فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب أوقاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأرض الخراج ومزارعتهم، ومعاملتهم

( بابُُ أوْقَافِ أصْحَابِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأرْضِ الخَرَاجِ ومُزَارَعَتِهِمْ ومُعَامَلَتِهِمْ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم أوقاف النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبَيَان أَرض الْخراج، وَبَيَان مزارعتهم، وَبَيَان معاملتهم.
قَالَ ابْن بطال: معنى هَذِه التَّرْجَمَة: أَن الصَّحَابَة كَانُوا يزارعون أوقاف النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد وَفَاته على مَا كَانَ عَلَيْهِ يهود خَيْبَر.

وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِعُمَرَ تصَدَّقْ بأصْلِهِ لَا يُبَاعُ ولَكِنْ يُنْفِقُ ثَمرَهُ فتَصَدَّقَ بِهِ
مطابقته للصدر الأول من التَّرْجَمَة، وَهِي تظهر من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر: ( تصدق بِأَصْلِهِ) إِلَى آخِره، وَهَذَا حكم وقف الصَّحَابِيّ، وَكَذَلِكَ يكون حكم أوقاف بَقِيَّة الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَهَذَا التَّعْلِيق قِطْعَة من حَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي كتاب الْوَصَايَا فِي: بابُُ قَول الله عز وَجل: { وابتلوا الْيَتَامَى} ( النِّسَاء: 6) .
الْآيَة، فَقَالَ: حَدثنَا هَارُون، حَدثنَا أَبُو سعيد مولى بني هَاشم، حَدثنَا صَخْر بن جوَيْرِية عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، تصدق بِمَال لَهُ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ يُقَال لَهُ: ثمغ، وَكَانَ نخلا، فَقَالَ عمر: يَا رَسُول الله! إِنِّي اسْتَفَدْت مَالا وَهُوَ عِنْدِي نَفِيس، فَأَرَدْت أَن أَتصدق بِهِ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( تصدق بِأَصْلِهِ، لَا يُبَاع وَلَا يُوهب وَلَا يُورث، وَلَكِن ينْفق ثمره) .
فَتصدق بِهِ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فصدقته تِلْكَ فِي سَبِيل الله وَفِي الرّقاب وَالْمَسَاكِين والضيف وَابْن السَّبِيل وَلِذِي الْقُرْبَى، وَلَا جنَاح على من وليه أَن يَأْكُل مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ أَو يُؤْكَل صديقه غير مُتَمَوّل بِهِ.
قَوْله: ( تصدق بِأَصْلِهِ) ، هَذِه الْعبارَة كِنَايَة عَن الْوَقْف، وَلَفظ: تصدق، أَمر.
قَوْله: ( وَلَكِن ينْفق) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( فَتصدق بِهِ) ، أَي: فَتصدق عمر بِهِ، وَالضَّمِير يرجع إِلَى المَال الْمَذْكُور فِي الحَدِيث الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن، وَهُوَ المَال الَّذِي كَانَ يُقَال لَهُ: ثمغ، وَكَانَ نخلا، والثمغ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْمِيم وَفِي آخِره غين مُعْجمَة:.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: ثمغ، وصرمة بن الْأَكْوَع مالان معروفان بِالْمَدِينَةِ لعمر بن الْخطاب فوقفهما.
وَفِي ( مُعْجم الْبكْرِيّ) : ثمغ مَوضِع تِلْقَاء الْمَدِينَة كَانَ فِيهِ مَال لعمر بن الْخطاب، فَخرج إِلَيْهِ يَوْمًا ففاتته صَلَاة الْعَصْر، فَقَالَ: شغلتني ثمغ عَن الصَّلَاة، أشهدكم أَنَّهَا صَدَقَة.



[ قــ :2237 ... غــ :2334 ]
- حدَّثنا صَدَقَةُ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الرَّحْمانِ عنْ مالِكٍ عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عنْ أبِيهِ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ لَوْلاَ آخِرُ المُسْلِمِينَ مَا فَتَحْتُ قَرْيَةً إلاَّ قَسَمْتُهَا بَيْنَ أهْلِهَا كمَا قسَمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَرَ.
.


مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة، بَيَان ذَلِك أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما فتح السوَاد لم يقسمها بَين أَهلهَا بل وضع على من بهم من أهل الذِّمَّة الْخراج فزارعهم وعاملهم، وَبِهَذَا يظْهر أَيْضا دُخُول هَذَا الْبابُُ فِي أَبْوَاب الْمُزَارعَة.

وَرِجَاله سِتَّة: الأول: صَدَقَة بن الْفضل الْمروزِي وَهُوَ من أَفْرَاده.
الثَّانِي: عبد الرَّحْمَن بن مهْدي الْبَصْرِيّ.
الثَّالِث: مَالك بن أنس.
الرَّابِع: زيد بن أسلم أَبُو أُسَامَة، مولى عمر بن الْخطاب الْعَدوي، مَاتَ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة.
الْخَامِس: أَبوهُ أسلم مولى عمر بن الْخطاب، يكنى أَبَا خَالِد، كَانَ من سبي الْيمن،.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: أَبُو زيد الحبشي البجاوي من بجاوة، كَانَ من سبي عين التَّمْر، اشْتَرَاهُ عمر بِمَكَّة سنة إِحْدَى عشرَة لما بَعثه أَبُو بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ليقيم للنَّاس الْحَج، مَاتَ قبل مَرْوَان بن الحكم وَهُوَ صلى عَلَيْهِ وَهُوَ ابْن أَربع عشرَة وَمِائَة سنة.
السَّادِس: عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن سعيد بن أبي مَرْيَم وَمُحَمّد بن الْمثنى وَفِي الْجِهَاد عَن صَدَقَة بن الْفضل.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْخراج عَن أَحْمد بن حَنْبَل وَلَفظ أَحْمد: لَئِن عِشْت إِلَى هَذَا الْعَام الْمقبل لَا يفتح النَّاس قَرْيَة إلاَّ قسمتهَا بَيْنكُم.

قَوْله: ( مَا فتحت) على صِيغَة الْمَجْهُول، قَوْله: ( قَرْيَة) ، مَرْفُوع بِهِ وَيجوز فتحت على بِنَاء الْفَاعِل، وقرية بِالنّصب مَفْعُوله.
قَوْله: ( إلاَّ قسمتهَا) ، زَاد ابْن إِدْرِيس الثَّقَفِيّ فِي رِوَايَة: مَا افْتتح الْمُسلمُونَ قَرْيَة من قرى الْكفَّار إلاَّ قسمتهَا سهماناً.
قَوْله: ( بَين أَهلهَا) ، أَي: الْغَانِمين.
قَوْله: كَمَا قسم النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَزَاد ابْن إِدْرِيس فِي رِوَايَته وَلَكِن أردْت أَن يكون جِزْيَة تجْرِي عَلَيْهِم، وَقد كَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يعلم أَن المَال يعز، وَأَن الشُّح يغلب، وَأَن لَا ملك بعد كسْرَى يُقيم وتحرز خزائنه فيغنى بهَا فُقَرَاء الْمُسلمين، فأشفق أَن يبْقى آخر النَّاس لَا شَيْء لَهُم، فَرَأى أَن يحبس الأَرْض وَلَا يقسمها، كَمَا فعل بِأَرْض السوَاد نظرا للْمُسلمين وشفقة على آخِرهم بدوام نَفعهَا لَهُم ودر خَيرهَا عَلَيْهِم، وَبِهَذَا قَالَ مَالك فِي أشهر قوليه: إِن الأَرْض لَا تقسم.
<