانِ منَ الرَّحْمَةِ: الرَّحِيمُ والرَّاحِمُ بِمَعْنى واحِدٍ كالْعَلِيمِ والعالِم قَوْله: ( من الرَّحْمَة) أَي: مشتقان من الرَّحْمَة، وَهِي فِي اللُّغَة: الحنو والعطف، وَفِي حق الله تَعَالَى مجَاز عَن إنعامه على عباده وَعَن ابْن عَبَّاس: الرَّحْمَن الرَّحِيم إسماه رقيقان أَحدهمَا أرق من الآخر، فالرحمن الرَّقِيق والرحيم العاطف على خلقه بالرزق، وَقيل: الرَّحْمَن لجَمِيع الْخلق، والرحيم للْمُؤْمِنين، وَقيل: رَحْمَن الدُّنْيَا وَرَحِيم الْآخِرَة، وَعَن ابْن الْمُبَارك: الرَّحْمَن إِذا سُئِلَ أعْطى، والرحيم إِذا لم يسْأَل يغْضب، وَعَن الْمبرد: الرَّحْمَن عبراني والرحيم عَرَبِيّ.
قلت: فِي العبراني بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة.
قَوْله: ( الرَّحِيم والراحم بِمَعْنى وَاحِد) ، فِيهِ نظر، لِأَن الرَّحِيم إِن كَانَ صِيغَة مُبَالغَة فيزيد مَعْنَاهُ على معنى الراحم، وَإِن كَانَ صفة مشبهة فَيدل على الثُّبُوت، بِخِلَاف الراحم فَإِنَّهُ يدل على الْحُدُوث، وَأجِيب بِأَن مَا قَالَه بِالنّظرِ إِلَى أصل الْمَعْنى دون الزِّيَادَة.


( بابُُ مَا جاءَ فِي فاتِحَةِ الكِتابِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي فَاتِحَة الْكتاب من الْفضل أَو من التَّفْسِير أَو أَعم من ذَلِك، إعلم أَن لسورة الْفَاتِحَة ثَلَاثَة عشر إسماً.
الأول: فَاتِحَة الْكتاب، لِأَنَّهُ يفْتَتح بهَا فِي الْمَصَاحِف والتعليم، وَقيل: لِأَنَّهَا أول سُورَة نزلت من السَّمَاء.
الثَّانِي: أم الْقُرْآن على مَا يَجِيء.
الثَّالِث: الْكَنْز.
وَالرَّابِع: الوافية، سميت بهَا لِأَنَّهَا لَا تقبل التنصف فِي رَكْعَة.
وَالْخَامِس: سُورَة الْحَمد، لِأَنَّهُ أَولهَا: الْحَمد.
وَالسَّادِس: سُورَة الصَّلَاة.
وَالسَّابِع: السَّبع المثاني.
وَالثَّامِن: الشِّفَاء والشافية، وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَاتِحَة الْكتاب شِفَاء من كل سم.
وَالتَّاسِع: الكافية لِأَنَّهَا تَكْفِي عَن غَيرهَا.
والعاشر: الأساس لِأَنَّهَا أول سُورَة الْقُرْآن فَهِيَ كالأساس.
وَالْحَادِي عشر: السُّؤَال لِأَن فِيهَا سُؤال العَبْد من ربه.
وَالثَّانِي عشر: الشُّكْر، لِأَنَّهَا ثَنَاء على الله تَعَالَى.
وَالثَّالِث عشر: سُورَة الدُّعَاء لاشتمالها على قَوْله: ( اهدنا الصِّرَاط) .

وسُمِّيَتْ أمَّ الكِتاب أنَّهُ يُبْدَأ بِكِتابَتِها فِي المَصاحِفِ ويُبْدَأ بِقِراءَتِها فِي الصَّلاَةِ
أَي: وَسميت سُورَة الْفَاتِحَة أم الْكتاب وَذَلِكَ بِالنّظرِ إِلَى أَن الْأُم مبدأ الْوَلَد، وَقيل: سميت بهَا لاشتمالها على الْمعَانِي الَّتِي فِي الْقُرْآن من الثَّنَاء على الله تَعَالَى والتعبد بِالْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد، وَقيل: لِأَن فِيهَا ذكر الذَّات وَالصِّفَات وَالْأَفْعَال.
وَلَيْسَ فِي الْوُجُود سَوَاء.
وَقيل: لاشتمالها على ذكر المبدأ والمعاش والمعاد، وَسميت: أم الْقُرْآن لِأَن الْأُم فِي اللُّغَة الأَصْل، سميت بِهِ لِأَنَّهَا لَا تحْتَمل شَيْئا مِمَّا فِيهِ النّسخ والتبديل، بل آياتها كلهَا محكمَة فَصَارَت أصلا، وَقيل: سميت أم الْقُرْآن لِأَنَّهَا تؤم غَيرهَا كَالرّجلِ يؤم غَيره فيتقدم عَلَيْهِ.

والدِّينُ الجَزَاءُ فِي الخَيْرِ والشَّرِّ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ.

     وَقَالَ  مُجاهِدٌ بالدِّينِ بالحِسَابِ مَدِينِينَ مُحاسَبِينَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير الدّين فِي قَوْله: { مَالك يَوْم الدّين} وَهُوَ كَلَام أبي عُبَيْدَة حَيْثُ قَالَ: الدّين الْجَزَاء والحساب، يُقَال فِي الْمثل: كَمَا تدين تجازي، أَي كَمَا تفعل تجازى بِهِ، وَرُوِيَ هَذَا حَدِيثا مُرْسلا، رَوَاهُ بعد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرُوِيَ أَيْضا بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي قلَابَة عَن أبي الدَّرْدَاء مَوْقُوفا، وَأَبُو قلَابَة: عبد الله بن زيد لم يدْرك أَبَا الدَّرْدَاء.
قَوْله: ( وَقَالَ مُجَاهِد: بِالدّينِ بِالْحِسَابِ) .
هُوَ تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: { أَرَأَيْت الَّذِي يكذب بِالدّينِ} ( الماعون: 1) وَوَصله عبد بن حميد فِي التَّفْسِير من طَرِيق مَنْصُور عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: { كلا بل تكذبون بِالدّينِ} ( الانفطار: 9) ، قَالَ: الْحساب وَالدّين يَأْتِي لمعان كَثِيرَة: ( الْعَادة) ( وَالْعَمَل) ( الحكم) ( وَالْحَال) ( وَالْحق) ( وَالطَّاعَة) ( والقهر) ( وَالْملَّة) ( والشريعة) ( والورع) ( والسياسة) ، قَوْله: ( مدينين محاسبين) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فلولا أَن كُنْتُم غير مدينين} ( الْوَاقِعَة: 86) وَفسّر مدينين بقوله: محاسبين، بِفَتْح السِّين.



[ قــ :4227 ... غــ :4474 ]
- ح دَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيَى عنْ شُعْبَةَ قَالَ حدَّثني خُبَيْبُ بنُ عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ حَفْصِ ابنِ عاصِمٍ عنْ أبي سَعِيدِ بن المُعَلى قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي فِي المَسْجِدِ فدَعانِي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمْ أُجِبْهُ فقلْتُ يَا رسولَ الله إنِّي كُنْتُ أُصَلِّي فَقال ألَمْ يَقُلِ الله اسْتَجِيبُوا لله ولِلرَّسُولِ إذَا دَعاكُمْ ثُمَّ قَالَ ألاَ أُعَلِّمَنَّكَ سورَةً هِيَ أعْظَمُ السُّوَر فِي القُرْآن قَبْلَ أنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ ثُمَّ أخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أرادَ أنْ يَخْرُجَ.

قُلْتُ لهُ ألمْ نَقُلْ لأُعَلِّمَنَّكَ سورَةً هِيَ أعْظَمُ سُورَةٍ فِي القُرْآنِ قَالَ الحَمْدُ لله رَبِّ الْعالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ المَثانِي والقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أوتِيتُهُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وخبيب، بِضَم الْخَاء العجمة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة: ابْن عبد الرَّحْمَن بن خبيب بن يسَاف، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف السِّين الْمُهْملَة: أَبُو الْحَارِث الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْمدنِي، وَحَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ، وَأَبُو سعيد، بِفَتْح السِّين وَكسر الْعين وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن الْمُعَلَّى، بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين وَاللَّام الْمُشَدّدَة على لفظ إسم مفعول من التعلية، وَاخْتلف فِي إسم أبي سعيد هَذَا فَقيل: اسْمه رَافع، وَقيل: الْحَارِث، وَقيل: أَوْس،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: من قَالَ هُوَ رَافع بن الْمُعَلَّى فقد أَخطَأ لِأَن رَافع بن الْمُعَلَّى قتل ببدر، وَأَصَح مَا قيل الله أعلم فِي اسْمه: الْحَارِث بن نفيع بن الْمُعَلَّى بن لوذان بن حَارِثَة بن زيد بن ثَعْلَبَة من بني زُرَيْق الْأنْصَارِيّ الزرقي توفّي سنة أَربع وَسبعين وَهُوَ ابْن أَربع وَسبعين،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر أَيْضا: لَا يعرف فِي الصَّحَابَة إلاَّ بحديثين: أَحدهمَا: عَن شُعْبَة عَن خبيب بن عبد الرَّحْمَن إِلَى آخر مَا ذكر هُنَا، وَالْآخر: عِنْد اللَّيْث بن سعد وَهُوَ حَدِيث طَوِيل، وأوله: كُنَّا نغدو إِلَى السُّوق على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحَدِيث، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور فِي الْبابُُ، وَقيل: نسب الْغَزالِيّ وَالْفَخْر الرَّازِيّ وتبعهما الْبَيْضَاوِيّ هَذَا الحَدِيث إِلَى أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَهُوَ وهم، وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو سعيد بن الْمُعَلَّى،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وروى الْوَاقِدِيّ هَذَا الحَدِيث أَيْضا فِي رِوَايَة عَن أبي سعيد بن الْمُعَلَّى عَن أبي بن كَعْب وَلَيْسَ كَذَلِك، وَالَّذِي هُنَا هُوَ الصَّحِيح، وَشَيخ الْوَاقِدِيّ هُنَا مَجْهُول أَيْضا وَهُوَ مُحَمَّد بن معَاذ،.

     وَقَالَ  أَيْضا: الْوَاقِدِيّ شَدِيد الضعْف إِذا انْفَرد فَكيف إِذا خَالف؟ قلت: ذكر الْحَافِظ الْمزي هَذَا وَلم يتَعَرَّض إِلَى شَيْء من ذَلِك، وَمن الْعجب أَن الْوَاقِدِيّ أحد مَشَايِخ إِمَامه الشَّافِعِي ويحط عَلَيْهِ هَذَا الْحَط وَهُوَ، وَإِن كَانَ ضعفه بَعضهم، فقد وَثَّقَهُ آخَرُونَ، فَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: الْوَاقِدِيّ أَمِين النَّاس على أهل الْإِسْلَام، وَعَن مُصعب بن الزبير: ثِقَة مَأْمُون، وَكَذَا وَثَّقَهُ أَبُو عبيد وَأثْنى عَلَيْهِ ابْن الْمُبَارك وَآخَرُونَ.

وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث أَيْضا فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن عَليّ بن عبد الله وَفِي التَّفْسِير أَيْضا عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور، وَعَن بنْدَار.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن عبيد الله بن معَاذ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي التَّفْسِير عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن بنْدَار.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي ثَوَاب التَّسْبِيح عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.

قَوْله: ( فِي الْمَسْجِد) ، أَي: فِي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( فَلم أجبه) ، لِأَنَّهُ ظن أَن الْخطاب لمن هُوَ خَارج عَن الصَّلَاة.
قَوْله: ( ألم يقل الله اسْتجِيبُوا لله وَالرَّسُول إِذا دعَاكُمْ) هَذَا خَاص بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( أَلا أعلمنك) كلمة: إلاَّ للحث والتحضيض على مَا يَقُوله الْقَائِل فِي مثل هَذَا الْموضع، وأعلمنك، بنُون التَّأْكِيد الْمُشَدّدَة.
قَوْله: ( أعظم سُورَة فِي الْقُرْآن) قَالَ ابْن بطال: يحْتَمل أَن يكون أعظم بِمَعْنى عَظِيم،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: مَعْنَاهُ أَن ثَوَابهَا أعظم من غَيرهَا، وَاسْتدلَّ بِهِ على جَوَاز تَفْضِيل بعض الْقُرْآن على بعض، وَقد منع ذَلِك الْأَشْعَرِيّ وَجَمَاعَة لِأَن الْمَفْضُول نَاقص عَن دَرَجَة الْأَفْضَل، وأسماه الله وَصِفَاته وَكَلَامه لَا نقص فِيهَا، وَأجِيب عَن هَذَا بِأَن الْأَفْضَلِيَّة من حَيْثُ الثَّوَاب والنفع للمتعبدين لَا من حَيْثُ الْمَعْنى وَالصّفة، فَإِن قلت: يُؤَيّد التَّفْضِيل قَوْله تَعَالَى: { نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا} ( الْبَقَرَة: 106) قلت: الْخَيْرِيَّة فِي الْمَنْفَعَة والرفق لِعِبَادِهِ لَا من حَيْثُ الذَّات.
قَوْله: ( قَالَ: الْحَمد لله رب الْعَالمين) ، هَذَا صَرِيح فِي الدّلَالَة على أَن الْبَسْمَلَة لَيست من الْفَاتِحَة.
قَوْله: ( هِيَ السَّبع المثاني) ، أما السَّبع فَلِأَنَّهَا سبع آيَات بِلَا خلاف إِلَّا أَن مِنْهُم من عد: أَنْعَمت عَلَيْهِم دون التَّسْمِيَة، وَمِنْهُم من مذْهبه على الْعَكْس، قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ، قلت: الأول قَول الْحَنَفِيَّة، وَالْعَكْس قَول الشَّافِعِيَّة، فَإِنَّهُم يعدون التَّسْمِيَة من الْفَاتِحَة وَلَا يعدون: أَنْعَمت عَلَيْهِم آيَة، وَلكُل فريق حجج وبراهين عرفت فِي موضعهَا، وَإِمَّا تَسْمِيَتهَا بالمثاني فَلِأَنَّهَا تثني فِي كل رَكْعَة، وَقيل: المثاني من التَّثْنِيَة وَهِي التكرير لِأَن الْفَاتِحَة تكَرر قرَاءَتهَا فِي الصَّلَاة، أَو من الثَّنَاء لاشتمالها على مَا هُوَ ثَنَاء على الله تَعَالَى، وَفِيه نظر، والمثاني: جمع مثنى الَّذِي هُوَ معدول عَن اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، فَافْهَم.
وروى ابْن عَبَّاس: أَن السَّبع المثاني هِيَ السَّبع الطوَال: ( الْبَقَرَة) و ( آل عمرَان) و ( النِّسَاء) و ( الْمَائِدَة) و ( الْأَنْعَام) و ( الْأَعْرَاف) و ( يُونُس) وَكَذَا رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير، وَكَذَا ذكره الْحَاكِم،.

     وَقَالَ : الْكَهْف، بدل: يُونُس، وَذكر الدَّاودِيّ عَن غَيره: أَنَّهَا من ( الْبَقَرَة) إِلَى ( بَرَاءَة) قَالَ: وَقيل: هِيَ السَّبع الَّتِي تلِي هَذِه السَّبع، وَقيل: السَّبع الْفَاتِحَة، والمثاني الْقُرْآن،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: يَعْنِي بالعظيم عَظِيم المثوبة على قرَاءَتهَا وَذَلِكَ لما تجمع هَذِه السُّورَة من الثَّنَاء وَالدُّعَاء وَالسُّؤَال، وَالْوَاو فِي: وَالْقُرْآن الْعَظِيم، لَيست وَاو الْعَطف الْمُوجبَة للفصل بَين الشَّيْئَيْنِ وَإِنَّمَا هِيَ الْوَاو الَّتِي تَجِيء بِمَعْنى التَّخْصِيص كَقَوْلِه: { وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل} ( الْبَقَرَة: 98) ، وَكَقَوْلِه: { فَاكِهَة ونخل ورمان} ( الرَّحْمَن: 68) .

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي الْمَشْهُور بَين النُّحَاة أَن هَذِه الْوَاو للْجمع بَين الوصفين، فمعني: { وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم} أَي: مَا يُقَال لَهُ: السَّبع المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم، وَمَا يُوصف بهما انْتهى.
قلت: قَول الْخطابِيّ: إِن هَذِه الْوَاو وَلَيْسَت للْعَطْف خلاف مَا قَالَه النُّحَاة وَغَيرهم، وَهَذَا من عطف الْعَام على الْخَاص، وَقد مثل هُوَ أَيْضا بقوله: { فَاكِهَة ونخل ورمان} ( الْحجر: 87) وَهَذَا يرد كَلَامه على مَا لَا يخفى، وَكَون الْعَطف عطف الْعَام على الْخَاص أَو بِالْعَكْسِ لَا يخرج الْوَاو عَن العطفية.