فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب خواتيم الذهب

( بابُُ خَواتِيمِ الذَّهَبِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم لبس خَوَاتِيم الذَّهَب، وَهُوَ جمع خَاتم، وَفِيه أَربع لُغَات: خَاتم بِفَتْح التَّاء وبكسرها، وخيتام، وخاتام وَالْجمع الخواتيم والخواتم بِلَا يَاء، وخياتيم بياء بدل الْوَاو، وخياتم بِلَا يَاء أَيْضا، وَذكر بعض أهل اللُّغَة أَن فِيهِ ثَمَان لُغَات وَهِي: خاتام وَخَاتم وَخَاتم وختام وخايتام وخيتوم وخيتام.



[ قــ :5549 ... غــ :5863 ]
- حدَّثنا آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةُ حَدثنَا أشْعَثُ بنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعاوِيَةَ بنَ سُوَيْدِ بنِ مُقَرِّنٍ قَالَ: سَمِعْتُ البَراءَ بنَ عازِبٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، يَقُولُ: نَهانا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْ سَبْعٍ: نَهاى عَنْ خاتَمِ الذَّهَبِ، أَو قَالَ: حَلْقَةِ الذَّهَبِ وعنِ الحَرير والاسْتَبْرَقِ والدِّيباجِ والمِيثَرَةِ الحَمْراءِ والقَسِّيِّ وآنِيَةِ الفِضَّةِ، وأمَرَنا بِسَبْعٍ: بِعِيادَةِ المَرِيضِ واتِّباعِ الجَنائِزِ وتَشْمِيتِ العاطِسِ وَرَدِّ السَّلامِ وإجابَةِ الدَّاعي وإبْرارِ المُقْسِمِ ونَصْرِ المَظْلُومِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( عَن خَاتم الذَّهَب) .
والْحَدِيث تقدم فِي أول بابُُ من أَبْوَاب الْجَنَائِز عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة ... الخ.
وَفِيه تَقْدِيم الْأَوَامِر على النواهي، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.





[ قــ :5550 ... غــ :5864 ]
- حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا غُنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتادَةَ عَنِ النَّضْرِ بنِ أنَس عَنْ بَشِيرِ بنِ نَهِيكِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنَّهُ نَهاى عَنْ خاتَمِ الذَّهَبِ.

وَقَالَ عَمْروٌ: أخبرنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتادَةَ: سَمِعَ النَّضْرَ سَمِعَ بَشِيراً، مِثْلَهُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وغندر لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَفِي بعض النّسخ صرح بِهِ، وَالنضْر بِسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ، وَبشير ضد النذير ابْن نهيك بِفَتْح النُّون وَكسر الْهَاء السدُوسِي الْبَصْرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي اللبَاس أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَغَيره.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن أَحْمد بن حَفْص وَغَيره.

قَوْله: ( وَقَالَ عَمْرو) وَأي: عَمْرو بن رمزوق الْبَاهِلِيّ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى إِثْبَات سَماع قَتَادَة عَن النَّضر وَسَمَاع النَّضر عَن بشير، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو عوَانَة فِي ( صَحِيحه) عَن أبي قلَابَة الرقاشِي عَن عَمْرو بن مَرْزُوق بِهِ.
قَوْله: ( مثله) ، أَي: مثل الْمَذْكُور قبله.





[ قــ :5551 ... غــ :5865 ]
- حدَّثنا مُسدَّدٌ حَدثنَا يَحْياى عَنْ عُبَيْدِ الله، قَالَ: حدّثني نافِعٌ عَنْ عبدِ الله رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اتخَذَ خاتَماً مِنْ ذَهَبٍ وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفهُ، فاتَّخَذَهُ النَّاسُ، فَرَمَى بِهِ واتَّخَذَ خاتَماً مِنْ ورقٍ أوْ فِضَّةٍ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( اتخذ خَاتمًا من ذهب) وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي اللبَاس عَن زُهَيْر بن حَرْب.

قَوْله: ( اتخذ خَاتمًا) يَعْنِي: أَمر بصياغته فصيغ لَهُ فلبسه أَو وجده مصوغاً فاتخذه.
قَوْله: ( فصه) ، بِفَتْح الْفَاء والعامة تَقول بِالْكَسْرِ.
قَوْله: ( فاتخذه النَّاس) ، أَي: فَاتخذ النَّاس الْخَاتم من ذهب.
قَوْله: ( وَاتخذ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ( خَاتمًا من ورق) بِكَسْر الرَّاء وَهُوَ الفصة.
قَوْله: ( أَو فضَّة) شكّ من الرَّاوِي.

وَهَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله يدلان على تَحْرِيم خَاتم الذَّهَب على الرِّجَال،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَأَجْمعُوا على تَحْرِيمه على الرِّجَال إلاَّ مَا حُكيَ عَن ابْن أبي بكر مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم فَإِنَّهُ أَبَاحَهُ، وَعَن بَعضهم أَنه مَكْرُوه لَا حرَام.
قلت: رُوِيَ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ أَنهم لبسوه، فَمن الصَّحَابَة: أنس بن مَالك والبراء بن عَازِب وَجَابِر بن سَمُرَة وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان وَزيد بن أَرقم وَزيد بن حَارِثَة وَسعد ابْن أبي وَقاص وصهيب بن سِنَان وَطَلْحَة بن عبيد الله وَعبد الله بن يزِيد وَأَبُو أسيد.
وَمن التَّابِعين: عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم وَآخَرُونَ.

وَأجِيب عَن فعل الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم، بجوابين: أَحدهمَا: أَنه لَعَلَّهُم لم يبلغهم النَّهْي.
وَالثَّانِي: لَعَلَّهُم حملُوا النَّهْي على التَّنْزِيه وَإِن طَرحه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِخَاتم الذَّهَب للتنزه عَن الدُّنْيَا كَمَا كَانَ ينْهَى أَهله عَن الْحِلْية مَعَ أَنَّهَا كَانَت مُبَاحَة للنِّسَاء.

فَإِن قلت: أحد من روى النَّهْي فِيهِ الْبَراء بن عَازِب كَمَا مر حَدِيثه الْآن.
قلت: قَالَ شَيخنَا، رَحمَه الله: الْجَواب عَنهُ أَن هَذَا لَيْسَ عملا للبراء مَحْضا فإمَّا أَنه كَانَ الْبَراء صَغِيرا حِين الْأذن، وَنحن نقُول بِجَوَاز اللبَاس لغير الْبَالِغ على الْخلاف الْمَعْرُوف فِيهِ عندنَا، وَإِمَّا أَن نجعلهما حديثين متعارضين فَيحْتَمل أَن يكون الْإِذْن مُتَقَدما على الْمَنْع.
فَإِن عرف التَّارِيخ بذلك كَانَ الحكم للنَّهْي وإلاَّ فَيرجع إِلَى التَّرْجِيح، وَلَا شكّ أَن حَدِيث النَّهْي أصح لِأَنَّهُ مُتَّفق عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، والْحَدِيث الَّذِي يسْتَند إِلَيْهِ الْبَراء فِي تختمه بِالذَّهَب هُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمد فِي: ( مُسْنده) من رِوَايَة مُحَمَّد بن مَالك،.

     وَقَالَ : رَأَيْت على الْبَراء خَاتمًا من ذهب وَكَانَ النَّاس يَقُولُونَ: لم تختم بِالذَّهَب وَقد نهى عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ الْبَراء: بَينا نَحن عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين يَدَيْهِ غنيمَة يقسمها سبي وحربي، فَقَالَ: فَقَسمهَا حَتَّى بَقِي هَذَا الْخَاتم فَرفع طرفه إِلَى أَصْحَابه ثمَّ خفض، ثمَّ رفع طرفه فَنظر إِلَيْهِم ثمَّ خفض، ثمَّ رفع طرفه فَنظر إِلَيْهِم ثمَّ قَالَ: أَي برَاء، فَجِئْته حَتَّى قعدت بَين يَدَيْهِ فَأخذ الْخَاتم ثمَّ قبض على كرسوعي ثمَّ قَالَ: خُذ إلبس مَا كساك الله وَرَسُوله ... الحَدِيث،.

     وَقَالَ  شَيخنَا مُحَمَّد بن مَالك رَاوِيه عَن الْبَراء: تفرد بِهِ عَنهُ، وَقد ذكره ابْن حبَان فِي: ( الضُّعَفَاء) .

     وَقَالَ : وَكَانَ يخطىء كثيرا لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد وَمَعَ هَذَا فقد ذكره ابْن حبَان أَيْضا فِي ( الثِّقَات) إلاَّ أَنه قَالَ: لم يسمع من الْبَراء شَيْئا.
قَالَ شَيخنَا: لَكِن ظَاهر هَذَا الحَدِيث يثبت سَمَاعه مِنْهُ، وَحكى ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه أَنه قَالَ فِيهِ: لَا بَأْس بِهِ، قَالَ: وَلَعَلَّ الْبَراء، فهم التَّخْصِيص بِإِذْنِهِ لَهُ فِي لبسه، وَمَعَ ذَلِك فَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَن الْعبْرَة بِمَا رَوَاهُ الرَّاوِي لَا بِمَا رَآهُ انْتهى.
قلت: الْعبْرَة عندنَا بِمَا رَآهُ على مَا عرف فِي مَوْضِعه، وَالله أعلم.
<