فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب أيام الجاهلية

( بابُُ أيَّامِ الجاهِلِيَّةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَيَّام الْجَاهِلِيَّة وَهِي الْأَيَّام الَّتِي كَانَت قبل الْإِسْلَام، قَالَ بَعضهم: أَي مَا كَانَ بَين مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمبعث، وَفِيه نظر،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَيَّام الْجَاهِلِيَّة هِيَ مُدَّة الْفطْرَة الَّتِي كَانَت بَين عِيسَى وَرَسُول الله، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَسميت بهَا لِكَثْرَة جهالاتهم.
قلت: هَذَا هُوَ الصَّوَاب.



[ قــ :3654 ... غــ :3831 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى قَالَ هِشَامٌ حدَّثني أبِي عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ كانَ عَاشُورَاءُ يَوْمَاً تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ وكانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصُومُهُ فلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صامَهُ وأمَرَ بِصِيامِهِ فلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانَ كانَ مَنْ شَاءَ صامَهُ ومنْ شاءَ لَا يَصُومُهُ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( تصومه قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة) .
وَيحيى قو الْقطَّان وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّوْم فِي: بابُُ صِيَام عَاشُورَاء، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.





[ قــ :3655 ... غــ :383 ]
- حدَّثنا مُسْلِمٌ حدَّثنا وُهَيْبٌ حدَّثنا ابنُ طاوُسٍ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كانُوا يَرَوْنَ أنَّ العُمْرَةَ فِي أشْهُرِ الحَجِّ منَ الفُجُورِ فِي الأرْضِ وكانُوا يُسَمُّونَ المُحَرَّمَ صفَرَاً ويَقُولُونَ إذَا برَا الدَّبْرْ وعَفَا الأثَرْ حَلَّتْ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرَ قَالَ فَقَدمَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحَابُهُ رابِعَةً مُهِلِّينَ بالحَجِّ وأمرَهُمُ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً قالُوا يَا رسُولَ الله أيُّ الحِلِّ قَالَ الحِلُّ كُلُّهُ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( كَانُوا يرَوْنَ أَن الْعمرَة) إِلَى قَوْله: ( قَالَ: فَقدم) لِأَن مَا ذكر فِيهِ كُله من أَفعَال الْجَاهِلِيَّة، وَمُسلم هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم، ووهيب بِالتَّصْغِيرِ هُوَ ابْن خَالِد، وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله يروي عَن أَبِيه.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْحَج فِي: بابُُ التَّمَتُّع والإفراد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن وهيب الخ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( يسمون الْمحرم صفراً) أَي: يجعلونه مَكَانَهُ فِي الْحُرْمَة، وَذَلِكَ هُوَ النسيء الْمَشْهُور بَينهم كَانُوا يؤخرون ذَا الْحجَّة إِلَى الْمحرم، وَالْمحرم إِلَى صفر وهلم جراً.
قَوْله: ( الدبر) ، بِالدَّال الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ: الْجرْح الَّذِي يحصل على ظهر الْإِبِل، وَنَحْوه.
قَوْله: ( وَعَفا الْأَثر) أَي: انمحى أثر الدبر.
قَوْله: ( رَابِعَة) ، أَي: صبح رَابِعَة من شهر ذِي الْحجَّة أَو لَيْلَة رَابِعَة.
قَوْله: ( مهلّين) ، حَال.
قَوْله: ( أَي الْحل) ، أَي: أَي شَيْء من الْأَشْيَاء يحل لنا.
قَوْله: ( الْحل كُله) ، أَي: يحل فِيهِ جَمِيع مَا يحرم على الْمحرم، حَتَّى الْجِمَاع.





[ قــ :3656 ... غــ :3833 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيانُ قَالَ كانَ عَمْرٌ ويَقُولُ حدَّثنا سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ عنْ أبِيهِ عنْ جَدِّهِ قَالَ جاءَ سَيْلٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَكَسَا مَا بَيْنَ الجَبَلَيْنِ قَالَ سُفْيَانُ ويَقُولُ إنَّ هَذَا لَحَدِيثٌ لَهُ شأنٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فِي الْجَاهِلِيَّة) وَعلي بن عبد الله هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.
وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار عَن سعيد بن الْمسيب التَّابِعِيّ الْكَبِير الْفَقِيه، ومسيب هُوَ ابْن حزن بن أبي وهب بن عَمْرو ابْن عَائِذ بن عمرَان بن مَخْزُوم الْقرشِي المَخْزُومِي، أَبُو مُحَمَّد الْمدنِي، مَاتَ سنة أَربع وَتِسْعين فِي خلَافَة الْوَلِيد بن عبد الْملك وَهُوَ ابْن خمس وَسبعين سنة، وَهُوَ يروي عَن أَبِيه الْمسيب، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف الْمَفْتُوحَة، وَحكى كسرهَا، وَكَانَ الْمسيب مِمَّن بَايع تَحت الشَّجَرَة وَكَانَ تَاجِرًا.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: قَالَ الْحفاظ: لم يروِ عَن الْمسيب إلاَّ ابْنه سعيد، قَالَ: وَفِيه رد على الْحَاكِم أبي عبد الله الْحَافِظ فِيمَا قَالَ: لم يخرج البُخَارِيّ عَن أحد مِمَّن لم يروِ عَنهُ
إلاَّ راوٍ واحدٍ، قَالَ: وَلَعَلَّه أَرَادَ من غير الصَّحَابَة، وَالْمُسَيب هُوَ ابْن حزن، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي وَفِي آخِره نون وَكَانَ من الْمُهَاجِرين وَمن أَشْرَاف قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحزن: ( مَا اسْمك؟) قَالَ: حزن، قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أَنْت سهل؟) فَقَالَ: إسم سماني بِهِ أبي.
ويروى أَنه قَالَ لَهُ: إِنَّمَا السهولة للحمار.
قَالَ سعيد بن الْمسيب: فَمَا زَالَت الحزونة تعرف فِينَا حَتَّى الْيَوْم، وَفِيه أخرج البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن إِسْحَاق بن نصر وَعلي بن عبد الله ومحمود، على مَا سَيَجِيءُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
.

قَوْله ( فِي الْجَاهِلِيَّة) أَي قبل الْإِسْلَام قَوْله ( فكساما بَين الجبلين) أَي غطى مَا بَين جبلي مَكَّة المشرفين عَلَيْهَا
قَوْله: ( قَالَ سُفْيَان) ، هُوَ الرَّاوِي.
قَوْله: ( وَيَقُول) أَي: عَمْرو الْمَذْكُور.
قَوْله: ( شَأْن) أَي: قصَّة طَوِيلَة، وَذكر مُوسَى بن عقبَة أَن السَّيْل كَانَ يَأْتِي من فَوق الرَّدْم بِأَعْلَى مَكَّة فيخربه، فتخوفوا أَن يدْخل المَاء الْكَعْبَة فأرادوا تشييد بنيانها، فَكَانَ أول من طلعها وَهدم مِنْهَا شَيْئا الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، وَذكر الْقِصَّة.
قَالَ الْكرْمَانِي: الْحِكْمَة فِي أَن الْبَيْت ضبط فِي طوفان نوح، عَلَيْهِ، الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْغَرق وَرفع إِلَى السَّمَاء، وَفِي هَا السَّيْل قد غرق أَنه لَعَلَّه كَانَ ذَلِك عذَابا وَهَذَا لم يكن عذَابا.
انْتهى.
قلت: هَذَا تصرف عَجِيب، لِأَنَّهُ لما جَاءَ الطوفان كَانَ الْبَيْت الْمَعْمُور مَوضِع الْبَيْت، وَلما أهبط الله آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِلَى الأَرْض أُتِي إِلَيْهِ من الْهِنْد، وَقيل: لما آل الْأَمر إِلَى شِيث بنى الْكَعْبَة، وَذكر ابْن هِشَام: أَن المَاء لم يعله حِين الطوفان وَلكنه قَامَ حوله وَبَقِي فِي الْهَوَاء إِلَى السَّمَاء، وَأَن نوحًا، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، طَاف بِهِ هُوَ وَمن مَعَه فِي السَّفِينَة، ثمَّ بناها إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل، عَلَيْهِمَا السَّلَام.





[ قــ :3657 ... غــ :3834 ]
- حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عَن بَيَانٍ أبي بِشْرٍ عنْ قَيْسِ بنِ أبِي حازمٍ قَالَ دَخَلَ أبُو بَكْر علَى امْرَأةٍ مِنْ أحْمَسَ يُقالُ لَهَا زَيْنَبُ فرَآهَا لاَ تَكَلَّمُ فَقالَ مَا لَهَا لاَ تَكَلَّمُ قالُوا حَجَّتْ مُصْمِتَةً قَالَ لَهَا تَكَلَّمِي فإنَّ هذَا لاَ يَحِلُّ هاذَا مِنْ عَمَلِ الجاهِلِيَّةِ فتَكَلَّمَتْ فقالَتْ مَنْ أنْتَ قَالَ امْرُءٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ قالَتْ أيُّ المُهَاجِرِينَ قَالَ مِنْ قُرَيْشٍ قالَتْ مِنْ أيُّ قُرَيْشٍ أنْتَ قَالَ إنَّكِ لَسَؤُولٌ أنَا أبُو بَكْرٍ قالَتْ مَا بَقاؤُنا على هَذَا الأمْرِ الصَّالِحِ الَّذِي جاءَ الله بهِ بَعْدَ الجاهِلِيَّةِ قَالَ بَقَاؤُكُمْ علَيْهِ مَا اسْتَقَامَتْ بِكُمْ أئِمَّتُكُمْ قالَتْ وَمَا لأئِمَّةُ قَالَ أما كانَ لِقَوْمِكِ رُؤُسٌ وأشْرَافٌ يأمُرُونَهُمْ فيُطِيعُونَهُمْ قالَتْ بَلَى قَالَ فَهُمْ أُولَئِكَ علَى النَّاسِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( هَذَا من عمل الْجَاهِلِيَّة) .
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي، وَبَيَان، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن بشر المكنى بِأبي بشر الأحمسي الْمعلم الْكُوفِي، وَابْن أبي حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي: اسْمه عَوْف، قدم إِلَى الْمَدِينَة طَالبا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَعْدَمَا قبض، وَقد مر غير مرّة.

قَوْله: ( دخل أَبُو بكر) يَعْنِي الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَوْله: ( من أحمس) بالمهملتين وَفتح الْمِيم، وَهِي قَبيلَة من بجيلة ورد على ابْن التِّين فِي قَوْله: امْرَأَة من الحمس، وهم من قُرَيْش.
قَوْله: ( يُقَال لَهَا زَيْنَب) هِيَ بنت المُهَاجر، روى حَدِيثهَا مُحَمَّد بن سعد فِي ( الطَّبَقَات) من طَرِيق عبد الله بن جَابر الأحمسي عَن عمته زَيْنَب بنت المُهَاجر، قَالَت: خرجت حَاجَة ... فَذكر هَذَا الحَدِيث وَذكر ابْن مَنْدَه فِي ( تَارِيخ النِّسَاء) لَهُ: أَن زَيْنَب بنت جَابر أدْركْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وروت عَن أبي بكر، وروى عَنْهَا عبد الله بن جَابر وَهِي عمته، قَالَ: وَقيل: هِيَ بنت المُهَاجر بن جَابر، وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَل أَن فِي رِوَايَة شريك وَغَيره عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد فِي حَدِيث الْبابُُ: أَنَّهَا زَيْنَب بنت عَوْف، قَالَ: وَذكر ابْن عُيَيْنَة عَن إِسْمَاعِيل أَنَّهَا جدة إِبْرَاهِيم بن المُهَاجر، قيل: الْجمع بَين هَذِه الْأَقْوَال مُمكن بِأَن من قَالَ: بنت المُهَاجر، نَسَبهَا إِلَى أَبِيهَا، وَبنت جَابر نَسَبهَا إِلَى جدها الْأَدْنَى، أَو: بنت عَوْف نَسَبهَا إِلَى جدها الْأَعْلَى.
قَوْله: ( مصمتة) بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل بِمَعْنى: صامتة، يَعْنِي: ساكتة يُقَال: أصمت إصماتاً وَصمت صموتاً وصمتاً وصماتاً، وَالِاسْم: الصمت بِالضَّمِّ، قَوْله: ( فَإِن هَذَا) أَي: ترك الْكَلَام ( لَا يحل) قَوْله: ( هَذَا) أَي: الصمات من عمل الْجَاهِلِيَّة، وَقد احْتج بِهَذَا على أَن من حلف لَا يتَكَلَّم اسْتحبَّ لَهُ أَن يتَكَلَّم، وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ، لِأَن أَبَا بكر لم يأمرها بِالْكَفَّارَةِ.
.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة فِي ( الْمُغنِي) : لَيْسَ من شَرِيعَة الْإِسْلَام صمت الْكَلَام، وَظَاهر الْأَخْبَار تَحْرِيمه.
وَاحْتج بِحَدِيث أبي بكر وَبِحَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
يرفعهُ: لَا يتم بعد احْتِلَام وَلَا يصمت يَوْم إِلَى اللَّيْل، أخرجه أَبُو دَاوُد،.

     وَقَالَ : فَإِن نذر ذَلِك لم يلْزمه الْوَفَاء، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِي وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَلَا نعلم فِيهِ خلافًا.
فَإِن قلت: روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ: من صمت نجا.
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا مُرْسلا بِرِجَال ثقاة: أيسر الْعِبَادَة الصمت.
قلت: الصمت الْمُبَاح المرغوب فِيهِ ترك الْكَلَام الْبَاطِل، وَكَذَا الْمُبَاح الَّذِي يجر إِلَى شَيْء من ذَلِك، والصمت الْمنْهِي عَنهُ ترك الْكَلَام عَن الْحق لمن يستطيعه، وَكَذَا الْمُبَاح الَّذِي يَسْتَوِي طرفاه.
قَوْله: ( إنكِ) بِكَسْر الْكَاف لِأَنَّهُ خطاب لِزَيْنَب الْمَذْكُورَة.
قَوْله: ( لسؤول) أَي: كَثِيرَة السُّؤَال، وَصِيغَة فعول يَسْتَوِي فِيهَا الْمُذكر والمؤنث، وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد.
قَوْله: ( الْأَمر الصَّالح) أَي: دين الْإِسْلَام، وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من الْعدْل واجتماع الْكَلِمَة وَنصر الْمَظْلُوم وَوضع كل شَيْء فِي مَحَله.
قَوْله: ( بقاؤكم عَلَيْهِ مَا استقامت بكم أئمتكم) وَقت الْبَقَاء بالاستقامة إِذْ هم باستقامتهم تُقَام الْحُدُود وَتُؤْخَذ الْحُقُوق وَيُوضَع كل شَيْء فِي مَوْضِعه، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: مَا اسقامت لكم،.

     وَقَالَ  الْمُغيرَة: كُنَّا فِي بلَاء شَدِيد نعْبد الشّجر وَالْحجر ونمص الْجلد والنوى، فَبعث إِلَيْنَا رب السَّمَوَات رَسُولا منا، فَأمرنَا بِعبَادة الله وَحده وَترك مَا يعبد أباؤنا، وَذكر الحَدِيث وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ على عهد أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من الْأَمر واجتماع الْكَلِمَة، وَأَن لَا يظلم أحد أحدا.





[ قــ :3658 ... غــ :3835 ]
- حدَّثني فَرْوَةُ بنُ أبِي المغْرَاءِ أخْبرَنا علِيُّ بنُ مُسْهِرٍ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ أسْلَمَتْ امْرأةٌ سَوْدَاءُ لِبَعْضِ العَرَبِ وكانَ لَهَا حِفْأ فِي المَسْجِدِ قالَتْ فَكانَتْ تأتِينَا فتَحَدَّثُ عِنْدَنا فإذَا فَرَغَتْ مِنْ حدِيثِهَا قالَتْ:
( ويَوْمُ الوشاحِ مِنْ تَعاجِيبِ رَبِّنا ... ألاَ إنَّهُ مِنْ بَلْدَةَ الكُفْرِ أنْجَانِي)

فلَمَّا أكْثَرَتْ قالَتْ لَهَا عائِشَةٌ وَمَا يَوْمُ الوِشَاحِ قالَتْ خَرَجَتْ جُوَيْرِيةٌ لِبَعْضِ أهْلِي وعلَيْهَا وِشاحٌ مِنْ أدَمٍ فسَقَطَ مِنْهَا فانْحَطَّتْ علَيْهِ الحُدَيَّا وهْيَ تَحْسِبُهُ لَحْمَاً فأخَذَتْ فاتَّهَمُونِي بِهِ فعَذَّبُونِي حتَّى بَلَغَ مِنْ أمْرِي أنَّهُمْ طلَبُوا فِي قُبُلِي فبَيْنَمَا هُمْ حَوْلِي وأنَا فِي كَرْبِي إذْ أقْبَلَتِ الحُدَيَّا حتَّى وازَتْ بِرُؤوسِنَا ثُمَّ ألْقَتْهُ فأخَذُوهُ فقُلْتُ لَهُمْ هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ وأنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ.
( انْظُر الحَدِيث 934) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ مَا كَانَ عَلَيْهِ أهل الْجَاهِلِيَّة من الْجفَاء فِي الْفِعْل وَالْقَوْل، أَلا ترى أَن الَّذين أتهموا هَذِه الْمَرْأَة السَّوْدَاء كَيفَ جفوها وعذبوها وبالغوا فِيهِ حَتَّى فتشوا فِي قبلهَا؟ قَوْله: ( وفروة) ، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء ابْن أبي المغراء، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالراء وبالمد: أَبُو الْقَاسِم الْكِنْدِيّ الْكُوفِي من أَفْرَاد البُخَارِيّ.

والْحَدِيث مضى فِي أَبْوَاب الْمَسَاجِد فِي: بابُُ نوم الْمَرْأَة فِي الْمَسْجِد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة عَن هِشَام ... إِلَخ، بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( حفش) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْفَاء وَفِي آخِرَة شين مُعْجمَة: وَهُوَ الْبَيْت الضّيق الصَّغِير.
قَوْله: ( والوشاح) بِكَسْر الْوَاو.
وَيُقَال لَهُ: إشاح أَيْضا.
وَهُوَ شَيْء ينسج عريضاً من أَدِيم وَرُبمَا رصع بالجوهر والخرز وتشده الْمَرْأَة بَين عاتقها وكشحها.
قَوْله: ( من تعاجيب رَبنَا) ويروى: من تباريح رَبنَا، والتعاجيب الْعَجَائِب لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا، والتباريح جمع تبريح وَهُوَ الْمَشَقَّة والشدة.
قَوْله: ( أَلا أَنه) ويروى: على أَنه قَوْله: ( من بَلْدَة الْكفْر) ، قَوْله: ويروي من دارة الْكفْر ( الحديا) ، مصغر الحدأة على وزن العنبة، قَوْله: ( وازت) أَي: حاذت.





[ قــ :3659 ... غــ :3836 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ألاَ مَنْ كانَ حالِفَاً فَلاَ يَحْلِفُ إلاَّ بِاللَّه فَكانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بآبَائِهَا فَقَالَ لاَ تَحْلِفُوا بآبَائِكُمْ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ، فَإِن فِيهِ النَّهْي عَن الْحلف بِالْآبَاءِ لِأَنَّهُ من أَفعَال الْجَاهِلِيَّة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن يحيى بن يحيى وَيحيى بن أَيُّوب وقتيبة وَعلي بن حجر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَليّ بن حجر.

وَكلمَة ( ألاَ) للتّنْبِيه فتدل على تحقق مَا قبلهَا.
قَوْله: ( من كَانَ حَالفا) يَعْنِي: من أَرَادَ أَن يحلف لتأكيد فعل أَو قَول فَلَا يحلف إلاَّ بِاللَّه، لِأَن الْحلف يَقْتَضِي تَعْظِيم الْمَحْلُوف بِهِ، وَحَقِيقَة العظمة مُخْتَصَّة بِاللَّه تَعَالَى فَلَا يضاهى بِهِ غَيره، وَقد جَاءَ عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: لِأَن أَحْلف بِاللَّه تَعَالَى مائَة مرّة فآثم خير من أَن أَحْلف بِغَيْرِهِ فأبر.
وَيكرهُ الْحلف بِغَيْر أَسمَاء الله تَعَالَى وَصِفَاته وَسَوَاء فِي ذَلِك: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والكعبة وَالْمَلَائِكَة وَالْأَمَانَة وَالروح، وَغير ذَلِك، وَمن أَشدّهَا كَرَاهَة الْحلف بالأمانة.
فَإِن قلت: قد أقسم الله تَعَالَى بمخلوقاته، كَقَوْلِه: { وَالصَّافَّات} { والذاريات} { وَالْعَادِيات} ؟ قلت: إِن الله تَعَالَى أَن يقسم بِمَا شَاءَ من مخلوقاته تَنْبِيها على شرفها.
قَوْله: ( فَكَانَت قُرَيْش تحلف بِآبَائِهَا) بِأَن يَقُول وَاحِد مِنْهُم عِنْد إِرَادَة الْحلف، وَأبي أفعل هَذَا، أَو: وَأبي لَا أفعل، أَو يَقُول: وَحقّ أبي، أَو تربة أبي وَنَحْو ذَلِك، فَنهى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك، فَقَالَ: لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ لِأَن هَذَا من أَيْمَان الْجَاهِلِيَّة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: ( إِن الله يَنْهَاكُم أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمن كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه أَو ليصمت) وَفِي رِوَايَة: لَا تحلفُوا بِالطَّوَاغِيتِ وَلَا بِآبَائِكُمْ.
قَالَ النَّوَوِيّ: فَإِن قيل: هَذَا الحَدِيث مُخَالف لقَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أَفْلح وَأَبِيهِ إِن صدق) فَجَوَابه: إِن هَذِه كلمة تجْرِي على اللِّسَان لَا يقْصد بهَا الْيَمين،.

     وَقَالَ  غَيره: بل هِيَ من جملَة مَا يُزَاد فِي الْكَلَام لمُجَرّد التَّقْرِير والتأكيد، وَلَا يُرَاد بهَا الْقسم كَمَا تزاد صِيغَة النداء لمُجَرّد الِاخْتِصَاص دون الْقَصْد إِلَى النداء.





[ قــ :3660 ... غــ :3837 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حدَّثني ابنُ وهْبٍ قَالَ أخْبَرَنِي عَمْرٌ وأنَّ عَبْدَ الرَّحْمانِ ابنَ القَاسِمِ حدَّثَهُ أنَّ القَاسِمَ كانَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ الجَنَازَةِ ولاَ يَقُومُ لَهَا ويُخْبِرُ عنْ عائِشةَ قالَتْ كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يقُومُونَ لَهَا يَقُولُونَ إذَا رَأوْهَا كُنْتِ فِي أهْلِكِ مَا أنْتِ مَرَّتَيْنِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي لفظ: ( أهل الْجَاهِلِيَّة) .
وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ سكن مصر، قَالَ الْمُنْذِرِيّ: قدم مصر وَحدث بهَا وَتُوفِّي بهَا سنة ثَمَان، وَيُقَال: سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَعَمْرو هُوَ ابْن الْحَارِث الْمصْرِيّ، وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

قَوْله: ( كَانَ يمشي بَين يَدي الْجِنَازَة) ، وَفِيه خلاف، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّة الْمَشْي أَمَام الْجِنَازَة أفضل، وَعند الْحَنَفِيَّة وَرَاءَهَا أفضل، لِأَنَّهَا متبوعة، وَبِه قَالَ فِي رِوَايَة، وَعنهُ: الْأَفْضَل أَن تكون المشاة أمامها والركبان خلفهَا، وَبِه قَالَ أَحْمد.
قَوْله: ( وَلَا يقوم لَهَا) ، أَي: وَلَا يقوم الْقَاسِم أَي للجنازة، ويخبر عَن أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَت: كَانَ أَي أهل الْجَاهِلِيَّة يقومُونَ لَهَا إِذا رَأَوْا الْجِنَازَة، وَالظَّاهِر أَن أَمر الشَّارِع بِالْقيامِ لَهَا لم يبلغ عَائِشَة، فرأت أَن ذَلِك من أَفعَال أهل الْجَاهِلِيَّة، وَلَكِن الشَّارِع فعله، وَاخْتلف فِي نسخه، فَقَالَت الشَّافِعِيَّة وَمَالك: هُوَ مَنْسُوخ بجلوسه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْمُخْتَار أَنه باقٍ، وَبِه قَالَ ابْن الْمَاجشون، قَالَ هُوَ على التَّوسعَة، وَالْقِيَام فِيهِ أجر وَحِكْمَة باقٍ،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: إِذا تقدمها لم يجلس حَتَّى تحضر وَيُصلي عَلَيْهَا.
قَوْله: ( كنت فِي أهلك مَا أَنْت مرَّتَيْنِ) كلمة: مَا، مَوْصُولَة وَبَعض صلته مَحْذُوف أَي: الَّذِي أَنْت فِيهِ كنت فِي الْحَيَاة مثله إِن خيرا فَخير وَإِن شرا فشر، وَذَلِكَ فِيمَا كَانُوا يدعونَ من أَن روح الْإِنْسَان تصير طائراً مثله، وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْدهم بالصدي والهام، وَيجوز أَن تكون كلمة: مَا، استفهامية أَي: كنت فِي أهلك شريفاً مثلا، فَأَي شَيْء أَنْت الْآن؟ وَيجوز أَن يكون: مَا، نَافِيَة، وَلَفظ: مرَّتَيْنِ من تَتِمَّة الْمَقُول، أَي: كنت مرّة فِي الْقَوْم وَلست بكائن فيهم مرّة أُخْرَى، كَمَا هُوَ مُعْتَقد الْكفَّار، حَيْثُ قَالُوا: { مَا هِيَ إلاَّ حياتنا الدُّنْيَا} ( الجاثية: 4) .





[ قــ :3661 ... غــ :3838 ]
- حدَّثني عَمْرُو بنُ عَبَّاسٍ حدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمانِ حدَّثَنَا سُفْيانُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنْ عَمْرِو ابنِ ميْمُونٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ إنَّ المُشْرِكِينَ كانُوا لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ علَى ثَبِيرٍ فخَالَفَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأفاضَ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
( انْظُر الحَدِيث 4861) .


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( إِن الْمُشْركين لَا يفيضون من جمع حَتَّى تشرق الشَّمْس) .
وَعَمْرو بن عَبَّاس، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: أَبُو عُثْمَان الْبَصْرِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن مهْدي بن حسان الْعَنْبَري الْبَصْرِيّ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي، وَعَمْرو بن مَيْمُون الأودي أَبُو عبد الله الْكُوفِي، أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ بِالشَّام ثمَّ سكن الْكُوفَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْحَج فِي: بابُُ مَتى يدْفع من جمع؟
قَوْله: ( لَا يفيضون) ، من الْإِفَاضَة وَهِي الدّفع هُنَا، وكل دفْعَة إفَاضَة، وَالْمعْنَى: لَا يدْفَعُونَ من جمع، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْمِيم بعْدهَا عين مُهْملَة: وَهِي الْمزْدَلِفَة.
قَوْله: ( حَتَّى تشرق) بِفَتْح التَّاء وَضم الرَّاء، كَذَا ضَبطه ابْن التِّين، وَالْمَشْهُور بِضَم التَّاء وَكسر الرَّاء.
قَوْله: ( على ثبير) بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الْبَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء: وَهُوَ جبل مَعْرُوف عِنْد مَكَّة.





[ قــ :3663 ... غــ :3841 ]
- حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عنْ أبِي سلَمَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصْدَقُ كلِمَةٍ قالَهَا الشاعِرُ كلِمَةُ لَبِيدٍ:
( ألاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ الله باطِلٌ ... وكادع امَيَّةُ بنُ أبِي الصَّلْتِ أنْ يُسْلِمَ)

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ: إِن كلاَّ من لبيد وَأُميَّة شَاعِر جاهلي أما لبيد فَهُوَ ابْن ربيعَة بن عَامر بن مَالك بن جَعْفَر بن كلاب ابْن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن الْجَعْفَرِي العامري، شَاعِر من فحول الشُّعَرَاء مفلق مُتَقَدم فِي الفصاحة مجيد فَارس جواد حَكِيم، يكنى أَبَا عقيل مخضرم، أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام، وَهُوَ عِنْد ابْن سَلام من الطَّبَقَة الثَّالِثَة من شعراء الْجَاهِلِيَّة، وَفد على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سنة وَفد بني جَعْفَر فَأسلم وَحسن إِسْلَامه،.

     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة: قدم على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي وَفد كلاب وَكَانَ شريفاً فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام، مَاتَ بِالْكُوفَةِ فِي إِمَارَة الْوَلِيد بن عقبَة عَلَيْهَا فِي خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
.

     وَقَالَ  مَالك بن أنس: بَلغنِي أَنه عَاشَ مائَة وَأَرْبَعين سنة، وَقيل: مَاتَ وَهُوَ ابْن مائَة وَسبع وَخمسين سنة،.

     وَقَالَ  أَكثر أهل الْعلم بالأخبار: لم يقل شعرًا مُنْذُ أسلم، وَأما أُميَّة فَهُوَ ابْن أبي الصَّلْت عبد الله بن أبي ربيعَة ابْن عَوْف بن عقدَة بن غيرَة بن ثَقِيف أَبُو عُثْمَان، وَيُقَال: أَبُو الحكم، قدم دمشق قبل الْإِسْلَام، وَقيل: إِنَّه كَانَ صَالحا.
.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: وَكَانَ قد تنبأ فِي الْجَاهِلِيَّة فِي أول زَمَانه، وَأَنه كَانَ فِي أول عمره على الْإِيمَان، ثمَّ زاغ عَنهُ وَأَنه هُوَ الَّذِي أَرَادَ الله بقوله: { واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا} ( الْأَعْرَاف: 571) .
الْآيَة.
وَكَانَ شَاعِرًا مجيداً، إلاَّ أَنه لقرَاءَته الْكتب الْمنزلَة كَانَ يَأْتِي فِي شعره بأَشْيَاء لَا تعرفها الْعَرَب، فَلذَلِك كَانَت الْعلمَاء لَا تحتج بِشعرِهِ،.

     وَقَالَ  أَبُو الْفرج: وَقيل: لما بعث رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ أُميَّة ابنيه وهرب بهما إِلَى الْيمن، ثمَّ عَاد إِلَى الطَّائِف وَمَات فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن.
الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
الثَّالِث: عبد الْملك بن عُمَيْر الْكُوفِي.
الرَّابِع: أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن ابْن بشار وَفِي الرقَاق عَن مُحَمَّد بن الْمثنى.
وَأخرجه مُسلم فِي الشّعْر عَن مُحَمَّد بن الصَّباح وَعَن جمَاعَة آخَرين.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الإستيذان عَن عَليّ بن حجر وَفِي الشَّمَائِل عَن مُحَمَّد بن بشار وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن الصَّباح.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( أصدق كلمة) ، أصدق أفعل التَّفْضِيل تدل على الْمُبَالغَة فِي الصدْق، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ وَمُسلم: أشعر كلمة تَكَلَّمت بهَا الْعَرَب كلمة لبيد ... إِلَى آخِره، وروينا هَذِه الرِّوَايَة أَيْضا من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، وَقد رويت هَذِه اللَّفْظَة بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة: أصدق بَيت قَالَه الشَّاعِر، وَإِن أصدق بَيت قالته الشُّعَرَاء، وَكلهَا فِي ( الصَّحِيح) ، وَمِنْهَا: أشعر كلمة قالتها الْعَرَب، قَالَه ابْن مَالك فِي ( شَرحه للتسهيل) وَكلهَا من وصف الْمعَانِي مُبَالغَة بِمَا يُوصف بِهِ الْأَعْيَان كَقَوْلِهِم: شعر شَاعِر، خوف خَائِف، وَمَوْت مائت، ثمَّ يصاغ مِنْهُ أفعل بِاعْتِبَار ذَلِك الْمَعْنى، فَيُقَال: شعرك أشعر من شعره وخوفي أخوف من خَوفه.
قَوْله: ( كلمة) ، فِيهِ إِطْلَاق الْكَلِمَة على الْكَلَام، وَهُوَ مجَاز مهمل عِنْد النَّحْوِيين مُسْتَعْمل عِنْد الْمُتَكَلِّمين، وَهُوَ من بابُُ تَسْمِيَة الشَّيْء باسم جزئه على سَبِيل التَّوَسُّع.
قَوْله: ( أَلا كل شَيْء) كلمة: ألاَ، حرف استفتاح فتصدر بهَا الْجُمْلَة الإسمية والفعلية، وَلَفظ: كل، إِذا أضيف إِلَى النكرَة يَقْتَضِي عُمُوم الْأَفْرَاد، وَإِذا أضيف إِلَى الْمعرفَة يَقْتَضِي عُمُوم الْأَجْزَاء، يظْهر ذَلِك فِي: كل رمان مَأْكُول، وكل الرُّمَّان مَأْكُول، فَالْأول صَحِيح دون الثَّانِي.
قَوْله: ( مَا خلا الله) ، كلمة: خلا وَعدا، إِذا وَقعا صلَة: لما، المصدرية وَجب أَن يَكُونَا فعلين، لِأَن الْحَرْف لَا يُوصل بالحرف، فَوَجَبَ أَن يَكُونَا فعلين، فَوَجَبَ النصب، وَلَفْظَة: الله، مَنْصُوبَة بقوله: خلا.
وَقَوله: ( كل شَيْء) مُبْتَدأ.
وَقَوله: ( بَاطِل) خَبره، وَمَعْنَاهُ: ذَاهِب، من بَطل الشَّيْء يبطل بطلاً وبطلاً وبطولاً وبطلاناً، وَمَعْنَاهُ: كل شَيْء سوى الله تَعَالَى زائل فَائت مضمحل لَيْسَ لَهُ دوَام.
فَإِن قلت: الطَّاعَات والعبادات حق لَا محَالة، وَكَذَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دُعَائِهِ فِي اللَّيْل: أَنْت الْحق وقولك الْحق وَالْجنَّة وَالنَّار حق فَكيف تُوصَف هَذِه الْأَشْيَاء بِالْبُطْلَانِ.
قلت: المُرَاد من قَوْله: ( مَا خلا الله) أَي: مَا خلاه، وخلا صِفَاته الذاتية والفعلية من رَحْمَة وَعَذَاب وَغير ذَلِك، وَجَوَاب آخر: الْجنَّة وَالنَّار إِنَّمَا يبقيان بإبقاء الله لَهما وَخلق الدَّوَام لأهلهما.
وكل شَيْء سوى الله يجوز عَلَيْهِ الزَّوَال لذاته، وكل شَيْء لَا يَزُول فبإبقاء الله تَعَالَى وَالنّصف الْأَخير للبيت.

وكل نعيم لَا محَالة زائل
وَهُوَ من قصيدة من الطَّوِيل وجملتها عشرَة أَبْيَات ذَكرنَاهَا فِي ( شرح الشواهد الْكُبْرَى) وتكلمنا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة.
قَوْله: ( وَكَاد أُميَّة بن أبي الصَّلْت) ، وَلَفْظَة: كَاد، من أَفعَال المقاربة، وَهُوَ مَا وضع لدنو الْخَبَر رَجَاء أَو حصولاً، وأخذاً فِيهِ، تَقول كَاد زيد يخرج وَكَاد: أَن يخرج، أَي: قَارب أُميَّة الْإِسْلَام وَلكنه لم يسلم وَكَانَ يتعبد فِي الْجَاهِلِيَّة ويؤمن بِالْبَعْثِ وَأدْركَ الْإِسْلَام وَلم يسلم، وَفِي ( صَحِيح مُسلم) : عَن الشريد، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة ابْن سُوَيْد.
قَالَ: ( ردفت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا فَقَالَ: هَل مَعَك من شعر أُميَّة بن أبي الصَّلْت شَيْء؟ قلت: نعم.
قَالَ: هيه، فَأَنْشَدته بَيْتا، فَقَالَ: هيه، حَتَّى أنشدته مائَة بَيت، فَقَالَ: لقد كَاد يسلم فِي شعره)
، وروى ابْن مَنْدَه من حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن الفارعة بنت أبي الصَّلْت أُخْت أُميَّة أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَنْشَدته من شعر أُميَّة.
قَالَ: لقد كَاد أَن يسلم فِي شعره.





[ قــ :3664 ... غــ :384 ]
- حدَّثنا إسْمَاعِيلُ حدَّثني أخِي عنْ سُلَيْمَانَ بنِ بِلالٍ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ ابنِ القاسِمِ عنِ القاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانَ لأِبي بَكْرٍ غُلَام يخرج لَهُ الْخراج وَكَانَ أَبُو بكر يَأْكُل من خراجه فجَاء يَوْمًا بِشَيْء فَأكل مِنْهُ أَبُو بكر فَقالَ لَهُ الغُلاَمُ تَدْرِي مَا هَذَا فَقالَ أبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ قالَ كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإنْسَانٍ فِي الجاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الكِهَانَةَ إلاَّ أنَّي خَدَعْتُهُ فلَقِيَنِي فأعْطَانِي بِذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي أكَلْتَ مِنْهُ فأدْخَلَ أبُو بَكْرٍ يَدَهُ فقاءَ كلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( كنت تكهنت لإِنْسَان فِي الْجَاهِلِيَّة) وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، واسْمه: عبد الله الْمدنِي ابْن أُخْت مَالك ابْن أنس.
وَأَخُوهُ عبد الحميد يكنى أَبَا بكر الْمدنِي، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال أَبُو أَيُّوب الْقرشِي التَّيْمِيّ الْمدنِي، وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ قَاضِي الْمَدِينَة.

قَوْله: ( يخرج) ، بِضَم الْيَاء من الْإِخْرَاج، أَرَادَ أَنه يَأْتِي لَهُ بِمَا يكسبه من الْخراج وَهُوَ مَا يقرره السَّيِّد على عَبده من مَال يَدْفَعهُ إِلَيْهِ من كَسبه.
قَوْله: ( كنت تكهنت) ، من الكهانة وَهُوَ إِخْبَار عَمَّا سَيكون من غير دَلِيل شَرْعِي، وَكَانَ هَذَا كثيرا فِي الْجَاهِلِيَّة خُصُوصا قبل ظُهُور النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( وَمَا أحسن) الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: ( فَأَعْطَانِي بذلك) ، أَي: بِمُقَابلَة مَا تكهنت لَهُ.
قَوْله: ( فقاء) ، أَي: استفرغ كل مَا أكل مِنْهُ، وَإِنَّمَا قاء لِأَن حلوان الكاهن مَنْهِيّ عَنهُ، والمحصل من المَال بطرِيق الخديعة حرَام،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَالله تَعَالَى وضع مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة، وَلَو كَانَ فِي الْإِسْلَام لغرم مثل مَا أكل أَو قِيمَته إِن لم يكن مِمَّا يقْضِي فِيهِ بِالْمثلِ.