فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم

( بابُُ قَتْلِ الخَوارِجِ والمُلْحِدِينَ بَعْدَ إقامَةِ الحُجَّةِ عَليْهِمْ)
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان قتل الْخَوَارِج ... الخ، وَهُوَ جمع خَارِجَة أَي: طَائِفَة خَرجُوا عَن الدّين وهم قوم مبتدعون سموا بذلك لأَنهم خَرجُوا على خِيَار الْمُسلمين،.

     وَقَالَ  الشهرستاني فِي الْملَل والنحل كل من خرج على الإِمَام الْحق فَهُوَ خارجي سَوَاء فِي زمن الصَّحَابَة أَو بعدهمْ،.

     وَقَالَ  الْفُقَهَاء: الْخَوَارِج غير الباغية وهم الَّذين خالفوا الإِمَام بِتَأْوِيل بَاطِل ظنا.
والخوارج خالفوا لَا بِتَأْوِيل أَو بِتَأْوِيل بَاطِل قطعا.
وَقيل: هم طَائِفَة من المبتدعة لَهُم مقالات خَاصَّة مثل: تَكْفِير العَبْد بالكبيرة، وَجَوَاز كَون الإِمَام من غير قُرَيْش، سموا بِهِ لخروجهم على النَّاس بمقالاتهم.
قَوْله: والملحدين أَي: وَقتل الْمُلْحِدِينَ وَهُوَ جمع ملحد، وَهُوَ الْعَادِل عَن الْحق المائل إِلَى الْبَاطِل.
قَوْله: بعد إِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِم يُشِير البُخَارِيّ بذلك إِلَى أَنه لَا يجب قتال خارجي وَلَا غَيره إلاَّ بعد الاعذار عَلَيْهِ، ودعوته إِلَى الْحق وتبيين مَا الْتبس عَلَيْهِ، فَإِن أَبى عَن الرُّجُوع إِلَى الْحق وَجب قِتَاله بِدَلِيل الْآيَة الَّتِي ذكرهَا.

وقَوْلُ الله تَعَالَى: { وَمَا كَانَ الله ليضل قوما بعد إِذْ هدَاهُم حَتَّى يبين لَهُم مايتقون إِن الله بِكُل شَيْء عليم}
أَشَارَ بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة إِلَى أَن قتال الْخَوَارِج والملحدين لَا يجب إلاَّ بعد إِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِم، وَإِظْهَار بطلَان دلائلهم، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ هَذِه الْآيَة لِأَنَّهَا تدل على أَن الله لَا يُؤَاخذ عباده حَتَّى يبين لَهُم مَا يأْتونَ وَمَا يذرون، وَهَكَذَا فَسرهَا الضَّحَّاك.
.

     وَقَالَ  مقَاتل والكلبي: لما أنزل الله تَعَالَى الْفَرَائِض فَعمل بهَا النَّاس جَاءَ مَا نسخهَا من الْقُرْآن، وَقد مَاتَ نَاس وهم كَانُوا يعْملُونَ الْأَمر الأول من الْقبْلَة وَالْخمر وَأَشْبَاه ذَلِك، فسألوا عَنهُ رَسُول الله فَأنْزل الله تَعَالَى: { وَمَا كَانَ الله ليضل قوما} يَعْنِي: وَمَا كَانَ الله ليبطل عمل قوم عمِلُوا بالمنسوخ حَتَّى يبين لَهُم النَّاسِخ.
.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: أَي مَا كَانَ الله ليحكم عَلَيْكُم بالضلال بعد استغفاركم للْمُشْرِكين قبل أَن يقدم إِلَيْكُم بِالنَّهْي، أَي: مَا كَانَ الله ليوقع الضَّلَالَة فِي قُلُوبكُمْ بعد الْهدى حَتَّى يبين لَهُم مَا يَتَّقُونَ أَي: مَا يخَافُونَ ويتركون.
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: المُرَاد مِمَّا يَتَّقُونَ مَا يجب اتقاؤه للنَّهْي.

وكانَ ابنُ عُمَرَ يَراهُمْ شِرارَ خَلْقِ الله،.

     وَقَالَ : إنَّهُمْ انْطَلَقُوا إِلَى آياتٍ نَزَلَتْ فِي الكُفَّارِ فَجَعَلُوها عَلى المُؤْمِنِينَ.

مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَوَصله الطَّبَرِيّ فِي تَهْذِيب الْآثَار من طَرِيق بكير بن عبد الله بن الْأَشَج أَنه سَأَلَ نَافِعًا: كَيفَ كَانَ رَأْي ابْن عمر فِي الحرورية؟ قَالَ: كَانَ يراهم شرار خلق الله، انْطَلقُوا إِلَى آيَات نزلت فِي الْكفَّار فجعلوها على الْمُؤمنِينَ.
انْتهى.
قلت: الحرورية هم الْخَوَارِج وَإِنَّمَا سموا حرورية لأَنهم نزلُوا فِي مَوضِع يُسمى حروراء، بِالْمدِّ وَالْقصر وَهُوَ مَوضِع قريب من الْكُوفَة، وَكَانَ أول مجتمعهم وتحكيمهم فِيهَا،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الحرورية طَائِفَة من الْخَوَارِج وهم الَّذين قَاتلهم عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ عِنْدهم من التشدد فِي الدّين مَا هُوَ مَعْرُوف، وَكَانَ كَبِيرهمْ عبد الله بن الْكواء بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد الْوَاو وبالمد الْيَشْكُرِي، وعدة الْخَوَارِج عشرُون فرقة.

وَقَالَ ابْن حزم: وأسوؤهم حَالا الغلاة وهم الَّذين يُنكرُونَ الصَّلَوَات الْخمس وَيَقُولُونَ: الْوَاجِب صَلَاة بِالْغَدَاةِ وَصَلَاة بالْعَشي، وَمِنْهُم من يجوز نِكَاح بنت الابْن وَبنت ابْن الْأَخ وَالْأُخْت، وَمِنْهُم من أنكر أَن تكون سُورَة يُوسُف من الْقُرْآن، وَأَن من قَالَ: لَا إلاه إِلَّا الله، فَهُوَ مُؤمن عِنْد الله وَلَو اعْتقد الْكفْر بِقَلْبِه، وأقربهم إِلَى قَول أهل الْحق الإباضية، وَقد بقيت مِنْهُم بَقِيَّة بالغرب.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي الإباضية فرقة من الْخَوَارِج أَصْحَاب عبد الله بن إباض التَّيْمِيّ وَهُوَ بِكَسْر الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وبالضاد الْمُعْجَمَة وَهُوَ فِي الأَصْل: الْحَبل الَّذِي يشد بِهِ رسغ الْبَعِير إِلَى عضده حَتَّى ترْتَفع يَده عَن الأَرْض.

قَوْله: شرار خلق الله قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: شرار الْمُسلمين لِأَن الْكفَّار لَا يؤولون كتاب الله.
قَوْله: فجعلوها أَي أولوها وصيروها، وَكَانَ ابْن عمر يكره الْقَدَرِيَّة أَيْضا ويراهم من الشرار.
وَفِي التَّوْضِيح عَن كتاب الإسفرايني: كَانَ عبد الله بن عمر وَابْن عَبَّاس وَابْن أبي أوفى وَجَابِر وَأنس بن مَالك وَأَبُو هُرَيْرَة وَعقبَة بن عَامر وأقرانهم، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، يوضون إِلَى أخلافهم بِأَن لَا يسلمُوا على الْقَدَرِيَّة وَلَا يعودوهم وَلَا يصلوا خَلفهم وَلَا يصلوا عَلَيْهِم إِذا مَاتُوا.



[ قــ :6564 ... غــ :6930 ]
- حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِياثٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعْمَشُ، حدّثنا خَيْثَمةُ، حدّثنا سُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ قَالَ: عَلِيٌّ، رَضِي الله عَنهُ: إِذا حَدَّثْتُكُمْ عنْ رسولِ الله حَدِيثاً فَوالله لأنْ أخِرَّ مِنَ السَّماءِ أحَبُّ إلَيَّ مِنْ أنْ أكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذا حَدَّثْتُكُمْ فِيما بَيْني وبَيْنَكُمْ فإنَّ الحَرْبَ خَدْعَةٌ، وإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله يَقُولُ سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمانِ حُدَّاثُ الأسْنانِ سُفَهاءُ الأحْلامِ يَقُولونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، لَا يُجاوِزُ إيمانُهُمْ حَناجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينَ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فأيْنَما لَقِيتُمُوهُمْ فاقْتُلُوهُمْ فإنَّ فِي قَتْلِهِمْ أجْراً لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ
انْظُر الحَدِيث 3611 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْقَوْم الْمَذْكُورين فِيهِ هم الْخَوَارِج والملحدون.

أخرجه عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه حَفْص بن غياث بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالثاء الْمُثَلَّثَة عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن خَيْثَمَة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ابْن عبد الرَّحْمَن بن أبي سُبْرَة بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة الْجعْفِيّ، لِأَبِيهِ وجده صُحْبَة، عَن سُوَيْد بِضَم السِّين الْمُهْملَة بن غَفلَة بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالْفَاء وَاللَّام الْجعْفِيّ من كبار التَّابِعين وَمن المخضرمين عَاشَ مائَة وَثَلَاثِينَ سنة، وَقيل: إِن لَهُ صُحْبَة.

والْحَدِيث قد مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان الْأَعْمَش ... إِلَى آخِره، وَكَذَا مضى بِهَذَا السَّنَد فِي فَضَائِل الْقُرْآن، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: حَدثنَا عمر بن حَفْص ويروى: حَدثنِي، بِالْإِفْرَادِ.
قَوْله: حَدثنَا خَيْثَمَة قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: خَالف عِيسَى بن يُونُس فَقَالَ عَن الْأَعْمَش: حَدثنِي عَمْرو بن مرّة عَن خَيْثَمَة بِهِ، وَهَذَا يبين أَن فِيهِ انْقِطَاعًا.
قلت: قد صرح الْأَعْمَش بِالتَّحْدِيثِ عَن خَيْثَمَة فَلَعَلَّهُ سَمعه من خَيْثَمَة مرّة وَمرَّة من عَمْرو بن مرّة.
قَوْله: قَالَ عَليّ هُوَ ابْن أبي طَالب، وَفِيه لفظ: قَالَ آخر مُقَدّر تَقْدِيره: قَالَ: قَالَ عَليّ أَي: قَالَ سُوَيْد بن غَفلَة: قَالَ عَليّ، وَقد مضى فِي آخر فَضَائِل الْقُرْآن من رِوَايَة الثَّوْريّ عَن الْأَعْمَش بِهَذَا السَّنَد.
قَالَ: قَالَ عَليّ، وَعند النَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: لم يَصح لسويد بن غَفلَة عَن عَليّ مَرْفُوع إلاَّ هَذَا وَقيل: مَاله فِي الْكتب السِّتَّة غَيره.

قَوْله: لِأَن أخرّ أَي: أسقط.
قَوْله: خدعة بِتَثْلِيث الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْمعْنَى: إِذا حدثتكم عَن النَّبِي لَا أكني وَلَا أعرض وَلَا أواري، وَإِذا حدثتكم عَن غَيره أفعل هَذِه الْأَشْيَاء لأخدع بذلك من يحاربني، فَإِن الْحَرْب يَنْقَضِي أمره بخدعة وَاحِدَة.
قَوْله: سيخرج قوم فِي آخر الزَّمَان وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي بَرزَة: يخرج فِي آخر الزَّمَان قوم، قيل: هَذَا يُخَالف حَدِيث أبي سعيد الْمَذْكُور فِي الْبابُُ بعده، لِأَن مُقْتَضَاهُ أَنهم خَرجُوا فِي خلَافَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلذَا أكثرت الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي أَمرهم.
وَأجَاب ابْن التِّين بِأَن المُرَاد زمَان الصَّحَابَة، وَاعْترض عَلَيْهِ بَعضهم بقوله: لِأَن آخر زمَان الصَّحَابَة كَانَ على رَأس الْمِائَة، وهم قد خَرجُوا قبل ذَلِك بِأَكْثَرَ من سِتِّينَ سنة.
ثمَّ أجَاب بقوله: وَيُمكن الْجمع بِأَن المُرَاد من آخر الزَّمَان آخر زمَان خلَافَة النُّبُوَّة فَإِن فِي حَدِيث سفينة الْمخْرج فِي السّنَن وصحيح ابْن حبَان وَغَيره مَرْفُوعا: الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ تصير ملكا، وَكَانَت قصَّة الْخَوَارِج وقتلهم بالنهروان فِي أَوَاخِر خلَافَة عَليّ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ بعد النَّبِي بِدُونِ الثَّلَاثِينَ بِنَحْوِ سنتَيْن.
انْتهى.
قلت: يسْقط السُّؤَال من الأول إِن قُلْنَا بِتَعَدُّد خُرُوج الْخَوَارِج، وَقد وَقع خُرُوجهمْ مرَارًا.
قَوْله: حداث الْأَسْنَان بِضَم الْحَاء وَتَشْديد الدَّال هَكَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي، وَفِي أَكثر الرِّوَايَات: أَحْدَاث الْأَسْنَان، جمع حدث بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ صَغِير السن.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: حَدَاثَة السن كِنَايَة عَن الشَّبابُُ وَأول الْعُمر،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: حداث بِالضَّمِّ جمع حَدِيث مثل كرام جمع كريم وكبار جمع كَبِير، والْحَدِيث الْجَدِيد من كل شَيْء وَيُطلق على الصَّغِير بِهَذَا الِاعْتِبَار، وَالْمرَاد بالأسنان الْعُمر يَعْنِي أَنهم شبابُ قَوْله: سُفَهَاء الأحلام يَعْنِي: عُقُولهمْ رَدِيئَة، والأحلام جمع حلم بِكَسْر الْحَاء وَكَأَنَّهُ من الْحلم بِمَعْنى الأناءة والتثبت فِي الْأُمُور، وَذَلِكَ من شعار الْعُقَلَاء، وَأما بِالضَّمِّ فعبارة عَمَّا يرَاهُ النَّائِم.
قَوْله: يَقُولُونَ من خير قَول الْبَريَّة قيل: هَذَا مقلوب وَالْمرَاد من قَول خير الْبَريَّة هُوَ الْقُرْآن،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: من خير قَول الْبَريَّة أَي: خير أَقْوَال النَّاس، أَو خير من قَول الْبَريَّة، وَهُوَ الْقُرْآن فعلى هَذَا لَيْسَ بمقلوب.
قَوْله: لَا يُجَاوز إِيمَانهم حَنَاجِرهمْ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لَا يجوز والحناجر بِالْحَاء الْمُهْملَة فِي أَوله جمع حنجرة وَهِي الْحُلْقُوم والبلعوم وَكله يُطلق على مجْرى النَّفس مِمَّا يَلِي الْفَم، وَفِي رِوَايَة مُسلم من رِوَايَة زيد بن وهب عَن عَليّ: لَا تجَاوز صلَاتهم تراقيهم، فَكَأَنَّهُ أطلق الْإِيمَان على الصَّلَاة، وَفِي حَدِيث أبي ذَر: لَا يُجَاوز إِيمَانهم حلاقيمهم وَالْمرَاد أَنهم يُؤمنُونَ بالنطق لَا بِالْقَلْبِ.
قَوْله: يَمْرُقُونَ من الدّين من المروق وَهُوَ الْخُرُوج، يُقَال: مرق من الدّين مروقاً خرج مِنْهُ ببدعته وضلالته، ومرق السهْم من الْغَرَض إِذا أَصَابَهُ ثمَّ نفذه، وَمِنْه قيل للمرق مرق لِخُرُوجِهِ من اللَّحْم، وَفِي رِوَايَة سُوَيْد بن غَفلَة عِنْد النَّسَائِيّ والطبري: يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَام، وَفِي رِوَايَة للنسائي: يَمْرُقُونَ من الْحق.
قَوْله: من الرَّمية بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهُوَ الشَّيْء يرْمى وَيُطلق على الطريدة من الْوَحْش إِذا رَمَاهَا الرَّامِي،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الرَّمية فعيلة من الرَّمْي بِمَعْنى المرمية أَي: الصَّيْد مثلا.
فَإِن قلت: الفعيل بِمَعْنى الْمَفْعُول يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث.
فَلم أَدخل التَّاء فِيهِ؟ .
قلت: هَذَا النَّقْل الوصفية إِلَى الإسمية، وَقيل: ذَلِك الاسْتوَاء إِذا كَانَ الْمَوْصُوف مَذْكُورا مَعَه، وَقيل: ذَلِك الدُّخُول غَالِبا للَّذي لم يَقع بعد، يُقَال: خُذ ذبيحتك للشاة الَّتِي لم تذبح، وَإِذا وَقع عَلَيْهَا الْفِعْل فَهِيَ ذبيح.





[ قــ :6565 ... غــ :6931 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، حدّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْياى بنَ سَعيدٍ قَالَ: أَخْبرنِي مُحَمَّدُ بنُ إبْراهِيمَ، عنْ أبي سَلَمَة وعَطاءِ بنِ يَسارٍ أنَّهُما أتَيا أَبَا سعِيدٍ الخُدْرِيَّ فَسَألاهُ عَنِ الحَرُورِيةِ: أسَمِعْتَ النبيَّ قَالَ: لَا أدْرِي مَا الحَرُورِيَّةُ؟ سَمِعْتُ النبيَّ يَقُولُ يَخْرُجُ فِي هاذِهِ الأُمَّة ولَمْ يَقُلْ: مِنْها قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مَعَ صَلاتِهِمْ، يَقَرَأُونَ القُرْآنَ لَا يُجاوِزُ حُلُوقَهُمْ أوْ حَناجِرَهُمْ، يَمْرَقُونَ مِن الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَيَنْظرُ الرَّامِي إِلَى سهْمِهِ إِلَى نَصْلِهِ إِلَى رِصافِهِ فَيَتَماراى فِي الفُوقَةِ هَلْ عَلِقَ بِها مِنَ الدَّمِ شَيءٌ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن الحرورية هم الْخَوَارِج.
وَقد مر عَن قريب.

وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ، وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم هُوَ التَّيْمِيّ، وَأَبُو سَلمَة هُوَ ابْن عبد الرحمان بن عَوْف، وَعَطَاء بن يسَار ضد الْيَمين.

وَفِي السَّنَد ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق، وَاسم أبي سعيد الْخُدْرِيّ سعد بن مَالك.

والْحَدِيث مر فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي سعيد وَهَذَا السِّيَاق على لفظ أبي سَلمَة وَحده وَمضى فِي الْأَدَب عَن عبد الرحمان بن إِبْرَاهِيم وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن عبد الله بن يُوسُف.

قَوْله: عَن الحرورية قد مضى تَفْسِيره عَن قريب.
قَوْله: أسمعت؟ الْهمزَة للاستفهام على سَبِيل الاستخبار، وَالْخطاب لأبي سعيد.
قَوْله: النَّبِي مَنْصُوب بقوله: أسمعت والمسموع مَحْذُوف، كَذَا فِي رِوَايَة الْجَمِيع، وَقد بَينه ابْن مَاجَه فِي رِوَايَته عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة، قلت لأبي سعيد: هَل سَمِعت رَسُول الله يذكر الحرورية؟ قَوْله: قَالَ: لَا أَدْرِي مَا الحرورية فَإِن قلت: سَيَجِيءُ حَدِيث أبي سعيد أَيْضا فِي أول الْبابُُ الَّذِي يَلِي الْبابُُ الْمَذْكُور، وَفِيه: وَأشْهد أَن عليّاً، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَتلهمْ وَأَنا مَعَه ... الحَدِيث، فَهَؤُلَاءِ الَّذين قَتلهمْ وَهُوَ مَعَه هم الحرورية، فَكيف قَالَ هُنَا: لَا أَدْرِي؟ .
قلت: معنى قَوْله هُنَا: لَا أَدْرِي أَنه لم يحفظ فيهم بطرِيق النَّص بِلَفْظ الحرورية، وَإِنَّمَا وصف صفتهمْ الَّتِي سَمعهَا من النَّبِي وَتلك الصِّفَات لوجودها فِي الحرورية تدل على أَنهم هم المُرَاد مِمَّن وَصفهم النَّبِي قَوْله: يخرج فِي هَذِه الْأمة أَي: أمة النَّبِي قَوْله: وَلم يقل مِنْهَا أَي: وَلم يقل النَّبِي من هَذِه الْأمة، بِكَلِمَة: من.
قَوْله: قوم مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل يخرج.
فَإِن قلت: وَقع فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من وَجه آخر عَن أبي سعيد بِلَفْظ: من أمتِي، وَوَقع فِي حَدِيث مُسلم عَن أبي ذَر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: سَيكون بعدِي من أمتِي قوم، وَله أَيْضا من طَرِيق زيد بن وهب عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: يخرج قوم من أمتِي.
قلت: المُرَاد بالأمة فِي حَدِيث أبي سعيد أمة الْإِجَابَة وَفِي رِوَايَة مُسلم أمة الدعْوَة، وَأما حَدِيث الطَّبَرَانِيّ فضعيف.
.

     وَقَالَ  الثَّوْريّ: فِيهِ دلَالَة على فقه الصَّحَابَة وتحريرهم الْأَلْفَاظ.
وَفِيه: إِشَارَة من أبي سعيد إِلَى تَكْفِير الْخَوَارِج وَأَنَّهُمْ من غير هَذِه الْأمة.
قَوْله: يحقرون بِفَتْح الْيَاء أَي: يستقلون وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى قوم، وَلَو قيل: تحقرون، بِالْخِطَابِ فَلهُ وَجه.
وَقد روى الطَّبَرَانِيّ عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة: يتعبدون يحقر أحدكُم صلَاته وصيامه مَعَ صلَاتهم وصيامهم.
قَوْله: فَينْظر الرَّامِي.
.
الخ تَمْثِيل لحَال هَؤُلَاءِ بِحَال الرَّامِي الْمَذْكُور بِهَذِهِ الصّفة فِي عدم حُصُول الْفَائِدَة من عِبَادَتهم كَعَدم حُصُول مَقْصُود هَذَا الرَّامِي من الرَّمية.
قَوْله: إِلَى نصله وَهُوَ حَدِيدَة السهْم.
قَوْله: إِلَى رصافه بِكَسْر الرَّاء وبالصاد الْمُهْملَة جمع الرصفة وَهُوَ العصب الَّذِي يكون فَوق مدْخل النصل،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَالَ بَعضهم محتجين بِهَذَا التَّرْكِيب بِوُقُوع بدل الْغَلَط فِي الْكَلَام البليغ.
قَوْله: فيتمارى أَي: فيشك فِي الفوقة بِضَم الْفَاء وَهُوَ مَوضِع الْوتر من السهْم وَفِي الْمُخَصّص وَجمعه أفواق وَفَوق، وفوقة بِكَسْر الْفَاء، وَعَن أبي حنيفَة: فَوق وفوقة، وَقد يَجْعَل الفوق وَاحِدًا وَيجمع أفواقاً يُرِيد أَنهم لما تأولوا الْقُرْآن على غير الْحق لم يحصل لَهُم بذلك أجر، وَلم يتعلقوا بِسَبَبِهِ بالثواب لَا أَولا وَلَا وسطا وَلَا آخرا.
قَوْله: هَل علق بِكَسْر اللَّام.





[ قــ :6566 ... غــ :693 ]
- حدّثنا يَحْيى بنُ سُلَيْمانَ، حدّثني ابنُ وهْب، قَالَ: حدّثني عُمَرُ أنَّ أباهُ حدَّثَهُ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَر وذَكَرَ الحُرُورِيّةَ، فَقَالَ: قَالَ النبيُّ يَمْرُقُونَ مِنَ الإسْلامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرمِيَّةِ
هَذَا بعض حَدِيث أبي سعيد الْمَذْكُور، غير أَن فِي حَدِيثه: يَمْرُقُونَ من الدّين وَهنا من الْإِسْلَام.

أخرجه عَن يحيى بن سُلَيْمَان أبي سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي نزل مصر، عَن عبد الله بن وهب عَن عمر بِضَم الْعين، كَذَا ذكر عِنْد الْجَمِيع بِغَيْر نِسْبَة، وَهُوَ عمر بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، وَقد مضى فِي كتاب التَّفْسِير فِي تَفْسِير سُورَة لُقْمَان رَوَاهُ عَن يحيى بن سُلَيْمَان عَن ابْن وهب، حَدثنِي عمر بن مُحَمَّد بن زيد عَن عبد الله بن عمر.

قَوْله: حَدثنِي عمر بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنَا، بِالْجمعِ قَوْله: وَذكر الحرورية جملَة حَالية.