فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الخشوع في الصلاة

( بابُُ الخُشُوعِ فِي الصَّلاَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْخُشُوع فِي الصَّلَاة، وَلما كَانَ الْبابُُ السَّابِق فِي وضع الْيُمْنَى على الْيُسْرَى، وَهُوَ صفة السَّائِل الذَّلِيل، وَأَنه أقرب إِلَى الْخُشُوع وَأَمْنَع من الْعَبَث الَّذِي يذهب بالخشوع، وَذكر هَذَا الْبابُُ عقيب ذَاك حثا وتحريضا للْمُصَلِّي على مُلَازمَة الْخُشُوع ليدْخل فِي زمرة الَّذين مدحهم الله تَعَالَى فِي كِتَابه بقوله: { قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون} ( الْمُؤْمِنُونَ: 1 و 2) .
قَالَ ابْن عَبَّاس: مخبتون أذلاء.
.

     وَقَالَ  الْحسن: خائفون.
.

     وَقَالَ  مقَاتل: متواضعون.
.

     وَقَالَ  عَليّ: الْخُشُوع فِي الْقلب، وَأَن تلين للْمُسلمِ كتفك وَلَا تلْتَفت.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: هُوَ غض الْبَصَر وخفض الْجنَاح.
.

     وَقَالَ  عَمْرو بن دِينَار: لَيْسَ الْخُشُوع الرُّكُوع وَالسُّجُود، وَلكنه السّكُون وَحسن الْهَيْئَة فِي الصَّلَاة.
.

     وَقَالَ  ابْن سِيرِين: هُوَ أَن لَا ترفع بَصرك عَن مَوضِع سجودك.
.

     وَقَالَ  قَتَادَة: الْخُشُوع وضع الْيُمْنَى على الشمَال فِي الصَّلَاة.
وَقيل: هُوَ جمع الهمة لَهَا والإعراض عَمَّا سواهَا.
.

     وَقَالَ  أَبُو بكر الوَاسِطِيّ: هُوَ الصَّلَاة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَعَالَى على الخلوص من غير عوض.
وَعَن ابْن أبي الْورْد: يحْتَاج الْمُصَلِّي إِلَى أَربع خلال حَتَّى يكون خَاشِعًا: إعظام الْمقَام، وإخلاص الْمقَال، وَالْيَقِين التَّمام، وَجمع الْهم.

وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر ذكر الْبابُُ، وَهُوَ فِي رِوَايَة غَيره، وَالأَصَح الأولى ذكره.



[ قــ :720 ... غــ :741 ]
- حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ أبي الزِّنَادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَهُنا وَالله مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعَكُمْ ولاَ خُشُوعَكُمْ وإنِّي لأَرًّكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي ( أنظر الحَدِيث 418) .


هَذَا الحَدِيث أخرجه فِي: بابُُ عظة الإِمَام النَّاس فِي إتْمَام الصَّلَاة، عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك إِلَى آخِره نَحوه، وَهَهُنَا أخرجه عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، ابْن عَم مَالك بن أنس عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، وَقد تكلمنا هُنَاكَ بِمَا يتَعَلَّق بِهِ من سَائِر الْوُجُوه، وَبَقِي هُنَا ذكر وَجه الْمُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِي قَوْله: ( وَلَا خُشُوعكُمْ) تَنْبِيها إيَّاهُم على التَّلَبُّس بالخشوع فِي الصَّلَاة، لِأَنَّهُ لم يقل ذَلِك، إلاّ وَقد رأى أَن فيهم الِالْتِفَات وَعدم السّكُون اللَّذين ينافيان الْخُشُوع، وَالْمُصَلي لَا يدْخل فِي قَوْله تَعَالَى { قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون} ( الْمُؤْمِنُونَ: 1 و 2) .
إلاّ بالخشوع، وَلَا شكّ أَن ترك الْخُشُوع يُنَافِي كَمَال الصَّلَاة، فَيكون مُسْتَحبا.
وَحكى النَّوَوِيّ: أَن الْإِجْمَاع على أَن الْخُشُوع لَيْسَ بِوَاجِب، وَأورد عَلَيْهِ قَول القَاضِي حُسَيْن: إِن مدافعة الأخبثين إِذا انْتَهَت إِلَى حد يذهب مَعَه الْخُشُوع أبطلت الصَّلَاة.
.

     وَقَالَ  أَيْضا أَبُو بكر الْمروزِي قلت: هَذَا لَيْسَ بوارد لاحْتِمَال كَلَامهمَا فِي مدافعة شَدِيدَة أفضت إِلَى خُرُوج شَيْء فَإِن قلت: الْبطلَان حِينَئِذٍ بِالْخرُوجِ لَا بالمدافعة قلت: المدافعة سَبَب لِلْخُرُوجِ، فَذكر السَّبَب وَأَرَادَ الْمُسَبّب للْمُبَالَغَة، وَأجَاب بَعضهم بجوابين غير طائلين: أَحدهمَا: قَوْله: لجَوَاز أَن يكون بعد الْإِجْمَاع السَّابِق.
وَالثَّانِي: قَوْله: أَو المُرَاد بِالْإِجْمَاع أَنه لم يُصَرح أحد بِوُجُوبِهِ.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: فَإِن قَالَ قَائِل: فَإِن الْخُشُوع فرض فِي الصَّلَاة، قيل لَهُ: يحْسب الْإِنْسَان أَن يقبل على صلَاته بِقَلْبِه وَنِيَّته، وَيُرِيد بذلك وَجه الله، وَلَا طاقه لَهُ بِمَا اعْتَرَضَهُ من الخواطر.
قلت: وَقد رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ: إِنِّي لأجهز جيشي فِي الصَّلَاة.
وَعنهُ: ( إِنِّي لأحسب جِزْيَة الْبَحْرين وَأَنا فِي صَلَاتي) .
قَوْله: ( هَل ترَوْنَ؟) الِاسْتِفْهَام بِمَعْنى الْإِنْكَار، وَالْمرَاد من الْقبْلَة فَقَط، وَإِمَّا: الْمُقَابلَة وَهِي المواجهة، أَي: لَا تظنون مواجهتي هَهُنَا فَقَط، وَإِمَّا فِيهِ إِضْمَار أَي: لَا ترَوْنَ بَصرِي أَو رؤيتي فِي طرف الْقبْلَة فَقَط، وَإِمَّا أَنه من بابُُ لَازم التَّرْكِيب، لِأَن كَون قبلته ثمَّة مُسْتَلْزم لكَون رُؤْيَته أَيْضا ثمَّة، فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَل ترَوْنَ رؤيتي هَهُنَا فَقَط؟ وَالله لأَرَاكُمْ من غَيرهَا أَيْضا.
وَالْجُمْهُور على أَن المُرَاد من الرُّؤْيَة الإبصار بالحاسة، وَسبق تَحْقِيقه هُنَاكَ، وَقد يحْتَج بِهِ من يَقُول: إِن الطُّمَأْنِينَة فرض فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود، لِأَن الشَّارِع توعد على ذَلِك قلت: لَا يدل ذَلِك عَلَيْهِ، لِأَن الطُّمَأْنِينَة فِيهَا لَو كَانَت فرضا لأمرهم بِالْإِعَادَةِ، وَحَيْثُ لم يَأْمُرهُم بهَا دلّ على عدم الْفَرْضِيَّة.





[ قــ :71 ... غــ :74 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا غنْدَرٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أقِيمُوا الرُّكُوعَ والسُّجُودَ فَوَالله إنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي ورُبَّمَا قَالَ مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي إذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ.
( أنظر الحَدِيث 419 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن إِقَامَة الرُّكُوع وَالسُّجُود لَا تكون إلاّ بِالسُّكُونِ والطمأنينة، وَهُوَ الْخُشُوع، فَإِن الَّذِي يستعجل وَلَا يسكن فيهمَا تَارِك الْخُشُوع.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر الْبَصْرِيّ.

وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار كِلَاهُمَا عَن غنْدر.

قَوْله: ( عَن أنس) ، وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة أبي مُوسَى عَن غنْدر: ( سَمِعت أنس بن مَالك) .
قَوْله: ( أقِيمُوا) أَي: أكملوا، وَفِي رِوَايَة معَاذ عَن شُعْبَة: ( أَتموا) بدل ( أقِيمُوا) .
قَوْله: ( فوَاللَّه) فِيهِ جَوَاز الْحلف لتأكيد الْقَضِيَّة وتحقيقها.
قَوْله: ( لأَرَاكُمْ) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد.
قَوْله: ( من بعدِي) أَي: من خَلْفي.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ يَعْنِي: من بعد وفاتي، يَعْنِي: إِن أَعمال الْأمة تعرض عَلَيْهِ، وَيَردهُ قَوْله: ( وَرُبمَا قَالَ من بعد ظَهْري) .

وَمِمَّا يُسْتَفَاد من الحَدِيث: النَّهْي عَن نُقْصَان الرُّكُوع وَالسُّجُود.