فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب في النكاح

( بابُُ شَهادَةِ الزُّورِ فِي النِّكاحِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم شَهَادَة الزُّور فِي النِّكَاح، وَقد مضى عَن قريب فِي: بابُُ الْحِيلَة فِي النِّكَاح، وَذكر فِيهِ الشّغَار والمتعة وأتى بِهَذَا الْبابُُ هُنَا لبَيَان حكم شَهَادَة الزُّور، كَمَا ذكرنَا.



[ قــ :6602 ... غــ :6968 ]
- حدّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ، حدّثنا هِشامٌ، حدّثنا يَحْياى بنُ أبي كَثِير عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تُنْكَحُ البِكْرُ حتّى تُسْتأذَنَ، وَلَا الثَّيِّبُ حتَّى تُسْتَأمَرَ فَقِيلَ يَا رسولَ الله كَيْفَ إذْنُها؟ قَالَ: إِذا سَكَتَتْ
انْظُر الحَدِيث 5136 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَهِشَام هُوَ الدستوَائي والْحَدِيث قد مر فِي النِّكَاح.

قَوْله: لَا تنْكح على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: لَا تزوج.
قَوْله: حَتَّى تستأذن على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا، أَي: حَتَّى يُؤْخَذ مِنْهَا الْإِذْن.
قَوْله: حَتَّى تستأمر على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا أَي: حَتَّى تستشار.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذا لَمْ تُسْتأذَنِ البِكْرُ ولَمْ تُزَوَّجْ فاحْتال رجُلٌ فأقامَ شاهِدَيْ زُورٍ أنّهُ تَزَوَّجَها بِرِضاها، فأثْبَتَ القاضِي نِكاحَها، والزَّوْجُ يَعْلَمُ أنَّ الشهادَةَ باطِلةٌ فَلا بأسَ أنْ يَطأها، وهْوَ تَزْويجٌ صَحِيحٌ.

أَرَادَ بِهِ أَيْضا أَبَا حنيفَة، وَأَرَادَ بِهِ التشنيع عَلَيْهِ، وَلَا وَجه لَهُ فِي ذكره هَاهُنَا.
قَوْله: إِذا لم تُستأذن وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِن لم تستأذن.
قَوْله: شَاهِدي زور بِإِضَافَة شَاهِدي إِلَى زور، ويروى: فَأَقَامَ شَاهِدين زوراً.
قَوْله: وَالزَّوْج يعلم الْوَاو فِيهِ للْحَال.
وَأَبُو حنيفَة إِمَام مُجْتَهد أدْرك صحابة وَمن التَّابِعين خلقا كثيرا، وَقد تكلم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِأَصْل وَهُوَ: أَن الْقَضَاء لقطع الْمُنَازعَة بَين الزَّوْجَيْنِ من كل وَجه، فَلَو لم ينفذ الْقَضَاء بِشَهَادَة الزُّور بَاطِنا كَانَ تمهيداً للمنازعة بَينهمَا، وَقد عهدنا بنفوذ مثل ذَلِك فِي الشَّرْع.
ألاَّ ترى أَن التَّفْرِيق بِاللّعانِ ينفذ بَاطِنا وَأَحَدهمَا كَاذِب بِيَقِين؟ وَالْقَاضِي إِذا حكم بِطَلَاقِهَا بشاهدي زور، وَهُوَ لَا يعلم أَنه يجوز أَن يَتَزَوَّجهَا من لَا يعلم بِبُطْلَان النِّكَاح وَلَا يحرم عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاع،.

     وَقَالَ  بعض المشنعين: هَذَا خطأ فِي الْقيَاس، ثمَّ مثل لذَلِك بقوله: وَلَا خلاف بَين الْأَئِمَّة أَن رجلا لَو أَقَامَ شَاهِدي زور على ابْنَته أَنَّهَا أمته وَحكم الْحَاكِم بذلك لَا يجوز لَهُ وَطْؤُهَا، فَكَذَلِك الَّذِي شهد على نِكَاحهَا هما فِي التَّحْرِيم سَوَاء.
قلت: هَذَا الْقيَاس الَّذِي فِيهِ الْخَطَأ الظَّاهِر، يفرق بَين القياسين من لَهُ إِدْرَاك مُسْتَقِيم.





[ قــ :6603 ... غــ :6969 ]
- حدّثنا علِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حَدثنَا سُفْيانُ، حدّثنا يَحْياى بنُ سَعِيد، عنِ القاسِمِ: أنَّ امْرأةً مِنْ ولَدِ جَعْفَرِ تَخَوَّفَتْ أنْ يُزَوِّجَها ولِيُّها وهْيَ كارِهَةٌ، فأرْسلَتْ إِلَى شَيْخَيْنِ مِنَ الأنْصارِ: عَبْد الرَّحْمانِ ومُجَمِّعٍ ابْنَيْ جارِيَةَ، قالاَ: فَلاَ تَخْشَيْنَ فإنَّ خَنْساءَ بِنْتَ خِذَامٍ أنْكَحَها أبُوها وهْيَ كارِهَةٌ فَرَدَّ النبيُّ ذالِكَ.

قَالَ سُفْيانُ: وأمَّا عبدُ الرَّحْمانِ فَسَمِعْتهُ يَقُولُ عنْ أبِيهِ: إنَّ خَنْساءَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عَيْنِيَّة، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَالقَاسِم هُوَ ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

والْحَدِيث مضى فِي النِّكَاح فِي: بابُُ إِذا زوج ابْنَته وَهِي كارهة فنكاحها مَرْدُود.

قَوْله: أَن امْرَأَة من ولد جَعْفَر وَفِي رِوَايَة ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان: أَن امْرَأَة من آل جَعْفَر، أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَلم يدر اسْم الْمَرْأَة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: ويغلب على الظَّن أَنه جَعْفَر بن أبي طَالب، ثمَّ قَالَ: وتجاسر الْكرْمَانِي فَقَالَ: المُرَاد بِهِ جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر، وَكَانَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد جد جَعْفَر الصَّادِق لأمه انْتهى.
ثمَّ قَالَ: وخفي عَلَيْهِ أَن الْقِصَّة الْمَذْكُورَة وَقعت وجعفر الصَّادِق صَغِير لِأَن مولده سنة ثَمَانِينَ وَكَانَت وَفَاة عبد الرحمان بن يزِيد بن جَارِيَة فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين من الْهِجْرَة، وَقد وَقع فِي الحَدِيث أَنه أخبر الْمَرْأَة بِحَدِيث خنساء بنت خذام، فَكيف تكون الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة فِي مثل تِلْكَ الْحَالة وأبوها ابْن ثَلَاث عشرَة سنة أَو دونهَا؟ انْتهى.
قلت: هُوَ أَيْضا تجاسر حَيْثُ قَالَ بِغَلَبَة الظَّن: إِنَّه جَعْفَر بن أبي طَالب، والكرماني لم يقل هَذَا من عِنْده، وَإِنَّمَا نَقله عَن أحد فَلَا ينْسب إِلَيْهِ التجاسر، وَيُمكن أَن يكون جَعْفَر غير مَا قَالَا.
قَوْله: وَهِي كارهة الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: عبد الرحمان بِالْجَرِّ وَمجمع على وزن اسْم الْفَاعِل من التجميع عطف عَلَيْهِ، وهما ابْنا يزِيد بن جَارِيَة بِالْجِيم وَهنا قد نسبا إِلَى جدهما، وَتقدم فِي النِّكَاح أَنَّهُمَا نسبا إِلَى أَبِيهِمَا، وَلَقَد صحف من قَالَ: حَارِثَة، بِالْحَاء الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة.
قَوْله: فَلَا تخشين قَالَ الْكرْمَانِي: بِلَفْظ الْجمع خطاب للْمَرْأَة المتخوفة، وأصحابها،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: صَوَابه بِكَسْر الْبَاء وَتَشْديد النُّون، وَلَو كَانَ بِلَا نون التَّأْكِيد لحذفت النُّون فِي النَّهْي على مَا عرف.
قَوْله: فَإِن خنساء بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وبالسين الْمُهْملَة وبالمد بنت خذام بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالذال الْمُعْجَمَة الْخَفِيفَة ابْن وَدِيعَة الْأَنْصَارِيَّة من الْأَوْس،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: اخْتلفت الْأَحَادِيث فِي حَالهَا فِي ذَلِك الْوَقْت، فرواية مَالك عَن عبد الرحمان بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن عبد الرحمان وَمجمع ابْني يزِيد بن جَارِيَة عَن خنساء أَنَّهَا كَانَت ثَيِّبًا، وَرِوَايَة ابْن الْمُبَارك عَن الثَّوْريّ عَن عبد الرحمان بن الْقَاسِم عَن عبد الله بن يزِيد ابْن وَدِيعَة عَن خنساء بنت خذام أَنَّهَا كَانَت يومئذٍ بكرا، وَالصَّحِيح نقل مَالك إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: قَالَ سُفْيَان: وَأما عبد الرحمان يَعْنِي: ابْن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: فَسَمعته يَقُول عَن أَبِيه عَن خنساء أَرَادَ أَنه أرْسلهُ فَلم يذكر فِيهِ عبد الرحمان بن يزِيد وَلَا أَخَاهُ.





[ قــ :6604 ... غــ :6970 ]
- حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حَدثنَا شَيْبَانُ، عنْ يَحْياى عنْ أبي سَلَمَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله لَا تُنْكَحُ الأيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَر، وَلَا تُنْكَحُ البِكْرُ حتَّى تُسْتأذنَ قالُوا: كَيْفَ إذنُها؟ قَالَ: أنْ تسْكُتَ
انْظُر الحَدِيث 5136 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وشيبان هُوَ ابْن عبد الرحمان النَّحْوِيّ، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرحمان بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح.

قَوْله: الأيم هِيَ من لَا زوج لَهَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا، لَكِن المُرَاد مِنْهَا هُنَا الثّيّب بِقَرِينَة الْمُقَابلَة للبكر، وَالْأَفْعَال هُنَا كلهَا على صِيغَة الْمَجْهُول، وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي النِّكَاح.

وَقَالَ بَعْضُ النّاس: إِن احْتالَ إنْسانٌ بِشاهِدَيْ زُورٍ عَلى تَزْوِيجِ امْرأةٍ ثَيِّبٍ بأمْرِها، فأثْبَتَ القاضِي نِكاحَها إيَّاهُ، والزَّوْجُ يَعْلَمُ أنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجُها قَطُّ، فإنَّهُ يَسَعُهُ هاذَا النِّكاحُ، وَلَا بأسَ بالمُقامِ لهُ مَعَها.

أَرَادَ بِهِ التشنيع أَيْضا على أبي حنيفَة.
قَوْله: يَسعهُ أَي: يجوز لَهُ وَيحل لَهُ، قَالَ الْكرْمَانِي: وَهَذَا تشنيع عَظِيم لِأَنَّهُ أقدم على الْحَرَام الْبَين عَالما بِالتَّحْرِيمِ مُتَعَمدا لركوب الْإِثْم.
انْتهى.
وَقد ذكرنَا أَن أَبَا حنيفَة بنى هَذِه الْأَشْيَاء على أَن حكم الْحَاكِم بشاهدي زور ينفذ ظَاهرا وَبَاطنا.





[ قــ :6605 ... غــ :6971 ]
- حدّثنا أبُو عاصِمٍ، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ عنْ ذَكْوَانَ، عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: قَالَ رسولُ الله البِكْرُ تُسْتَأذَنُ.

قُلْتُ إنَّ البكْرَ تَسْتَحي.
قَالَ: إذْنُها صُماتُها
انْظُر الحَدِيث 5137 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو عَاصِم هُوَ الضَّحَّاك بن مخلد، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم واسْمه زُهَيْر، وذكوان بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وبالواو مولى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا.
والْحَدِيث قد مضى فِي النِّكَاح.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنْ هَوِيَ رجُلٌ جارِيَةً يَتيمَةً أوْ بِكْراً، فأبتْ، فاحتالَ فَجاءَ بِشاهِدْي زُورٍ عَلى أنهُ تَزَوَّجَها، فأدْرَكَتْ فَرَضيَتِ اليتيمَةُ فَقَبِلَ القاضِي شَهادَةَ الزُّورِ والزَّوْجَ يَعْلَمُ بِبُطلاَن ذَلِكَ حَلَّ لهُ الوَطْءُ.

هَذَا تشنيع آخر على الْحَنَفِيَّة، وَقَوله هَذَا تكْرَار بِلَا فَائِدَة لِأَن حَاصِل هَذِه الْفُرُوع الثَّلَاثَة وَاحِد، وَذكره إِيَّاهَا وَاحِدًا بعد وَاحِد لَا يُفِيد شَيْئا لِأَنَّهُ قد علم أَن حكم الْحَاكِم ينفذ ظَاهرا وَبَاطنا ويحلل وَيحرم.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَائِدَة التّكْرَار كَثْرَة التشنيع.
قَوْله: إِن هوي بِكَسْر الْوَاو يَعْنِي: أحب.
قَوْله: جَارِيَة هِيَ الْفتية من النِّسَاء يتيمة أَو بكرا ويروى عَن الْكشميهني: ثَيِّبًا أَو بكرا.
قَوْله: فأدركت ظَاهِرَة أَنَّهَا بعد الشَّهَادَة بلغت ورضيت، وَيحْتَمل أَن يُرِيد أَنه جَاءَ بِشَاهِدين على أَنَّهَا أدْركْت ورضيت فَتَزَوجهَا فَيكون دَاخِلا تَحت الشَّهَادَة.
وَالْفَاء للسَّبَبِيَّة فَقبل القَاضِي بِشَهَادَة الزُّور.
كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: بِشَهَادَة، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِحَذْف الْبَاء.
قَوْله: جَازَ لَهُ الْوَطْء ويروى: حل لَهُ الْوَطْء.