فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون} [البقرة: 189]

(بابُُ قَوْلِهِ: { لَيْسَ الْبِرُّ بأنْ تَأتُوا البُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلاكِنَّ البرُّ مَنِ اتَّقَى وَأَتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابها وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الْبَقَرَة: 189)

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر قَوْله: (وَلَيْسَ الْبر) الْآيَة كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره سَاق إِلَى آخر الْآيَة، وَاخْتلفُوا فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة.
فروى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء، قَالَ: كَانَت الْأَنْصَار إِذا قدمُوا من سفر لم يدْخل الرجل من قبل بابُُه، فَنزلت هَذِه الْآيَة.

     وَقَالَ  الْحسن الْبَصْرِيّ: كَانَ أَقوام الْجَاهِلِيَّة إِذا أَرَادَ أحدهم سفرا أَو خرج من بَيته يُرِيد سَفَره الَّذِي خرج لَهُ ثمَّ بدا لَهُ بعد خُرُوجه أَن يُقيم ويدع سَفَره لم يدْخل الْبَيْت من بابُُه وَلَكِن يتسوره من قبل ظَهره.
فَقَالَ الله تَعَالَى: { لَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا} (الْبَقَرَة: 189) الْآيَة.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: كَانَ الرجل إِذا اعْتكف لم يدْخل من بابُُ الْبَيْت فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة.

     وَقَالَ  عَطاء بن أبي رَبَاح: كَانَ أهل يثرب إِذا رجعُوا من عيدهم دخلُوا مَنَازِلهمْ من ظُهُورهَا، ويرون ذَلِك من أدنى الْبر فَقَالَ الله تَعَالَى: { لَيْسَ البربان تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا} (الْبَقَرَة: 189) .



[ قــ :4265 ... غــ :4512 ]
- ح دَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عنْ إسْرَائِيلَ عنْ أبِي إسْحَاقَ عَن البَرَاءِ قَالَ كانُوا إذَا أحْرَمُوا فِي الجاهِلِيَّةِ أتُوا البَيْتَ مِنْ ظُهْرِهِ فَأنْزَلَ الله { وَلَيْسَ البِرُّ بأنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ ظُهُورها وَلاكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأَتُوا البُيُوتَ مِنْ أبْوابها} .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي.

والْحَدِيث من أَفْرَاده بِهَذَا الطَّرِيق وَعَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر كَانَت قُرَيْش تدعى الحمس، وَكَانُوا لَا يدْخلُونَ من الْأَبْوَاب فِي الْإِحْرَام، وَكَانَت الْأَنْصَار وَسَائِر الْعَرَب لَا يدْخلُونَ الْأَمْن الْبابُُ فِي الْإِحْرَام فَبينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي بُسْتَان إِذْ خرج من بابُُه وَخرج مَعَه قُطْبَة بن عَامر الْأنْصَارِيّ: فَقَالُوا يَا رَسُول الله أَن قُطْبَة بن عَامر رجل فَاجر، وَإنَّهُ خرج مَعَك من الْبابُُ فَقَالَ لَهُ: مَا حملك على مَا صنعت؟ قَالَ: رَأَيْتُك فعلته ففعلته.
فَقَالَ إِنِّي رجل أحمس.
قَالَ: فَإِن ديني دينك، فَأنْزل الله: { وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا} (الْبَقَرَة: 189) الْآيَة قلت الحمس: بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وبسين مُهْملَة جمع أحمس: وهم قُرَيْش وكنانة وجديلة قيس سمو: حمسا لأَنهم تحمسوا فِي دينهم أَي: تشددوا والحماسة الشجَاعَة وَكَانُوا يقفون بِمُزْدَلِفَة وَلَا يقفون بِعَرَفَة وَيَقُولُونَ نَحن أهل الله فَلَا تخرج من الْحرم وَكَانُوا يدْخلُونَ الْبيُوت من أَبْوَابهَا وهم محرمون.