فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: متى يقعد إذا قام للجنازة؟

( بابُُ مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلاَ يَقْعُدُ حَتَّى تُوضَعَ عنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ فانْ قَعَدَ أُمِرَ بِالقِيامِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم من اتبع جَنَازَة، وَالْحكم هُوَ أَن لَا يقْعد حَتَّى تُوضَع الْجِنَازَة عَن مناكب الرِّجَال، وَقد ذكرنَا الْخلاف فِي المُرَاد بِالْوَضْعِ: هَل هُوَ وَضعهَا على الأَرْض أَو فِي اللَّحْد؟ فَكَأَن البُخَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَنه اخْتَار رِوَايَة من روى حَتَّى تُوضَع فِي الأَرْض.
قَوْله: ( أَمر) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، مَعْنَاهُ: أَن الَّذِي مرت بِهِ جَنَازَة إِن كَانَ قَائِما ثمَّ قعد فَإِنَّهُ يُؤمر بِالْقيامِ إِلَى أَن تُوضَع، وَقد مر الْكَلَام فِي الْأَمر بِالْقيامِ: هَل كل وَاجِبا أَو سنة أَو مُسْتَحبا؟


[ قــ :1260 ... غــ :1309 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ قَالَ حدَّثنا ابنُ أبِي ذِئْبٍ عنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عنْ أبِيهِ.
قَالَ كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فأخَذَ أبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ بِيَدِ مَرْوَانَ فَجَلَسَا قَبْلَ أنْ تُوضَعَ فَجَاءَ أبُو سعِيدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فأخَذَ بِيَدَ مَرْوَانَ فَقَالَ قُمْ فَوَالله لَقَدْ عَلِمَ هاذَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَانَا عنْ ذالِكَ فَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ صَدَقَ.

( الْحَدث 9031 طرفه فِي: 0131) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن أَبَا سعيد أَمر بِالْقيامِ للجنازة بعد أَن جلس هُوَ وَأَبُو هُرَيْرَة فَإِن قلت: سلمنَا أَنه أَمر مَرْوَان بِالْقيامِ، وَلَكِن قِيَامه لَا يفهم من صَرِيح الحَدِيث؟ قلت: روى الطَّحَاوِيّ من طَرِيق الشّعبِيّ عَن أبي سعيد، قَالَ: مر على مَرْوَان بِجنَازَة فَلم يقم، فَقَالَ لَهُ أَبُو سعيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرت عَلَيْهِ جَنَازَة فَقَامَ، فَقَامَ مَرْوَان، وأصل الحَدِيث وَاحِد.

ذكر رِجَاله: وهم أَحْمد بن يُونُس وَهُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس أَبُو عبد الله التَّمِيمِي الْيَرْبُوعي الْكُوفِي، وَابْن أبي ذِئْب، بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة: هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، وَسَعِيد المَقْبُري، بِفَتْح الْمِيم وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتحهَا وَقيل بِكَسْرِهَا أَيْضا: سمي بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يحفظ مَقْبرَة بني دِينَار، وَأَبوهُ كيسَان، ومروان هُوَ ابْن الحكم بن أبي الْعَاصِ أَبُو عبد الْملك الْأمَوِي، وَأَبُو سعيد هُوَ الْخُدْرِيّ واسْمه سعد بن مَالك، وَالْكل تقدمُوا.
والْحَدِيث من أَفْرَاد البُخَارِيّ.

قَوْله: ( لقد علم هَذَا) أَي: أَبُو هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَانَا عَن الْجُلُوس قبل وضع الْجِنَازَة.
قَوْله: ( صدق) ، أَي: أَبُو سعيد، وَفِي ( التَّوْضِيح) : قعُود أبي هُرَيْرَة ومروان دَلِيل على أَنَّهُمَا علما أَن الْقيام لَيْسَ بِوَاجِب، وَأَنه أَمر مَتْرُوك لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَل، لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يكون الْعَمَل على الْقيام عِنْدهم، ويجلسان، وَلَو كَانَ مَعْمُولا بِهِ لما خَفِي على مَرْوَان لتكرر مثل هَذَا الْأَمر وَكَثْرَة شهودهم الْجَنَائِز.
فَإِن قلت: مَا وَجه تَصْدِيق أبي هُرَيْرَة أَبَا سعيد على مَا ذكر؟ قلت: تَصْدِيقه إِيَّاه لأجل مَا علم من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى أَولا عَن الْقعُود عِنْد مُرُور الْجِنَازَة، وَعلم بعد ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قعد، فَصدقهُ على مَا كَانَ أَولا وَجلسَ هُوَ ومروان على مَا اسْتَقر عَلَيْهِ آخر الْعَمَل.