فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: في كم يقصر الصلاة

(بابٌُ فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلاةَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان كم مُدَّة يقصر الْإِنْسَان الصَّلَاة فِيهَا إِذا قصد الْوُصُول إِلَيْهَا بِحَيْثُ لَا يجوز لَهُ الْقصر إِذا كَانَ قَصده أقل من تِلْكَ الْمدَّة؟ وَلَفْظَة: كم، استفهامية، ومميزها هُوَ الَّذِي قدرناه.
قَوْله: (يقصر الصَّلَاة) يجوز فِي: يقصر، أَن يكون على بِنَاء الْفَاعِل، وَأَن يكون على بِنَاء الْمَفْعُول، فعلى الأول لفظ الصَّلَاة مَنْصُوب، وعَلى الثَّانِي مَرْفُوع.

وسَمَّى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّفَرَ يَوْما ولَيْلَةً أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن اخْتِيَاره أَن أقل الْمسَافَة الَّتِي يجوز فِيهَا الْقصر يَوْم وَلَيْلَة، حَاصله أَن من خرج من منزله وَقصد موضعا إِن كَانَ بَينه وَبَين مقْصده ذَلِك مسيرَة يَوْم وَلَيْلَة يجوز لَهُ أَن يقصر صلَاته الرّبَاعِيّة، وَإِن كَانَ أقل من ذَلِك لَا يجوز، وَهَذِه الْعبارَة رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: وسمى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا وَلَيْلَة سفرا، وَإِطْلَاق السّفر على يَوْم وَلَيْلَة تجوز، وَكَذَا إِطْلَاق يَوْم وَلَيْلَة على السّفر، وَهَذَا أنسب.
يُقَال: سميت فلَانا زيدا، وَقد ذكر فِي هَذَا الْبابُُ ثَلَاثَة أَحَادِيث: إثنان مِنْهَا عَن ابْن عمر وَالْآخر عَن أبي هُرَيْرَة، وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: أقل مُدَّة السّفر الَّتِي لَا يحل للْمَرْأَة أَن تُسَافِر فِيهَا بِدُونِ زوج أَو محرم يَوْم وَلَيْلَة كَمَا يَأْتِي ذكره.
وَأَشَارَ إِلَى هَذَا بقوله: (وسمى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السّفر يَوْمًا وَلَيْلَة) .
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَتعقب بِأَن فِي بعض طرقه: ثَلَاثَة أَيَّام، كَمَا فِي حَدِيث ابْن عمر، وَفِي بَعْضهَا: يَوْم وَلَيْلَة، وَفِي بَعْضهَا: يَوْم، وَفِي بَعْضهَا: لَيْلَة، وَفِي بَعْضهَا: بريد.
قلت: لَيْسَ فِيهِ تعقب لِأَن المحكي فِي هَذَا الْبابُُ نَحْو من عشْرين قولا، وَقد ذكرنَا فِي هَذَا الْبابُُ الصَّلَاة بمنى، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن أقل الْمسَافَة الَّتِي اخْتَارَهَا من هَذِه الْأَقْوَال، يَوْم وَلَيْلَة، وَلَا يُقَال الْمَذْكُور فِي بَعْضهَا يَوْم فَقَط بِدُونِ لَيْلَة، لأَنا نقُول: إِذا ذكر الْيَوْم مُطلقًا يُرَاد بِهِ الْكَامِل، وَهُوَ الْيَوْم بليلته، وَكَذَا إِذا أطلقت اللَّيْلَة بِدُونِ ذكر الْيَوْم.

وكانَ ابنُ عُمَرَ وابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم يَقْصُرَانِ ويُفْطِرانِ فِي أرْبَعَةِ بُرُدٍ وَهْيَ سِتَّةَ عشَرَ فَرْسَخا

هَذَا التَّعْلِيق أسْندهُ الْبَيْهَقِيّ، فَقَالَ: أخبرنَا ابْن حَامِد الْحَافِظ أخبرنَا زَاهِر بن أَحْمد حَدثنَا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي حَدثنَا يُوسُف بن سعيد بن مُسلم حَدثنَا حجاج حَدثنِي لَيْث حَدثنَا يزِيد بن أبي حبيب (عَن عَطاء بن أبي رَبَاح: أَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس كَانَا يصليان رَكْعَتَيْنِ ويفطران فِي أَرْبَعَة برد، فَمَا فَوق ذَلِك) .
قَالَ أَبُو عمر: هَذَا عَن ابْن عَبَّاس مَعْرُوف من نقل الثِّقَات مُتَّصِل الْإِسْنَاد عَنهُ من وُجُوه.
مِنْهَا مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَنهُ،.

     وَقَالَ  ابْن أبي شيبَة أخبرنَا ابْن عُيَيْنَة عَن عمر وَأَخْبرنِي عَطاء عَنهُ، وَحدثنَا وَكِيع حَدثنَا هِشَام بن الْغَاز عَن ربيعَة الجرشِي عَن عَطاء عَنهُ، وَقد اخْتلف عَن ابْن عمر فِي تَحْدِيد ذَلِك اخْتِلَافا كثيرا، فروى عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَن نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ أدنى مَا يقصر الصَّلَاة فِيهِ مَال لَهُ بِخَيْبَر، وَبَين الْمَدِينَة وخيبر سِتَّة وَتسْعُونَ ميلًا، وروى وَكِيع من وَجه آخر عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: يقصر من الْمَدِينَة إِلَى السويداء، وَبَينهمَا إثنان وَسَبْعُونَ ميلًا، وروى عبد الرَّزَّاق عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سَالم عَن أَبِيه: أَنه سَافر إِلَى ريم فقصر الصَّلَاة.
قَالَ عبد الرَّزَّاق: وَهِي على ثَلَاثِينَ ميلًا من الْمَدِينَة، وروى ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن مسعر عَن محَارب: سَمِعت ابْن عمر يَقُول: إِنِّي لأسافر السَّاعَة من النَّهَار فأقصر.
.

     وَقَالَ  الثَّوْريّ: سَمِعت جبلة بن سحيم، سَمِعت ابْن عمر يَقُول: لَو خرجت ميلًا لقصرت الصَّلَاة، وَإسْنَاد كل من هَذِه الْآثَار صَحِيح، وَقد اخْتلف فِي ذَلِك على ابْن عمر، وَأَصَح مَا رُوِيَ عَنهُ مَا رَوَاهُ ابْنه سَالم وَنَافِع أَنه: كَانَ لَا يقصر إلاّ فِي الْيَوْم التَّام أَرْبَعَة برد، وَفِي (الْمُوَطَّأ) عَن ابْن شهَاب عَن مَالك عَن سَالم عَن أَبِيه: أَنه كَانَ يقصر فِي مسيرَة الْيَوْم التَّام،.

     وَقَالَ  بَعضهم: على هَذَا فِي تمسك الْحَنَفِيَّة بِحَدِيث ابْن عمر، على أَن: أقل مَسَافَة الْقصر ثَلَاثَة أَيَّام إِشْكَال، لَا سِيمَا على قاعدتهم بِأَن الِاعْتِبَار بِمَا رأى الصَّحَابِيّ لَا بِمَا روى.
قلت: لَيْسَ فِيهِ إِشْكَال، لِأَن هَذَا لَا يشبه أَن يكون رَأيا، إِنَّمَا يشبه أَن يكون توقيفا على أَن أَصْحَابنَا أَيْضا اخْتلفُوا فِي هَذَا الْبابُُ إختلافا كثيرا، فَالَّذِي ذكره صَاحب (الْهِدَايَة) : السّفر الَّذِي تَتَغَيَّر بِهِ الْأَحْكَام أَن يقْصد الْإِنْسَان مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها بسير الْإِبِل ومشي الْأَقْدَام، وَقدر أَبُو يُوسُف بيومين وَأكْثر الثَّالِث، وَهُوَ رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة، وَرِوَايَة ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد،.

     وَقَالَ  المرغيناني وَعَامة الْمَشَايِخ: قدروها بالفراسخ، فَقيل: أحد وَعِشْرُونَ فرسخا، وَقيل: ثَمَانِيَة عشر فرسخا.
قَالَ المرغيناني: وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
وَقيل خَمْسَة عشر فرسخا.
وَمَا ذكره صَاحب (الْهِدَايَة) هُوَ مَذْهَب عُثْمَان وَابْن مَسْعُود وسُويد بن غَفلَة وَفِي (التَّمْهِيد) : وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان وَأَبُو قلَابَة وَشريك بن عبد الله وَابْن جُبَير وَابْن سِيرِين وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ، وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ فِي: بابُُ الصَّلَاة بمنى.
قَوْله: (وَهُوَ سِتَّة عشر فرسخا) من كَلَام البُخَارِيّ أَي: الْبرد سِتَّة عشر فرسخا، وَالْبرد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: جمع بريد،.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: الْبَرِيد فرسخان.
وَقيل: مَا بَين كل منزلين بريد،.

     وَقَالَ  صَاحب (الْجَامِع) : الْبَرِيد أَمْيَال مَعْرُوفَة، يُقَال: هُوَ أَرْبَعَة فراسخ.
والفراسخ ثَلَاثَة أَمْيَال.
وَفِي (الواعي) : الْبَرِيد سكَّة من السكَك، كل اثْنَي عشر ميلًا بريد، وَكَذَا ذكره فِي (الصِّحَاح) وَغَيره.
وَفِي (الجمهرة) : الْبَرِيد مَعْرُوف عَرَبِيّ، والفرسخ، قَالَ ابْن سَيّده: هُوَ ثَلَاثَة أَمْيَال أَو سِتَّة، سمي بذلك لِأَن صَاحبه إِذا مَشى وَقعد واستراح، كَأَنَّهُ سكن، والفرسخ: السّكُون.
وَفِي (الْجَامِع) : قيل: إِنَّمَا سمي فرسخا من السعَة.
وَقيل: الْمَكَان إِذا لم يكن فِيهِ فُرْجَة فَهُوَ فَرسَخ.
وَقيل: الفرسخ الطَّوِيل.
وَفِي (مجمع الغرائب) : فراسخ اللَّيْل وَالنَّهَار ساعاتهما وأوقاتهما.
وَفِي (الصِّحَاح) : هُوَ فَارسي مُعرب، والميل من الأَرْض مَعْرُوف، وَهُوَ قدر مد الْبَصَر، وَقيل: لَيْسَ لَهُ حد مَعْلُوم، وَقيل: هُوَ ثَلَاثَة آلَاف ذِرَاع، وَعَن يَعْقُوب: مُنْتَهى مد الْبَصَر، وَيُقَال: الْميل عشر غلوات، والغلوة طلق الْفرس، وَهُوَ مِائَتَا ذِرَاع وَفِي (الْمغرب) للمطرزي الغلوة ثَلَاثمِائَة ذِرَاع إِلَى أَرْبَعمِائَة.
وَقيل: هُوَ قدر رمية سهم.
.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر: أصح مَا فِي الْميل أَنه ثَلَاثَة آلَاف ذِرَاع وَخَمْسمِائة.
وَقيل: أَرْبَعَة آلَاف ذِرَاع، وَقيل: ألف خطْوَة بخطوة الْجمل.
وَقيل: هُوَ أَن ينظر إِلَى الشَّخْص فَلَا يعلم أهوَ آتٍ أَو ذَاهِب أَو رجل هُوَ أَو امْرَأَة.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: وَقيل: إثنا عشر ألف قدم، وَعَن الْحَرْبِيّ قَالَ أَبُو نصر: هُوَ قِطْعَة من الأَرْض مَا بَين العلمين.



[ قــ :1050 ... غــ :1086 ]
- حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ قَالَ.

قُلْتُ ل أِبِي أُسَامَةَ حدَّثَكُمْ عُبَيْدُ الله عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ تُسَافِرِ المَرْأَةُ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ.

(الحَدِيث 6801 طرفه فِي: 7801) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يبين الْإِبْهَام الَّذِي فِي التَّرْجَمَة ففسره أَولا بقوله: (وسمى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السّفر يَوْمًا وَلَيْلَة) .
وَثَانِيا بقوله: (وَكَانَ ابْن عمر.
.
) إِلَى آخِره، وثالثا بِهَذَا الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، لِأَن إِبْهَام التَّرْجَمَة وإطلاقه يتَنَاوَل الْكل.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: إِسْحَاق، قَالَ أَبُو عَليّ الجياني: حَيْثُ قَالَ البُخَارِيّ: حَدثنَا إِسْحَاق، فَهُوَ ابْن رَاهَوَيْه.
وَإِمَّا ابْن نصر السَّعْدِيّ.
وَإِمَّا ابْن مَنْصُور الكوسج لِأَن الثَّلَاثَة أخرج عَنْهُم البُخَارِيّ عَن أبي أُسَامَة.
قَالَ الْكرْمَانِي: إِسْحَاق هُوَ الْحَنْظَلِي.
قلت: هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن مخلد بن إِبْرَاهِيم، يعرف بِابْن رَاهَوَيْه الْحَنْظَلِي الْمروزِي، وَالصَّوَاب مَعَه، لِأَنَّهُ سَاق هَذَا الحَدِيث فِي مُسْنده بِهَذِهِ الْعبارَة.
الثَّانِي: أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة اللَّيْثِيّ، وَقد مر غير مرّة.
الثَّالِث: عبيد الله بن عمر الْعمريّ، وَقد مر عَن قريب.
الرَّابِع: نَافِع مولى ابْن عمر.
الْخَامِس: عبد الله ابْن عمر.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع، وَفِيه: قَالَ وَقلت.
وَفِيه: أَن شَيْخه مروزي وَأَبُو أُسَامَة كُوفِي وَعبيد الله وَنَافِع مدنيان.
وَفِيه: دَلِيل لمن قَالَ: إِنَّه لَا يشْتَرط فِي صِحَة النَّاقِل قَول الشَّيْخ: نعم، فِي جَوَاب من قَالَ لَهُ: حَدثكُمْ فلَان، بِكَذَا، قَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر، لِأَن مُسْند إِسْحَاق فِي آخِره وَأقر بِهِ أَبُو أُسَامَة.

     وَقَالَ : نعم.
قلت: فِيهِ نظر، لِأَن هَذَا الْمُسْتَدلّ إِنَّمَا اسْتدلَّ بِظَاهِر عبارَة البُخَارِيّ الَّتِي تساعده فِيهِ على مَا لَا يخفى.
وَفِيه: أَن شَيْخه مَذْكُور بِغَيْر نِسْبَة، وَيحْتَمل وَجه ذَلِك أَنه روى هَذَا الحَدِيث من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة الْمُسَمّى كل مِنْهُم بِإسْحَاق وَلم ينْسبهُ ليتناول الثَّلَاثَة، لِأَنَّهُ أخرج عَن الثَّلَاثَة عَن أبي أُسَامَة.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَأخرجه مُسلم أَيْضا من طَرِيق الضَّحَّاك بن عُثْمَان عَن نَافِع مسيرَة ثَلَاث لَيَال، والتوفيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ أَن المُرَاد: ثَلَاثَة أَيَّام بلياليها وَثَلَاث لَيَال بأيامها.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: احْتج بِهِ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وفقهاء أَصْحَاب الحَدِيث على أَن الْمحرم شَرط فِي وجوب الْحَج على الْمَرْأَة إِذا كَانَت بَينهَا وَبَين مَكَّة مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها، وَبِه قَالَ النَّخعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالثَّوْري وَالْأَعْمَش.
فَإِن قلت: الْحَج لم يدْخل فِي السّفر الَّذِي نهى عَنهُ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَنه مَحْمُول على الْأَسْفَار غير الْوَاجِبَة، وَالْحج فرض، فَلَا يدْخل فِي هَذَا النَّهْي؟ قلت: النَّهْي عَام فِي كل سفر، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم.
فَقَالَ مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب، كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان، قَالَ أَبُو بكر: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن دنار (عَن أبي معبد قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب: لَا يخلون رجل بِامْرَأَة إلاّ وَمَعَهَا ذُو محرم، وَلَا تُسَافِر الْمَرْأَة إلاّ مَعَ ذِي محرم، فَقَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن امْرَأَتي حَاجَة، وَإِنِّي اكتتبت فِي غَزْوَة كَذَا وَكَذَا، قَالَ: انْطلق فحج مَعَ امْرَأَتك) .
وَلَفظ البُخَارِيّ يَجِيء فِي مَوْضِعه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَأخرجه ابْن مَاجَه والطَّحَاوِي أَيْضا، وَلَفظ الطَّحَاوِيّ: (أردْت أَن أحج بامرأتي، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أحجج مَعَ امْرَأَتك) .
فَدلَّ ذَلِك على أَنَّهَا لَا يَنْبَغِي لَهَا أَن تحج إلاّ بِهِ، وَلَوْلَا ذَلِك لقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمَا حَاجَتهَا إِلَيْك لِأَنَّهَا تخرج مَعَ الْمُسلمين، وَأَنت فَامْضِ لوجهك فِيمَا اكتتبت، فَفِي ترك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَأْمُرهُ بذلك وَأمره أَن يحجّ مَعهَا دَلِيل على أَنَّهَا لَا يصلح لَهَا الْحَج إلاّ بِهِ.
وروى ابْن حزم حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا فِي (الْمحلى) بِسَنَدِهِ، كَمَا مر، غير أَن فِي لَفظه: (إِنِّي نذرت أَن أخرج فِي جَيش كَذَا) ، عوض قَوْله: (إِنِّي اكتتبت فِي غَزْوَة كَذَا) .
ثمَّ قَالَ: وَلم يقل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تخرج إِلَى الْحَج إلاّ مَعَك، وَلَا نهاها عَن الْحَج، بل ألزمهُ ترك نَذره فِي الْجِهَاد وألزمه الْحَج مَعهَا، فالفرض فِي ذَلِك عَلَيْهِ لَا عَلَيْهَا.
قلت: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك توجيها لمذهبه فِي أَن الْمَرْأَة تحج من غير زوج ومحرم، فَإِن كَانَ لَهَا زوج فَفرض عَلَيْهِ أَن يحجّ مَعهَا وَلَيْسَ كَمَا فهمه، بل الحَدِيث فِي نفس الْأَمر حجَّة عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لما قَالَ لَهُ: (فَاخْرُج مَعهَا) ، وَأمر بِالْخرُوجِ مَعهَا فَدلَّ على عدم جَوَاز سفرها إلاّ بِهِ أَو بِمحرم، وَإِنَّمَا ألزمهُ بترك نَذره لتَعلق جَوَاز سفرها بِهِ.
فَإِن قلت: ظَاهر الحَدِيث يدل على أَن الزَّوْج أَو الْمحرم إِذا امْتنع عَن الْخُرُوج مَعهَا فِي الْحَج أَنه يجْبر على ذَلِك، وَمَعَ هَذَا فَأنْتم تَقولُونَ: إِذا امْتنع الزَّوْج أَو الْمحرم لَا يجْبر عَلَيْهِ.
قلت: فَلْيَكُن كَذَلِك فَلَا يضرنا هَذَا، وَإِنَّمَا قصدنا إِثْبَات شَرْطِيَّة الزَّوْج أَو الْمحرم مَعَ الْمَرْأَة إِذا أَرَادَت الْحَج، على أَن هَذَا الْأَمر لَيْسَ بِأَمْر إِلْزَام، وَإِنَّمَا نبه بذلك على أَن الْمَرْأَة لَا تُسَافِر إلاّ بزوجها، وَمذهب الشَّافِعِي وَمَالك أَن الْمَرْأَة تُسَافِر لِلْحَجِّ الْفَرْض بِلَا زوج وَلَا محرم، وَإِن كَانَ بَينهَا وَبَين مَكَّة سفرا وَلم يكن وخصَّا النَّهْي الْوَارِد عَن ذَلِك بالأسفار غير الْوَاجِبَة، وَمذهب عَطاء وَسَعِيد بن كيسَان وَطَائِفَة من الظَّاهِرِيَّة: أَنه يجوز سفر الْمَرْأَة فِيمَا دون الْبَرِيد، فَإِذا كَانَ بريدا فَصَاعِدا فَلَيْسَ لَهَا أَن تُسَافِر إلاّ بِمحرم، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ، قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكرَة قَالَ: حَدثنَا أَبُو عمر الضَّرِير عَن حَمَّاد بن سَلمَة، قَالَ: حَدثنَا سُهَيْل بن أبي صَالح عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تُسَافِر امْرَأَة بريدا، إلاّ مَعَ زوج أَو ذِي محرم) .
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا، وَلَفظه: (لَا تُسَافِر الْمَرْأَة بريدا إلاّ مَعَ ذِي محرم) ، وَأخرجه أَبُو دَاوُد نَحوه.

وَذهب الشّعبِيّ وطاووس وَقوم من الظَّاهِرِيَّة إِلَى أَن الْمَرْأَة لَا يجوز لَهَا أَن تُسَافِر مُطلقًا سَوَاء كَانَ السّفر قَرِيبا أَو بَعيدا، إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم لَهَا، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ.
قَالَ حَدثنَا روح بن الْفرج، قَالَ: حَدثنَا حَامِد بن يحيى، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، قَالَ: حَدثنَا ابْن عجلَان عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تُسَافِر الْمَرْأَة إلاّ وَمَعَهَا ذُو محرم) .
قَالَ الطَّحَاوِيّ: اتّفقت الْآثَار الَّتِي فِيهَا مُدَّة الثَّلَاث كلهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَحْرِيم السّفر ثَلَاثَة أَيَّام على الْمَرْأَة بِغَيْر محرم، وَاخْتلف فِيمَا دون الثَّلَاث، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِك فَوَجَدنَا النَّهْي عَن السّفر بِلَا محرم مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام فَصَاعِدا ثَابتا بِهَذِهِ الْآثَار كلهَا، وَكَانَ توقيته ثَلَاثَة أَيَّام فِي ذَلِك إِبَاحَة السّفر دون الثَّلَاث لَهَا بِغَيْر محرم، وَلَوْلَا ذَلِك لما كَانَ لذكره الثَّلَاث معنى، ولنهى نهيا مُطلقًا.
وَلم يتَكَلَّم بِكَلَام يكون فصلا، وَلَكِن ذكر الثَّلَاث ليعلم أَن مَا دونهَا بِخِلَافِهَا، ثمَّ مَا رُوِيَ عَنهُ فِي منعهَا من السّفر دون الثَّلَاث من الْيَوْم واليومين والبريد، فَكل وَاحِد من تِلْكَ الْآثَار، وَمن الْأَثر الْمَرْوِيّ فِي الثَّلَاث مَتى كَانَ بعد الَّذِي خَالفه شَيْخه إِن كَانَ على سفر الْيَوْم بِلَا محرم بعد النَّهْي عَن سفر الثَّلَاث بِلَا محرم فَهُوَ نَاسخ، وَإِن كَانَ خبر الثَّلَاث هُوَ الْمُتَأَخر عَنهُ فَهُوَ نَاسخ، فقد ثَبت أَن أحد الْمعَانِي دون الثَّلَاث ناسخة للثلاث، أَو الثَّلَاث ناسخة لَهَا، فَلم يخل خبر الثَّلَاث من أحد وَجْهَيْن: إِمَّا أَن يكون هُوَ الْمُتَقَدّم، أَو يكون هُوَ الْمُتَأَخر، فَإِن كَانَ هُوَ الْمُتَقَدّم فقد أَبَاحَ السّفر بِأَقَلّ من ثَلَاث بِلَا محرم، ثمَّ جَاءَ بعده النَّهْي عَن سفر مَا هُوَ دون الثَّلَاث بِغَيْر محرم، فَحرم مَا حرم الحَدِيث الأول وَزَاد عَلَيْهِ حُرْمَة أُخْرَى وَهِي مَا بَينه وَبَين الثَّلَاث، فَوَجَبَ اسْتِعْمَال الثَّلَاث على مَا أوجبه الْأَثر الْمَذْكُور فِيهِ، وَإِن كَانَ هُوَ الْمُتَأَخر وَغَيره الْمُتَقَدّم فَهُوَ نَاسخ لما تقدمه، وَالَّذِي تقدمه غير وَاجِب الْعَمَل بِهِ، فَحَدِيث الثَّلَاث وَاجِب اسْتِعْمَاله على الْأَحْوَال كلهَا، وَمَا خَالفه فقد يجب اسْتِعْمَاله إِن كَانَ هُوَ الْمُتَأَخر، وَلَا يجب إِن كَانَ هُوَ الْمُتَقَدّم، فَالَّذِي قد وَجب علينا اسْتِعْمَاله وَالْأَخْذ بِهِ فِي كلا الْوَجْهَيْنِ أولى مِمَّا يجب اسْتِعْمَاله فِي حَال وَتَركه فِي حَال.
انْتهى.

وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: وَقَوله فِي الرِّوَايَة الْوَاحِدَة عَن أبي سعيد: ثَلَاث لَيَال، وَفِي الْأُخْرَى: يَوْمَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى: أَكثر من ثَلَاث، وَفِي حَدِيث ابْن عمر: ثَلَاث، وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: مسيرَة لَيْلَة، وَفِي الْأُخْرَى عَنهُ: يَوْم وَلَيْلَة، وَفِي الْأُخْرَى عَنهُ: ثَلَاث، وَهَذَا كُله لَيْسَ يتنافر وَلَا يخْتَلف، فَيكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منع من ثَلَاث وَمن يَوْمَيْنِ وَمن يَوْم أَو يَوْم وَلَيْلَة، وهوأقلها، وَقد يكون قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا فِي مَوَاطِن مُخْتَلفَة ونوازل مُتَفَرِّقَة، فَحدث كل من سَمعهَا بِمَا بلغه مِنْهَا وَشَاهده، وَإِن حدث بهَا وَاحِد فَحدث بهَا مَرَّات على اخْتِلَاف مَا سَمعهَا، وبحسب اخْتِلَاف هَذِه الرِّوَايَات اخْتلف الْفُقَهَاء فِي تَقْصِير الْمُسَافِر وَأَقل السّفر.
فَإِن قلت: حَدِيث الْبابُُ الَّذِي رَوَاهُ عمر الَّذِي فِيهِ تعْيين ثَلَاثَة أَيَّام، وَأَنه مَمْنُوع إلاّ بِذِي محرم، وَقد رُوِيَ عَنهُ من قَوْله خلاف ذَلِك، قَالَ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا عَليّ بن عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن صَالح، قَالَ: حَدثنَا بكر بن مُضر عَن عَمْرو بن الْحَارِث (عَن بكير أَن نَافِعًا حَدثهُ أَنه: كَانَ يُسَافر مَعَ ابْن عمر مواليات لَهُ لَيْسَ مَعَهُنَّ ذُو محرم) .
قلت: قد يجوز أَن يكون سفرهن بِغَيْر محرم هُوَ السفرالذي لم يدْخل فِيهَا نهي عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (مواليات) ، بِضَم الْمِيم، أَي: نسَاء مواليات من الْمُوَالَاة، وَعقد الْمُوَالَاة أَن يسْلك رجل على يَد آخر فيواليه، فَيَقُول: أَنْت مولَايَ ترثني إِذا مت وتعقل عني إِذا جنيت، فَهَذَا عقد صَحِيح.
وَكَذَا لَو أسلم على يَد رجل ووالى غَيره.
فَإِن قلت: رُوِيَ عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَنَّهَا كَانَت تُسَافِر بِغَيْر محرم، فَأخذ بِهِ جمَاعَة وجوزوا سفرها بِغَيْر محرم.
قلت: كَانَ النَّاس لعَائِشَة محرما لِأَنَّهَا أم الْمُؤمنِينَ، فَمَعَ أَيهمْ سَافَرت فقد سَافَرت بِمحرم، وَلَيْسَ النَّاس لغَيْرهَا من النِّسَاء كَذَلِك، وَهَذَا الْجَواب من أبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.





[ قــ :1051 ... غــ :1087 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى عنْ عُبَيْدِ الله عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ تُسَافِرُ المَرْأةُ إلاّ معَ ذِي مَحْرَمٍ.

( أنظر الحَدِيث 6801) .

هَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث ابْن عمر عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن عبيد الله بن عمر الْعمريّ عَن نَافِع إِلَى آخِره.
قَوْله: ( إِلَّا مَعهَا ذُو محرم) رِوَايَة الْأصيلِيّ وَأبي ذَر وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: ( إلاّ مَعَ ذِي محرم) ، وَالْمحرم، بِفَتْح الْمِيم: من لَا يحل لَهُ نِكَاحهَا، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي سعيد عِنْد مُسلم وَأبي دَاوُد: ( إلاّ وَمَعَهَا أَبوهَا وأخوها أَو زَوجهَا أَو ابْنهَا أَو ذُو محرم مِنْهَا) .
وَاخْتلف فِي الْمحرم، فَيجوز لَهَا المسافرة مَعَ محرمها بِالنّسَبِ: كأبيها وأخيها وَابْن اختها وَابْن أَخِيهَا وخالها وعمها، وَمَعَ محرمها بِالرّضَاعِ كأخيها من الرَّضَاع وَابْن أَخِيهَا وَابْن اختها مِنْهُ، وَنَحْوهم، وَمَعَ محرمها من الْمُصَاهَرَة كَأبي زَوجهَا وَابْن زَوجهَا، وَلَا كَرَاهَة فِي شَيْء من ذَلِك إلاّ أَن مَالِكًا كره سفرها مَعَ ابْن زَوجهَا لفساد النَّاس بعد الْعَصْر الأول، وَكَذَلِكَ يجوز لهَؤُلَاء الْخلْوَة بهَا وَالنَّظَر إِلَيْهَا من غير حَاجَة، وَلَكِن لَا يحل النّظر بِشَهْوَة.

تابَعَهُ أحْمَدُ عنِ ابنِ المُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ الله عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أَي: تَابع عبيد الله أَحْمد حَيْثُ رَوَاهُ عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن عبيد الله الْعمريّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله، أَي: مَرْفُوعا نَحوه، وَذكر البُخَارِيّ مُتَابَعَته إِيَّاه دفعا لمن قَالَ: إِنَّه مَوْقُوف، وَفِي ( علل الدَّارَقُطْنِيّ) قَالَ يحيى بن سعيد الْقطَّان: مَا أنْكرت على عبيد الله بن عمر إلاّ هَذَا الحَدِيث.
.

     وَقَالَ : رَوَاهُ عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَوْقُوفا.
قَالَ صَاحب ( التَّلْوِيح) : رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي ( مُسْنده) عَن ابْن نمير وَعَن أبي أُسَامَة عَن عبيد الله، فَذكره مَرْفُوعا، قَالَ: رَأَيْت حَاشِيَة بِخَط قديم جدا: هَذَا الحَدِيث غلط، غلط، فِيهِ عبيد الله عَن نَافِع، وَلم يُنكر عَلَيْهِ الْقطَّان غَيره.
قَالَ: وَفِيه نظر لجلالة عبيد الله، وَلِأَن يحيى نَفسه رَوَاهُ عَنهُ فَلَو كَانَ مُنْكرا مَا رَوَاهُ عَنهُ وَإِذا رَوَاهُ عَنهُ فَلَا يحدث، ثمَّ قَالَ: وَقد وجدنَا لِعبيد الله مُتَابعًا على رَفعه، رَوَاهُ مُسلم فِي ( صَحِيحه) عَن مُحَمَّد بن رَافع: حَدثنَا ابْن أبي فديك عَن الضَّحَّاك بن عُثْمَان، عَن نَافِع، فَذكره بِلَفْظ: ( لَا يحل لأمرأة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر تُسَافِر مسيرَة ثَلَاث لَيَال إلاّ وَمَعَهَا ذُو محرم) .
وَأما أَحْمد الْمَذْكُور فَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى الْمروزِي، يكنى أَبَا الْعَبَّاس، ويلقب بمردويه.
قلت: هَكَذَا ذكر الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَنه أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى مرْدَوَيْه، وَزعم الدَّارَقُطْنِيّ أَنه: أَحْمد بن مُحَمَّد بن ثَابت شبويه،.

     وَقَالَ  أَحْمد بن عدي: لَا يعرف.
قيل: إِنَّه أَحْمد بن حَنْبَل، وَهُوَ غير صَحِيح، لِأَنَّهُ لم يسمع عَن عبد الله بن الْمُبَارك.





[ قــ :105 ... غــ :1088 ]
- حدَّثنا آدَمُ قَالَ حَدثنَا ابنُ أبي ذِئْبٍ قَالَ حدَّثنا سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ عنْ أبيهِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأةٍ تُؤْمِنُ بِالله واليَوْمِ الآخِرِ أنْ تسَافِرَ مَسِيرَةَ يَومٍ ولَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ.

مطابقته للتَّرْجَمَة مَا ذَكرْنَاهُ فِي أول حَدِيث الْبابُُ.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة ذكرُوا غير مرّة، وآدَم ابْن إِيَاس من أَفْرَاد البُخَارِيّ وَابْن أبي ذِئْب هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب، وَاسم أبي ذِئْب: هِشَام العامري الْمدنِي، وَسَعِيد ابْن أبي سعيد الْمدنِي، وكنيته أَبُو سعيد، وَأَبوهُ سعيد واسْمه: كيسَان المَقْبُري، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: نِسْبَة إِلَى مَقْبرَة بِالْمَدِينَةِ كَانَ أَبُو سعيد مجاورا لَهَا.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحَج،.

     وَقَالَ : حَدثنِي زُهَيْر بن حَرْب، قَالَ) : حَدثنَا يحيى ابْن سعيد عَن ابْن أبي ذِئْب، قَالَ: حَدثنَا سعيد بن أبي سعيد عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر تُسَافِر مسيرَة يَوْم إلاّ مَعَ ذِي محرم) .

ذكر الِاخْتِلَاف فِيهِ فِي الْمَتْن والسند: أما الِاخْتِلَاف فِي الْمَتْن: فَإِن رِوَايَة البُخَارِيّ: (مسيرَة يَوْم وَلَيْلَة) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (مسيرَة يَوْم) ، والتوفيق بَينهمَا بِأَن يُقَال: المُرَاد بِيَوْم فِي رِوَايَة مُسلم هُوَ الْيَوْم بليلته.
وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ: (أَن تُسَافِر) وَفِي رِوَايَة مُسلم: (تُسَافِر) بِدُونِ ذكر: أَن، وَهَذَا لَيْسَ باخْتلَاف على الْحَقِيقَة، لِأَن: أَن، مقدرَة فِي رِوَايَة مُسلم، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ: (لَيْسَ مَعهَا حُرْمَة) وَفِي رِوَايَة مُسلم: (إلاّ مَعَ ذِي محرم) ، وَهَذَا الِاخْتِلَاف فِي الصُّورَة وَفِي الْمَعْنى كِلَاهُمَا سَوَاء.

وَأما الِاخْتِلَاف فِي السَّنَد: فَإِن البُخَارِيّ وَمُسلمًا اتفقَا فِي هَذِه الرِّوَايَة عَن سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه، وروى مُسلم أَيْضا بِدُونِ ذكر أَبِيه، فَقَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا لَيْث عَن سعيد بن أبي سعيد عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يحل لامْرَأَة مسلمة أَن تُسَافِر مسيرَة لَيْلَة إلاَّ وَمَعَهَا رجل ذُو حُرْمَة مِنْهَا) .
وَكَذَلِكَ اخْتلف فِيهِ على مَالك، فَفِي رِوَايَة مُسلم عِنْد ذكر أَبِيه، حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ: قَرَأت على مَالك عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر تُسَافِر مسيرَة يَوْم وَلَيْلَة إلاَّ مَعَ ذِي محرم مِنْهَا) .
.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد: أخبرنَا عبد الله بن مسلمة والنفيلي عَن مَالك، قَالَ: وَحدثنَا الْحسن بن عَليّ، قَالَ: حَدثنَا بشر بن عمر، قَالَ: حَدثنِي مَالك عَن سعيد بن أبي سعيد، قَالَ الْحسن فِي حَدِيثه عَن أَبِيه: ثمَّ اتَّفقُوا على أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تُسَافِر يَوْمًا وَلَيْلَة) .
قَالَ أَبُو دَاوُد: لم يذكر النُّفَيْلِي والقعنبي عَن أَبِيه.
.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد، رَوَاهُ ابْن وهب وَعُثْمَان بن عمر عَن مَالك، كَمَا قَالَ القعْنبِي،.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ فِي (الغرائب) : رَوَاهُ بشر بن عمر وَإِسْحَاق الْفَروِي عَن مَالك عَن سعيد عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم عَن مَالك مثل حَدِيث بشر بن عمر،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: روى شَيبَان عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سعيد عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة،.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ فِي (استدراكه) على الشَّيْخَيْنِ: كَونهمَا أَخْرجَاهُ من حَدِيث أبي ذِئْب عَن سعيد عَن أَبِيه،.

     وَقَالَ : الصَّوَاب: سعيد عَن أبي هُرَيْرَة من غير ذكر أَبِيه، وَاحْتج بِأَن مَالِكًا وَيحيى بن أبي كثير وسهيلاً قَالُوا: عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة، فَهَذَا الدَّارَقُطْنِيّ رجح رِوَايَة إِسْحَاق عَن أَبِيه، وَلَكِن فِي رِوَايَة الشَّيْخَيْنِ: عَن أَبِيه، زِيَادَة من الثِّقَة، وَهِي مَقْبُولَة، وَقد وَافق ابْن أبي ذِئْب على قَوْله: عَن أَبِيه، اللَّيْث بن سعد فِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَنهُ قَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا سعيد، قَالَ: حَدثنَا اللَّيْث عَن سعيد بن أبي سعيد عَن أَبِيه أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يحل لامْرَأَة مسلمة تُسَافِر مسيرَة لَيْلَة إلاّ وَمَعَهَا رجل ذُو حُرْمَة مِنْهَا) ، وَاللَّيْث وَابْن أبي ذِئْب من أثبت النَّاس فِي سعيد، وَذكرنَا عَن مُسلم عَن قريب بِعَين الْإِسْنَاد والمتن، وَلَكِن لَيْسَ فِيهِ عَن أَبِيه، كَذَا رَأَيْته فِي بعض النّسخ، وَفِي بَعْضهَا: عَن أَبِيه، فَإِن صحت الرِّوَايَتَانِ يكون على اللَّيْث أَيْضا اخْتِلَاف ينظر فِيهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لَا يحل) ، فعل مضارع وفاعله قَوْله: (أَن تُسَافِر) ، و: أَن، مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره: لَا يحل لامْرَأَة مسافرتها مسيرَة يَوْم.
.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّلْوِيح) : الْهَاء فِي: مسيرَة يَوْم، للمرة الْوَاحِدَة، التَّقْدِير: أَن تُسَافِر مرّة وَاحِدَة سفرة وَاحِدَة مَخْصُوصَة بِيَوْم وَلَيْلَة، وَتَبعهُ على هَذَا صَاحب (التَّوْضِيح) وَهَذَا تصرف عَجِيب، وَلَفظ: (مسيرَة) مصدر ميمي بِمَعْنى: السّير، كالمعيشة بِمَعْنى الْعَيْش، وَلَيْسَت التَّاء فِيهِ للمرة، وَمَا كل تَاء تدخل الْمصدر تدل على الْوحدَة.
قَوْله: (تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر) ظَاهره أَن هَذَا قيد يخرج الكافرات، كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْبَعْض، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ وصف لتأكيد التَّحْرِيم لِأَنَّهُ تَعْرِيض أَنَّهَا إِذا سَافَرت بِغَيْر محرم فَإِنَّهَا تخَالف شَرط الْإِيمَان بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر، لِأَن التَّعَرُّض إِلَى وصفهَا بذلك إِشَارَة إِلَى إِلْزَام الْوُقُوف عِنْدَمَا نهيت عَنهُ، وَأَن الْإِيمَان بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يقْضِي لَهَا بذلك.
قَوْله: (لَيْسَ مَعهَا حُرْمَة) جملَة حَالية، أَي: لَيْسَ مَعهَا رجل ذُو حُرْمَة مِنْهَا، كَمَا فِي رِوَايَة مُسلم، كَذَلِك، وَقد مر عَن قريب.
وَاسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث على: أَن الْمَرْأَة لَيْسَ لَهَا أَن تُسَافِر مسيرَة يَوْم وَلَيْلَة إلاّ بِذِي محرم، وَلها أَن تُسَافِر فِي أقل من ذَلِك، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً.

تابَعَهُ يَحْيَى بنُ أبي كَثِيرٍ وسُهَيْلٌ ومالِكٌ عنِ المَقْبُرِيِّ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ

أَي: تَابع ابْن أبي ذِئْب عَن أبي هُرَيْرَة يحيى وَسُهيْل وَمَالك، فَهَذِهِ الْمُتَابَعَة فِي متن الحَدِيث لَا فِي الْإِسْنَاد، لأَنهم لم يَقُولُوا عَن أَبِيه.
.

     وَقَالَ  الْمُزنِيّ: يَعْنِي تَابعه فِي قَوْله: (مسيرَة يَوْم وَلَيْلَة) قلت: أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن مُتَابعَة هَؤُلَاءِ ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد فِي لفظ الْمَتْن لَا فِي ذكر سعيد عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَكِن لم يخْتَلف على يحيى فِي رِوَايَته عَن أبي سعيد عَن أَبِيه، لِأَن الطَّحَاوِيّ روى هَذَا الحَدِيث من طَرِيق يحيى، وَفِيه: عَن أَبِيه، حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا أَبُو أُميَّة، قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم، قَالَ: حَدثنَا شَيبَان بن عبد الرَّحْمَن عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سعيد عَن أَبِيه أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يحل لامْرَأَة أَن تُسَافِر يَوْمًا فَمَا فَوْقه ألاَّ وَمَعَهَا ذُو حُرْمَة) .
وَأخرجه أَحْمد فِي مُسْنده: حَدثنَا حسن حَدثنَا شَيبَان عَن يحيى عَن أبي سعيد أَن أَبَاهُ أخبرهُ أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يحل لامْرَأَة أَن تُسَافِر يَوْمًا فَمَا فَوْقه إلاَّ وَمَعَهَا ذُو حُرْمَة) .

وَاخْتلف فِي ذَلِك على سُهَيْل وَمَالك.
أما الِاخْتِلَاف على سُهَيْل فَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا يُوسُف بن مُوسَى عَن جرير عَن سُهَيْل عَن سعيد بن أبي سعيد عَن أبي هُرَيْرَة.
.
الحَدِيث، وَفِيه: أَن تُسَافِر بريدا.
وَأخرجه الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا أَبُو بكرَة، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عمر الضَّرِير عَن حَمَّاد بن سَلمَة، قَالَ: حَدثنَا سُهَيْل بن أبي صَالح عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تُسَافِر امْرَأَة بريدا إلاَّ مَعَ زوج أَو ذِي محرم) .
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا نَحوه، فَهَذِهِ لَيْسَ فِيهَا ذكر: عَن أَبِيه، وروى مُسلم: حَدثنَا أَبُو كَامِل الجحدري، قَالَ حَدثنَا بشر، يَعْنِي ابْن الْمفضل، قَالَ: حَدثنَا سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يحل لامْرَأَة أَن تُسَافِر ثَلَاثًا إلاّ وَمَعَهَا ذُو محرم عَلَيْهَا) ، فَهَذَا فِي رِوَايَته أبدل سعيدا بِأبي صَالح، وَخَالف فِي اللَّفْظ أَيْضا فَقَالَ: (أَن تُسَافِر ثَلَاثًا) ، وَيحْتَمل أَن يكون الحديثان مَعًا عِنْد سُهَيْل، وَلذَلِك صحّح ابْن حبَان الطَّرِيقَيْنِ عَنهُ،.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر: رِوَايَة سُهَيْل مضطربة فِي الْإِسْنَاد والمتن.

وَأما الِاخْتِلَاف على مَالك فقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَقد رَأَيْت الِاخْتِلَاف الظَّاهِر بَين الْحفاظ فِي ذكر أَبِيه، فَلَعَلَّهُ سمع من أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، ثمَّ سمع عَن أبي هُرَيْرَة نَفسه، فَرَوَاهُ تَارَة كَذَا وَتارَة كَذَا، وسماعه عَن أبي هُرَيْرَة صَحِيح.